كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة4%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39577 / تحميل: 6845
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

القهقرى ظنوهم منهزمين فعطفوا عليهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة و جاء سهم غرب فأصاب إبراهيم فقتله.و قد دبرت من قبل قريش في حماية العير بأن نفرت على الصعب و الذلول لتدفع رسول الله ص عن اللطيمة فكان هلاكها في تدبيرها.و كسرت الأنصار يوم أحد بأن أخرجت النبي ص عن المدينة ظنا منها أن الظفر و النصرة كانت بذلك و كان سبب عطبها و ظفر قريش بها و لو أقامت بين جدران المدينة لم تظفر قريش منها بشي‏ء.و دبر أبو مسلم الدولة الهاشمية و قام بها حتى كان حتفه في تدبيره.و كذلك جرى لأبي عبد الله المحتسب مع عبد الله المهدي بالمغرب.و دبر أبو القاسم بن المسلمة رئيس الرؤساء في إخراج البساسيري عن العراق حتى كان هلاكه على يده و كذلك أيضا انعكس عليه تدبيره في إزالة الدولة البويهية من الدولة السلجوقية ظنا منه أنه يدفع الشر بغير الشر فدفع الشر بما هو شر منه.و أمثال هذا و نظائره أكثر من أن تحصى

١٢١

١٨

وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِ اَلرَّسُولِ ص غَيِّرُوا اَلشَّيْبَ وَ لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ فَقَالَ ع إِنَّمَا قَالَ ص ذَلِكَ وَ اَلدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا اَلآْنَ وَ قَدِ اِتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَ مَا اِخْتَارَ اليهود لا تخضب و كان النبي ص أمر أصحابه بالخضاب ليكونوا في مرأى العين شبابا فيجبن المشركون عنهم حال الحرب فإن الشيخ مظنة الضعف.قال علي ع كان ذلك و الإسلام قل أي قليل و أما الآن و قد اتسع نطاقه و ضرب بجرانه فقد سقط ذلك الأمر و صار الخضاب مباحا غير مندوب.و النطاق ثوب تلبسه المرأة لبسة مخصوصة ليس بصدرة و لا سراويل و سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لأنها قطعت من ثوبها ذلك قطعة شدت بها سفرة لها حملها أبو بكر معه حين خرج من مكة مع النبي ص يوم الهجرة فقال النبي ص لقد أبدلها الله بها نطاقين في الجنة و كان نفر الشام ينادون عبد الله ابنها حين حصره الحجاج بمكة يشتمونه كما زعموا يا ابن ذات النطاقين فيضحك عبد الله منهم و قال لابن أبي عتيق أ لا تسمع يظنونه ذما ثم يقول

١٢٢

و تلك شكاة ظاهر عنك عارها

و استعار أمير المؤمنين ع هذه اللفظة لسعة رقعة الإسلام و كذلك استعار قوله و ضرب بجرانه أي أقام و ثبت و ذلك لأن البعير إذا ضرب بجرانه الأرض و جرانه مقدم عنقه فقد استناخ و برك.و امرؤ مبتدأ و إن كان نكرة كقولهم شر أهر ذا ناب لحصول الفائدة و الواو بمعنى مع و هي و ما بعدها الخبر و ما مصدرية أي امرؤ مع اختياره

نبذ مما قيل في الشيب و الخضاب

فأما القول في الخضاب فقد روى قوم أن رسول الله ص بدا شيب يسير في لحيته فغيره بالخضاب خضب بالحناء و الكتم و قال قوم لم يشب أصلا.و روي أن عائشة قالت ما كان الله ليشينه بالشيب فقيل أ و شين هو يا أم المؤمنين قالت كلكم يكرهه و أما أبو بكر فصح الخبر عنه بذلك و كذلك أمير المؤمنين و قيل إنه لم يخضب و قتل الحسين ع يوم الطف و هو مخضوب و في الحديث المرفوع رواه عقبة بن عامر عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام إنه يصفي البصر و يذهب بالصداع و يزيد في الباه و إياكم و السواد فإنه من سود سود الله وجهه يوم القيامة و عنه ص عليكم بالخضاب فإنه أهيب لعدوكم و أعجب إلى نسائكم.

