كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37353
تحميل: 5844


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37353 / تحميل: 5844
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

293

وَ قَالَ ع وَ قَدْ وَ سُئِلَ عَنِ اَلْقَدَرِ فَقَالَ طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلاَ تَسْلُكُوهُ ثُمَّ سُئِلَ ثَانِياً فَقَالَ وَ بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ ثُمَّ سُئِلَ ثَالِثاً فَقَالَ وَ سِرُّ اَللَّهِ فَلاَ تَتَكَلَّفُوهُ قد جاء

في الخبر المرفوع القدر سر الله في الأرض و روي سر الله في عباده و المراد نهي المستضعفين عن الخوض في إرادة الكائنات و في خلق أعمال العباد فإنه ربما أفضى بهم القول بالجبر لما في ذلك من الغموض و ذلك أن العامي إذا سمع قول القائل كيف يجوز أن يقع في عالمه ما يكرهه و كيف يجوز أن تغلب إرادة المخلوق إرادة الخالق.و يقول أيضا إذا علم في القدم أن زيدا يكفر فكيف لزيد أن لا يكفر و هل يمكن أن يقع خلاف ما علمه الله تعالى في القدم اشتبه عليه الأمر و صار شبهة في نفسه و قوي في ظنه مذهب المجبرة فنهى ع هؤلاء عن الخوض في هذا النحو من البحث و لم ينه غيرهم من ذوي العقول الكاملة و الرياضة القوية و الملكة التامة و من له قدرة على حل الشبه و التفصي عن المشكلات.فإن قلت فإنكم تقولون إن العامي و المستضعف يجب عليهما النظر قلت نعم إلا أنه لا بد لهما من موقف بعد أعمالها ما ينتهي إليه جهدهما من النظر بحيث يرشدهما إلى الصواب و النهي إنما هو لمن يستبد من ضعفاء العامة بنفسه في النظر و لا يبحث مع غيره ليرشده

١٨١

294

إِذَا أَرْذَلَ اَللَّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ اَلْعِلْمَ أرذله جعله رذلا و كان يقال من علامة بغض الله تعالى للعبد أن يبغض إليه العلم.و قال الشاعر:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي

و قال لأن حفظ العلم فضل

و فضل الله لا يؤتيه عاصي

و قال رجل لحكيم ما خير الأشياء لي قال أن تكون عالما قال فإن لم أكن قال أن تكون مثريا قال فإن لم أكن قال أن تكون شاريا قال فإن لم أكن قال فأن تكون ميتا.أخذ هذا المعنى بعض المحدثين فقال:

إذا فاتك العلم جد بالقرى

و إن فاتك المال سد بالقراع

فإن فات هذا و هذا و ذاك

فمت فحياتك شر المتاع

و قال أيضا في المعنى بعينه:

و لو لا الحجا و القرى و القراع

لما فضل الآخر الأولا

ثلاث متى يخل منها الفتى

يكن كالبهيمة أو أرذلا

١٨٢

295

وَ قَالَ ع : كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اَللَّهِ وَ كَانَ يُعَظِّمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ اَلدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي يَتَشَهَّى مَا لاَ يَجِدُ وَ لاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ اَلْقَائِلِينَ وَ نَقَعَ غَلِيلَ اَلسَّائِلِينَ وَ كَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ اَلْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ لَيْثٌ عَادٍ وَ صِلُّ وَادٍ لاَ يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً وَ كَانَ لاَ يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا لاَ يَجِدُ اَلْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اِعْتِذَارَهُ وَ كَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ بُرْئِهِ وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ وَ لاَ يَقُولُ مَا لاَ يَفْعَلُ وَ كَانَ إِذَا إِنْ غُلِبَ عَلَى اَلْكَلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى اَلسُّكُوتِ وَ كَانَ عَلَى أَنْ يَسْمَعَ مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ وَ كَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ نَظَرَ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى اَلْهَوَى فَخَالَفَهُ فَيُخَالِفُهُ فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ اَلْخَلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ اَلْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ اَلْكَثِيرِ قد اختلف الناس في المعني بهذا الكلام و من هو هذا الأخ المشار إليه فقال قوم هو رسول الله ص و استبعده قوم لقوله و كان ضعيفا مستضعفا فإن النبي ص لا يقال في صفاته مثل هذه الكلمة

