كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة4%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38855 / تحميل: 6904
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قرب فبعد و بعد فقرب يجيب دعوة من يدعوه و يرزقه و يحبوه ذو لطف خفي و بطش قوي و رحمة موسعة و عقوبة موجعة رحمته جنة عريضة مونقة و عقوبته جحيم ممدودة موبقة و شهدت ببعث محمد رسوله و عبده و صفيه و نبيه و نجيه و حبيبه و خليله بعثه في خير عصر و حين فترة و كفر رحمة لعبيده و منة لمزيده ختم به نبوته و شيد به حجته فوعظ و نصح و بلغ و كدح رءوف بكل مؤمن رحيم سخي رضي ولي زكي عليه رحمة و تسليم و بركة و تكريم من رب غفور رحيم قريب مجيب وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربك و ذكرتكم بسنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم و خشية تذري دموعكم و تقية تنجيكم قبل يوم تبليكم و تذهلكم يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته و خف وزن سيئته و لتكن مسألتكم و تملقكم مسألة ذل و خضوع و شكر و خشوع بتوبة و تورع و ندم و رجوع و ليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه و شبيبته قبل هرمه و سعته قبل فقره و فرغته قبل شغله و حضره قبل سفره قبل تكبر و تهرم و تسقم يمله طبيبه و يعرض عنه حبيبه و ينقطع غمده و يتغير عقله ثم قيل هو موعوك و جسمه منهوك ثم جد في نزع شديد و حضره كل قريب و بعيد فشخص بصره و طمح نظره و رشح جبينه و عطف عرينه و سكن حنينه و حزنته نفسه و بكته عرسه و حفر رمسه و يتم منه ولده و تفرق منه عدده و قسم جمعه و ذهب بصره و سمعه و مدد و جرد و عري و غسل و نشف و سجي و بسط له و هيئ و نشر عليه كفنه و شد منه ذقنه و قمص و عمم و ودع و سلم و حمل فوق سرير و صلي عليه بتكبير و نقل من دور مزخرفة و قصور مشيدة و حجر منجدة و جعل في ضريح ملحود

١٤١

و ضيق مرصود بلبن منضود مسقف بجلمود و هيل عليه حفره و حثي عليه مدره و تحقق حذره و نسي خبره و رجع عنه وليه و صفيه و نديمه و نسيبه و تبدل به قرينه و حبيبه فهو حشو قبر و رهين قفر يسعى بجسمه دود قبره و يسيل صديده من منخره يسحق تربه لحمه و ينشف دمه و يرم عظمه حتى يوم حشره فنشر من قبره حين ينفخ في صور و يدعى بحشر و نشور فثم بعثرت قبور و حصلت سريرة صدور و جي‏ء بكل نبي و صديق و شهيد و توحد للفصل قدير بعبده خبير بصير فكم من زفرة تضنيه و حسرة تنضيه في موقف مهول و مشهد جليل بين يدي ملك عظيم و بكل صغير و كبير عليم فحينئذ يلجمه عرقه و يحصره قلقه عبرته غير مرحومة و صرخته غير مسموعة و حجته غير مقولة زالت جريدته و نشرت صحيفته نظر في سوء عمله و شهدت عليه عينه بنظره و يده ببطشه و رجله بخطوه و فرجه بلمسه و جلده بمسه فسلسل جيده و غلت يده و سيق فسحب وحده فورد جهنم بكرب و شدة فظل يعذب في جحيم و يسقى شربة من حميم تشوي وجهه و تسلخ جلده و تضربه زبنية بمقمع من حديد و يعود جلده بعد نضجه كجلد جديد يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنم و يستصرخ فيلبث حقبة يندم.نعوذ برب قدير من شر كل مصير و نسأله عفو من رضي عنه و مغفرة من قبله فهو ولي مسألتي و منجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه و خلد في قصور مشيدة و ملك بحور عين و حفدة و طيف عليه بكئوس أسكن في حظيرة قدوس و تقلب في نعيم و سقي من تسنيم و شرب من عين سلسبيل و مزج له بزنجبيل مختم بمسك و عبير مستديم للملك مستشعر للسرر يشرب من خمور في روض مغدق ليس يصدع من شربه و ليس ينزف.

