دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة0%

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 116

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف: أبو بكر بن محمّد بن عبد المؤمن تقي الدين الحصني الدمشقي
تصنيف:

الصفحات: 116
المشاهدات: 39198
تحميل: 5202

توضيحات:

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39198 / تحميل: 5202
الحجم الحجم الحجم
دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

دفع الشبه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والرسالة

مؤلف:
العربية

٨١

يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، هم شرّ الخلق طُوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يَدْعُو الى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، من قتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا : يا رسول الله وما سيماهم؟ قال : التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم)(١) أي اقتلوهم، والتسبيد هو الحلق واستئصال الشعر، وقيل : ترك التدهّن وغسل الرأس وغير ذلك.

والاحاديث في ذلك كثيرة، وفي واحد كفاية لمن أراد الله - عزّ وجلّ - به الرشد والهداية.

فقد أوضحهم سيّد الناصحينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - باعتبار أوصافهم وأماكنهم - إيضاحاً جليّاً لا خفاء فيه لا جهالة، فلا يتوقّف في معرفتهم بعد ذلك إلاّ من أراد الله تعالى إضلاله.

[التحذير من عقائد التيمية أهل الزيغ]

وإذا تمهّد لك هذا أيّها الراغب في فكاك نفسك من رِبْقة عقائد أهل الزيغ

الضالين المضلين، والاقتداء بأهل السلامة في الدين.

فاعلم : أنّي نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبّع ما تشابه في الكتاب والسُّنّة ابتغاء الفتنة، وتبعه على ذلك خَلْق من العوامّ وغيرهم ممّن أراد الله - عزّ وجلّ - إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به(٢) ، ولا لي أنامل تُطاوعني على رسمه وتسطيره.

لما فيه من تكذيب ربّ العالمين في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين.

____________________

(١) سنن أبي داود كتاب السنة رقم ٤١٣٧.

(٢) ليتأمل هذا جدّاً، فإنّه عجيب. انتهى. مصحّحه.

٨٢

وكذا الازدراء بأصفيائه المنتجبين وخلفائهم الراشدين وأتباعهم الموّفقين.

فعدلت عن ذلك الى ذكر ما ذكره الائمة المتّقون، وما اتّفقوا عليه من تبديعه وإخراجه ببعضه من الدين، فمنه ما دُوّن في المصنّفات، ومنه ما جاءت به المراسيم العليات، وأجمع عليه علماء عصره مّمن يرجع إليهم في الامور الملمّات والقضايا المهمات، وتضمّنه الفتاوي الزكيّات من دنس أهل الجهالات، ولم يختلف عليه أحد، كما اشتهر بالقراءة والمناداة على رؤوس الاشهاد في المجامع الجامعة ; حتّى شاع وذاع، واتّسع به الباع حتّى في الفوات.

[المرسوم السلطاني بشأن ابن تيمية]

فمن ذلك نسخة المرسوم الشريف السلطاني(١) ، ناصر الدنيا والدين محمّد بن قلاوون - رحمه الله تعالى - وقُرىء على منبر جامع دمشق، نهار الجمعة سنة خمس وسبعمائة. صورته(٢) :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير، وتعالى عن المِثْل، فقال تعالى :( لَيْسَ کَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (٣) .

____________________

(١) لفظ «ناصر الدين» صفة لموصوف محذوف قطعاً ليستقيم الكلام، والتقدير الصادر من السلطان ناصر الدين. الى آخره. أنتهى. مصحّحه.

(٢) لاحظ الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ص١٤٥.

(٣) الشورى : ١١.

٨٣

نحمده على ما ألهمنا من العمل بالسُّنّة والكتاب، ورفع في أيّامنا أسباب الشكّ والارتياب.

ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ; شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقه عن التحيّز في جهة ; لقوله تعالى :( وَ هُوَ مَعَکُمْ أَيْنَ مَا کُنْتُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١) .

ونشهد أنّ سيّدنا محمّداً عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمر بالتفكّر في الايات، ونهى عن التفكر في ذاته،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه الذين علا بهم منارُ الايمان وارتفع، وشيّد الله بهم من قواعد الدين الحنيفي ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحقّ ومال الى البدع.

