كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 37689
تحميل: 5889


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37689 / تحميل: 5889
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

و أما قوله ادخل فيما دخل فيه الناس و حاكم القوم فهي الحجة التي يحتج بها أصحابنا له في أنه لم يسلم قتلة عثمان إلى معاوية و هي حجة صحيحة لأن الإمام يجب أن يطاع ثم يتحاكم إليه أولياء الدم و المتهمون فإن حكم بالحق استديمت حكومته و إلا فسق و بطلت إمامته.قوله فأما تلك التي تريدها قيل إنه يريد التعلق بهذه الشبهة و هي قتلة عثمان و قيل أراد به ما كان معاوية يكرر طلبه من أمير المؤمنين ع و هو أن يقره على الشام وحده و لا يكلفه البيعة قال إن ذلك كمخادعة الصبي في أول فطامه عن اللبن بما تصنعه النساء له مما يكره إليه الثدي و يسليه عنه و يرغبه في التعوض بغيره و كتاب معاوية الذي ذكرناه لم يتضمن حديث الشام

٢١

65 و من كتاب له ع إليه أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ اَلْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ اَلْأُمُورِ فَلَقَدْ فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلاَفِكَ بِادِّعَائِكَ اَلْأَبَاطِيلَ وَ اِقْتِحَامِكَ غُرُورَ اَلْمَيْنِ وَ اَلْأَكَاذِيبِ مِنِ اِنْتِحَالِكَ وَ بِانْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلاَ عَنْكَ وَ اِبْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اُخْتُزِنَ دُونَكَ فِرَاراً مِنَ اَلْحَقِّ وَ جُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَ دَمِكَ مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُكَ وَ مُلِئَ بِهِ صَدْرُكَ فَمَا ذَا بَعْدَ اَلْحَقِّ إِلاَّ اَلضَّلاَلُ وَ بَعْدَ اَلْبَيَانِ إِلاَّ اَللَّبْسُ فَاحْذَرِ اَلشُّبْهَةَ وَ اِشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ اَلْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلاَبِيبَهَا وَ أَعْشَتِ اَلْأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا وَ قَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ مِنَ اَلْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ اَلسِّلْمِ وَ أَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا عَنْكَ مِنْكَ عِلْمٌ وَ لاَ حِلْمٌ أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي اَلدَّهَاسِ وَ اَلْخَابِطِ فِي اَلدِّيمَاسِ وَ تَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ اَلْمَرَامِ نَازِحَةِ اَلْأَعْلاَمِ تَقْصُرُ دُونَهَا اَلْأَنُوقُ وَ يُحَاذَى بِهَا اَلْعَيُّوقُ وَ حَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً فَمِنَ اَلآْنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ وَ اُنْظُرْ لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ إِلَيْكَ عِبَادُ اَللَّهِ أُرْتِجَتْ عَلَيْكَ اَلْأُمُورُ وَ مُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ اَلْيَوْمَ مَقْبُولٌ وَ اَلسَّلاَمُ

٢٢

آن لك و أنى لك بمعنى أي قرب و حان تقول آن لك أن تفعل كذا يئين أينا و قال:

أ لم يأن أن لي تجل عني عمايتي

و أقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا

فجمع بين اللغتين و أنى مقلوبة عن آن و مما يجري مجرى المثل قولهم لمن يرونه شيئا شديدا يبصره و لا يشك فيه قد رأيته لمحا باصرا قالوا أي نظرا بتحديق شديد و مخرجه مخرج رجل لابن و تامر أي ذو لبن و تمر فمعنى باصر ذو بصر يقول ع لمعاوية قد حان لك أن تنتفع بما تعلمه من معاينة الأمور و الأحوال و تتحققه يقينا بقلبك كما يتحقق ذو اللمح الباصر ما يبصره بحاسة بصره و أراد ببيان الأمور هاهنا معاينتها و هو ما يعرفه ضرورة من استحقاق علي ع للخلافة دونه و براءته من كل شبهة ينسبها إليه.ثم قال له فقد سلكت أي اتبعت طرائق أبي سفيان أبيك و عتبة جدك و أمثالهما من أهلك ذوي الكفر و الشقاق.و الأباطيل جمع باطل على غير قياس كأنهم جمعوا إبطيلا.و الاقتحام إلقاء النفس في الأمر من غير روية.و المين الكذب و الغرور بالضم المصدر و بالفتح الاسم.و انتحلت القصيدة أي ادعيتها كذبا.قال ما قد علا عنك أي أنت دون الخلافة و لست من أهلها و الابتزاز الاستلاب.

