روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة0%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة

مؤلف: جرج جرداق
تصنيف:

الصفحات: 237
المشاهدات: 105011
تحميل: 5921

توضيحات:

روائع نهج البلاغة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105011 / تحميل: 5921
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، و أصبحت الديار منه خالية، و المساكن معطّلة، و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السالفة لعبرة أين العمالقة و أبناء العمالقة أين الفراعنة و أبناء الفراعنة أين أصحاب مدائن الرّسّ الذين قتلوا النبيّين و أطفأوا سنن المرسلين، و أحيوا سنن الجبّارين أين الذين ساروا بالجيوش، و هزموا بالألوف، و عسكروا العساكر، و مدّنوا المدائن

اين عمّار

و من الخطبة السابقة نفسها: ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص و يشربون الرّنق(١) ؟ أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحقّ؟ أين عمّار؟

و أين ابن التّيهان؟ و أين ذو الشّهادتين(٢) ؟ و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النيّة، و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة(٣) ؟

____________________

(١) الرنق: الكدر.

(٢) عمار: عمار بن ياسر، و كان ممّن عذّب هو و أبوه و أخوه و أمه في بدء الدعوة.

و ابن التيهان: ابو الهيثم مالك بن التيهان، من أكابر الصحابة. ذو الشهادتين: خزيمة بن ثابت الانصاري، من الصحابة. و هؤلاء الثلاثة شهدوا صفين و استشهدوا بها.

(٣) أبرد برووسهم: أرسلت رؤوسهم مع البريد بعد قتلهم إلى البغاة للتشفّي منهم.

١٤١

الكبر و التّعصّب و البغي

من خطبة له طويلة تسمّى «القاصعة(١) »: و لا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه من غير ما فضل جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، و قدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب، و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه اللّه به الندامة.

فاللّه اللّه في كبر الحميّة و فخر الجاهلية، فإنه منافخ الشيطان التي خدع بها الأمم الماضية و القرون الخالية.

و لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و أدخلتم في حقكم باطلهم، و هم أساس الفسوق اتّخذهم إبليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول على الناس، و تراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم و دخولا في عيونكم و نفثا في أسماعكم، فجعلكم مرمى نبله و موطى‏ء قدمه و مأخذ يده. فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس اللّه، و اتّعظوا بمثاوي خدودهم(٢) و مصارع جنوبهم. و استعيذوا باللّه من لواقح الكبر(٣) كما تستعيذون به من طوارق الدهر

____________________

(١) قصع فلان فلانا: حقّره. و قد سميت هذه الخطبة «القاصعة» لأن ابن أبي طالب حقّر فيها حال المتكبرين و أهل البغي.

(٢) مثاوي، جمع مثوى، بمعنى المنزل. و منازل الخدود: مواضعها من الأرض بعد الموت. و مصارع الجنوب: مطارحها على التراب.

(٣) لواقح الكبر: محدثاته في النفوس.

١٤٢

و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العاملين يتعصّب لشي‏ء من الأشياء إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء أو حجّة تليط بعقول السفهاء، غيركم، فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب و لا علّة: أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: «أنا ناريّ و أنت طينيّ» و أمّا الأغنياء من مترفة الأمم فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم فقالوا: «نحن أكثر أموالا و أولادا و ما نحن بمعذّبين» فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصبكم لمكارم الخصال و محامد الأفعال و محاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء و النّجداء بالأخلاق الرغيبة و الأحلام العظيمة، فتعصّبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار و الوفاء بالذمام، و الطاعة للبرّ، و المعصية للكبر، و الكفّ عن البغي، و الإعظام للقتل، و الإنصاف للخلق، و الكظم للغيظ، و اجتناب الفساد في الأرض.

و احذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات(١) بسوء الأفعال و ذميم الأعمال، فتذكّروا في الخير و الشرّ أحوالهم و احذروا أن تكونوا أمثالهم.

أ لا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النكث(٢) و الفساد في الأرض: فأمّا الناكثون فقد قاتلت. و أما القاسطون فقد جاهدت(٣) . و أمّا المارقة

____________________

(١) المثلات: العقوبات.

(٢) النكث: نقض العهد.

(٣) القاسطون: الجائرون على الحق.