١٤٢

هذه منزلة من خشي ربه و حذر نفسه معصيته و تلك عقوبة من جحد مشيئته و سولت له نفسه معصيته فهو قول فصل و حكم عدل و خبر قصص قص و وعظ نص( تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة عذت برب عليم رحيم كريم من شر كل عدو لعين رجيم فليتضرع متضرعكم و ليبتهل مبتهلكم و ليستغفر كل مربوب منكم لي و لكم و حسبي ربي وحده فصيلة الرجل رهطه الأدنون و كدح سعى سعيا فيه تعب و فرغته الواحدة من الفراغ تقول فرغت فرغة كقولك ضربت ضربة و سجى الميت بسط عليه رداء و نشر الميت من قبره بفتح النون و الشين و أنشره الله تعالى.و بعثرت قبور انتثرت و نبشت.قوله و سيق بسحب وحده لأنه إذا كان معه غيره كان كالمتأسي بغيره فكان أخف لألمه و عذابه و إذا كان وحده كان أشد ألما و أهول و روي فسيق يسحب وحده و هذا أقرب إلى تناسب الفقرتين و ذاك أفخم معنى.و زبنية على وزن عفرية واحد الزبانية و هم عند العرب الشرط و سمي بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها كما يفعل الشرط في الدنيا و من أهل اللغة من يجعل واحد الزبانية زباني و قال بعضهم زابن و منهم من قال هو جمع لا واحد له نحو أبابيل و عباديد و أصل الزبن في اللغة الدفع و منه ناقة زبون تضرب حالبها و تدفعه.

١٤٣

و تقول ملك زيد بفلانة بغير ألف و الباء هاهنا زائدة كما زيدت في كَفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً و إنما حكمنا بزيادتها لأن العرب تقول ملكت أنا فلانة أي تزوجتها و أملكت فلانة بزيد أي زوجتها به فلما جاءت الباء هاهنا و لم يكن بد من إثبات الألف لأجل مجيئها جعلناها زائدة و صار تقديره و ملك حورا عينا.و قال المفسرون في تسنيم إنه اسم ماء في الجنة سمي بذلك لأنه يجري من فوق الغرف و القصور.و قالوا في سلسبيل إنه اسم عين في الجنة ليس ينزف و لا يخمر كما يخمر شارب الخمر في الدنيا.انقضى هذا الفصل ثم رجعنا إلى سنن الغرض الأول

١٤٤

٢٦٧

وَ قَالَ ع لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَى اَلْأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مَاشِياً حَتَّى أَتَى اَلنُّخَيْلَةَ وَ أَدْرَكَهُ اَلنَّاسُ وَ قَالُوا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ فَقَالَ ع وَ اَللَّهِ مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ إِنْ كَانَتِ اَلرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا وَ إِنَّنِي فَإِنِّي اَلْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي كَأَنَّنِي اَلْمَقُودُ وَ هُمُ اَلْقَادَةُ أَوِ اَلْمَوْزُوعُ وَ هُمُ اَلْوَزَعَةُ قال فلما قال هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما( إني لا أملك إلا نفسي و أخي ) فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين ننفذ فقال و أين تقعان مما أريد السنن الطريقة يقال تنح عن السنن أي عن وجه الطريق و النخيلة بظاهر الكوفة و روي ما تكفوني بحذف النون و الحيف الظلم و الوزعة جمع وازع و هو الدافع الكاف.و معنى قوله ما تكفونني أنفسكم أي أفعالكم رديئة قبيحة تحتاج إلى جند غيركم