وبعدُ :

فإنّ القواعد الشرعية ; وقواعد الاسلام المرعيّة، وأركان الايمان العلمية، ومذاهب الدين المرضيّة، هي الاساس الذي يُبنى عليه، والموئل الذي يرجع كلّ أحد إليه، والطريق التي من سلكها فاز فوزاً عظيماً، ومن زاغ عنها فقد استوجب عذاباً أليماً : ولهذا يجب أن تنعقد أحكامها : ويؤكد دوامها : وتصان عقائد هذه الاُمة عن الاختلاف : وتُزان بالرحمة والعطف والائتلاف : وتُخمد ثوائر البدع، ويُفرّق من فرقها ما اجتمع.

وكان ابن تيميّة في هذه المدّة قد بسط لسان قلمه، ومدّ بجهله عنان كلمه، وتحدّث بمسائل الذات والصفات، ونصّ في كلامه الفاسد على أمور منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الائمة الاعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الاسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء

____________________

(١) الحديد : ٤.

٨٤

والحكّام، وشهر من فتاويه ما استخفّ به عقول العوامّ، وخالف في ذلك فقهاء عصره، وأعلام علماء شامه ومصره، وبثّ به رسائله الى كلّ مكان، وسمّى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.

ولمّا اتّصل بنا ذلك، وما سلك به هو ومريدوه، من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه، من هذه الاحوال وأشاعوه، وعلمنا أنّه استخفّ قومه فأطاعوه، حتى اتّصل بنا أنّهم صرّحوا في حقّ الله سبحانه بالحرف والصوت والتشبيه والتجسيم.

فقمنا في نصرة الله، مشفقين من هذا النبأ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة، وعزنا(١) أن يشيع عمّن تضّمنه ممالكه هذه السمعة، وكرهنا ما فاه به المبطلون، وتلونا قوله تعالى :( سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ‌ ) (٢) .

فإنّه - سبحانه وتعالى - تنزّه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير،( لاَ تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (٣) .

فتقدمت مراسيمنا باستدعاء ابن تيميّة المذكور الى أبوابنا، حين ما سارت فتاويه الباطلة في شامنا ومصرنا، وصرّح فيها بألفاظ ما سمعها ذو فهم إلاّ وتلا

____________________

(١) هذه الفقرة محرّفة، ومعناها ليس بظاهر، والذي يظهر أنّ أصلها : «وعُذنا» أن يشيع عمّن تضمّه ممالكه هذه السمعة» يستعيذ السلطان بالله أن يشيع عنه هو تلك السمعة ; لانّ الرجل في مملكته. انتهى. مصحّحه.

(٢) الصافات: ١٨٠.

(٣) الانعام : ١٠٣.

٨٥

قوله تعالى :( لقد جئت شيئاً نُكراً ) (١) .

ولمّا وصل إلينا الجمع أولوا العقد والحلّ، وذوو التحقيق والنقل، وحضر قضاة الاسلام، وحكّام الانام، وعلماء المسلمين، وأئمة الدنيا والدين، وعُقد له مجلس شرعيّ في ملا من الائمة وجمع، ومن له دراية في مجال النظر ودفع.

فثبت عندهم جميع ما نُسب إليه، بقول من يُعتمد ويُعوّل عليه، وبمقتضى خطّ قلمه الدالّ على مُنْكَرِ معتقده(٢) .

وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته الخبيثة منكرون، وآخذوه بما شهد به قلمه تالين :( ستُكتَبُ شهادَتُهم ويُسألوُنَ ) (٣) .

وبلغنا أنّه قد استُتِيبَ مراراً فيما تقدّم، وأخّره الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثمّ عاد بعد منعه، ولم يدخل ذلك في سمعه.

ولمّا ثبت ذلك في مجلس الحاكم المالكي، حكم الشرع الشريف أن يُسجن هذا المذكور، ويُمنع من التصرّف والظهور.

ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن التشبيه في اعتقاد مثل ذلك، أو يعود له في هذا القول متّبعاً، أو لهذه الالفاظ مستمعاً، أو يسري في مسراه، أو يفوه بجهة العلّو بما فاه، أو يتحدّث أحد بحرف أو صوت، أو يفوه بذلك الى الموت، أو ينطق بتجسيم، أو يحيد عن الطريق

____________________

(١) الكهف : ٧٤.

(٢) ليحفظ هذا، ثمّ ليحفظه المغررون. انتهى. مصحّحه.

