كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37352
تحميل: 5844


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37352 / تحميل: 5844
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

377

وَ قَالَ ع لاَ شَرَفَ أَعْلَى مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ عِزَّ أَعَزُّ مِنَ اَلتَّقْوَى وَ لاَ مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ اَلْوَرَعِ وَ لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لاَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ اَلْقَنَاعَةِ وَ لاَ مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ اَلرِّضَا اَلرِّضَى بِالْقُوتِ وَ مَنِ اِقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ اَلْكَفَافِ فَقَدِ اِنْتَظَمَ اَلرَّاحَةَ وَ تَبَوَّأَ خَفْضَ اَلدَّعَةِ وَ اَلدَّعَةُ اَلرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ اَلنَّصَبِ وَ مَطِيَّةُ اَلتَّعَبِ وَ اَلْحِرْصُ وَ اَلْكِبْرُ وَ اَلْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى اَلتَّقَحُّمِ فِي اَلذُّنُوبِ وَ اَلشَّرُّ جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ جَامِعُ مَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ كل هذه المعاني قد سبق القول فيها مرارا شتى نأتي كل مرة بما لم نأت به فيما تقدم و إنما يكررها أمير المؤمنين ع لإقامة الحجة على المكلفين كما يكرر الله سبحانه في القرآن المواعظ و الزواجر لذلك كان أبو ذررضي‌الله‌عنه جالسا بين الناس فأتته امرأته فقالت أنت جالس بين هؤلاء و لا و الله ما عندنا في البيت هفة و لا سفة فقال يا هذه إن بين أيدينا عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف فرجعت و هي راضية.

٣٠١

و قيل لبعض الحكماء ما مالك قال التجمل في الظاهر و القصد في الباطن و الغنى عما في أيدي الناس.و قال أبو سليمان الداراني تنفس فقير دون شهوة لا يقدر عليها أفضل من عبادة غني ألف عام.و قال رجل لبشر بن الحارث ادع لي فقد أضر الفقر بي و بعيالي فقال إذا قال لك عيالك ليس عندنا دقيق و لا خبز فادع لبشر بن الحارث في ذلك الوقت فإن دعاءك أفضل من دعائه.و من دعاء بعض الصالحين اللهم إني أسألك ذل نفسي و الزهد فيما جاوز الكفاف

٣٠٢

378

وَ قَالَ ع لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَنْصَارِيِّ يَا جَابِرُ قِوَامُ اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ يَسْتَعْمِلُ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَ جَاهِلٍ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ جَوَادٍ لاَ يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَ فَقِيرٍ لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ فَإِذَا ضَيَّعَ اَلْعَالِمُ عِلْمَهُ اِسْتَنْكَفَ اَلْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ إِذَا بَخِلَ اَلْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ اَلْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ يَا جَابِرُ مَنْ كَثُرَتْ نِعْمَةُ نِعَمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ اَلنَّاسِ إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهَا عَرَّضَ نِعْمَةَ اَللَّهِ لِدَوَامِهَا وَ مَنْ ضَيَّعَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهَا عَرَّضَ نِعْمَتَهُ لِزَوَالِهَا لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَ اَلْبَقَاءِ وَ مَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَ اَلْفَنَاءِ قد تقدم القول في هذه المعاني و الحاصل أنه ربط اثنتين من أربعة إحداهما بالأخرى و كذلك جعل في الاثنتين الأخريين فقال إن قوام الدين و الدنيا بأربعة عالم يستعمل علمه يعني يعمل و لا يقتصر على أن يعلم فقط و لا يعمل و جاهل لا يستنكف أن يتعلم و أضر ما على الجهلاء الاستنكاف من التعلم فإنهم يستمرون على الجهالة إلى الموت و الثالث جواد لا يبخل بالمعروف و الرابع فقير لا يبيع آخرته بدنياه أي لا يسرق و لا يقطع الطريق أو يكتسب الرزق من حيث لا يحبه الله كالقمار و المواخير و المزاجر و المآصر و نحوها.

