روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة0%

روائع نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 237

روائع نهج البلاغة

مؤلف: جرج جرداق
تصنيف:

الصفحات: 237
المشاهدات: 104959
تحميل: 5921

توضيحات:

روائع نهج البلاغة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104959 / تحميل: 5921
الحجم الحجم الحجم
روائع نهج البلاغة

روائع نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

الفقر في الوطن غربة لو تمثّل لي الفقر رجلا لقتلته يسأل ابن آدم يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه كيف تسيغ طعاما و شرابا و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما ظلم الضعيف أفحش الظلم، و الظلم يدعو الى السيف، و خاب من حمل ظلما يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم العامل بالظلم، و المعين عليه، و الراضي به: «شركاء ثلاثة لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه مهما كان في كتّابك موظفيك من عيب فتغابيت عنه ألزمته إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا و لا تولّهم محاباة و أثرة فإنهم جماع من شعب الجور و الخيانة إحذر كل عمل يعمل به في السرّ و يستحى منه في العلانية إن اللّه فرض على أئمة العدل ان يقدّروا انفسهم بضعفة الناس قلوب الرعية خزائن راعيها، فما أودعه فيها من عدل أو جور وجده فيها لا تظهر مودّة الرعية و لا نصيحتهم إلاّ بقلّة استثقال دولهم

٨١

إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان إنّ سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامّة إذا غضب اللّه على أمّة غلت أسعارها و غلبها أشرارها و لكنني آسى أن يلي هذه الأمّة سفهاؤها و فجّارها فيتّخذوا المال دولا و عباده خولا(١) العلماء حكّام الملوك، و البغي آخر مدة الملوك العلم دين يدان به ألأم الناس من سعى بإنسان ضعيف الى سلطان جائر إنها ساعة من الليل لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له، إلاّ أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيّا(٢) ثلاثة يؤثرون المال: تاجر البحر، و صاحب السلطان، و المرتشي في الحكم إذا كان الراعي ذئبا، فالشاة من يحفظها؟ لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به

____________________

(١) آسى: «أحزن. المال دولا، جمع دولة «بالضم» أي: شيئا يتداولونه بينهم و يتصرفون به في غير حق. خولا: عبيدا.

(٢) العشار: من يتولى أخذ الضرائب من الناس. العريف: من يتجسس على أحوال الناس و أسرارهم و يكشفها للحاكم. الشرطة: أعوان الحاكم.

٨٢

و اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل، و اللسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل.

الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له. و القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلا الماحل، و لا يظرّف إلا الفاجر، و لا يضعّف إلا المنصف(١)

____________________

(١) الماحل: الساعي في الناس بالوشاية عند الحاكم. يظرّف: يعدّ ظريفا. يضعّف يعدّ ضعيفا.

٨٣

٨٤

طائفة من رسائله و خطبه و عهوده و وصاياه

٨٥

عبادة الأحرار

من كلام رائع له في معنى العبادة: إنّ قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التّجار و إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد و إن قوما عبدو اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار

ايّها النّاس

من خطبة له في المدينة: الاحتكار مطيّة النّصب، و الحرص داع للتقحّم في الذنوب، و الشّره جامع لمساوى‏ء العيوب.

أيها الناس، لا كنز أنفع من العلم، و لا عزّ أرفع من الحلم، و لا سوأة أسوأ من الكذب، و لا غائب أقرب من الموت أيها الناس، من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره، و من سلّ سيف البغي قتل به، و من حفر بئرا وقع فيها، و من نسي زلله استعظم زلل غيره، و من أعجب برأيه ضلّ، و من استغنى بعقله زلّ، و من تكبّر على الناس ذلّ.

في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال، و الأيام توضح السرائر الكامنة، و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك. و من استقبل وجوه الآراء عرف

٨٦

مواقع الخطأ. و المودّة قرابة مستفادة. و عليك لأخيك مثل الذي لك عليه.

و لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى. و لكل ذي رمق قوت، و لكلّ حبّة آكل، و أنت قوت الموت.

أيها الناس، إياكم و الخديعة فإنها من خلق اللئام. تصفية العمل أشدّ من العمل(١) و تخليص النيّة من الفساد أشدّ على العاملين من طول الجهاد، هيهات لو لا التّقى لكنت أدهى العرب عليكم بكلمة الحق في الرضا و الغضب، و بالقصد في الغنى و الفقر(٢) ، و بالعدل على الصديق و العدوّ، و بالرضا في الشدة و الرخاء، و من ترك الشهوات كان حرا، و إعجاب المرء بنفسه دليل ضعف عقله. و بئس الزاد إلى المعاد: العدوان على العباد

يا أبا ذرّ

من كلام للإمام للصحابي العظيم أبي ذر الغفاري لما أخرجه الخليفة الثالث الى «الربذة» و هو موضع قفر على قرب من المدينة، و بعث من ينادي في الناس: «أ لا لا يكلّم أحد أبا ذر و لا يشيّعه» و قد تحاماه الناس إلاّ ابن أبي طالب، و عقيلا أخاه، و الحسن و الحسين ولديه، و عمّارا: يا أبا ذرّ، إنك غضبت للّه فارج من غضبت له. إن القوم خافوك على

____________________

(١) تصفية العمل خالصا لوجه الحق.

(٢) القصد الاعتدال.

٨٧

دنياهم، و خفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، و اهرب بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم(١) ، و ما أغناك عمّا منعوك لو أن السموات و الأرض كانتا على عبد رتقا ثم اتّقى اللّه لجعل اللّه له منهما مخرجا لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ و لا يوحشنّك إلاّ الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك، و لو قرضت منها لأمنوك

كلّما اطمأنّ

من كتاب له الى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته: و كن آنس ما تكون بها الدنيا أحذر ما تكون منها، فإن صاحبها كلّما اطمأنّ فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور.

السّلام عليك يا رسول اللّه

من كلام روي أنه قاله عند دفن السيدة فاطمة: السلام عليك يا رسول اللّه عني و عن ابنتك النازلة في جوارك، و السريعة اللحاق بك. قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري و رقّ عنها تجلّدي،

____________________

(١) لو قرضت منها جزءا و خصصت به نفسك و رضيت أن تنال منها مثل ما نالوا هم، لاطمأنوا اليك.

٨٨

إلاّ أنّ لي في التأسّي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ(١) .

أمّا حزني فسرمد، و أمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار اللّه لي دارك التي أنت بها مقيم.

افضل النّاس و شرّهم

من كلام له لما اجتمع الناس عليه و شكوا مما نقموه على عثمان بن عفان، و سألوه أن يخاطب الخليفة الثالث و يستعتبه لهم. فدخل عليه فقال: إن الناس ورائي، و قد استسفروني بينك و بينهم(٢) . و اللّه ما أدري ما أقول لك ما أعرف شيئا تجهله و لا أدلك على شي‏ء لا تعرفه.

إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شي‏ء فنخبرك عنه، و لا خلونا بشي‏ء فنبلغكه، و قد رأيت كما رأينا و سمعت كما سمعنا... فاللّه اللّه في نفسك فإنك و اللّه ما تبصّر من عمى، و إنّ الطرق لواضحة. فاعلم أن أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى. و إنّ شرّ الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به. و إني سمعت رسول اللّه (ص) يقول: «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر، يلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها و إني أنشدك اللّه أن لا تكون إمام هذه الأمّة المقتول، فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة، و يلبس أمورها عليها،

____________________

(١) التأسي، هنا: الاعتبار بالمثال المتقدم.

(٢) استسفروني: جعلوني سفيرا و وسيطا.