٢٣

قال لما قد اختزن دونك يعني التسمي بإمرة المؤمنين.ثم قال فرارا من الحق أي فعلت ذلك كله هربا من التمسك بالحق و الدين و حبا للكفر و الشقاق و التغلب.قال و جحودا لما هو ألزم يعني فرض طاعة علي ع لأنه قد وعاها سمعه لا ريب في ذلك إما بالنص في أيام رسول الله ص كما تذكره الشيعة فقد كان معاوية حاضرا يوم الغدير لأنه حج معهم حجة الوداع و قد كان أيضا حاضرا يوم تبوك حين قال له بمحضر من الناس كافة أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قد سمع غير ذلك و أما بالبيعة كما نذكره نحن فإنه قد اتصل به خبرها و تواتر عنده وقوعها فصار وقوعها عنده معلوما بالضرورة كعلمه بأن في الدنيا بلدا اسمها مصر و إن كان ما رآها.و الظاهر من كلام أمير المؤمنين ع أنه يريد المعنى الأول و نحن نخرجه على وجه لا يلزم منه ما تقوله الشيعة فنقول لنفرض أن النبي ص ما نص عليه بالخلافة بعده أ ليس يعلم معاوية و غيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام أنا حرب لمن حاربت و سلم لمن سالمت و نحو ذلك من قوله اللهم عاد من عاداه و وال من والاه و قوله حربك حربي و سلمك سلمي و قوله أنت مع الحق و الحق معك و قوله هذا مني و أنا منه و قوله هذا أخي و قوله يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله و قوله اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و قوله إنه ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي و قوله في كلام قاله خاصف النعل و قوله لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق و قوله إن الجنة لتشتاق إلى أربعة و جعله أولهم و قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية و قوله ستقاتل الناكثين و القاسطين

٢٤

و المارقين بعدي إلى غير ذلك مما يطول تعداده جدا و يحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له أ فما كان ينبغي لمعاوية أن يفكر في هذا و يتأمله و يخشى الله و يتقيه فلعله ع إلى هذا أشار بقوله و جحودا لما هو ألزم لك من لحمك و دمك مما قد وعاه سمعك و ملئ به صدرك.قوله( فما ذا بعد الحق إلا الضلال ) كلمة من الكلام الإلهي المقدس.قال و بعد البيان إلا اللبس يقال لبست عليه الأمر لبسا أي خلطته و المضارع يلبس بالكسر.قال فاحذر الشبهة و اشتمالها على اللبسة بالضم يقال في الأمر لبسة أي اشتباه و ليس بواضح و يجوز أن يكون اشتمال مصدرا مضافا إلى معاوية أي احذر الشبهة و احذر اشتمالك إياها على اللبسة أي ادراعك بها و تقمصك بها على ما فيها من الإبهام و الاشتباه و يجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى ضمير الشبهة فقط أي احذر الشبهة و احتواءها على اللبسة التي فيها.و تقول أغدفت المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها و أغدف الليل أي أرخى سدوله و أصل الكلمة التغطية.و الجلابيب جمع جلباب و هو الثوب.قال و أعشت الأبصار ظلمتها أي أكسبتها العشي و هو ظلمة العين و روي و أغشت بالغين المعجمة ظلمتها بالنصب أي جعلت الفتنة ظلمتها غشاء للأبصار.و الأفانين الأساليب المختلفة.قوله ضعفت قواها عن السلم أي عن الإسلام أي لا تصدر تلك الأفانين

