مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة0%

مطارحات في الفكر والعقيدة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: 168

مطارحات في الفكر والعقيدة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: 168
المشاهدات: 48566
تحميل: 4604

توضيحات:

مطارحات في الفكر والعقيدة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48566 / تحميل: 4604
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

مؤلف:
ISBN: 964-319-046-3
العربية

نزجه لكلِّ مفتر كذاب.

لي حيلةٌ في من ينمُّ ، فإنّني

أطوي حديثي دونه وخطابي

لكنّما الكذّاب يخلُقُ قولَه

ما حيلتي في المُفترِي الكذّابِ

الحديث الثاني : حديث« الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش » ، وإليك بعض من أخرجه من العامّة :

مصادره :

1 ـ البخاري في صحيحه 4 : 164 ، كتاب الاحكام باب الاستخلاف.

2 ـ مسلم في صحيحه بتسعة طرق 2 : 119 ، كتاب الامارة.

3 ـ أحمد في مسنده 5 : 90 ، 93 ، 97 ، 100 ، 106 ، 107 ، دار صادر.

4 ـ سنن أبي داود 4 : 106 / 7279 ، 4281.

5 ـ المعجم الكبير للطبراني 2 : 238 / 1996.

6 ـ سنن الترمذي 4 : 501.

7 ـ حلية الأولياء لأبي نعيم 4 : 332.

8 ـ مستدرك الحاكم 3 : 618.

9 ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13 : 211.

10 ـ صحيح مسلم بشرح النووي 12 : 201.

11 ـ مشكاة المصابيح للتبريزي 3 : 327 / 5983.

٦١

12 ـ السلسلة الصحيحة للالباني حديث رقم 376. وغيرها كثير جداً.

دلالته :

أما دلالة الحديث : فنقول :

هل يمكن أن نحمل الخليفة هنا على كل من تولّى الحكم من خلفاء بني اُميّة وبني مروان ومن على شاكلتهم ؟

لقد اختلف أئمة الحديث أيّما اختلاف في أسمائهم واضطربوا كلّ الاضطراب ، فدونك ابن قيم الجوزية في شرحه على سنن أبي داود(1) ودونك ما عند ابن كثير في تفسيره(2) ، وهذا المقريزي لم يُدخل أحداً من بني اُميّة إطلاقاً في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك(3) .

ثم الحديث يفيد استمرار الأمر إلى آخر الدهر ، وما ذكروه من أسماء الملوك وسلاطين الجور منقوض متهافت ، وما ذكره العامّة لا يمكن أن ينطبق مع الواقع ، وأنّ المصداق الوحيد الصحيح هو أئمة أهل البيتعليهم‌السلام فراجع في سيرتهم وصلاحهم واستمرار وجودهم الشريف بوجود مهدي آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي. ودونك ما نقله عن الإمام زين العابدين إذا أردت الحق ، قال : قال الإمامعليه‌السلام :« فإلى من يفزع خلف هذه الاُمّة وقد درست أعلام هذه الملّة ، ودانت الاُمّة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول : ( وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ

__________________

(1) شرح الحافظ ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود 11 : 363 في شرح الحديث ( 4259 ).

(2) تفسير ابن كثير 2 : 24 في تفسير الآية ( 12 ) من سورة المائدة.

(3) السلوك لمعرفة دول الملوك ، للمقريزي 1 : 13 ـ 15 من القسم الأول.

٦٢

تَفَرّقُوا وَاختَلَفُوا ) (1) ؟ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلاّ أبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى الذين احتجّ الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجّة ، هل تعرفونهم أو تجدونهم اِلا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب » (2) .