٨٩

و يثبّت الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا(١) ، فلا تكوننّ لمروان سيّقة(٢) يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ و تقصّي العمر

استأثر فاساء الاثرة

من كلام له في معنى قتل عثمان: لو أمرت به لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت قاصرا(٣) . غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه. و من خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني(٤) و أنا جامع لكم أمره: استأثر فأساء

____________________

(١) المرج: الخلط و التلبيس.

(٢) السيّقة: ما استاقه العدوّ من الدواب. أما مروان، فهو ابن الحكيم الشهير، و كان في عهد عثمان كاتبا له و مشيرا، و هو صاحب العلل التي نقم الناس من أجلها على الخليفة الثالث.

(٣) يقول انه لم يأمر بقتل عثمان و إلاّ كان قاتلا له، مع أنه بري‏ء من قتله. و لم يدافع عنه بسيفه و لم يقاتل دونه و إلا كان ناصرا له. أما نهيه عن قتله بلسانه فهو ثابت، و هو الذي أمر ولديه الحسن و الحسين أن يدفعا الناس عنه.

(٤) أي ان الذين نصروه ليسوا بأفضل من الذين خذلوه، لهذا لا يستطيع ناصره أن يقول: اني خير من الذي خذله. و لا يستطيع خاذله أن يقول: ان الناصر خير مني.

يريد ان القلوب متفقة على أن ناصريه لم يكونوا في شي‏ء من الخير الذي يفضلون به على خاذليه.

٩٠

الأثرة(١) ، و جزعتم فأسأتم الجزع(٢) و للّه حكم واقع في المستأثر و الجازع(٣)

انا كأحدكم

من خطبة رائعة له لمّا أريد على البيعة بعد قتل عثمان: دعوني و التمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان، لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول(٤) و إن الآفاق قد أغامت و المحجّة قد تنكّرت(٥) ، و اعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، و لم أصغ إلى

____________________

(١) استأثر بالشي‏ء: استبدّ به و خصّ نفسه به. أي: انه استبد فأساء الاستبداد و كان عليه أن يخفف منه فلا يؤذيكم.

(٢) أي: لم ترفقوا في جزعكم و لم تقفوا عند الحد الأولى بكم. و كان عليكم أن تقتصروا على الشكوى و لا تذهبوا في الإساءة الى درجة القتل.

(٣) أي: و للّه حكمه في المستأثر و هو عثمان. و في الجازع و هو أنتم.

(٤) لا تصبر له و لا تطيق احتماله.

(٥) أغامت: غطيت بالغيم. المحجة: الطريق. تنكرت: تغيّرت علائمها فصارت مجهولة، و ذلك أن الأطماع كانت قد تنبهت في كثير من الناس على عهد الخليفة الثالث بما نالوا من تفضيلهم بالعطاء، فلا يسهل عليهم فيما بعد أن يكونوا في مساواة مع غيرهم، فلو تناولهم العدل انفلتوا منه و طلبوا الفتنة طمعا في نيل رغباتهم، و أولئك هم أغلب الرؤساء و الوجهاء في القوم، فإن أقرّهم الإمام على ما كانوا عليه من الامتياز فقد أتى ظلما، و هو عدوّ الظلم. و الناقمون على عثمان قائمون على المطالبة بالعدل: إن لم ينالوه تحرّشوا للفتنة فأين الطريق للوصول الى الحق على أمن من الفتن؟ و قد كان بعد بيعته ما توقّع حدوثه قبلها.

