كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37346
تحميل: 5844


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37346 / تحميل: 5844
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

255

وَ قَالَ ع إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اَللَّهَ بِالصَّدَقَةِ قد تقدم القول في الصدقة.و قالت الحكماء أفضل العبادات الصدقة لأن نفعها يتعدى و نفع الصلاة و الصوم لا يتعدى.

وجاء في الأثر أن عليا ع عمل ليهودي في سقي نخل له في حياة رسول الله ص بمد من شعير فخبزه قرصا فلما هم أن يفطر عليه أتاه سائل يستطعم فدفعه إليه و بات طاويا و تاجر الله تعالى بتلك الصدقة فعد الناس هذه الفعلة من أعظم السخاء و عدوها أيضا من أعظم العبادة.و قال بعض شعراء الشيعة يذكر إعادة الشمس عليه و أحسن فيما قال:

جاد بالقرص و الطوى مل‏ء جنبيه

و عاف الطعام و هو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص

و المقرض الكرام كسوب

١٠١

256

وَ قَالَ ع اَلْوَفَاءُ لِأَهْلِ اَلْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اَللَّهِ وَ اَلْغَدْرُ بِأَهْلِ اَلْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اَللَّهِ معناه أنه إذا اعتيد من العدو أن يغدر و لا يفي بأقواله و أيمانه و عهوده لم يجز الوفاء له و وجب أن ينقض عهوده و لا يوقف مع العهد المعقود بيننا و بينه فإن الوفاء لمن هذه حاله ليس بوفاء عند الله تعالى بل هو كالغدر في قبحه و الغدر بمن هذه حاله ليس بقبيح بل هو في الحسن كالوفاء لمن يستحق الوفاء عند الله تعالى

١٠٢

257

وَ قَالَ ع كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا اِبْتَلَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ اَلْإِمْلاَءِ لَهُ قال الرضيرحمه‌الله تعالى و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة قد تقدم الكلام في الاستدراج و الإملاء و قال بعض الحكماء احذر النعم المتواصلة إليك أن تكون استدراجا كما يحذر المحارب من اتباع عدوه في الحرب إذا فر من بين يديه من الكمين و كم من عدو فر مستدرجا ثم إذ هو عاطف و كم من ضارع في يديك ثم إذ هو خاطف

١٠٣

258

و من كلامه ع المتضمن ألفاظا من الغريب تحتاج إلى تفسير قوله ع في حديثه : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ اَلدِّينِ بِذَنَبِهِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ اَلْخَرِيفِ قال الرضيرحمه‌الله تعالى يعسوب الدين السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها أصاب في اليعسوب فأما القزع فلا يشترط فيها أن تكون خالية من الماء بل القزع قطع من السحاب رقيقة سواء كان فيها ماء أو لم يكن الواحدة قزعة بالفتح و إنما غره قول الشاعر يصف جيشا بالقلة و الخفة

كأن رعاله قزع الجهام

و ليس يدل ذلك على ما ذكره لأن الشاعر أراد المبالغة فإن الجهام الذي لا ماء فيه إذا كان أقطاعا متفرقة خفيفة كان ذكره أبلغ فيما يريده من التشبيه و هذا الخبر من أخبار الملاحم التي كان يخبر بها ع و هو يذكر فيه المهدي الذي يوجد عند أصحابنا في آخر الزمان و معنى قوله ضرب بذنبه أقام و ثبت بعد

١٠٤

اضطرابه و ذلك لأن اليعسوب فحل النحل و سيدها و هو أكثر زمانه طائر بجناحيه فإذا ضرب بذنبه الأرض فقد أقام و ترك الطيران و الحركة.فإن قلت فهذا يشبه مذهب الإمامية في أن المهدي خائف مستتر ينتقل في الأرض و أنه يظهر آخر الزمان و يثبت و يقيم في دار ملكه.قلت لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهدي الذي يظهر في آخر الزمان مضطرب الأمر منتشر الملك في أول أمره لمصلحة يعلمها الله تعالى ثم بعد ذلك يثبت ملكه و تنتظم أموره.و قد وردت لفظة اليعسوب عن أمير المؤمنين ع في غير هذا الموضع قال يوم الجمل لعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و قد مر به قتيلا هذا يعسوب قريش أي سيدها