هذا ، وأما عن احتجاج الخصوم باختلاف الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام فهم لم يبينوا لنا طبيعة هذا الاختلاف حتى نجيب عليه ، فكأنهم لا يعلمون بالدم الشيعي المراق أخذاً بثارات الإمام الحسينعليه‌السلام ، وربما أرادوا بذلك دعوى مهدوية ابن الحنفية ، فإن كان مرادهم هذا فاعلم أن مدّعي ذلك هم الكيسانية لا الشيعة الإمامية ، ونحسبهم أرادوا بهذا ما يُروى عن منازعة ابن الحنفية للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام بشأن الإمامة ، وهذا لم يثبت بخبر صحيح ، بل الثابت عندنا قوله بإمامة ابن أخيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ثم اعلم أنَّ المتمسِّك بهذه الذريعة الواهية ، لا يعلم بالاختلافات الواصلة إلى درجة التناقض في مسائل شتى هي من صلب عقائد المسلمين ، بدءاً من صفات الله تعالى إلى المعاد إلى غير ذلك من العقائد ، فهل يقدح ذلك في اُصولها ؟! وهل يكون مدعاةً للرفض ؟! ثم الاُمّة المسلمة افترقت ثلاث وسبعين فرقة ، فعلى ماذا كان الافتراق ؟ وهل يعني هذا التشكيك بأصل الإسلام وعقائده لمجرد وقوع الافتراق ؟!!

__________________

(1) آل عمران 3 : 105.

(2) الصواعق المحرقة : 120.

٦٣

ثانياً : تواتر النصّ عند الشيعة :

تواتر النقل عند الشيعة الإمامية خلفاً عن سلف بخصوص النصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة ، ابتداءً من الإمام عليٍّعليه‌السلام وانتهاء بالإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ). زيادة على تواتر النقل عندهم في نصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على من بعده ، وهكذا نصّ كلُّ إمام سابق على من يليه وصولاً إلى مهدي هذه الأمةعليه‌السلام . ومن راجع كتب الحديث الشيعية علم بصحة هذا ولا حاجة إلى التطويل في إبراز ذلك(1) إلاَّ أنَّه من المهم الإشارة إلى بعض الرشحات التي أفرزتها كتب العامّة وهي صريحة في التنصيص على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذكرهم بالاسم ، وقد نقل بعضها القندوزي الحنفي في ينابيع المودة(2) أخرجها عن سلمان الفارسي ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهم.

ولا يخفى بأنَّ العادة جرت بأنّ كلَّ من اعتقد مذهباً طريق صحته النقل ، فَإنَّ دواعيه تتوفر على نقله ، وتتوفر دواعي مخالِفِهِ على طيّه وكتمانه ، والطعن عليه ، والإنكار له. وقد رأينا اتفاق من خالفنا في ذلك معنا في رواية ما يدل على إمامة أئمتنا كما تقدم في الطريق الأول ، وهذا يعني أنّ الله عز وجلّ قد أعمى أبصارهم ، وسخَّرهم بنقل هذا ! ولو فطنوا إليه لأعرضوا عن روايته ، وفي هذا كفاية لكل متدبر منصف يُؤمن بيوم الحساب.

__________________

(1) أبواب الاشارة والنصّ في اُصول الكافي. وأحاديث كمال الدين للصدوق. والارشاد للمفيد ، وغيرها.

(2) ينابيع المودة 3 : 99 باب 76 و 3 : 105 باب 77.

٦٤

المبحث الثالث

الإشكالات المثارة حول قضية النصّ

قد تجد من يزعم ان الاعتقاد بمخالفة الصحابة للنصّ كفرٌ(1) ! وكأنه لم يقرأ تاريخ الصحابة قط ، ولم يسمع بمخالفة رؤوسهم للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله صراحة وفي أكثر من موقف ، وهذا من العجب ؛ لأنّ النصَّ على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والتأكيد على خلافته من لدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي مناسبات شتى كحديث الغدير وعشرات غيره لم تثبت من طرق شيعته فحسب ، بل عرفته صحاح العامة ومسانيدهم ومستدركاتهم وزوائدهم وغيرها من كتبهم المشهورة حتى بلغ النصّ من طرقهم فقط حد التواتر ، إلاّ أن أكثرهم حاول تأويل تلك النصوص الجلية والتشويش عليها والمشاغبة وإثارة الإشكالات حولها ، فاعتقد الخلف بصحة ما ذهب إليه السلف ولم يكلفوا أنفسهم بمعرفة الحق الصريح عن طريق النقد والتمحيص ليتبين لهم أنَّ تلك الآراء الموروثة لا تقوى على قلب الحقيقة فضلاً عن مواجهتها.