٢٥

المختلطة عن مسلم و كان كتب إليه يطلب منه أن يفرده بالشام و أن يوليه العهد من بعده و ألا يكلفه الحضور عنده و قرأ أبو عمرو( اُدْخُلُوا فِي اَلسِّلْمِ كَافَّةً ) و قال ليس المعني بهذا الصلح بل الإسلام و الإيمان لا غير و معنى ضعفت قواها أي ليس لتلك الطلبات و الدعاوي و الشبهات التي تضمنها كتابك من القوة ما يقتضي أن يكون المتمسك به مسلما لأنه كلام لا يقوله إلا من هو إما كافر منافق أو فاسق و الكافر ليس بمسلم و الفاسق أيضا ليس بمسلم على قول أصحابنا و لا كافر.ثم قال و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم الأساطير الأباطيل واحدها أسطورة بالضم و إسطارة بالكسر و الألف و حوك الكلام صنعته و نظمه و الحلم العقل يقول له ما صدر هذا الكلام و الهجر الفاسد عن عالم و لا عاقل.و من رواها الدهاس بالكسر فهو جمع دهس و من قرأها بالفتح فهو مفرد يقول هذا دهس و دهاس بالفتح مثل لبث و لباث للمكان السهل الذي لا يبلغ أن يكون رملا و ليس هو بتراب و لا طين.و الديماس بالكسر السرب المظلم تحت الأرض و في حديث المسيح أنه سبط الشعر كثير خيلان الوجه كأنه خرج من ديماس يعني في نضرته و كثرة ماء وجهه كأنه خرج من كن لأنه قال في وصفه كان رأسه يقطر ماء و كان للحجاج سجن اسمه الديماس لظلمته و أصله من دمس الظلام يدمس أي اشتد و ليل دامس و داموس أي مظلم و جاءنا فلان بأمور دمس أي مظلمة عظيمة يقول له أنت في كتابك هذا كالخائض في تلك الأرض الرخوة و تقوم و تقع و لا تتخلص و كالخابط في الليل المظلم يعثر و ينهض و لا يهتدى الطريق.

٢٦

و المرقبة الموضع العالي و الأعلام جمع علم و هو ما يهتدى به في الطرقات من المنار يقول له سمت همتك إلى دعوى الخلافة و هي منك كالمرقبة التي لا ترام بتعد على من يطلبها و ليس فيها أعلام تهدى إلى سلوك طريقها أي الطرق إليها غامضة كالجبل الأملس الذي ليس فيه درج و مراق يسلك منها إلى ذروته.و الأنوق على فعول بالفتح كأكول و شروب طائر و هو الرخمة و في المثل أعز من بيض الأنوق لأنها تحرزه و لا يكاد أحد يظفر به و ذلك لأن أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة.و العيوق كوكب معروف فوق زحل في العلو و هذه أمثال ضربها في بعد معاوية عن الخلافة.ثم قال حاش لله إن أوليك شيئا من أمور المسلمين بعدي أي معاذ الله و الأصل إثبات الألف في حاشا و إنما اتبع فيها المصحف.و الورد و الصدر الدخول و الخروج و أصله في الإبل و الماء و ينهد إليك عباد الله أي ينهض و أرتجت عليك الأمور أغلقت.و هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه ع بعد قتل علي ع الخوارج و فيه تلويح بما كان يقوله من قبل إن رسول الله وعدني بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل و صفين و إنه سماهم المارقين فلما واقعهم ع بالنهروان و قتلهم كلهم بيوم واحد و هم عشرة آلاف فارس أحب أن يذكر معاوية بما كان يقول من قبل و يعد به أصحابه و خواصه فقال له قد آن لك أن تنتفع بما عاينت و شاهدت معاينة و مشاهدة من صدق القول الذي كنت أقوله للناس و يبلغك فتستهزئ به