(٣) الزخرف : ١٩.

٨٦

المستقيم، أو يخرج عن رأي الائمة، أو ينفرد به عن علماء الاُمّة، أو يحيّز الله سبحانه وتعالى في جهة، أو يتعرّض الى حيث وكيف، فليس لمعتقد هذا إلاّ السيف(١) .

فليقف كلّ واحد عند هذا الحدّ، ولله الامر من قبل ومن بعد.

وليلزم كلّ واحد من الحنابلة بالرجوع عن كلّ ما أنكره الائمّة من هذه العقيدة، والرجوع عن الشبهات الذائعة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به، والتمسك بمسالك أهل الايمان الحميدة، فإنّه من خرج عن أمر الله فقد ضلّ سواء السبيل.

ومثل هذا ليس له إلاّ التنكيل، والسجن الطويل مستقرّه ومقيله وبئس المقيل.

وقد رسمنا بأن يُنادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدنيّة والقصيّة : بالنهي الشديد، والتخويف والتهديد، لمن اتّبع ابن تيميّة في هذا الامر الذي أوضحناه.

ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الامّة كما وضعناه، ومن أصرّ على الامتناع، وأبى إلاّ الدفاع، أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم، وأسقطناهم من مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا حكم ولا ولاية، ولا شهادة ولا إمامة، بل ولا مرتبة ولا إقامة.

فإنّا أزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد، وأبطلنا عقيدته الخبيثة التي أضلّ بها كثيراً من العباد أو كاد، بل كم أضلّ بها من خلق، وعاثوا بها في الارض الفساد.

____________________

(١) لينظر هذا كذلك. انتهى. مصحّحه.

٨٧

ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك، وتسيّر المحاضر بعد إثباتها على قضاء المالكية. وقد أعذرنا وحذّرنا، وأنصفنا حيث أنذرنا.

وليُقرأ مرسومنا الشريف على المنابر; ليكون أبلغ واعظ وزاجر، لكلّ باد وحاضر.

والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه.

وكُتب ثامن(١) عشرين شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة(٢) .

[تاريخ ابن تيمية كما نقله المؤرّخ ابن شاكر]

وأزيد على ذلك ما ذكره صاحب «عيون التواريخ»، وهو ابن شاكر، ويعرف بصلاح الدين الكتبي وبالتريكي، وكان من أتباع ابن تيميّة، وضُرب الضرب البليغ ; لكونه قال لمؤذّن في مأذنة العروس وقت السحر : أشركت، حين قال :

وإنّما أذكر ما قاله لانه أبلغ في حقّ ابن تيميّة في إقامة الحجّة عليه، مع أنّه أهمل أشياء من خبثه ولؤمه، لما فيها من المبالغة في إهانة قدوته. والعجب أنّ ابن تيميّة ذكرها، وهو سكت عنها:

كلام ابن تيميّة في الاستواء ووثوب الناس عليه:

فمن ذلك ما أخبر به ابو الحسن علي الدمشقي - في صحن الجامع الاموي - عن أبيه، قال: كنّا جلوساً في مجلس ابن تيميّة، فذكر ووعظ وتعرّض لايات الاستواء، ثمّ قال: (واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا).

قال: فوثب الناس عليه وثبة واحدة، وأنزلوه من الكرسي، وبادروا إليه ضرباً باللكم والنعال وغير ذلك ; حتّى أوصلوه الى بعض الحكّام.

واجتمع في ذلك المجلس العلماء، فشَرَع يناظرهم، فقالوا: ما الدليل على ما صدر منك؟

فقال: قوله تعالى:( الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) .

فضحكوا منه، وعرفوا أنّه جاهل لا يجري على قواعد العلم.

ثمّ نقلوه ليتحققوا أمره. فقالوا: ما تقول في قوله تعالى: (فأينما تُولُّوا فثمّ وجه الله) ؟

فأجاب بأجوبة تحقّقوا أنّه من الجهلة على التحقيق، وأنّه لا يدري ما يقول.

____________________

(١) طه: ٥.

٨٨

٨٩

وكان قد غرّه بنفسه ثناء العوامّ عليه، وكذا الجامدون(١) من الفقهاء، العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الادّلة على الوجه المرضي.