١٢٣

و يقال في أبواب الكناية للمختضب هو يسود وجه النذير لأن النذير الشيب قيل في قوله تعالى( وَ جاءَكُمُ اَلنَّذِيرُ ) إنه الشيب.و كان عبد الرحمن بن الأسود أبيض الرأس و اللحية فأصبح ذات يوم و قد حمرهما و قال إن عائشة أرسلت إلى البارحة جاريتها فأقسمت علي لأغيرن و قالت إن أبا بكر كان يصبغ.و روى قيس بن أبي حازم قال كان أبو بكر يخرج إلينا و كان لحيته ضرام عرفج.و عن أبي عامر الأنصاري رأيت أبا بكر يغير بالحناء و الكتم و رأيت عمر لا يغير شيئا من شيبه و قال إني سمعت رسول الله ص يقول من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة و لا أحب أن أغير نوري.و كان أنس بن مالك يخضب و ينشد:

نسود أعلاها و تأبى أصولها

و ليس إلى رد الشباب سبيل

و روي أن عبد المطلب وفد على سيف بن ذي يزن فقال له لو خضبت فلما عاد إلى مكة خضب فقالت له امرأته نثيلة أم العباس و ضرار ما أحسن هذا الخضاب لو دام فقال:

فلو دام لي هذا الخضاب حمدته

و كان بديلا من خليل قد انصرم

تمتعت منه و الحياة قصيرة

و لا بد من موت نثيلة أو هرم

و موت جهيز عاجل لا شوى له

أحب إلينا من مقالكم حكم

قال يعني إنه صار شيخا فصار حكما بين الناس من قوله:

لا تغبط المرء أن يقال له

أضحى فلان لسنه حكما

١٢٤

و قال أسماء بن خارجة لجاريته اخضبيني فقالت حتى متى أرقعك فقال:

عيرتني خلقا أبليت جدته

و هل رأيت جديدا لم يعد خلقا

و أما من يروى أن عليا ع ما خضب فيحتج بقوله و قد قيل له لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين فقال الخضاب زينة و نحن في مصيبة يعني برسول الله ص.و سئل الحسن ع عن الخضاب فقال هو جزع قبيح و قال محمود الوراق:

يا خاضب الشيب الذي

في كل ثالثة يعود

إن الخضاب إذا مضى

فكأنه شيب جديد

فدع المشيب و ما يريد

فلن تعود كما تريد

و قد روى قوم عن النبي ص كراهية الخضاب و أنه قال لو استقبلتم الشيب بالتواضع لكان خيرا لكم.قال الشاعر:

و صبغت ما صبغ الزمان فلم يدم

صبغي و دامت صبغة الأيام

و قال آخر:

يا أيها الرجل المغير شيبه

كيما تعد به من الشبان

أقصر فلو سودت كل حمامة

بيضاء ما عدت من الغربان

و يقولون في ديوان عرض الجيش ببغداد لمن يخضب إذا ذكروا حليته مستعار و هي كناية لطيفة و أنا أستحسن قول البحتري خضبت بالمقراض كناية عن قص الشعر الأبيض فجعل ذلك خضابه عوضا عن الصبغ و الأبيات هذه:

لابس من شبيبة أم ناض

و مليح من شيبة أم راض

١٢٥

و إذا ما امتعضت من ولع الشيب

برأسي لم يثن ذاك امتعاضي

ليس يرضى عن الزمان امرؤ فيه

إلا عن غفلة أو تغاضي

و البواقي من الليالي و إن

خالفن شيئا شبيهة بالمواضي

و أبت تركي الغديات و الآصال

حتى خضبت بالمقراض

و دواء المشيب كالبخص في عيني

فقل فيه في العيون المراض

طال حزني على الشباب و ما

بيض من لون صبغه الفضفاض

فهل الحادثات يا ابن عويف

تاركاتي و لبس هذا البياض

١٢٦

١٩

وَ قَالَ ع مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجلِهِ قد تقدم لنا قول كثير في الأمل و نذكر هاهنا زيادة على ذلك.