٣٠٣

ثم قال فالثانية مرتبطة بالأولى إذا لم يستعمل العالم علمه استنكف الجاهل من التعلم و ذلك لأن الجاهل إذا رأى العالم يعصي و يجاهر الله بالفسق زهد في التعلم و قال لما ذا تعلم العلم إذا كانت ثمرته الفسق و المعصية.ثم قال و الرابعة مرتبطة بالثالثة إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه و ذلك لأنه إذا عدم الفقير المواساة مع حاجته إلى القوت دعته الضرورة إلى الدخول في الحرام و الاكتساب من حيث لا يحسن و ينبغي أن يكون عوض لفظة جواد لفظة غني ليطابق أول الكلام آخره إلا أن الرواية هكذا وردت و جواد لا يبخل بمعروفه و في ضمير اللفظ كون ذلك الجواد غنيا لأنه قد جعل له معروفا و المعروف لا يكون إلا عن ظهر غنى و باقي الفصل قد سبق شرح أمثاله

٣٠٤

379

وَ رَوَى اِبْنُ جَرِيرٍ اَلطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ : عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى اَلْفَقِيهِ وَ كَانَ مِمَّنْ خَرَجَ لِقِتَالِ اَلْحَجَّاجِ مَعَ اِبْنِ اَلْأَشْعَثِ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا كَانَ يَحُضُّ بِهِ اَلنَّاسَ عَلَى اَلْجِهَادِ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً رَفَعَ اَللَّهُ دَرَجَتَهُ فِي اَلصَّالِحِينَ وَ أَثَابَهُ ثَوَابَ اَلشُّهَدَاءِ وَ اَلصِّدِّيقِينَ يَقُولُ يَوْمَ لَقِينَا أَهْلَ اَلشَّامِ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اَللَّهِ اَلْعُلْيَا وَ كَلِمَةُ اَلظَّالِمِينَ هِيَ اَلسُّفْلَى فَذَلِكَ اَلَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ اَلْهُدَى وَ قَامَ عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ نُوِّرَ نَوَّرَ فِي قَلْبِهِ اَلْيَقِينُ قد تقدم الكلام في النهي عن المنكر و كيفية ترتيبه و كلام أمير المؤمنين في هذا الفصل مطابق لما يقوله المتكلمون رحمهم الله.و قد ذكرنا فيما تقدم و سنذكر فيما بعد من هذا المعنى ما يجب و كان النهي عن المنكر معروفا في العرب في جاهليتها كان في قريش حلف الفضول تحالفت قبائل منها على أن يردعوا الظالم و ينصروا المظلوم و يردوا عليه حقه ما بل بحر صوفة و قد ذكرنا فيما تقدم

٣٠٥

380

وَ قَالَ ع فِي كَلاَمٍ آخَرَ لَهُ غَيْرِ هَذَا يَجْرِي هَذَا اَلْمَجْرَى : فَمِنْهُمُ اَلْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ فَذَلِكَ اَلْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ اَلْخَيْرِ وَ مِنْهُمُ اَلْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ وَ اَلتَّارِكُ بِيَدِهِ فَذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ اَلْخَيْرِ وَ مُضَيِّعٌ خَصْلَةً وَ مِنْهُمُ اَلْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَ اَلتَّارِكُ بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَذَاكَ فَذَالِكَ اَلَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ اَلْخَصْلَتَيْنِ مِنَ اَلثَّلاَثِ وَ تَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ وَ مِنْهُمْ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ اَلْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ وَ يَدِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ وَ مَا أَعْمَالُ اَلْبِرِّ كُلُّهَا وَ اَلْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ عِنْدَ اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيِ عَنْ اَلْمُنْكَرِ إِلاَّ كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ وَ إِنَّ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَ لاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ قد سبق قولنا في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هو أحد الأصول الخمسة عند أصحابنا و لجة الماء أعظمه و بحر لجي ذو ماء عظيم و النفثة الفعلة الواحدة من نفثت الماء من فمي أي قدفته بقوة.قال ع لا يعتقدن أحد أنه إن أمر ظالما بالمعروف أو نهى ظالما عن منكر أن ذلك يكون سببا لقتل ذلك الظالم المأمور أو المنهي إياه أو يكون سببا لقطع رزقه من جهته فإن الله تعالى قدر الأجل و قضى الرزق و لا سبيل لأحد أن يقطع على أحد عمره أو رزقه.

