كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37347
تحميل: 5844


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37347 / تحميل: 5844
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

399

وَ قَالَ ع نِعْمَ اَلطِّيبُ اَلْمِسْكُ خَفِيفٌ مَحْمِلُهُ عَطِرٌ رِيحُهُ

فصل فيما ورد في الطيب من الآثار

كان النبي ص كثير التطيب بالمسك و بغيره من أصناف الطيب.

و جاء الخبر الصحيح عنه حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب و النساء و قرة عيني في الصلاة.و قد رويت لفظة أمير المؤمنين ع عنه مرفوعة و نحوها

لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل.سرق أعرابي نافجة مسك فقيل له( و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) قال إذن أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل.

و في الحديث المرفوع أنه ع بايع قوما كان بيد رجل منهم ردع خلوق فبايعه بأطراف أصابعه و قال خير طيب الرجال ما ظهر ريحه و خفي لونه و خير طيب النساء ما ظهر لونه و خفي ريحه

و عنه ع في صفة أهل الجنة و مجامرهم الألوة و هي العود الهندي.

٣٤١

و روى سهل بن سعد عنه ع أن في الجنة لمراغا من مسك مثل مراغ دوابكم هذه

و روي عنه ع أيضا في صفة الكوثر جاله المسك أي جانبه و رضراضة التوم و حصباؤه اللؤلؤ

و قالت عائشة كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله ص و هو محرم

و كان ابن عمر يستجمر بعود غير مطرى و يجعل معه الكافور و يقول هكذا رأيت رسول الله ص يصنع

و روى أنس بن مالك قال دخل علينا رسول الله ص فقال عندنا و الوقت صيف فعرق فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت عرقه فاستيقظ و قال يا أم سليم ما تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا فإنه من أطيب الطيب و نرجو به بركة صبياننا فقال أصبت.و من كلام عمر لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.ناول المتوكل أحمد بن أبي فنن فأرة مسك فأنشده:

لئن كان هذا طيبنا و هو طيب

لقد طيبته من يديك الأنامل

قالوا سميت الغالية غالية لأن عبد الله بن جعفر أهدى لمعاوية قارورة منها فسأله كم أنفق عليها فذكر مالا فقال هذه غالية فسميت غالية.شم مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري من أخته هند بنت أسماء ريح غالية و كانت تحت الحجاج فقال علميني طيبك قالت لا أفعل أ تريد أن تعلمه

٣٤٢

جواريك هو لك عندي ما أردته ثم ضحكت و قالت و الله ما تعلمته إلا من شعرك حيث قلت:

أطيب الطيب طيب أم أبان

فأر مسك بعنبر مسحوق

خلطته بعودها و ببان

فهو أحوى على اليدين شريق

و روى أبو قلابة قال كان ابن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف من في الطريق أنه قد مر من طيب ريحه.و روى الحسن بن زيد عن أبيه قال رأيت ابن عباس حين أحرم و الغالية على صلعته كأنها الرب.أولم المتوكل في طهر بنيه فلما كثر اللعب قال ليحيي بن أكثم انصرف أيها القاضي قال و لم قال لأنهم يريدون أن يخلطوا قال أحوج ما يكونون إلى قاض إذا خلطوا فاستظرفه و أمر أن تغلف لحيته ففعل فقال يحيى إنا لله ضاعت الغالية كانت هذه تكفيني دهرا لو دفعت إلي فأمر له بزورق لطيف من ذهب مملوء من غالية و درج بخور فأخذهما و انصرف.و روى عكرمة أن ابن عباس كان يطلي جسده بالمسك فإذا مر بالطريق قال الناس أ مر ابن عباس أم المسك و قال أبو الضحى رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي لكان رأس مالي.لما بنى عمر بن عبد العزيز على فاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك الليلة الغالية إلى أن طلعت الشمس.كانت لابن عمر بندقة من مسك يبوكها بين راحتيه فتفوح رائحتها.كان عمر بن عبد العزيز في إمارته المدينة يجعل المسك بين قدميه و نعله فقال فيه الشاعر يمدحه:

له نعل لا تطبي الكلب ريحها

و إن وضعت في مجلس القوم شمت

٣٤٣

سمع عمر قول سحيم عبد بني الحسحاس:

و هبت شمال آخر الليل قرة

و لا ثوب إلا درعها و ردائيا

فما زال بردي طيبا من ثيابها

مدى الحول حتى أنهج البرد باليا

فقال له ويحك إنك مقتول فلم تمض عليه أيام حتى قتل.قال الشعبي الرائحة الطيبة تزيد في العقل.كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق ثم يجلس في المجلس.و كانوا يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسحوا مقاديم لحاهم بالطيب.و اشترى تميم الداري حلة بثمانمائة درهم و هيأ طيبا فكان إذا قام من الليل تطيب و لبس حلته و قام في المحراب.و قال أنس يا جميلة هيئي لنا طيبا أمسح به يدي فإن ابن أم ثابت إذا جاء قبل يدي يعني ثابتا البناني.و قال سلم بن قتيبة لقد شممت من فلان رائحة أطيب من مشطة العروس الحسناء في أنف العاشق الشبق.و من كلام بعض الصالحين الفاسق رجس و لو تضمخ بالغالية.عرضت مدنية لكثير فقالت له أنت القائل:

فما روضة بالحزن طيبة الثرى

يمج الندى جثجاثها و عرارها

بأطيب من أردان عزة موهنا

و قد أوقدت بالمندل الرطب نارها

لو كانت هذه الصفة لزنجية تجتلي الحلة لطابت هلا قلت كما قال سيدك إمرؤ القيس

٣٤٤

أ لم ترياني كلما جئت طارقا

وجدت بها طيبا و إن لم تطيب

و قال الزمخشري إن النوى المنقع بالمدينة ينتاب أشرافها المواضع التي يكون فيها التماسا لطيب ريحه و إذا وجدوا ريحه بالعراق هربوا منها لخبثها قال و من اختلف في طرقات المدينة وجد رائحة طيبة و بنة عجيبة و لذلك سميت طيبة و الزنجية بها تجعل في رأسها شيئا من بلح و ما لا قيمة له فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوات الأقدار.قال و لو دخلت كل غالية و عطر قصبة الأهواز و قصبة أنطاكية لوجدتها قد تغيرت و فسدت في مدة يسيرة.أراد الرشيد المقام في أنطاكية فقال له شيخ منها إنها ليست من بلادك فإن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا ينتفع منه بشي‏ء و السلاح يصدأ فيها.سيراف من بلاد فارس لها فغمة طيبة.فأرة المسك دويبة شبيهة بالخشف تكون في ناحية تبت تصاد لأجل سرتها فإذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد و هي مدلاة فيجتمع فيها دمها ثم يذبحها و ما أكثر من يأكلها ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعر حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا و قد يوجد في البيوت جرذان سود يقال لها فأر المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها.و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ قال سألت بعض أصحابنا المعتزلة عن شأن المسك فقال لو لا أن رسول الله ص تطيب بالمسك لما تطيبت به لأنه دم فأما

٣٤٥

الزباد فليس مما يقرب ثيابي فقلت له قد يرتضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه لأن ذلك اللبن استحال لحما و خرج من تلك الطبيعة و عن تلك الصورة و عن ذلك الاسم و كذا لحم الجلالة فالمسك غير الدم و الخل غير الخمر و الجوهر لا يحرم لذاته و عينه و إنما يحرم للأعراض و العلل فلا تقزز منه عند ذكرك الدم فليس به بأس.قال الزمخشري و الزبادة هرة و يقال للزيلع و هم الذين يجتلبون الزباد يا زيلع الزبادة ماتت فيغضب.و قال ابن جزلة الطبيب في المنهاج الزباد طيب يؤخذ من حيوان كالسنور يقال إنه وسخ في رحمها.و قال الزمخشري العنبر يأتي طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه يقذفه البحر إلى البر فلا يأكل منه شي‏ء إلا مات و لا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه و لا يقع عليه إلا نصلت أظفاره و البحريون و العطارون ربما وجدوا فيه المنقار و الظفر.قال و البال و هو سمكة طولها خمسون ذراعا يؤكل منه اليسير فيموت.قال و سمعت ناسا من أهل مكة يقولون هو ضفع ثور في بحر الهند و قيل هو من زبد بحر سرنديب و أجوده الأشهب ثم الأزرق و أدونه الأسود.

و في حديث ابن عباس ليس في العنبر زكاة إنما هو شي‏ء يدسره البحر أي يدفعه.