وقد رأيت في فتاويه ما يتعلّق بمسألة الاستواء، وقد أطنب فيها، وذكر أموراً كلّها تلبيسات وتجرّيات خارجة عن قواعد أهل الحقّ، والناظر فيها إذا لم يكن ذا علوم وفطنة وحُسن رويّة، ظنّ أنّها على منوال مرضيّ.

ومن جملة ذلك بعد تقريره وتطويله: «إنّ الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله تعالى : (هو الذي خلق السمواتِ والارضَ في ستةِ أيّام ثمّ استوى على العرشِ يعلم ما يَلجُ في الارضِ وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصيرٌ)، فأخبر: أنّه فوق العرشِ يعلم كلّ شيء، وهو معنا أينما كنّا».

هذه عبارته بحروفها.

فتأمّل - أرشدك الله تعالى - هذا التهافت، وهذه الجرأة بالكذب على الله تعالى: أنه - سبحانه وتعالى - أخبر عن نفسه أنّه فوق العرش، ومحتجاً بلفظ الاستواء الذي هو موضوع بالاشتراك، ومن قبيل المجمل.

وهذا وغيره مما هو كثير في كلامه يتحقّق به جهله وفساد تصوّره وبلادته.

وكان بعضهم يسمّيه: حاطب ليل، وبعضهم يسمّيه: الهدار المهذار.

وكان الامام العلامة شيخ الاسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرّح بأنّه من الجهلة، بحيث لا يعقل ما يقول.

____________________

(١) كذا بالاصل، وليس بخفيّ أنّ لفظ «الجامدين» حقّها الجامدون، وكذا العارون. انتهى. مصحّحة.

٩٠

ويخبر أنه أخذ مسألة التفرقة(١) عن شيخه، الذي تلقّاها عن أفراخ السامرة واليهود الذين أظهروا التشرّف بالاسلام.

وهو(٢) من أعظم الناس عداوة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقَتَلَ عليٌّرضي‌الله‌عنه واحداً منهم، تكلّم في مجلسه كلمة فيها ازد راء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد وقفت على المسألة ; أعني مسألة التفرقة التي أثارها اليهود ; ليزدروه بها، وبحثوا فيها على قواعد مأخوذة من الاشتقاق، وكانوا يقطعون بها الضعفاء من العلماء، فتصدّى لهم الجهابذة من العلماء، وأفسدوا ما قالوه بالنقل والعقل والاستعمال الشرعي والعرفي، وأبادوهم بالضرب بالسياط وضرب الاعناق، ولم يبقَ منهم إلاّ الضعفاء في العلم، ودامت فيهم مسألة التفرقة حتّى تلقّاها ابن تيميّة عن شيخه، وكنت أظنّ أن-ه ابتكرها.

واتفق الحُذّاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه وكثرة خطئه، وعدم إدراكه للمآخذ الدقيقة وتصوّرها، عرفوا ذلك منه بالمفاوضة في مجالس العلم.

[تاريخ ابن تيمية الاسود]

ولنرجع الى ما ذكره ابن شاكر في تاريخه ; ذكره في الجزء العشرين.

قال: وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب، عُقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الابلق، فسُئل ابن تيميّة عن عقيدته ؟ فأملى

____________________

(١) ظاهر أنّها الفوقية، وكذا ما يأتي بعد كالسياق أو التفرقة حياة الرسول ومماته. أنتهى. مصحّحه.

(٢) ظاهر أنّ اللفظ هم لا هو. أنتهى. مصحّحه.

٩١

شيئاً منها.

ثمّ أُحضرت عقيدته الواسطيّة، وقرئت في المجلس، ووقعت بحوث كثيرة، وبقيت مواضع أُخّرت الى مجلس ثان، ثمّ اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب.

وحضر المجلس صفي الدين الهندي، وبحثوا، ثمّ اتفقوا على أنّ كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيميّة، ورضوا كلّهم بذلك، فأفحم كمالُ الدين ابنَ تيميّة، وخاف ابن تيميّة على نفسه، فأشهد على نفسه الحاضرين أنّه شافعيّ المذهب، ويعتقد ما يعتقده الامام الشافعي، فرضوا منه بذلك وانصرفوا.

ثمّ إنّ أصحاب ابن تيميّة أظهروا أنّ الحقّ ظهر مع شيخهم، وأنّ الحقّ معه، فأُحضروا الى مجلس القاضي جلال الدين القزويني، وأحضروا ابن تيميّة وصُفع ورُسم بتعزيره، فشفّع فيه، وكذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيميّة.