١٨٣

و إن أمكن تأويلها على لين كلامه و سماحة أخلاقه إلا أنها غير لائقة به ع.و قال قوم هو أبو ذر الغفاري و استبعده قوم لقوله فإن جاء الجد فهو ليث عاد و صل واد فإن أبا ذر لم يكن من الموصوفين بالشجاعة و المعروفين بالبسالة.و قال قوم هو المقداد بن عمرو المعروف بالمقداد بن الأسود و كان من شيعة علي ع المخلصين و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقة و قد ورد في فضله حديث صحيح مرفوع.و قال قوم أنه ليس بإشارة إلى أخ معين و لكنه كلام خارج مخرج المثل و عادة العرب جارية بمثل ذلك مثل قولهم في الشعر فقلت لصاحبي و يا صاحبي و هذا عندي أقوى الوجوه

نبذ من الأقوال الحكمية في حمد القناعة و قلة الأكل

و قد مضى القول في صغر الدنيا في عين أهل التحقيق فأما سلطان البطن و مدح الإنسان بأنه لا يكثر من الأكل إذا وجد أكلا و لا يشتهي من الأكل ما لا يجده فقد قال الناس فيه فأكثروا.قال أعشى باهلة يرثي المنتشر بن وهب:

طاوي المصير على العزاء منصلت

بالقوم ليلة لا ماء و لا شجر

تكفيه فلذة لحم إن ألم بها

من الشواء و يروي شربه الغمر

و لا يباري لما في القدر يرقبه

و لا تراه أمام القوم يفتقر

١٨٤

لا يغمز الساق من أين و لا وصب

و لا يعض على شرسوفه الصفر

و قال الشنفري:

و أطوي على الخمص الحوايا كما انطوت

خيوطة ماري تغار و تفتل

و إن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

و ما ذاك إلا بسطة عن تفضل

عليهم و كان الأفضل المتفضل

و قال بعضهم لابنه يا بني عود نفسك الأثرة و مجاهدة الهوى و الشهوة و لا تنهش نهش السباع و لا تقضم قضم البراذين و لا تدمن الأكل إدمان النعاج و لا تلقم لقم الجمال إن الله جعلك إنسانا فلا تجعل نفسك بهيمة و لا سبعا و احذر سرعة الكظة و داء البطنة فقد قال الحكيم إذا كنت بطنا فعد نفسك من الزمنى.و قال الأعشى

و البطنة يوما تسفه الأحلاما

و اعلم أن الشبع داعية البشم و البشم داعية السقم و السقم داعية الموت و من مات هذه الميتة فقد مات موتة لئيمة و هو مع هذا قاتل نفسه و قاتل نفسه ألوم من قاتل غيره يا بني و الله ما أدى حق السجود و الركوع ذو كظة و لا خشع لله ذو بطنة و الصوم مصحة و لربما طالت أعمار الهند و صحت أبدان العرب و لله در الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم و أن الداء إدخال الطعام في أثر الطعام يا بني لم صفت أذهان الأعراب و صحت أذهان الرهبان مع طول الإقامة في الصوامع حتى لم تعرف وجع المفاصل و لا الأورام إلا لقلة الرزء و وقاحة الأكل و كيف لا ترغب في تدبير يجمع لك بين صحة البدن و ذكاء الذهن و صلاح المعاد

