روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة0%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة

مؤلف: جرج جرداق
تصنيف:

الصفحات: 237
المشاهدات: 105193
تحميل: 5931

توضيحات:

روائع نهج البلاغة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105193 / تحميل: 5931
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

تهتّكت من آخر(١) أ كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر(٢) أهل الشام أغلق كلّ رجل منكم بابه، و انجحر انجحار الضّبّة في جحرها و الضبع في وجارها(٣) ؟ الذليل و اللّه من نصرتموه و إنكم و اللّه لكثير في الباحات قليل تحت الرايات، و إني لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم(٤) و لكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي

الرّاي مع الاناة

من كلام له و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جريرا بن عبد اللّه البجلي إلى معاوية: إن استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام، و صرف لأهله عن خير إن أرادوه. و الرأى عندي مع الأناة.

و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه(٥) و قلّبت ظهره و بطنه، فلم أر

____________________

(١) المتداعية: الخلقة المتخرقة. و مداراتها: استعمالها بالرفق التام.

(٢) المنسر: القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكثير.

(٣) انجحر: دخل الجحر أو الوجار.

(٤) أودكم: اعوجاجكم.

(٥) مثل تقوله العرب في الاستقصاء في البحث و التأمل.

١٢١

لي إلاّ القتال أو الكفر(١) . إنه قد كان على الناس وال أحدث أحداثا(٢) و أوجد للناس مقالا، فقالوا: ثم نقموا فغيّروا.

لقد سئمت عتابكم

من خطبة له في استنفار الناس إلى أهل الشام: أفّ لكم، لقد سئمت عتابكم إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة(٣) ، و من الذهول في سكرة ما أنتم إلاّ كإبل ضلّ رعاتها فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر تكادون و لا تكيدون، و تنقص أطرافكم فلا تمتعضون(٤) ، لا ينام عليكم و أنتم في غفلة ساهون، غلب و اللّه المتخاذلون و ايم اللّه إني لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى و استحرّ الموت قد انفرجتم عن ابن أبي

____________________

(١) المراد بالكفر هنا: الفسق، لأن ترك القتال تهاون بالنهي عن المنكر، و هو فسق.

(٢) يريد من الوالي الخليفة الذي كان قبله، و تلك الأحداث معروفة في التاريخ، و هي التي أدّت بالقوم الى التألب على قتله.

(٣) دوران الأعين: اضطرابها من الجزع، و من غمره الموت يدور بصره. و غمرة الموت: الشدة التي تنتهي اليه.

(٤) تغضبون.

١٢٢

طالب انفراج الرأس(١) . و اللّه إن أمرأ يمكّن عدوّه من نفسه يعرق لحمه(٢) و يهشم عظمه و يفري جلده، لعظيم عجزه ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره(٣) . أنت فكن ذاك إن شئت(٤) فأمّا أنا فو اللّه دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام(٥) و يفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء

بقاء الدّولة

من خطبة له خطبها بصفين: أما بعد، فقد جعل اللّه سبحانه لي عليكم حقّا بولاية أمركم، و لكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم، فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف(٦) ، لا يجري لأحد إلاّ جرى عليه، و لا يجري عليه إلا جرى له.

____________________

(١) حمس: اشتد و صلب. استحر: بلغ في النفوس غاية حدّته. و قوله «انفراج الرأس» يعني انفراجا لا التئام بعده، فإن الرأس اذا انفرج عن البدن أو انفرج أحد شقيه عن الآخر لم يعد للالتئام.

(٢) يأكل لحمه حتى لا يبقى منه شي‏ء على العظم.

(٣) الجوانح: الضلوع تحت الترائب. يريد ضعيف القلب.

(٤) يمكن ان يكون خطابا عاما لكل من يمكّن عدوّه من نفسه. و يروى انه خطاب للأشعث بن قيس عند ما قال له: «هلاّ فعلت فعل عثمان» فأجابه الإمام بقوله هذا.

