كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 37372
تحميل: 5852


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37372 / تحميل: 5852
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

244

وَ قَالَ ع اَلْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ اَلرَّحِمِ مثل هذا المعنى قول أبي تمام لابن الجهم:

إلا يكن نسب يؤلف بيننا

أدب أقمناه مقام الوالد

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا

عذب تحدر من غمام واحد

و من قصيدة لي في بعض أغراضي:

و وشائج الآداب عاطفة

الفضلاء فوق وشائج النسب

٨١

245

وَ قَالَ ع مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ هذا قد تقدم في وصيته ع لولده الحسن.و من كلام بعضهم إني لأستحيي أن يأتيني الرجل يحمر وجهه تارة من الخجل أو يصفر أخرى من خوف الرد قد ظن بي الخير و بات عليه و غدا علي أن أرده خائبا

٨٢

246

وَ قَالَ ع أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ لا ريب أن الثواب على قدر المشقة لأنه كالعوض عنها كما أن العوض الحقيقي عوض عن الألم و لهذا

قال ص أفضل العبادة أحمزها أي أشقها

٨٣

247

وَ قَالَ ع عَرَفْتُ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ اَلْعَزَائِمِ وَ حَلِّ اَلْعُقُودِ وَ نَقْضِ اَلْهِمَمِ هذا أحد الطرق إلى معرفة البارئ سبحانه و هو أن يعزم الإنسان على أمر و يصمم رأيه عليه ثم لا يلبث أن يخطر الله تعالى بباله خاطرا صارفا له عن ذلك الفعل و لم يكن في حسابه أي لو لا أن في الوجود ذاتا مدبرة لهذا العالم لما خطرت الخواطر التي لم تكن محتسبة و هذا فصل يتضمن كلاما دقيقا يذكره المتكلمون في الخاطر الذي يخطر من غير موجب لخطوره فإنه لا يجوز أن يكون الإنسان أخطره بباله و إلا لكان ترجيحا من غير مرجح لجانب الوجود على جانب العدم فلا بد أن يكون المخطر له بالبال شيئا خارجا عن ذات الإنسان و ذاك هو الشي‏ء المسمى بصانع العالم.و ليس هذا الموضع مما يحتمل استقصاء القول في هذا المبحث.و يقال إن عضد الدولة وقعت في يده قصة و هو يتصفح القصص فأمر بصلب صاحبها ثم أتبع الخادم خادما آخر يقول له قل للمطهر و كان وزيره لا يصلبه و لكن أخرجه من الحبس فاقطع يده اليمنى ثم أتبعه خادما ثالثا فقال بل تقول له يقطع أعصاب رجليه ثم أتبعه خادما آخر فقال له ينقله إلى القلعة بسيراف في قيوده فيجعله هناك فاختلفت دواعيه في ساعة واحدة أربع مرات

٨٤

248

وَ قَالَ ع مَرَارَةُ اَلدُّنْيَا حَلاَوَةُ اَلآْخِرَةِ وَ حَلاَوَةُ اَلدُّنْيَا مَرَارَةُ اَلآْخِرَةِ لما كانت الدنيا ضد الآخرة وجب أن يكون أحكام هذه ضد أحكام هذه كالسواد يجمع البصر و البياض يفرق البصر و الحرارة توجب الخفة و البرودة توجب الثقل فإذا كان في الدنيا أعمال هي مرة المذاق على الإنسان قد ورد الشرع بإيجابها فتلك الأفعال تقتضي و توجب لفاعلها ثوابا حلو المذاق في الآخرة.و كذاك بالعكس ما كان من المشتهيات الدنياوية التي قد نهى الشرع عنها توجب و إن كانت حلوة المذاق مرارة العقوبة في الآخرة

