مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة44%

مطارحات في الفكر والعقيدة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: 168

مطارحات في الفكر والعقيدة
  • البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51373 / تحميل: 5441
الحجم الحجم الحجم
مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٤٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

نزجه لكلِّ مفتر كذاب.

لي حيلةٌ في من ينمُّ ، فإنّني

أطوي حديثي دونه وخطابي

لكنّما الكذّاب يخلُقُ قولَه

ما حيلتي في المُفترِي الكذّابِ

الحديث الثاني : حديث« الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش » ، وإليك بعض من أخرجه من العامّة :

مصادره :

١ ـ البخاري في صحيحه ٤ : ١٦٤ ، كتاب الاحكام باب الاستخلاف.

٢ ـ مسلم في صحيحه بتسعة طرق ٢ : ١١٩ ، كتاب الامارة.

٣ ـ أحمد في مسنده ٥ : ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٧ ، ١٠٠ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، دار صادر.

٤ ـ سنن أبي داود ٤ : ١٠٦ / ٧٢٧٩ ، ٤٢٨١.

٥ ـ المعجم الكبير للطبراني ٢ : ٢٣٨ / ١٩٩٦.

٦ ـ سنن الترمذي ٤ : ٥٠١.

٧ ـ حلية الأولياء لأبي نعيم ٤ : ٣٣٢.

٨ ـ مستدرك الحاكم ٣ : ٦١٨.

٩ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١٣ : ٢١١.

١٠ ـ صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٠١.

١١ ـ مشكاة المصابيح للتبريزي ٣ : ٣٢٧ / ٥٩٨٣.

٦١

١٢ ـ السلسلة الصحيحة للالباني حديث رقم ٣٧٦. وغيرها كثير جداً.

دلالته :

أما دلالة الحديث : فنقول :

هل يمكن أن نحمل الخليفة هنا على كل من تولّى الحكم من خلفاء بني اُميّة وبني مروان ومن على شاكلتهم ؟

لقد اختلف أئمة الحديث أيّما اختلاف في أسمائهم واضطربوا كلّ الاضطراب ، فدونك ابن قيم الجوزية في شرحه على سنن أبي داود(١) ودونك ما عند ابن كثير في تفسيره(٢) ، وهذا المقريزي لم يُدخل أحداً من بني اُميّة إطلاقاً في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك(٣) .

ثم الحديث يفيد استمرار الأمر إلى آخر الدهر ، وما ذكروه من أسماء الملوك وسلاطين الجور منقوض متهافت ، وما ذكره العامّة لا يمكن أن ينطبق مع الواقع ، وأنّ المصداق الوحيد الصحيح هو أئمة أهل البيتعليهم‌السلام فراجع في سيرتهم وصلاحهم واستمرار وجودهم الشريف بوجود مهدي آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي. ودونك ما نقله عن الإمام زين العابدين إذا أردت الحق ، قال : قال الإمامعليه‌السلام :« فإلى من يفزع خلف هذه الاُمّة وقد درست أعلام هذه الملّة ، ودانت الاُمّة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول : ( وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ

__________________

(١) شرح الحافظ ابن قيم الجوزية على سنن أبي داود ١١ : ٣٦٣ في شرح الحديث ( ٤٢٥٩ ).

(٢) تفسير ابن كثير ٢ : ٢٤ في تفسير الآية ( ١٢ ) من سورة المائدة.

(٣) السلوك لمعرفة دول الملوك ، للمقريزي ١ : ١٣ ـ ١٥ من القسم الأول.

٦٢

تَفَرّقُوا وَاختَلَفُوا ) (١) ؟ فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلاّ أبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى الذين احتجّ الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجّة ، هل تعرفونهم أو تجدونهم اِلا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب » (٢) .

هذا ، وأما عن احتجاج الخصوم باختلاف الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام فهم لم يبينوا لنا طبيعة هذا الاختلاف حتى نجيب عليه ، فكأنهم لا يعلمون بالدم الشيعي المراق أخذاً بثارات الإمام الحسينعليه‌السلام ، وربما أرادوا بذلك دعوى مهدوية ابن الحنفية ، فإن كان مرادهم هذا فاعلم أن مدّعي ذلك هم الكيسانية لا الشيعة الإمامية ، ونحسبهم أرادوا بهذا ما يُروى عن منازعة ابن الحنفية للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام بشأن الإمامة ، وهذا لم يثبت بخبر صحيح ، بل الثابت عندنا قوله بإمامة ابن أخيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ثم اعلم أنَّ المتمسِّك بهذه الذريعة الواهية ، لا يعلم بالاختلافات الواصلة إلى درجة التناقض في مسائل شتى هي من صلب عقائد المسلمين ، بدءاً من صفات الله تعالى إلى المعاد إلى غير ذلك من العقائد ، فهل يقدح ذلك في اُصولها ؟! وهل يكون مدعاةً للرفض ؟! ثم الاُمّة المسلمة افترقت ثلاث وسبعين فرقة ، فعلى ماذا كان الافتراق ؟ وهل يعني هذا التشكيك بأصل الإسلام وعقائده لمجرد وقوع الافتراق ؟!!

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٠٥.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٢٠.

٦٣

ثانياً : تواتر النصّ عند الشيعة :

تواتر النقل عند الشيعة الإمامية خلفاً عن سلف بخصوص النصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة ، ابتداءً من الإمام عليٍّعليه‌السلام وانتهاء بالإمام المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه ). زيادة على تواتر النقل عندهم في نصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على من بعده ، وهكذا نصّ كلُّ إمام سابق على من يليه وصولاً إلى مهدي هذه الأمةعليه‌السلام . ومن راجع كتب الحديث الشيعية علم بصحة هذا ولا حاجة إلى التطويل في إبراز ذلك(١) إلاَّ أنَّه من المهم الإشارة إلى بعض الرشحات التي أفرزتها كتب العامّة وهي صريحة في التنصيص على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذكرهم بالاسم ، وقد نقل بعضها القندوزي الحنفي في ينابيع المودة(٢) أخرجها عن سلمان الفارسي ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهم.

ولا يخفى بأنَّ العادة جرت بأنّ كلَّ من اعتقد مذهباً طريق صحته النقل ، فَإنَّ دواعيه تتوفر على نقله ، وتتوفر دواعي مخالِفِهِ على طيّه وكتمانه ، والطعن عليه ، والإنكار له. وقد رأينا اتفاق من خالفنا في ذلك معنا في رواية ما يدل على إمامة أئمتنا كما تقدم في الطريق الأول ، وهذا يعني أنّ الله عز وجلّ قد أعمى أبصارهم ، وسخَّرهم بنقل هذا ! ولو فطنوا إليه لأعرضوا عن روايته ، وفي هذا كفاية لكل متدبر منصف يُؤمن بيوم الحساب.

__________________

(١) أبواب الاشارة والنصّ في اُصول الكافي. وأحاديث كمال الدين للصدوق. والارشاد للمفيد ، وغيرها.

(٢) ينابيع المودة ٣ : ٩٩ باب ٧٦ و ٣ : ١٠٥ باب ٧٧.

٦٤

المبحث الثالث

الإشكالات المثارة حول قضية النصّ

قد تجد من يزعم ان الاعتقاد بمخالفة الصحابة للنصّ كفرٌ(١) ! وكأنه لم يقرأ تاريخ الصحابة قط ، ولم يسمع بمخالفة رؤوسهم للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله صراحة وفي أكثر من موقف ، وهذا من العجب ؛ لأنّ النصَّ على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والتأكيد على خلافته من لدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي مناسبات شتى كحديث الغدير وعشرات غيره لم تثبت من طرق شيعته فحسب ، بل عرفته صحاح العامة ومسانيدهم ومستدركاتهم وزوائدهم وغيرها من كتبهم المشهورة حتى بلغ النصّ من طرقهم فقط حد التواتر ، إلاّ أن أكثرهم حاول تأويل تلك النصوص الجلية والتشويش عليها والمشاغبة وإثارة الإشكالات حولها ، فاعتقد الخلف بصحة ما ذهب إليه السلف ولم يكلفوا أنفسهم بمعرفة الحق الصريح عن طريق النقد والتمحيص ليتبين لهم أنَّ تلك الآراء الموروثة لا تقوى على قلب الحقيقة فضلاً عن مواجهتها.