١٤٣

فقد دوّخت. و أمّا شيطان الرّدهة(١) فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه و رجّة صدره. و بقيت بقيّة من أهل البغي، و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم(٢) إلاّ ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا(٣) .

و إني لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم: سيماهم سيما الصدّيقين، و كلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل و منار النهار(٤) لا يستكبرون و لا يعلون و لا يغلّون(٥) و لا يفسدون: قلوبهم في الجنان و أجسادهم في العمل.

الدّنيا تطوى من خلفكم

من عهد له إلى محمد بن أبي بكر حين قلّده مصر. و فيه تذكير بأحوال الدنيا و ترغيب للولاة في أن يعدلوا و يرحموا لئلاّ يعذّبوا، و ذلك بأروع ما تجري به ريشة العبقرية من بيان: و أنتم طرداء الموت: إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم،

____________________

(١) الردهة: النقرة في الجبل قد يجتمع فيها. و شيطانها ذو الثدية من رؤساء الخوارج وجد مقتولا في ردهة.

(٢) لأديلن منهم: لأمحقننهم ثم أجعل الدولة لغيرهم.

(٣) يتشذّر: يتفرق، أي: لا يفلت مني إلاّ من يتفرّق في أطراف البلاد.

(٤) عمار، جمع عامر، أي: يعمرون الليل بالسهر للفكر و العبادة.

(٥) يغلون. يخونون.

١٤٤

و هو ألزم لكم من ظلّكم الموت معقود بنواصيكم(١) ، و الدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، و حرّها شديد، و عذابها جديد، ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة

دستور الولاة

من رسالة كتبها للأشتر النخعي لما ولاّه على مصر و أعمالها في عهد خلافته. و هي من جلائل رسائله و وصاياه، و أجمعها لقوانين المعاملات المدنية و الحقوق العامة و التصرّفات الخاصة في نهج الإمام. كما انها من أروع ما أنتجه العقل و القلب جميعا في تقرير علاقة الحاكم بالمحكوم، و في مفهوم الحكومة، حتى أن الإمام سبق عصره أكثر من ألف سنة بجملة ما ورد في هذه الرسالة الدستور، من إشراق العقل النيّر و القلب الخيّر.

ثم اعلم يا مالك أني قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنّما يستدلّ على الصالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك و شحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك

____________________

(١) النواصي، جمع ناصية، و هي: مقدّم شعر الرأس.

١٤٥

فإنّ الشّحّ بالنفس الإنصاف منها في ما أحبّت أو كرهت(١) . و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبّة لهم، و اللطف بهم. و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغنتم أكلهم فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل(٢) ، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ(٣) ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولاّك و لا تندمنّ على عفو، و لا تبجحنّ بعقوبة و لا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة(٤) .

أنصف اللّه و أنصف الناس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيّتك(٥) ، فإنك إلاّ تفعل تظلم و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده. و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد.

و ليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، و أعمّها في العدل و أجمعها لرضا الرعية، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصة،

____________________

(١) الشح: البخل. يقول: انتصف من نفسك في ما أحبت و كرهت، أي ابخل بها و لا تمكّنها من الاسترسال في ما أحبّت، و احرص على صفائها كذلك بأن تحملها على ما تكره إن كان ذلك في الحق.

(٢) يفرط: يسبق. الزلل: الخطأ.

(٣) يؤتى على أيديهم: تأتي السيئات على أيديهم.

(٤) بجح بالشي‏ء: فرح به. البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.

المندوحة: المتّسع الذي يمكّن المرء من التخلّص.

(٥) من لك فيه هوى، أي: من تميل اليه ميلا خاصا.

١٤٦

و إن سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة(١) . و ليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرّخاء و أقلّ معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسأل بالإلحاف(٢) ، و أقلّ شكرا عند الإعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمّات الدهر، من أهل الخاصة(٣) .

أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، و اقطع عنك سبب كلّ وتر(٤) ، و لا تعجلنّ إلى تصديق ساع فإنّ الساعي غاشّ و إن تشبّه بالناصحين.

إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام، فلا يكوننّ لك بطانة(٥) فإنهم أعوان الأثمة و إخوان

____________________

(١) يحجف: يذهب. يقول للحاكم: إذا رضي عليك الخاصة و سخط عليك العامة، فلا ينفعك رضا أولئك مع سخط هؤلاء. أما إذا رضي عليك العامة، و هؤلاء لا يرضيهم إلا العدل، فسخط الخاصة مغتفر.

(٢) الإلحاف: الإلحاح.

(٣) يقول: ليس هنالك من هم أثقل على الحاكم، و أقل نفعا له و أكثر ضررا عليه من خاصته و المتقربين اليه من ذوي الثروة و الوجاهة يلازمونه و يلحون عليه في قضاء حاجاتهم و يرهقونه بالمسائل و الشفاعات و يغنمون عن سبيله المغانم و يثرون على حساب العامة، ثم يجحدون كل ذلك و لا يساندون الحاكم أو الجمهور في نائبة أو أزمة. فهم لذلك فئة يجب على الحاكم الصالح أن ينبذها و يعتمد على العامة دون سواهم.

(٤) الوتر: العداوة: يقول: احلل عقدة الأحقاد من قلوب الناس بالعدل فيهم و حسن السيرة معهم. و اقطع السبب في عداء الناس لك بالإحسان اليهم قولا و عملا.

(٥) البطانة: الخاصة.

١٤٧

الظّلمة(١) ، و أنت واجد منهم خير الخلف ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه. ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحق لك(٢) و أقلّهم مساعدة في ما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث وقع. و الصق بأهل الورع و الصدق ثم رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله(٣) .

و لا يكوننّ المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه(٤) و اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم(٥) و تخفيفه المؤونات عنهم، و ترك استكراهه إياهم على ما ليس قبلهم(٦) ، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به

____________________

(١) الأثمة: جمع آثم. الظلمة: جمع ظالم.

(٢) آثرهم: أفضلهم. مرارة الحق. صعوبته. يقول: ليكن أفضل وزرائك و أعوانك في نظرك أصدقهم و أكثرهم قولا بالحق مهما كان الحق صعبا على نفسك.

(٣) رضهم: عوّدهم. يطروك: يطنبوا في مدحك. يبجحوك بباطل لم تفعله: يفرّحوك بأن ينسبوا اليك عملا عظيما لم تكن فعلته.

(٤) أي: أحسن الى المحسن بما ألزم نفسه، و هو استحقاق الإحسان. و عاقب المسي‏ء بما ألزم نفسه كذلك، و هو استحقاق العقاب.

(٥) ليس هنالك ما يحمل الوالي على الاطمئنان إلى أن قلوب الناس معه كالاحسان اليهم و العدل فيهم و تخفيف الاثقال عن كواهلهم. و هم في غير هذه الحال أعداء له ينتهزون الفرصة للثورة عليه، و إذ ذاك يسوء ظنه بهم.

(٦) قبلهم، بكسر ففتح: عندهم.

١٤٨

حسن الظنّ برعيّتك، و إنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده(١) .

و أكثر مدارسة العلماء و مناقشة الحكماء(٢) في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به الناس قبلك.

ولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما: ممّن يبطى‏ء عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو على الأقوياء(٣) و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

و إنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودّة الرعية، و إنه لا تظهر مودّتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور و قلّة استثقال دولهم(٤) .

ثم اعرف لكلّ امرى‏ء منهم ما أبلى، و لا تضيفنّ بلاء امرى‏ء إلى

____________________

(١) البلاء: الصنع، حسنا أو سيئا.

(٢) المنافثة: المحادثة.

(٣) ينبو: يشتدّ و يعلو. يأمر الحاكم بأن يولّي من جنوده من لا يضعف أمام الأقوياء و الأثرياء و النافذين بل يعلو عليهم و يشتدّ ليمنعهم من ظلم الضعفاء و الفقراء و البسطاء.

(٤) الحيطة، بكسر الحاء: مصدر «حاط» بمعنى: صان و حفظ، يقول: ان مودة الرعية لا تظهر و نصيحتهم لا تصحّ إلا بقدر ما يرغبون في المحافظة على ولاتهم و يحرصون على بقائهم و لا يستثقلون مدة حكمهم.