ولهذا سنورد أهم إشكالاتهم ثم نناقشهم عليهاونبين تهافتهم فيها وكما يأتي :

__________________

(1) المنار المنيف ، لابن القيم : 54 ، فقد صرّح بان الاعتقاد بصحة تلك المخالفة كذب ، إلاّ ان اتباعه من المعاصرين زعموا بانه كفرٌ !

٦٥

الإشكال الأول :

لو كان النصّ موجوداً لعمل به الصحابة :

وزعم من أشكل بهذا : إنَّ الصحابةَ ـ بعقيدة الشيعة الإمامية ـ لم يعملوا بهذا النصّ الالهي الثابت ، واستحلّوا خلافه وهذا المعتقد في كلِّ مذهب منطقي مستقيم التفكير كفر ، فهو جحود وإنكار لبعض الدين المعلوم بالضرورة ، وإذا كان ذلك كذلك فكيف تستقيمُ هذه النتيجة مع عظمة معلّمهم سيدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فهل أنفَقَ سيدنا محمّد عليه وعلى آله الصلاة والسلام أكثر من عشرين سنةً يربّيهم من أجل أن يصبحوا خونةً في النهاية ؟!

جواب الإشكال الأول :

خروج الصحابة على أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنَّ خروجَ كثير من الصحابة على أوامر الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي هي أوامر إلهية ، وتلكّؤهم في العمل بها ، بل عملهم على خلافها ، أمرٌ مشهور في سيرتهم في حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدثَ في مخالفتهم أمره بقتل ذي الثدية(1) ، وفي واقعة اُحد(2) وما ترتب على ذلك من نتائج خطيرة كادت أن تودي بحياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي واقعة حنين

__________________

(1) مسند أبي يعلى 1 : 90 / 90. والاصابة في تمييز الصحابة ، لابن حجر 2 : 341. ومسند أحمد بن حنبل 3 : 5.

(2) تاريخ الطبري 2 : 197. والكامل في التأريخ ، لابن الأثير 2 : 154. وطبقات ابن سعد 2 : 47. والسيرة الحلبية 2 : 236.

٦٦

حيثُ ولّى بعضهم الأدبار ، ثم ألم يسمع هذا الزاعم بالرزية كل الرزيّة على حدّ تعبير حبر الاُمّة عبد الله بن عباس ؟! وذلك : أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب دواةً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ـ على حد تعبيره صلوات الله وسلامه عليه ـ فاختلفوا وتنازعوا ، وقالوا قولةً منكرة : إنه هَجَرَ ، حتى اضطر أنصاره فلطفوها بعبارة ( قد غلبَ عليه الوجع ) ، وإليك ذلك في صحاحهم :

جاء في صحيح البخاري « لما حُضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » ، فقال عمر : إنَّ النبي قد غَلَبَ عليه الوجع وعندكم القرآن : حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل الدار فاختصموا ، منهم من يقول قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « قوموا » (1) .

ثم أين صاحب الإشكال من قضية سرية أُسامة ، ومخالفتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من مورد فيها ، حتى اضطرصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يخرج وهو في شدة مرضه ويجمعهم ويخطب فيهم قائلاً :« أنفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة » (2) .

وأما مخالفاتهم بعد موته صلوات الله وسلامه عليه وآله وتبديلهم

__________________

(1) صحيح البخاري 1 : 37 كتاب العلم و 8 : 161 كتاب الاعتصام و 6 : 11 ـ 12. وصحيح مسلم 3 : 1257 / 1637 آخر الوصية. ومسند أحمد بن حنبل 1 : 32.

(2) الملل والنحل ، للشهرستاني 1 : 29. وقريباً منه في : الطبقات الكبرى ، لابن سعد 2 : 248. والكامل في التأريخ ، لابن الاثير 2 : 218. ومغازي الواقدي 2 : 1121.

٦٧

وتحريفهم فدونك حديث الحوض يحكي لك هذه القصة ، وينبئك بهذه المسألة ، فقد أخرج البخاري في باب الحوض عن أبي هريرة أيضاً أنّه كان يحدّث : أنَّ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :« يردُ عليَّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيحلأون عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى » (1) .