١٤٥

أستعين بهم على تثقيفكم و تهذيبكم فمن هذه حاله كيف أثقف به غيره و أهذب به سواه.و إن كانت الرعايا إن هاهنا مخففة من الثقيلة و لذلك دخلت اللام في جوابها و قد تقدم ذكرنا هذين الرجلين و إن أحدهما قال يا أمير المؤمنين أقول لك ما قاله العبد الصالح( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَ أَخِي ) فشكر لهما و قال و أين تقعان مما أريد

١٤٦

٢٦٨

وَ قِيلَ إِنَّ اَلْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ ع فَقَالَ لَهُ أَ تَرَانِي أَظُنُّ أَنَّ أَصْحَابَ اَلْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلاَلَةٍ فَقَالَ ع يَا حَارِثُ حَارِ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ اَلْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ أَهْلَهُ وَ لَمْ تَعْرِفِ اَلْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ فَقَالَ اَلْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعْدِ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ ع إِنَّ سَعْداً سَعِيداً وَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا اَلْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلاَ اَلْبَاطِلَ اللفظة التي وردت قبل أحسن من هذه اللفظة و هي أولئك قوم خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل و تلك كانت حالهم فإنهم خذلوا عليا و لم ينصروا معاوية و لا أصحاب الجمل.فأما هذه اللفظة ففيها إشكال لأن سعدا و عبد الله لعمري إنهما لم ينصرا الحق و هو جانب علي ع لكنهما خذلا الباطل و هو جانب معاوية و أصحاب الجمل فإنهم لم ينصروهم في حرب قط لا بأنفسهم و لا بأموالهم و لا بأولادهم فينبغي

١٤٧

أن نتأول كلامه فنقول إنه ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة في الحرب بل يعني بالخذلان هاهنا كل ما أثر في محق الباطل و إزالته قال الشاعر يصف فرسا:

و هو كالدلو بكف المستقي

خذلت عنه العراقي فانجذم

أي باينته العراقي فلما كان كل مؤثر في إزالة شي‏ء مباينا له نقل اللفظ بالاشتراك في الأمر العام إليه و لما كان سعد و عبد الله لم يقوما خطيبين في الناس يعلمانهم باطل معاوية و أصحاب الجمل و لم يكشفا اللبس و الشبهة الداخلة على الناس في حرب هذين الفريقين و لم يوضحا وجوب طاعة علي ع فيرد الناس عن اتباع صاحب الجمل و أهل الشام صدق عليهما أنهما لم يخذلا الباطل و يمكن أن يتأول على وجه آخر و ذلك أنه قد جاء خذلت الوحشية إذا قامت على ولدها فيكون معنى قوله و لم يخذلا الباطل أي لم يقيما عليه و ينصراه فترجع هذه اللفظة إلى اللفظة الأولى و هي قوله أولئك قوم خذلوا الحق و لم ينصروا الباطل.و الحارث بن حوط بالحاء المهملة و يقال إن الموجود في خط الرضي ابن خوط بالخاء المعجمة المضمومة

١٤٨

٢٦٩

وَ قَالَ ع صَاحِبُ اَلسُّلْطَانِ كَرَاكِبِ اَلْأَسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ

نبذ مما قيل في السلطان

قد جاء في صحبة السلطان أمثال حكمية مستحسنة تناسب هذا المعنى أو تجري مجراه في شرح حال السلطان نحو قولهم صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس و هو لمركوبه أهيب.و كان يقال إذا صحبت السلطان فلتكن مداراتك له مداراة المرأة القبيحة لبعلها المبغض لها فإنها لا تدع التصنع له على حال.قيل للعتابي لم لا تقصد الأمير قال لأني أراه يعطي واحدا لغير حسنة و لا يد و يقتل آخر بلا سيئة و لا ذنب و لست أدري أي الرجلين أكون و لا أرجو منه مقدار ما أخاطر به.و كان يقال العاقل من طلب السلامة من عمل السلطان لأنه إن عف جنى عليه العفاف عداوة الخاصة و إن بسط يده جنى عليه البسط ألسنة الرعية.و كان سعيد بن حميد يقول عمل السلطان كالحمام الخارج يؤثر الدخول و الداخل يؤثر الخروج.ابن المقفع إقبال السلطان على أصحابه تعب و إعراضه عنهم مذلة.

