كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37351
تحميل: 5844


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37351 / تحميل: 5844
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

403

وَ قَالَ ع كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْهِ كَافٍ هذا من باب القناعة و إن من اقتصر على شي‏ء و قنعت به نفسه فقد كفاه و قام مقام الفضول التي يرغب فيها المترفون و قد تقدم القول في ذلك

٣٦١

404

وَ قَالَ ع اَلْمَنِيَّةُ وَ لاَ اَلدَّنِيَّةُ وَ اَلتَّقَلُّلُ وَ لاَ اَلتَّوَسُّلُ قد تقدم من كلامنا في هذا الباب شي‏ء كثير و قال الشاعر:

أقسم بالله لمص النوى

و شرب ماء القلب المالحه

أحسن بالإنسان من ذله

و من سؤال الأوجه الكالحه

فاستغن بالله تكن ذا غنى

مغتبطا بالصفقة الرابحه

فالزهد عز و التقى سؤدد

و ذلة النفس لها فاضحه

كم سالم صحيح به بغتة

و قائل عهدي به البارحه

أمسى و أمست عنده قينة

و أصبحت تندبه نائحه

طوبى لمن كانت موازينه

يوم يلاقي ربه راجحه

و قال أيضا:

لمص الثماد و خرط القتاد

و شرب الأجاج أوان الظمإ

على المرء أهون من أن يرى

ذليلا لخلق إذا أعدما

و خير لعينيك من منظر

إلى ما بأيدي اللئام العمى

قلت لحاه الله هلا قال بأيدي الرجال

٣٦٢

405

وَ قَالَ ع مَنْ لَمْ يُعْطَ قَاعِداً لَمْ يُعْطَ قَائِماً مراده أن الرزق قد قسمه الله تعالى فمن لم يرزقه قاعدا لم يجب عليه القيام و الحركة.و قد جاء

في الحديث أنه ص ناول أعرابيا تمرة و قال له خذها فلو لم تأتها لأتتك.و قال الشاعر:

جرى قلم القضاء بما يكون

فسيان التحرك و السكون

جنون منك أن تسعى لرزق

و يرزق في غشاوته الجنين

٣٦٣

406

وَ قَالَ ع اَلدَّهْرُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ وَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ قديما قيل هذا المعنى الدهر يومان يوم بلاء و يوم رخاء و الدهر ضربان حبرة و عبرة و الدهر وقتان وقت سرور و وقت ثبور.و قال أبو سفيان يوم أحد يوم بيوم بدر و الدنيا دول.قال ع فإذا كان لك فلا تبطر و إذا كان عليك فاصبر.قد تقدم القول في ذم البطر و مدح الصبر و يحمل ذم البطر هاهنا على محملين أحدهما البطر بمعنى الأشر و شدة المرح بطر الرجل بالكسر يبطر و قد أبطره المال و قالوا بطر فلان معيشته كما قالوا رشد فلان أمره و الثاني البطر بمعنى الحيرة و الدهش أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعن زمانك بالحيرة و الدهش عن شكر الله و مكافأة النعمة بالطاعة و العبادة و المحمل الأول أوضح

٣٦٤

407

وَ قَالَ ع إِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى اَلْوَلَدِ حَقّاً وَ إِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى اَلْوَالِدِ حَقّاً فَحَقُّ اَلْوَالِدِ عَلَى اَلْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ حَقُّ اَلْوَلَدِ عَلَى اَلْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اِسْمَهُ وَ يُحَسِّنَ أَدَبَهُ وَ يُعَلِّمَهُ اَلْقُرْآنَ أما صدر الكلام فمن قول الله سبحانه( أَنِ اُشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ اَلْمَصِيرُ وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما )

طرائف حول الأسماء و الكنى

و أما تعليم الوالد الولد القرآن و الأدب فمأمور به و كذلك القول في تسميته باسم حسن و قد جاء

في الحديث تسموا بأسماء الأنبياء و أحب الأسماء إلى الله عبد الله و عبد الرحمن و أصدقها حارث و همام و أقبحها حرب و مرة