٢٧

66 و من كتاب له ع كتبه إلى عبد الله بن العباس

و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْعَبْدَ اَلْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْ‏ءِ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَ يَحْزَنُ عَلَى اَلشَّيْ‏ءِ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ فَلاَ يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ وَ لَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ وَ إِحْيَاءُ حَقٍّ وَ لْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ وَ أَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ وَ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ هذا الفصل قد تقدم شرح نظيره و ليس في ألفاظه و لا معانيه ما يفتقر إلى تفسير و لكنا سنذكر من كلام الحكماء و الصالحين كلمات تناسبه

نبذ من كلام الحكماء

فمن كلام بعضهم ما قدر لك أتاك و ما لم يقدر لك تعداك فعلام تفرح بما لم يكن بد من وصوله إليك و علام تحزن بما لم يكن ليقدم عليك.و من كلامهم الدنيا تقبل إقبال الطالب و تدبر إدبار الهارب و تصل وصال المتهالك و تفارق فراق المبغض الفارك فخيرها يسير و عيشها قصير و إقبالها خدعة و إدبارها

٢٨

فجعة و لذاتها فانية و تبعاتها باقية فاغتنم غفلة الزمان و انتهز فرصة الإمكان و خذ من نفسك لنفسك و تزود من يومك لغدك قبل نفاذ المدة و زوال القدرة فلكل امرئ من دنياه ما ينفعه على عمارة أخراه.و من كلامهم من نكد الدنيا أنها لا تبقى على حالة و لا تخلو من استحالة تصلح جانبا بإفساد جانب و تسر صاحبا بمساءة صاحب فالسكون فيها خطر و الثقة إليها غرر و الالتجاء إليها محال و الاعتماد عليها ضلال.و من كلامهم لا تبتهجن لنفسك بما أدركت من لذاتها الجسمانية و ابتهج لها بما تناله من لذاتها العقلية و من القول بالحق و العمل بالحق فإن اللذات الحسية خيال ينفد و المعارف العقلية باقية بقاء الأبد

٢٩

67 و من كتاب له ع كتبه إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة

أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ اَلْحَجَّ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَ اِجْلِسْ لَهُمُ اَلْعَصْرَيْنِ فَأَفْتِ اَلْمُسْتَفْتِيَ وَ عَلِّمِ اَلْجَاهِلَ وَ ذَاكِرِ اَلْعَالِمَ وَ لاَ يَكُنْ لَكَ إِلَى اَلنَّاسِ سَفِيرٌ إِلاَّ لِسَانُكَ وَ لاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ وَ لاَ تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا وَ اُنْظُرْ إِلَى مَا اِجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اَللَّهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي اَلْعِيَالِ وَ اَلْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ اَلْمَفَاقِرِ اَلْفَاقَةِ وَ اَلْخَلاَّتِ وَ مَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا وَ مُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلاَّ يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ( سَواءً اَلْعاكِفُ فِيهِ وَ اَلْبادِ ) فَالْعَاكِفُ اَلْمُقِيمُ بِهِ وَ اَلْبَادِي اَلَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَفَّقَنَا اَللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ لِمَحَابِّهِ وَ اَلسَّلاَمُ

٣٠

قد تقدم ذكر قثم و نسبه أمره أن يقيم للناس حجهم و أن يذكرهم بأيام الله و هي أيام الإنعام و أيام الانتقام لتحصل الرغبة و الرهبة.و اجلس لهم العصرين الغداة و العشي.ثم قسم له ثمرة جلوسه لهم ثلاثة أقسام إما أن يفتي مستفتيا من العامة في بعض الأحكام و إما أن يعلم متعلما يطلب الفقه و إما أن يذاكر عالما و يباحثه و يفاوضه و لم يذكر السياسة و الأمور السلطانية لأن غرضه متعلق بالحجيج و هم أضيافه يقيمون ليالي يسيرة و يقفلون و إنما يذكر السياسة و ما يتعلق بها فيما يرجع إلى أهل مكة و من يدخل تحت ولايته دائما ثم نهاه عن توسط السفراء و الحجاب بينه و بينهم بل ينبغي أن يكون سفيره لسانه و حاجبه وجهه و روي و لا يكن إلا لسانك سفيرا لك إلى الناس بجعل لسانك اسم كان مثل قوله( فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ) و الرواية الأولى هي المشهورة و هو أن يكون سفيرا اسم كان و لك خبرها و لا يصح ما قاله الراوندي إن خبرها إلى الناس لأن إلى هاهنا متعلقة بنفس سفير فلا يجوز أن تكون الخبر عن سفير تقول سفرت إلى بني فلان في الصلح و إذا تعلق حرف الجر بالكلمة صار كالشي‏ء الواحد.ثم قال فإنها إن ذيدت أي طردت و دفعت.كان أبو عباد ثابت بن يحيى كاتب المأمون إذا سئل الحاجة يشتم السائل و يسطو عليه و يخجله و يبكته ساعة ثم يأمر له بها فيقوم و قد صارت إليه و هو يذمه و يلعنه قال علي بن جبلة العكوك