ولهذا سنورد أهم إشكالاتهم ثم نناقشهم عليهاونبين تهافتهم فيها وكما يأتي :

__________________

(١) المنار المنيف ، لابن القيم : ٥٤ ، فقد صرّح بان الاعتقاد بصحة تلك المخالفة كذب ، إلاّ ان اتباعه من المعاصرين زعموا بانه كفرٌ !

٦٥

الإشكال الأول :

لو كان النصّ موجوداً لعمل به الصحابة :

وزعم من أشكل بهذا : إنَّ الصحابةَ ـ بعقيدة الشيعة الإمامية ـ لم يعملوا بهذا النصّ الالهي الثابت ، واستحلّوا خلافه وهذا المعتقد في كلِّ مذهب منطقي مستقيم التفكير كفر ، فهو جحود وإنكار لبعض الدين المعلوم بالضرورة ، وإذا كان ذلك كذلك فكيف تستقيمُ هذه النتيجة مع عظمة معلّمهم سيدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فهل أنفَقَ سيدنا محمّد عليه وعلى آله الصلاة والسلام أكثر من عشرين سنةً يربّيهم من أجل أن يصبحوا خونةً في النهاية ؟!

جواب الإشكال الأول :

خروج الصحابة على أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

إنَّ خروجَ كثير من الصحابة على أوامر الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي هي أوامر إلهية ، وتلكّؤهم في العمل بها ، بل عملهم على خلافها ، أمرٌ مشهور في سيرتهم في حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدثَ في مخالفتهم أمره بقتل ذي الثدية(١) ، وفي واقعة اُحد(٢) وما ترتب على ذلك من نتائج خطيرة كادت أن تودي بحياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي واقعة حنين

__________________

(١) مسند أبي يعلى ١ : ٩٠ / ٩٠. والاصابة في تمييز الصحابة ، لابن حجر ٢ : ٣٤١. ومسند أحمد بن حنبل ٣ : ٥.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧. والكامل في التأريخ ، لابن الأثير ٢ : ١٥٤. وطبقات ابن سعد ٢ : ٤٧. والسيرة الحلبية ٢ : ٢٣٦.

٦٦

حيثُ ولّى بعضهم الأدبار ، ثم ألم يسمع هذا الزاعم بالرزية كل الرزيّة على حدّ تعبير حبر الاُمّة عبد الله بن عباس ؟! وذلك : أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب دواةً ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده ـ على حد تعبيره صلوات الله وسلامه عليه ـ فاختلفوا وتنازعوا ، وقالوا قولةً منكرة : إنه هَجَرَ ، حتى اضطر أنصاره فلطفوها بعبارة ( قد غلبَ عليه الوجع ) ، وإليك ذلك في صحاحهم :

جاء في صحيح البخاري « لما حُضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » ، فقال عمر : إنَّ النبي قد غَلَبَ عليه الوجع وعندكم القرآن : حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل الدار فاختصموا ، منهم من يقول قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « قوموا » (١) .

ثم أين صاحب الإشكال من قضية سرية أُسامة ، ومخالفتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر من مورد فيها ، حتى اضطرصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يخرج وهو في شدة مرضه ويجمعهم ويخطب فيهم قائلاً :« أنفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة » (٢) .

وأما مخالفاتهم بعد موته صلوات الله وسلامه عليه وآله وتبديلهم

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٧ كتاب العلم و ٨ : ١٦١ كتاب الاعتصام و ٦ : ١١ ـ ١٢. وصحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ / ١٦٣٧ آخر الوصية. ومسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٢.

(٢) الملل والنحل ، للشهرستاني ١ : ٢٩. وقريباً منه في : الطبقات الكبرى ، لابن سعد ٢ : ٢٤٨. والكامل في التأريخ ، لابن الاثير ٢ : ٢١٨. ومغازي الواقدي ٢ : ١١٢١.

٦٧

وتحريفهم فدونك حديث الحوض يحكي لك هذه القصة ، وينبئك بهذه المسألة ، فقد أخرج البخاري في باب الحوض عن أبي هريرة أيضاً أنّه كان يحدّث : أنَّ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :« يردُ عليَّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيحلأون عن الحوض فأقول يا ربّ أصحابي فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى » (١) .

الإشكال الثاني :

ثناء القرآن على الصحابة وذلك لا يتسق مع اعتقاد مخالفتهم النصّ :

من إشكالاتهم المتهافتة الاحتجاج بثناء القرآن على الصحابة من المهاجرين والأنصار ، ثم أخذوا يتساءلون : كيف يتسق هذا مع المخالفة الكبيرة للنصّ لو كان موجوداً ؟

جواب الإشكال الثاني :

القرآن لم يثن إلاّ على المخلصين من الصحابة :

إنَّ في الصحابة كراماً بررة رضي الله عنهم قاتلوا بين يدي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله فنالوا شرف الشهادة ، في بدرٍ واُحدٍ وحنين وغيرها ، ومنهم من استقاموا على سنته ، واتبعوا أقواله ، وتعبّدوا بأمره ونهيه ، فهؤلاء لاريب إنّهم محل ثناء القرآن الكريم ، وتقديس المسلمين. ومنهم من عارضوه وخالفوه ، وأغضبوه وآذوه ، فاُولئك الذين وصفهم القرآن الكريم

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٥٠ كتاب الرقائق.

٦٨

ب‍( الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرضٌ ) (١) وب‍ « النفاق ». قال تعالى :( وَمِن أهلِ المَدِينةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ) (٢) .

ونضيف إلى ذلك : إنَّ أصحاب النبي موسىعليه‌السلام ، قد عبدوا العجلَ( وأضَلّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (٣) فلم يقدح ذلك في عظمة النبي موسىعليه‌السلام ، ولا في جهده وجهوده التربوية التي بذلها في تربية أصحابه ، ولكنْ زيّنت لهم أنفسهم أمراً وأكثرهم للحق كارهون.

الإشكال الثالث :

حول ثناء الإمام عليّعليه‌السلام على الصحابة :

إنَّ الإمام عليّاًعليه‌السلام قد أثنى عليهم كثيراً عندما كان يذمّ في خطبه من يدّعون أنهم أصحابه ، ويقارنهم بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يصحّ مثل هذا الثناء عليهم مع فرض اغتصابهم حقه ؟

جواب الإشكال الثالث :

توضيح موقف الإمام عليّعليه‌السلام وشيعته من الصحابة :

نعم ، كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحاب بررة ، استشهد كثيرٌ منهم في معارك الإسلام الاولى في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما إنَّ كثيراً منهم ظلَّ مع أمير المؤمنين متبّعاً أوامر الرسول العظيم في موالاة الإمام عليّعليه‌السلام ، وفي

__________________

(١) المائدة ٥ : ٥٢.

(٢) التوبة ٩ : ١٠١.

(٣) طه ٢٠ : ٨٥.

٦٩

معاداة من يعاديه ، وكان منهم عمّار الذي قتلته الفئةُ الباغية ( معاوية وأتباعه ) ، وكان منهم كثيرون استشهدوا في صفين والنهروان(١) فهؤلاء جميعاً هم محلّ ثناء الإمام عليّعليه‌السلام وتبجيله ، وهم ممن نجلّهم ونعظّمهم. أما من أنكر النصّ وتقدّم على الإمام أو بغى عليه أو نكث بيعته أو مرق عن الدين ، فهؤلاء جميعاً يتحملون وِزرَ ما ارتكبوا من البغي والعدوان ، ونحن نتبرأ من أعمالهم ، فمعاوية مثلاً أحد هؤلاء قال فيه الحسن البصري وهو من أجلة التابعين : « أربع خصال كُنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه اِلا خصلة واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاَُمّة بالسيف حتى أخذَ الأمر من غير مشورة ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكيراً ، وادعاؤه زياداً ، وقتله حجر بن عدي الكندي وأصحاب حجر ، فيا ويلاً له من حجر »(٢) .

نعم ، إنَّ الشيعة تفتخر وتقدّس وتعظّم من وقفَ من الصحابة الأجلاء مع الإمام عليّعليه‌السلام في حروبه ، إتباعاً لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« حربُ عليٍّ حربي وسلمه سلمي » (٣) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، واخذل من خذله وانصر من نصره » (٤) .

فلا ريبَ ولا شك بأنَّ من نَصَرَ الإمام عليّاً ووالاه وعادى من يعاديه

__________________

(١) تراجمهم في الاصابة ، لابن حجر. واُسد الغابة ، لابن الاثير. والاستيعاب ، لابن عبدالبر بهامش الاصابة.