١٠٥

259

وَ فِي حَدِيثِهِ ع : هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ قال يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح و الشحشع في غير هذا الموضع البخيل الممسك قد جاء الشحشح بمعنى الغيور و الشحشح بمعنى الشجاع و الشحشح بمعنى المواظب على الشي‏ء الملازم له و الشحشح الحاوي و مثله الشحشحان.و هذه الكلمة قالها علي ع لصعصعة بن صوحان العبديرحمه‌الله و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل علي ع يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان و كان صعصعة من أفصح الناس ذكر ذلك شيخنا أبو عثمان الجاحظ

١٠٦

260

و منه : إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً قال يريد بالقحم المهالك لأنها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب و هو أن تصيبهم السنة فتتفرق أموالهم فذلك تقحمها فيهم و قيل فيه وجه آخر و هو أنها تقحمهم بلاد الريف أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو أصل هذا البناء للدخول في الأمر على غير روية و لا تثبت قحم الرجل في الأمر بالفتح قحوما و أقحم فلان فرسه البحر فانقحم و اقتحمت أيضا البحر دخلته مكافحة و قحم الفرس فارسه تقحيما على وجهه إذا رماه و فحل مقحام أي يقتحم الشول من غير إرسال فيها.و هذه الكلمة قالها أمير المؤمنين حين وكل عبد الله بن جعفر في الخصومة عنه و هو شاهد.و أبو حنيفة لا يجيز الوكالة على هذه الصورة و يقول لا تجوز إلا من غائب أو مريض و أبو يوسف و محمد يجيزانها أخذا بفعل أمير المؤمنين ع

١٠٧

261

و منه : إِذَا بَلَغَ اَلنِّسَاءُ نَصَّ اَلْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى قال و يروى نص الحقائق و النص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة و يقال نصصت الرجل عن الأمر إذا استقصيت مسألته لتستخرج ما عنده فيه و نص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبر و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر و أغربها يقول فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزويجها إن أرادوا ذلك.و الحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا قال و قد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراك لأنه ع إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق و الأحكام.قال و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام.قال و الذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها و تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل و هي جمع حقة و حق و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في سيره و الحقائق أيضا جمع حقة

١٠٨

فالروايتان جميعا ترجعان إلى مسمى واحد و هذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا أما ما ذكره أبو عبيد فإنه لا يشفي الغليل لأنه فسر معنى النص و لم يفسر معنى نص الحقائق بل قال هو عبارة عن الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبر و لم يبين من أي وجه يدل لفظ نص الحقاق على ذلك و لا اشتقاق الحقاق و أصله ليظهر من ذلك مطابقة اللفظ للمعنى الذي أشير إليه.فأما قوله الحقاق هاهنا مصدر حاقه يحاقه فلقائل أن يقول إن كان هذا هو مقصوده ع فقبل الإدراك يكون الحقاق أيضا لأن كل واحدة من القرابات تقول للأخرى أنا أحق بها منك فلا معنى لتخصيص ذلك بحال البلوغ إلا أن يزعم زاعم أن الأم قبل البلوغ لها الحضانة فلا ينازعها قبل البلوغ في البنت أحد و لكن في ذلك خلاف كثير بين الفقهاء.و أما التفسير الثاني و هو أن المراد بنص الحقاق منتهى الأمر الذي تجب به الحقوق فإن أهل اللغة لم ينقلوا عن العرب أنها استعملت الحقاق في الحقوق و لا يعرف هذا في كلامهم.فأما قوله و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة فلقائل أن يقول و ما معنى الحقائق إذا كانت جمع حقيقة هاهنا و ما معنى إضافة نص إلى الحقائق جمع حقيقة فإن أبا عبيدة لم يفسر ذلك مع شدة الحاجة إلى تفسيره.و أما تفسير الرضيرحمه‌الله فهو أشبه من تفسير أبي عبيدة إلا أنه قال في آخره