٣٠٦

و هذا الكلام ينبغي أن يحمل على أنه حث و حض و تحريض على النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف و لا يحمل على ظاهره لأن الإنسان لا يجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة معتمدا على أن الأجل مقدر و أن الرزق مقسوم و أن الإنسان متى غلب على ظنه أن الظالم يقتله و يقيم على ذلك المنكر و يضيف إليه منكرا آخر لم يجز له الإنكار.فأما كلمة العدل عند الإمام الجائر فنحو ما روي أن زيد بن أرقم رأى عبيد الله بن زياد و يقال بل يزيد بن معاوية يضرب بقضيب في يده ثنايا الحسين ع حين حمل إليه رأسه فقال له إيها ارفع يدك فطالما رأيت رسول الله ص يقبلها

فصل في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

و نحن نذكر خلاصة ما يقوله أصحابنا في النهي عن المنكر و نترك الاستقصاء فيه للكتب الكلامية التي هي أولى ببسط القول فيها من هذا الكتاب.قال أصحابنا الكلام في ذلك يقع من وجوه منها وجوبه و منها طريق وجوبه و منها كيفية وجوبه و منها شروط حسنه و منها شروط وجوبه و منها كيفية إيقاعه و منها الكلام في الناهي عن المنكر و منها الكلام في النهي عن المنكر.أما وجوبه فلا ريب فيه لأن المنكر قبيح كله و القبيح يجب تركه فيجب النهي عنه.و أما طريق وجوبه فقد قال الشيخ أبو هاشمرحمه‌الله إنه لا طريق إلى وجوبه إلا السمع و قد أجمع المسلمون على ذلك و ورد به نص القرآن في غير موضع.

٣٠٧

قال الشيخ أبو عليرحمه‌الله العقل يدل على وجوبه و إلى هذا القول مال شيخنا أبو الحسينرحمه‌الله .و أما كيفية وجوبه فإنه واجب على الكفاية دون الأعيان لأن الغرض ألا يقع المنكر فإذا وقع لأجل إنكار طائفة لم يبق وجه لوجوب الإنكار على من سواها.و أما شروط حسنه فوجوه منها أن يكون ما ينكره قبيحا لأن إنكار الحسن و تحريمه قبيح و القبيح على ضروب فمنه ما يقبح من كل مكلف و على كل حال كالظلم و منها ما يقبح من كل مكلف على وجه دون وجه كالرمي بالسهام و تصريف الحمام و العلاج بالسلاح لأن تعاطي ذلك لمعرفة الحرب و التقوى على العدو و لتعرف أحوال البلاد بالحمام حسن لا يجوز إنكاره و إن قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف و اللهو و معاشرة ذوي الريب و المعاصي فهو قبيح يجب إنكاره.و منه ما يقبح من مكلف و يحسن من آخر على بعض الوجوه كشرب النبيذ و التشاغل بالشطرنج فأما من يرى حظرهما أو يختار تقليد من يفتي بحظرهما فحرام عليه تعاطيهما على كل حال و متى فعلهما حسن الإنكار عليه و أما من يرى إباحتهما أو من يختار تقليد من يفتي بإباحتهما فإنه يجوز له تعاطيهما على وجه دون وجه و ذلك أنه يحسن شرب النبيذ من غير سكر و لا معاقرة و الاشتغال بالشطرنج للفرجة و تخريج الرأي و العقل و يقبح ذلك إذا قصد به السخف و قصد بالشرب المعاقرة و السكر فالثاني يحسن إنكاره و يجب و الأول لا يحسن إنكاره لأنه حسن من فاعله.و منها أن يعلم المنكر أن ما ينكره قبيح لأنه إذا جوز حسنه كان بإنكاره له و تحريمه إياه محرما لما لا يأمن أن يكون حسنا فلا يأمن أن يكون ما فعله من النهي

