كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة4%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38830 / تحميل: 6898
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٣٦٩

وَ قَالَ ع مِنَ اَلْخُرْقِ اَلْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ اَلْإِمْكَانِ وَ اَلْأَنَاةُ بَعْدَ اَلْفُرْصَةِ قد تقدم القول في هذين المعنيين.و من كلام ابن المعتز إهمال الفرصة حتى تفوت عجز و العجلة قبل التمكن خرق.و قد جعل أمير المؤمنين ع كلتا الحالتين خرقا و هو صحيح لأن الخرق الحمق و قلة العقل و كلتا الحالتين دليل على الحمق و النقص

٢٨١

٣٧٠

وَ قَالَ ع لاَ تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ لاَ يَكُونُ فَفِي اَلَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ من هذا الباب قول أبي الطيب في سيف الدولة:

ليس المدائح تستوفي مناقبه

فمن كليب و أهل الأعصر الأول

خذ ما تراه و دع شيئا سمعت به

في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

٢٨٢

٣٧١

وَ قَالَ ع اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَ اَلاِعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَ كَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ قد تقدم القول في نحو هذا و في المثل كفى بالاعتبار منذرا و كفى بالشيب زاجرا و كفى بالموت واعظا و قد سبق القول في وجوب تجنب الإنسان ما يكرهه من غيره.و قال بعض الحكماء إذا أحببت أخلاق امرئ فكنه و إن أبغضتها فلا تكنه أخذه شاعرهم فقال:

إذا أعجبتك خصال امرئ

فكنه يكن منك ما يعجبك

فليس على المجد و المكرمات

إذا جئتها حاجب يحجبك

٢٨٣

٣٧٢

وَ قَالَ ع اَلْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ اَلْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَ أَجَابَهُ وَ إِلاَّ اِرْتَحَلَ عَنْهُ لا خير في علم بلا عمل و العلم بغير العمل حجة على صاحبه و كلام أمير المؤمنين ع يشعر بأنه لا عالم إلا و هو عامل و مراده بالعلم هاهنا العرفان و لا ريب أن العارف لا بد أن يكون عاملا.ثم استأنف فقال العلم يهتف بالعمل أي يناديه و هذه اللفظة استعارة.قال فإن أجابه و إلا ارتحل أي إن كان الإنسان عالما بالأمور الدينية ثم لم يعمل بها سلبه الله تعالى علمه و لم يمت إلا و هو معدود في زمرة الجاهلين و يمكن أن يفسر على أنه أراد بقوله ارتحل ارتحلت ثمرته و نتيجته و هي الثواب فإن الله تعالى لا يثيب المكلف على علمه بالشرائع إذا لم يعمل بها لأن إخلاله بالعمل يحبط ما يستحقه من ثواب العلم لو قدرنا أنه استحق على العلم ثوابا و أتى به على الشرائط التي معها يستحق الثواب

٢٨٤

٣٧٣

وَ قَالَ ع يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَتَاعُ اَلدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِئٌ فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاةً مَرْعَاهُ قُلْعَتُهَا أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا وَ بُلْغَتُهَا أَزْكَى مِنْ ثَرْوَتِهَا حُكِمَ عَلَى مُكْثِرِيهَا مُكْثِرٍ مِنْهَا بِالْفَاقَةِ وَ أُغْنِيَ أُعِينَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالرَّاحَةِ مَنْ رَاقَهُ زِبْرِجُهَا أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْهِ كَمَهاً وَ مَنِ اِسْتَشْعَرَ اَلشَّغَفَ بِهَا مَلَأَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجَاناً لَهُنَّ رَقْصٌ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ وَ غَمٌّ يَحْزُنُهُ كَذَلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ هَيِّناً عَلَى اَللَّهِ فَنَاؤُهُ وَ عَلَى اَلْإِخْوَانِ إِلْقَاؤُهُ وَ إِنَّمَا يَنْظُرُ اَلْمُؤْمِنُ إِلَى اَلدُّنْيَا بِعَيْنِ اَلاِعْتِبَارِ وَ يَقْتَاتُ مِنْهَا بِبَطْنِ اَلاِضْطِرَارِ وَ يَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ اَلْمَقْتِ وَ اَلْإِبْغَاضِ إِنْ قِيلَ أَثْرَى قِيلَ أَكْدَى وَ إِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ هَذَا وَ لَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ يُبْلِسُونَ متاع الدنيا أموالها و قنيانها.و الحطام ما تكسر من الحشيش و اليبس و شبه متاع الدنيا بذلك لحقارته.و موبئ محدث للوباء و هو المرض العام.و مرعاة بقعة ترعى كقولك مأسدة فيها الأسد و محياة فيها الحيات.و قلعتها بسكون اللام خير من طمأنينتها أي كون الإنسان فيها منزعجا متهيئا