٣٤٦

فأما صاحب المنهاج في الطب فقال العنبر من عين في البحر و يكون جماجم أكبرها وزنه ألف مثقال و الأسود أردأ أصنافه و كثيرا ما يوجد في أجواف السمك التي تأكله و تموت و توجد فيه سهوكة.و قال في المسك أنه سرة دابة كالظبي له نابان أبيضان معقفان إلى الجانب الإنسي كقرنين.

جاء في الحديث المرفوع لا تمنعوا إماء الله مساجد الله و ليخرجن إذا خرجن ثفلات أي غير متطيبات.

و في الحديث أيضا إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيبا و المراد من ذلك ألا تهيج عليهن شهوة الرجال.قال الشاعر:

و المسك بينا تراه ممتهنا

بفهر عطاره و ساحقه

حتى تراه في عارضي ملك

أو موضع التاج من مفارقه

الصنوبري في استهداء المسك:

المسك أشبه شي‏ء بالشباب فهب

بعض الشباب لبعض العصبة الشيب

يقال إن رجلا وجد قرطاسا فيه اسم الله تعالى فرفعه و كان عنده دينار فاشترى به مسكا فطيبه فرأى في المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك.قال خالد بن صفوان ليزيد بن المهلب ما رأيت صدا المغفر و لا عبق العنبر بأحد أليق منه بك فقال حاجتك قال ابن أخ لي في حبسك فقال يسبقك إلى المنزل.

٣٤٧

شاعر:

كأن دخان الند ما بين جمره

بقايا ضباب في رياض شقيق

قالوا خير العود المندلي و هو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند و أجوده أصلبه و امتحان رطبة أن ينطبع فيه نقش الخاتم و اليابس تفصح عنه النار و من خاصية المندلي أن رائحته تثبت في الثواب أسبوعا و أنه لا يقمل ما دامت فيه.قال صاحب المنهاج العود عروق أشجار تقلع و تدفن في الأرض حتى تتعفن منها الخشبية و القشرية و يبقى العود الخالص و أجوده المندلي و يجلب من وسط بلاد الهند ثم العود الهندي و هو يفضل على المندلي بأنه لا يولد القمل و هو أعبق بالثياب.قال و أفضل العود أرسبه في الماء و الطافي ردي‏ء.قال أبو العباس الأعمى:

ليت شعري من أين رائحة المسك

و ما إن أخال بالخيف أنسي

حين غابت بنو أمية عنه

و البهاليل من بني عبد شمس

خطباء على المنابر فرسان

على الخيل قالة غير خرس

بحلوم مثل الجبال رزان

و وجوه مثل الدنانير ملس

المسيب بن علس:

تبيت الملوك على عتبها

و شيبان إن غضبت تعتب

و كالشهد بالراح ألفاظهم

و أخلاقهم منهما أعذب

٣٤٨

و كالمسك ترب مقاماتهم

و ترب قبورهم أطيب

أخذه العباس بن الأحنف فقال:

و أنت إذا ما وطئت التراب

كان ترابك للناس طيبا

و هجا بعض الشعراء العمال في أيام عمر و وقع عليهم فقال في بعض شعره:

نئوب إذا آبوا و نغزو إذا غزوا

فأنى لهم وفر و لسنا ذوي وفر

إذا التاجر الداري جاء بفأرة

من المسك راحت في مفارقهم تجري

فقبض عمر على العمال و صادرهم.قالوا في الكافور إنه ماء في شجر مكفور فيه يغرزونه بالحديد فإذا خرج إلى ظاهر ذلك الشجر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار.و قال صاحب المنهاج هو أصناف منها الفنصوري و الرباحي و الأزاد و الإسفرك الأزرق و هو المختط بخشبه و قيل إن شجرته عظيمة تظلل أكثر من مائة فارس و هي بحرية و خشب الكافور أبيض إلى الحمرة خفيف و الرباحي يوجد في بدن شجرته قطع كالثلج فإذا شققت الشجرة تناثر منها الكافور الند هو الغالية و هو العود المطري بالمسك و العنبر و دهن البان و من الناس من لا يضيف إليه دهن البان و يجعل عوضه الكافور و منهم من لا يضيف إليه الكافور أيضا و من الناس من يركب الغالية من المسك و العنبر و الكافور و دهن النيلوفر.قال الأصمعي قلت لأبي المهدية الأعرابي كيف تقول ليس الطيب إلا المسك فلم يحفل الأعرابي و ذهب إلى مذهب آخر فقال فأين أنت عن العنبر فقلت كيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر قال فأين أنت عن البان قلت فكيف