٣٠٨

نهيا عن حسن و كل فعل لا يأمن فاعله أن يكون مختصا بوجه قبيح فهو قبيح أ لا ترى أنه يقبح من الإنسان أن يخبر على القطع بأن زيدا في الدار إذا لم يأمن ألا يكون فيها لأنه لا يأمن أن يكون خبره كذبا و منها أن يكون ما ينهى عنه واقعا لأن غير الواقع لا يحسن النهي عنه و إنما يحسن الذم عليه و النهي عن أمثاله.و منها ألا يغلب على ظن المنكر أنه إن أنكر المنكر فعله المنكر عليه و ضم إليه منكرا آخر و لو لم ينكر عليه لم يفعل المنكر الآخر فمتى غلب على ظنه ذلك قبح إنكاره لأنه يصير مفسدة نحو أن يغلب على ظننا أنا إن أنكرنا على شارب الخمر شربها شربها و قرن إلى شربها القتل و إن لم ننكر عليه شربها و لم يقتل أحدا.و منها ألا يغلب على ظن الناهي عن المنكر أن نهيه لا يؤثر فإن غلب على ظنه ذلك قبح نهيه عند من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر لا يحسن إلا أن يكون فيه لطف لغير ذلك المكلف و أما من يقول من أصحابنا إن التكليف من المعلوم منه أنه يكفر حسن و إن لم يكن فيه لطف لغير المكلف فإنه لا يصح منه القول بقبح هذا الإنكار.فأما شرائط وجوب النهي عن المنكر فأمور منها أن يغلب على الظن وقوع المعصية نحو أن يضيق وقت صلاة الظهر و يرى الإنسان لا يتهيأ للصلاة أو يراه تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلته و متى لم يكن كذلك حسن منا أن ندعوه إلى الصلاة و إن لم يجب علينا دعاؤه.و منها ألا يغلب على ظن الناهي عن المنكر أنه إن أنكر المنكر لحقته في نفسه و أعضائه مضرة عظيمة فإن غلب ذلك على ظنه و أنه لا يمتنع من ينكر عليه من فعل

٣٠٩

ما ينكره عليه أيضا فإنه لا يجب عليه الإنكار بل و لا يحسن منه لأنه مفسدة.و إن غلب على ظنه أنه لا يفعل ما أنكره عليه و لكنه يضر به نظر فإن كان إضراره به أعظم قبحا مما يتركه إذا أنكر عليه فإنه لا يحسن الإنكار عليه لأن الإنكار عليه قد صار و الحالة هذه مفسدة نحو أن ينكر الإنسان على غيره شرب الخمر فيترك شربها و يقتله و إن كان ما يتركه إذا أنكر عليه أعظم قبحا مما ينزل به من المضرة نحو أن يهم بالكفر فإذا أنكر عليه تركه و جرح المنكر عليه أو قتله فإنه لا يجب عليه الإنكار و يحسن منه الإنكار أما قولنا لا يجب عليه الإنكار فلأن الله تعالى قد أباحنا التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه فبأن يبيحنا ترك غيرنا أن يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس أولى و أما قولنا إنه يحسن الإنكار فلأن في الإنكار مع الظن لما ينزل بالنفس من المضرة إعزازا للدين كما أن في الامتناع من إظهار كلمة الكفر مع الصبر على قتل النفس إعزازا للدين لا فضل بينهما.فأما كيفية إنكار المنكر فهو أن يبتدئ بالسهل فإن نفع و إلا ترقى إلى الصعب لأن الغرض ألا يقع المنكر فإذا أمكن ألا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب و لأنه تعالى أمر بالإصلاح قبل القتال في قوله( فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى اَلْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي ) .فأما الناهي عن المنكر من هو فهو كل مسلم تمكن منه و اختص بشرائطه لأن الله تعالى قال( وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ ) و لإجماع المسلمين على أن كل من شاهد غيره تاركا للصلاة غير محافظ عليها فله أن يأمره بها بل يجب عليه إلا أن الإمام و خلفاءه أولى بالإنكار بالقتال لأنه أعرف بسياسة الحرب و أشد استعدادا لآلاتها.