ثمّ قال: ولمّا كان سَلخُ رجب جمعوا القضاة والفقهاء، وعُقد مجلس بالميدان أيضاً، وحضر نائب السلطنة أيضاً، وتباحثوا في أمر العقيدة، وسلك معهم المسلك الاوّل.

فلمّا كان بعد أيّام ورد مرسوم السلطان ; صحبة بريديّ من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة نجم الدين بن صصري وبابن تيميّة، وفي الكتاب: تعرّفونا ما وقع في سنة ثمان وتسعين في عقيدة ابن تيميّة.

فطلبوا الناس وسألوهم عمّا جرى لابن تيميّة في أيّام نُقل عنه فيها كلام قاله، وأحضروا للقاضي جلال الدين القزويني العقيدة التي كانت أُحضرت في زمن قاضي القضاة إمام الدين، وتحدّثوا مع ملك الامراء في أن يكاتب في هذا الامر، فأجاب، فلمّا كان ثاني يوم وصل مملوك ملك الامراء على البريد من مصر، وأخبر أنّ الطلب على ابن تيميّة كثير، وأنّ القاضي المالكي قائم في قضيّته قياماً عظيماً،

٩٢

وأخبر بأشياء كثيرة من الحنابلة وقعت في الديار المصرية، وأنّ بعضهم صُفع، فلمّا سمع ملك الامراء بذلك انحلّت عزائمه عن المكاتبة، وسيّر شمس الدين بن محمّد المهمندار الى ابن تيميّة، وقال له:

قد رسم مولانا ملك الامراء بأن تسافر غداً، وكذلك راح الى قاضي القضاة، فشرعوا في التجهيز، وسافر صحبة ابن تيميّة أخواه عبدالله وعبدالرحمن، وسافر معهم جماعة من أصحاب ابن تيميّة.

وفي سابع شوّال وصل البريدي الى دمشق، وأخبر بوصولهم الى الديار المصريّة، وأنّه عقد لهم مجلس بقلعة القاهرة بحضرة القضاة والفقهاء والعلماء والامراء: فتكلّم الشيخ شمس الدين عدنان الشافعي وادّعى على ابن تيميّة في أمر العقيدة، فذكر منها فصولاً.

فشرع ابن تيميّة فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وتكلّم بما يقتضي الوعظ، فقيل له: ياشيخ إنّ الذي تقوله نحن نعرفه، وما لنا حاجة الى وعظك، وقد أدُّعي عليك بدعوى شرعية فأجب.

فأراد ابن تيميّة أن يعيد التحميد، فلم يمكّنوه من ذلك، بل قيل له: أجب.

فتوقّف، وكُرِّر عليه القول مراراً، فلم يزدهم على ذلك شيئاً، وطال الامر، فعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه وحبسِ أخويه معه.

فحبسوه في بُرج من أبراج القلعة فتردّد إليه جماعة من الامراء، فسمع القاضي بذلك، فاجتمع بالامراء، وقال: يجب عليه التضييق إذا لم يقتل، وإلاّ فقد وجب قتله، وثبت كفره.

فنقلوه الى الجُبّ بقلعة الجبل، ونقلوا أخويه معه بإهانة.

وفي سادس عشر ذي القعدة وصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم

٩٣

الدين بن صصري، وجلس يوم الجمعة في الشباك الكمالي، وحضروا القرّاء والمنشدون، وأُنشدت التهاني، وكان وصل معه كتب ولم يعرضها على نائب السلطنة، فلمّا كان بعد أيّام عرضها عليه، فرسم ملك الامراء بقراءتها والعمل بما فيها أمتثالاً للمراسيم السلطانية.

وكانوا قد بيّتوا على الحنابلة كلّهم بأن يحضروا الى مقصورة الخطابة بالجامع الاُموي بعد الصلاة،وحضر القضاة كلّهم بالمقصورة، وحضر معهم الامير الكبير ركن الدين بيبرس العلاني، وأحضروا تقليد القضاة نجم الدين بن صصري، الّذي حضر معه من مصر باستمراره على قضاء القضاة وقضاء العسكر ونظر الاوقاف وزيادة المعلوم، وقرىء الكتاب الذي وصل على يديه، وفيه ما يتعلّق بمخالفة ابن تيمية عقيدته وإلزام الناس بذلك، خصوصاً الحنابلة، والوعيد الشديد عليهم، والعزل من المناصب، والحبس وأخذ المال والروح ; لخروجهم بهذه العقيدة عن الملّة المحمّدية.