(٢) الكامل في التأريخ ٣ : ٤٨٧. والموفقيات ، للزبير بن بكار تحقيق الدكتور سامي مكي العاني : ٥٧٧.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٣٦٠. وشواهد التنزيل ، للحسكاني ٢ : ٢٧.

(٤) اُسد الغابة ٢ : ٢٩٠ في ترجمة زيد بن شراحيل الانصاري ، وفيه ذكر المناشدة. وسنن الترمذي ٥ : ٢٩١. وصحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤. ومسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١.

٧٠

نحن نفتخر به ، وأمّا من تقمّص الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قاتل الإمام عليّاًعليه‌السلام وعاداه وبغى عليه ونكثَ بيعته ومَرَق عن الدين كمعاوية وكالخوارج الذين أمرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتالهم(١) ، فلا شك بان شيعة الإمام عليّعليه‌السلام ترى أنّ من العدل أن لا يتساوى هؤلاء واُولئك قال تعالى :( أفَمَن كَانَ مُؤمنِاً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَستوونَ ) (٢) .

وأما عن موقف أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام من الثلاثة ، فالثابت تبرمه وشكايته المتكررة منهم وقد مرَّ ما يدل عليه في مقدمة البحث وسيأتي ماله صلة وثيقة بمواقفه معهم.

الإشكال الرابع :

قبول الإمام عليعليه‌السلام بمبدأ الشورى :

واشكلوا أيضاً بان للإمام عليّعليه‌السلام أقوالاً ثابتة عند الشيعة ( منقولة في نهج البلاغة ). ومنها قولهعليه‌السلام :« إنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً » (٣) .

جواب الإشكال الرابع :

لم تكن شورى بل كانت فلتة :

إنَّ الحجة في كلام الإمامعليه‌السلام قائمة على المحتج ؛ فكلام الإمام هنا

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٥. وسنن ابن ماجة ١ : المقدمة باب ١١.

(٢) السجدة ٣٢ : ١٨.

(٣) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : ٥٠٠ كتاب ٦ من باب الرسائل.

٧١

صريح وواضح ، وهو أقربُ إلى التعريض والاِنكار منه إلى الاِقرار ، إذ متى اجتمع المهاجرون والأنصار على رجلٍ يا تُرى ؟!

أفي السقيفة ؟! ، ونزاعهم مشهور ، وقولتهم معروفة « منّا أمير ومنكم أمير » ثم كانت الفلتة حينَ صفق عمر بن الخطاب على يد أبي بكر مبايعاً وتلاه أبو عبيدة(١) :

وكان ما كان مما لستُ أذكره ..

أو ليس من العجب أن ينسى طالب الحق ومدّعي الانصاف امتناع سيد الخزرج سعد بن عبادة ، ومقولة الحباب بن المنذر : اِن شئتم لنعيدنّها جذعة(٢) . ثم امتناع بني هاشم والزبير وطلحة وغيرهم كثير ، فأين الاجتماع المزعوم ؟!

وقد قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها(٣) ، وقال : فمن عادَ لمثلها فاقتلوه ، فلو كانت باجماعٍ لما صحَّ هذا القول من عمر. هذا وقد قالت الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبتها :« خوفَ الفتنة زعموا ، ألا في الفتنةِ سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين » (٤) .

تبرّم أمير المؤمنينعليه‌السلام من خرافة الشورى :

وأما خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فهذا كلام أمير المؤمنين

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : حوادث سنة ١١ ه‍ السقيفة.

(٢) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ٦ : ٨. و ٢ : ٢١ ـ ٦٦.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢١٠ باب رجم الحبلى من الزنا.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٢٣٤.

٧٢

عليّعليه‌السلام فيها :

« فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاتِه ، لشدّ ما تشطَّرا ضرعيها ! فصيّرها في حوزةٍ خشناء فَمُني الناسُ ـ لعمرُ اللهِ ـ بخبطٍ وشماس وتلوّن واعتراضٍ ، فصبرتُ على طول المدّة ، وشدّة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعمَ أني أحدهم فيا لله وللشورى » (١) .

فكفى بذلك إنكاراً من الإمام عليّعليه‌السلام ، ولا يُقال إذن لماذا سكتَ الإمام ؟ ولماذا قبلَ الدخول في الشورى ؟! فاسمع جوابَه واضحاً صريحاً في نفس الخطبة :

« أما واللهِ لقد تقمّصها فلان (يعني : أبا بكر)وإنّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلُّ القطب من الرحا ، ينحدرُ عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كَشْحاً ، وطفقتُ أرتأى بين أن اُصولَ بيدٍ جَذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدحُ فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ..

ثم يقول :فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صِرتُ أقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسْفَفْتُ إذ أسفّوا ، وطِرتُ إذ طاروا ، فصغا رجلٌ منهم لضغْنِه ومالَ الآخرُ لصهره مع هَنٍ وهَنٍ الخ » (٢) .

فإن قالوا : إنّ هذه الخطبة ربما تكون غير صحيحة.

__________________

(١) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح خطبة رقم ٣ : ٤٨. وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ١٥١.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة رقم ٣ « الشقشقية ».

٧٣

فنقول : إنَّ هذه الخطبة ما هي إلاّ واحدة من كلمات الإمام عليّعليه‌السلام التي تفصح عن شكايته ، فإن شئتم أن تصدّقوا بها فشأنكم ، وإن شئتم تكذيبها فليس لكم أن تحتجّوا بأيّ كلام في النهج ، إذ ليس من الانصاف الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض ، وعلى الرغم من هذا سنحيل القارئ إلى من أخرج تلك الخطبة وهم :

١ ـ ابن النديم في الفهرست : ٢٢٤.

٢ ـ ابن عبد ربه الاندلسي ( ت ٣٢٨ ه‍ ) في العقد الفريد.

٣ ـ ابن الجوزي في المناقب.

٤ ـ الآبي في نثر الدرر ونزهة الأديب.

٥ ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٣٣ وغيرهم.

وتفسير هذه الخطبة واضح لا يحتاج إلى بيان ، فهو ينطق بالحجة على المحتج.

الإشكال الخامس :

حول بيعة الإمام عليعليه‌السلام للثلاثة :

وأشكلوا ببيعة الإمام عليّعليه‌السلام للثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ وزعموا انه لا يجاب عن تلك البيعة بتوخي المصلحة ، أو بالتقية ، أو بالاكراه ، فكلّ ذلك يؤدي إلى انتقاص في حقِ سيدنا الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤

جواب الإشكال الخامس :

سبب بيعة الإمامعليه‌السلام بعد الامتناع :

أما مسألة الاكراه على البيعة ، وعدم مبادرته إليها بنفسه ، فقد تناقلها أهل التواريخ والسير :

أخرج البخاري : «أن علياً امتنَع عن البيعة لمدة ستة أشهر حتى توفيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام »(١) .

وفي خطبةٍ للإمام عليّعليه‌السلام يبين بوضوح أسباب بيعته ، ويفصح عن سرّها فلا يبقى تأويل لمتأوّل : فاستمع أيُّها المنصف لما يقولعليه‌السلام :

أ ـ« وأيمُ الله لولا مخافة الفرقة ، وأن يعود الكفر ويبور الدين ، لغيّرنا ذلك ، فصبرنا على بعض الألم » (٢) .

ب ـ وقالعليه‌السلام في نهج البلاغة :« فنظرتُ ، فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننتُ بهم عن الموت ، وأغضيتُ على القذى وشربتُ على الشجا ، وصبرتُ على أخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم » (٣) فهل يمكن أن يُؤتى ببيان أوضح من هذا ؟!

وإذن ، فما وجه الانتقاص بعد هذا التذمر والشكوى ؟ وهوعليه‌السلام أعلم بالحال وبالمآل.

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٢٨٨. وتاريخ الطبري ٢ : ٢٣٤.

(٢) مستدرك نهج البلاغة ١ : ٢٤٨ للشيخ المحمودي.

(٣) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : ٦٨ الخطبة ٢٦.

٧٥

نعم ، لو لم يحتج عليهم وخرج إلى السقيفة يسعى ، وترك الجسدَ الطاهر مسجّىً وصفق على أيديهم فوراً لكان ثمة وجه لمثل هذا الاحتجاج.