١٨٥

و القرب و عيش الملائكة يا بني لم صار الضب أطول شي‏ء ذماء إلا لأنه يتبلغ بالنسيم و لم زعم رسول الله ص أن الصوم وجاء إلا ليجعله حجابا دون الشهوات فافهم تأديب الله و رسوله فإنهما لا يقصدان إلا مثلك يا بني إني قد بلغت تسعين عاما ما نقص لي سن و لا انتشر لي عصب و لا عرفت دنين أنف و لا سيلان عين و لا تقطير بول ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة و إن كنت تريد الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم.و كان يقال البطنة تذهب الفطنة.و قال عمرو بن العاص لأصحابه يوم حكم الحكمان أكثروا لأبي موسى من الطعام الطيب فو الله ما بطن قوم قط إلا فقدوا عقولهم أو بعضها و ما مضى عزم رجل بات بطينا.و كان يقال أقلل طعاما تحمد مناما و دعا عبد الملك بن مروان رجلا إلى الغداء فقال ما في فضل فقال إني أحب الرجل يأكل حتى لا يكون فيه فضل فقال يا أمير المؤمنين عندي مستزاد و لكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.و كان يقال مسكين ابن آدم أسير الجوع صريع الشبع.و سأل عبد الملك أبا الزعيرعة فقال هل أتخمت قط قال لا قال و كيف قال لأنا إذا طبخنا أنضجنا و إذا مضغنا دققنا و لا نكظ المعدة و لا نخليها.و كان يقال من المروءة أن يترك الإنسان الطعام و هو بعد يشتهيه.و قال الشاعر:

فإن قراب البطن يكفيك ملؤه

و يكفيك سوآت الأمور اجتنابها

و قال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي كان عمي يقول لي لا تخرج يا بني من منزلك

١٨٦

حتى تأخذ حلمك يعني تتغذى فإذا أخذت حلمك فلا تزدد إليه حلما فإن الكثرة تئول إلى قلة و في الحديث المرفوع ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن بحسب الرجل من طعامه ما أقام صلبه و أما إذا أبيت فثلث طعام و ثلث شراب و ثلث نفس و روى حذيفة عن النبي ص من قل طعمه صح بطنه و صفا قلبه و من كثر طعمه سقم بطنه و قسا قلبه و عنه ص لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام و الشراب فإن القلب يموت بهما كالزرع يموت إذا أكثر عليه الماء و روى عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال أكلت يوما ثريدا و لحما سمينا ثم أتيت رسول الله و أنا أتجشأ فقال احبس جشأك أبا جحيفة إن أكثركم شبعا في الدنيا أكثركم جوعا في الآخرة قال فما أكل أبو جحيفة بعدها مل‏ء بطنه إلى أن قبضه الله و أكل علي ع قليلا من تمر دقل و شرب عليه ماء و أمر يده على بطنه و قال من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثم تمثل:

فإنك مهما تعط بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

و كان ع يفطر في رمضان الذي قتل فيه عند الحسن ليلة و عند الحسين ليلة و عند عبد الله بن جعفر ليلة لا يزيد على اللقمتين أو الثلاث فيقال له فيقول إنما هي ليال قلائل حتى يأتي أمر الله و أنا خميص البطن فضربه ابن ملجم لعنه الله تلك الليلة.و قال الحسن لقد أدركت أقواما ما يأكل أحدهم إلا في ناحية بطنه ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا كان يأكل فإذا قارب الشبع أمسك.و أنشد المبرد

١٨٧

فإن امتلاء البطن في حسب الفتى

قليل الغناء و هو في الجسم صالح

وقال عيسى ع يا بني إسرائيل لا تكثروا الأكل فإنه من أكثر من الأكل أكثر من النوم و من أكثر النوم أقل الصلاة و من أقل الصلاة كتب من الغافلين وقيل ليوسف ع ما لك لا تشبع و في يديك خزائن مصر قال إني إذا شبعت نسيت الجائعين.و قال الشاعر:

و أكلة أوقعت في الهلك صاحبها

كحبة القمح دقت عنق عصفور

لكسرة بجريش الملح آكلها

ألذ من تمرة تحشى بزنبور

و وصف لسابور ذي الأكتاف رجل من إصطخر للقضاء فاستقدمه فدعاه إلى الطعام فأخذ الملك دجاجة من بين يديه فنصفها و جعل نصفها بين يدي ذلك الرجل فأتى عليه قبل أن يفرغ الملك من أكل النصف الآخر فصرفه إلى بلده و قال إن سلفنا كانوا يقولون من شره إلى طعام الملك كان إلى أموال الرعية أشره.قيل لسميرة بن حبيب إن ابنك أكل طعاما فأتخم و كاد يموت فقال و الله لو مات منه ما صليت عليه