ونسخة الكتاب نحو الكتاب المتقدّم، وتولّى قراءته شمس الدين محمّد بن شهاب الدين الموقع، وبلغ عنه الناس ابن صبح المؤذّن، وقُرىء بعد تقليد الشيخ برهان الدين بالخطابة، وأحضروا بعد القراءة الحنابلة مُهانين بين يدي القاضي جمال الدين المالكي بحضور باقي القضاة، واعترفوا أنّهم يعتقدون ما يعتقده محمّد ابن إدريس الشافعيرضي‌الله‌عنه .

وفي سابع شهر صفر سنة ثمان عشرة، ورد مرسوم السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الطلاق الذي يُفتي بها ابن تيميّة.

وأمر بعقد مجلس له بدار السعادة، وحضر القضاة وجماعة من الفقهاء، وحضر ابن تيميّة وسألوه عن فتاويه في مسألة الطلاق، وكونهم نهوه وما انتهى، ولا قبل مرسوم السلطان، ولا حكم الحكام بمنعه، فأنكر.

٩٤

فحضر خمسة نفر، فذكروا عنه: أنه أفتاهم بعد ذلك، فانكر وصمّم على الانكار، فحضر ابن طليش وشهود شهدوا أنّه أفتى لحّاماً اسمه قمر مسلماني في بستان ابن منجا.

فقيل لابن تيميّة: اكتب بخطك: أنك لا تُفتي بها ولا بغيرها، فكتب بخطّه: أنه لا يُفتي بها وما كتب بغيرها.

فقال القاضي نجم الدين بن صصري: حكمتُ بحبسك واعتقالك.

فقال له: حكمك باطل ; لانّك عدوّي، فلم يُقبل منه، وأخذوه واعتقلوه في قلعة دمشق.

وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يوم عاشوراء، أُفرج عن ابن تيميّة من حبسه بقلعة دمشق، وكانت مدّة اعتقاله خمسة أشهر ونصفاً.

وفي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة في السادس عشر في شعبان، قدم بريدي من الديار المصرية، ومعه مرسوم شريف باعتقال ابن تيميّة.

فاعتقل في قلعة دمشق، وكان السبب في اعتقاله وحبسه أنّه قال: لا تُشدّ الرحال إلاّ الى ثلاثة مساجد، وإنّ زيارة قبور الانبياء لا تُشد إليها الرواحل كغيرها، كقبر إبراهيم الخليل وقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ إنّ الشامييّن كتبوا فُتيا أيضاً في ابن تيميّة ; لكونه أوّل من أحدث هذه المسألة، التي لا تصدر إلاّ مّمن في قلبه ضغينة لسيّد الاولين والاخرين.

فكتب عليها الامام العلاّمة برهان الدين الفزاريّ نحو أربعين سطراً بأشياء، وآخر القول أنّه أفتى بتكفيره.

ووافقه على ذلك الشيخ شهاب الدين بن جهبل الشافعي، وكتب تحت خطّه: كذلك المالكي.

وكذلك كتب غيرهم.

٩٥

ووقع الاتّفاق على تضليله بذلك وتبديعه وزندقته.

ثمّ أراد النائب أن يعقد لهم مجلساً، ويجمع العلماء والقضاة، فرأى أنّ الامر يتّسع فيه الكلام، ولابدّ من إعلام السلطان بما وقع، فأخذ الفتوى وجعلها في مطالعه وسيّرها.

فجمع السلطان لها القضاة، فلمّا قرئت عليهم أخذها قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة، وكتب عليها: القائل بهذه المقالة ضالّ مبتدع.

ووافقه على ذلك الحنفي والحنبلي، فصار كفره مُجمعاً عليه(١) .

ثمّ كُتب كتاب الى دمشق بما يعتمده نائب السلطنة في أمره.

وفي يوم الجمعة عاشر شهر شعبان حضر كتاب السلطان الى نائب البلد، وأمره أن يُقرأ على السدّة في يوم الجمعة فقُرىء، وكان قارىء الكتاب بدر الدين ابن الاعزازي الموقع والمبلغ ابن النجيبي المؤذّن.