١٤٩

غيره(١) ، و لا يدعونّك شرف امرى‏ء إلى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرى‏ء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك(٢) ممّن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم(٣) و لا يتمادى في الزلّة، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه(٤) ، و أوقفهم في الشّبهات(٥) و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشّف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاع الحق، ممن لا يزدهيه إطراء، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه(٦) و أفسح له في البذل ما يزيل علّته و تقلّ معه حاجته الى الناس و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولّهم محاباة

____________________

(١) لا تنسبنّ صنيع امرى‏ء إلى غيره.

(٢) انتقال من الكلام في الجند الى الكلام في القضاة.

(٣) تمحكه: تغضبه.

(٤) لا يكتفي بما يبدو له بأول فهم و أقربه، بل يتأمل و يدرس حتى يأتي على أقصى الفهم و أدناه من الحقيقة.

(٥) الشبهات، جمع شبهة، و هي ما لا يتضح الحكم فيها بالنص، فينبغي العمل لردّ الحادثة التي ينظر فيها إلى أصل صحيح.

(٦) أي: تتبع قضاءه بالاستكشاف و التعرف.

١٥٠

و أثرة فإنهم جماع من شعب الجور و الخيانة(١) . ثم تفقّد أعمالهم و ابعث العيون(٢) من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإنّ تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم(٣) على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية. و تحفّظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه(٤) عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب به من عمله، ثم نصبته بمقام المذلّة، و وسمته بالخيانة، و قلّدته عار التهمة.

و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإنّ في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم. و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة. و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم أمره إلاّ قليلا.

و لا يثقلنّ عليك شي‏ء خفّفت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك.

و إن العمران محتمل ما حمّلته، و إنما يؤتى خراب الأرض من

____________________

(١) أي: ولّهم الأعمال بالاختبار و التجربة، لا ميلا منك لمعاونتهم و لا استبدادا منك برأيك، فإن المحاباة و الأثرة يجمعان الظلم و الخيانة معا.

(٢) العيون: الرقباء.

(٣) حدوة: سوق و حثّ.

(٤) اجتمعت عليها أخبار عيونك: اتفقت عليها أخبار رقبائك.

١٥١

إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع(١) و سوء ظننهم بالبقاء و قلّة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم، ممّن لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك(٢) و حسن الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم و حسن خدمتهم(٣) ، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي‏ء. و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته(٤) .

ثم استوص بالتجّار و ذوي الصّناعات و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله(٥) ، فإنهم موادّ المنافع و أسباب المرافق، و تفقّد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك. و اعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحّا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكّما في البياعات، و ذلك باب مضرّة للعامّة و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه صلى

____________________

(١) إشراف انفس الولاة على الجمع: تطلّعهم الى جمع المال و ادّخاره لأنفسهم طمعا و جشعا.

(٢) الفراسة: قوة الظن و إدراك الباطن من النظر في الظاهر. الاستنامة: الاطمئنان إلى حسن الرأي. أي: لا يكن اختيارك للكتاب متأثرا بميلك الخاص و فراستك التي قد تخطى‏ء.

(٣) أي يخدمون الولاء بما يطيب لهم توسّلا إلى حسن ظنّ هؤلاء بهم.

(٤) إذا تغابيت عن عيب في كتابك كان ذلك العيب لاصقا بك.

(٥) المتردد بأمواله بين البلدان.

١٥٢

اللّه عليه و سلّم منع منه. و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع(١) فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به و عاقبه في غير إسراف(٢) .

ثم يتحدّث الإمام في رسالته هذه إلى مالك الأشتر عن الطققة المعوزة فيقول: و احفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، و كلّ قد استرعيت حقّه، فلا يشغلنّك عنهم بطر(٣) فإنك لا تعذر بتضييعك التافه(٤) لإحكامك المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم(٥) و لا تصعّر خدّك لهم(٦) و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون(٧) و تحقره الرجال، فإنّ هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم. و تعهّد

____________________

(١) المبتاع: المشتري.

(٢) قارف: خالط. الحكرة: الاحتكار. نكل به: أوقع به العذاب عقوبة له. يقول: من احتكر بعد النهي عن الاحتكار عاقبه لكن من غير إسراف في العقوبة يتجاوز عن حد العدل فيها.

(٣) البطر: طغيان النعمة.

(٤) يقول: لا عذر لك بإهمالك القليل إذا أحكمت الكثير.