١٠٩

و الحقائق أيضا جمع حقة فالروايتان ترجعان إلى معنى واحد و ليس الأمر على ما ذكر من أن الحقائق جمع حقة و لكن الحقائق جمع حقاق و الحقاق جمع حق و هو ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين و قد دخل في الرابعة فاستحق أن يحمل عليه و ينتفع به فالحقائق إذن جمع الجمع لحق لا لحقة و مثل إفال و أفائل قال و يمكن أن يقال الحقاق هاهنا الخصومة يقال ما له فيه حق و لا حقاق أي و لا خصومة و يقال لمن ينازع في صغار الأشياء إنه لبرق الحقاق أي خصومته في الدني‏ء من الأمر فيكون المعنى إذا بلغت المرأة الحد الذي يستطيع الإنسان فيه الخصومة و الجدال فعصبتها أولى بها من أمها و الحد الذي تكمل فيه المرأة و الغلام للخصومة و الحكومة و الجدال و المناظرة هو سن البلوغ

١١٠

262

و منه : إِنَّ اَلْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي اَلْقَلْبِ كُلَّمَا اِزْدَادَ اَلْإِيمَانُ اِزْدَادَتِ اَللُّمْظَةُ قال اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شي‏ء من البياض قال أبو عبيدة هي لمظة بضم اللام و المحدثون يقولون لمظة بالفتح و المعروف من كلام العرب الضم مثل الدهمة و الشهبة و الحمرة قال و قد رواه بعضهم لمطة بالطاء المهملة و هذا لا نعرفه.قال و في هذا الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد و ينقص أ لا تراه يقول كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة

١١١

263

و منه : إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ اَلدَّيْنُ اَلظَّنُونُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى إِذَا قَبَضَهُ قال الظنون الذي لا يعلم صاحبه أ يقضيه من الذي هو عليه أم لا فكأنه الذي يظن به ذلك فمرة يرجوه و مرة لا يرجوه و هو من أفصح الكلام و كذلك كل أمر تطلبه و لا تدري على أي شي‏ء أنت منه فهو ظنون و على ذلك قول الأعشى:

من يجعل الجد الظنون الذي

جنب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طما

يقذف بالبوصي و الماهر

و الجد البئر العادية في الصحراء و الظنون التي لا يعلم هل فيها ماء أم لا قال أبو عبيدة في هذا الحديث من الفقه أن من كان له دين على الناس فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لما مضى و إن كان لا يرجوه قال و هذا يرده قول من قال إنما زكاته على الذي عليه المال لأنه المنتفع به قال

١١٢

و كما يروى عن إبراهيم و العمل عندنا على قول علي ع فأما ما ذكره الرضي من أن الجد هي البئر العادية في الصحراء فالمعروف عند أهل اللغة أن الجد البئر التي تكون في موضع كثير الكلإ و لا تسمى البئر العادية في الصحراء الموات جدا و شعر الأعشى لا يدل على ما فسره الرضي لأنه إنما شبه علقمة بالبئر و الكلإ يظن أن فيها ماء لمكان الكلإ و لا يكون موضع الظن هذا هو مراده و مقصوده و لهذا قال الظنون و لو كانت عادية في بيداء مقفرة لم تكن ظنونا بل كان يعلم أنه لا ماء فيها فسقط عنها اسم الظنون

١١٣

264

و منه : أَنَّهُ شَيَّعَ جَيْشاً يُغْزِيهِ فَقَالَ اِعْذِبُوا اُعْزُبُوا عَنِ اَلنِّسَاءِ مَا اِسْتَطَعْتُمْ و معناه اصدفوا عن ذكر النساء و شغل القلوب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية و يقدح في معاقد العزيمة و يكسر عن العدو و يلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شي‏ء فقد أعزب عنه و العازب و العزوب الممتنع من الأكل و الشرب التفسير صحيح لكن قوله من امتنع من شي‏ء فقد أعزب عنه ليس بجيد و الصحيح فقد عزب عنه ثلاثي و الصواب و كل من منعته من شي‏ء فقد أعزبته عنه تعديه بالهمزة كما تقول أقمته و أقعدته و الفعل ثلاثي قام و قعد و الدليل على أن الماضي ثلاثي هاهنا قوله و العازب و العزوب الممتنع من الأكل و الشرب و لو كان رباعيا لكان المعزب و هو واضح و على هذا تكون الهمزة في أول الحرف همزة وصل مكسورة كما في اضربوا لأن المضارع يعزب بالكسر