الإشكال الثاني :

ثناء القرآن على الصحابة وذلك لا يتسق مع اعتقاد مخالفتهم النصّ :

من إشكالاتهم المتهافتة الاحتجاج بثناء القرآن على الصحابة من المهاجرين والأنصار ، ثم أخذوا يتساءلون : كيف يتسق هذا مع المخالفة الكبيرة للنصّ لو كان موجوداً ؟

جواب الإشكال الثاني :

القرآن لم يثن إلاّ على المخلصين من الصحابة :

إنَّ في الصحابة كراماً بررة رضي الله عنهم قاتلوا بين يدي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله فنالوا شرف الشهادة ، في بدرٍ واُحدٍ وحنين وغيرها ، ومنهم من استقاموا على سنته ، واتبعوا أقواله ، وتعبّدوا بأمره ونهيه ، فهؤلاء لاريب إنّهم محل ثناء القرآن الكريم ، وتقديس المسلمين. ومنهم من عارضوه وخالفوه ، وأغضبوه وآذوه ، فاُولئك الذين وصفهم القرآن الكريم

__________________

(1) صحيح البخاري 8 : 150 كتاب الرقائق.

٦٨

ب‍( الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرضٌ ) (1) وب‍ « النفاق ». قال تعالى :( وَمِن أهلِ المَدِينةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ) (2) .

ونضيف إلى ذلك : إنَّ أصحاب النبي موسىعليه‌السلام ، قد عبدوا العجلَ( وأضَلّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (3) فلم يقدح ذلك في عظمة النبي موسىعليه‌السلام ، ولا في جهده وجهوده التربوية التي بذلها في تربية أصحابه ، ولكنْ زيّنت لهم أنفسهم أمراً وأكثرهم للحق كارهون.

الإشكال الثالث :

حول ثناء الإمام عليّعليه‌السلام على الصحابة :

إنَّ الإمام عليّاًعليه‌السلام قد أثنى عليهم كثيراً عندما كان يذمّ في خطبه من يدّعون أنهم أصحابه ، ويقارنهم بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يصحّ مثل هذا الثناء عليهم مع فرض اغتصابهم حقه ؟

جواب الإشكال الثالث :

توضيح موقف الإمام عليّعليه‌السلام وشيعته من الصحابة :

نعم ، كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحاب بررة ، استشهد كثيرٌ منهم في معارك الإسلام الاولى في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما إنَّ كثيراً منهم ظلَّ مع أمير المؤمنين متبّعاً أوامر الرسول العظيم في موالاة الإمام عليّعليه‌السلام ، وفي

__________________

(1) المائدة 5 : 52.

(2) التوبة 9 : 101.

(3) طه 20 : 85.

٦٩

معاداة من يعاديه ، وكان منهم عمّار الذي قتلته الفئةُ الباغية ( معاوية وأتباعه ) ، وكان منهم كثيرون استشهدوا في صفين والنهروان(1) فهؤلاء جميعاً هم محلّ ثناء الإمام عليّعليه‌السلام وتبجيله ، وهم ممن نجلّهم ونعظّمهم. أما من أنكر النصّ وتقدّم على الإمام أو بغى عليه أو نكث بيعته أو مرق عن الدين ، فهؤلاء جميعاً يتحملون وِزرَ ما ارتكبوا من البغي والعدوان ، ونحن نتبرأ من أعمالهم ، فمعاوية مثلاً أحد هؤلاء قال فيه الحسن البصري وهو من أجلة التابعين : « أربع خصال كُنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه اِلا خصلة واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاَُمّة بالسيف حتى أخذَ الأمر من غير مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكيراً ، وادعاؤه زياداً ، وقتله حجر بن عدي الكندي وأصحاب حجر ، فيا ويلاً له من حجر »(2) .

نعم ، إنَّ الشيعة تفتخر وتقدّس وتعظّم من وقفَ من الصحابة الأجلاء مع الإمام عليّعليه‌السلام في حروبه ، إتباعاً لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« حربُ عليٍّ حربي وسلمه سلمي » (3) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، واخذل من خذله وانصر من نصره » (4) .

فلا ريبَ ولا شك بأنَّ من نَصَرَ الإمام عليّاً ووالاه وعادى من يعاديه

__________________

(1) تراجمهم في الاصابة ، لابن حجر. واُسد الغابة ، لابن الاثير. والاستيعاب ، لابن عبدالبر بهامش الاصابة.