٨٥

249

وَ قَالَ ع فَرَضَ اَللَّهُ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ اَلشِّرْكِ وَ اَلصَّلاَةَ تَنْزِيهاً عَنِ اَلْكِبْرِ وَ اَلزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ وَ اَلصِّيَامَ اِبْتِلاَءً لِإِخْلاَصِ اَلْخَلْقِ وَ اَلْحَجَّ تَقْوِيَةً تَقْرِبَةً لِلدِّينِ وَ اَلْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلاَمِ وَ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَ صِلَةَ اَلرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ اَلْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ اَلْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْكَ شُرْبِ اَلْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَةَ اَلسَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرْكَ اَلزِّنَى اَلزِّنَا تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وَ تَرْكَ اَللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَ اَلشَّهَادَاتِ اِسْتِظْهَاراً عَلَى اَلْمُجَاحَدَاتِ وَ تَرْكَ اَلْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَ اَلسَّلاَمَ أَمَاناً مِنَ اَلْمَخَاوِفِ وَ اَلْإِمَامَةِ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَ اَلطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ هذا الفصل يتضمن بيان تعليل العبادات إيجابا و سلبا.قال ع فرض الله الإيمان تطهيرا من الشرك و ذلك لأن الشرك نجاسة حكمية لا عينية و أي شي‏ء يكون أنجس من الجهل أو أقبح فالإيمان هو تطهير القلب من نجاسة ذلك الجهل.و فرضت الصلاة تنزيها من الكبر لأن الإنسان يقوم فيها قائما و القيام مناف للتكبر و طارد له ثم يرفع يديه بالتكبير وقت الإحرام بالصلاة فيصير على هيئة من يمد عنقه ليوسطه السياف ثم يستكتف كما يفعله العبيد الأذلاء بين يدي

٨٦

السادة العظماء ثم يركع على هيئة من يمد عنقه ليضربها السياف ثم يسجد فيضع أشرف أعضائه و هو جبهته على أدون المواضع و هو التراب ثم تتضمن الصلاة من الخضوع و الخشوع و الامتناع من الكلام و الحركة الموهمة لمن رآها أن صاحبها خارج عن الصلاة و ما في غضون الصلاة من الأذكار المتضمنة الذل و التواضع لعظمة الله تعالى.و فرضت الزكاة تسبيبا للرزق كما قال الله تعالى( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) و قال( مَنْ ذَا اَلَّذِي يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ) .و فرض الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق قال النبي ص حاكيا عن الله تعالى الصوم لي و أنا أجزي به و ذلك لأن الصوم أمر لا يطلع عليه أحد فلا يقوم به على وجهه إلا المخلصون.و فرض الحج تقوية للدين و ذلك لما يحصل للحاج في ضمنه من المتاجر و المكاسب قال الله تعالى( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اِسْمَ اَللَّهِ عَلى‏ ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اَلْأَنْعامِ ) .

و أيضا فإن المشركين كانوا يقولون لو لا أن أصحاب محمد كثير و أولو قوة لما حجوا فإن الجيش الضعيف يعجز عن الحج من المكان البعيد.و فرض الجهاد عزا للإسلام و ذلك ظاهر قال الله تعالى( وَ لَوْ لا دَفْعُ اَللَّهِ اَلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اِسْمُ اَللَّهِ كَثِيراً ) و قال سبحانه( وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ اَلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اَللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ ) .

٨٧

و فرض الأمر بالمعروف مصلحة للعوام لأن الأمر بالعدل و الإنصاف و رد الودائع و أداء الأمانات إلى أهلها و قضاء الديون و الصدق في القول و إيجاز الوعد و غير ذلك من محاسن الأخلاق مصلحة للبشر عظيمة لا محالة.و فرض النهي عن المنكر ردعا للسفهاء كالنهي عن الظلم و الكذب و السفه و ما يجري مجرى ذلك.و فرضت صلة الرحم منماة للعدد

قال النبي ص صلة الرحم تزيد في العمر و تنمي العدد.و فرض القصاص حقنا للدماء قال سبحانه( وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي اَلْأَلْبابِ ) .و فرضت إقامة الحدود إعظاما للمحارم و ذلك لأنه إذا أقيمت الحدود امتنع كثير من الناس عن المعاصي التي تجب الحدود فيها و ظهر عظم تلك المعاصي عند العامة فكانوا إلى تركها أقرب.و حرم شرب الخمر تحصينا للعقل قال قوم لحكيم اشرب الليلة معنا فقال أنا لا أشرب ما يشرب عقلي و في الحديث المرفوع أن ملكا ظالما خير إنسانا بين أن يجامع أمه أو يقتل نفسا مؤمنة أو يشرب الخمر حتى يسكر فرأى أن الخمر أهونها فشرب حتى سكر فلما غلبه قام إلى أمه فوطئها و قام إلى تلك النفس المؤمنة فقتلها ثم قال ع الخمر جماع الإثم الخمر أم المعاصي.و حرمت السرقة إيجابا للعفة و ذلك لأن العفة خلق شريف و الطمع خلق دني‏ء فحرمت السرقة ليتمرن الناس على ذلك الخلق الشريف و يجانبوا ذلك الخلق الذميم و أيضا حرمت لما في تحريمها من تحصين أموال الناس.