٩١

قول القائل و عتب العاتب. و إن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا

الحقّ لا يبطله شي‏ء

من خطبة رائعة له خطب بها الناس ثاني يوم من بيعته بالمدينة، و هي في ما ردّه على الناس من قطائع(١) الخليفة الثالث، و في المال الذي كان عثمان قد أعطاه من مال العامة: أيها الناس، إنّما أنا رجل منكم، لي ما لكم و عليّ ما عليكم. ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، و كل مال أعطاه من مال اللّه، فهو مردود في بيت المال فإنّ الحق القديم لا يبطله شي‏ء، و لو وجدته قد تزوّج به النساء و ملك الإماء و فرّق في البلدان لرددته. فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق(٢) أيها الناس، ألا يقولنّ رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار و فجّروا الأنهار و ركبوا الخيل و اتّخذوا الوصائف المرقّقة، إذا ما منعتهم ما كانو يخوضون فيه و أصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ألا و أيّما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول اللّه يرى أن الفضل له على سواه بصحبته، فإن الفضل غدا عند اللّه. فأنتم عباد اللّه، و المال مال اللّه، يقسّم بينكم بالسويّة و لا فضل فيه لأحد على أحد

____________________

(١) ما أعاد للناس من الأراضي.

(٢) من عجز عن تدبير أمره بالعدل فهو بالجور أشدّ عجزا.

٩٢

اسفلكم اعلاكم

من كلام له لما بويع بالمدينة: ألا و إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّكم صلى اللّه عليه و سلّم(١) . و الذي بعثه بالحقّ لتغربلنّ غربلة و لتساطنّ سوط القدر(٢) حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم، و ليسبقنّ سابقون كانوا قد قصّروا، و ليقصرنّ سبّاقون كانوا قد سبقوا. و اللّه ما كتمت وشمة(٣) و لا كذبت كذبة ألا و إنّ الخطايا خيل شمس(٤) حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحّمت بهم في النار ألا و إنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها و أعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة. حقّ و باطل، و لكلّ أهل هلك من ادّعى و خاب من افترى و من أبدى صفحته للحقّ هلك(٥) .

و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره. فاستتروا في بيوتكم و أصلحوا ذات بينكم، و التوبة من ورائكم و لا يحمد حامد إلاّ ربّه، و لا يلم لائم إلاّ نفسه

____________________

(١) ان بلية العرب التي كانت محيطة بهم يوم بعث محمد هي بلية الفرقة و التباعد و العصبية و ظلم القوي للضعيف و الغني للفقير. فتلك الحالة التي هي مهلكة للأمم قد صاروا اليها بعد مقتل عثمان.

(٢) لتغربلنّ: لتقطعنّ من. ساط، من السوط، و هو أن تجعل شيئين في القدر و تضربهما بيدك حتى يختلطها و ينقلب أعلاهما أسفلهما و أسفلهما أعلاهما.

(٣) الوشمة: الكلمة.

(٤) شمس، جمع شموس، و هو الجامح الذي يمنع ظهره أن يركب.

(٥) من أبدى صفحته للحق، أي: من كاشف الحق مخاصما له مصارحا له بالعداوة.

٩٣

عفا اللّه عمّا سلف

من خطبة له خطبها بعد مقتل عثمان في أول خلافته: أيها الناس، إن الدنيا تغرّ المؤمّل لها و المخلد إليها(١) ، و لا تنفس(٢) بمن نافس فيها، و تغلب من غلب عليها. و أيم اللّه، ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها، لأن اللّه ليس «بظلاّم للعبيد». و لو أن الناس حين تنزل بهم النّقم و تزول عنهم النّعم، فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم و وله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد و أصلح لهم كلّ فاسد. و إني لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة(٣) . و قد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة، كنتم فيها عندي غير محمودين، و لئن ردّ عليكم أمركم إنكم لسعداء. و ما عليّ إلا الجهد، و لو أشاء أن أقول لقلت: عفا اللّه عمّا سلف

الرّشوة

من كتاب له الى أمراء الأجناد لما استخلف: أما بعد، فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحقّ

____________________

(١) المخلد اليها: الراكن اليها.

(٢) تنفس، مضارع نفس: تضنّ. و معنى العبارة: ان الدنيا لا تضن بمن يباري غيره في اقتنائها و عدّها من نفائسه، و لا تحرص عليه بل تهلكه.

(٣) الفترة، هنا، كناية عن الجهل و الغرور.