(٥) لا تشخص همك عنهم: لا تصرف همك عنهم.

(٦) صعّر خده: أماله عن النظر إلى الناس تهاونا و كبرا.

(٧) تقتحمه العيون: تكره أن تنظر اليه احتقارا.

١٥٣

أهل اليتم و ذوي الرقّة في السن(١) ممّن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل، و الحقّ كلّه ثقيل و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك(٢) من أحراسك و شرطك حتى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع(٣) فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول في غير موطن(٤) : «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع» ثم احتمل الخرق منهم و العيّ(٥) و نحّ عنهم الضيق و الأنف(٦) .

ثم أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك. و منها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك(٧) ، و أمض لكلّ يوم عمله فإنّ لكلّ يوم ما فيه.

____________________

(١) ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه.

(٢) أي: تأمر بأن يقعد عنهم جندك و أعوانك و بألا يتعرضوا لهم.

(٣) التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عيّ، أو من خوف.

(٤) في مواطن كثيرة.

(٥) الخرق: العنف. العي: العجز عن النطق. أي: لا تضجر من هذا و لا تغضب من ذاك.

(٦) الأنف: الاستنكاف و الاستكبار.

(٧) تحرج: تضيق. يقول: إن الأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطلة في قضائها، استجلابا للمنفعة أو إظهارا للجبروت.

١٥٤

و لا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق و قلّة علم بالأمور. و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير، و يقبح الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحقّ بالباطل. و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحقّ سمات(١) تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسه بالبذل في الحق ففيم احتجابك(٢) من واجب حقّ تعطيه أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك(٣) ، مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

ثم إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلّة إنصاف في معاملة، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال(٤) و لا تقطعنّ لأحد من حاشيتك و حامّتك قطيعة(٥) و لا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على

____________________

(١) سمات: علامات.

(٢) لأي سبب تحتجب عن الناس في أداء حقهم، أو في عمل تمنحهم إياه؟

(٣) يقول: و إن قنط الناس من قضاء مطالبهم منك أسرعوا الى البعد عنك، فلا حاجة للاحتجاب.

(٤) احسم: اقطع. يقول: اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعدّيهم، و إنما يكون ذلك بالأخذ على أيديهم و منعهم من التصرّف في شؤون العامة.

(٥) الاقطاع: المنحة من الأرض. القطيعة: الممنوح منها. الحامة، كالطّامة: الخاصة و القرابة. الاعتقاد: الامتلاك. العقدة: الضيعة.

١٥٥

غيرهم فيكون مهنأ ذلك(١) لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإنّ مغبّة ذلك محمودة(٢) .

و إن ظنّت الرعيّة بك حيفا فأصحر(٣) لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك(٤) و رفقا برعيّتك و إعذارا(٥) تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق.

و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك و للّه فيه رضا، فإنّ في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك. و إن عقدت بينك و بين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمّتك بالأمانة و اجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت(٦) و لا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك

____________________

(١) المهنأ: المنفعة الهنيئة.

(٢) المغبة: العاقبة، يقول: إن إلزام الحق لمن لزمهم، و إن ثقل على الوالي و عليهم، محمود العاقبة يحفظ الدولة.

(٣) الحيف: الظلم. أصحر بهم: ابرز لهم.

(٤) رياضة منك لنفسك: تعويدا لنفسك على العدل.

(٥) الإعذار: تقديم العذر أو إبداؤه.

(٦) أصل معنى الذمة: وجدان مودع في جبلة الانسان ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق و يدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم أطلقت على معنى العهد. الجنة: الوقاية.

يقول: حافظ بروحك على ما أعطيت من العهد.

١٥٦

و لا تختلنّ(١) عدوّك. و لا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل(٢) و لا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد و التوثقة، و لا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ(٣) .

و لا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك ممّا يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند اللّه و لا عندي في قتل العمد و إيّاك و المنّ على رعيّتك بإحسانك، أو التزيّد في ما كان من فعلك(٤) أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإنّ المنّ يبطل الإحسان، و التزيّد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت عند اللّه و الناس.

و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقّط فيها عند إمكانها(٥) أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه، و أوقع كلّ أمر موقعه.

____________________

(١) خاس بعهده: خانه و نقضه. الختل: الخداع.