(٥) فراش الهام: العظام الرقيقة التي تلي القحف.

(٦) يتسع القول في وصفه حتى إذا وجب الحقّ على الانسان الواصف له، فرّ من أدائه و لم ينتصف من نفسه كما ينتصف لها.

١٢٣

ثم جعل، سبحانه، من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلا ببعض(١) . و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية و حقّ الرعية على الوالي، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة و لا يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقه و أدّى الوالي اليها حقّها عزّ الحقّ بينهم، و اعتدلت معالم العدل، فصلح بذلك الزمان و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء. و إذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت معالم الجور فعمل بالهوى و عطّلت الأحكام و كثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل و لا لعظيم باطل فعل فهنالك تذلّ الأبرار و تعزّ الأشرار.

و ليس امرؤ و إن عظمت في الحقّ منزلته بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه، و لا امرؤ و إن صغّرته النفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه.

____________________

(١) أي: لا يستحق أحد شيئا إلا بأدائه مكافأة ما يستحقه.

١٢٤

هنا أجابه رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له.

فقال الإمام هذا القول الرائع: و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر و يوضع أمرهم على الكبر. و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أني أحبّ الإطراء و استماع الثناء، و لست بحمد اللّه كذلك، فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا مني بما يتحفّظ به عند أهل البادرة(١) و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، فإنه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطى‏ء؟

السّلم اولى

من كلام له و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفّين: أمّا قولكم: أ كلّ ذلك كراهية الموت؟ فو اللّه ما أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ و أمّا قولكم شكّا في أهل الشام فو اللّه ما

____________________

(١) البادرة: الحدة و الغضب.

١٢٥

ما دفعت الحرب يوما إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي و تعشو إلى ضوئي(١) ، و ذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، و إن كانت تبوء بآثامها.

الوصيّة الشريفة

من وصية له لعسكره قبل لقاء العدو بصفّين: لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم، فإنكم بحمد اللّه على حجّة، و ترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم. فإذا كانت الهزيمة بإذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا و لا تصيبوا معورا(٢) و لا تجهزوا على جريح، و لا تهيجوا النساء بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم

اللّهمّ جنّب المنتصر البغي

من خطبة له لما عزم على لقاء القوم بصفّين: اللهمّ ربّ هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام، و مدرجا

____________________

(١) تعشو الى الضوء: تستدل عليه في الظلام فتهتدي اليه.

(٢) المعور: الذي أمكن من نفسه و عجز عن حمايتها.

١٢٦

للهوامّ و الأنعام، و ما لا يحصى ممّا يرى و ممّا لا يرى و ربّ الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق اعتمادا(١) ، إن أظهرتنا(٢) على عدوّنا فجنّبنا البغي و سدّدنا للحقّ. و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشّهادة و اعصمنا من الفتنة

اللهم اصلح ذات بيننا و بينهم

من كلام له بصفّين و قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام ردا على سب أهل الشام إياه: إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين. و لكنكم لو وصفتم أعمالهم و ذكرتهم حالهم، كان أصوب في القول و أبلغ في العذر، و قلتم مكان سبّكم إياهم: اللهمّ احقن دماءنا و دماءهم، و أصلح ذات بيننا و بينهم، و أهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحقّ من جهله و يرعوي عن الغيّ و العدوان من لهج به(٣) .

____________________

(١) اعتمادا: معتمدا، أي ملجأ يعتصمون به إذا طردتهم الغارات من السهول. و كما ان الجبال الرواسي هي ملجأ يعتصم به الانسان، هي ايضا للحيوانات تعتصم بها

(٢) أظهرتهم: نصرتهم و جعلت لهم الغلبة

(٣) الارعواء: النزوع عن الغي و الرجوع عن وجه الخطأ. لهج به: أولع به فثابر عليه.

