كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 37701
تحميل: 5889


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37701 / تحميل: 5889
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

يحاسب فيه نفسه في حياته

و يتركه نهبا لمن لا يحاسبه

فكله و أطعمه و خالسه وارثا

شحيحا و دهرا تعتريك نوائبه

أرى المال و الإنسان للدهر نهبة

فلا البخل مبقية و لا الجود خاربه

لكل امرئ رزق و للرزق جالب

و ليس يفوت المرء ما خط كاتبه

يخيب الفتى من حيث يرزق غيره

و يعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه

يساق إلى ذا رزقه و هو وادع

و يحرم هذا الرزق و هو يغالبه

و إنك لا تدري أ رزقك في الذي

تطالبه أم في الذي لا تطالبه

تناس ذنوب الأقربين فإنه

لكل حميم راكب هو راكبه

له هفوات في الرخاء يشوبها

بنصرة يوم لا توارى كواكبه

تراه غدوا ما أمنت و تتقي

بجبهته يوم الوغى من يحاربه

لكل امرئ إخوان بؤس و نعمة

و أعظمهم في النائبات أقاربه

٦١

73 و من كتاب له ع إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى اَلتَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ وَ اَلاِسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي اَلْأُمُورَ وَ تُرَاجِعُنِي اَلسُّطُورَ كَالْمُسْتَثْقِلِ اَلنَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلاَمُهُ وَ اَلْمُتَحَيِّرِ اَلْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ لاَ يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ وَ لَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لاَ بَعْضُ اَلاِسْتِبْقَاءِ لَوَصَلَتْ مِنِّي إِلَيْكَ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ اَلْعَظْمَ وَ تَنْهَسُ تَهْلِسُ اَللَّحْمَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحِكَ نَصِيحَتِكَ وَ اَلسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ روي نوازع جمع نازعة أي جاذبة قالعة و روي تهلس اللحم و تلهس بتقديم اللام و تهلس بكسر اللام تذيبه حتى يصير كبدن به الهلاس و هو السل و أما تلهس فهو بمعنى تلحس أبدلت الحاء هاء و هو عن لحست كذا بلساني بالكسر ألحسه أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا لأن الشي‏ء إنما يلحس إذا ذهب و بقي أثره و أما ينهس و هي الرواية المشهورة فمعناه يعترق.

٦٢

و تأذن بفتح الذال أي تسمع.قوله ع إني لموهن رأيي بالتشديد أي إني لائم نفسي و مستضعف رأيي في أن جعلتك نظيرا أكتب و تجيبني و تكتب و أجيبك و إنما كان ينبغي أن يكون جواب مثلك السكوت لهوانك.فإن قلت فما معنى قوله على التردد.قلت ليس معناه التوقف بل معناه الترداد و التكرار أي أنا لائم نفسي على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عما تكتبه ثم قال و إنك في مناظرتي و مقاومتي بالأمور التي تحاولها و الكتب التي تكتبها كالنائم يرى أحلاما كاذبة أو كمن قام مقاما بين يدي سلطان أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر أو ليخطب بأمر في نفسه قد بهظه مقامه ذلك أي أثقله فهو لا يدري هل ينطق بكلام هو له أم عليه فيتحير و يتبلد و يدركه العمى و الحصر.قال و إن كنت لست بذلك الرجل فإنك شبيه به أما تشبيهه بالنائم ثم ذي الأحلام فإن معاوية لو رأى في المنام في حياة رسول الله ص أنه خليفة يخاطب بإمرة المؤمنين و يحارب عليا على الخلافة و يقوم في المسلمين مقام رسول الله ص لما طلب لذلك المنام تأويلا و لا تعبيرا و لعده من وساوس الخيال و أضغاث الأحلام و كيف و أنى له أن يخطر هذا بباله و هو أبعد الخلق منه و هذا كما يخطر للنفاط أن يكون ملكا و لا تنظرن إلى نسبه في المناقب بل انظر إلى أن