و روى أبو الدرداء عن النبي ص أنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و أسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم

٣٦٥

و قال ع إذا سميتم فعبدوا أي سموا بنيكم عبد الله و نحوه من أسماء الإضافة إليه عز اسمه و كان رسول الله ص يغير بعض الأسماء سمى أبا بكر عبد الله و كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة و سمى ابن عوف عبد الرحمن و كان اسمه عبد الحارث و سمى شعب الضلالة شعب الهدى و سمى يثرب طيبة و سمى بني الريبة بني الرشدة و بني معاوية بني مرشدة.كان سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي أحد الفقهاء المشهورين

أتى جده رسول الله ص فقال له ما اسمك قال حزن قال لا بل أنت سهل فقال لا بل أنا حزن عاوده فيها ثلاثا ثم قال لا أحب هذا الاسم السهل يوطأ و يمتهن فقال فأنت حزن فكان سعيد يقول فما زلت أعرف تلك الحزونة فينا

و روى جابر عنه ع ما من بيت فيه أحد اسمه محمد إلا وسع الله عليه الرزق فإذا سميتموهم به فلا تضربوهم و لا تشتموهم و من ولد له ثلاثة ذكور و لم يسم أحدهم أحمد أو محمدا فقد جفاني

أبو هريرة عنه ع أنه نهى أن يجمع بين اسمه و كنيته لأحد

و روي أنه أذن لعلي بن أبي طالب ع في ذلك فسمى ابنه محمد بن الحنفية محمدا و كناه أبا القاسم و قد روي أن جماعة من أبناء الصحابة جمع لهم بين الاسم و الكنية.و قال الزمخشري قد قدم الخلفاء و غيرهم من الملوك رجالا بحسن أسمائهم و أقصوا قوما لشناعة أسمائهم و تعلق المدح و الذم بذلك في كثير من الأمور.

٣٦٦

و في رسالة الجاحظ إلى أبي الفرج نجاح بن سلمة قد أظهر الله في أسمائكم و أسماء آبائكم و كناكم و كنى أجدادكم من برهان الفأل الحسن و نفي طيرة السوء ما جمع لكم صنوف الأمل و صرف إليكم وجوه الطلب فأسماؤكم و كناكم بين فرج و نجاح و سلامة و فضل و وجوهكم و أخلاقكم و وفق أعراقكم و أفعالكم فلم يضرب التفاوت فيكم بنصيب.أراد عمر الاستعانة برجل فسأله عن اسمه و اسم أبيه فقال سراق بن ظالم فقال تسرق أنت و يظلم أبوك فلم يستعن به.سأل رجل رجلا ما اسمك فقال بحر قال أبو من قال أبو الفيض قال ابن من قال ابن الفرات قال ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلا في زورق.و كان بعض الأعراب اسمه وثاب و له كلب اسمه عمرو فهجاه أعرابي آخر فقال:

و لو هيأ له الله

من التوفيق أسبابا

لسمى نفسه عمرا

و سمى الكلب وثابا

قالوا و كلما كان الاسم غريبا كان أشهر لصاحبه و أمنع من تعلق النبز به قال رؤبة:

قد رفع العجاج ذكري فادعني

باسمي إذا الأسماء طالت تكفني

و من هاهنا أخذ المعري قوله يمدح الرضي و المرتضى رحمهما الله:

أنتم ذوو النسب القصير فطولكم

باد على الكبراء و الأشراف

و الراح إن قيل ابنة العنب اكتفت

بأب عن الأسماء و الأوصاف

٣٦٧

و سأل النسابة البكري رؤبة عن نسبه و لم يكن يعرفه قال أنا ابن العجاج قال قصرت و عرفت.صاح أعرابي بعبد الله بن جعفر يا أبا الفضل قيل ليست كنيته قال و إن لم تكن كنيته فإنها صفته نظر عمر إلى جارية له سوداء تبكي فقال ما شأنك قالت ضربني ابنك أبو عيسى قال أ و قد تكنى بأبي عيسى علي به فأحضروه فقال ويحك أ كان لعيسى أب فتكنى به أ تدري ما كنى العرب أبو سلمة أبو عرفطة أبو طلحة أبو حنظلة ثم أدبه.لما أقبل قحطبة بن شبيب نحو ابن هبيرة أراد ابن هبيرة أن يكتب إلى مروان بخبره و كره أن يسميه فقال اقلبوا اسمه فوجدوه هبط حق فقال دعوه على هيئته.قال برصوما الزامر لأمه ويحك أ ما وجدت لي اسما تسميني به غير هذا قالت لو علمت أنك تجالس الخلفاء و الملوك سميتك يزيد بن مزيد.قيل لبعض صبيان الأعراب ما اسمك قال قراد قيل لقد ضيق أبوك عليك الاسم قال إن ضيق الاسم لقد أوسع الكنية قال ما كنيتك قال أبو الصحاري.نظر المأمون إلى غلام حسن الوجه في الموكب فقال له يا غلام ما اسمك قال لا أدري قال أ و يكون أحد لا يعرف اسمه فقال يا أمير المؤمنين اسمي الذي أعرف به لا أدري فقال المأمون:

و سميت لا أدري لأنك لا تدري

بما فعل الحب المبرح في صدري

ولد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبشر به و هو عند معاوية

٣٦٨

بن أبي سفيان فقال له معاوية سمه باسمي و لك خمسمائة ألف درهم فسماه معاوية فدفعها إليه و قال اشتر بها لسميي ضيعة.

و من حديث علي ع عن النبي ص إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه و أوسعوا له في المجلس و لا تقبحوا له وجها

و عنه ص ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم عليها من اسمه محمدا أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم و ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه محمدا أو أحمد إلا قدس ذلك المنزل في كل يوم مرتين.من أبيات المعاني:

و حللت من مضر بأمنع ذروة

منعت بحد الشوك و الأحجار

قالوا يريد بالشوك أخواله و هم قتادة و طلحة و عوسجة و بالأحجار أعمامه و هم صفوان و فهر و جندل و صخر و جرول.سمى عبد الملك ابنا له الحجاج لحبه الحجاج بن يوسف و قال فيه:

سميته الحجاج بالحجاج

الناصح المكاشف المداجي

استأذن الجاحظ و الشكاك و هو من المتكلمين على رئيس فقال الخادم لمولاه الجاحد و الشكاك فقال هذان من الزنادقة لا محالة فصاح الجاحظ ويحك ارجع قل الحدقي بالباب و به كان يعرف فقال الخادم الحلقي بالباب فصاح الجاحظ ويلك ارجع إلى الجاحد.جمع ابن دريد ثمانية أسماء في بيت واحد فقال:

فنعم أخو الجلى و مستنبط الندى

و ملجأ مكروب و مفزع لاهث

عياذ بن عمرو بن الجليس بن جابر بن زيد بن منظور بن زيد بن وارث

٣٦٩

قال محمد بن صدقة المقرئ ليموت بن المزرع صدق الله فيك اسمك فقال له أحوجك الله إلى اسم أبيك.سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل من العرب فلم يعرفه فقال كيسان غلامه أنا أعرف الناس به هو خراش أو خداش أو رياش أو شي‏ء آخر فقال أبو عبيدة ما أحسن ما عرفته يا كيسان قال إي و الله و هو قرشي أيضا قال و ما يدريك به قال أ ما ترى كيف احتوشته الشينات من كل جانب قال الفرزدق:

و قد تلتقي الأسماء في الناس و الكنى

كثيرا و لكن ميزوا في الخلائق

رأى الإسكندر في عسكره رجلا لا يزال ينهزم في الحرب فسأله عن اسمه فقال اسمي الإسكندر فقال يا هذا إما أن تغير اسمك و إما أن تغير فعلك.قال شيخنا أبو عثمان لو لا أن القدماء من الشعراء سمت الملوك و كنتها في أشعارها و أجازت و اصطلحت عليه ما كان جزاء من فعل ذلك إلا العقوبة على أن ملوك بني سامان لم يكنها أحد من رعاياها قط و لا سماها في شعر و لا خطبة و إنما حدث هذا في ملوك الحيرة و كانت الجفاة من العرب لسوء أدبها و غلظ تركيبها إذا أتوا النبي ص خاطبوه باسمه و كنيته فأما أصحابه فكانت مخاطبتهم له يا رسول الله و هكذا يجب أن يقال للملك في المخاطبة يا خليفة الله و يا أمير المؤمنين.و ينبغي للداخل على الملك أن يتلطف في مراعاة الأدب كما حكى سعيد بن مرة الكندي دخل على معاوية فقال أنت سعيد فقال أمير المؤمنين السعيد و أنا ابن مرة.و قال المأمون للسيد بن أنس الأزدي أنت السيد فقال أنت السيد يا أمير المؤمنين و أنا ابن أنس.

٣٧٠

شاعر:

لعمرك ما الأسماء إلا علامة

منار و من خير المنار ارتفاعها

كان قوم من الصحابة يخاطبون رسول الله ص يا نبي‏ء الله بالهمزة فأنكر ذلك و قال لست بنبي‏ء الله و لكني نبي الله.و كان البحتري إذا ذكر الخثعمي الشاعر يقول ذاك الغث العمي.و كان صاحب ربيع يتشيع فارتفع إليه خصمان اسم أحدهما علي و الآخر معاوية فانحنى على معاوية فضربه مائة سوط من غير أن اتجهت عليه حجة ففطن من أين أتي فقال أصلحك الله سل خصمي عن كنيته فإذا هو أبو عبد الرحمن و كانت كنية معاوية بن أبي سفيان فبطحه و ضربه مائة سوط فقال لصاحبه ما أخذته مني بالاسم استرجعته منك بالكنية

٣٧١

408

وَ قَالَ ع اَلْعَيْنُ حَقٌّ وَ اَلرُّقَى حَقٌّ وَ اَلسِّحْرُ حَقٌّ وَ اَلْفَأْلُ حَقٌّ وَ اَلطِّيَرَةُ لَيْسَتْ بِحَقٍّ وَ اَلْعَدْوَى لَيْسَتْ بِحَقٍّ وَ اَلطِّيبُ نُشْرَةٌ وَ اَلْعَسَلُ نُشْرَةٌ وَ اَلرُّكُوبُ نُشْرَةٌ وَ اَلنَّظَرُ إِلَى اَلْخُضْرَةِ نُشْرَةٌ و يروى و الغسل نشرة بالغين المعجمة أي التطهير بالماء

أقوال في العين و السحر و الفأل و العدوى و الطيرة

و قد جاء في الحديث المرفوع العين حق و لو كان شي‏ء يسبق القدر لسبقته العين و إذا استغسلتم فاغسلوا قالوا في تفسيره إنهم كانوا يطلبون من العائن أن يتوضأ بماء ثم يسقي منه المعين و يغتسل بسائره.و في حديث عائشة العين حق كما أن محمدا حق.و للحكماء في تعليل ذلك قول لا بأس به قالوا هذا عائد إلى نفس العائن و ذلك لأن الهيولى مطيعة للأنفس متأثرة بها أ لا ترى أن نفوس الأفلاك تؤثر فيها بتعاقب الصور عليها و النفوس البشرية من جوهر نفوس الأفلاك و شديدة الشبه بها إلا أن نسبتها إليها نسبة السراج إلى الشمس فليست عامة التأثير بل تأثيرها في أغلب الأمر في بدنها خاصة و لهذا يحمى مزاج الإنسان عند الغضب

٣٧٢

يستعد للجماع عند تصور النفس صورة المعشوق فإذن قد صار تصور النفس مؤثرا فيما هو خارج عنها لأنها ليست حالة في البدن فلا يستبعد وجود نفس لها جوهر مخصوص مخالف لغيره من جواهر النفوس تؤثر في غير بدنها و لهذا يقال إن قوما من الهند يقتلون بالوهم و الإصابة بالعين من هذا الباب و هو أن تستحسن النفس صورة مخصوصة و تتعجب منها و تكون تلك النفس خبيثة جدا فينفعل جسم تلك الصورة مطيعا لتلك النفس كما ينفعل البدن للسم.

