دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة0%

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 116

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف: أبو بكر بن محمّد بن عبد المؤمن تقي الدين الحصني الدمشقي
تصنيف:

الصفحات: 116
المشاهدات: 39196
تحميل: 5202

توضيحات:

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39196 / تحميل: 5202
الحجم الحجم الحجم
دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف:
العربية

من العدم وبارئها ومالكها؟!

وقال تعالى :( وَ مِنْ کُلِّ شَيْ‌ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) (١) ( سُبحانَ الذي خلق الازواج كُلَّها ) (٢) ، وفي ذلك إشارة ظاهرة الى عجزك عن إدراك كُنه بعض المخلوقات على اختلاف ذواتها وصفاتها، وفي بعضها ما لا يخطر على قلب بشر، فكيف بالخالق الذي نزّه نفسه بقوله تعالى :( ليس كمثله شيء )؟ !

وهو - سبحانه وتعالى - مباين لخلقه من كلّ وجه لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه، تقدّس أن يدركه حادث أو يتخيّله وَهم أو يتصوّره خيال، كل ذلك محال.

فهو الملك القُدّوس المنزّه في ذاته وصفاته عن مشابهة مخلوتاته، وأنت من مخلوقاته ; ركّبك على منوال عجيب، وجعلك في أحسن صورة وأعجب ترتيب، مع تنقّل تارات من ماء مهين، فقال عزّ وجلّ :( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ‌ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَکِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (٣) .

الانسان هنا هو آدمعليه‌السلام وسلالته ; لانّه سلّةٌ من كلّ تربة، وكانعليه‌السلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة.

____________________

(١) الذاريات : ٤٩.

(٢) يس : ٣٦.

(٣) المؤمنون : ١٢ - ١٤.

٦١

وقوله تعالى : ( ثمّ جعلناه ) أي الانسان ( نطفةً في قرار مكين ) أي حرز منيع، وهو الرحم ( ثم خلقناه علقةً ) أي دماً ( فخلقنا العلقة مضغةً ) أي قدر ما يُمضغ ( فخلقنا المضغة عظاماً ) وبين كل خلقتين أربعون يوماً ( فكسونا العظام لحماً ثمَّ أنشأناه خلقاً آخر ) وهو نفخ الروح فيه.

قاله ابن عبّاس ومجاهد والشعبي وغيرهم.

وقيل : نبات الاسنان والشعر، قاله قتادة.

وقيل : ذكراً أو أنثى، قاله الحسن، وقيل غير ذلك.

( فتبارك الله أحسن الخالقينَ ) أي المصوّرين والمقدّرين.

تنزّه سبحانه وتعالى بعد ذكر هذه الاطوار. المعنى : أنّ مَن هذه مِن بعض مقدوراته، يستحقّ التعظيم والتنزيه ; لانّ هذه التارات والتنقّلات إنشاء بعد إنشاء، في غاية الدلالة على كمال القدرة ووصف الالوهية، ثمّ الانشاء الاخر أن شقّ الشقوق وخرق الخروق، وأخرج العصب وجعل العروق كالانهار الجارية، وركّبها على منوال غريب، مع كونه خلقاً سويّاً، فأظهر يد القدرة والايات الظاهرة، وكمال الصنع والحكمة الباهرة، وأودع فيه الروح والحركة والسكون والادراك والتمييز، ولغات الكلام والعلم والمعرفة والفهم والفطنة والفراسة، وغير ذلك مّما يليق بهذا النوع الانساني الحيواني الى غير ذلك مّما يطول عدّه، ويعسر تقديره وحدّه ( فتبارك الله أحسنُ الخالقين ).

ولو قيل لك : أخبرني عن قدر عروقك رقّة وثخانة وطولاً وقصراً، أو عن حقيقة بعض ما في باطنك من أي نوع كان، لعجزت عن بيان ذلك ولخرست، وأنت وجميع هذا النوع الانساني نُتفة تراب جعله بشراً منتشراً.

فتعالى الله وتبارك أن يخوض في ذاته وصفاته إلاّ من عَدِم الرشاد، وسلك سبيل الفساد والعناد، وصيّر نفسه أخسّ العباد.

٦٢

فمن حقّق نظره واستعمل فكره، وجد نفسه أجهل الجاهلين بعظمة هذا العظيم.