٣١

عن الله أبا عباد

لعنا يتوالى

يوسع السائل شتما

ثم يعطيه السؤالا

و كان الناس يقفون لأبي عباد وقت ركوبه فيتقدم الواحد منهم إليه بقصته ليناوله إياها فيركله برجله بالركاب و يضربه بسوطه و يطير غضبا ثم لا ينزل عن فرسه حتى يقضي حاجته و يأمر له بطلبته فينصرف الرجل بها و هو ذام له ساخط عليه فقال فيه دعبل:

أولى الأمور بضيعة و فساد

ملك يدبره أبو عباد

متعمد بدواته جلساءه

فمضرج و مخضب بمداد

و كأنه من دير هزقل مفلت

حرب يجر سلاسل الأقياد

فاشدد أمير المؤمنين صفاده

بأشد منه في يد الحداد

و قال فيه بعض الشعراء:

قل للخليفة يا ابن عم محمد

قيد وزيرك إنه ركال

فلسوطه بين الرءوس مسالك

و لرجله بين الصدور مجال

و المفاقر الحاجات يقال سد الله مفاقره أي أغنى الله فقره ثم أمره أن يأمر أهل مكة ألا يأخذوا من أحد من الحجيج أجرة مسكن و احتج على ذلك بالآية و أصحاب أبي حنيفة يتمسكون بها في امتناع بيع دور مكة و إجارتها و هذا بناء على أن

٣٢

المسجد الحرام هو مكة كلها و الشافعي يرى خلاف ذلك و يقول إنه الكعبة و لا يمنع من بيع دور مكة و لا إجارتها و يحتج بقوله تعالى( اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) و أصحاب أبي حنيفة يقولون إنها إضافة اختصاص لا إضافة تمليك كما تقول جل الدابة و قرأ سواء بالنصب على أن يكون أحد مفعولي جعلنا أي جعلناه مستويا فيه العاكف و الباد و من قرأ بالرفع جعل الجملة هي المفعول الثاني

٣٣

68 و من كتاب له ع كتبه إلى سلمان الفارسيرحمه‌الله قبل أيام خلافته

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ اَلدُّنْيَا مَثَلُ اَلْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا وَ ضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالاَتِهَا وَ كُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اِطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ عَنْهُ إِلَى مَحْذُورٍ أَوْ إِلَى إِينَاسٍ أَزَالَتْهُ عَنْهُ إِلَى إِيحَاشٍ وَ اَلسَّلاَمُ

سلمان الفارسي و خبر إسلامه

سلمان رجل من فارس من رامهرمز و قيل بل من أصبهان من قرية يقال لها جي و هو معدود من موالي رسول الله ص و كنيته أبو عبد الله و كان إذا قيل ابن من أنت يقول أنا سلمان ابن الإسلام أنا من بني آدم.و قد روي أنه قد تداوله أرباب كثيرة بضعة عشر ربا من واحد إلى آخر حتى أفضى إلى رسول الله ص.و روى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أن سلمان أتى رسول الله

