كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة4%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38785 / تحميل: 6874
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

البصيرة إنكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل فهل أنت محدثي بحديث عنه أذكره للناس فقال يا ربيعة و ما الذي تسألني عن علي و ما الذي أحدثك عنه و الذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع أعمال أمة محمد ص في كفة الميزان منذ بعث الله تعالى محمدا إلى يوم الناس هذا و وضع عمل واحد من أعمال علي في الكفة الأخرى لرجح على أعمالهم كلها فقال ربيعة هذا المدح الذي لا يقام له و لا يقعد و لا يحمل إني لأظنه إسرافا يا أبا عبد الله فقال حذيفة يا لكع و كيف لا يحمل و أين كان المسلمون يوم الخندق و قد عبر إليهم عمرو و أصحابه فملكهم الهلع و الجزع و دعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتى برز إليه علي فقتله و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمة محمد ص إلى هذا اليوم و إلى أن تقوم القيامة.و جاء في الحديث المرفوع أن رسول الله ص قال ذلك اليوم حين برز إليه برز الإيمان كله إلى الشرك كله.و قال أبو بكر بن عياش لقد ضرب علي بن أبي طالب ع ضربة ما كان في الإسلام أيمن منها ضربته عمرا يوم الخندق و لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله.و في الحديث المرفوع أن رسول الله ص لما بارز علي عمرا ما زال رافعا يديه مقمحا رأسه نحو السماء داعيا ربه قائلا اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر و حمزة يوم أحد فاحفظ علي اليوم عليا( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْوارِثِينَ ) .

و قال جابر بن عبد الله الأنصاري و الله ما شبهت يوم الأحزاب قتل علي عمرا

٦١

و تخاذل المشركين بعده إلا بما قصه الله تعالى من قصة طالوت و جالوت في قوله( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اَللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) .

و روى عمرو بن أزهر عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن عليا ع لما قتل عمرا احتز رأسه و حمله فألقاه بين يدي رسول الله ص فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأسه و وجه رسول الله ص يتهلل فقال هذا النصر أو قال هذا أول النصر.و في الحديث المرفوع أن رسول الله ص قال يوم قتل عمرو ذهبت ريحهم و لا يغزوننا بعد اليوم و نحن نغزوهم إن شاء الله

قصة غزوة الخندق

و ينبغي أن نذكر ملخص هذه القصة من مغازي الواقدي و ابن إسحاق قالا خرج عمرو بن عبد ود يوم الخندق و قد كان شهد بدرا فارتث جريحا و لم يشهد أحدا فحضر الخندق شاهرا سيفه معلما مدلا بشجاعته و بأسه و خرج معه ضرار بن الخطاب الفهري و عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميون فطافوا بخيولهم على الخندق إصعادا و انحدارا يطلبون موضعا ضيقا يعبرونه حتى وقفوا على أضيق موضع فيه في المكان المعروف بالمزار فأكرهوا خيولهم على العبور فعبرت و صاروا مع المسلمين على أرض واحدة و رسول الله ص جالس و أصحابه قيام على رأسه فتقدم عمرو بن عبد ود فدعا

٦٢

إلى البراز مرارا فلم يقم إليه أحد فلما أكثر قام علي ع فقال أنا أبارزه يا رسول الله فأمره بالجلوس و أعاد عمرو النداء و الناس سكوت كان على رءوسهم الطير فقال عمرو أيها الناس إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة و قتلانا في النار أ فما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة أو يقدم عدوا له إلى النار فلم يقم إليه أحد فقام علي ع دفعة ثانية و قال أنا له يا رسول الله فأمره بالجلوس فجال عمرو بفرسه مقبلا و مدبرا و جاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق و مدت أعناقها تنظر فلما رأى عمرو أن أحدا لا يجيبه قال:

و لقد بححت من الندا

بجمعهم هل من مبارز

و وقفت مذ جبن المشيع

موقف القرن المناجز

إني كذلك لم أزل

متسرعا قبل الهزاهز

أن الشجاعة في الفتى

و الجود من خير الغرائز

فقام علي ع فقال يا رسول الله ائذن لي في مبارزته فقال ادن فدنا فقلده سيفه و عممه بعمامته و قال امض لشأنك فلما انصرف قال اللهم أعنه عليه فلما قرب منه قال له مجيبا إياه عن شعره:

لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة

يرجو بذاك نجاة فائز

إني لآمل أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة فوهاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

فقال عمرو من أنت و كان عمرو شيخا كبيرا قد جاوز الثمانين و كان نديم أبي طالب بن عبد المطلب في الجاهلية فانتسب علي ع له و قال أنا علي بن أبي طالب فقال أجل لقد كان أبوك نديما لي و صديقا فارجع فإني لا أحب أن

٦٣

أقتلك كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع و الله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه فقد عرف قتلاه ببدر و أحد و علم أنه إن ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فأظهر الإبقاء و الإرعاء و إنه لكاذب فيهما قالوا فقال له علي ع لكني أحب أن أقتلك فقال يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراءك خير لك فقال علي ع إن قريشا تتحدث عنك أنك قلت لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبت و لو إلى واحدة منها قال أجل فقال علي ع فإني أدعوك إلى الإسلام قال دع عنك هذه قال فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن تبعك من قريش إلى مكة قال إذن تتحدث نساء قريش عني أن غلاما خدعني قال فإني أدعوك إلى البراز فحمى عمرو و قال ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومها مني ثم نزل فعقر فرسه و قيل ضرب وجهه ففر و تجاولا فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون إلى أن سمع الناس التكبير عاليا من تحت الغبرة فعلموا أن عليا قتله و انجلت الغبرة عنهما و على راكب صدره يحز رأسه و فر أصحابه ليعبروا الخندق فظفرت بهم خيلهم إلا نوفل بن عبد الله فإنه قصر فرسه فوقع في الخندق فرماه المسلمون بالحجارة فقال يا معاشر الناس قتلة أكرم من هذه فنزل إليه علي ع فقتله و أدرك الزبير هبيرة بن أبي وهب فضربه فقطع ثفر فرسه و سقطت درع كان حملها من ورائه فأخذها الزبير و ألقى عكرمة رمحه و ناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو فحمل عليه ضرار حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه و قال إنها لنعمة مشكورة فاحفظها يا ابن الخطاب إني كنت آليت ألا تمكنني يداي من قتل قرشي فأقتله و انصرف ضرار راجعا إلى أصحابه و قد كان جرى له معه مثل هذه في يوم أحد و قد ذكر هاتين القصتين معا محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي

٦٤

٢٣١

وَ قَالَ ع خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا أخذ هذا المعنى الطغرائي شاعر العجم فقال:

الجود و الإقدام في فتيانهم

و البخل في الفتيات و الإشفاق

و الطعن في الأحداق دأب رماتهم

و الراميات سهاما الأحداق

و له:

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها

ما بالكرائم من جبن و من بخل

و في حكمة أفلاطون من أقوى الأسباب في محبة الرجل لامرأته و اتفاق ما بينهما أن يكون صوتها دون صوته بالطبع و تميزها دون تميزه و قلبها أضعف من قلبه فإذا زاد من هذا عندها شي‏ء على ما عند الرجل تنافرا على مقداره.و تقول زهي الرجل علينا فهو مزهو إذا افتخر و كذلك نخي فهو منخو من النخوة و لا يجوز زها إلا في لغة ضعيفة.و فرقت خافت و الفرق الخوف

٦٥

٢٣٢

وَ قِيلَ لَهُ ع صِفْ لَنَا اَلْعَاقِلَ فَقَالَ ع هُوَ اَلَّذِي يَضَعُ اَلشَّيْ‏ءَ مَوَاضِعَهُ فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا اَلْجَاهِلَ قَالَ قَدْ قُلْتُ فَعَلْتُ قال الرضيرحمه‌الله تعالى يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشي‏ء مواضعه فكان ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل هذا مثل الكلام الذي تنسبه العرب إلى الضب قالوا اختصمت الضبع و الثعلب إلى الضب فقالت الضبع يا أبا الحسل إني التقطت تمرة قال طيبا جنيت قالت و إن هذا أخذها مني قال حظ نفسه أحرز قالت فإني لطمته قال كريم حمى حقيقته قالت فلطمني قال حر انتصر قالت اقض بيننا قال قد فعلت