٦٣

الإمامة هي نبوة مختصره و أن الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذب بقلبه و أن أقر بلسانه الناقص المنزلة عند المسلمين القاعد في أخريات الصف إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه و يملكها و يسمه الناس وسمها و يكون للمؤمنين أميرا و يصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين و الفضل و هذا أعجب من العجب أن يجاهد النبي ص قوما بسيفه و لسانه ثلاثا و عشرين سنة و يلعنهم و يبعدهم عنه و ينزل القرآن بذمهم و لعنهم و البراءة منهم فلما تمهدت له الدولة و غلب الدين على الدنيا و صارت شريعة دينية محكمة مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه و أوسعوا رقعة ملته و عظم قدرها في النفوس فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي ص فملكوها و حكموا فيها و قتلوا الصلحاء و الأبرار و أقارب نبيهم الذين يظهرون طاعته و آلت تلك الحركة الأولى و ذلك الاجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته لهم فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق و ابنه و مروان و ابنه خلفاء في مقامه يحكمون على المسلمين فوضح أن معاوية فيما يراجعه و يكاتبه به كصاحب الأحلام.و أما تشبيهه إياه بالقائم مقاما قد بهظه فلأن الحجج و الشبه و المعاذير التي يذكرها معاوية في كتبه أوهن من نسج العنكبوت فهو حال ما يكتب كالقائم ذلك المقام يخبط خبط العشواء و يكتب ما يعلم هو و العقلاء من الناس أنه سفه و باطل.فإن قلت فما معنى قوله ع لو لا بعض الاستبقاء و هل كانت الحال تقتضي أن يستبقي و ما تلك القوارع التي أشار إليها.

٦٤

قلت قد قيل إن النبي ص فوض إليه أمر نسائه بعد موته و جعل إليه أن يقطع عصمة أيتهن شاء إذا رأى ذلك و له من الصحابة جماعة يشهدون له بذلك فقد كان قادرا على أن يقطع عصمة أم حبيبة و يبيح نكاحها الرجال عقوبة لها و لمعاوية أخيها فإنها كانت تبغض عليا كما يبغضه أخوها و لو فعل ذلك لانتهس لحمه و هذا قول الإمامية و قد رووا عن رجالهم أنه ع تهدد عائشة بضرب من ذلك و أما نحن فلا نصدق هذا الخبر و نفسر كلامه على معنى آخر و هو أنه قد كان معه من الصحابة قوم كثيرون سمعوا من رسول الله ص يلعن معاوية بعد إسلامه و يقول إنه منافق كافر و إنه من أهل النار و الأخبار في ذلك مشهورة فلو شاء أن يحمل إلى أهل الشام خطوطهم و شهاداتهم بذلك و يسمعهم قولهم ملافظة و مشافهة لفعل و لكنه رأى العدول عن ذلك مصلحة لأمر يعلمه هو ع و لو فعل ذلك لانتهس لحمه و إنما أبقى عليه.و قلت لأبي زيد البصري لم أبقى عليه فقال و الله ما أبقى عليه مراعاة له و لا رفقا به و لكنه خاف أن يفعل كفعله فيقول لعمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أبي أرطاة و أبي الأعور و أمثالهم ارووا أنتم عن النبي ص أن عليا ع منافق من أهل النار ثم يحمل ذلك إلى أهل العراق فلهذا السبب أبقى عليه

٦٥

74 و من حلف له ع كتبه بين ربيعة و اليمن

و نقل من خط هشام بن الكلبي : هَذَا مَا اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اَلْيَمَنِ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا وَ رَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَ بَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَ يَأْمُرُونَ بِهِ وَ يُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ أَمَرَ بِهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً وَ لاَ يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلاً وَ أَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَ تَرَكَهُ وَ أَنَّهُمْ أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لاَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ وَ لاَ لِغَضَبِ غَاضِبٍ وَ لاَ لاِسْتِذْلاَلِ قَوْمٍ قَوْماً وَ لاَ لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْماً عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وَ غَائِبُهُمْ وَ سَفِيهُهُمْ وَ عَالِمُهُمْ وَ حَلِيمُهُمْ وَ جَاهِلُهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ اَللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ إِنَّ عَهْدَ اَللَّهِ كَانَ مَسْئُولاً وَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الحلف العهد أي و من كتاب حلف فحذف المضاف و اليمن كل من ولده قحطان نحو حمير و عك و جذام و كندة و الأزد و غيرهم.و ربيعة هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان و هم بكر و تغلب و عبد القيس.و هشام هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي نسابة ابن نسابة عالم بأيام العرب و أخبارها و أبوه أعلم منه و هو يروى عن أبيه.