٣٤٩

تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان قال فأين أنت عن ادهان بحجر يعني اليمامة قلت فكيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان و ادهان بحجر قال فأين أنت عن فأرة الإبل صادرة فرأيت أني قد أكثرت عليه فتركته قال و فأرة الإبل ريحها حين تصدر عن الماء و قد أكلت العشب الطيب.و في فأرة الإبل يقول الشاعر:

كأن فأرة مسك في مباءتها

إذا بدا من ضياء الصبح تنتشر

كان لأبي أيوب المرزباني وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إلى المنصور فلما رأى الناس غلبته على المنصور و طاعته له فيما يريده حتى إنه ربما كان يستحضره ليوقع به فإذا رآه تبسم إليه و طابت نفسه قالوا دهن أبي أيوب من عمل السحرة و ضربوا به المثل فقالوا لمن يغلب على الإنسان معه دهن أبي أيوب.أعرابي فيها مدر كف و مشم أنف.و قال عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري:

لو كنت أحمل خمرا حين زرتكم

لم ينكر الكلب أني صاحب الدار

لكن أتيت و ريح المسك يقدمني

و العنبر الورد مشبوبا على النار

فأنكر الكلب ريحي حين خالطني

و كان يألف ريح الزق و القار

قال الأصمعي ذكر لأبي أيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال ما علمت أن القذر و الذفر من الدين.ريح الكلب مثل في النتن قال الشاعر:

ريحها ريح كلاب

هارشت في يوم طل

و قال آخر:

يزداد لؤما على المديح كما

يزداد نتن الكلاب في المطر

٣٥٠

و قالت امرأة إمرئ القيس له و كان مفركا عند النساء إذا عرقت عرقت بريح كلب قال صدقت إن أهلي أرضعوني مرة بلبن كلبة.قال سلمة بن عياش يقول لجعفر بن سليمان:

فما شم أنفي ريح كف رأيتها

من الناس إلا ريح كفك أطيب

فأمر له بألف دينار و مائة مثقال من المسك و مائة مثقال من العنبر.

وجه عمر إلى ملك الروم بريدا فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيبا بدنانير و جعلته في قارورتين و أهدتهما إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد إليها و معه مل‏ء القارورتين جواهر فدخل عليها عمر و قد صبت الجواهر في حجرها فقال من أين لك هذا فأخبرته فقبض عليه و قال هذا للمسلمين قالت كيف و هو عوض هديتي قال بيني و بينك أبوك فقال علي ع لك منه بقيمة دينارك و الباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله.قيل لخديجة بنت الرشيد رسل العباس بن محمد على الباب معهم زنبيل يحمله رجلان فقالت تراه بعث إلي باقلاء فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية فيها مسحاة من ذهب و إذا برقعة هذه جرة أصيبت هي و أختها في خزائن بني أمية فأما أختها فغلب عليها الخلفاء و أما هذه فلم أر أحدا أحق بها منك

٣٥١

400

وَ قَالَ ع ضَعْ فَخْرَكَ وَ اُحْطُطْ كِبَرَكَ وَ اُذْكُرْ قَبْرَكَ قد تقدم القول في العجب و الكبر و الفخر

نبذ مما قيل في التيه و الفخر

في الحديث المرفوع أن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية و فخرها بالآباء الناس لآدم و آدم من تراب مؤمن تقي و فاجر شقي لينتهين أقوام يتفاخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من جعلات تدفع النتن بأنفها

و من وصيته ص إلى علي ع لا فقر أشد من الجهل و لا وحشة أفحش من العجب.أتى وائل بن حجر النبي ص فأقطعه أرضا و أمر معاوية أن يمضي معه فيريه الأرض و يعرضها عليه و يكتبها له فخرج مع وائل في هاجرة