الإشكال السادس :

حول حديث الغدير وعدم دلالته على النصّ بالخلافة :

ومن إشكالاتهم الواردة حول النصّ زعمهم أن لا دلالة في حديث الغدير على الخلافة مع أنّه عمدة الشيعة في المقام ، وحجتهم في ذلك ـ كما تجدها في بعض الكتابات الهزيلة المتهافتة ـ ما نُسب إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط من أنّهم سألوه عن حديث من كنتُ مولاه ، هل هو نصٌّ على خلافة الإمام عليّعليه‌السلام ؟ قال : لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرادَ خلافته بذلك الحديث لقالَ قولاً واضحاً هكذا : « يا أيُّها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا واطيعوا » ثم قال الحسن ( المثنى ) « أقسم بالله لو آثر عليّاً لأجل هذا الأمر ولم يمتثل عليّ لأمر الله ورسوله ولم يُقدم على هذا الأمر لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر الله ورسوله به ».

جواب الإشكال السادس :

وبيان تهافته وما نقوله في تفنيده :

إنّه على فرض صحة ما نُسب إلى الحسن هنا ، فإنَّ الاعتراض على حديث الغدير بمثل ذلك لمن أعجب العجاب ، ولا يتصور أن يصدرَ ممن

٧٦

له معرفة بفقه العربية ، فضلاً عمّن أحاط علماً بأجواء حديث الغدير ، والقرائن الحافة به ، والشواهد المعززة والفهم العرفي للصحابة وغيرهم منه ، فالقوم شهدوا يومَ الغدير ، بعد رجوعهم من حجة الوداع ، بطلب الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الاجتماع في ذلك المكان ، وفي مثل ذلك الحرّ القائظ وفي الهجيرة ، وفي مفترق الطرق ليبلّغهم ما أمره به ربُّه جلَّ وعلا وبعد أن مهّد لهم قائلاً :« ألستُ أولى بكم من أنفسكم » ؟ قالوا بلى يا رسول الله. ثم كررها عليهم ثم أعقبها قائلاً :« من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (١) .

ولقد فهم الصحابة من ذلك بدون عناءٍ وتكلف أنه مولاهم بمعنى أميرهم ، فأسرعوا يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين ، واستأذن الشاعر حسان بن ثابت أن يقول شعراً بالمناسبة وفيه تصريح وتهنئة بإمرة المؤمنين(٢) .

هذا ، وقد نزل قول الله تعالى بعد ذلك التبليغ مباشرةً( اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتممتُ عَلَيكُم نِعمَتي ورَضِيتُ لَكُم الإسلام دِينا ) (٣) نقل

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١ ، وفي غير موضع. والغدير ، للعلاّمة الاميني ففيه كفاية لما نقله من طرق الحديث ورواته الذين بلغوا حدّ التواتر.

(٢) تجد تهنئة الشيخين وكبار الصحابة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بمناسبة يوم الغدير في : التفسير الكبير ، للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى :( يا أيُّها الرسول بلغ ) . تاريخ بغداد ٨ : ٢٩٠. فيض القدير ٦ : ٢١٧. ذخائر العقبى : ٦٨. الرياض النضرة ٢ : ١٧٠.

وتجد شعر حسّان في تلك المناسبة أيضاً في : مناقب الخوارزمي : ١٣٥ / ١٥٢. فرائد السمطين ١ : ٧٣ / ٣٩. تذكرة الخواص : ٨٠. بحار الانوار ٣٧ : ١٥٠. سفينة البحار ٢ : ٣٠٦.

(٣) المائدة ٥ : ٣.

٧٧

ذلك الواحدي(١) ، وهي رواية عند السيوطي(٢) .

هذا ولم يكن حديث الغدير الأول والأخير في هذه المسألة أعني في استخلافه صلوات الله وسلامه عليه الإمام عليّاًعليه‌السلام ، وتنصيبه عليهم وليّاً وأميراً ووصيّاً.

ولا شك هذا يدلُّ على الافتراء المكشوف على الحسن المثنى وتلفيق هذا الكلام عليه ؛ لأنّ العلويين من الحسنيين والحسينيين هم أعرف الناس بهذه الحقيقة التي يعرفها الأصحاب النجباء البررة ، وقد قدمنا التصريحات على ما نقله أصحاب السير والتواريخ في المباحث السابقة ، وما أوردته الصحاح والمسانيد في هذه القضية مثل حديث الدار ، وحديث خاصف النعل ، وحديث المنزلة ، وحديث الثقلين المتواتر وغيرها كثير(٣) .

أما لماذا لم يقم ـ أو لم يُقدم على هذا الأمر ، ولم يمتثل ـ كما أشار إليه المحتج بما نسب إلى الحسن المثنى ؟

فقد يحسن أن تُراجَع الخطبة الشقشقية للإمام عليّعليه‌السلام كما في نهج البلاغة وشرحها عند ابن أبي الحديد.

ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد عهد إليه ووصّاه بوصايا لم يعهد بمثلها لاَحد ، على ما ذكر ابن عباس. فقد روى في

__________________

(١) أسباب النزول ، للواحدي : ١٣٥.

(٢) الاتقان ١ : ٧٥.

(٣) التاج الجامع للاُصول ، للشيخ منصور عليّ ناصف ٣ : ٣٣٥ وما بعدها باب فضائل عليّ.

٧٨

الحلية(١) عنه : قال كُنّا نتحدث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عَهِد إلى عليٍّ سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا المقام بعد أن ذكر قصة تولّي القوم الخلافة قال :« فرأيتُ الصبرَ على هاتا أحجى » .

ثم ليعلم : ان كلام الحسن المثنى ـ على فرض ثبوته ـ هو ليس كما تأوله البعض « بأن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو آثرا عليّاً لأجل هذا الأمر ( يعني الخلافة ) ولم يمتثل له ، ولم يقدم عليه ، لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر الله ورسوله به » !!.

وذلك : أنّا لو سلّمنا أنه لم يقع الإحتجاج بالنصّ ، فلا نسلّم أنّ ذلك دليل على عدمه أولاً ، ولا على أنّ عدم الإحتجاج به خطأ ؛ لأنّ من يتجرأ على بيت فاطمةعليها‌السلام ويتطاول على باب الإمام عليّعليه‌السلام ويقول ومعه رجاله : « والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها » !! فقيل له : يا أبا حفص إنَّ فيها فاطمة. فقال : وإنْ(٢) !!! لا يبعد منه إطلاقاً دفع النص فيما لو احتج به الإمام عليّعليه‌السلام ، ولو بمكابرته ، وتكذيبه ، فيحصل من الضرر بالاحتجاج به أضعاف ما يحصل بتركه ، فطرح ذلك كان حكمة وتدبيراً في وقت توجه الضرر إليه حتى قال في مناسبة أُخرى« لأسلِمَنَّ ما سَلِمَت أمورُ المُسلمِينَ » (٣) .

لا يقال : إنّهعليه‌السلام لو احتج بالنصّ لعرفه جمهور أهل السُنّة.

لأنّا نقول : اطراح غير الشيعة لمثل هذا وارد ؛ لأنّ الاحتجاج بالنصّ

__________________

(١) حلية الأولياء ، لأبي نعيم الاصفهاني ١ : ٦٨.

(٢) تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٢. والإمامة والسياسة ، لابن قتيبة ١ : ١٩ ـ ٢٠.

(٣) نهج البلاغة ، خطبة ٧٤.

٧٩

لابدَّ وأنْ تكون فيه حجة لشيعته ، ويلزم منه أن يكون كل ناقل له شيعياً ، لوجود الصارف الأموي عنه.

الإشكال السابع :

مدح الإمام عليعليه‌السلام للثلاثة ومصاهرته لبعضهم ، وتسمية أولاده باسمائهم ومعاتبتهم بلين ورفق :

ومن أتفه اشكالاتهم على النصّ ، قولهم :

وماذا يُقال عن مدحهم في ( النهج ) ، وعن مصاهرتهم ( كتزويج ابنته أم كلثوم من عمر ) ، وعن تسمية أولاده بأسمائهم حتى معاتبة عثمان في النهج معاتبة الأخ المحبّ المشفق ؟!!.

جواب الإشكال السابع :

أولاً : بطلان حجة المدح لثبوت القدح فيهم :

أما عن هذه الحجة الباردة فعلى القائل أن يتذكر قوله تعالى دائماً :( أفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فما جَزآءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ) (١) .