١٢٧

و نطق بالسنتهم

و من خطبة له اتّخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا(١) و اتّخذهم له أشراكا، فباض و فرّخ في صدورهم، و دبّ و درج في جحورهم، فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل و زيّن لهم الخطل(٢) فعل من قد شرّكهم الشيطان في سلطانه و نطق بالباطل على لسانه.

جعلوهم حكّاما على الرّقاب

سأل الإمام سائل عن أحاديث البدع و عمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر. فقال في جملة ما قال: إنّ في أيدي الناس حقا و باطلا، و صدقا و كذبا. و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك و وصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده يعني النبي فتقرّبوا إلى أئمة الضلالة و الدّعاة إلى النار بالزّور و البهتان، فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا. و إنما الناس مع الملوك إلاّ من عصم اللّه

____________________

(١) ملاك الشي‏ء: قوامه الذي يملك به.

(٢) الخطل: أقبح الخطأ.

١٢٨

صنفان

و من كلام له في محبّيه و مبغضيه: و سيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحب إلى غير الحقّ، و مبغض مفرط يذهب به البغض الى غير الحق. و خير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه، و الزموا السواد الأعظم فإن يد اللّه مع الجماعة و من كلامه في هؤلاء: هلك فيّ رجلان: محبّ غال، و مبغض قال.

و من كلامه أيضا و قد توفي سهل بن حنيف الانصاري بالكوفة بعد رجوعه معه من صفين، و كان من أشد أنصار الإمام اندفاعا في سبيل الحق: لو أحبّني جبل لتهافت(١) .

____________________

(١) تهافت: تساقط بعد ما تصدّع.

١٢٩

ائمّة العدل

عاد الإمام العلاء بن زياد الحارثي بالبصرة، و هو من أصحابه. فلما رأى سعة داره قال له: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا؟ أما أنت اليها في الآخرة كنت أحوج؟ و بلى، إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، و تصل فيها الرحم، و تطلع منها الحقوق مطالعها(١) فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصم بن زياد. قال: و ما له؟

قال: لبس العباءة و تخلّى عن الدنيا. قال: عليّ به. فلما جاء قال: يا عديّ نفسه(٢) لقد استهام بك الخبيث. أما رحمت أهلك و ولدك أ ترى اللّه أحلّ لك الطيّبات و هو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على اللّه من ذلك(٣) .

____________________

(١) أطلع الحق مطلعه: أظهره حيث يجب أن يظهر.

(٢) عدي: تصغير عدو.

(٣) في هذا الكلام بيان أن أطايب الدنيا لا تبعد الإنسان عن اللّه لطبيعتها، و لكن لسوء القصد منها.

١٣٠

قال عاصم: يا أمير المؤمنين، ها أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك قال الإمام: ويحك، إني لست كأنت. إن اللّه فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيّغ بالفقير فقره(١) .

لو اعطيت الاقاليم السّبعة

من كلام رائع له في صفة نفسه حافظا لأموال العامة، و ذلك بعد أن أملق أخوه عقيل بن أبي طالب فاستعطاه: و اللّه لأن أبيت على حسك السّعدان(٢) مسهّدا، و أجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد و غاصبا لشي‏ء من الحطام.

و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة(٣) ما فعلت. و إنّ دنياكم عندي لأهون

____________________

(١) يقدروا أنفسهم الخ..: يقيسوا أنفسهم بالضعفاء ليكونوا قدوة للغني في الاقتصاد و صرف الأموال في وجوه الخير و منافع المجتمع. يتبيّغ بالفقير فقره: يهيج به ألم الفقر فيهلكه.

(٢) يريد من الحسك: الشوك. و السعدان: نبت شائك ترعاه الإبل.

(٣) جلب: قشرة.

١٣١

من ورقة في فم جرادة تقضمها(١) ما لعلي و لنعيم يفنى و لذة لا تبقى. نعوذ باللّه من سبات العقل و قبح الزلل و به نستعين.