٨٨

و حرم الزنا تحصينا للنسب فإنه يفضي إلى اختلاط المياه و اشتباه الأنساب و ألا ينسب أحد بتقدير ألا يشرع النكاح إلى أب بل يكون نسب الناس إلى أمهاتهم و في ذلك قلب الحقيقة و عكس الواجب لأن الولد مخلوق من ماء الأب و إنما الأم وعاء و ظرف.و حرم اللواط تكثيرا للنسل و ذلك اللواط بتقدير استفاضته بين الناس و الاستغناء به عن النساء يفضي إلى انقطاع النسل و الذرية و ذلك خلاف ما يريد الله تعالى من بقاء هذا النوع الشريف الذي ليس في الأنواع مثله في الشرف لمكان النفس الناطقة التي هي نسخة و مثال للحضرة الإلهية و لذلك سمت الحكماء الإنسان العالم الصغير.و حرم الاستمناء باليد و إتيان البهائم للمعنى الذي لأجله حرم اللواط و هو تقليل النسل و من مستحسن الكلمات النبوية

قوله ع في الاستمناء باليد ذلك الوأد الخفي لأن الجاهلية كانت تئد البنات أي تقتلهن خنقا و قد قدمنا ذكر سبب ذلك فشبه ع إتلاف النطفة التي هي ولد بالقوة بإتلاف الولد بالفعل.و أوجبت الشهادات على الحقوق استظهارا على المجاحدات

قال النبي ص لو أعطي الناس بدعاويهم لاستحل قوم من قوم دماءهم و أموالهم و وجب ترك الكذب تشريفا للصدق و ذلك لأن مصلحة العامة إنما تتم و تنتظم بالصدق فإن الناس يبنون أكثر أمورهم في معاملاتهم على الأخبار فإنها أعم من العيان و المشاهدة فإذا لم تكن صادقة وقع الخطأ في التدبيرات و فسدت أحوال الخلق.و شرع رد السلام أمانا من المخاوف لأن تفسير قول القائل سلام عليكم أي لا حرب بيني و بينكم بل بيني و بينكم السلام و هو الصلح.

٨٩

و فرضت الإمامة نظاما للأمة و ذلك لأن الخلق لا يرتفع الهرج و العسف و الظلم و الغضب و السرقة عنهم إلا بوازع قوي و ليس يكفي في امتناعهم قبح القبيح و لا وعيد الآخرة بل لا بد لهم من سلطان قاهر ينظم مصالحهم فيردع ظالمهم و يأخذ على أيدي سفهائهم.و فرضت الطاعة تعظيما للإمامة و ذلك لأن أمر الإمامة لا يتم إلا بطاعة الرعية و إلا فلو عصت الرعية إمامها لم ينتفعوا بإمامته و رئاسته عليهم

٩٠

250

وَ كَانَ ع يَقُولُ : أَحْلِفُوا اَلظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ بِأَنَّهُ بَرِي‏ءٌ مِنْ حَوْلِ اَللَّهِ وَ قُوَّتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ اَلْعُقُوبَةَ وَ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى

ما جرى بين يحيى بن عبد الله و بين ابن المصعب عند الرشيد

روى أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع لما أمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم و صار إليه بالغ في إكرامه و بره فسعى به بعد مدة عبد الله بن مصعب الزبيري إلى الرشيد و كان يبغضه و قال له إنه قد عاد يدعو إلى نفسه سرا و حسن له نقض أمانه فأحضره و جمع بينه و بين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما قذفه به و رفعه عليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد و ادعى عليه الحركة في الخروج و شق العصا فقال يحيى يا أمير المؤمنين أ تصدق هذا علي و تستنصحه و هو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك عبد الله و ولده الشعب و أضرم عليهم النار حتى خلصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب ع منه عنوة و هو الذي ترك الصلاة على