٣٥٢

شاوية و مشى خلف ناقته فأحرقته الرمضاء فقال أردفني قال لست من أرداف الملوك قال فادفع إلي نعليك قال ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان و لكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي و لكن امش في ظل ناقتي فحسبك بذاك شرفا و يقال إنه عاش حتى أدرك زمن معاوية فأجلسه معه على سريره.قيل لحكيم ما الشي‏ء الذي لا يحسن أن يقال و إن كان حقا فقال الفخر.حبس هشام بن عبد الملك الفرزدق في سجن خالد بن عبد الله القسري فوفد جرير إلى خالد ليشفع فيه فقال له خالد أ لا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق فقال أيها الأمير و الله ما أحب أن يخزيه الله إلا بشعري و إنما قدمت لأشفع فيه قال فاشفع فيه في ملإ ليكون أخزى له فشفع فيه فدعا به فقال إني مطلقك بشفاعة جرير فقال أسير قسري و طليق كلبي فبأي وجه أفاخر العرب بعدها ردني إلى السجن.ذكر أعرابي قوما فقال ما نالوا بأناملهم شيئا إلا و قد وطئناه بأخامص أقدامنا و إن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.نظر رجل إلى بعض ولد أبي موسى يختال في مشيته فقال أ لا ترون مشيته كأن أباه خدع عمرو بن العاص.و سمع الفرزدق أبا بردة يقول كيف لا أتبختر و أنا ابن أحد الحكمين فقال أحدهما مائق و الآخر فاسق فكن ابن أيهما شئت.

نظر رسول الله ص إلى أبي دجانة و هو يتبختر بين الصفين فقال إن هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.

٣٥٣

لما بلغ الحسن بن علي ع قول معاوية إذا لم يكن الهاشمي جوادا و الأموي حليما و العوامي شجاعا و المخزومي تياها لم يشبهوا آباءهم فقال إنه و الله ما أراد بها النصيحة و لكن أراد أن يفنى بنو هاشم ما في أيديهم فيحتاجوا إليه و أن يشجع بنو العوام فيقتلوا و أن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا و أن يحلم بنو أمية فيحبهم الناس.كان قاضي القضاة محمد بن أبي الشوارب الأموي تائها فهجاه عبد الأعلى البصري فقال:

إني رأيت محمدا متشاوسا

مستصغرا لجميع هذي الناس

و يقول لما أن تنفس خاليا

نفسا له يعلو على الأنفاس

ويح الخلافة في جوانب لحيتي

تستن دون لحى بني العباس

بعض الأموية:

إذا تائه من عبد شمس رأيته

يتيه فرشحه لكل عظيم

و إن تاه تياه سواه فإنه

يتيه لحمق أو يتيه للوم

لبعض الأموية أيضا:

أ لسنا بني مروان كيف تبدلت

بنا الحال أو دارت علينا الدوائر

إذا ولد المولود منا تهللت

له الأرض و اهتزت إليه المنابر

بعض التياهين:

أتيه على إنس البلاد و جنها

و لو لم أجد خلقا أتيه على نفسي

أتيه فلا أدري من التيه من أنا

سوى ما يقول الناس في و في جنسي

فإن زعموا أني من الإنس مثلهم

فما لي عيب غير أني من الإنس

٣٥٤

بعض العلوية:

لقد نازعتنا من قريش عصابة

بمط خدود و امتداد أصابع

فلما تنازعنا الفخار قضى لنا

عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا و الشهيد بفضلنا

عليهم أذان الناس في كل جامع

بأن رسول الله لا شك جدنا

و أن بنيه كالنجوم الطوالع

كان عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بني العباس مثلا في التيه حتى قيل أتيه من عمارة و كان يتولى دواوين السفاح و المنصور و كان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبرا عن الرجوع و يقول نقض و إبرام في حالة واحدة الإصرار على الخطإ أهون من ذلك و افتخرت أم سلمة المخزومية امرأة السفاح ذات ليلة بقومها على السفاح و بنو مخزوم يضرب بهم المثل في الكبر و التيه فقال أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك مثله فأرسل إلى عمارة و أمر الرسول أن يعجله عن تغيير زيه فجاء على الحال التي وجده عليها الرسول في ثياب ممسكة مزررة بالذهب و قد غلف لحيته بالغالية حتى قامت فرمى إليه السفاح بمدهن ذهب مملوء غالية فلم يلتفت إليه و قال هل ترى لها في لحيته موضعا فأخرجت أم سلمة عقدا لها ثمينا و أمرت خادما أن يضعه بين يديه فقام و تركه فأمرت الخادم أن يتبعه به و يقول إنها تسألك قبوله فقال للخادم هو لك فانصرف بالعقد إليها فأعطت الخادم فكاكه عشرة آلاف دينار و استرجعته و عجبت من نفس عمارة و كان عمارة لا يذل للخلفاء و هم مواليه و يتيه عليهم.نظر رجل إلى المهدي و يده في يد عمارة و هما يمشيان فقال يا أمير المؤمنين