٦٦

و الحاضر ساكنو الحضر و البادي ساكنو البادية و اللفظ لفظ المفرد و المعنى الجمع.قوله إنهم على كتاب الله حرف الجر يتعلق بمحذوف أي مجتمعون.قوله لا يشترون به ثمنا قليلا أي لا يتعوضون عنه بالثمن فسمى التعوض اشتراء و الأصل هو أن يشترى الشي‏ء بالثمن لا الثمن بالشي‏ء لكنه من باب اتساع العرب و هو من ألفاظ القرآن العزيز.و إنهم يد واحدة أي لا خلف بينهم.قوله لمعتبة عاتب أي لا يؤثر في هذا العهد و الحلف و لا ينقضه أن يعتب أحد منهم على بعضهم لأنه استجداه فلم يجده أو طلب منه أمرا فلم يقم به و لا لأن أحدا منهم غضب من أمر صدر من صاحبه و لا لأن عزيزا منهم استذل ذليلا منهم و لا لأن إنسانا منهم سب أو هجا بعضهم فإن أمثال هذه الأمور يتعذر ارتفاعها بين الناس و لو كانت تنقض الحلف لما كان حلف أصلا.و اعلم أنه قد ورد في الحديث عن النبي ص كل حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة و لا حلف في الإسلام لكن فعل أمير المؤمنين ع أولى بالاتباع من خبر الواحد و قد تحالفت العرب في الإسلام مرارا و من أراد الوقوف على ذلك فليطلبه من كتب التواريخ

٦٧

75 و من كتاب له ع إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة

ذكره الواقدي في كتاب الجمل : مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ وَ إِعْرَاضِي عَنْكُمْ حَتَّى كَانَ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَ لاَ دَفْعَ لَهُ وَ اَلْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَ اَلْكَلاَمُ كَثِيرٌ وَ قَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ وَ أَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ وَ أَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَ اَلسَّلاَمُ كتابه إلى معاوية و مخاطبته لبني أمية جميعا قال و قد علمت إعذاري فيكم أي كوني ذا عذر لو لمتكم أو ذممتكم يعني في أيام عثمان.ثم قال و إعراضي عنكم أي مع كوني ذا عذر لو فعلت ذلك فلم أفعله بل أعرضت عن إساءتكم إلي و ضربت عنكم صفحا حتى كان ما لا بد منه يعني قتل عثمان و ما جرى من الرجبة بالمدينة.ثم قاطعه الكلام مقاطعة و قال له و الحديث طويل و الكلام كثير و قد أدبر ذلك الزمان و أقبل زمان آخر فبايع و أقدم فلم يبايع و لا قدم و كيف يبايع

٦٨

و عينه طامحة إلى الملك و الرئاسة منذ أمره عمر على الشام و كان عالي الهمة تواقا إلى معالي الأمور و كيف يطيع عليا و المحرضون له على حربه عدد الحصى و لو لم يكن إلا الوليد بن عقبة لكفى و كيف يسمع قوله :

فو الله ما هند بأمك إن مضى النهار

و لم يثأر بعثمان ثائر

أ يقتل عبد القوم سيد أهله

و لم تقتلوه ليت أمك عاقر

و من عجب أن بت بالشام وادعا

قريرا و قد دارت عليه الدوائر

و يطيع عليا و يبايع له و يقدم عليه و يسلم نفسه إليه و هو نازل بالشام في وسط قحطان و دونه منهم حرة لا ترام و هم أطوع له من نعله و الأمر قد أمكنه الشروع فيه و تالله لو سمع هذا التحريض أجبن الناس و أضعفهم نفسا و أنقصهم همة لحركه و شحذ من عزمه فكيف معاوية و قد أيقظ الوليد بشعره من لا ينام

٦٩

76 و من وصية له ع لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة

سَعِ اَلنَّاسَ بِوَجْهِكَ وَ مَجْلِسِكَ وَ حُكْمِكَ وَ إِيَّاكَ وَ اَلْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ اَلشَّيْطَانِ وَ اِعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اَللَّهِ يُبَاعِدُكَ مِنَ اَلنَّارِ وَ مَا بَاعَدَكَ مِنَ اَللَّهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ اَلنَّارِ روي و حلمك و القرب من الله هو القرب من ثوابه و لا شبهة أن ما قرب من الثواب باعد من العقاب و بالعكس لتنافيهما.فأما وصيته له أن يسع الناس بوجهه و مجلسه و حكمه فقد تقدم شرح مثله و كذلك القول في الغضب.و طيرة من الشيطان بفتح الطاء و سكون الياء أي خفة و طيش قال الكميت :