ومضمون الكتاب بعد البسملة: أدام الله تعالى نعمه، ونوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته التي جهّزها بسبب ابن تيميّة، فوقفنا عليها، وعلمنا مضمونها في أمر المذكور وإقدامه على الفتوى بعد تكرير المراسيم الشريفة بمنعه ; حسب ما حكم به القضاة وأكابر العلماء.

وعقدنا بهذا السبب مجلساً بين أيدينا الشريفة، ورسمنا بقراءة الفتوى على القضاة والعلماء.

فذكروا جميعاً من غير خلف: أنّ الذي أفتى به ابن تيميّة في ذلك خطأ مردود عليه، وحكموا بزجره وطول سجنه ومنعه من الفتوى مطلقاً.

وكتبوا خطوطهم بين ايدينا على ظاهر الفتوى المجهّزة بنسخة ما كتبه ابن

____________________

(١) لينظر هذا المغرورون. انتهى. مصحّحه.

٩٦

تيميّة.وقد جهّزنا الى الجناب العالي طيّ هذه المكاتبة، فيقف على حكم ما كتب به القضاة الاربعة.ويتقدم اعتقال المذكور في قلعة دمشق، ويُمنع من الفتوى مطلقاً، ويُمنع الناس من الاجتماع به والتردّد اليه تضييقاً عليه، لجرأته على هذه الفتوى.فيحيط به علمك الكريم، ويكون اعتماده بحسب ما حكم به الائمة الاربعة، وأفتى به العلماء في السجن للمذكور وطول سجنه.فإنّه في كلّ وقت يُحدث للناس شيئاً منكراً، وزندقة يشغل خواطر الناس بها، ويُفسد على العوامّ عقولهم الضعيفة وعقلياتهم وعقائدهم. فيمنع من ذلك، وتسدّ الذريعة منه. فليكن عمله على هذا الحكم، ويتقدّم أمره به.وإذا اعتمد الجناب الرفيع العالي هذا الاعتماد الذي رسمنا به في أمر ابن تيمية، فيتقدم منع من سلك مسالكه، أو يُفتي بهذه الفتاوى، أو يعمل بها في أمر الطلاق، أو هذه القضايا المستحدثة.وإذا اطّلع على أحد عمل بذلك، أو أفتى به، فيعتبر حاله، فإن كان من مشايخ العلماء، فيعزّر تعزير مثله.وإن كان من الشبّان الذين يقصدون الظهور - كما يقصده ابن تيميّة - فيؤدّبهم ويردعهم ردعاً بليغاً، ويعتمد في أمرهم ما يُحسم به موادّ أمثاله ; لتستقيم أحوال الناس، وتمشي على السداد، ولا يعود أحد يتجاسر على الافتاء بما يخالف الاجماع، ويبتدع في دين الله - عزّ وجلّ - من أنواع الاقتراح ما لم يسبقه أحد إليه.فالجناب العالي يعتمد هذه الامور التي عرّفناه إيّاها الان وسدّ الذرائع فيها.وقد عجّلنا بهذا الكتاب، وبقيّة فصول مكاتبته تصل بعد هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.وكتب في سابع عشرين رجب سنة ستٍّ وعشرين وسبعمائة.

[فتوى الائمة الاربعة بكفر ابن تيمية]

صورة الفتوى من المنقول من خطّ القضاة الاربعة بالقاهرة على ظاهر الفتوى:الحمد لله، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال عن قوله: إنّ زيارة الانبياء والصالحين بدعة.وماذكره من نحوذلك، وأنّه لايرخّص بالسفر لزيارة الانبياء،باطل مردود عليه.وقد نقل جماعة من العلماء: أنّ زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضيلة وسُنّة مجمع عليها. وهذا المفتي المذكور ينبغي أن يُزجر عن مثل هذه الفتاوي الباطلة عند الائمة والعلماء، ويُمنع من الفتاوى الغريبة، ويحبس(١) إذا لم يمتنع من ذلك، ويشهر أمره ; ليحتفظ الناس من الاقتداء به.وكتبه محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.وكذلك يقول محمّد بن الجريري الانصاري الحنفي: لكن يُحبس الان جزماً مطلقاً.وكذلك يقول محمّد بن أبي بكر المالكي ويبالغ في زجره حسبما تندفع به المفسدة وغيرها من المفاسد.