(2) الكامل في التأريخ 3 : 487. والموفقيات ، للزبير بن بكار تحقيق الدكتور سامي مكي العاني : 577.

(3) سنن الترمذي 5 : 360. وشواهد التنزيل ، للحسكاني 2 : 27.

(4) اُسد الغابة 2 : 290 في ترجمة زيد بن شراحيل الانصاري ، وفيه ذكر المناشدة. وسنن الترمذي 5 : 291. وصحيح مسلم 4 : 1874. ومسند أحمد بن حنبل 4 : 281.

٧٠

نحن نفتخر به ، وأمّا من تقمّص الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قاتل الإمام عليّاًعليه‌السلام وعاداه وبغى عليه ونكثَ بيعته ومَرَق عن الدين كمعاوية وكالخوارج الذين أمرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتالهم(1) ، فلا شك بان شيعة الإمام عليّعليه‌السلام ترى أنّ من العدل أن لا يتساوى هؤلاء واُولئك قال تعالى :( أفَمَن كَانَ مُؤمنِاً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَستوونَ ) (2) .

وأما عن موقف أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام من الثلاثة ، فالثابت تبرمه وشكايته المتكررة منهم وقد مرَّ ما يدل عليه في مقدمة البحث وسيأتي ماله صلة وثيقة بمواقفه معهم.

الإشكال الرابع :

قبول الإمام عليعليه‌السلام بمبدأ الشورى :

واشكلوا أيضاً بان للإمام عليّعليه‌السلام أقوالاً ثابتة عند الشيعة ( منقولة في نهج البلاغة ). ومنها قولهعليه‌السلام :« إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً » (3) .

جواب الإشكال الرابع :

لم تكن شورى بل كانت فلتة :

إنَّ الحجة في كلام الإمامعليه‌السلام قائمة على المحتج ؛ فكلام الإمام هنا

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 3 : 15. وسنن ابن ماجة 1 : المقدمة باب 11.

(2) السجدة 32 : 18.

(3) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : 500 كتاب 6 من باب الرسائل.

٧١

صريح وواضح ، وهو أقربُ إلى التعريض والاِنكار منه إلى الاِقرار ، إذ متى اجتمع المهاجرون والأنصار على رجلٍ يا تُرى ؟!

أفي السقيفة ؟! ، ونزاعهم مشهور ، وقولتهم معروفة « منّا أمير ومنكم أمير » ثم كانت الفلتة حينَ صفق عمر بن الخطاب على يد أبي بكر مبايعاً وتلاه أبو عبيدة(1) :

وكان ما كان مما لستُ أذكره ..

أو ليس من العجب أن ينسى طالب الحق ومدّعي الانصاف امتناع سيد الخزرج سعد بن عبادة ، ومقولة الحباب بن المنذر : اِن شئتم لنعيدنّها جذعة(2) . ثم امتناع بني هاشم والزبير وطلحة وغيرهم كثير ، فأين الاجتماع المزعوم ؟!

وقد قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها(3) ، وقال : فمن عادَ لمثلها فاقتلوه ، فلو كانت باجماعٍ لما صحَّ هذا القول من عمر. هذا وقد قالت الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبتها :« خوفَ الفتنة زعموا ، ألا في الفتنةِ سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين » (4) .

تبرّم أمير المؤمنينعليه‌السلام من خرافة الشورى :

وأما خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فهذا كلام أمير المؤمنين

__________________

(1) تاريخ الطبري 3 : حوادث سنة 11 ه‍ السقيفة.

(2) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 6 : 8. و 2 : 21 ـ 66.

(3) صحيح البخاري 8 : 210 باب رجم الحبلى من الزنا.

(4) شرح نهج البلاغة 16 : 234.

٧٢

عليّعليه‌السلام فيها :

« فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاتِه ، لشدّ ما تشطَّرا ضرعيها ! فصيّرها في حوزةٍ خشناء فَمُني الناسُ ـ لعمرُ اللهِ ـ بخبطٍ وشماس وتلوّن واعتراضٍ ، فصبرتُ على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعمَ أني أحدهم فيا لله وللشورى » (1) .