١٤٩

و قال آخر السلطان إن أرضيته أتعبك و إن أغضبته أعطبك.و كان يقال إذا كنت مع السلطان فكن حذرا منه عند تقريبه كاتما لسره إذا استسرك و أمينا على ما ائتمنك تشكر له و لا تكلفه الشكر لك و تعلمه و كأنك تتعلم منه و تؤدبه و كأنه يؤدبك بصيرا بهواه مؤثرا لمنفعته ذليلا إن ضامك راضيا إن أعطاك قانعا إن حرمك و إلا فابعد منه كل البعد.و قيل لبعض من يخدم السلطان لا تصحبهم فإن مثلهم مثل قدر التنور كلما مسه الإنسان اسود منه فقال إن كان خارج تلك القدر أسود فداخلها أبيض.و كان يقال أفضل ما عوشر به الملوك قلة الخلاف و تخفيف المئونة.و كان يقال لا يقدر على صحبة السلطان إلا من يستقل بما حملوه و لا يلحف إذا سألهم و لا يغتر بهم إذا رضوا عنه و لا يتغير لهم إذا سخطوا عليه و لا يطغى إذا سلطوه و لا يبطر إذا أكرموه.و كان يقال إذا جعلك السلطان أخا فاجعله ربا و إن زادك فزده.و قال أبو حازم للسلطان كحل يكحل به من يوليه فلا يبصر حتى يعزل.و كان يقال لا ينبغي لصاحب السلطان أن يبتدئه بالمسألة عن حاله فإن ذلك من كلام النوكى و إذا أردت أن تقول كيف أصبح الأمير فقل صبح الله الأمير بالكرامة و إن أردت أن تقول كيف يجد الأمير نفسه فقل وهب الله الأمير العافية و نحو هذا فإن المسألة توجب الجواب فإن لم يجبك اشتد عليك و إن أجابك اشتد عليه.و كان يقال صحبة الملوك بغير أدب كركوب الفلاة بغير ماء.

١٥٠

و كان يقال ينبغي لمن صحب السلطان أن يستعد للعذر عن ذنب لم يجنه و أن يكون آنس ما يكون به أوحش ما يكون منه.و كان يقال شدة الانقباض من السلطان تورث التهمة و سهولة الانبساط إليه تورث الملالة.و كان يقال اصحب السلطان بإعمال الحذر و رفض الدالة و الاجتهاد في النصيحة و ليكن رأس مالك عنده ثلاث الرضا و الصبر و الصدق.و اعلم أن لكل شي‏ء حدا فما جاوزه كان سرفا و ما قصر عنه كان عجزا فلا تبلغ بك نصيحة السلطان أن تعادي حاشيته و خاصته و أهله فإن ذلك ليس من حقه عليك و ليكن أقضى لحقه عنك و أدعى لاستمرار السلامة لك أن تستصلح أولئك جهدك فإنك إذا فعلت ذلك شكرت نعمته و أمنت سطوته و قللت عدوك عنده و إذا جاريت عند السلطان كفؤا من أكفائك فلتكن مجاراتك و مباراتك إياه بالحجة و إن عضهك و بالرفق و إن خرف بك و احذر أن يستحلك فتحمى فإن الغضب يعمي عن الفرصة و يقطع عن الحجة و يظهر عليك الخصم و لا تتوردن على السلطان بالدالة و إن كان أخاك و لا بالحجة و إن وثقت أنها لك و لا بالنصيحة و إن كانت له دونك فإن السلطان يعرض له ثلاث دون ثلاث القدرة دون الكرم و الحمية دون النصفة و اللجاج دون الحظ