فما نقله عن النهج ، ولم يفهم حقيقته ، يبينه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام :« فيا عجباً !! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخرَ بعد وفاتِه ، لَشَدَّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزةٍ خشناء يغلظُ كلْمُها ، ويخشن مسّها ،

__________________

(١) البقرة ٢ : ٨٥.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إن كان حسناً ، ولا يوحشك إلاّ هو إن كان قبيحاً .

واعلم أنّك إن تنصر الله ينصرك ويثبّت أقدامك ، فإنّ الله تعالى ضمن إعزاز مَن يعزّه ، ونصر مَن ينصره ، وقال سبحانه :( إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم ) (١) .

وقال سبحانه :( ولينصرنّ الله مَن ينصره ) (٢) .

وقال : كيف أنتم إذا ظهر فيكم البدع حتّى يربوا فيها الصغير ، ويهرم الكبير ، ويسلم عليها الأعاجم ، فإذا ظهرت البدع قيل سنّة ، وإذا عمل بالسنّة قيل بدعة ، قيل : ومتى يكون ذلك ؟ قال : إذا ابتعتم الدنيا بعمل الآخرة .

وقال ابن عباس : لا يأتي على الناس زمان إلاّ أماتوا فيه سنّة ، وأحيوا فيه بدعة حتّى تموت السنن ، وتحيى البدع ، وبعد فو الله ما أهلك الناس وأزالهم عن المحجّة قديماً وحديثاً إلاّ علماء السوء ، قعدوا على طريق الآخرة فمنعوا الناس سلوكها والوصول إليها ، وشكّكوهم فيها .

مثال ذلك مثل رجل كان عطشاناً فرأى جرّة مملوءة فيها ماء ، فأراد أن يشرب منها فقال له الرجل : لا تدخل يدك فيها فإنّ فيها أفعى يلسعك وقد ملأها سمّاً ، فامتنع الرجل من ذلك ، ثم إنّ المخبر بذلك أخذ يدخل يده فيها ، فقال العطشان : لو كان فيها سّماً لما أدخل يده .

وكذلك حال الناس مع علماء السوء ، زهّدوا الناس في الدنيا ورغبوا هم فيها ، ومنعوا الناس من الدخول إلى الولاة والتعظيم لهم ودخلوا هم إليهم ، وعظّموهم ومدحوهم ، وحسّنوا إليهم أفعالهم ، ووعدوهم بالسلامة ، لا بل قالوا لهم : قد رأينا لكم المنامات بعظيم المنازل والقبول ، ففتنوهم وغرّوهم ، ونسوا قول

____________

(١) محمد : ٧ .

(٢) الحج : ٤٠ .

١٤١

الله تعالى :( إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفجّار لفي جحيم ) (١) .

وقوله تعالى :( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) (٢) .

وقوله تعالى :( يوم يعضّ الظالم على يديه ) (٣) .

وقوله تعالى :( يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً ) (٤) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الجنّة محرّمة على جسد غذّي بالحرام (٥) .

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :ليس من شيعتي مَن أكل مال امرء حرام (٦) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يشمّ ريح الجنّة جسد نبت على الحرام .

وقالعليه‌السلام :إنّ أحدكم ليرفع يده إلى السماء فيقول : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، فأيّ دعاء يُستجاب له ؟! وأيّ عمل يُقبل منه ؟! وهو ينفق من غير حلٍّ ، إن حجّ حجّ بحرام ، وإن تزوّج تزوّج بحرام ، وإن صام أفطر على حرام ، فيا ويحه ، أما علم أنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ الطيّب ، وقد قال في كتابه : ( إنّما يتقبّل الله من المتقين ) (٧) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ليكون عليكم أُمراء سوء ، فمَن صدّقهم في قولهم ، وأعانهم على ظلمهم ، وغشى أبوابهم ، فليس منّي ولست منه ، ولن يرد عليّ الحوض .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحذيفة :كيف أنت يا حذيفة إذا كانت أُمراء إن

____________

(١) الإنفطار : ١٣ ـ ١٤ .

(٢) غافر : ١٨ .

(٣) الفرقان : ٢٧ .

(٤) الدخان : ٤١ .

(٥) كنز العمال ٤ : ١٤ ح٩٢٦١ .

(٦) البحار ١٠٤ : ٢٩٦ ح١٧; عن مجموعة ورام .

(٧) المائدة : ٢٧ .

١٤٢

أطعتموهم أكفروكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ؟! ، فقال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال :جاهدهم إن قويت ، واهرب عنهم إن ضعفت .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : الأُمراء والعلماء (١) .

وقال الله تعالى :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) (٢) .

وقال :( ولا تطغوا فيحلّ عليكم غضبي ) (٣) ، والله ما فسدت أمور الناس إلاّ بفساد هذين الصنفين ، وخصوصاً الجائر في قضائه ، والقابل الرشا في الحكم .

ولقد أحسن أبو نواس في قوله :

إذا خان الأمير وكاتباه

وقاضي الأمر داهن في القضاءِ

فويل ثمّ ويلٌ ثمّ ويل

لقاضي الأرض من قاضي السماءِ

وجاء في تفسير قوله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ . ) (٤) الآية ، نزلت فيمن يخالط السلاطين والظلمة .

وقالعليه‌السلام :الإسلام علانية باللسان ، والإيمان سرّ بالقلب ، والتقوى عمل بالجوارح ، كيف تكون مسلماً ولا تسلم الناس منك ؟ وكيف تكون مؤمناً ولا تأمنك الناس ؟ وكيف تكون تقيّاً والناس يتّقون من شرّك وأذاك ؟ .

وقال :إنّ مَن ادعى حبّنا وهو لا يعمل [عملنا ولا يقول] (٥) بقولنا ، فليس منّا ولا نحن منه ، أما سمعوا قول الله تعالى يقول مخبراً عن نبيّه : ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (٦) .

____________

(١) الخصال : ٣٦ ح١٢ باب الاثنين ، عنه البحار ٢ : ٤٩ ح١٠ .

(٢) هود : ١١٣ .

(٣) طه : ٨١ .

(٤) المجادلة : ٢٢ .

(٥) أثبتناه من ( ب ) .

(٦) آل عمران : ٣١ .

١٤٣

ولمّا بايع أصحابه أخذ عليهم العهد والميثاق بالسمع لله تعالى وله بالطاعة في العسر واليسر ، وعلى أن يقولوا الحق أينما كانوا ، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وقال : إنّ الله تعالى ليحصي على العبد كل شيء حتّى أنينه في مرضه ، والشاهد على ذلك قوله تعالى :

( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) (١) .

وقوله تعالى :( إنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٢) .

وقوله تعالى :( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) (٣) .

____________

(١) ق : ١٨ .

(٢) الانفطار : ١٠ ـ ١٢ .

(٣) البقرة : ٢٨٤ .

١٤٤

الباب الثامن عشر : في عقاب الزّنا والربا

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة ، فإيّاكم والزنا فإنّ فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأمّا التي في الدنيا : فإنّه يذهب ببهاء الوجه ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأمّا التي في الآخرة : يوجب سخط الله ، وسوء الحساب ، وعظم العذاب ، إنّ الزناة يأتون يوم القيامة تشتعل فروجهم ناراً ، يعرفون بنتن فروجهم (١) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله مستخلفكم في الدنيا فانظروا كيف تعملون ، فاتقوا الزنا والربا والرياء (٢) .

قيل : قالت المعتزلة يوماً في مجلس الرضاعليه‌السلام :إنّ أعظم الكبائر القتل ، لقوله تعالى : ( ومَن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها . ) (٣) .

____________

(١) الكافي ٥ : ٥٤١ ح٣ ، مَن لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٣ ح٤٩٦٠ باختلاف ، وفي معالم الزلفى : ٣٣٧ .

(٢) الرياء ، لم يرد في ( ب ) و ( ج ) .

(٣) النساء : ٩٣ .