و في حديث أم سلمة أن رسول الله ص رأى في وجه جارية لها سعفة فقال إن بها نظرة فاسترقوا لها.

و قال عوف بن مالك الأشجعي كنا نرقي في الجاهلية فقلت يا رسول الله ما ترى في ذلك فقال أعرضوا على رقاكم فلا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك

كان ناس من أصحاب رسول الله ص في سفر فمروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم و قالوا لهم هل فيكم من راق فإن سيد الحي لديغ فقال رجل منهم نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطي قطيعا من الغنم فأبى أن يقبلها حتى يأتي رسول الله ص فذكر ذلك لرسول الله ص و قال و عيشك ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب فقال ما أدراكم إنها رقية خذوا منهم و اضربوا لي معكم بسهم

و روى بريدة قال قال رسول الله ص و قد ذكرت عنده الطيرة من عرض له من هذه الطيرة شي‏ء فليقل اللهم لا طير إلا طيرك و لا خير إلا خيرك و لا إله غيرك و لا حول و لا قوة إلا بالله

و عنه ع ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له

٣٧٣

أنس بن مالك يرفعه لا عدوى و لا طيرة و يعجبني الفأل الصالح قالوا فما الفأل الصالح قال الكلمة الطيبة

و عنه ع تفاءلوا و لا تطيروا

و روى عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله ص كان لا يتطير من شي‏ء و كان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه فإذا أعجبه سر به و رئي بشر ذلك في وجهه و إن كره اسمه رئيت الكراهة على وجهه و إذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه ظهر على وجهه.بنى عبيد الله بن زياد بالبصرة دارا عظيمة فمر بها بعض الأعراب فرأى في دهليزها صورة أسد و كلب و كبش فقال أسد كالح و كبش ناطح و كلب نابح و الله لا يمتع بها فلم يلبث عبيد الله فيها إلا أياما يسيرة.

أبو هريرة يرفعه إذا ظننتم فلا تحققوا و إذا تطيرتم فامضوا و على الله فتوكلوا

و قال ع أحسنها الفأل و لا يرد قدرا و لكن إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت و لا يدفع السيئات إلا أنت و لا حول و لا قوة إلا بك.و قال بعض الشعراء:

لا يعلم المرء ليلا ما يصبحه

إلا كواذب ما يجري به الفأل

و الفأل و الزجر و الكهان كلهم

مضللون و دون الغيب أقفال

و عن النبي ص القيافة و الطرق و الطيرة من الخبث

ابن عباس يرفعه من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر

أبو هريرة يرفعه من أتى كاهنا فصدقه فيما يقول فقد برئ مما أنزل الله على أبي القاسم.

٣٧٤

شاعر:

لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى

و لا زاجرت الطير ما الله صانع

و قال آخر:

لا يقعدنك عن بغاء

الخير تعقاد العزائم

فلقد غدوت و كنت لا

أغدو على راق و حائم

فإذا الأشائم كالأيامن

و الأيامن كالأشائم

و كذاك لا خير و لا

شر على أحد بدائم

تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار فقلده خراسان فبقي فيها عشر سنين.و تفاءل عامر بن إسماعيل قاتل مروان بن محمد باسم رجل لقيه فسأله عن اسمه فقال منصور بن سعد قال من أي العرب قال من سعد العشيرة فاستصحبه و طلب مروان فظفر به و قتله.و تفاءل المأمون بمنصور بن بسام فكان سبب مكانته عنده.قالوا إنما أصل اليد اليسرى العسرى إلا أنهم أبدلوا اليسرى من اليسر تفاؤلا.مزرد بن ضرار:

و إني امرؤ لا تقشعر ذؤابتي

من الذئب يعوي و الغراب المحجل

الكميت:

و لا أنا ممن يزجر الطير همه

أ صاح غراب أم تعرض ثعلب

و قال بعض العرب خرجت في طلب ناقة ضلت لي فسمعت قائلا يقول:

و لئن بعثت لها بغاة

فما البغاة بواجدينا

٣٧٥

فلم أتطير و مضيت لوجهي فلقيني رجل قبيح الوجه به ما شئت من عاهة فلم أتطير و تقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها صائحا

و الشر يلقى مطالع الأكم

فلم أكترث و لا انثنيت و علوتها فوجدت ناقتي قد تفاجت للولادة فنتجتها و عدت إلى منزلي بها و معها ولدها.