فلا يقدّره أحد قدره ولا يعرفه سواه، وإن قرّبه وأدناه فسبحانه ما اثنى عليه حقّ ثنائه غيرُه، ولا وصفه بماغ يليق به سواه عجز الانبياء والمرسلون عن ذلك، قال أجلّهم قدراً وأرفعهم محلاً وأبلغهم نُطقاً، مع ما أُعطي من جوامع الكَلِم : «لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك».

ومن تأمل كلام الله - عزّ وجلّ - وجده محشواً بتنزيهه تارةً بالتصريح ; وتارة بالتلويح، وتارة بالاشارات، وتارة بما تقصر عنه العبارات.

وهؤلاء(١) العلماءُ ورثة الانبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين قربوا من درجة النبوّة، لانّهم دلّوا الناس على ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلا، ويرجح مدادهم على دم الشهداء، ويستغفر لهم من في السموات والارض حتّى الحيتان في الماء، وهم أمناء الله - عزّ وجلّ - في أرضه، وأحدهم على الشيطان أشدّ من ألف عابد.

وقد قيل في قوله تعالى :( ربِّ زدني علماً ) (٢) : أي زدني علماً بالقرآن ومعانيه.

وهؤلاء لهم علم لَدُنيّ يرد على قلوبهم من غيب الهدى، لها جَوَلان في

____________________

(١) معطوف على الانبياء أي عجزوا كما عجز الانبياء عن وصف ربّنا - عزّ وجلّ - كما ينبغي له ويليق به، ولولا ما علّمهم الله تعالى في دينه ما عرفوا ما عرفوا من وحيه، وإنّما قلنا بذلك العطف ; لانّه لم يحيء بعدهم حديث عنهم، فليعلم. انتهى .مصحّحه.

(٢) الكهف : ١١٤.

٦٣

الملكوت، فترجع الى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يلقي إليها عالم علمه.

ومن ثمرة ذلك حصول الخشية وتزايد الخوف، والعمل بالاخلاص والصدق والزهد وصون النفس عن مواطن الهلكة، وإلاّ هلك وأهلك غيره.

ومثل العالم كمثل السفينة إذا انخرقت غرقت وغرق أهلها، فواجب على العالم أن يحترز لئلا يَهلك ويُهلك غيره، فيلقى الله بذنوبه وذنوب غيره، فيضاعف عليه العذاب.

[قول محمد بن المنكدر بالتأويل]

قال محمد بن المنكدر - وهو من سادة التابعين، وكانت عائشة رضي‌الله‌عنها تحبّه وتُكرمه وتَبِّره : الفقيه يدخل بين الله - عزّ وجلّ - وبين عباده،فلينظر كيف يدخل ؟

وصدق ونصح قدّس الله روحه.

وهذا شأن السلف بذلوا النصيحة للاسلام والمسلمين، وكانوا شديدين على من خالف، ولا سيّما لما ظهر أهل الزيغ، وتظاهروا بالتنويه بذكر آيات المتشابه وأحاديثه، بالغوا في التحذير منهم ومن مجالستهم، وكانوا يقولون : هم الذين عنى الله - عزّ وجلّ - في قوله تعالى :( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) (١) الاية.

وكذا قالت عائشة رضي‌الله‌عنها

وكانوا يقولون - إذا جلس أحد للوعظ والتذكير - : تفقدوا منه أموراً، ولا تغترّوا بكلّ واعظ، فإنّ الواعظ إذا لم يكن صادقاً ناصحاً سليم السريرة من الطمع

____________________

(١) آل عمران : ٧.

٦٤

والهوى هلك وأهلك.

وذكروا أشياء ببعضها تنطفيء نار الشبه التي بها يموّه أهل الزيغ.

ومن لا يقبلها فما ذاك إلاّ أنّ الله - عزّ وجلّ - يريد إهلاكه وحشره في زمرة السامرة واليهود والزنادقة، ومن يرد الله - عزّ وجلّ - إضلاله فلا هادي له ( والله يحكم لا معقب لحكمه ) ( لا يُسأل عمّا يفعل ) قسّم الخلق الى شقيّ وسعيد، فهو الفعّال لما يريد، فمن اتبع هداه فلا يضلّ ولا يشقى، ومن اتبع هوى نفسه الامّارة وأهل الزيغ والضلالة، وحاد عن سبيل من بهم يُقتدى هلك في المرقى.