فكفى بذلك إنكاراً من الإمام عليّعليه‌السلام ، ولا يُقال إذن لماذا سكتَ الإمام ؟ ولماذا قبلَ الدخول في الشورى ؟! فاسمع جوابَه واضحاً صريحاً في نفس الخطبة :

« أما واللهِ لقد تقمّصها فلان (يعني : أبا بكر)وإنّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلُّ القطب من الرحا ، ينحدرُ عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كَشْحاً ، وطفقتُ أرتأى بين أن اُصولَ بيدٍ جَذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدحُ فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ..

ثم يقول :فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صِرتُ أقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسْفَفْتُ إذ أسفّوا ، وطِرتُ إذ طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغْنِه ومالَ الآخرُ لصهره مع هَنٍ وهَنٍ الخ » (2) .

فإن قالوا : إنّ هذه الخطبة ربما تكون غير صحيحة.

__________________

(1) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح خطبة رقم 3 : 48. وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 : 151.

(2) نهج البلاغة ، خطبة رقم 3 « الشقشقية ».

٧٣

فنقول : إنَّ هذه الخطبة ما هي إلاّ واحدة من كلمات الإمام عليّعليه‌السلام التي تفصح عن شكايته ، فإن شئتم أن تصدّقوا بها فشأنكم ، وإن شئتم تكذيبها فليس لكم أن تحتجّوا بأيّ كلام في النهج ، إذ ليس من الانصاف الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض ، وعلى الرغم من هذا سنحيل القارئ إلى من أخرج تلك الخطبة وهم :

1 ـ ابن النديم في الفهرست : 224.

2 ـ ابن عبد ربه الاندلسي ( ت 328 ه‍ ) في العقد الفريد.

3 ـ ابن الجوزي في المناقب.

4 ـ الآبي في نثر الدرر ونزهة الأديب.

5 ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 133 وغيرهم.

وتفسير هذه الخطبة واضح لا يحتاج إلى بيان ، فهو ينطق بالحجة على المحتج.

الإشكال الخامس :

حول بيعة الإمام عليعليه‌السلام للثلاثة :

وأشكلوا ببيعة الإمام عليّعليه‌السلام للثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ وزعموا انه لا يجاب عن تلك البيعة بتوخي المصلحة ، أو بالتقية ، أو بالاكراه ، فكلّ ذلك يؤدي إلى انتقاص في حقِ سيدنا الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤

جواب الإشكال الخامس :

سبب بيعة الإمامعليه‌السلام بعد الامتناع :

أما مسألة الاكراه على البيعة ، وعدم مبادرته إليها بنفسه ، فقد تناقلها أهل التواريخ والسير :

أخرج البخاري : «أن علياً امتنَع عن البيعة لمدة ستة أشهر حتى توفيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام »(1) .

وفي خطبةٍ للإمام عليّعليه‌السلام يبين بوضوح أسباب بيعته ، ويفصح عن سرّها فلا يبقى تأويل لمتأوّل : فاستمع أيُّها المنصف لما يقولعليه‌السلام :

أ ـ« وأيمُ الله لولا مخافة الفرقة ، وأن يعود الكفر ويبور الدين ، لغيّرنا ذلك ، فصبرنا على بعض الألم » (2) .

ب ـ وقالعليه‌السلام في نهج البلاغة :« فنظرتُ ، فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننتُ بهم عن الموت ، وأغضيتُ على القذى وشربتُ على الشجا ، وصبرتُ على أخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم » (3) فهل يمكن أن يُؤتى ببيان أوضح من هذا ؟!

وإذن ، فما وجه الانتقاص بعد هذا التذمر والشكوى ؟ وهوعليه‌السلام أعلم بالحال وبالمآل.

__________________

(1) صحيح البخاري 5 : 288. وتاريخ الطبري 2 : 234.

(2) مستدرك نهج البلاغة 1 : 248 للشيخ المحمودي.

(3) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : 68 الخطبة 26.

٧٥

نعم ، لو لم يحتج عليهم وخرج إلى السقيفة يسعى ، وترك الجسدَ الطاهر مسجّىً وصفق على أيديهم فوراً لكان ثمة وجه لمثل هذا الاحتجاج.