قال الحسن ع لو رأيت الأجل و مسيره لنسيت الأمل و غروره و يقدر المقدرون و القضاء يضحك و روى أبو سعيد الخدري أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فقال رسول الله ص أ لا تعجبون من أسامة يشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل.أبو عثمان النهدي قد بلغت نحوا من ثلاثين و مائة سنة فما من شي‏ء إلا قد عرفت فيه النقص إلا أملى فإنه كما كان.قال الشاعر:

أراك تزيدك الأيام حرصا

على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوما

إليها قلت حسبي قد رضيت

و قال آخر:

من تمنى المنى فأغرق فيها

مات من قبل أن ينال مناه

ليس في مال من تتابع في اللذات

فضل عن نفسه لسواه

١٢٧

٢٠

وَ قَالَ ع أَقِيلُوا ذَوِي اَلْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلاَّ وَ يَدُهُ بِيَدِ اَللَّهِ يَدُ اَللَّهِ بِيَدِهِ يَرْفَعُهُ

نبذ مما قيل في المروءة

قد رويت هذه الكلمة مرفوعة ذكر ذلك ابن قتيبة في عيون الأخبار و أحسن ما قيل في المروءة قولهم اللذة ترك المروءة و المروءة ترك اللذة.و في الحديث أن رجلا قام إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله أ لست أفضل قومي فقال إن كان لك عقل فلك فضل و إن كان لك خلق فلك مروءة و إن كان لك مال فلك حسب و إن كان لك تقى فلك دين.و سئل الحسن عن المروءة فقال جاء في الحديث المرفوع أن الله تعالى يحب معالي الأمور و يكره سفسافها.و كان يقال من مروءة الرجل جلوسه بباب داره.و قال الحسن لا دين إلا بمروءة

١٢٨

و قيل لابن هبيرة ما المروءة فقال إصلاح المال و الرزانة في المجلس و الغداء و العشاء بالفناء.و جاء أيضا في الحديث المرفوع حسب الرجل ماله و كرمه دينه و مروءته خلقه و كان يقال ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق.و يقال سرعة المشي تذهب بمروءة الرجل.و قال معاوية لعمرو ما ألذ الأشياء قال مر فتيان قريش أن يقوموا فلما قاموا قال إسقاط المروءة.و كان عروة بن الزبير يقول لبنيه يا بني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب و قيل للأحنف ما المروءة قال العفة و الحرفة تعف عما حرم الله و تحترف فيما أحل الله.و قال محمد بن عمران التيمي لا أشد من المروءة و هي ألا تعمل في السر شيئا تستحيي منه في العلانية و سئل النظام عن المروءة فأنشد بيت زهير:

الستر دون الفاحشات و لا

يلقاك دون الخير من ستر

و قال عمر تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة و تعلموا النسب فرب رحم مجهولة قد وصلت به.و قال ميمون بن مهران أول المروءة طلاقة الوجه و الثاني التودد إلى الناس و الثالث قضاء الحوائج.و قال مسلمة بن عبد الملك مروءتان ظاهرتان الرياش و الفصاحة.و كان يقال تعرف مروءة الرجل بكثرة ديونه.و كان يقال العقل يأمرك بالأنفع و المروءة تأمرك بالأجمل.

١٢٩

لام معاوية يزيد ابنه على سماع الغناء و حب القيان و قال له أسقطت مروءتك فقال يزيد أتكلم بلساني كلمة قال نعم و بلسان أبي سفيان بن حرب و هند بنت عتبة مع لسانك قال و الله لقد حدثني عمرو بن العاص و استشهد على ذلك ابنه عبد الله بصدقه أن أبا سفيان كان يخلع على المغني الفاضل و المضاعف من ثيابه و لقد حدثني أن جاريتي عبد الله بن جدعان غنتاه يوما فأطربتاه فجعل يخلع عليهما أثوابه ثوبا ثوبا حتى تجرد تجرد العير و لقد كان هو و عفان بن أبي العاص ربما حملا جارية العاص بن وائل على أعناقهما فمرا بها على الأبطح و جلة قريش ينظرون إليهما مرة على ظهر أبيك و مرة على ظهر عفان فما الذي تنكر مني فقال معاوية اسكت لحاك الله و الله ما أحد ألحق بأبيك هذا إلا ليغرك و يفضحك و إن كان أبو سفيان ما علمت لثقيل الحلم يقظان الرأي عازب الهوى طويل الأناة بعيد القعر و ما سودته قريش إلا لفضله