ولنرجع الى قول السلف رضي‌الله‌عنهم : إذا جلس شخص للوعظ فتفقدوا منه أُموراً إن كانت فيه، وإلاّ فاهربوا منه، وإياكم والجلوس إليه، وإلاّ هلكتم من حيث طلبتم النجاة.

قالوا ذلك حين ظهر أهل الزيغ والبدع، وكثرت المقالات، وذلك بعد وفاة عمررضي‌الله‌عنه وحديث حذيفةرضي‌الله‌عنه يدلّ لذلك واللفظ لمسلم.

[حديث حذيفة في الفتن ونبوغ الاهواء]

قال حذيفة : (كنّا عند عمررضي‌الله‌عنه ، فقال : أيّكم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم : نحن سمعناه. فقال : لعلّكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره، قالوا : أجل. قال : تلك تُكفّرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيّكم سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفةرضي‌الله‌عنه : فأسكت القومُ، فقلت : أنا. قال : أنت لله أبوك.

قال حذيفةرضي‌الله‌عنه : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : تُعرض الفتنُ على القلوب كالحصير، فأيّ قلب أُشرِبَها نُكِت فيه نُكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نُكِت فيه نُكتة بيضاء ; حتّى يصير على قلبين : على أبيض مثل الصفاة، فلا تضرّه

٦٥

فتنة مادامت السموات والارض، والاخر أسود مرباداً كالكوز مجْخيّاً ; لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلاّ ما أُشرب من هواه.

قال حذيفةرضي‌الله‌عنه : وحدّثته : أنّ بينك وبينها باباً مُغلقاً يوشك أن يُكسر.

قال : قال عمررضي‌الله‌عنه : أكسر لا أبا لك، فلو أنّه فتح لعلّه كان يعاد. قال : لا، بل يُكسر.

وحدّثته : أنّ ذلك الباب رجل يُقتل أو يموت حديثاً ليس بالاغاليط.

قال أبو خالد : فقلت لسعيد : يا أبا مالك ما «أسود مرباداً»؟

قال : شدة البياض في السواد.

قال قلت : فما «الكوز مجخيّاً»؟ قال : منكوساً(١) .

فقوله : «ليس بالاغاليط» يعني أنّه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والفتن كلّ أمر كشفه الاختبار عن أمر سوء، وأصله في اللغة الاختبار، وشُبّهت بموج البحر ; لاضطرابها ودفع بعضها ببعض وشدّة عظمها وشيوعها.

وقوله : «تعرض الفتن على القلوب» أي تلصق بعرض القلوب ; أي بجانبها كالحصير تلصق بجنب النائم، وتؤثر فيه لشدة التصاقها.

وهذا شأن المشبّهة تلصق فتنة التشبيه في قلوبهم وتؤثّر، وتحسن لعقولهم ذلك حتّى يعتقدوا ذلك ديناً وقرباناً من الله عزّ وجلّ، وما يقنع أحدهم حتّى يبقى داعية وحريصاً على(٢) إفتان من يقدر على إفتانه، كما هو مشاهد منهم.

____________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الايمان الحديث ٢٠٧، والبخاري في مواقيت الصلاة رقم ٤٩٤ وفي الزكاة ١٣٤٥ وفي الصوم ١٧٦٢ وفي المناقب ٣٣٢١ وفي الفتن ٦٥٦٧، والترمذي في الفتن ٢١٨٤، وابن ماجة في الفتن ٣٩٤٥، وأحمد في المسند رقم ٢٢٣٢٢.

(٢) يريد : فتنة من يقدر على فتنته أو فتن أو فتون. الى آخره. أنتهى. مصحّحه.

٦٦

وإلى مثل ذلك قوله «أُشرِبها» أي دخلت فيه دخولاً تامّاً وألزمها وحلّت منه محلّ الشراب ومنه قوله تعالى :( وأُشربوا في قلوبهم العجلَ ) (١) أي حبّه.

فقوله : «إنّ بينك وبينها باباً مُغلقاً» معناه أنّ تلك الفتن لا تفتح، ولا يخرج منها شيء في حياتك.

وقوله : يُوشك - هو بضم الياء وكسر الشين - معناه أنّه يكسر عن قرب، والرجل هو عمر، وقد جاء مبيّناً في الصحيح.

والحاصل : أنّ الحائل بين الناس وبين الفتن هو عمررضي‌الله‌عنه ما دام حيّاً، فإذا مات دخلت.