و حلمك عز إذا ما حلمت

و طيرتك الصاب و الحنظل

٧٠

77 و من وصية له ع لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج

لاَ تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اَلْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَ يَقُولُونَ...وَ لَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً هذا الكلام لا نظير له في شرفه و علو معناه و ذلك أن القرآن كثير الاشتباه فيه مواضع يظن في الظاهر أنها متناقضة متنافية نحو قوله( لا تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصارُ ) و قوله( إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ ) و نحو قوله( وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) و قوله( وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمى‏ عَلَى اَلْهُدى ) و نحو ذلك و هو كثير جدا و أما السنة فليست كذلك و ذلك لأن الصحابة كانت تسأل رسول الله ص و تستوضح منه الأحكام في الوقائع و ما عساه يشتبه عليهم من كلامهم يراجعونه فيه و لم يكونوا يراجعونه في القرآن إلا فيما قل بل كانوا يأخذونه منه تلقفا و أكثرهم لا يفهم معناه

٧١

لا لأنه غير مفهوم بل لأنهم ما كانوا يتعاطون فهمه إما إجلالا له أو لرسول الله أن يسألوه عنه أو يجرونه مجرى الأسماء الشريفة التي إنما يراد منها بركتها لا الإحاطة بمعناها فلذلك كثر الاختلاف في القرآن و أيضا فإن ناسخه و منسوخه أكثر من ناسخ السنة و منسوخها و قد كان في الصحابة من يسأل الرسول عن كلمة في القرآن يفسرها له تفسيرا موجزا فلا يحصل له كل الفهم لما أنزلت آية الكلالة و قال في آخرها( يُبَيِّنُ اَللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) سأله عمر عن الكلالة ما هو فقال له يكفيك آية الصيف لم يزد على ذلك فلم يراجعه عمر و انصرف عنه فلم يفهم مراده و بقي عمر على ذلك إلى أن مات و كان يقول بعد ذلك اللهم مهما بينت فإن عمر لم يتبين يشير إلى قوله( يُبَيِّنُ اَللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) و كانوا في السنة و مخاطبة الرسول على خلاف هذه القاعدة فلذلك أوصاه علي ع أن يحاجهم بالسنة لا بالقرآن.فإن قلت فهل حاجهم بوصيته.قلت لا بل حاجهم بالقرآن مثل قوله( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها ) و مثل قوله في صيد المحرم( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) و لذلك لم يرجعوا و التحمت الحرب و إنما رجع باحتجاجه نفر منهم.فإن قلت فما هي السنة التي أمره أن يحاجهم بها.قلت كان لأمير المؤمنين ع في ذلك غرض صحيح و إليه أشار و حوله كان يطوف و يحوم و ذلك أنه أراد أن يقول لهم قال رسول الله ص علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيثما دار و قوله اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و نحو ذلك من الأخبار التي

٧٢

كانت الصحابة قد سمعتها من فلق فيه ص و قد بقي ممن سمعها جماعة تقوم الحجة و تثبت بنقلهم و لو احتج بها على الخوارج أنه لا يحل مخالفته و العدول عنه بحال لحصل من ذلك غرض أمير المؤمنين في محاجتهم و أغراض أخرى أرفع و أعلى منهم فلم يقع الأمر بموجب ما أراد و قضي عليهم بالحرب حتى أكلتهم عن آخرهم و كان أمر الله مفعولا

٧٣

78 و من كتاب له ع أجاب به أبا موسى الأشعري

عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة و ذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي في كتاب المغازي : فَإِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ فَمَالُوا مَعَ اَلدُّنْيَا وَ نَطَقُوا بِالْهَوَى وَ إِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا اَلْأَمْرِ مَنْزِلاً مُعْجِباً اِجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ وَ أَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَعُودَ عَلَقاً يَعُودُ يَكُونَ عَلَقاً وَ لَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ اَلنَّاسِ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ أُلْفَتِهَا مِنِّي أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ اَلثَّوَابِ وَ كَرَمَ اَلْمَآبِ وَ سَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي وَ إِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ اَلْعَقْلِ وَ اَلتَّجْرِبَةِ وَ إِنِّي لَأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ وَ أَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اَللَّهُ فَدَعْ عَنْكَ مَا لاَ تَعْرِفُ فَإِنَّ شِرَارَ اَلنَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاوِيلِ اَلسُّوءِ وَ اَلسَّلاَمُ روي و نطقوا مع الهوى أي مائلين مع الهوى.و روي و أنا أداري بالراء من المداراة و هي الملاينة و المساهلة.