١٥١

٢٧٠

وَ قَالَ ع أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ أكثر ما في هذه الدنيا يقع على سبيل القرض و المكافأة فقد رأينا عيانا من ظلم الناس فظلم عقبه و ولده و رأينا من قتل الناس فقتل عقبه و ولده و رأينا من أخرب دورا فأخربت داره و رأينا من أحسن إلى أعقاب أهل النعم فأحسن الله إلى عقبه و ولده.و قرأت في تاريخ أحمد بن طاهر أن الرشيد أرسل إلى يحيى بن خالد و هو في محبسه يقرعه بذنوبه و يقول له كيف رأيت أ لم أخرب دارك أ لم أقتل ولدك جعفرا أ لم أنهب مالك فقال يحيى للرسول قل له أما إخرابك داري فستخرب دارك و أما قتلك ولدي جعفر فسيقتل ولدك محمد و أما نهبك مالي فسينهب مالك و خزانتك فلما عاد الرسول إليه بالجواب وجم طويلا و حزن و قال و الله ليكونن ما قال فإنه لم يقل لي شيئا قط إلا و كان كما قال فأخربت داره و هي الخلد في حصار بغداد و قتل ولده محمد و نهب ماله و خزانته نهبها طاهر بن الحسين

١٥٢

٢٧١

وَ قَالَ ع إِنَّ كَلاَمَ اَلْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَ إِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً كل كلام يقلد المتكلم به لحسن عقيدة الناس فيه نحو كلام الحكماء و كلام الفضلاء و العلماء من الناس إذا كان صوابا كان دواء و إذا كان خطأ كان داء لأن الناس يحذون حذو المتكلم به و يقلدونه فيما يتضمنه ذلك الكلام من الآداب و الأوامر و النواهي فإذا كان حقا أفلحوا و حصل لهم الثواب و اتباع الحق و كانوا كالدواء المبرئ للسقم و إذا كان ذلك الكلام خطأ و اتبعوه خسروا و لم يفلحوا فكان بمنزلة الداء و المرض

١٥٣

٢٧٢

وَ قَالَ ع حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُعَرِّفَهُ مَا اَلْإِيمَانُ فَقَالَ ع إِذَا كَانَ غَدٌ فَأْتِنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ اَلنَّاسِ فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي حَفِظَهَا عَلَيْكَ غَيْرُكَ فَإِنَّ اَلْكَلاَمَ كَالشَّارِدَةِ يَنْقُفُهَا يَثْقَفُهَا هَذَا وَ يُخْطِئُهَا هَذَا قال و قد ذكرنا ما أجابه به ع فيما تقدم من هذا الباب و هو قوله الإيمان على أربع شعب يقول إذ كان غد فأتني فتكون كان هاهنا تامة أي إذا حدث و وجد و تقول إذا كان غدا فأتني فيكون النصب باعتبار آخر أي إذا كان الزمان غدا أي موصوفا بأنه من الغد و من النحويين من يقدره إذا كان الكون غدا لأن الفعل يدل على المصدر و الكون هو التجدد و الحدوث.و قائل هذا القول يرجحه على القول الآخر لأن الفاعل عندهم لا يحذف إلا إذا كان في الكلام دليل عليه.و يثقفها يجدها ثقفت كذا بالكسر أي وجدته و صادفته و الشاردة الضالة

١٥٤

٢٧٣

يَا اِبْنَ آدَمَ لاَ تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ اَلَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ اَلَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ يَكُنْ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اَللَّهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ قد تقدم هذا الفصل بتمامه و اعلم أن كل ما ادخرته مما هو فاضل عن قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك.و خلاصة هذا الفصل النهي عن الحرص على الدنيا و الاهتمام لها و إعلام الناس أن الله تعالى قد قسم الرزق لكل حي من خلقه فلو لم يتكلف الإنسان فيه لأتاه رزقه من حيث لا يحتسب.و في المثل يا رزاق البغاث في عشه و إذا نظر الإنسان إلى الدودة المكنونة داخل الصخرة كيف ترزق علم أن صانع العالم قد تكفل لكل ذي حياة بمادة تقيم حياته إلى انقضاء عمره