تحرّكه العواصف

من كلام له يجري مجرى الخطبة: و كنت كالجبل لا تحرّكه القواصف و لا تزيله العواصف: لم يكن لأحد فيّ مهمز(٢) و لا لقائل فيّ مغمز. الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقّ له، و القويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحقّ منه

لو لا تخمة الظّالم و جوع المظلوم

من خطبة له معروفة بالشقشقية: إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه(٣) ، و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع(٤) ، ألى أن أجهز عليه

____________________

(١) تقضمها: تكسرها بأطراف أسنانها.

(٢) الهمز و الغمز: الوقيعة، أي: لم يكن فيّ عيب أعاب به.

(٣) يشير إلى عثمان. نافجا حضينه: رافعا لهما، و الحضن: ما بين الإبط و الكشح.

يقال للمتكبر: جاءنا نافجا حضينه. و يقال مثله لمن امتلأ بطنه طعاما.

(٤) الخضم: الأكل مطلقا، أو بأقصى الأضراس.

١٣٢

عمله و كبت به بطنته، فما راعني إلاّ و الناس ينثالون عليّ(١) من كل جانب، حتى لقد وطي‏ء الحسنان(٢) و شقّ عطفاي(٣) ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم(٤) . فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت أخرى، و قسط آخرون(٥) كأنهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين» بلى، و اللّه لقد سمعوها و وعوها، و لكنهم حليت الدنيا في أعينهم و راقهم زبرجها(٦) . أما و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لو لا حضور الحاضر(٧) و قيام الحجّة بوجود الناصر، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم(٨) ، لألقيت حبلها على غاربها(٩) ، و لسقيت آخرها بكأس أولها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

____________________

(١) البطنة: البطر و الأشر و التخمة و الإسراف في الشبع. كبت به، من كبا الجواد إذا سقط لوجهه. ينثالون: يتتابعون مزدحمين.

(٢) ولداه الحسن و الحسين.

(٣) شق عطفاه: خدش جانباه من الاصطكاك.

(٤) ربيضة الغنم: الطائفة الرابضة من الغنم.

(٥) الناكثة: أصحاب الجمل. و المارقة: أصحاب النهروان من الخوارج. القاسطون: الجائرون، و هم أصحاب صفين.

(٦) الزبرج: الزينة من وشي أو جوهر.

(٧) يقصد من حضر لبيعته، و لزوم البيعة لذمة الإمام بحضوره.

(٨) الكظة: ما يعتري الآكل من امتلاء البطن بالطعام، و المراد استئثار الظالم بالحقوق.

السغب: شدة الجوع، و المراد منه هضم حقوق المظلوم.

(٩) الغارب: الكاهل، و الكلام تمثيل للترك و إرسال الأمر.

١٣٣

أهل الحيلة

من خطبة له: إن الوفاء توأم الصدق و لا أعلم جنّة أوقى منه(١) . و لا يغدر من علم كيف المرجع. و لقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا(٢) و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ما لهم؟

قاتلهم اللّه قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة(٣) و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين(٤) .

انت و اخوك الانسان

من وصية له كتبها لابنه الحسن من صفين: يا بنيّ، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك، فأحبب لغيرك

____________________

(١) الجنة: الوقاية.

(٢) الكيس: العقل.

(٣) الحوّل القلّب: البصير بتحويل الأمور و تقليبها.

(٤) يقول: أهل هذا الزمان يعدّون الغدر من العقل و حسن الحيلة. و لكن ما لهم يزعمون ذلك مع أن البصير بتحويل الأمور و تقليبها قد يرى وجه الحيلة في بلوغ مراده، لكنه يجد دون الأخذ به مانعا من أمر اللّه و نهيه، فيدع الحيلة و هو قادر عليها، خوفا من اللّه و وقوفا عند حدوده

١٣٤

ما تحب لنفسك، و اكره له ما تكره لها، و لا تظلم كما لا تحب أن تظلم، و أحسن كما تحب أن يحسن إليك، و استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، و ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، و لا تقل ما لا تعلم و إن قلّ ما تعلم، و لا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.