أنس يرفعه إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت.دخل عمر على عاصم ابنه و هو يأكل لحما فقال ما هذا قال قرمنا إليه قال أ و كلما قرمت إلى اللحم أكلته كفى بالمرء شرها أن يأكل كل ما يشتهي.

أبو سعيد يرفعه استعينوا بالله من الرعب قالوا هو الشره و يقال الرعب شؤم

أنس يرفعه أصل كل داء البردة قالوا هي التخمة و قال أبو دريد العرب تعير بكثرة الأكل و أنشد:

لست بأكال كأكل العبد

و لا بنوام كنوم الفهد

١٨٨

و قال الشاعر:

إذا لم أزر إلا لآكل أكلة

فلا رفعت كفي إلي طعامي

فما أكلة إن نلتها بغنيمة

و لا جوعة إن جعتها بغرام

ابن عباس كان رسول الله ص يبيت طاويا ليالي ما له و لأهله عشاء و كان عامة طعامه الشعير و قالت عائشة و الذي بعث محمدا بالحق ما كان لنا منخل و لا أكل رسول الله ص خبزا منخولا منذ بعثه الله إلى أن قبض قالوا فكيف كنتم تأكلون دقيق الشعير قالت كنا نقول أف أف

أنس ما أكل رسول الله ص رغيفا محورا إلى أن لقي ربه عزوجل

أبو هريرة ما شبع رسول الله ص و أهله ثلاثة أيام متوالية من خبز حنطة حتى فارق الدنيا و روى مسروق قال دخلت على عائشة و هي تبكي فقلت ما يبكيك قالت ما أشاء أن أبكي إلا بكيت مات رسول الله ص و لم يشبع من خبز البر في يوم مرتين ثم انهارت علينا الدنيا.حاتم الطائي:

و إني لأستحيي صحابي أن يروا

مكان يدي من جانب الزاد أقرعا

أقصر كفي أن تنال أكفهم

إذا نحن أهوينا و حاجاتنا معا

أبيت خميص البطن مضطمر الحشا

حياء أخاف الضيم أن أتضلعا

١٨٩

فإنك إن أعطيت نفسك سؤلها

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

فأما قوله ع كان لا يتشهى ما لا يجد فإنه قد نهى أن يتشهى الإنسان ما لا يجد و قالوا إنه دليل على سقوط المروءة.و قال الأحنف جنبوا مجالسنا ذكر تشهي الأطعمة و حديث النكاح.و قال الجاحظ جلسنا في دار فجعلنا نتشهى الأطعمة فقال واحد و أنا أشتهي سكباجا كثيرة الزعفران و قال آخر أنا أشتهي طباهجة ناشفة و قال آخر أنا أشتهي هريسة كثيرة الدارصيني و إلى جانبنا امرأة بيننا و بينها بئر الدار فضربت الحائط و قالت أنا حامل فأعطوني مل‏ء هذه الغضارة من طبيخكم فقال ثمامة جارتنا تشم رائحة الأماني

١٩٠

296

وَ قَالَ ع لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلاَّ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ قالت المعتزلة إنا لو قدرنا أن الوعيد السمعي لم يرد لما أخل ذلك بكون الواجب واجبا في العقل نحو العدل و الصدق و العلم و رد الوديعة هذا في جانب الإثبات و أما في جانب السلب فيجب في العقل ألا يظلم و ألا يكذب و ألا يجهل و ألا يخون الأمانة ثم اختلفوا فيما بينهم فقالت معتزلة بغداد ليس الثواب واجبا على الله تعالى بالعقل لأن الواجبات إنما تجب على المكلف لأن أداءها كالشكر لله تعالى و شكر المنعم واجب لأنه شكر منعم فلم يبق وجه يقتضي وجوب الثواب على الله سبحانه و هذا قريب من قول أمير المؤمنين ع.و قال البصريون بل الثواب واجب على الله تعالى عقلا كما يجب عليه العوض عن إيلام الحي لأن التكليف إلزام بما فيه مضرة كما أن الإيلام إنزال مضرة و الإلزام كالإنزال