١٥٥

٢٧٤

وَ قَالَ ع أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا الهون بالفتح التأني و البغيض المبغض و خلاصة هذه الكلمة النهي عن الإسراف في المودة و البغضة فربما انقلب من تود فصار عدوا و ربما انقلب من تعاديه فصار صديقا.و قد تقدم القول في ذلك على أتم ما يكون و قال بعض الحكماء توق الإفراط في المحبة فإن الإفراط فيها داع إلى التقصير منها و لأن تكون الحال بينك و بين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية.و من كلام عمر لا يكن حبك كلفا و لا بغضك تلفا.و قال الشاعر

و أحبب إذا أحببت حبا مقاربا

فإنك لا تدري متى أنت نازع

و أبغض إذا أبغضت غير مباين

فإنك لا تدري متى أنت راجع

و قال عدي بن زيد:

و لا تأمنن من مبغض قرب داره

و لا من محب أن يمل فيبعدا

١٥٦

٢٧٥

وَ قَالَ ع اَلنَّاسُ فِي اَلدُّنْيَا عَامِلاَنِ عَامِلٌ عَمِلَ فِي اَلدُّنْيَا لِلدُّنْيَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ يَخْشَى عَلَى مَنْ يَخْلُفُهُ يُخَلِّفُ اَلْفَقْرَ وَ يَأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُفْنِي عُمُرَهُ فِي مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ وَ عَامِلٌ عَمِلَ فِي اَلدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَهُ اَلَّذِي لَهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بِغَيْرِ عَمَلٍ فَأَحْرَزَ اَلْحَظَّيْنِ مَعاً وَ مَلَكَ اَلدَّارَيْنِ جَمِيعاً فَأَصْبَحَ وَجِيهاً عِنْدَ اَللَّهِ لاَ يَسْأَلُ اَللَّهَ حَاجَةً فَيَمْنَعُهُ فَيَمْنَعَهُ معنى قوله و يأمنه على نفسه أي و لا يبالي أن يكون هو فقيرا لأنه يعيش عيش الفقراء و إن كان ذا مال لكنه يدخر المال لولده فيفني عمره في منفعة غيره.و يجوز أن يكون معناه أنه لكثرة ماله قد أمن الفقر على نفسه ما دام حيا و لكنه لا يأمن الفقر على ولده لأنه لا يثق من ولده بحسن الاكتساب كما وثق من نفسه فلا يزال في الاكتساب و الازدياد منه لمنفعة ولده الذي يخاف عليه الفقر بعد موته.فأما العامل في الدنيا لما بعدها فهم أصحاب العبادة يأتيهم رزقهم بغير اكتساب و لا كد و قد حصلت لهم الآخرة فقد حصل لهم الحظان جميعا

١٥٧

٢٧٦

وَ رُوِيَ : أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ فِي أَيَّامِهِ حَلْيُ اَلْكَعْبَةِ وَ كَثْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ لَوْ أَخَذْتَهُ فَجَهَّزْتَ بِهِ جُيُوشَ اَلْمُسْلِمِينَ كَانَ أَعْظَمَ لِلْأَجْرِ وَ مَا تَصْنَعُ اَلْكَعْبَةُ بِالْحَلْيِ فَهَمَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَ سَأَلَ عَنْهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا اَلْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى اَلنَّبِيِّ ص مُحَمَّدٍ ص وَ اَلْأَمْوَالُ أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ اَلْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ اَلْوَرَثَةِ فِي اَلْفَرَائِضِ وَ اَلْفَيْ‏ءُ فَقَسَّمَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ وَ اَلْخُمُسُ اَلْخُمْسُ فَوَضَعَهُ اَللَّهُ حَيْثُ وَضَعَهُ وَ اَلصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اَللَّهُ حَيْثُ جَعَلَهَا وَ كَانَ حَلْيُ اَلْكَعْبَةِ فِيهَا يَوْمَئِذٍ فَتَرَكَهُ اَللَّهُ عَلَى حَالِهِ وَ لَمْ يَتْرُكْهُ نِسْيَاناً وَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ عَنْهُ مَكَاناً فَأَقِرَّهُ حَيْثُ أَقَرَّهُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْلاَكَ لاَفْتَضَحْنَا وَ تَرَكَ اَلْحَلْيَ بِحَالِهِ هذا استدلال صحيح و يمكن أن يورد على وجهين أحدهما أن يقال أصل الأشياء الحظر و التحريم كما هو مذهب كثير من أصحابنا البغداديين فلا يجوز التصرف في شي‏ء من الأموال و المنافع إلا بإذن شرعي و لم يوجد إذن شرعي في حلي الكعبة فبقينا فيه على حكم الأصل.و الوجه الثاني أن يقال حلي الكعبة مال مختص بالكعبة هو جار مجرى ستور الكعبة و مجرى باب الكعبة فكما لا يجوز التصرف في ستور الكعبة و بابها