يا بني، إياك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدنيا اليها و تكالبهم عليها(١) فقد نبّأ اللّه عنها و نعت لك نفسها و تكشّفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية يهرّ بعضهم بعضا و يأكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها.

و اعلم أنّ من كانت مطيّته الليل و النهار فإنه يسار به و إن كان واقفا، و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا(٢) .

أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك الى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا. و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرا، و ما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ(٣) و يسر لا ينال إلاّ بعسر قارن أهل الخير تكن منهم، و باين أهل الشرّ تبن عنهم. بئس الطعام الحرام، و ظلم الضعيف أفحش الظلم.

إحمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة(٤) ، و عند صدوده

____________________

(١) إخلاد اهل الدنيا اليها: سكونهم اليها. التكالب: التواثب.

(٢) وادعا: ساكنا مستريحا.

(٣) يريد: أي خير في شي‏ء سماه الناس خيرا و هو مما لا يناله الانسان إلا بالشر، فإن كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا؟

(٤) الصرم: القطيعة، أي: ألزم نفسك بصلة أخيك الانسان إذا قطعك.

١٣٥

على اللطف و المقاربة، و عند جموده على البذل(١) ، و عند تباعده على الدنوّ، و عند شدّته على اللين، و عند جرمه على العذر، حتى كأنه ذو نعمة عليك. و لن لمن غالظك(٢) فإنه يوشك أن يلين لك، و خذ على عدوّك بالفضل. و إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما(٣) . و من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنه. و لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقّه. و لا يكوننّ أخوك على مقاطعتك أقوى منك على صلته(٤) و لا يكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، و ليس جزاء من سرّك أن تسوءه.

ما أقبح الخضوع عند الحاجة و الجفاء عند الغنى. و إن جزعت على ما تفلّت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك. استدلّ على ما لم يكن بما كان، فإن الأمور الأشباه. و لا تكوننّ ممن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه.

____________________

(١) الجمود: البخل.

(٢) لن: أمر من «لان».

(٣) اي: استبق بقية من الصلة يسهل له معها الرجوع اليك إذا هو شاء ذلك.

(٤) أي: اذا أتى اخوك الانسان بأسباب القطيعة فقابلها بموجبات الصلة حتى تكون الغلبة للمودّة. و لا يصح أن يكون أخوك أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة. و هذا أبلغ قول في لزوم حفظ المودة بين الناس.

١٣٦

من ترك القصد جار(١) . و الصديق من صدق غيبه(٢) . ربّ قريب أبعد من بعيد، و ربّ بعيد أقرب من قريب، و الغريب من لم يكن له حبيب. سل عن الرفيق قبل الطريق، و عن الجار قبل الدار.

إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان

انصتوا لقولى

من كلام له قاله للخوارج و قد خرج إلى معسكرهم: أ كلّكم شهد معنا صفّين؟

فقالوا: منّا من شهد و منّا من لم يشهد.

قال: فامتازوا فرقتين، فليكن من شهد صفّين فرقة، و من لم يشهدها فرقة، حتى أكلّم كلا منكم بكلامه.

و نادى الناس: أمسكوا عن الكلام و أنصتوا لقولي و أقبلوا بأفئدتكم إليّ، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها.

ثم كلّمهم بكلام طويل، من جملته أن قال: أ لم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة و غيلة، و مكرا و خديعة:

____________________

(١) القصد: الاعتدال. جار: مال عن الصواب.

(٢) الغيب: ضد الحضور. أي: من حفظ لك حقك و هو غائب عنك.