ومبدأ الفتن هو الذين شَرِقوا(٢) بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأبي بكر وعمر رضي ‌الله‌ عنهما ; لعلمهم أنّ الدين لا يتمّ إلاّ بهما ; لانّ عندهم علماً بذلك، وكانوا يُظهرون الاسلام ويقرؤون شيئاً من القرآن، وكانوا يرمزون الى التعرّض بالنقص حتّى في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أنّ منهم من كان يؤمّ الناس ولا يقرأ في الجهرية إلاّ بعبس ; لما فيها من العتاب مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاجل ابن أُمّ مكتوم، وهمّرضي‌الله‌عنه على(٣) قتاله.

وتظاهر شخص بسؤال : ماالذاريات ذَرْواً؟ فقال عمررضي‌الله‌عنه : اللّهمّ أمكني منه،

____________________

(١) البقرة : ٦٣.

(٢) أي غَصّوا بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبصاحبيه، فلم يستطيعوا أن ينفذوا ما يضمرون من الكيد للاسلام في وجودهم ; لعلمهم. الى آخره. انتهى.

(٣) «على» موضع الباء. انتهى .مصحّحه.

٦٧

فمرّ يوماً، فقيل له : هوذا، واسم الرجل صبيغ، فشمّر عمررضي‌الله‌عنه عن ذراعيه وأوجعه جلداً. ثمّ قال : أرحِلوه، فاركبوه على راحلته، فقال : طيفوا به في حيّه ليعلم الناس بذلك(١) .

وكانرضي‌الله‌عنه شديداً في دين الله - عزّ وجلّ - لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد ذكرت نبذة يسيرة من سيرته في كتاب «قمع النفوس».

ولما كان أواخر القرن الاوّل اتّسع الامر من القُصّاص.

وتظاهر شخص يقال له المغيرة بن سعيد، وكان ساحراً، واشتهر بالوصّاف، وجمع بين الالحاد والتنجيم، ويقول : إنّ ربه على صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء، ويقول ما لا ينطق به، ويقول : إنّ الامانة في قول الله تعالى :( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ ) (٢) ، هي أن لا يُمنع عليٌّ الخلافة، وقوله تعالى :( وَ حَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ کَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (٣) هو أبو بكررضي‌الله‌عنه ، وقال عمررضي‌الله‌عنه لابي بكر أن يحملها ويمنع عليّاً منها، وضمن عمر أنّه يعيّن أبا بكر بشرط أن يجعل أبو بكر الخلافة له بعده، فقبل أبو بكر منه، وأقدما على المنع متظاهرين.

ثمّ وصفهما بالظلم والجهل، فقال : وحملها أبو بكر إنّه كان ظلوماً جهولاً، وزعم أنّه نزل في حقّ عمررضي‌الله‌عنه ( كمثلِ الشيطانِ إذ قال للانسانِ أكفرْ. )

____________________

(١) ونفاه بعد ذلكرضي‌الله‌عنه ، ولم يرجعه حتّى صدقت توبته. انتهى. مصحّحه.

(٢) الاحزاب : ٧٢.

(٣) الاحزاب : ٧٢.

٦٨

(١) الاية، وكان يقول بتكفير سائر الصحابةرضي‌الله‌عنهم إلاّ لمن ثبت مع عليّرضي‌الله‌عنه .

وكان يقول : إنّ الانبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان يقول بتحريم إنكار المنكر قبل خروج الامام.

وقال لمحمّد الباقر : أقِرّ أنّك تعلم الغيب حتّى أجبي لك العراق، فانتهره وطرده.

وكذا فعل بجعفر الصادق - ولد محمّد الباقر - فقال : أعوذ بالله.

وكان يقول : انتظروا محمد بن عبدالله الامام، فإنّه يرجع ومعه ميكائيل وجبريل يتبعانه من الركن والمقام.

وكان له خبائث،فلمّا كان في السنة التاسعة عشرة والمائة ظفر به خالد بن عبدالله القسري، فأحرقه وأحرق معه خمسة من أتباعه(٢) .

فهذا شأن أهل الزيغ.

واستمرّ الامر على ذلك، إلاّ أنّهم سلكوا مسلك المكر والحيلة بإظهار

____________________

(١) الحشر : ١٦.