١١٤

265

و منه : كَالْيَاسِرِ اَلْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ قال الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور و الفالج القاهر الغالب يقال قد فلج عليهم و فلجهم قال الراجز

لما رأيت فالجا قد فلجا

أول الكلام أن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت و يغري به لئام الناس كالياسر الفالج ينتظر أول فوزة من قداحه أو داعي الله فما عند الله خير للأبرار يقول هو بين خيرتين إما أن يصير إلى ما يحب من الدنيا فهو بمنزلة صاحب القدح المعلى و هو أوفرها نصيبا أو يموت فما عند الله خير له و أبقى و ليس يعني بقوله الفالج القامر الغالب كما فسره الرضيرحمه‌الله لأن الياسر الغالب القامر لا ينتظر أول فوزة من قداحه و كيف ينتظر و قد غلب و أي حاجة له إلى الانتظار و لكنه يعني بالفالج الميمون النقيبة الذي له عادة مطردة أن يغلب و قل أن يكون مقهورا

١١٥

266

و منه : كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ اِتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اَللَّهِ ص فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى اَلْعَدُوِّ مِنْهُ قال معنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو و اشتد عضاض الحرب فزع المسلمون إلى قتال رسول الله ص بنفسه فينزل الله تعالى النصر عليهم به و يأمنون ما كانوا يخافونه بمكانه.و قوله إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها و مما يقوي ذلك قول الرسول ص و قد رأى مجتلد الناس يوم حنين و هي حرب هوازن الآن حمي الوطيس و الوطيس مستوقد النار فشبه رسول الله ص ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار و شدة التهابها الجيد في تفسير هذا اللفظ أن يقال البأس الحرب نفسها قال الله تعالى( وَ اَلصَّابِرِينَ فِي اَلْبَأْساءِ وَ اَلضَّرَّاءِ وَ حِينَ اَلْبَأْسِ ) و في الكلام حذف مضاف تقديره

١١٦

إذا احمر موضع البأس و هو الأرض التي عليها معركة القوم و احمرارها لما يسيل عليها من الدم

نبذ من غريب كلام الإمام علي و شرحه لأبي عبيد

و لما كان تفسير الرضيرحمه‌الله قد تعرض للغريب من كلامه ع و رأينا أنه لم يذكر من ذلك إلا اليسير آثرنا أن نذكر جملة من غريب كلامه ع مما نقله أرباب الكتب المصنفة في غريب الحديث عنه ع.فمن ذلك

ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلامرحمه‌الله في كتابه لأن أطلي بجواء قدر أحب إلي من أن أطلي بزعفران.قال أبو عبيد هكذا الرواية عنه بجواء قدر قال و سمعت الأصمعي يقول إنما هي الجئاوة و هي الوعاء الذي يجعل القدر فيه و جمعها جياء.قال و قال أبو عمرو يقال لذلك الوعاء جواء و جياء قال و يقال للخرقة التي ينزل بها الوعاء عن الأثافي جعال.و منها قوله ع حين أقبل يريد العراق فأشار إليه الحسن بن علي ع أن يرجع و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد.قال أبو عبيد قال الأصمعي اللدم صوت الحجر أو الشي‏ء يقع على الأرض و ليس بالصوت الشديد يقال منه لدم ألدم بالكسر و إنما قيل ذلك للضبع لأنهم إذا أرادوا أن يصيدوها رموا في جحرها بحجر خفيف أو ضربوا بأيديهم فتحسبه

١١٧

شيئا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد و هي زعموا أنها من أحمق الدواب بلغ من حمقها أن يدخل عليها فيقال أم عامر نائمة أو ليست هذه و الضبع هذه أم عامر فتسكت حتى تؤخذ فأراد علي ع أني لا أخدع كما تخدع الضبع باللدم.و منها قوله ع من وجد في بطنه رزا فلينصرف و ليتوضأ.قال أبو عبيد قال أبو عمرو إنما هو أرزا مثل أرز الحية و هو دورانها و حركتها فشبه دوران الريح في بطنه بذلك.قال و قال الأصمعي هو الرز يعنى الصوت في البطن من القرقرة و نحوها قال الراجز:

كان في ربابه الكبار

رز عشار جلن في عشار

و قال أبو عبيد فقه هذا الحديث أن ينصرف فيتوضأ و يبني على صلاته ما لم يتكلم و هذا إنما هو قبل أن يحدث.قلت و الذي أعرفه من الأرز أنه الانقباض لا الدوران و الحركة يقال أرز فلان بالفتح و بالكسر إذ تضام و تقبض من بخله فهو أروز و المصدر أرزا و أروزا قال رؤبة

فذاك يخال أروز الأرز

فأضاف الاسم إلى المصدر كما يقال عمر العدل و عمرو الدهاء لما كان العدل و الدهاء أغلب أحوالهما و قال أبو الأسود الدؤلي يذم إنسانا إذا سئل أرز و إذا دعي اهتز يعني إلى الطعام و في الحديث أن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها أي يجتمع إليها و ينضم بعضه إلى بعض فيها.

١١٨

و منها

قوله لئن وليت بني أمية لأنفضنهم نفض القصاب التراب الوذمة و قد تقدم منا شرح ذلك و الكلام فيه.و منها

قوله في ذي الثدية المقتول بالنهروان إنه مودن اليد أو مثدن اليد أو مخدع اليد قال أبو عبيدة قال الكسائي و غيره المودن اليد القصير اليد و يقال أودنت الشي‏ء أي قصرته و فيه لغة أخرى ودنته فهو مودون قال حسان يذم رجلا:

و أملك سوداء مودونة

كأن أناملها الحنظب

و أما مثدن اليد بالثاء فإن بعض الناس قال نراه أخذه من الثندوة و هي أصل الثدي فشبه يده في قصرها و اجتماعها بذلك فإن كان من هذا فالقياس أن يقال مثند لأن النون قبل الدال في الثندوة إلا أن يكون من المقلوب فذاك كثير في كلامهم.و أما مخدع اليد فإنه القصير اليد أيضا أخذ من أخداج الناقة ولدها و هو أن تضعه لغير تمام في خلقه قال و قال الفراء إنما قيل ذو الثدية فأدخلت الهاء فيها و إنما هي تصغير ثدي و الثدي مذكر لأنها كأنها بقية ثدي قد ذهب أكثره فقللها كما تقول لحيمة و شحيمة فأنث على هذا التأويل قال و بعضهم يقول ذو اليدية قال أبو عبيد و لا أرى الأصل كان إلا هذا و لكن الأحاديث كلها تتابعت بالثاء ذو الثدية.و منها

قوله ع لقوم و هو يعاتبهم ما لكم لا تنظفون عذراتكم قال العذرة فناء الدار و إنما سميت تلك الحاجة عذرة لأنها بالأفنية كانت تلقى

١١٩

فكنى عنها بالعذرة كما كنى عنها بالغائط و إنما الغائط الأرض المطمئنة و قال الحطيئة يهجو قوما:

لعمري لقد جربتكم فوجدتكم

فباح الوجوه سيئ العذرات

و منها قوله ع لا جمعة و لا تشريق إلا في مصر جامع

قال أبو عبيد التشريق هاهنا صلاة العيد و سميت تشريقا لإضاءة وقتها فإن وقتها إشراق الشمس و صفاؤها و إضاءتها و في الحديث المرفوع من ذبح قبل التشريق فليعد أي قبل صلاة العيد.قال و كان أبو حنيفة يقول التشريق هاهنا هو التكبير في دبر الصلاة يقول لا تكبير إلا على أهل الأمصار تلك الأيام لا على المسافرين أو من هو في غير مصر.قال أبو عبيد و هذا كلام لم نجدا أحدا يعرفه إن التكبير يقال له التشريق و ليس يأخذ به أحد من أصحابه لا أبو يوسف و لا محمد كلهم يرى التكبير على المسلمين جميعا حيث كانوا في السفر و الحضر و في الأمصار و غيرها.و منها

قوله ع استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم و بينه فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع حمش الساقين قاعدا عليها و هي تقدم قال أبو عبيدة هكذا يروى أصعل و كلام العرب المعروف صعل و هو الصغير الرأس و كذا رءوس الحبشة و لهذا قيل للظليم صعل و قال عنترة يصف ظليما:

صعل يلوذ بذي العشيرة بيضه

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

١٢٠