١٥٨

إلا بنص فكذلك حلي الكعبة و الجامع بينهما الاختصاص الجاعل كل واحد من ذلك كالجزء من الكعبة فعلى هذا الوجه ينبغي أن يكون الاستدلال.و يجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع عليه و إلا يحمل على ظاهره لأن لمعترض أن يعترض استدلاله إذا حمل على ظاهره بأن يقول الأموال الأربعة التي عددها إنما قسمها الله تعالى حيث قسمها لأنها أموال متكررة بتكرر الأوقات على مر الزمان يذهب الموجود منها و يخلفه غيره فكان الاعتناء بها أكثر و الاهتمام بوجوه متصرفها أشد لأن حاجات الفقراء و المساكين و أمثالهم من ذوي الاستحقاق كثيرة و متجددة بتجدد الأوقات و ليس كذلك حلي الكعبة لأنه مال واحد باق غير متكرر و أيضا فهو شي‏ء قليل يسير ليس مثله مما يقال ينبغي أن يكون الشارع قد تعرض لوجوه مصرفه حيث تعرض لوجوه مصرف الأموال فافترق الموضعان

١٥٩

٢٧٧

رُوِيَ : أَنَّهُ ع رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ سَرَقَا مِنْ مَالِ اَللَّهِ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ وَ اَلآْخَرُ مِنْ عُرُوضِ عُرْضِ اَلنَّاسِ فَقَالَ ع أَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اَللَّهِ فَلاَ وَ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ مَالُ اَللَّهِ أَكَلَ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَمَّا اَلآْخَرُ فَعَلَيْهِ اَلْحَدُّ اَلشَّدِيدُ فَقَطَعَ يَدَهُ هذا مذهب الشيعة أن عبد المغنم إذا سرق من المغنم لم يقطع فأما العبد الغريب إذا سرق من المغنم فإنه يقطع إذا كان ما سرقه زائدا عما يستحقه من الغنيمة بمقدار النصاب الذي يجب فيه القطع و هو ربع دينار و كذلك الحر إذا سرق من المغنم حكمه هذا الحكم بعينه فوجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين على أن العبد المقطوع قد كان سرق من المغنم ما هو أزيد من حقه من الغنيمة بمقدار النصاب المذكور أو أكثر.فأما الفقهاء فإنهم لا يوجبون القطع على من سرق من مال الغنيمة قبل قسمتها سواء كان ما سرقه أكثر من حقه أو لم يكن لأن مخالطة حقه و ممازجته للمسروق شبهة في الجملة تمنع من وجوب القطع هذا إن كان له حق في الغنيمة بأن يكون شهد القتال بإذن سيده فإن لم يكن ذلك و كان لسيده فيها حق لم يقطع أيضا لأن حصة سيده المشاعة شبهة تمنع من قطعه فإن لم يشهد القتال و لا شهده سيده و سرق من الغنيمة قبل القسمة ما يجب في مثله القطع وجب عليه القطع

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430