(٢) جمع المؤلّف في الحديث عن المغيرة بن سعيد بين هذه الخرافات وخلط فيها بين الحقّ والباطل نقلاً عن أعداء آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشويهاً لسمعتهم وإبعاداً للناس عنهم وعن مآثرهم ومكارمهم ومعارفهم، فليتروّ القارىء في أكثر هذه المنقولات، وليقرأها بحذَر!

فإنّ أكثر أهل هذا الشأن هم أهل الحديث، والمنتسبونَ إلى السلفيّة والمذهب الحنبليّ كما صرّح المؤلّف في مواضع، ومن الكراميّة والجهميّة، وهم أبعد الناس من آل محمد ومن مذهب أهل البيت.

٦٩

الكبّ(١) على سماع الحديث، ويكثرون من ذكر أحاديث المتشابه ويجمعونها ويسردونها على الناس والعوامّ.

ثم كثرت المقالات في زمن الامام أحمد وكثر القُصّاص، وتوجّع هو وابن عُيينة وغيرهما منهم، وكان الامام أحمد يقول : كنت أودّ لو كان قصّاصاً صادقاً نصوحاً طيّب السريرة.

[بدعة الكرامية والحنابلة]

ونبغ في زمنه محمّد بن كرام السجستاني، وترافق مع الامام أحمد، وأظهر حسن الطريقة حتّى وثقه هو وابن عيينة، وسمع الحديث الكثير، ووقف على التفاسير، وأظهر التقشّف مع العفّة ولين الجانب، وكان ملبوسه جلد ضأن غير مخيط، وعلى رأسه قَلَنسُوة بيضاء، ثم أخذ حانوتاً يبيع فيه لبناً، واتّخذ قطعة فَرْو يجلس عليها، ويعظ ويذكّر ويحدّث ويتخشّع.

حتّى أخذ بقلوب العوامّ والضعفاء من الطلبة لوعظه وبزهده ; حتّى حصر من تبعه من الناس فإذا هم سبعون الفاً، وكان من غلاة المشبهة، وصار يُلقي على العوامّ الايات المتشابهة والاخبار التي ظواهرها يوافق عقول العوامّ وما ألفوه.

ففطن الحُذّاق من العلماء، فأخذوه ووضعوه في السجن، فلبث في سجن نيسابور ثمانيَ سنين.

ثمّ لم يزل أتباعه يسعون فيه حتّى خرج من السجن، وارتحل الى الشام، ومات بها في زعر، ولم يعلم به إلاّ خاصّة من أصحابه، فحملوه ودفنوه في القدس الشريف، وكان اتباعه في القدس أكثر من عشرين ألفاً على التعبّد والتقشّف، وقد

____________________

(١) يريد «الاكباب». انتهى. مصحّحه.

٧٠

زيّن لهم الشيطان ما هم عليه وهم من الهالكين وهم لا يشعرون، واستمرّ على ما هم عليه خَلق شأنهم حمل الناس على ما هم عليه إلى وقتك هذا.

قال الله تعالى :( أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (١) قال سعيد بن جبير : هذه الاية نزلت في أصحاب الاهواء والبدع. المعنى : أنّه ركض في ميادين الباطل، وهو يظنّها حقّاً.

وكان ابن عبّاس - رضي‌الله‌عنهما - يقول عند هذه الاية : إنّ الضلالة لها حلاوة في قلوب أهلها.

والبدعة هي استحسان ما يسوق إليه الهوى والشبهة مع الظنّ بكونها حقّاً.

وهؤلاء يُنزع من قلوبهم نور المعرفة، وسراج التوحيد من أسرارهم، ووُكلوا الى ما أختاروا، فضلّوا وأضلّوا( وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْ‌ءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْکَاذِبُونَ‌ ) (٢) حتّى ينكشف لهم الامر.

كما قال الله تعالى :( وَ بَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَکُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) (٣) قيل : عملوا أعمالاً ظنّوا أنّها في كفّة الحسنات، فإذا هي في كفة السيئات.

وهذه الاية قيل : إنّها في أهل البدع، يتصوّر(٤) ويعتقد - مع تمام الورع

____________________

(١) فاطر : ٨.

(٢) المجادلة : ١٨.

(٣) الزمر : ٤٧.

(٤) أي أحدهم انتهى. مصحّحه.