٢٨٥

للرحيل عنها خير له من أن يكون ساكنا إليها مطمئنا بالمقام فيها.و البلغة ما يتبلغ به و الثروة اليسار و الغنى و إنما حكم على مكثريها بالفاقة و الفقر لأنهم لا ينتهون إلى حد من الثروة و المال إلا و جدوا و اجتهدوا و حرصوا في طلب الزيادة عليه فهم في كل أحوالهم فقراء إلى تحصيل المال كما أن من لا مال له أصلا يجد و يجتهد في تحصيل المال بل ربما كان جدهم و حرصهم على ذلك أعظم من كدح الفقير و حرصه و روي و أعين من غني عنها و من رواه أغنى أي أغنى الله من غني عنها و زهد فيها بالراحة و خلو البال و عدم الهم و الغم.و الزبرج الزينة و راقه أعجبه.و الكمه العمى الشديد و قيل هو أن يولد أعمى.و الأشجان الأحزان.و الرقص بفتح القاف الاضطراب و الغليان و الحركة.و الكظم بفتح الظاء مجرى النفس.و الأبهران عرقان متصلان بالقلب و يقال للميت قد انقطع أبهراه.قوله و إنما ينظر المؤمن إخبار في الصورة و أمر في المعنى أي لينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار و ليأكل منها ببطن الاضطرار أي قدر الضرورة لا احتكار أو استكثار و ليسمع حديثها بأذن المقت و البغض أي ليتخذها عدوا قد صاحبه في طريق فليأخذ حذره منه جهده و طاقته و ليسمع كلامه و حديثه لا استماع مصغ و محب وامق بل استماع مبغض محترز من غائلته.

٢٨٦

ثم عاد إلى وصف الدنيا و طالبها فقال إن قيل أثرى قيل أكدى و فاعل أثرى هو الضمير العائد إلى من استشعر الشغف بها يقول بينا يقال أثرى قيل افتقر لأن هذه صفة الدنيا في تقلبها بأهلها و إن فرح له بالحياة و دوامها قيل مات و عدم هذا و لم يأتهم يوم القيامة يوم هم فيه مبلسون أبلس الرجل يبلس إبلاسا أي قنط و يئس و اللفظ من لفظات الكتاب العزيز

نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا و صروفها

و قد ذكرنا من حال الدنيا و صروفها و غدرها بأهلها فيما تقدم أبوابا كثيرة نافعة.و نحن نذكر هاهنا زيادة على ذلك.فمن كلام بعض الحكماء ويل لصاحب الدنيا كيف يموت و يتركها و تغره و يأمنها و تخذله و يثق بها ويل للمغترين كيف أرتهم ما يكرهون و فاتهم ما يحبون و جاءهم ما يوعدون ويل لمن الدنيا همه و الخطايا عمله كيف يفتضح غدا بذنبه.و روى أنس قال كانت ناقة رسول الله ص العضباء لا تسبق فجاء أعرابي بناقة له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال رسول الله ص حق على الله ألا يرفع في الدنيا شيئا إلا وضعه.و قال بعض الحكماء من ذا الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.

٢٨٧

و قيل لحكيم علمنا عملا واحدا إذا عملناه أحبنا الله عليه فقال أبغضوا الدنيا يحببكم الله.