٣٤

ص بصدقة فقال هذه صدقة عليك و على أصحابك فلم يقبلها و قال إنه لا تحل لنا الصدقة فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها و قال هدية هذه فقال لأصحابه كلوا.و اشتراه من أربابه و هم قوم يهود بدراهم و على أن يغرس لهم من النخيل كذا و كذا و يعمل فيها حتى تدرك فغرس رسول الله ص ذلك النخل كله بيده إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة فقال رسول الله ص من غرسها قيل عمر فقلعها و غرسها رسول الله ص بيده فأطعمت.قال أبو عمر و كان سلمان يسف الخوص و هو أمير على المدائن و يبيعه و يأكل منه و يقول لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي و كان قد تعلم سف الخوص من المدينة.و أول مشاهده الخندق و هو الذي أشار بحفره فقال أبو سفيان و أصحابه لما رأوه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.قال أبو عمر و قد روي أن سلمان شهد بدرا و أحدا و هو عبد يومئذ و الأكثر أن أول مشاهده الخندق و لم يفته بعد ذلك مشهد.قال و كان سلمان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا.قال و ذكر هشام بن حسان عن الحسن البصري قال كان عطاء سلمان خمسة آلاف و كان إذا خرج عطاؤه تصدق به و يأكل من عمل يده و كانت له عباءة يفرش بعضها و يلبس بعضها.

٣٥

قال و قد ذكر ابن وهب و ابن نافع أن سلمان لم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر و الشجر و أن رجلا قال له أ لا أبني لك بيتا تسكن فيه قال لا حاجة لي في ذلك فما زال به الرجل حتى قال له أنا أعرف البيت الذي يوافقك قال فصفه لي قال أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه و إن أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار قال نعم فبنى له.

قال أبو عمر و قد روي عن رسول الله ص من وجوه أنه قال لو كان الدين في الثريا لناله سلمان و في رواية أخرى لناله رجل من فارس قال و قد روينا عن عائشة قالت كان لسلمان مجلس من رسول الله ص ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله ص قال و قد روي من حديث ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله ص قال أمرني ربي بحب أربعة و أخبرني أنه يحبهم علي و أبو ذر و المقداد و سلمان قال و روى قتادة عن أبي هريرة قال سلمان صاحب الكتابين يعني الإنجيل و القرآن.و قد روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي ع أنه سئل عن سلمان فقال علم العلم الأول و العلم الآخر ذاك بحر لا ينزف و هو منا أهل البيت

قال و في رواية زاذان عن علي ع سلمان الفارسي كلقمان الحكيم

قال و قال فيه كعب الأحبار سلمان حشي علما و حكمة.

٣٦

قال و في الحديث المروي أن أبا سفيان مر على سلمان و صهيب و بلال في نفر من المسلمين فقالوا ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها و أبو سفيان يسمع قولهم فقال لهم أبو بكر أ تقولون هذا لشيخ قريش و سيدها و أتى النبي ص و أخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله فأتاهم أبو بكر فقال أبو بكر يا إخوتاه لعلي أغضبتكم قالوا لا يا أبا بكر يغفر الله لك.قال و آخى رسول الله ص بينه و بين أبي الدرداء لما آخى بين المسلمين.قال و لسلمان فضائل جمة و أخبار حسان و توفي في آخر خلافة عثمان سنة خمس و ثلاثين و قيل توفي في أول سنة ست و ثلاثين و قال قوم توفي في خلافة عمر و الأول أكثر.و أما حديث إسلام سلمان فقد ذكره كثير من المحدثين و رووه عنه قال كنت ابن دهقان قرية جي من أصبهان و بلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى صرت قطن بيت النار فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له فمررت بكنيسة النصارى فدخلت عليهم فأعجبتني صلاتهم فقلت دين هؤلاء خير من ديني فسألتهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فهربت من والدي حتى قدمت الشام فدخلت على الأسقف فجعلت أخدمه و أتعلم منه حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي فقال قد هلك الناس و تركوا دينهم إلا رجلا بالموصل فالحق به فلما قضى نحبه لحقت بذلك الرجل