١٤٥

قال الرضاعليه‌السلام :أعظم من القتل عندي إثماً ، وأقبح منه بلاءً الزنا وأدوم ؛ لأنّ القاتل لم يفسد بضرب المقتول غيره ، ولا بعده فساد ، والزاني قد أفسد النسل إلى يوم القيامة ، وأحلّ المحارم فلم يبق في المجلس فقيه إلاّ قبّل يده وأقرّ بما قال .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا كانت خمس منكم رميتم بخمس : إذا أكلتم الربا رميتم بالخسف ، وإذا ظهر فيكم الزنا أُخذتم بالموت ، وإذا جارت الحكّام ماتت البهائم ، وإذا ظلم أهل الملّة ذهبت الدولة ، وإذا تركتم السنّة ظهرت البدعة .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما نقض قوم عهدهم إلاّ سلّط عليهم عدوّهم ، وما جار قوم إلاّ كثر القتل بينهم ، وما منع قوم الزكاة إلاّ حبس القطر عنهم ، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ نشأ فيهم الموت ، وما بخس قوم المكيال والميزان إلاّ أُخذوا بالسنين .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا عملت أُمّتي خمس عشرة خصلة حلّ بهم البلاء : إذا كان الفيء دولاً ، والأمانة مغنماً ، والصدقة مغرماً ، وأطاع الرجل امرأته ، وعصى أُمّه ، وبرّ صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد وأُكرم الرجل مخافة شرّه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات والمعازف (١) ، وشربوا الخمور ، وكثر الزنا ، فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء ، وخسفاً ومسخاً ، وظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون (٢) .

____________

(١) في ( ج ) : المغنّيات .

(٢) عنه الوسائل ١٢ : ٢٣١ ح٣١ .

١٤٦

الباب التاسع عشر : [ وصايا وحكم بليغة ]

وصيّة لقمان لابنه بعلوم وحكمة ، قال : يا بني ! لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات ، ألا تراه عند كلّ صلاة يؤذّن لها ، وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم .

وقال : يا بني ! مَن لا يملك لسانه يندم ، ومَن يكثر المراء يشتم ، ومَن يدخل مداخل السوء يُتّهم ، ومَن يُصاحب صاحب السوء لا يسلم ، ومَن يجالس العلماء يغنم ، يا بني ! لا تؤخّر التوبة فإنّ الموت يأتي بغتة ، يا بني ! اجعل غناك في قلبك ، وإذا افتقرت فلا تحدّث الناس بفقرك فتهون عليهم ، ولكن اسأل الله من فضله .

يا بني ! كذب مَن يقول : الشرّ يقطع بالشرّ ، ألا ترى إنّ النار لا تطفئ بالنار ولكن بالماء ، وكذلك الشرّ لا يطفئ إلاّ بالخير ، يا بني ! لا تشمت بالمصائب ، ولا تعيّر المبتلي ، ولا تمنع المعروف فإنّه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة .

يا بني ! ثلاثة تجب مداراتهم : المريض والسلطان والمرأة ، وكن قنعاً تعش غنيّاً ، وكن متّقياً تكن عزيزاً ، يا بني ! إنّك من حين سقطت من بطن أُمّك استدبرت

١٤٧

الدنيا واستقبلت الآخرة ، وأنت كل يوم إلى ما استقبلت أقرب منك ممّا استدبرت ، فتزوّد لدار أنت مستقبلها ، وعليك بالتقوى فإنّه أربح التجارات ، وإذا أحدثت ذنباً فأتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله .

واجعل الموت نصب عينيك ، والوقوف بين يدي خالقك ، وتمثّل شهادة جوارحك عليك بعملك ، والملائكة الموكّلين بك تستحي(١) منهم ومن ربّك الذي هو مشاهدك ، وعليك بالموعظة فاعمل بها ، فإنّها عند العاقل أحلى من العسل الشهد ، وهي في السفيه أشقّ من صعود الدرجة على الشيخ الكبير ، ولا تسمع الملاهي فإنّها تنسك الآخرة ، ولكن احضر الجنائز ، و زُر المقابر ، وتذكّر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك .

يا بني استعذ بالله من شرار النساء ، وكن من خيارهنّ على حذر ، يا بني لا تفرح بظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته ، يا بني الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات ، وإذا دعتك القدرة إلى ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك .

يا بني تعلّم من العلماء ما جهلت ، وعلّم الناس ممّا علمت تذكر بذلك في الملكوت ، يا بني أغنى الناس مَن قنع بما في يديه ، وأفقرهم مَن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس ، وعليك يا بني باليأس ممّا في أيدي الناس ، والوثوق بوعد الله ، واسع فيما فرض عليك ، ودع السعي فيما ضمن لك ، وتوكّل على الله في كل أُمورك يكفيك ، وإذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع تظنّ أن لا تبقى بعدها أبداً .

وإيّاك وما يُعتذر منه فإنّه لا يُعتذر من خير ، وأحبب للناس ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكرهه لنفسك ، ولا تقل ما لا تعلم ، واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس ، وغداً خيراً لك من اليوم ، فإنّه مَن استوى يوماه فهو مغبون ، ومَن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون ، وارض بما قسّم الله لك فإنّه سبحانه يقول : أعظم عبادي

____________

(١) في ( ب ) : لم لا تستحي منهم .

١٤٨

ذنباً مَن لم يرض بقضائي ، ولم يشكر نعمائي ، ولم يصبر على بلائي .

وأوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذ بن جبل ، فقال له : أوصيك باتقاء الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وخفض الجناح ، والوفاء بالعهد ، وترك الخيانة ، وحسن الجوار ، وصلة الأرحام ، ورحمة اليتيم ، ولين الكلام ، وبذل السلام وحسن العمل ، وقصر الأمل ، وتوكيد الإيمان ، والتفقّه في الدين ، وتدبّر القرآن ، وذكر الآخرة ، والجزع من الحساب ، وكثرة ذكر الموت ، ولا تسب مسلماً ، ولا تطع آثماً ، ولا تقطع رحماً ، ولا ترض بقبيح تكن كفاعله ، واذكر الله عند كل شجر ومدر وبالأسحار وعلى كل حال يذكرك ، فإنّ الله تعالى ذاكر مَن ذكره ، وشاكر مَن شكره ، وجدّد لكل ذنب توبة ، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية .

واعلم أنّ أصدق الحديث كتاب الله(١) ، وأوثق العرى التقوى ، وأشرف الذكر ذكر الله تعالى ، وأحسن القصص القرآن ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدى هدى الأنبياء ، وأشرف الموت الشهادة ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وشرّ العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى .

وشرّ المعذرة عند الموت ، وشرّ الندامة يوم القيامة ، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله تعالى في السر والعلانية ، وخير ما أُلقي في القلب اليقين ، وأنّ جماع الإثم الكذب والارتياب ، والنساء حبائل الشيطان ، والشباب شعبة من الجنون ، وشرّ الكسب كسب الربا ، وشرّ المأثم أكل مال اليتيم .

السعيد مَن وُعظ بغيره ، وليس لجسم نبت على الحرام إلاّ النار ، ومَن تغذّى بالحرام فالنار أولى به ، ولا يستجاب له دعاء ، والصلاة نور ، والصدقة حرز ،

____________

(١) في ( ب ) : كلام الله .

١٤٩

والصوم جُنّة حصينة ، والسكينة مغنم وتركها مغرم ، وعلى العاقل أن يكون له ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يتفكّر فيها في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتخلّى فيها لحاجته من حلال .

وعلى العاقل أن لا يكون ضاعناً(١) إلاّ في ثلاث(٢) : تزوّد لمعاد ، ومرمّة لمعاش ، لذّة في غير محرّم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه .

وفي توراة موسىعليه‌السلام : عجبت لمَن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمَن أيقن بالحساب كيف يذنب ، ولمَن أيقن بالقدر كيف يحزن ، ولمَن أيقن بالنار كيف يضحك ، ولمَن رأى تقلّب الدنيا بأهلها كيف يطمئنّ إليها ، ولمَن أيقن بالجزاء كيف لا يعمل ، لا عقل كالدين ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق .

وقال أبو ذر : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ بسبع خصال ](٣) : حب المساكين والدنو منهم ، وهجران الأغنياء ، وأن أصل رحمي ، وأن لا أتكلّم بغير الحق ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، وأن أنظر إلى مَن هو دوني ولا أنظر إلى مَن هو فوقي ، وأن أكثر من قول : ( سبحان الله والحمد الله ولا اله إلاّ الله والله اكبر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) فهنّ الباقيات الصالحات .

وقال بعضهم : مَن سلك الجدد أمن العثار ، والصبر مطيّة السلامة ، والجزع مطيّة الندامة ، ومرارة الحلم أعذب من مرارة(٤) الانتقام ، وثمرة الحقد الندامة ، ومَن صبر على ما يكره أدرك ما يحب ، والصبر على المصيبة مصيبة للشامت بها ، والجزع عليها مصيبة ثانية لفوات الثواب وهي أعظم المصائب .