٣١٠

فأما المنهي من هو فهو كل مكلف اختص بما ذكرناه من الشروط و غير المكلف إذا هم بالإضرار لغيره منه و يمنع الصبيان و ينهون عن شرب الخمر حتى لا يتعودوه كما يؤاخذون بالصلاة حتى يمرنوا عليها و هذا ما ذكره أصحابنا.فأما قوله ع و منهم المنكر بلسانه و قلبه و التارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير و مضيع خصلة فإنه يعني به من يعجز عن الإنكار باليد لمانع لأنه لم يخرج هذا الكلام مخرج الذم و لو كان لم يعن العاجز لوجب أن يخرج الكلام مخرج الذم لأنه ليس بمعذور في أن ينكر بقلبه و لسانه إذا أخل بالإنكار باليد مع القدرة على ذلك و ارتفاع الموانع.و أما قوله ضيع أشرف الخصلتين فاللام زائدة و أصله ضيع أشرف خصلتين من الثلاث لأنه لا وجه لتعريف المعهود هاهنا في الخصلتين بل تعريف الثلاث باللام أولى و يجوز حذفها من الثلاث و لكن إثباتها أحسن كما تقول قتلت أشرف رجلين من الرجال الثلاثة.و أما قوله فذلك ميت الأحياء فهو نهاية ما يكون من الذم.و اعلم أن النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف عند أصحابنا أصل عظيم من أصول الدين و إليه تذهب الخوارج الذين خرجوا على السلطان متمسكين بالدين و شعار الإسلام مجتهدين في العبادة لأنهم إنما خرجوا لما غلب على ظنونهم أو علموا جور الولاة و ظلمهم و أن أحكام الشريعة قد غيرت و حكم بما لم يحكم به الله و على هذا الأصل تبنى الإسماعيلية من الشيعة قتل ولاة الجور غيلة و عليه بناء أصحاب الزهد في الدنيا الإنكار على الأمراء و الخلفاء و مواجهتهم بالكلام الغليظ لما عجزوا عن الإنكار باليد و بالجملة فهو أصل شريف أشرف من جميع أبواب البر و العبادة كما قال أمير المؤمنين ع

٣١١

381

وَ رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ : إِنَّ أَوَّلَ أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ اَلْجِهَادِ اَلْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ ثُمَّ بِأَلْسِنَتِكُمْ ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً وَ لَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ وَ أَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ إنما قال ذلك لأن الإنكار بالقلب آخر المراتب و هو الذي لا بد منه على كل حال فأما الإنكار باللسان و باليد فقد يكون منهما بد و عنهما عذر فمن ترك النهي عن المنكر بقلبه و الأمر بالمعروف بقلبه فقد سخط الله عليه لعصيانه فصار كالممسوخ الذي يجعل الله تعالى أعلاه أسفله و أسفله أعلاه تشويها لخلقته و من يقول بالأنفس الجسمانية و إنها بعد المفارقة يصعد بعضها إلى العالم العلوي و هي نفوس الأبرار و بعضها ينزل إلى المركز و هي نفوس الأشرار يتأول هذا الكلام على مذهبه فيقول إن من لا يعرف بقلبه معروفا أي لا يعرف من نفسه باعثا عليه و لا متقاضيا بفعله و لا ينكر بقلبه منكرا أي لا يأنف منه و لا يستقبحه و يمتعض من فعله يقلب نفسه التي قد كان سبيلها أن تصعد إلى عالمها فتجعل هاوية في حضيض الأرض و ذلك عندهم هو العذاب و العقاب

٣١٢

382

وَ قَالَ ع إِنَّ اَلْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِي‏ءٌ وَ إِنَّ اَلْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِي‏ءٌ تقول مرؤ الطعام بالضم يمرؤ مراءة فهو مري‏ء على فعيل مثل خفيف و ثقيل و قد جاء مرئ الطعام بالكسر كما قالوا فقه الرجل و فقه و وبي‏ء البلد بالكسر يوبأ وباءة فهو وبي‏ء على فعيل أيضا و يجوز فهو وبئ على فعل مثل حذر و أشر.يقول ع الحق و إن كان ثقيلا إلا أن عاقبته محمودة و مغبته صالحة و الباطل و إن كان خفيفا إلا أن عاقبته مذمومة و مغبته غير صالحة فلا يحملن أحدكم حلاوة عاجل الباطل على فعله فلا خير في لذة قليلة عاجلة يتعقبها مضار عظيمة آجلة و لا يصرفن أحدكم عن الحق ثقله فإنه سيحمد عقبى ذلك كما يحمد شارب الدواء المر شربه فيما بعد إذا وجد لذة العافية