٩٤

فاشتروه(١) و أخذوهم بالباطل فاقتدوه(٢) .

ان لم تستقيموا

من كتاب له إلى أمرائه على الثغور: أما بعد، فإنّ حقّا على الوالي أن لا يغيّره على رعيته فضل ناله و لا طول خصّ به(٣) و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوّا من عباده و عطفا على إخوانه.

ألا و إنّ لكم عندي أن لا أؤخّر لكم حقا عن محلّه، و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء. فإذا فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النعمة و لي عليكم الطاعة، و أن لا تنكصوا عن دعوة(٤) و لا تفرّطوا في صلاح، و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق(٥) ، فإن أنتم لم تستقيموا على ذلك لم يكن أحد أهون عليّ ممّن اعوجّ منكم، ثم أعظم له العقوبة و لا يجد عندي فيها رخصة

____________________

(١) أي: حجبوا عن الناس حقّهم فاضطرّ الناس لشراء الحق منهم بالرشوة...

(٢) أي كلفوهم بإتيان الباطل فأتوه، و صار الباطل قدوة يتبعها الأبناء بعد الآباء.

(٣) الطول: عظيم الفضل. أي: من الواجب على الوالي إذا خصّ بفضل أن يزيده ذلك قربا من الناس إخوانه و عطفا عليهم، و ليس من حقه أن يتغيّر.

(٤) أي: ان لا تتأخروا إذا دعوتكم.

(٥) الغمرات: الشدائد.

٩٥

أنصفوا النّاس

من كتاب له إلى عمّاله على الخراج: أنصفوا الناس من أنفسكم، و اصبروا لحوائجهم فإنكم خزّان الرعيّة(١) و وكلاء الأمة. و لا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابّة يعتملون عليها(٢) . و لا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسّنّ مال أحد من الناس مصلّ و لا معاهد(٣) .

أ أطلب النّصر بالجور

من كلام له لما عوتب على التسوية في العطاء: أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور في من ولّيت عليه؟ و اللّه ما أطور به ما سمر سمير و ما أمّ نجم في السماء نجما(٤) . لو كان المال لي لسوّيت

____________________

(١) المقصود هو أن الولاة يجب أن يخزنوا أموال الرعية في بيت المال لتنفق في مصالح الرعية و حاجاتها.

(٢) يقول: لا تضطروا الناس لأن يبيعوا لأجل أداء الخراج شيئا من كسوتهم، و لا من الدواب اللازمة لأعمالهم في الزرع و الحمل.

(٣) المعاهد: غير المسلم من أهل الكتاب. يقول: لا تلجأوا الى السوط تحصيلا للمال.

و لا تمسّوا مال أحد من المسلمين أو أهل الكتاب بالمصادرة.

(٤) ما أطور به: ما آمر به و لا أقاربه. و ما سمر سمير، أي: مدى الدهر.

٩٦

بينهم، فكيف و إنما المال مال اللّه ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف.

النّاس متساوون في الحقّ

من كلام له كلّم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما: لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا(١) . ألا تخبراني أيّ شي‏ء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه؟ و أيّ قسم استأثرت عليكما به؟ أم أيّ حقّ رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم أخطأت بابه؟ و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة(٢) . و لكنكم دعوتموني إليها، فلما أفضت إليّ نظرت إلى كتاب اللّه، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما و لا رأي غيركما، و لا وقع حكم جهلته فأستشيركما و إخواني المسلمين، و لو كان ذلك لم أرغب عنكما و لا عن غيركما.

أمّا ما ذكرتما من أمر الأسوة(٣) ، فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي و لا ولّيته هوى مني، بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول اللّه (ص) قد فرغ منه فلم أحتج إليكما في ما قد فرغ اللّه من قسمه. أخذ اللّه بقلوبنا

____________________

(١) أي غضبتما ليسير، و أخرتما مما يرضيكما كثيرا لم تنظرا اليه.

(٢) الإربة: الغرض، و الطلبة.