____________

(١) ضعن : سار (القاموس) .

(٢) في ( ج ) : أن يكون ساعياً في ثلاث .

(٣) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٤) في ( ج ) : حلاوة .

١٥٠

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :خير الرزق ما يكفي ، وخير الذكر ما يخفى ، وإنّي أوصيكم بتقوى الله ، وبحسن النظر لأنفسكم ، وقلّة الغفلة عن معادكم ، وابتياع ما يبقى بما يفنى .

واعلموا أنّها أيّام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، وآجال معلومة ، والآخرة أبد لا أمد له ، وأجل لا منتهى له ، ونعيم لا زوال له ، فاعرفوا ما تريدون وما يُراد بكم ، واتركوا من الدنيا ما يشغلكم عن الآخرة ، واحذروا حسرة المفرطين ، وندامة المغترّين ، واستدركوا فيما بقي ما فات ، وتأهّبوا للرحيل من دار البوار إلى دار القرار ، واحذروا الموت أن يفجأكم على غرّة ويعجلكم عن التأهّب والاستعداد ، إنّ الله تعالى قال : ( فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) (١) .

فربّ ذي عقل شغله هواه عمّا خُلق له حتّى صار كمن لا عقل له ، ولا تعذروا أنفسكم في خطائها ، ولا تجادلوا بالباطل فيما يوافق هواكم ، واجعلوا همّكم نصر الحق من جهتكم أو من جهة مَن يجادلكم ، فإنّ الله تعالى يقول :( يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) (٢) . فلا تكونوا أنصاراً لهواكم والشيطان .

واعلموا أنّه ما هدم الدين مثل إمام ضلالة وضلّ وأضلّ ، وجدالِ منافق بالباطل ، والدنيا قطعت رقاب طالبيها والراغبين إليها ، واعلموا أنّ القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار ، فمهّدوه بالعمل الصالح ، فمثل أحدكم يعمل الخير كمثل الرجل ينفذ كلامه يمهّد له ، قال الله تعالى : ( فلأنفسهم يمهدون ) (٣) .

وإذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على المعصية ، فاعلموا أنّ ذلك استدراج له ، قال الله تعالى : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) (٤) .

____________

(١) يس : ٥٠ .

(٢) الصف : ١٤ .

(٣) الروم : ٤٤ .

(٤) الأعراف : ١٨٢ .

١٥١

وسئل ابن عباس عن صفة الذين صدقوا الله المخافة ، فقال : هم قوم قلوبهم من الخوف قرحة ، وأعينهم باكية ، ودموعهم على خدودهم جارية ، يقولون : كيف نفرح والموت من ورائنا ، والقبر موردنا ، والقيامة موعدنا ، وعلى الله عرضنا ، وشهودنا جوارحنا ، والصراط على جهنّم طريقنا ، وعلى الله حسابنا .

فسبحان الله وتعالى ، فإنّا نعوذ به من ألسن واصفة ، وأعمال مخالفة مع قلوب عارفة ، فإنّ العمل ثمرة العلم ، والخشية والخوف ثمرة العمل ، والرجاء ثمرة اليقين ، ومَن اشتاق إلى الجنّة اجتهد في أسباب الوصول إليها ، ومَن حذر النار تباعد ممّا يدني إليها ، ومَن أحبّ لقاء الله استعدّ للقائه .

وروي أنّ الله تعالى يقول في بعض كتبه :يا ابن آدم أنا حيٌّ لا أموت ، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيّاً لا تموت ، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون (١) .

ولذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز :( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم ) (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ، فأمّا المهلكات : فشحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأمّا المنجيات : فخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب (٣) .

وقال الحسنعليه‌السلام :لقد أصحبت (٤) أقواماً كأنّهم كانوا ينظرون إلى الجنّة ونعيمها ، والنار وجحيمها ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض ، أو قد خولطوا وإنّما خالطهم أمر عظيم ، خوف الله ومهابته في قلوبهم .

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ١١ : ٢٥٨ ح١٢٩٢٨ .

(٢) فصلت : ٣١ـ٣٢ .

(٣) الخصال : ٨٤ ح١١ باب٣ ، عنه البحار ٧٠ : ٦ ح٢ .

(٤) في ( ألف ) و ( ج ) : أصبحت .

١٥٢

كانوا يقولون ليس لنا في الدنيا من حاجة ، ليس لها خُلقنا ولا بالسعي لها أُمرنا ، أنفقوا أموالهم ، وبذلوا دماءهم ، اشتروا بذلك رضى خالقهم ، علموا أنّ الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنّة فباعوه ، ربحت تجارتهم ، وعظمت سعادتهم ، أفلحوا وأنجحوا ، فاقتفوا آثارهم رحمكم الله ، واقتدوا بهم فإنّ الله تعالى وصف لنبيّه صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذرّيتهما ، وقال : ( فبهداهم اقتده ) (١) .

واعلموا عباد الله أنّكم مأخوذون بالإقتداء بهم والإتباع لهم ، فجدّوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مَن مشى (٢) مع ظالم ليعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام ، ومَن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حادّ الله ورسوله ، ومَن أعان ظالماً ليبطل حقّاً لمسلم فقد برئ من ذمّة الإسلام ومن ذمّة الله ومن ذمّة رسوله .

ومَن دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصى الله ، ومَن ظُلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً على نصره ولم ينصره فقد باء بغضب من الله ورسوله ، ومَن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالى .

وإنّ الله أوحى إلى داودعليه‌السلام :قل لفلان الجبّار : إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا ، ولكن لترد عنّي دعوة المظلوم وتنصره ، فإنّي آليت على نفسي أن أنصره وأنتصر له ممّن ظُلم بحضرته ولم ينصره (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن آذى مؤمناً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيساً من رحمة الله ، وكان كمَن هدم الكعبة والبيت المقدس ، وقتل عشرة آلاف من الملائكة .

____________

(١) الأنعام : ٩٠ .

(٢) في ( ج ) : مضى .

(٣) عنه البحار ١٤ : ٤٠ ح٢٤ .

١٥٣

وقال رفاعة بن أعين : قال لي الصادقعليه‌السلام :ألا أخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة ؟ قلت : بلى يا مولاي ، قال : أشد الناس عذاباً يوم القيامة مَن أعان على مؤمن بشطر كلمة ، ثم قال : ألا أخبرك بأشد من ذلك ؟ فقلت : بلى يا سيّدي ، فقال : مَن أعاب على شيء من قوله أو فعله .

ثم قال :اُدن منّي أزدك أحرفاً أُخر ، ما آمن بالله ولا برسوله ولا بولايتنا أهل البيت من أتاه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه ، فإن كان عنده قضاها له ، وإن لم تكن عنده تكلّفها له حتّى يقضيها له ، فإن لم يكن كذلك فلا ولاية بيننا وبينه ولو علم الناس ما للمؤمن عند الله لخضعت له الرقاب ، وإنّ الله تعالى اشتق للمؤمن اسماً من أسمائه ، فالله تعالى هو المؤمن سبحانه وسمّى عبده مؤمناً تشريفاً له وتكريماً ، وأنّه يوم القيامة يؤمن على الله تعالى فيجيز إيمانه (١) .

وقال الله تعالى :ليأذن بحرب منّي مَن آذى مؤمناً وأخافه .

وكان عيسىعليه‌السلام يقول :يا معشر الحواريين تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا إلى الله بالبعد عنهم ، والتمسوا رضاه في غضبهم ، وإذا جلستم فجالسوا مَن يزيد في عملكم منطقه ، ويذكركم الله رؤيته ، ويرغبكم في الآخرة عمله (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي ذر :ألزم قلبك الفكر ، ولسانك الذكر ، وجسدك العبادة ، وعينيك البكاء من خشية الله ، ولا تهتم برزق غد ، والزم المساجد فإنّ عمّارها هم أهل الله ، وخاصّته قرّاء كتابه والعاملون به .

وقالعليه‌السلام :المروءة ست ، ثلاث في السفر وثلاث في الحضر : فالذي في الحضر تلاوة القرآن ، وعمارة المساجد ، واتخاذ الإخوان في الله ، وأمّا الذي في

____________

(١) البحار ٧٥ : ١٧٦ ح١٢ باختلاف .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢٣٥ ، عنه البحار ١٤ : ٢٣٠ ح٦٥ باختصار .