٣١٣

383

وَ قَالَ ع لاَ تَأْمَنَنَّ عَلَى خَيْرِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ عَذَابَ اَللَّهِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اَللَّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخاسِرُونَ ) وَ لاَ تَيْأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكافِرُونَ ) هذا كلام ينبغي أن يحمل على أنه أراد ع النهي عن القطع على مغيب أحد من الناس و أنه لا يجوز لأحد أن يقول فلان قد نجا و وجبت له الجنة و لا فلان قد هلك و وجبت له النار و هذا القول حق لأن الأعمال الصالحة لا يحكم لصاحبها بالجنة إلا بسلامة العاقبة و كذلك الأعمال السيئة لا يحكم لصاحبها بالنار إلا أن مات عليها فأما الاحتجاج بالآية الأولى فلقائل أن يقول إنها لا تدل على ما أفتى ع به و ذلك لأن معناها أنه لا يجوز للعاصي أن يأمن مكر الله على نفسه و هو مقيم على عصيانه أ لا ترى أن أولها( أَ فَأَمِنَ أَهْلُ اَلْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ اَلْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اَللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اَللَّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخاسِرُونَ ) و ليست دالة على ما نحن

٣١٤

فيه لأن الذي نحن فيه هل يجوز لأحد أن يأمن على الصالحين من هذه الأمة عذاب الله.فأما الآية الثانية فالاحتجاج بها جيد لا شبهة فيه لأنه يجوز أن يتوب العاصي و التوبة من روح الله.فإن قلت و كذاك يجوز أن يكفر المسلم المطيع قلت صدقت و لكن كفره ليس من مكر الله فدل على أن المراد بالآية أنه لا ينبغي للعاصي أن يأمن من عقوبة الله ما دام عاصيا و هذا غير مسألتنا

٣١٥

384

وَ قَالَ ع اَلْبُخْلُ جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ اَلْعُيُوبِ وَ هُوَ زِمَامٌ يُقَادُ بِهِ إِلَى كُلِّ سُوءٍ قد تقدم القول في البخل و الشح و نحن نذكر هاهنا زيادات أخرى

أقوال مأثورة في الجود و البخل

قال بعض الحكماء السخاء هيئة للإنسان داعية إلى بذل المقتنيات حصل معه البذل لها أو لم يحصل و ذلك خلق و يقابله الشح و أما الجود فهو بذل المقتنى و يقابله البخل هذا هو الأصل و إن كان كل واحد منها قد يستعمل في موضع الآخر و الذي يدل على صحة هذا الفرق أنهم جعلوا اسم الفاعل من السخاء و الشح على بناء الأفعال الغريزية فقالوا شحيح و سخي فبنوه على فعيل كما قالوا حليم و سفيه و عفيف و قالوا جائد و باخل فبنوهما على فاعل كضارب و قاتل فأما قولهم بخيل فمصروف عن لفظ فاعل للمبالغة كقولهم في راحم رحيم و يدل أيضا على أن السخاء غريزة و خلق أنهم لم يصفوا البارئ سبحانه به فيقولوا سخي فأما الشح فقد عظم أمره و خوف منه و لهذا

قال ع ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه فخص المطاع تنبيها على أن وجود الشح

٣١٦

في النفس فقط ليس مما يستحق به ذم لأنه ليس من فعله و إنما يذم بالانقياد له قال سبحانه( وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) و قال( وَ أُحْضِرَتِ اَلْأَنْفُسُ اَلشُّحَّ ) .و قال ع لا يجتمع شح و إيمان في قلب أبدا.فأما الجود فإنه محمود على جميع ألسنة العالم و لهذا قيل كفى بالجود مدحا أن اسمه مطلقا لا يقع إلا في حمد و كفى بالبخل ذما أن اسمه مطلقا لا يقع إلا في ذم.و قيل لحكيم أي أفعال البشر أشبه بأفعال الباري سبحانه فقال الجود.و قال النبي ص الجود شجرة من أشجار الجنة من أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى الجنة و البخل شجرة من أشجار النار من أخذ بغصن من أغصانها أداه إلى النار.و من شرف الجود أن الله سبحانه قرن ذكره بالإيمان و وصف أهله بالفلاح و الفلاح اسم جامع لسعادة الدارين قال سبحانه( اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) إلى قوله( وَ أُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) و قال( وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) .و حق للجود بأن يقرن بالإيمان فلا شي‏ء أخص به و أشد مجانسة له منه فإن من صفة المؤمن انشراح الصدر كما قال تعالى( فَمَنْ يُرِدِ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي اَلسَّماءِ ) و هذا من صفات الجواد و البخيل لأن الجواد واسع الصدر منشرح مستبشر للإنفاق و البذل و البخيل قنوط ضيق الصدر حرج القلب ممسك.و قال النبي ص و أي داء أدوأ من البخل.و البخل على ثلاثة أضرب بخل الإنسان بماله على نفسه و بخله بماله على غيره و بخله