الإشكال السادس :

حول حديث الغدير وعدم دلالته على النصّ بالخلافة :

ومن إشكالاتهم الواردة حول النصّ زعمهم أن لا دلالة في حديث الغدير على الخلافة مع أنّه عمدة الشيعة في المقام ، وحجتهم في ذلك ـ كما تجدها في بعض الكتابات الهزيلة المتهافتة ـ ما نُسب إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط من أنّهم سألوه عن حديث من كنتُ مولاه ، هل هو نصٌّ على خلافة الإمام عليّعليه‌السلام ؟ قال : لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرادَ خلافته بذلك الحديث لقالَ قولاً واضحاً هكذا : « يا أيُّها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا واطيعوا » ثم قال الحسن ( المثنى ) « أقسم بالله لو آثر عليّاً لأجل هذا الأمر ولم يمتثل عليّ لأمر الله ورسوله ولم يُقدم على هذا الأمر لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر الله ورسوله به ».

جواب الإشكال السادس :

وبيان تهافته وما نقوله في تفنيده :

إنّه على فرض صحة ما نُسب إلى الحسن هنا ، فإنَّ الاعتراض على حديث الغدير بمثل ذلك لمن أعجب العجاب ، ولا يتصور أن يصدرَ ممن

٧٦

له معرفة بفقه العربية ، فضلاً عمّن أحاط علماً بأجواء حديث الغدير ، والقرائن الحافة به ، والشواهد المعززة والفهم العرفي للصحابة وغيرهم منه ، فالقوم شهدوا يومَ الغدير ، بعد رجوعهم من حجة الوداع ، بطلب الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الاجتماع في ذلك المكان ، وفي مثل ذلك الحرّ القائظ وفي الهجيرة ، وفي مفترق الطرق ليبلّغهم ما أمره به ربُّه جلَّ وعلا وبعد أن مهّد لهم قائلاً :« ألستُ أولى بكم من أنفسكم » ؟ قالوا بلى يا رسول الله. ثم كررها عليهم ثم أعقبها قائلاً :« من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (1) .

ولقد فهم الصحابة من ذلك بدون عناءٍ وتكلف أنه مولاهم بمعنى أميرهم ، فأسرعوا يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين ، واستأذن الشاعر حسان بن ثابت أن يقول شعراً بالمناسبة وفيه تصريح وتهنئة بإمرة المؤمنين(2) .

هذا ، وقد نزل قول الله تعالى بعد ذلك التبليغ مباشرةً( اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتممتُ عَلَيكُم نِعمَتي ورَضِيتُ لَكُم الإسلام دِينا ) (3) نقل

__________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 4 : 281 ، وفي غير موضع. والغدير ، للعلاّمة الاميني ففيه كفاية لما نقله من طرق الحديث ورواته الذين بلغوا حدّ التواتر.

(2) تجد تهنئة الشيخين وكبار الصحابة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بمناسبة يوم الغدير في : التفسير الكبير ، للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى :( يا أيُّها الرسول بلغ ) . تاريخ بغداد 8 : 290. فيض القدير 6 : 217. ذخائر العقبى : 68. الرياض النضرة 2 : 170.

وتجد شعر حسّان في تلك المناسبة أيضاً في : مناقب الخوارزمي : 135 / 152. فرائد السمطين 1 : 73 / 39. تذكرة الخواص : 80. بحار الانوار 37 : 150. سفينة البحار 2 : 306.

(3) المائدة 5 : 3.

٧٧

ذلك الواحدي(1) ، وهي رواية عند السيوطي(2) .

هذا ولم يكن حديث الغدير الأول والأخير في هذه المسألة أعني في استخلافه صلوات الله وسلامه عليه الإمام عليّاًعليه‌السلام ، وتنصيبه عليهم وليّاً وأميراً ووصيّاً.

ولا شك هذا يدلُّ على الافتراء المكشوف على الحسن المثنى وتلفيق هذا الكلام عليه ؛ لأنّ العلويين من الحسنيين والحسينيين هم أعرف الناس بهذه الحقيقة التي يعرفها الأصحاب النجباء البررة ، وقد قدمنا التصريحات على ما نقله أصحاب السير والتواريخ في المباحث السابقة ، وما أوردته الصحاح والمسانيد في هذه القضية مثل حديث الدار ، وحديث خاصف النعل ، وحديث المنزلة ، وحديث الثقلين المتواتر وغيرها كثير(3) .