١٩١

297

وَ قَالَ ع لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَ قَدْ عَزَّاهُ عَنِ اِبْنٍ لَهُ وَ قَدْ عَزَّى اَلْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ عَنِ اِبْنٍ لَهُ يَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى اِبْنِكَ فَقَدِ اِسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ مِنْكَ مِنْكَ ذَلِكَ اَلرَّحِمُ وَ إِنْ تَصْبِرْ فَفِي اَللَّهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ يَا أَشْعَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ اَلْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ اَلْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ يَا أَشْعَثُ اِبْنُكَ سَرَّكَ وَ هُوَ بَلاَءٌ وَ فِتْنَةٌ وَ حَزَنَكَ وَ هُوَ ثَوَابٌ وَ رَحْمَةٌ قد روي هذا الكلام عنه ع على وجوه مختلفة و روايات متنوعة هذا الوجه أحدها و أخذ أبو العتاهية ألفاظه ع فقال لمن يعزيه عن ولد:

و لا بد من جريان القضاء

إما مثابا و إما أثيما

و من كلامهم في التعازي إذا استأثر الله بشي‏ء فاله عنه و تنسب هذه الكلمة إلى عمر بن عبد العزيز.و ذكر أبو العباس في الكامل أن عقبة بن عياض بن تميم أحد بني عامر بن لؤي استشهد فعزى أباه معز فقال احتسبه و لا تجزع عليه فقد مات شهيدا فقال عياض أ تراني كنت أسر به و هو من زينة الحياة الدنيا و أساء به و هو من الباقيات الصالحات.

١٩٢

و هذا الكلام مأخوذ من كلام أمير المؤمنين ع.و من التعازي الجيدة قول القائل:

و من لم يزل غرضا للمنون

يتركه كل يوم عميدا

فإن هن أخطأنه مرة

فيوشك مخطئها أن يعودا

فبينا يحيد و أخطأنه

قصدن فأعجلنه أن يحيدا

و قال آخر:

هو الدهر قد جربته و عرفته

فصبرا على مكروهه و تجلدا

و ما الناس إلا سابق ثم لاحق

و فائت موت سوف يلحقه غدا

و قال آخر:

أينا قدمت صروف الليالي

فالذي أخرت سريع اللحاق

غدرات الأيام منتزعات

عنقينا من أنس هذا العناق

ابن نباتة السعدي:

نعلل بالدواء إذا مرضنا

و هل يشفي من الموت الدواء

و نختار الطبيب و هل طبيب

يؤخر ما يقدمه القضاء

و ما أنفاسنا إلا حساب

و ما حركاتنا إلا فناء

البحتري:

إن الرزية في الفقيد فإن هفا

جزع بلبك فالرزية فيكا

و متى وجدت الناس إلا تاركا

لحميمه في الترب أو متروكا

لو ينجلي لك ذخرها من نكبة

جلل لأضحكك الذي يبكيكا

١٩٣

و كتب بعضهم إلى صديق له مات ابنه كيف شكرك لله تعالى على ما أخذ من وديعته و عوض من مثوبته.و عزى عمر بن الخطاب أبا بكر عن طفل فقال عوضك الله منه ما عوضه منك فإن الطفل يعوض من أبويه الجنة.

و في الحديث المرفوع من عزى مصابا كان له مثل أجره.