(٣) الأسوة، هنا: التسوية بين الناس في قسمة الأموال، و كان ذلك قد أغضب طلحة و الزبير على ما روي.

٩٧

و قلوبكم إلى الحق، و ألهمنا و إياكم الصبر. و رحم اللّه امرأ رأى حقّا فأعان عليه، أو رأى جورا فردّه، و كان عونا بالحق على صاحبه

الى أصحاب الجمل

من كتاب له بعث به إلى طلحة و الزبير و عائشة قبل موقعة الجمل: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى طلحة و الزبير و عائشة، سلام عليكم.

أما بعد، يا طلحة و الزبير، فقد علمتما أني لم أرد البيعة حتى أكرهت عليها، و أنتما ممن رضي بيعتي. فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلى اللّه و ارجعا عمّا أنتما عليه. و إن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما لي السبيل عليكما، بإظهاركما الطاعة و كتمانكما المعصية.

و أنت يا طلحة، شيخ المهاجرين، و أنت يا زبير، فارس قريش، دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه قبل إقراركما.

و أنت يا عائشة، فإنك خرجت من بيتك عاصية للّه و لرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، و تزعمين انك تريدين الإصلاح بين الناس فخبّريني ما للنساء و قود الجيوش، و البروز للرجال و طلبت، على زعمك، دم عثمان، و عثمان من بني أمية و أنت من تيم. ثم أنت بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول اللّه: «اقتلوا نعثلا، قتله اللّه، فقد كفر» ثم تطالبين اليوم بدمه فاتّقي اللّه و ارجعي الى بيتك، و اسبلي عليك سترك و السلام.

٩٨

اخرج من جحرك

من كتاب له إلى أبي موسى الأشعري، و هو عامله على الكوفة، و قد بلغه عنه تثبيطه الناس على الخروج اليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل: من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس.

أما بعد، فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك. فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك و اشدد مئزرك و اخرج من جحرك و اندب من معك(١) .

إعقل عقلك(٢) و املك أمرك و خذ نصيبك و حظك. فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب و لا في نجاة و اللّه إنه لحقّ مع محقّ، و ما أبالي ما صنع الملحدون

قيام الحجّة

من كلام له كلّم به بعض العرب و اسمه كليب الجرمي و قد أرسله قوم من أهل البصرة ليعلم لهم من الإمام حقيقة حاله مع

____________________

(١) رفع الذيل و شد المئزر: كناية عن التشمير للجهاد. الجحر، هنا: كناية عن المقر.

اندب: ادع.

(٢) قيده بالعزيمة و لا تدعه يذهب مذاهب التردّد.

٩٩

أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم.

فبيّن له الإمام من أمره معهم ما علم به أنه على الحق، ثم قال له: بايع فقال الرجل: إني رسول قوم و لا أحدث حدثا حتى أرجع اليهم. فقال الإمام هذا القول الرائع: أ رأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث(١) فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلإ و الماء فخالفوا إلى المعاطش و المجادب(٢) ، ما كنت صانعا؟

قال الرجل: كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلإ و الماء. فقال الإمام: فامدد إذا يدك فقال الرجل: فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ، فبايعته عليه السلام و قيل للإمام ذات مرة: بأي شي‏ء غلبت الأقران؟ فأجاب: ما لقيت رجلا إلا أعانني على نفسه

اراد ان يغالط

من كلامه الزاخر بالمنطق في طلحة و موقفه من قضية عثمان، قبل مقتله و بعده: قد كنت و ما أهدّد بالحرب و لا أرهب بالضرب. و اللّه ما استعجل

____________________

(١) مساقط الغيث: المواضع التي يسقط فيها المطر فتخضرّ و تزدهر.

(٢) المعاطش، جمع معطش، و هو: مكان العطش، أي الذي لا ماء فيه. و المجادب، جمع مجدب، و هو مكان الجدب، أي القحط و المحل.

١٠٠