١٣٠

٢١

وَ قَالَ ع قُرِنَتِ اَلْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَ اَلْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ وَ اَلْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ في المثل من أقدم لم يندم و قال الشاعر:

ليس للحاجات إلا

من له وجه وقاح

و لسان طرمذي

و غدو و رواح

فعليه السعي فيها

و على الله النجاح

و كان يقال الفرصة ما إذا حاولته فأخطأك نفعه لم يصل إليك ضره.و من كلام ابن المقفع انتهز الفرصة في إحراز المآثر و اغتنم الإمكان باصطناع الخير و لا تنتظر ما تعامل فتجازى عنه بمثله فإنك إن عوملت بمكروه و اشتغلت برصد المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة و اقتناء منقبة و تصرمت أيامك بين تعد عليك و انتظار للظفر بإدراك الثأر من خصمك و لا عيشة في الحياة أكثر من ذلك.كانت العرب إذا أوفدت وافدا قالت له إياك و الهيبة فإنها خيبة و لا تبت عند ذنب الأمر و بت عند رأسه

١٣١

٢٢

وَ قَالَ ع لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِيْنَاهُ وَ إِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ اَلْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ اَلسُّرَى قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذا القول من لطيف الكلام و فصيحه و معناه أنا إن لم نعط حقنا كنا أذلاء و ذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد و الأسير و من يجري مجراهما هذا الفصل قد ذكره أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين و صورته أن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى قال قد فسروه على وجهين أحدهما أن راكب عجز البعير يلحقه مشقة و ضرر فأراد أنا إذا منعنا حقنا صبرنا على المشقة و المضرة كما يصبر راكب عجز البعير و هذا التفسير قريب مما فسره الرضي و الوجه الثاني أن راكب عجز البعير إنما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير و راكب ظهر البعير متقدم على راكب عجز البعير فأراد أنا إذا منعنا حقنا تأخرنا و تقدم غيرنا علينا فكنا كالراكب رديفا لغيره و أكد المعنى على كلا التفسيرين بقوله و إن طال السرى لأنه إذا طال السرى كانت المشقة

١٣٢

على راكب عجز البعير أعظم و كان الصبر على تأخر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره أشد و أصعب.و هذا الكلام تزعم الإمامية أنه قاله يوم السقيفة أو في تلك الأيام و يذهب أصحابنا إلى أنه قاله يوم الشورى بعد وفاة عمر و اجتماع الجماعة لاختيار واحد من الستة و أكثر أرباب السير ينقلونه على هذا الوجه

١٣٣

٢٣

وَ قَالَ ع مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ حَسَبُهُ نَسَبُهُ هذا الكلام حث و حض و تحريض على العبادة و قد تقدم أمثاله و سيأتي له نظائر كثيرة و هو مثل قول النبي ص يا فاطمة بنت محمد إني لا أغني عنك من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب إني لا أغني عنك من الله شيئا( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللَّهِ أَتْقاكُمْ )

١٣٤

٢٤

وَ قَالَ ع مِنْ كَفَّارَاتِ اَلذُّنُوبِ اَلْعِظَامِ إِغَاثَةُ اَلْمَلْهُوفِ وَ اَلتَّنْفِيسُ عَنِ اَلْمَكْرُوبِ قد جاء في هذا المعنى آثار كثيرة و أخبار جميلة كان العتابي قد أملق فجاء فوقف بباب المأمون يسترزق الله على يديه فوافى يحيى بن أكثم فعرض له العتابي فقال له إن رأيت أيها القاضي أن تعلم أمير المؤمنين مكاني فافعل فقال لست بحاجب قال قد علمت و لكنك ذو فضل و ذو الفضل معوان فقال سلكت بي غير طريقي قال إن الله أتحفك منه بجاه و نعمة و هو مقبل عليك بالزيادة إن شكرت و بالتغيير إن كفرت و أنا لك اليوم خير منك لنفسك لأني أدعوك إلى ما فيه ازدياد نعمتك و أنت تأبى علي و لكل شي‏ء زكاة و زكاة الجاه رفد المستعين فدخل يحيى فأخبر المأمون به فأحضره و حادثه و لاطفه و وصله