و قيل لعلي ع لا تحاربهم اليوم فإن القمر في العقرب فقال قمرنا أم قمرهم

و روي عنه ع أنه كان يكره أن يسافر أو يتزوج في محاق الشهر و إذا كان القمر في العقرب و روي أن ابن عباس قال على منبر البصرة إن الكلاب من الحن و إن الحن من ضعفاء الجن فإذ غشيكم منهم شي‏ء فألقوا إليه شيئا أو اطردوه فإن لها أنفس سوء.و قال أبو عثمان الجاحظ كان علماء الفرس و الهند و أطباء اليونانيين و دهاة العرب و أهل التجربة من نازلة الأمصار و حذاق المتكلمين يكرهون الأكل بين يدي السباع يخافون عيونها للذي فيها من النهم و الشره و لما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الردي‏ء و ينفصل من عيونها مما إذا خالط الإنسان نقض بنية قلبه و أفسده و كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب و الأشربة على رءوسهم خوفا من أعينهم و شدة ملاحظتهم إياهم و كانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا و كانوا يقولون في الكلب و السنور إما أن يطرد أو يشغل بما يطرح له.

٣٧٦

و قالت الحكماء نفوس السباع أردأ النفوس و أخبثها لفرط شرهها و شرها قالوا و قد وجدنا الرجل يضرب الحية بعصا فيموت الضارب و الحية لأن سم الحية فصل منها حتى خالط أحشاء الضارب و قلبه و نفذ في مسام جسده.و قد يديم الإنسان النظر إلى العين المحمرة فتعتري عينه حمرة و التثاؤب يعدي أعداء ظاهرا و يكره دنو الطامث من اللبن لتسوطه لأن لها رائحة و بخارا يفسد اللبن المسوط.و قال الأصمعي رأيت رجلا عيونا كان يذكر عن نفسه أنه إذا أعجبه الشي‏ء وجد حرارة تخرج من عينه.و قال أيضا كان عندنا عيونان فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال تالله ما رأيت كاليوم حوضا فانصدع فلقتين فمر عليه الثاني فقال و أبيك لقلما ضررت أهلك فيك فتطاير أربع فلق.و سمع آخر صوت بول من وراء جدار حائط فقال إنك كثير الشخب فقالوا هو ابنك فقال أوه انقطع ظهره فقيل لا بأس عليه إن شاء الله فقال و الله لا يبول بعدها أبدا فما بال حتى مات.و سمع آخر صوت شخب ناقة بقوة فأعجبه فقال أيتهن هذه فوروا بأخرى عنها فهلكتا جميعا المورى بها و المورى عنها قال رجل من خاصة المنصور له قبل أن يقتل أبا مسلم بيوم واحد إني رأيت اليوم لأبي مسلم ثلاثا تطيرت له منها قال ما هي قال ركب فوقعت قلنسوته

٣٧٧

عن رأسه فقال المنصور الله أكبر تبعها و الله رأسه فقال و كبا به فرسه فقال الله أكبر كبا و الله جده و أصلد زنده فما الثالثة قال إنه قال لأصحابه أنا مقتول و إنما أخادع نفسي و إذا رجل ينادي آخر من الصحراء اليوم آخر الأجل يا فلان فقال الله أكبر انقضى أجله إن شاء الله و انقطع من الدنيا أثره فقتل في غد ذلك اليوم.تجهز النابغة الذبياني للغزو و اسمه زياد بن عمرو مع زبان بن سيار الفزاري فلما أراد الرحيل سقطت عليه جرادة فتطير و قال ذات لونين تجرد غري من خرج فأقام و لم يلتفت زبان إلى طيرته فذهب و رجع غانما فقال:

تطير طيرة يوما زياد

لتخبره و ما فيها خبير

أقام كان لقمان بن عاد

أشار له بحكمته مشير

تعلم إنه لا طير إلا

على متطير و هو الثبور

بلى شي‏ء يوافق بعض شي‏ء

أحايينا و باطله كثير

حضر عمر بن الخطاب الموسم فصاح به صائح يا خليفة رسول الله فقال رجل من بني لهب و هم أهل عيافة و زجر دعاه باسم ميت مات و الله أمير المؤمنين فلما وقف الناس للجمار إذا حصاة صكت صلعة عمر فأدمي منها فقال ذلك القائل أشعر و الله أمير المؤمنين لا و الله ما يقف هذا الموقف أبدا فقتل عمر قبل أن يحول الحول و قال كثير بن عبد الرحمن:

تيممت لهبا أبتغي العلم عندها

و قد صار علم العائفين إلى لهب

٣٧٨

كان للعرب كاهنان اسم أحدهما شق و كان نصف إنسان و اسم الآخر سطيح و كان يطوى طي الحصير و يتكلمان بكل أعجوبة في الكهانة فقال ابن الرومي:

لك رأي كأنه رأي شق

و سطيح قريعي الكهان

يستشف الغيوب عما تواري

بعيون جلية الإنسان

و قال أبو عثمان الجاحظ كان مسيلمة قبل أن يتنبأ يدور في الأسواق التي كانت بين دور العرب و العجم كسوق الأبلة و سوق بقة و سوق الأنبار و سوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل و النيرنجيات و احتيالات أصحاب الرقى و العزائم و النجوم و قد كان أحكم علم الحزاة و أصحاب الزجر و الخط فعمد إلى بيضة فصب إليها خلا حاذقا قاطعا فلانت حتى إذا مدها الإنسان استطالت و دقت كالعلك ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس و تركها حتى انضمت و استدارت و جمدت فعادت كهيئتها الأولى فأخرجها إلى قوم و هم أعراب و استغواهم بها و فيه قيل:

ببيضة قارور و راية شادن

و توصيل مقطوع من الطير حاذق

قالوا أراد براية الشادن التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق و يجعل لها ذنبا و جناحين و يرسلها يوم الريح بخيط طويل.كان مسيلمة يعمل رايات من هذا الجنس و يعلق فيها الجلاجل و يرسلها ليلا في شدة الريح و يقول هذه الملائكة تنزل علي و هذه خشخشة الملائكة و زجلها و كان يصل جناح الطير المقصوص بريش معه فيطير و يستغوي به الأعراب.شاعر في الطيرة

٣٧٩

و أمنع الياسمين الغض من حذري

عليك إذ قيل لي نصف اسمه ياس

و قال آخر:

أهدت إليه سفرجلا فتطيرا

منه و ظل مفكرا مستعبرا

خوف الفراق لأن شطر هجائه

سفر و حق له بأن يتطيرا

و قال آخر:

يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا

ما كنت في إهدائه محسنا

نصف اسمه سو فقد ساءني

يا ليت إني لم أر السوسنا

و مثله:

لا تراني طوال دهري

أهوى الشقائقا

إن يكن يشبه الخدود

فنصف اسمه شقا

و كانوا يتفاءلون بالآس لدوامه و يتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه و يسمونه الغدار.و قال العباس بن الأحنف:

إن الذي سماك يا منيتي

بالنرجس الغدار ما أنصفا

لو أنه سماك بالآسة

وفيت إن الآس أهل الوفا

خرج كثير يريد عزة و معه صاحب له من نهد فرأى غرابا ساقطا فوق بانة ينتف ريشه فقال له النهدي إن صدق الطير فقد ماتت عزة فوافى أهلها و قد أخرجوا جنازتها فقال:

و ما أعيف النهدي لا در دره

و أزجره للطير لا عز ناصره

رأيت غرابا ساقطا فوق بانة

ينتف أعلى ريشه و يطايره

٣٨٠