٧١

والزهد وتمام الاعمال الصالحة وفعل الطاعات والقُرُبات - ما عاقبته خطرة، ومن ذلك أن يعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله ما هو خلاف الحقّ، ويعتقده على خلاف ما هو عليه ; إمّا برأيه ومعقوله الذي يُحاكي به الخصوم، وعليه يُعوّل وبه يغترّ، قد زيّن له العدّو وحلاّه له حتّى اعتقده ديناً ونعمة، وإمّا أخذاً بالتقليد مّمن هذه حاله. وهذا التقليد كثير في العوامّ، لا سيّما من يعضد بدعته واعتقاده بظاهر آية أو خبر، وهو على وفق الطبع والعادة.

وقد أهلك اللعين بمثل هذا خلقاً لا يُحصون حتّى إنّهم يعتقدون أنّ الحقّ في مثال ماهم عليه، وأنّ غيرهم على ضلالة.

ومثل هؤلاء ومن اتّبعوهم إذا بدا لهم ناصية مَلَك الموت، انكشف لهم(١) - ما اعتقدوه حقّاً - باطلاً وجهلاً، وخُتم لهم بالسوء، خرجت أرواحهم على ذلك، وتعذّر عليهم التدارك، وكذا كلّ اعتقاد باطل.

ولا يفيد زوال ذلك كثرة التعبّد وشدّة الزهد وكثرة الصوم والحجّ، وغير ذلك من أنواع الطاعات والقربات، لانّها تبع لامر باطل.

ولا ينجو أحد إلاّ بالاعتقاد الحقّ وقد قال تعالى :( فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (٢) وهذه الاية صريحة في أنّه ليس بين الحقّ والباطل واسطة.

والباطل هو الذهاب عن الحقّ، مأخوذ من ضلّ الطريق، وهو العدول عن سمته.

____________________

(١) في الاصل : انكشف لهم بطلان ما اعتقدوه. .» وهو من سهو القلم، والصحيح حذف كلمة «بطلان». ولعلّ «بطلان» من زيادة النسّاخ .انتهى. مصحّحه.

(٢) يونس : ٣٢.

٧٢

والحقّ هو الصراط المستقيم الذي في قوله تعالى :( وَ أَنَّ هٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذٰلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ‌ ) (١) وصف الله تعالى صراطه - وهو دينه - بالاستقامة، وأمر باتّباعه.

والمستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه، فمن اتّبعه أوصله الى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

قال سهل : الصراط المستقيم هو الاقتداء والاتّباع وترك الهوى والابتداع.

ثمّ إنّه تعالى نهى عن اتّباع السُّبل ; لما فيها من الحِيَدَة عن طريق الاستقامة، فقال : ( ولا تَتّبِعُوا السُّبلَ فتفرَّقَ بِكم عن سبيله ) أي تميل بكم عن طريقه - التي ارتضى، وبه(٢) أوصى - الى سُبُل الضلالات من الاهواء، فتهلكوا.

قيل لعبدالله بن مسعودرضي‌الله‌عنه : ما الصراط المستقيم؟ فقال : «ما تركنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أدناه وطرفه في الجنّة، وعن يمينه جوادّ، وعن يساره جوادّ، وثَمّ رجال يدعون من مرّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به الى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به الى الجنّة، ثمّ تلا : ( وأنَّ هذا صراطي مُستقيماً ) الاية

فأشاررضي‌الله‌عنه بالرجال الذين على الجوادّ الى علماء السوء وأهل البدع، وأشار بقوله : «يدعون من مرّ بهم» الى الوعّاظ الذين هم سبب هلاك من قعد إليهم.

____________________

(١) الانعام : ١٥٣.

(٢) راعى في وصف الطريق ب- «التي» جواز تأنيثها، وراعى في رجوع الضمير إليها «به» جواز تذكيره، فليعلم. انتهى. مصحّحه.

٧٣

ولهذا بالغ السلف رضي‌الله‌عنهم في التحذير من مجالسة كلّ أحد، وقالوا : إذا جلس للوعظ فتفقدّوا منه أموراً، فإن كانت فيه فأهربوا منه، وإلاّ هلكتم من حيث ظننتم النجاة.

منها : إن كان مبتدعاً فاحذروه واجتنبوه، فانه على(١) لسان الشيطان ينطق، ومن نطق على لسان الشيطان فلا شكّ ولا ريب في إغوائه، فيهلك الانسان من حيث يظنّ السلامة.