و قال ع من كنوز السر كتمان المصائب و كتمان الأمراض و كتمان الصدقة و قال شاعر في رثاء ولده:

و سميته يحيى ليحيا و لم يكن

إلى رد أمر الله فيه سبيل

تخيرت فيه الفأل حين رزقته

و لم أدر أن الفأل فيه يفيل

و قال آخر:

و هون وجدي بعد فقدك أنني

إذا شئت لاقيت امرأ مات صاحبه

آخر:

و قد كنت أرجو لو تمليت عيشة

عليك الليالي مرها و انتقالها

فأما و قد أصبحت في قبضة الردى

فقل لليالي فلتصب من بدا لها

أخذه المتنبئ فقال:

قد كنت أشفق من دمعي على بصري

فاليوم كل عزيز بعدكم هانا

و مثله لغيره:

فراقك كنت أخشى فافترقنا

فمن فارقت بعدك لا أبالي

١٩٤

298

وَ قَالَ ع عِنْدَ وقُوُفِهِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اَللَّهِ ص سَاعَةَ دَفْنِهِ دُفِنَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِنَّ اَلصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلاَّ عَنْكَ وَ إِنَّ اَلْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلاَّ عَلَيْكَ وَ إِنَّ اَلْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَ إِنَّهُ قَبْلَكَ وَ بَعْدَكَ لَجَلَلٌ لَقَلِيلٌ قد أخذت هذا المعنى الشعراء فقال بعضهم:

أمست بجفني للدموع كلوم

حزنا عليك و في الخدود رسوم

و الصبر يحمد في المواطن كلها

إلا عليك فإنه مذموم

و قال أبو تمام:

و قد كان يدعى لابس الصبر حازما

فقد صار يدعى حازما حين يجزع

و قال أبو الطيب:

أجد الجفاء على سواك مروءة

و الصبر إلا في نواك جميلا

و قال أبو تمام أيضا:

الصبر أجمل غير أن تلذذا

في الحب أولى أن يكون جميلا

١٩٥

و قالت خنساء أخت عمرو بن الشريد:

أ لا يا صخر إن أبكيت عيني

لقد أضحكتني دهرا طويلا

بكيتك في نساء معولات

و كنت أحق من أبدى العويلا

دفعت بك الجليل و أنت حي

فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل

رأيت بكاءك الحسن الجميلا

و مثل قوله ع و إنه بعدك لقليل يعني المصاب أي لا مبالاة بالمصائب بعد المصيبة بك قول بعضهم:

قد قلت للموت حين نازله

و الموت مقدامة على البهم

اذهب بمن شئت إذ ظفرت به

ما بعد يحيى للموت من ألم

و قال الشمردل اليروعي يرثي أخاه:

إذا ما أتى يوم من الدهر بيننا

فحياك عنا شرقه و أصائله

أبى الصبر أن العين بعدك لم تزل

يحالف جفنيها قذى ما تزايله

و كنت أعير الدمع قبلك من بكى

فأنت على من مات بعدك شاغله

أ عيني إذ أبكاكما الدهر فابكيا

لمن نصره قد بان عنا و نائله

و كنت به أغشى القتال فعزني

عليه من المقدار من لا أقاتله

لعمرك إن الموت منا لمولع

بمن كان يرجى نفعه و فواضله

قوله فأنت على من مات بعدك شاغله هو المعنى الذي نحن فيه و ذكرنا سائر الأبيات لأنها فائقة بعيدة النظير.

١٩٦

و قال آخر يرثي رجلا اسمه جارية:

أ جاري ما أزداد إلا صبابة

عليك و ما تزداد إلا تنائيا

أ جاري لو نفس فدت نفس ميت

فديتك مسرورا بنفسي و ماليا

و قد كنت أرجو أن أراك حقيقة

فحال قضاء الله دون قضائيا

ألا فليمت من شاء بعدك إنما

عليك من الأقدار كان حذاريا

و من الشعر المنسوب إلى علي ع و يقال إنه قاله يوم مات رسول الله ص:

كنت السواد لناظري

فبكى عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت أحاذر

و من شعر الحماسة:

سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض

فحسبك مني ما تجن الجوانح

كأن لم يمت حي سواك و لم تقم

على أحد إلا عليك النوائح

لئن حسنت فيك المراثي بوصفها

لقد حسنت من قبل فيك المدائح

فما أنا من رزء و إن جل جازع

و لا بسرور بعد موتك فارح

١٩٧

299

وَ قَالَ ع لاَ تَصْحَبِ اَلْمَائِقَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ وَ يَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ المائق الشديد الحمق و الموق شدة الحمق و إنما يزين لك فعله لأنه يعتقد فعله صوابا بحمقه فيزينه لك كما يزين العاقل لصاحبه فعله لاعتقاد كونه صوابا و لكن هذا صواب في نفس الأمر و ذلك صواب في اعتقاد المائق لا في نفس الأمر و أما كونه يود أن تكون مثله فليس معناه أنه يود أن تكون أحمق مثله و كيف و هو لا يعلم من نفسه أنه أحمق و لو علم أنه أحمق لما كان أحمق و إنما معناه أنه لحبه لك و صحبته إياك يود أن تكون مثله لأن كل أحد يود أن يكون صديقه مثل نفسه في أخلاقه و أفعاله إذ كل أحد يعتقد صواب أفعاله و طهارة أخلاقه و لا يشعر بعيب نفسه لأنه يهوى نفسه فعيب نفسه مطوى مستور عن نفسه كما تخفى عن العاشق عيوب المعشوق

١٩٨

300

وَ قَالَ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ فَقَالَ ع مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ هكذا تقول العرب بينهما مسيرة يوم بالهاء و لا يقولون مسير يوم لأن المسير المصدر و المسيرة الاسم.و هذا الجواب تسميه الحكماء جوابا إقناعيا لأن السائل أراد أن يذكر له كمية المسافة مفصلة نحو أن يقول بينهما ألف فرسخ أو أكثر أو أقل فعدل ع عن ذلك و أجابه بغيره و هو جواب صحيح لا ريب فيه لكنه غير شاف لغليل السائل و تحته غرض صحيح و ذلك لأنه سأله بحضور العامة تحت المنبر فلو قال له بينهما ألف فرسخ مثلا لكان للسائل أن يطالبه بالدلالة على ذلك و الدلالة على ذلك يشق حصولها على البديهة و لو حصلت لشق عليه أن يوصلها إلى فهم السائل و لو فهمها السائل لما فهمتها العامة الحاضرون و لصار فيها قول و خلاف و كانت تكون فتنة أو شبيها بالفتنة فعدل إلى جواب صحيح إجمالي أسكت السائل به و قنع به السامعون أيضا و استحسنوه و هذا من نتائج حكمته ع

١٩٩

301

وَ قَالَ ع أَصْدِقَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ وَ أَعْدَاؤُكَ ثَلاَثَةٌ فَأَصْدِقَاؤُكَ صَدِيقُكَ وَ صَدِيقُ صَدِيقِكَ وَ عَدُوُّ عَدُوِّكَ وَ أَعْدَاؤُكَ عَدُوُّكَ وَ عَدُوُّ صَدِيقِكَ وَ صَدِيقُ عَدُوِّكَ قد تقدم القول في هذا المعنى و الأصل في هذا أن صديقك جار مجرى نفسك فاحكم عليه بما تحكم به على نفسك و عدوك ضدك فاحكم عليه بما تحكم به على الضد فكما أن من عاداك عدو لك و كذلك من عادى صديقك عدو لك و كذلك من صادق صديقك فكأنما صادق نفسك فكان صديقا لك أيضا و أما عدو عدوك فضد ضدك و ضد ضدك ملائم لك لأنك أنت ضد لذلك الضد فقد اشتركتما في ضديه ذلك الشخص فكنتما متناسبين و أما من صادق عدوك فقد ماثل ضدك فكان ضدا لك أيضا و مثل ذلك بياض مخصوص يعادي سوادا مخصوصا و يضاده.و هناك بياض ثان هو مثل البياض الأول و صديقه و هناك بياض ثالث مثل البياض الثاني فيكون أيضا مثل البياض الأول و صديقه و هناك بياض

٢٠٠