و قال أبو الدرداء قال رسول الله ص لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و لهانت عليكم الدنيا و لآثرتم الآخرة.ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أنفسكم و لتركتم أموالكم لا حارس لها و لا راجع إليها إلا ما لا بد لكم منه و لكن غاب عن قلوبكم ذكر الآخرة و حضرها الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم و صرتم كالذين لا يعلمون فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها ما لكم لا تحابون و لا تناصحون في أموركم و أنتم إخوان على دين واحد ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم و لو اجتمعتم على البر لتحاببتم ما لكم لا تناصحون في أموركم ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم و لو كنتم توقنون بأمر الآخرة كما توقنون بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة فإن قلت حب العاجلة غالب فإنا نراكم تدعون العاجل من الدنيا للأجل منها ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا و تحزنون على اليسير منها بفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم و يظهر على ألسنتكم و تسمونها المصائب و تقيمون فيها المآتم و عامتكم قد تركوا كثيرا من دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوههم و لا تتغير حال بهم يلقى بعضهم بعضا بالمسرة و يكره كل منكم أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله فاصطحبتم على الغل و بنيتم مراعيكم على الدمن و تصافيتم على رفض الأجل أراحني الله منكم و ألحقني بمن أحب رؤيته.و قال حكيم لأصحابه ارضوا بدنئ الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنئ الدين مع سلامة الدنيا.

٢٨٨

و قيل في معناه:

أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا

و لا أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما

استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

و في الحديث المرفوع لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب.و قال الحسنرحمه‌الله أدركت أقواما كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ثم ركضوا خفافا.و قال أيضا من نافسك في دينك فنافسه و من نافسك في دنياك فألقها في نحره.و قال الفضيل طالت فكرتي في هذه الآية( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى اَلْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً ) .و من كلام بعض الحكماء لن تصبح في شي‏ء من الدنيا إلا و قد كان له أهل قبلك و يكون له أهل من بعدك و ليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة و غداء يوم فلا تهلك نفسك في أكلة و صم عن الدنيا و أفطر على الآخرة فإن رأس مال الدنيا الهوى و ربحها النار.و قيل لبعض الرهبان كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان و يجدد الآمال و يقرب المنية و يباعد الأمنية قيل فما حال أهله قال من ظفر به تعب و من فاته اكتأب.و من هذا المعنى قول الشاعر:

و من يحمد الدنيا لعيش يسره

فسوف لعمري عن قليل يلومها

٢٨٩

إذا أدبرت كانت على المرء حسرة

و إن أقبلت كانت كثيرا همومها

و قال بعض الحكماء كانت الدنيا و لم أكن فيها و تذهب الدنيا و لا أكون فيها و لست أسكن إليها فإن عيشها نكد و صفوها كدر و أهلها منها على وجل إما بنعمة زائلة أو ببلية نازلة أو ميتة قاضية.و قال بعضهم من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق إما أن تزيد له و إما أن تنقص.و قال سفيان الثوري أ ما ترون النعم كأنها مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها.و قال يحيى بن معاذ الدنيا حانوت الشيطان فلا تسرق من حانوته شيئا فإنه يجي‏ء في طلبك حتى يأخذك.و قال الفضيل لو كانت الدنيا من ذهب يفنى و الآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفا يبقى على ذهب يفنى فكيف و قد اخترنا خزفا يفنى على ذهب يبقى.و قال بعضهم ما أصبح أحد في الدنيا إلا و هو ضيف و لا شبهة في أن الضيف مرتحل و ما أصبح ذو مال فيها إلا و ماله عارية عنده و لا ريب أن العارية مردودة.و مثل هذا قول الشاعر:

و ما المال و الأهلون إلا وديعة

و لا بد يوما أن ترد الودائع

و قيل لإبراهيم بن أدهم كيف أنت فأنشد:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديننا يبقى و لا ما نرقع