٣٥٥

من هذا قال هذا أخي و ابن عمي عمارة بن حمزة فلما ولى الرجل ذكر المهدي الكلمة كالممازح لعمارة فقال عمارة و الله لقد انتظرت أن تقول مولاي فأنفض يدي من يدك فتبسم المهدي.و كان أبو الربيع الغنوي أعرابيا جافيا تياها شديد الكبر قال أبو العباس المبرد في الكامل فذكر الجاحظ أنه أتاه و معه رجل هاشمي قال فناديت أبو الربيع هنا فخرج إلي و هو يقول خرج إليك رجل أكرم الناس فلما رأى الهاشمي استحيا و قال أكرم الناس رديفا و أشرفهم حليفا أراد بذلك أبا مرثد الغنوي لأنه كان رديف رسول الله ص و حليف أبي بكر قال حدثنا ساعة ثم نهض الهاشمي فقلت له من خير الخلق قال الناس و الله قلت من خير الناس قال العرب و الله قلت فمن خير العرب قال مضر و الله قلت فمن خير مضر قال قيس و الله قلت فمن خير قيس قال يعصر و الله قلت فمن خير يعصر قال غني و الله قلت فمن خير غني قال المخاطب لك و الله قلت أ فأنت خير الناس قال إي و الله قلت أ يسرك أن تكون تحتك ابنة يزيد بن المهلب قال لا و الله قلت و لك ألف دينار قال لا و الله قلت فألفا دينار قال لا و الله قلت و لك الجنة قال فأطرق ثم قال على ألا تلد مني ثم أنشد:

تأبى ليعصر أعراق مهذبة

من أن تناسب قوما غير أكفاء

فإن يكن ذاك حتما لا مرد له

فاذكر حذيف فإني غير أباء

٣٥٦

أراد حذيفة بن بدر الفزاري و كان سيد قيس في زمانه.رأى عمر رجلا يمشي مرخيا يديه طارحا رجليه يتبختر فقال له دع هذه المشية فقال ما أطيق فجلده ثم خلاه فترك التبختر فقال عمر إذا لم أجلد في هذا ففيم أجلد فجاءه الرجل بعد ذلك فقال جزاك الله يا أمير المؤمنين خيرا إن كان إلا شيطانا سلط علي فأذهبه الله بك

٣٥٧

401

وَ قَالَ ع خُذْ مِنَ اَلدُّنْيَا مَا أَتَاكَ وَ تَوَلَّ عَمَّا تَوَلَّى عَنْكَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَجْمِلْ فِي اَلطَّلَبِ كان يقال اجعل الدنيا كغريم السوء حصل منه ما يرضخ لك به و لا تأس على ما دفعك عنه ثم قال ع فإن لم تفعل فأجمل في الطلب و هي

من الألفاظ النبوية لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب.قيل لبعض الحكماء ما الغنى فقال قلة تمنيك و رضاك بما يكفيك

٣٥٨

402

وَ قَالَ ع رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ قد قيل هذا المعنى كثيرا فمنه قولهم

و القول ينفذ ما لا تنفذ الإبر

و من ذلك القول لا تملكه إذا نما كالسهم لا تملكه إذا رمى و قال الشاعر:

و قافية مثل حد السنان

تبقى و يذهب من قالها

تخيرتها ثم أرسلتها

و لم يطق الناس إرسالها

و قال محمود الوراق:

أتاني منك ما ليس

على مكروهه صبر

فأغضيت على عمد

و كم يغضي الفتى الحر

و أدبتك بالهجر

فما أدبك الهجر

و لا ردك عما كان

منك الصفح و البر

فلما اضطرني المكروه

و اشتد بي الأمر

تناولتك من شعري

بما ليس له قدر

فحركت جناح الضر

لما مسك الضر

إذا لم يصلح الخير

امرأ أصلحه الشر

٣٥٩

و قال الرضيرحمه‌الله :

سأمضغ بالأقوال أعراض قومكم

و للقول أنياب لدي حداد

يرى للقوافي و السماء جلية

عليكم بروق جمة و رعاد

و قال أيضا:

كعمت لساني أن يقول و إن يقل

فقل في الجراز العضب إن فارق الغمدا

و إن برودا للمخازي معدة

فمن شاء من ذا الحي أسحبته بردا

قلائد في الأعناق بالعار لا تهي

على مر أيام الزمان و لا تصدا

إذا صلصلت بين القنا قضت القنا

و إن زفرت في السر قطعت السردا

٣٦٠