٦٦

٢٣٣

وَ قَالَ ع وَ اَللَّهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ عُرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ العراق جمع عرق و هو العظم عليه شي‏ء من اللحم و هذا من الجموع النادرة نحو رخل و رخال و توأم و تؤام و لا يكون شي‏ء أحقر و لا أبغض إلى الإنسان من عراق خنزير في يد مجذوم فإنه لم يرض بأن يجعله في يد مجذوم و هو غاية ما يكون من التنفير حتى جعله عراق خنزير.و لعمري لقد صدق و ما زال صادقا و من تأمل سيرته في حالتي خلوه من العمل و ولايته الخلافة عرف صحة هذا القول

٦٧

٢٣٤

وَ قَالَ ع إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ هذا مقام جليل تتقاصر عنه قوى أكثر البشر و قد شرحناه فيما تقدم و قلنا إن العبادة لرجاء الثواب تجارة و معاوضة و إن العبادة لخوف العقاب لمنزلة من يستجدي لسلطان قاهر يخاف سطوته.و هذا معنى قوله عبادة العبيد أي خوف السوط و العصا و تلك ليس عبادة نافعة و هي كمن يعتذر إلى إنسان خوف أذاه و نقمته لا لأن ما يعتذر منه قبيح لا ينبغي له فعله فأما العبادة لله تعالى شكرا لأنعمه فهي عبادة نافعة لأن العبادة شكر مخصوص فإذا أوقعها على هذا الوجه فقد أوقعها الموقع الذي وضعت عليه.فأما أصحابنا المتكلمون فيقولون ينبغي أن يفعل الإنسان الواجب لوجه وجوبه و يترك القبيح لوجه قبحه و ربما قالوا يفعل الواجب لأنه واجب و يترك القبيح لأنه قبيح و الكلام في هذا الباب مشروح مبسوط في الكتب الكلامية

٦٨

٢٣٥

وَ قَالَ ع اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا حلف إنسان عند بعض الحكماء أنه ما دخل بابي شر قط فقال الحكيم فمن أين دخلت امرأتك.و كان يقال أسباب فتنة النساء ثلاثة عين ناظرة و صورة مستحسنة و شهوة قادرة فالحكيم من لا يردد النظرة حتى يعرف حقائق الصورة و لو أن رجلا رأى امرأة فأعجبته ثم طالبها فامتنعت هل كان إلا تاركها فإن تأبى عقله عليه في مطالبتها كتأبيها عليه في مساعفتها قدع نفسه عن لذته قدع الغيور إياه عن حرمة مسلم.و كان يقال من أتعب نفسه في الحلال من النساء لم يتق إلى الحرام منهن كالطليح مناه أن يستريح

٦٩

٢٣٦

وَ قَالَ ع مَنْ أَطَاعَ اَلتَّوَانِيَ ضَيَّعَ اَلْحُقُوقَ وَ مَنْ أَطَاعَ اَلْوَاشِيَ ضَيَّعَ اَلصَّدِيقَ قد تقدم الكلام في التواني و العجز و تقدم أيضا الكلام في الوشاية و السعاية.و رفع إلى كسرى أبرويز أن النصارى الذين يحضرون باب الملك يعرفون بالتجسس إلى ملك الروم فقال من لم يظهر له ذنب لم يظهر منا عقوبة له.و رفع إليه أن بعض الناس ينكر إصغاء الملك إلى أصحاب الأخبار فوقع هؤلاء بمنزلة مداخل الضياء إلى البيت المظلم و ليس لقطع مواد النور مع الحاجة إليه وجه عند العقلاء.قال أبو حيان أما الأصل في التدبير فصحيح لأن الملك محتاج إلى الأخبار لكن الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أوجه خبر يتصل بالدين فالواجب عليه أن يبالغ و يحتاط في حفظه و حراسته و تحقيقه و نفى القذى عن طريقه و ساحته.و خبر يتصل بالدولة و رسومها فينبغي أن يتيقظ في ذلك خوفا من كيد ينفذ و بغي يسري.و خبر يدور بين الناس في منصرفهم و شأنهم و حالهم متى زاحمتهم فيه اضطغنوا