وأيضاً ففي المشي إليه ومجالسته تعظيم له وتوقير.

روى ابن عدي من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها : (من وقّر صاحب بِدْعة فقد أعان على هدم الاسلام)، ورواه الطبراني في مُعجمه الاوسط، ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث عبدالله بن بشر، وبهذا وغيره يجب التبرّي من أهل البدع والتباعد.

قال بعض السلف : «من بشّ في وجه مبتدع أو صافحه فقد حلّ عُرى الاسلام عروة عروة».

وقال شخص من أهل الاهواء لايّوب السختيانيرضي‌الله‌عنه : أكلّمك كلمة. فقال : لا والله ولا نصف كلمة.

وكان يقول : ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلاّ ازداد من الله بُعداً.

قالرضي‌الله‌عنه : كنّا ندخل على أيّوب السختياني، فإذا ذكرنا له حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي حتّى نرحمه.

وكان يقول : إذا بلغني موت أحد من أهل السُّنّة فكأنّما يسقط عضو من

____________________

(١) «على» بمعنى عن أو الباء. انتهى .مصحّحة.

٧٤

أعضائي.

وكان يقول : والله ما صدق عبد إلاّ سرّه ألاّ يراه أحد(١) .

وكان يونس بن عبيد يقول : احفظوا عنّي ثلاثاً متُّ أو عشتُ : لا يدخلنّ أحد على سلطان يعظه أو يعلّمه، ولا يخلونّ بأمرأة شابة وإن أقرأها القرآن، ولا يمكّن سمعه من ذي هوىً، وأشدها الثالثة ; لما فيها من الزيغ أعاذنا الله من ذلك.

وكان يقول : ما يزال العبد بخير ماأبصر ما يفسد عمله.

ويونس هذا تابعي من أصحاب الحسن البصري.

وكان أبو عبدالله الاصبهاني من عباد الله الصالحين ومن البكّائين، ولم يكن بأصبهان أزهد منه ولا أورع منه، قال : وقفت على علي بن ماشاذة، وهو يتكلّم على الناس.

فلمّا جاء الليل رأيت ربّ العزة في النوم، فقال لي : وقفت على مبتدع وسمعت كلامه لاحرمنّك النظر في الدنيا، فاستيقظ وعيناه مفتوحتان لا يبصر بهما شيئاً.

وقال الحميدي : سمعت الفضيل يقول : من وقرّ صاحب بدعة أورثه الله عمًى قبل موته.

قيل : أراد أيضاً عمى البصيرة.

____________________

(١) أي وهو يعمل الصالحات، وهو كلام جليل، فليفكّر فيه القارىء طويلاً لعله يتحقق به. انتهى. مصحّحه.

٧٥

[البدعة وأسبابها]

وأعلم : أنّ الكلام على البدعة وأهلها فيه طول جدّاً، وقد ذكرت جملة منه في «تنبيه السالك على مظانّ المهالك».

ومنها : أن يكون الواعظ سيء الطعمة، فإنّه إنّما ينطق بالهوى ; لانّ مثل هذا يوقع الناس في الحرام،أو ربّما اعتقدوا حلّه ; لانّهم يقتدون به في فعله بواسطة قوله.

ومنها : أن يكون رديء العقل أحمق، فانه يفسد بحمقه أكثر مما يصلح،والاحمق هو الذي يضع الشيء في غير موضعه ويعتقد أنّه يصيب.

قال عيسىعليه‌السلام : «أبرأت الاكمه والابرص وأعياني الاحمق».

فالاحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه للطريق فاسد، فلا يكون له رؤية صحيحة في طريق الوصول الى الغرض، ويختار ما لاينبغي أن يختار، وهذا واجب الاجتناب.

بخلاف صاحب العقل الصحيح، فإنّه يُثمر حسن النظر وجودة التدبير وثقافة الرأي وإصابة الظنّ، والتفطن لدقائق الادلّة والاعمال وخفايا النفس الامّارة وغرور الشيطان.

ومنها : أن يذكر الادّلة التي هي رجاء وتوسعة على النفوس، ويسكت عن آيات الخوف والرهبة وكذا الاخبار والاثار ; لانه بذلك يحلّ من القلوب الزواجر، ويسهل ارتكاب المعاصي، لا سيّما إذا علم منه ارتكاب شيء ولو كان مكروهاً، فانه يوقع الناس في ورطة عظيمة.