٣٧

فلم يلبث إلا قليلا حتى حضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي فقال ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين فلحقت بصاحب نصيبين قالوا و تلك الصومعة اليوم باقية و هي التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام قال ثم احتضر صاحب نصيبين فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم فأتيته و أقمت عنده و اكتسبت بقيرات و غنيمات فلما نزل به الموت قلت له بمن توصي بي فقال قد ترك الناس دينهم و ما بقي أحد منهم على الحق و قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين لها نخل قلت فما علامته قال يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة قال و مر بي ركب من كلب فخرجت معهم فلما بلغوا بي وادي القرى ظلموني و باعوني من يهودي فكنت أعمل له في زرعه و نخله فبينا أنا عنده إذ قدم ابن عم له فابتاعني منه و حملني إلى المدينة فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها و بعث الله محمدا بمكة و لا أعلم بشي‏ء من أمره فبينا أنا في رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لسيدي فقال قاتل الله بني قيلة قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة يزعمون أنه نبي قال فأخذني القر و الانتفاض و نزلت عن النخلة و جعلت أستقصي في السؤال فما كلمني سيدي بكلمة بل قال أقبل على شأنك و دع ما لا يعنيك فلما أمسيت أخذت شيئا كان عندي من التمر و أتيت به النبي ص فقلت له بلغني أنك رجل صالح و أن لك أصحابا غرباء ذوي حاجة و هذا شي‏ء عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقال ع لأصحابه كلوا و أمسك فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة و انصرفت فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي و أتيته به فقلت له إني رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية

٣٨

فقال كلوا و أكل معهم فقلت إنه لهو فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال ما لك فقصصت عليه القصة فأعجبه ثم قال يا سلمان كاتب صاحبك فكاتبته على ثلاثمائة نخلة و أربعين أوقية فقال رسول الله ص للأنصار أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل حتى جمعت ثلاثمائة ودية فوضعها رسول الله ص بيده فصحت كلها و أتاه مال من بعض المغازي فأعطاني منه و قال أد كتابتك فأديت و عتقت.و كان سلمان من شيعة علي ع و خاصته و تزعم الإمامية أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رءوسهم و أتوه متقلدي سيوفهم في خبر يطول و ليس هذا موضع ذكره و أصحابنا لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة و إنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك و ما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة كرديد و نكرديد محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئا و ما صنعتم أي استخلفتم خليفة و نعم ما فعلتم إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت فلو كان الخليفة منهم كان أولى و الإمامية تقول معناه أسلمتم و ما أسلمتم و اللفظة المذكورة في الفارسية لا تعطي هذا المعنى و إنما تدل على الفعل و العمل لا غير و يدل على صحة قول أصحابنا أن سلمان عمل لعمر على المدائن فلو كان ما تنسبه الإمامية إليه حقا لم يعمل له.فأما ألفاظ الفصل و معانيه فظاهرة و مما يناسب مضمونه قول بعض الحكماء تعز عن الشي‏ء إذا منعته بقلة صحبته لك إذا أعطيته.و كان يقال الهالك على الدنيا رجلان رجل نافس في عزها و رجل أنف من ذلها.

٣٩

و مر بعض الزهاد بباب دار و أهلها يبكون ميتا لهم فقال وا عجبا لقوم مسافرين يبكون مسافرا قد بلغ منزله.و كان يقال يا ابن آدم لا تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت و لا تفرح بموجود لا يتركه عليك الموت.لقي عالم من العلماء راهبا فقال أيها الراهب كيف ترى الدنيا قال تخلق الأبدان و تجدد الآمال و تباعد الأمنية و تقرب المنية قال فما حال أهلها قال من ظفر بها نصب و من فاتته أسف قال فكيف الغنى عنها قال بقطع الرجاء منها قال فأي الأصحاب أبر و أوفى قال العمل الصالح قال فأيهم أضر و أنكى قال النفس و الهوى قال فكيف المخرج قال في سلوك المنهج قال و بما ذا أسلكه قال بأن تخلع لباس الشهوات الفانية و تعمل للدار الباقية

٤٠