٧٠

عليك و تمنوا زوالي ملكك و ارصدوا العداوة لك و جهروا إلى عدوك و فتحوا له باب الحيلة إليك.و إنما لحق الناس من هذا الخبر هذا العارض لأن في منع الملك إياهم عن تصرفاتهم و تتبعه لهم في حركاتهم كربا على قلوبهم و لهيبا في صدورهم و لا بد لهم في الدهر الصالح و الزمان المعتدل و الخصب المتتابع و السبيل الآمن و الخير المتصل من فكاهة و طيب و استرسال و أشر و بطر و كل ذلك من آثار النعمة الدارة و القلوب القارة فإن أغضى الملك بصره على هذا القسم عاش محبوبا و إن تنكر لهم فقد استأسدهم أعداء و السلام

٧١

٢٣٧

وَ قَالَ ع اَلْحَجَرُ اَلْغَصْبُ اَلْغَصِيُب فِي اَلدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا قال الرضيرحمه‌الله تعالى و قد روي ما يناسب هذا الكلام عن النبي ص و لا عجب أن يشتبه الكلامان فإن مستقاهما من قليب و مفرغهما من ذنوب الذنوب الدلو الملأى و لا يقال لها و هي فارغة ذنوب و معنى الكلمة أن الدار المبنية بالحجارة المغصوبة و لو بحجر واحد لا بد أن يتعجل خرابها و كأنما ذلك الحجر رهن على حصول التخرب أي كما أن الرهن لا بد أن يفتك كذلك لا بد لما جعل ذلك الحجر رهنا عليه أن يحصل.و قال ابن بسام لأبي علي بن مقلة لما بنى داره بالزاهر ببغداد من الغصب و ظلم الرعية:

بجنبك داران مهدومتان

و دارك ثالثة تهدم

فليت السلامة للمنصفين

دامت فكيف لمن يظلم

٧٢

و الداران دار أبي الحسن بن الفرات و دار محمد بن داود بن الجراح و قال فيه أيضا:

قل لابن مقلة مهلا لا تكن عجلا

فإنما أنت في أضغاث أحلام

تبني بأنقاض دور الناس مجتهدا

دارا ستنقض أيضا بعد أيام

و كان ما تفرسه ابن بسام فيه حقا فإن داره نقضت حتى سويت بالأرض في أيام الراضي بالله

٧٣

٢٣٨

وَ قَالَ ع يَوْمُ اَلْمَظْلُومِ عَلَى اَلظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ اَلظَّالِمِ عَلَى اَلْمَظْلُومِ قد تقدم الكلام في الظلم مرارا و كان يقال اذكر عند الظلم عدل الله تعالى فيك و عند القدرة قدرة الله تعالى عليك.و إنما كان يوم المظلوم على الظالم أشد من يومه على المظلوم لأن ذلك اليوم يوم الجزاء الكلي و الانتقام الأعظم و قصارى أمر الظالم في الدنيا أن يقتل غيره فيميته ميتة واحدة ثم لا سبيل له بعد إماتته إلى أن يدخل عليه ألما آخر و أما يوم الجزاء فإنه يوم لا يموت الظالم فيه فيستريح بل عذابه دائم متجدد نعوذ بالله من سخطه و عقابه

٧٤

٢٣٩

وَ قَالَ ع اِتَّقِ اَللَّهَ بَعْضَ اَلتُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اِجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ يقال في المثل ما لا يدرك كله لا يترك كله.فالواجب على من عسرت عليه التقوى بأجمعها أن يتقي الله في البعض و أن يجعل بينه و بينه سترا و إن كان رقيقا.و في أمثال العامة اجعل بينك و بين الله روزنة و الروزنة لفظة صحيحة معربة أي لا تجعل ما بينك و بينه مسدودا مظلما بالكلية

٧٥

٢٤٠

وَ قَالَ ع إِذَا اِزْدَحَمَ اَلْجَوَابُ خَفِيَ اَلصَّوَابُ هذا نحو أن يورد الإنسان إشكالا في بعض المسائل النظرية بحضرة جماعة من أهل النظر فيتغالب القوم و يتسابقون إلى الجواب عنه كل منهم يورد ما خطر له.فلا ريب أن الصواب يخفى حينئذ و هذه الكلمة في الحقيقة أمر للناظر البحاث أن يتحرى الإنصاف في بحثه و نظره مع رفيقه و ألا يقصد المراء و المغالبة و القهر