قال : «إذا عبث العلماء بالمكروه عبث العوامّ بالحرام، وإذا عبث العلماء بالحرام كفر العوامّ» ; معناه : أنّهم يعتقدون حلّه لارتكاب العلماء ذلك ; لانّهم القادة وعليهم المعوّل في التحليل والتحريم.

ومنها : أن يتعرّض لايات المتشابه وكذلك الاخبار، ويجمعها ويسردها ويكرّر

٧٦

الاية والخبر مراراً ; لانّه يوقع العامّي فيما اعتاده وألفه، فيُجري صفات الخالق سبحانه وتعالى على ما ألفه وجرى عليه طبعه، ويزيّنه الشيطان له بغروره، لا سيّما إن كان الواعظ مّمن يُظهر زهداً وورعاً وشفقة على الناس، فكم من شخص حسن الظاهر خبيث الباطن، جميل الظاهر قبيح السرائر والضمائر.

والسلف رضي‌الله‌عنهم لهم اعتناء بشدّة مجانبة هذا والتباعد عنه.

ومنها : أن يكون متهماً بالرفض وبسبّ الصحابة رضي‌الله‌عنهم.

وهؤلاء نبّه مالكرضي‌الله‌عنه على أنّهم من سلالة المنافقين، وأوضح ذلك نوّر الله تعالى قلبه، فقال : أرادوا أن يقدحوا في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيء فلم يجدوا مساغاً، فقدحوا في الصحابة ; لانّ القدح في الرجل قدح في صاحبه وخليطه، وهؤلاء كفّار لا ستحلالهم سبّ أفضل الخلق بعد الانبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ومنهم : أقوام يُلبسون على الناس بقراءة البخاري وغيره، وهم لا يعتقدون البخاري، ويسمّونه فيما بينهم بالفشاري، ولهم خبائث عديدة كلّ واحدة كفر محقّق.

وبقي أُمور لا أطوّل بذكرها.

فمن أراد الله به خيراً حماه عن مجالسة هؤلاء ; لانّ القلب سريع الانقلاب وقبول الرخص والشبه، فإذا علقت به الشبهة والريبة فبعيد أن ترتفع عن قلبه غشاوة ما وقر فيه، وأقلّ ما ينال القلب التردّد والحيرة، وذلك عين الفتنة ومراد الشيطان.

فّان كان الذي دخلت قلبه الشبهة عاميّاً، والمبتدع أدخلها عليه ب- «قال الله عزّ وجلّ وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فبعيد أن يرجع ويتقشّع عن قلبه غشاوة الجهل والحيرة لتحكّم الشبهة بالدليل، وهذا من الهالكين إلاّ أن يتداركه الله

٧٧

برحمته.

لانّ عمدة الناس الكتاب والسُّنّة، والهلكة الجهلة يفهمونهما على غير المراد منهما على الوجه المرضيّ.

فمن حقّ العبد الطالب للنجاة حراسة قلبه وسمعه عن خزايا خُزعبلات المبتدعة وتزويق كلامهم، وأن لا يغترّ بتقشّفهم وكثرة تعبّدهم وزهدهم ووصفهم لانفسهم، فإنّ ذلك من أقوى حبائلهم التي يصطادون بها، وبها تتشرّب القلوب لبدعتهم، لا سيّما من قلبه مشغوف بحبّ الدنيا، إذا رأى زاهداً فيها، مع إكبابه على الكتاب والسُّنّة،مع الورع والزهد والعفّة والقناعة، فلا شكّ ولا ريب أنّه يرغب فيه غاية الرغبة، ويميل إليه غاية الميل، ولا يصدّه عنه صادّ، كما هو مشاهد من العوامّ ومحبّتهم ورغبتهم لمن هو بهذه المثابة.

فتنبّه لذلك، فقد أوضحتُ طريق السلامة والتباعد من مظانّ الهلكة.

فكم من شخص قصدُهُ صالحٌ، قد هلك بمثل هؤلاء إخوان الشياطين وهو لا يشعر.

وعليك بالاقتداء بالاطباء ; أعني أطباء القلوب، وهم الانبياءعليهم‌السلام ; لانهم العالمون بأسباب الحياة الاُخروية، ثمّ أتباعهم الذين أخذوا عنهم، وشاهدوا منهم مالم يشاهده غيرهم. شعر :

٧٨

٧٩

٨٠