١٣٥

٢٥

وَ قَالَ ع يَا اِبْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَ أَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ هذا الكلام تخويف و تحذير من الاستدراج قال سبحانه( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) و ذلك لأن العبد بغروره يعتقد أن موالاة النعم عليه و هو عاص من باب الرضا عنه و لا يعلم أنه استدراج له و نقمة عليه.فإن قلت كيف يصح القول بالاستدراج على أصولكم في العدل أ ليس معنى الاستدراج إيهام العبد أنه سبحانه غير ساخط فعله و معصيته فهل هذا الاستدراج إلا مفسدة و سبب إلى الإصرار على القبيح.قلت إذا كان المكلف عالما بقبح القبيح أو متمكنا من العلم بقبحه ثم رأى النعم تتوالى عليه و هو مصر على المعصية كان ترادف تلك النعم كالمنبه له على وجوب الحذر مثال ذلك من هو في خدمة ملك و هو عون ذلك الملك في دولته و يعلم أن الملك قد عرف حاله ثم يرى نعم الملك مترادفة إليه فإنه يجب بمقتضى الاحتياط أن يشتد حذره لأنه يقول ليست حالي مع الملك حال من يستحق هذه النعم و ما هذه إلا مكيدة و تحتها غائلة فيجب إذن عليه أن يحذر

١٣٦

٢٦

وَ قَالَ ع مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ قال زهير بن أبي سلمى:

و مهما تكن عند امرئ من خليقة

و إن خالها تخفى على الناس تعلم

و قال آخر:

تخبرني العينان ما القلب كاتم

و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر

و قال آخر:

و في عينيك ترجمة أراها

تدل على الضغائن و الحقود

و أخلاق عهدت اللين فيها

غدت و كأنها زبر الحديد

و قد عاهدتني بخلاف هذا

و قال الله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

و كان يقال العين و الوجه و اللسان أصحاب أخبار على القلب و قالوا القلوب كالمرايا المتقابلة إذا ارتسمت في إحداهن صورة ظهرت في الأخرى

١٣٧

٢٧

وَ قَالَ ع اِمْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ يقول مهما وجدت سبيلا إلى الصبر على أمر من الأمور التي قد دفعت إليها و فيها مشقة عليك و ضرر لاحق بك فاصبر و لا تلتمس طريقا إلى تغيير ما دفعت إليه أن تسلكها بالعنف و مراغمة الوقت و معاناة الأقضية و الأقدار و مثال ذلك من يعرض له مرض ما يمكنه أن يحتمله و يدافع الوقت فإنه يجب عليه ألا يطرح جانبه إلى الأرض و يخلد إلى النوم على الفراش ليعالج ذلك المرض قوة و قهرا فربما أفضى به مقاهرة ذلك المرض الصغير بالأدوية إلى أن يصير كبيرا معضلا

١٣٨

٢٨

وَ قَالَ ع أَفْضَلُ اَلزُّهْدِ إِخْفَاءُ اَلزُّهْدِ إنما كان كذلك لأن الجهر بالعبادة و الزهادة و الإعلان بذلك قل أن يسلم من مخالطة الرياء و قد تقدم لنا في الرياء أقوال مقنعة.رأى المنصور رجلا واقفا ببابه فقال مثل هذا الدرهم بين عينيك و أنت واقف ببابنا فقال الربيع نعم لأنه ضرب على غير السكة.شاعر:

معشر أثبت الصلاة عليهم

لجباه يشقها المحراب

عمروا موضع التصنع منهم

و مكان الإخلاص منهم خراب

١٣٩

٢٩

وَ قَالَ ع إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَ اَلْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ اَلْمُلْتَقَى هذا ظاهر لأنه إذا كان كلما جاء ففي إدبار و الموت كلما جاء ففي إقبال فيا سرعان ما يلتقيان و ذلك لأن إدباره هو توجهه إلى الموت و إقبال الموت هو توجه الموت إلى نحوه فقد حق إذن الالتقاء سريعا و مثال ذلك سفينتان بدجلة أو غيرها تصعد إحداهما و الأخرى تنحدر نحوها فلا ريب إن الالتقاء يكون وشيكا

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417