٧٦

٢٤١

وَ قَالَ ع إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ قد تقدم الكلام في هذا المعنى و جاء في الخبر من أوتي نعمة فأدى حق الله منها برد اللهفة و إجابة الدعوة و كشف المظلمة كان جديرا بدوامها و من قصر قصر به

٧٧

٢٤٢

وَ قَالَ ع إِذَا كَثُرَتِ اَلْمَقْدِرَةُ اَلْمَقْدُرَةُ قَلَّتِ اَلشَّهْوَةُ هذا مثل قولهم كل مقدور عليه مملول و مثل قول الشاعر:

و كل كثير عدو الطبيعة

و مثل قول الآخر:

و أخ كثرت عليه حتى ملني

و الشي‏ء مملول إذا هو يرخص

يا ليته إذ باع ودي باعه

ممن يزيد عليه لا من ينقص

و لهذا الحكم علة في العلم العقلي و ذلك أن النفس عندهم غنية بذاتها مكتفية بنفسها غير محتاجة إلى شي‏ء خارج عنها و إنما عرضت لها الحاجة و الفقر إلى ما هو خارج عنها لمقارنتها الهيولى و ذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر و الحاجة و لما كان الإنسان مركبا من النفس و الهيولى عرض له الشوق إلى تحصيل العلوم و القنيات لانتفاعه بهما و التذاذه بحصولهما فأما العلوم فإنه يحصلها في شبيه بالخزانة له يرجع إليها متى شاء و يستخرج منها ما أراد أعني القوى النفسانية التي هي محل الصور و المعاني على ما هو مذكور في موضعه و أما القنيات و المحسوسات

٧٨

فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك و أن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن يقتني منها و إنما حرص على ما منع لأن الإنسان إنما يطلب ما ليس عنده لأن تحصيل الحاصل محال و الطلب إنما يتوجه إلى المعدوم لا إلى الموجود فإذا حصله سكن و علم أنه قد ادخره و متى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات خزنه و تشوق إلى شي‏ء آخر منه و لا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها و ما لا نهاية له فلا مطمع في تحصيله و لا فائدة في النزوع إليه و لا وجه لطلبه سواء كان معلوما أو محسوسا فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم و من المقتنيات إلى ضرورات البدن و مقيماته و يعدل عن الاستكثار منها فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها غير ممكن و كلما فضل عن الحاجة و قدر الكفاية فهو مادة الأحزان و الهموم و ضروب المكاره و الغلط في هذا الباب كثير و سبب ذلك طمع الإنسان في الغنى من معدن الفقر لأن الفقر هو الحاجة و الغنى هو الاستقلال إلى أن يحتاج إليه و لذلك قيل إن الله تعالى غني مطلقا لأنه غير محتاج البتة فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر حاجاته بحسب كثرة قنياته و على قدرها رغبه إلى الاستكثار بكثرة وجوه فقره و قد بين ذلك في شرائع الأنبياء و أخلاق الحكماء فأما الشي‏ء الرخيص الموجود كثيرا فإنما يرغب عنه لأنه معلوم أنه إذا التمس وجد و الغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان و يصيبه الواحد بعد الواحد و كل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه و ليحصل له ما لا يحصل لغيره

٧٩

٢٤٣

وَ قَالَ ع اِحْذَرُوا نِفَارَ اَلنِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ هذا أمر بالشكر على النعمة و ترك المعاصي فإن المعاصي تزيل النعم كما قيل:

إذا كنت في نعمة فارعها

فإن المعاصي تزيل النعم

و قال بعض السلف كفران النعمة بوار و قلما أقلعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر و استدم راهنها بكرم الجوار و لا تحسب أن سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل عنك إذا أنت لم ترج لله وقارا.و قال أبو عصمة شهدت سفيان و فضيلا فما سمعتهما يتذاكران إلا النعم يقولان أنعم الله سبحانه علينا بكذا و فعل بنا كذا.و قال الحسن إذا استوى يوماك فأنت ناقص قيل له كيف ذاك قال إن زادك الله اليوم نعما فعليك أن تزداد غدا له شكرا.و كان يقال الشكر جنة من الزوال و أمنة من الانتقال.و كان يقال إذا كانت النعمة وسيمة فاجعل الشكر لها تميمة

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430