١٥٤

السفر : بذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمعاشرة بالمعروف (١) .

وكان الحسنعليه‌السلام يقول :يا ابن آدم مَن مثلك وقد خلّى ربّك بينه وبينك ، متى شئت أن تدخل عليه توضّأت وقمت بين يديه ، ولم يجعل بينك وبينه حجّاباً ولا بوّاباً ، تشكو إليه همومك وفاقتك ، وتطلب منه حوائجك ، وتستعينه على أمورك ، وكان يقول :أهل المسجد زوّار الله ، وحق على المزور التحفة لزائره .

وروي : إنّ المتنخّم في المسجد يجد بها خزياً في وجهه يوم القيامة .

وكان الناس في المساجد ثلاثة أصناف : صنف في الصلاة ، وصنف في تلاوة القرآن ، وصنف في تعليم العلوم ، فأصبحوا صنف في البيع والشراء ، وصنف في غيبة الناس ، وصنف في الخصومات وأقوال الباطل .

وقالعليه‌السلام :ليعلم الذي يتنخّم في القبلة أنّه يُبعث وهي في وجهه .

وقال : يقول الله تعالى :المصلّي يناجيني ، والمنفق يقرضني [ في الغنى ] (٢) ، والصائم يتقرّب إليّ .

وقال :إنّ الرجلين يكونان في صلاة واحدة وبينهما مثل ما بين السماء والأرض من فضل الثواب .

____________

(١) الخصال : ٣٢٤ ح١١ باب ٦ ، عنه البحار ٧٦ : ٣١١ ح٢ .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

١٥٥

الباب العشرون : في قراءة القرآن المجيد

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إن هذه القلوب لتصدئ كما يصدئ الحديد ، وأنّ جلاءها قراءة القرآن (١) .

وقال ابن عباس : قارئ القرآن التابع له لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .

وقال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس غافلون ، وببكائه إذا الناس ضاحكون ، وبورعه إذا الناس يطمعون ، وبخشوعه إذا الناس يمزحون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وبصمته إذا الناس يخوضون .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :القرآن على خمسة أوجه ، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال ، وما آمن بالقرآن مَن استحلّ محارمه ، وشرّ الناس

____________

(١) كنز العمّال ١ : ٥٤٥ ح٢٤٤١ .

١٥٦

مَن يقرأ القرآن ولا يرعوي عن شيء به .

وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام في قوله تعالى :( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) (١) قال : يرتلون آياته ، ويتفقّهون فيه ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، ويتناهون عن نواهيه .

ما هو والله حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وانّما هو تدبّر آياته ، والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) (٢) .

واعلموا رحمكم الله أنّ سبيل الله سبيل واحدة وجماعها الهدى ، ومصير العامل بها الجنّة والمخالف لها النار ، وإنّما الإيمان ليس بالتمنّي ولكن ما ثبت بالقلب ، وعملت به الجوارح ، وصدّقته الأعمال الصالحة ، واليوم فقد ظهر الجفاء ، وقلّ الوفاء ، وتركت السنّة ، وظهرت البدعة ، وتواخا الناس على الفجور ، وذهب منهم الحياء ، وزالت المعرفة ، وبقيت الجهالة ، ما ترى إلاّ مترفاً صاحب دنيا ، لها يرضى ولها يغضب وعليها يقاتل ، ذهب الصالحون وبقيت تفالة كتفالة الشعير وحثالة التمر .

وقال الحسنعليه‌السلام :ما بقي في الدنيا بقيّة غير هذا القرآن ، فاتخذوه إماماً يدلّكم على هداكم ، وإنّ أحق الناس بالقرآن مَن عمل به وإن لم يحفظه ، وأبعدهم منه مَن لم يعمل به وإن كان يقرأه .

وقال :مَن قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .

وقال :إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً ، يقود قوماً إلى الجنّة ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه ، ويسوق قوماً إلى النار ، ضيّعوا

____________

(١) البقرة : ١٢١ .

(٢) ص : ٢٩ .

١٥٧

حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :رتلوا القرآن ولا تنثروه نثراً ، ولا تهذوه هذّ الشعر (١) ، قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

وخطبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :لا خير في العيش إلاّ لعالم ناطق أو مستمع واع ، أيّها الناس إنّكم في زمن هدنة وإنّ السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ، ويقرّبان كل بعيد ، ويأتيان بكل موعود .

فقال له المقداد : يا نبي الله وما الهدنة ؟ فقال :دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافع مشفّع وشاهد مصدّق ، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه قاده (٢) إلى النار ، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل ، ظاهره حكم وباطنه علم ، لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم ، مَن قال به صدق ، ومَن حكم به عدل ، ومَن عمل به فاز ، فإنّ المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيّب وريحها طيّب ، وإنّ الكافر كالحنظلة طعمها مرّ ورائحتها كريهة (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألا أدلّكم على أكسل الناس وأبخل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله .

فقال :أكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا لسان ، وأبخل الناس رجل اجتاز على مسلم فلم يسلّم عليه ، وأمّا أسرق الناس فرجل يسرق من صلاته ، تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب به وجهه (٤) ، وأجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ ، وأعجز الناس مَن عجز عن الدعاء (٥) .

____________

(١) تهدروه هدر الشعر ، (خل) .

(٢) في ( ج ) : ساقه .

(٣) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٣٣ ، عنه البحار ٧٧ : ١٧٧ .

(٤) في ( ب ) : وجه صاحبها .

(٥) راجع البحار ٨٤ : ٢٥٧ ح٥٥ ، عن عدة الداعي .

١٥٨

الباب الحادي والعشرون: يتضمّن خطبة بليغة على سورة

قال : أيّها الناس تدبّروا القرآن المجيد ، فقد دلّكم على الأمر الرشيد ، وسلّموا لله أمره فإنّه فعّال لما يُريد ، واحذروا يوم الوعيد ، واعملوا بطاعته فهذا شأن العبيد ، واحذروا غضبه فكم قصم من جبّار عنيد ،( ق والقرآن المجيد ) (١) .

أين مَن بنى وشاد وطول ، وتأمّر على الناس وساد في الأوّل ، وظنّ جهالة منه وجرأة أنّه لا يتحوّل ، عاد الزمان عليه سالباً ما خُوّل ، فسقوا إذ فسقوا كأساً على هلاكهم عوّل ،( أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد ) .

فيا مَن أنذره يومه وأمسه ، وحادثه بالعبر قمره وشمسه ، واستلب منه ولده وأخوه وعرسه ، وهو يسعى في الخطايا مستتر(٢) وقد دنا حبسه ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .

أما علمت أنّك مسؤول عن الزمان ، مشهود عليك يوم تنطق عليك

____________

(١) الآيات الواردة في هذا الباب كلّها من سورة ( ق ) .

(٢) في ( ج ) : مشمّراً .

١٥٩

الأركان ، محفوظ عليك ما عملت في زمان الإمكان ،( إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) .

وكأنّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق ، ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق ، وندمت على تفريطك بعد اتساع الخرق ، وتأسفت على ترك الأولى والأخرى أحق ،( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .

ثم ترحّلت من القصور إلى القبور ، وبقيت وحيداً على ممرّ الدهور كالأسير المحصور ،( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) ، فحينئذ أعاد الأجسام من صنعها ، وألّف أشتاتها بقدرته ، وجمعها وناداها بنفخة الصور فأسمعها ،( وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .

فهرب منك الأخ وتنسى أخاك ، ويعرض عنك الصديق ويرفضك ولاءك(١) ، ويتجافاك صاحبك ويجحد الآءك ، وتلقى من الأهوال كلّما أعجزك وساءك ، وتنسى أولادك وتنسى نساءك ،( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .

وتجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً ، وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً ، ولهب لهيب النار إلى الكفّار فجعلهم جذاذاً ، ولا يجد العاصي من النار لنفسه ملجأً ولا معاذاً ،( وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد ) .

يوم تقوم الزبانية إلى الكفّار ، ويبادر مَن يسوقهم سوقاً عنيفاً والدموع تتحادر ، وتثب النار [ إلى الكفار ](٢) كوثوب الليث إذا استاخر(٣) ، فيذلّ زفيرها كل مَن عزّ وفاخر ،( الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد ) .

____________

(١) في ( ج ) : يرفض ولاءك .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) في ( ج ) : شاخر .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168