____________________

(١) ظاهر أنّ اللفظ «ويحبس» لا يجلس. أنتهى. مصحّحه.

٩٧

٩٨

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.

ووجدوا صورة فتوى أخرى يقطع فيها: بأنّ زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور الانبياء معصية بالاجماع مقطوع بها.

وهذه الفتوى هي التي وقف عليها الحكّام، وشهد بذلك القاضي جلال الدين محمّد بن عبدالرحمن القزويني، فلمّا رأوا خطّه عليها تحققوا فتواه، فغاروا لرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيرة عظيمة، وللمسلمين الذين ندبوا الى زيارته، وللزائرين من أقطار الارض، واتّفقوا على تبديعه وتضليله وزيغه، وأهانوه ووضعوه في السجن.

وذكر الشيخ الامام العلاّمة شمس الدين الذهبي بعض محنته، وأنّ بعضها كان في سنة خمس وسبعمائة، وكان سؤالهم عن عقيدته وعمّا ذكر في الواسطيّة، وطلب وصوّرت عليه دعوى المالكي، فسجن هو وأخواه بضعة عشر شهراً، ثمّ أُخرج، ثمّ حبس في حبس الحاكم.

وكان مّما أُدّعي عليه بمصر أن قال: الرحمن استوى على العرش حقيقة، وأنّه تكلّم بحرف وصوت.

ثمّ نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه(١) .

[حكم ابن حيان على ابن تيمية بالتشبيه]

وذكر أبو حيّان النحوي الاندلسي في تفسيره المسمّى ب- «النهر» في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرسيُّهُ السَّمواتِ والارضَ) ما صورته: وقد قرأت في كتاب لاحمد ابن تيميّة هذا الذي عاصرناه، وهو بخطّه سمّاه «كتاب العرش»: إنّ الله يجلس

____________________

(١) ليتأمل العاقل هذا، ثمّ ليتأمّله. انتهى. مصحّحه.

٩٩

على الكرسيّ، وقد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تحيّل عليه التاج محمّد بن علي بن عبدالحقّ، وكان من تحيّله عليه أنّه أظهر أنّه داعية له حتّى أخذ منه الكتاب، وقرأنا ذلك فيه.

ورأيت في بعض فتاويه: أنّ الكرسي موضع القدمين.

وفي كتابه المسمّى ب- «التدمرية» ما هذا لفظه بحروفه - بعد أن قرّر ما يتعلق بالصفات المتعلّقة بالخالق والمخلوق -: ثمّ من المعلوم أنّ الربّ لمّا وصف نفسه: بأنّه حيّ عليم قادر، لم يقل المسلمون: إنّ ظاهر هذا غير مراد ; لانّ المفهوم ذلك في حقّه مثل مفهومه في حقّنا.

فكذلك لمّا وصف نفسه: أنّه خلق آدم بيديه، لم يوجب ذلك أنّ ظاهره غير مراد ; لانّ مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقّنا.

هذه عبارته بحروفها، وهي صريحة في التشبيه المساوي، كما أنّه جعل الاستواء على العرش مثل قوله تعالى: (لتستووا على ظهوره) تعالى الله وتقدّس عن ذلك.

وقال في كلام حديث النزول المشهور: أنّ الله ينزل الى سماء الدنيا الى مَرْجة خضراء، وفي رجليه نعلان من ذهب. هذه عبارته الزائغة الركيكة.

وله من هذا النوع وأشباهه مغالاة في التشبيه ; حريصاً على ظاهرها واعتقادها، وإبطال ما نزّه الله تعالى به نفسه في أشرف كتبه، وأمر به عموماً وخصوصاً، وذكره إخباراً عن الملا الاعلى والكون العُلوي والسُّفلي، ومن تأمّل القرآن وجده مشحوناً بذلك.

وهذا الخبيث لا يعرُج على ما فيه التنزيه، وإنّما يتتبّع المتشابه، ويُمعن الكلام فيه، وذلك من أقوى الادّلة على أنّه من أعظم الزائغين.

ومن له أدنى بصيرة لا يتوقّف فيما قلته ; إذ القرائن لها اعتبار في الكتاب

١٠٠