(٢) العلل: جمع علة و هي في النقد و الكلام بمعنى ما يصرفه عن وجهه و يحوّله الى غير المراد، و ذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه و عدم صراحته.

(٣) لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية و التعريض. يقول: إذا ريت ثقلا من التزام العهد فلا تركن إلى لحن القول لتتملص منه، بل خذ بأصرح الوجوه لك و عليك.

(٤) التزيّد: إظهار الزيادة في الأعمال و المبالغة في وصف الواقع منها في معرض الافتخار.

(٥) التسقط: يريد به هنا: التهاون.

١٥٧

و إياك و الاستئثار بما الناس فيه أسوة(١) ، و التغابي عما تعنى به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك، و عمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور و ينتصف منك للمظلوم. إملك حميّة أنفك(٢) و سورة حدّك و سطوة يدك و غرب لسانك(٣) و احترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة(٤) و تأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار.

و الواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة أو سنّة فاضلة، و تجتهد لنفسك في اتّباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجّة لنفسي عليك، لكي لا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. و أنا أسأل اللّه أن يوفّقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح اليه و إلى خلقه(٥) .

____________________

(١) احذر أن تخصّ نفسك بشي‏ء تزيد به عن الناس، و هو مما تجب فيه المساواة من الحقوق العامة.

(٢) أي: أملك نفسك عند الغضب.

(٣) السورة: الحدة: و الحد: البأس. و الغرب: الحد، تشبيها للسان بحدّ السيف و نحوه.

(٤) البادرة: ما يبدر من اللسان عند الغضب، و إطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا، و السكون يطفى‏ء من لهبه.

(٥) يريد من العذر الواضح: العدل، فإنه عذر لك عند من قضيت عليه، و عذر عند اللّه في من أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة.

١٥٨

حدود الضّريبة

من وصية كان الإمام يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، و هي تزخر بحنان الحاكم الأب على أبنائه، و تصلح لأن تدخل في دستور الدولة المثالية التي يحلم بها صفوة الخلق إذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم(١) ، ثم تقول: عباد اللّه، أرسلني اليكم وليّ اللّه و خليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟

فإن قال قائل: لا فلا تراجعه. و إن أنعم لك منعم(٢) فانطلق معه من غير أن تخيفه و توعده أو تعسفه أو ترهقه(٣) فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة. فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه. فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه و لا عنيف به، و لا تنفّرنّ بهيمة و لا تفزّعنّها و لا تسوءنّ صاحبها فيها. و اصدع المال صدعين(٤) ثم خيّره:

____________________

(١) أخدجت السحابة: قلّ مطرها.

(٢) أنعم لك منعم، أي: قال لك: نعم.

(٣) تعسفه: تأخذه بشدة. ترهقه: تكلفه ما يصعب عليه.

(٤) أي: اقسمه قسمين.

١٥٩

فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فاقبض حقّ اللّه منه. فإن استقالك فأقله(١) ، ثم اخلطهما، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق اللّه في ماله.

السفهاء و التجار

من كتاب بعث به الإمام الى أهل مصر مع مالك الاشتر لما ولاّه إمارتها: إني و اللّه لو لقيتهم واحدا و هم طلاع الأرض كلّها(٢) ما باليت و لا استوحشت. و إني من ضلالهم الذي هم فيه و الهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي و يقين من ربّي، و لكني آسى(٣) أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجّارها فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا(٤) و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم و تأنيبكم، و جمعكم و تحريضكم

____________________

(١) أي: فإن ظنّ في نفسه سوء الاختيار و أنّ ما أخذت منه من الزكاة اكرم مما في يده، و طلب الإعفاء من هذه القسمة، فاعفه منها، و اخلط، و أعد القسمة.

(٢) الطلاع: مل‏ء الشي‏ء. يقول: لو كنت واحدا و هم يملأون الأرض للقيتهم غير مبال بهم. و الضمير يعود هنا على خصومه و محاربيه من وجهاء ذلك الزمان.

(٣) آسى: أحزن.

(٤) دولا، جمع دولة «بالضم»: أي شيئا يتداولونه بينهم و يتصرفون به في غير حق اللّه. الخول: العبيد.

١٦٠