أما لماذا لم يقم ـ أو لم يُقدم على هذا الأمر ، ولم يمتثل ـ كما أشار إليه المحتج بما نسب إلى الحسن المثنى ؟

فقد يحسن أن تُراجَع الخطبة الشقشقية للإمام عليّعليه‌السلام كما في نهج البلاغة وشرحها عند ابن أبي الحديد.

ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عهد إليه ووصّاه بوصايا لم يعهد بمثلها لاَحد ، على ما ذكر ابن عباس. فقد روى في

__________________

(1) أسباب النزول ، للواحدي : 135.

(2) الاتقان 1 : 75.

(3) التاج الجامع للاُصول ، للشيخ منصور عليّ ناصف 3 : 335 وما بعدها باب فضائل عليّ.

٧٨

الحلية(1) عنه : قال كُنّا نتحدث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عَهِد إلى عليٍّ سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا المقام بعد أن ذكر قصة تولّي القوم الخلافة قال :« فرأيتُ الصبرَ على هاتا أحجى » .

ثم ليعلم : ان كلام الحسن المثنى ـ على فرض ثبوته ـ هو ليس كما تأوله البعض « بأن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو آثرا عليّاً لأجل هذا الأمر ( يعني الخلافة ) ولم يمتثل له ، ولم يقدم عليه ، لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر الله ورسوله به » !!.

وذلك : أنّا لو سلّمنا أنه لم يقع الإحتجاج بالنصّ ، فلا نسلّم أنّ ذلك دليل على عدمه أولاً ، ولا على أنّ عدم الإحتجاج به خطأ ؛ لأنّ من يتجرأ على بيت فاطمةعليها‌السلام ويتطاول على باب الإمام عليّعليه‌السلام ويقول ومعه رجاله : « والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها » !! فقيل له : يا أبا حفص إنَّ فيها فاطمة. فقال : وإنْ(2) !!! لا يبعد منه إطلاقاً دفع النص فيما لو احتج به الإمام عليّعليه‌السلام ، ولو بمكابرته ، وتكذيبه ، فيحصل من الضرر بالاحتجاج به أضعاف ما يحصل بتركه ، فطرح ذلك كان حكمة وتدبيراً في وقت توجه الضرر إليه حتى قال في مناسبة أُخرى« لأسلِمَنَّ ما سَلِمَت أمورُ المُسلمِينَ » (3) .

لا يقال : إنّهعليه‌السلام لو احتج بالنصّ لعرفه جمهور أهل السُنّة.

لأنّا نقول : اطراح غير الشيعة لمثل هذا وارد ؛ لأنّ الاحتجاج بالنصّ

__________________

(1) حلية الأولياء ، لأبي نعيم الاصفهاني 1 : 68.

(2) تاريخ الطبري 3 : 202. والإمامة والسياسة ، لابن قتيبة 1 : 19 ـ 20.

(3) نهج البلاغة ، خطبة 74.

٧٩

لابدَّ وأنْ تكون فيه حجة لشيعته ، ويلزم منه أن يكون كل ناقل له شيعياً ، لوجود الصارف الأموي عنه.

الإشكال السابع :

مدح الإمام عليعليه‌السلام للثلاثة ومصاهرته لبعضهم ، وتسمية أولاده باسمائهم ومعاتبتهم بلين ورفق :

ومن أتفه اشكالاتهم على النصّ ، قولهم :

وماذا يُقال عن مدحهم في ( النهج ) ، وعن مصاهرتهم ( كتزويج ابنته أم كلثوم من عمر ) ، وعن تسمية أولاده بأسمائهم حتى معاتبة عثمان في النهج معاتبة الأخ المحبّ المشفق ؟!!.

جواب الإشكال السابع :

أولاً : بطلان حجة المدح لثبوت القدح فيهم :

أما عن هذه الحجة الباردة فعلى القائل أن يتذكر قوله تعالى دائماً :( أفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فما جَزآءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ) (1) .

فما نقله عن النهج ، ولم يفهم حقيقته ، يبينه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام :« فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخرَ بعد وفاتِه ، لَشَدَّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزةٍ خشناء يغلظُ كلْمُها ، ويخشن مسّها ،

__________________

(1) البقرة 2 : 85.

٨٠