١٣٧

إخواننا و أهل دعوتنا استقالونا و استراحوا الى كتاب اللّه سبحانه، فالرأي القبول منهم و التنفيس عنهم؟ فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان و باطنه عدوان، و أوّله رحمة و آخره ندامة. فأقيموا على شأنكم و الزموا طريقكم و لا تلتفتوا إلى ناعق نعق: إن أجيب أضلّ و إن ترك ذلّ؟

و قد كانت هذه الفعلة، و قد رأيتكم أعطيتموها. و اللّه لئن أبيتها ما وجبت عليّ فريضتها، و لا حمّلني اللّه ذنبها و و اللّه إن جئتها إني للمحقّ الذي يتّبع. و إنّ الكتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته: فلقد كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و إن القتل ليدور على الآباء و الأبناء و الإخوان و القرابات، فما نزداد على كلّ مصيبة و شدّة إلا إيمانا و مضيّا على الحقّ و صبرا على مضض الجراح. و لكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزّيغ و الاعوجاج، و الشبهة و التأويل. فإذا طمعنا في خصلة(١) يلمّ اللّه بها شعثنا و نتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها و أمسكنا عمّا سواها

تركا الحقّ و هما يبصرانه

من كلام له يكشف به للخوارج الشبهة و ينقض حكم الحكمين: فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أني أخطأت و ضللت، فلم تضلّلون عامّة أمة محمد صلى اللّه عليه و آله بضلالي، و تأخذونهم بخطئي،

____________________

(١) الخصلة، يراد بها هنا: الوسيلة.

١٣٨

و تكفّرونهم بذنوبي سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء و السّقم، و تخلطون من أذنب بمن لم يذنب.

لم آت، لا أبا لكم، بجرا، و لا ختلتكم عن أمركم و لا ليّسته عليكم(١) ، إنّما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين أخذنا عليهما ألاّ يتعدّيا القرآن، فتاها عنه، و تركا الحقّ و هما يبصرانه، و كان الجور هواهما فمضيا عليه. و قد سبق استثناؤنا عليهما، في الحكومة بالعدل و الصّمد للحق، سوء رأيهما و جور حكمهما(٢) .

انا نذيركم

من خطبة له في تخويف أهل النهروان(٣) قبل أن يبدأوه القتال: فأنا نذيركم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر و بأهضام هذا الغائط(٤) على غير بيّنة من ربكم و لا سلطان مبين معكم: قد طوّحت بكم الدار

____________________

(١) البجر: الشر و الأمر العظيم و الداهية. ختلتكم: خدعتكم. لبّسته عليكم: خلطته و شبّهته حتى لا يعرف

(٢) الصمد: القصد.

(٣) النهروان: اسم لأسفل نهر على مقربة من الكوفة. و أهل النهروان هم الخوارج.

(٤) صرعى، جمع صريع، أي: طريح. الأهضام، جمع: هضم و هو المطمئن من الوادي. و الغائط: ما سفل من الأرض، و المراد هنا منها المنخفضات. يقول: إني أحذركم من اللجاج في العصيان فتصبحوا مقتولين مطروحين، بعضكم في أثناء هذا النهر، و بعضكم في هذا الوادي و هذه المنخفضات.

١٣٩

و احتبلكم المقدار(١) ، و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم عليّ إباء المخالفين المنابذين حتى صرفت رأيي إلى هواكم، و أنتم معاشر أخفّاء الهام(٢) سفهاء الأحلام و لم آت، لا أبا لكم، بجرا و لا أردت لكم ضرّا.

اين العمالقة

من خطبة خطب الإمام بها الناس بالكوفة و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، و عليه مدرعة من صوف و حمائل سيف ليف، و في رجليه نعلان من ليف: أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الذي ألبسكم الرياش و أسبغ عليكم المعاش. فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس، مع النبوّة و عظيم الزّلفة. فلمّا استوفى طعمته و استكمل

____________________

(١) يقال «تطاوحت به النوى» أي: ترامت. احتبلهم: أوقعهم في حبالته. المقدار: القدر. يقول: لقد صرتم في متاهة لا يدع الضلال لكم سبيلا إلى مستقرّ من اليقين، فأنتم كمن رمت به داره و قذفته. و انتم مقيّدون للهلاك لا تستطيعون منه خروجا.

(٢) الهام: الراس. و خفة الرأس كناية عن قلة العقل.

١٤٠