٧٤

و روي نفع ما أولى باللام يقول أوليته معروفا.و روي إن قال قائل بباطل و يفسد أمرا قد أصلحه الله.و اعلم أن هذا الكتاب كتاب من شك في أبي موسى و استوحش منه و من قد نقل عنه إلى أبي موسى كلاما إما صدقا و إما كذبا و قد نقل عن أبي موسى إليه كلاما إما صدقا أيضا و إما كذبا قال ع إن الناس قد تغير كثير منهم عن حظهم من الآخرة فمالوا مع الدنيا و إني نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا بكسر الجيم أي يعجب من رآه أي يجعله متعجبا منه.و هذا الكلام شكوى من أصحابه و نصاره من أهل العراق فإنهم كان اختلافهم عليه و اضطرابهم شديدا جدا و المنزل و النزول هاهنا مجاز و استعارة و المعنى أني حصلت في هذا الأمر الذي حصلت فيه على حال معجبة لمن تأملها لأني حصلت بين قوم كل واحد منهم مستبد برأي يخالف فيه رأي صاحبه فلا تنتظم لهم كلمة و لا يستوثق لهم أمر و إن حكمت عليهم برأي أراه أنا خالفوه و عصوه و من لا يطاع فلا رأي له و أنا معهم كالطبيب الذي يداوي قرحا أي جراحة قد قاربت الاندمال و لم تندمل بعد فهو يخاف أن يعود علقا أي دما.ثم قال له ليس أحد فاعلم أحرص على ألفة الأمة و ضم نشر المسلمين.و أدخل قوله فاعلم بين اسم ليس و خبرها فصاحة و يجوز رفع أحرص بجعله صفة لاسم ليس و يكون الخبر محذوفا أي ليس في الوجود رجل.و تقول قد وأيت وأيا أي وعدت وعدا قال له أما أنا فسوف أفي بما وعدت و ما استقر بيني و بينك و إن كنت أنت قد تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه.

٧٥

فإن قلت فهل يجوز أن يكون قوله و إن تغيرت من جملة قوله فيما بعد فإن الشقي كما تقول إن خالفتني فإن الشقي من يخالف الحق.قلت نعم و الأول أحسن لأنه أدخل في مدح أمير المؤمنين ع كأنه يقول أنا أفي و إن كنت لا تفي و الإيجاب يحسنه السلب الواقع في مقابلته

و الضد يظهر حسنه الضد

ثم قال و إني لأعبد أي آنف من عبد بالكسر أي أنف و فسروا قوله( فَأَنَا أَوَّلُ اَلْعابِدِينَ ) بذلك يقول إني لآنف من أن يقول غيري قولا باطلا فكيف لا آنف أنا من ذلك لنفسي ثم تختلف الروايات في اللفظة بعدها كما ذكرنا.ثم قال فدع عنك ما لا تعرف أي لا تبن أمرك إلا على اليقين و العلم القطعي و لا تصغ إلى أقوال الوشاة و نقلة الحديث فإن الكذب يخالط أقوالهم كثيرا فلا تصدق ما عساه يبلغك عني شرار الناس فإنهم سراع إلى أقاويل السوء و لقد أحسن القائل فيهم:

أن يسمعوا الخير يخفوه و إن سمعوا

شرا أذاعوا و إن لم يسمعوا كذبوا

و نحو قول الآخر:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

و إن ذكرت بخير عندهم دفنوا

٧٦

79 و من كتاب كتبه ع لما استخلف إلى أمراء الأجناد

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا اَلنَّاسَ اَلْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ وَ أَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ أي منعوا الناس الحق فاشترى الناس الحق منهم بالرشى و الأموال أي لم يضعوا الأمور مواضعها و لا ولوا الولايات مستحقيها و كانت أمورهم الدينية و الدنياوية تجري على وفق الهوى و الغرض الفاسد فاشترى الناس منهم الميراث و الحقوق كما تشترى السلع بالمال.ثم قال و أخذوهم بالباطل فاقتدوه أي حملوهم على الباطل فجاء الخلف من بعد السلف فاقتدوا بآبائهم و أسلافهم في ارتكاب ذلك الباطل ظنا أنه حق لما قد ألفوه و نشئوا و ربوا عليه.و روي فاستروه بالسين المهملة أي اختاروه يقال استريت خيار المال أي اخترته و يكون الضمير عائدا إلى الظلمة لا إلى الناس أي منعوا الناس حقهم من المال و اختاروه لأنفسهم و استأثروا به

٧٧

٧٨

باب الحكم و المواعظ

٧٩

٨٠