٢٩٠

و زار رابعة العدوية أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها فقالت اسكتوا عن ذكرها و كفوا فلو لا موقعها في قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها إن من أحب شيئا أكثر من ذكره.و قال مطرف بن الشخير لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك و لين رياشهم و لكن انظروا إلى سرعة ظعنهم و سوء منقلبهم.قال الشاعر:

أرى طالب الدنيا و إن طال عمره

و نال من الدنيا سرورا و أنعما

كبان بنى بنيانه فأقامه

فلما استوى ما قد بناه تهدما

و قال أبو العتاهية:

تعالى الله يا سلم بن عمر

و أذل الحرص أعناق الرجال

هب الدنيا تساق إليك عفوا

أ ليس مصير ذلك إلى الزوال

و ما دنياك إلا مثل في‏ء

أظلك ثم آذن بانتقال

و قال بعضهم الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب.و قال أبو أمامة الباهلي لما بعث الله محمدا ص أتت إبليس جنوده و قالوا قد بعث نبي و جدت ملة و أمة فقال كيف حالهم أ يحبون الدنيا قالوا نعم قال إن كانوا يحبونها فلا أبالي ألا يعبدوا الأصنام فإنما أغدو عليهم و أروح بثلاث أخذ المال من غير حقه و إنفاقه في غير حقه و إمساكه عن حقه و الشر كله لهذه الثلاث تبع.و كان مالك بن دينار يقول اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء يعني الدنيا.

٢٩١

و قال أبو سليمان الرازي إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا فزاحمتها و إذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة لأن الآخرة كريمة و الدنيا لئيمة.و قال مالك بن دينار بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك و بقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك و هذا مقتبس

من قول أمير المؤمنين ع الدنيا و الآخرة ضرتان فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى.و قال الشاعر:

يا خاطب الدنيا إلى نفسها

تنح عن خطبتها تسلم

إن التي تخطب غدارة

قريبة العرس من المأتم

و قالوا لو وصفت الدنيا نفسها لما قالت أحسن من قول أبي نواس فيها:

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت

له عن عدو في ثياب صديق

و من كلام الشافعي يعظ أخا له يا أخي إن الدنيا دحض مزلة و دار مذلة عمرانها إلى الخراب سائر و ساكنها إلى القبور زائر شملها على الفرقة موقوف و غناها إلى الفقر مصروف الإكثار فيها إعسار و الإعسار فيها يسار فافزع إلى الله و ارض برزق الله و لا تستسلف من دار بقائك في دار فنائك فإن عيشك في‏ء زائل و جدار مائل أكثر من عملك و أقصر من أملك.و قال إبراهيم بن أدهم لرجل أ درهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة فقال دينار في اليقظة فقال كذبت إن الذي تحبه في الدنيا فكأنك تحبه في المنام و الذي تحبه في الآخرة فكأنك تحبه في اليقظة.و قال بعض الحكماء من فرح قلبه بشي‏ء من الدنيا فقد أخطأ الحكمة و من

٢٩٢

جعل شهوته تحت قدميه فرق الشيطان من ظله و من غلب علمه هواه فهو الغالب.و قال بعضهم الدنيا تبغض إلينا نفسها و نحن نحبها فكيف لو تحببت إلينا.و قال بعضهم الدنيا دار خراب و أخرب منها قلب من يعمرها و الجنة دار عمران و أعمر منها قلب من يطلبها.و قال يحيى بن معاذ العقلاء ثلاثة من ترك الدنيا قبل أن تتركه و بنى قبره قبل أن يدخله و أرضى خالقه قبل أن يلقاه.و قال بعضهم من أراد أن يستغني عن الدنيا بالدنيا كان كمطفئ النار بالتبن.و من كلام بعض فصحاء الزهاد أيها الناس اعملوا في مهل و كونوا من الله على وجل و لا تغتروا بالأمل و نسيان الأجل و لا تركنوا إلى الدنيا فإنها غدارة غرارة خداعة قد تزخرفت لكم بغرورها و فتنتكم بأمانيها و تزينت لخطابها فأضحت كالعروس المتجلية العيون إليها ناظرة و القلوب عليها عاكفة و النفوس لها عاشقة فكم من عاشق لها قتلت و مطمئن إليها خذلت فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دار كثرت بوائقها و ذمها خالقها جديدها يبلى و ملكها يفنى و عزيزها يذل و كثيرها يقل و حيها يموت و خيرها يفوت فاستيقظوا من غفلتكم و انتبهوا من رقدتكم قبل أن يقال فلان عليل و مدنف ثقيل فهل على الدواء من دليل و هل إلى الطبيب من سبيل فتدعى لك الأطباء و لا يرجى لك الشفاء ثم يقال فلان أوصى و ماله أحصى ثم يقال قد ثقل لسانه فما يكلم إخوانه و لا يعرف جيرانه و عرق عند ذلك جبينك و تتابع أنينك و ثبت يقينك و طمحت جفونك و صدقت ظنونك و تلجلج لسانك و بكى إخوانك و قيل لك هذا ابنك فلان و هذا أخوك