٣١٧

بمال غيره على نفسه أو على غيره و أفحشها بخله بمال غيره على نفسه و أهونها و إن كان لا هين فيها بخله بماله على غيره.

و قال ع اللهم اجعل لمنفق خلفا و لممسك تلفا.

و قال إن الله عزوجل ينزل المعونة على قدر المئونة.

و قال أيضا من وسع وسع عليه.و قالت الفلاسفة الجود على أقسام فمنها الجود الأعظم و هو الجود الإلهي و هو الفيض العام المطلق و إنما يختلف لاختلاف المواد و استعداداتها و إلا فالفيض في نفسه عام غير خاص و بعده جود الملوك و هو الجود بجزء من المال على من تدعوهم الدواعي و الأغراض إلى الجود عليه و يتلوه جود السوقة و هو بذل المال للعفاة أو الندامى و الشرب و المعاشرين و الإحسان إلى الأقارب.قالوا و اسم الجود مجاز إلا الجود الإلهي العام فإنه عار عن الغرض و الداعي و أما من يعطي لغرض و داع نحو أن يحب الثناء و المحمدة فإنه مستعيض و تاجر يعطي شيئا ليأخذ شيئا قالوا قول أبي نواس:

فتى يشتري حسن الثناء بماله

و يعلم أن الدائرات تدور

ليس بغاية في الوصف بالجود التام بل هو وصف بتجارة محمودة و أحسن منه قول ابن الرومي:

و تاجر البر لا يزال له

ربحان في كل متجر تجره

أجر و حمد و إنما طلب الأجر

و لكن كلاهما اعتوره

و أحسن منهما قول بشار:

ليس يعطيك للرجاء و لا الخوف

و لكن يلذ طعم العطاء

و نحن قد ذكرنا ما في هذا الموضع من البحث العقلي في كتبنا العقلية

٣١٨

385

وَ قَالَ ع يَا اِبْنَ آدَمَ اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ كَفَاكَ كُلَّ يَوْمٍ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ وَ لَمْ يَسْبِقْكَ لَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ وَ لَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ غَالِبٌ وَ لَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ قال و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب إلا أنه هاهنا أوضح و أشرح فلذلك كررناه على القاعدة المقررة في أول هذا الكتاب قد تقدم القول في معاني هذا الفصل و روي أن جماعة دخلوا على الجنيد فاستأذنوه في طلب الرزق فقال إن علمتم في أي موضع هو فاطلبوه قالوا فنسأل الله تعالى ذلك قال إن علمتم أنه ينساكم فذكروه قالوا فندخل البيت و نتوكل و ننتظر ما يكون فقال التوكل على التجربة شك قالوا فما الحيلة قال ترك الحيلة.و روي أن رجلا لازم باب عمر فضجر منه فقال له يا هذا هاجرت إلى الله تعالى أم إلى باب عمر اذهب فتعلم القرآن فإنه سيغنيك عن باب عمر فذهب الرجل

٣١٩

و غاب مدة حتى افتقده عمر فإذا هو معتزل مشتغل بالعبادة فأتاه عمر فقال له إني اشتقت إليك فما الذي شغلك عنا قال إني قرأت القرآن فأغناني عن عمر و آل عمر فقال رحمك الله فما وجدت فيه قال وجدت فيه( وَ فِي اَلسَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ ) فقلت رزقي في السماء و أنا أطلبه في الأرض إني لبئس الرجل فبكى عمر و قال صدقت و كان بعد ذلك ينتابه و يجلس إليه

٣٢٠