٢٩٣

فلان منعت من الكلام فلا تنطق و ختم على لسانك فلا ينطبق ثم حل بك القضاء و انتزعت روحك من الأعضاء ثم عرج بها إلى السماء فاجتمع عند ذلك إخوانك و أحضرت أكفانك فغسلوك و كفنوك ثم حملوك فدفنوك فانقطع عوادك و استراح حسادك و انصرف أهلك إلى مالك و بقيت مرتهنا بأعمالك.و قال بعض الزهاد لبعض الملوك إن أحق الناس بذم الدنيا و قلاها من بسط له فيها و أعطي حاجته منها لأنه يتوقع آفة تغدو على ماله فتجتاحه و على جمعه فتفرقه أو تأتي على سلطانه فتهدمه من القواعد أو تدب إلى جسمه فتسقمه أو تفجعه بشي‏ء هو ضنين به من أحبابه فالدنيا الأحق بالذم و هي الآخذة ما تعطي الراجعة فيما تهب فبينا هي تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيره و بينا هي تبكي له إذ أبكت عليه و بينا هي تبسط كفه بالإعطاء إذ بسطت كفها إليه بالاسترجاع و الاسترداد تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم و تعفره في التراب غدا سواء عليها ذهاب من ذهب و بقاء من بقي تجد في الباقي من الذاهب خلفا و ترضى بكل من كل بدلا.و كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة و إنما أنزل إليها عقوبة فاحذرها فإن الزاد منها ربحها و الغنى منها فقرها لها في كل حين قتيل تذل من أعزها و تفقر من جمعها هي كالسم يأكله من لا يعرفه و هو حتفه فكن فيها كالمداوي جراحه يحمي قليلا مخافة ما يكرهه طويلا و يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء فاحذر هذه الدنيا الغدارة المكارة الختالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها و فتنت بغرورها و تحلت بآمالها و تشرفت لخطابها فأصبحت بينهم كالعروس تجلى على بعلها العيون إليها ناظرة و القلوب عليها والهة و النفوس لها عاشقة و هي لأزواجها كلهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر و لا الآخر بالأول مزدجر و لا العارف بالله حين أخبره عنها مدكر فمن عاشق لها قد

٢٩٤

ظفر منها بحاجته فاغتر و طغي و نسي المعاد و شغل بها لبه حتى زلت عنها قدمه فعظمت ندامته و كثرت حسرته و اجتمعت عليه سكرات الموت بألمه و حسرات الفوت بغصته و من راغب فيها لم يدرك منها ما طلب و لم يرح نفسه من التعب خرج منها بغير زاد و قدم على غير مهاد فاحذرها ثم احذرها و كن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه و السار منها لأهلها غار و النافع منها في غد ضار قد وصل الرخاء منها بالبلاء و جعل البقاء فيها للفناء فسرورها مشوب بالأحزان و نعيمها مكدر بالأشجان لا يرجع ما ولى منها و أدبر و لا يدرى ما هو آت فينتظر أمانيها كاذبة و آمالها باطلة و صفوها كدر و عيشها نكد و الإنسان فيها على خطر إن عقل و نظر و هو من النعماء على غرر و من البلاء على حذر فلو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبرا و لم يضرب لها مثلا لكانت هي نفسها قد أيقظت النائم و نبهت الغافل فكيف و قد جاء من الله عنها زاجر و بتصاريفها واعظ فما لها عند الله قدر و لا نظر إليها منذ خلقها و لقد عرضت على نبيك محمد ص بمفاتيحها و خزائنها لا ينقصه ذلك عند الله جناح بعوضة فأبى أن يقبلها كره أن يخالف على الله أمره أو يحب ما أبغضه خالقه أو يرفع ما وضعه مليكه زواها الرب سبحانه عن الصالحين اختبارا و بسطها لأعدائه اغترارا فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها و ينسى ما صنع الله تعالى بمحمد ص من شده الحجر على بطنه

و قد جاءت الرواية عنه عن ربه سبحانه أنه قال لموسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته و إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و إن شئت اقتديت بصاحب الروح و الكلمة عيسى كان يقول إدامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و صلائي في الشتاء مشارق الشمس و سراجي القمر و وسادي الحجر و دابتي رجلاي

٢٩٥

و فاكهتي و طعامي ما أنبتت الأرض أبيت و ليس لي شي‏ء و ليس على الأرض أحد أغنى مني

و في بعض الكتب القديمة أن الله تعالى لما بعث موسى و هارون ع إلى فرعون قال لا يروعنكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق و لا يطرف و لا يتنفس إلا بإذني و لا يعجبكما ما متع به منها فإن ذلك زهرة الحياة الدنيا و زينة المترفين و لو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما وهبتما لفعلت و لكني أرغب بكما عن ذلك و أزوي ذلك عنكما و كذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة و إني لأجنبهم حب المقام فيها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العر و ما ذاك لهوانهم علي و لكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفورا إنما يتزين لي أوليائي بالذل و الخضوع و الخوف و إن التقوى لتثبت في قلوبهم فتظهر على وجوههم فهي ثيابهم التي يلبسونها و دثارهم الذي يظهرون و ضميرهم الذي يستشعرون و نجاتهم التي بها يفوزون و رجاؤهم الذي إياه يأملون و مجدهم الذي به يفتخرون و سيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيهم أحدكما فليخفض لهم جناحه و ليذلل لهم قلبه و لسانه و ليعلم أنه من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ثم أنا الثائر به يوم القيامة.و من كلام بعض الحكماء الأيام سهام و الناس أغراض و الدهر يرميك كل يوم بسهامه و يتخرمك بلياليه و أيامه حتى يستغرق جميع أجزائك و يصمي جميع أبعاضك فكيف بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك و سرعة الليالي في بدنك و لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك و استثقلت ممر الساعات بك و لكن تدبير الله تعالى فوق النظر و الاعتبار.

٢٩٦

و قال بعض الحكماء و قد استوصف الدنيا و قدر بقائها الدنيا وقتك الذي يرجع إليه طرفك لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه و ما لم يأت فلا علم لك به و الدهر يوم مقبل تنعاه ليلته و تطويه ساعاته و أحداثه تتوالى على الإنسان بالتغيير و النقصان و الدهر موكل بتشتيت الجماعات و انخرام الشمل و تنقل الدول و الأمل طويل و العمر قصير و إلى الله تصير الأمور.و قال بعض الفضلاء الدنيا سريعة الفناء قريبة الانقضاء تعد بالبقاء و تخلف في الوفاء تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة و هي سائرة سيرا عنيفا و مرتحلة ارتحالا سريعا و لكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها و إنما يحس بذلك بعد انقضائها و مثالها الظل فإنه متحرك ساكن متحرك في الحقيقة و ساكن في الظاهر لا تدرك حركته بالبصر الظاهر بل بالبصيرة الباطنة

٢٩٧

٣٧٤

وَ قَالَ ع إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ اَلثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ وَ اَلْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ذِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ وَ حِيَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ ذيادة أي دفعا ذدته عن كذا أي دفعته و رددته و حياشة مصدر حشت الصيد بضم الحاء أحوشه إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة و كذلك أحشت الصيد و أحوشته و قد احتوش القوم الصيد إذا نفره بعضهم إلى بعض.و هذا هو مذهب أصحابنا إن الله تعالى لما كلف العباد التكاليف الشاقة و قد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقة عليهم بأن يزيد في قدرهم وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب لأن إلزام المشاق كإنزال المشاق فكما يتضمن ذلك عوضا وجب أن يتضمن هذا ثوابا و لا بد أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب و إلا كان سبحانه ممكنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله إذ الطبع البشري يهوى العاجل و لا يحفل بالذم و لا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل فلا بد من العقاب ليقع الانزجار

٢٩٨

٣٧٥

وَ قَالَ ع يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ وَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ اِسْمُهُ مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ اَلْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ اَلْهُدَى سُكَّانُهَا وَ عُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ اَلْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ اَلْفِتْنَةُ وَ إِلَيْهِمْ تَأْوِي اَلْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا وَ يَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً أَتْرُكُ تَتْرُكُ اَلْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَ قَدْ فَعَلَ وَ نَحْنُ نَسْتَقِيلُ اَللَّهَ عَثْرَةَ اَلْغَفْلَةِ هذه صفة حال أهل الضلال و الفسق و الرياء من هذه الأمة أ لا تراه يقول سكانها و عمارها يعني سكان المساجد و عمار المساجد شر أهل الأرض لأنهم أهل ضلالة كمن يسكن المساجد الآن ممن يعتقد التجسم و التشبيه و الصورة و النزول و الصعود و الأعضاء و الجوارح و من يقول بالقدر يضيف فعل الكفر و الجهل و القبيح إلى الله تعالى فكل هؤلاء أهل فتنة يردون من خرج منها إليها و يسوقون من لم يدخل فيها إليها أيضا.ثم قال حاكيا عن الله تعالى إنه حلف بنفسه ليبعثن على أولئك فتنة يعني استئصالا و سيفا حاصدا يترك الحليم أي العاقل اللبيب فيها حيران لا يعلم كيف وجه خلاصه.ثم قال ع و قد فعل و ينبغي أن يكون قد قال هذا الكلام في أيام خلافته لأنها كانت أيام السيف المسلط على أهل الضلال من المسلمين و كذلك ما بعثه الله تعالى على بني أمية و أتباعهم من سيوف بني هاشم بعد انتقاله ع

٢٩٩

٣٧٦

وَ قَالَ ع وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع قَلَّمَا اِعْتَدَلَ بِهِ اَلْمِنْبَرُ إِلاَّ قَالَ أَمَامَ خُطْبَتِهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقُوا اَللَّهَ فَمَا خُلِقَ اِمْرُؤٌ عَبَثاً فَيَلْهُوَ وَ لاَ تُرِكَ سُدًى فَيَلْغُوَ وَ مَا دُنْيَاهُ اَلَّتِي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ اَلآْخِرَةِ اَلَّتِي قَبَّحَهَا سُوءُ اَلنَّظَرِ عِنْدَهُ وَ مَا اَلْمَغْرُورُ اَلَّذِي ظَفِرَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالآْخَرِ اَلَّذِي ظَفِرَ مِنَ اَلآْخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِهِ قال تعالى( أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) .و من الكلمات النبوية أن المرء لم يترك سدى و لم يخلق عبثا.و قال أمير المؤمنين ع إن من ظفر من الدنيا بأعلى و أعظم أمنية ليس كآخر ظفر من الآخرة بأدون درجات أهل الثواب لا مناسبة و لا قياس بين نعيم الدنيا و الآخرة.و في قوله ع التي قبحها سوء المنظر عنده تصريح بمذهب أصحابنا أهل العدل رحمهم الله و هو أن الإنسان هو الذي أضل نفسه لسوء نظره و لو كان الله تعالى هو الذي أضله لما قال قبحها سوء النظر عنده

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430