٩١

رسول الله ص و أربعين جمعة في خطبته فلما التاث عليه الناس قال إن له أهيل سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم و اشرأبوا لذكره فأكره أن أسرهم أو أقر أعينهم و هو الذي كان يشتم أباك و يلصق به العيوب حتى ورم كبده و لقد ذبحت بقرة يوما لأبيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت فقال علي ابنه أ ما ترى كبد هذه البقرة يا أبت فقال يا بني هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك ثم نفاه إلى الطائف فلما حضرته الوفاة قال لابنه علي يا بني إذا مت فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام و لا تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير و و الله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعا بمنزلة سواء و لكنه قوي علي بك و ضعف عنك فتقرب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد إذا لم يقدر على مثله منك و ما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في فإن معاوية بن أبي سفيان و هو أبعد نسبا منك إلينا ذكر الحسن بن علي يوما فسبه فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك فزجره و انتهره فقال إنما ساعدتك يا أمير المؤمنين فقال إن الحسن لحمي آكله و لا أوكله و مع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور أبي جعفر و القائل لأخي في قصيدة طويلة أولها:

إن الحمامة يوم الشعب من وثن

هاجت فؤاد محب دائم الحزن

يحرض أخي فيها على الوثوب و النهوض إلى الخلافة و يمدحه و يقول له:

لا عز ركنا نزار عند سطوتها

إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن

أ لست أكرمهم عودا إذا انتسبوا

يوما و أطهرهم ثوبا من الدرن

٩٢

و أعظم الناس عند الناس منزلة

و أبعد الناس من عيب و من وهن

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا

بعد التدابر و البغضاء و الإحن

حتى يثاب على الإحسان محسننا

و يأمن الخائف المأخوذ بالدمن

و تنقضي دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فطالما قد بروا بالجور أعظمنا

بري الصناع قداح النبع بالسفن

فتغير وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر و تغيظ على ابن مصعب فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو و بأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له و أنه لسديف فقال يحيى و الله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره و ما حلفت كاذبا و لا صادقا بالله قبل هذا و إن الله عزوجل إذا مجده العبد في يمينه فقال و الله الطالب الغالب الرحمن الرحيم استحيا أن يعاقبه فدعني أن أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال فحلفه قال قل برئت من حول الله و قوته و اعتصمت بحولي و قوتي و تقلدت الحول و القوة من دون الله استكبارا على الله و استعلاء عليه و استغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر فامتنع عبد الله من الحلف بذلك فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا هذا طيلساني علي و هذه ثيابي لو حلفني بهذه اليمين أنها لي لحلفت فوكز الفضل عبد الله برجله و كان له فيه هوى و قال له احلف ويحك فجعل يحلف بهذه اليمين و وجهه متغير و هو يرعد فضرب يحيى بين كتفيه و قال يا ابن مصعب قطعت عمرك لا تفلح بعدها أبدا.قالوا فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام استدارت عيناه

٩٣

و تفقأ وجهه و قام إلى بيته فتقطع و تشقق لحمه و انتثر شعره و مات بعد ثلاثة أيام و حضر الفضل بن الربيع جنازته فلما جعل في القبر انخسف اللحد به حتى خرجت منه غبرة شديدة و جعل الفضل يقول التراب التراب فطرح التراب و هو يهوي فلم يستطيعوا سده حتى سقف بخشب و طم عليه فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل أ رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب

٩٤

251

وَ قَالَ ع يَا اِبْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اِعْمَلْ فِي مَالِكَ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ يَعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ مَنْ بَعْدَكَ لا ريب أن الإنسان يؤثر أن يخرج ماله بعد موته في وجوه البر و الصدقات و القربات ليصل ثواب ذلك إليه لكنه يضن بإخراجه و هو حي في هذه الوجوه لحبه العاجلة و خوفه من الفقر و الحاجة إلى الناس في آخر العمر فيقيم وصيا يعمل ذلك في ماله بعد موته.و أوصى أميرالمؤمنين ع الإنسان أن يعمل في ماله و هو حي ما يؤثر أن يجعل فيه وصية بعد موته و هذه حالة لا يقدر عليها إلا من أخذ التوفيق بيده

٩٥

252

وَ قَالَ ع اَلْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ اَلْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ كان يقال الحدة كنية الجهل.و كان يقال لا يصح لحديد رأي لأن الحدة تصدئ العقل كما يصدئ الخل المرآة فلا يرى صاحبه فيه صورة حسن فيفعله و لا صورة قبيح فيجتنبه.و كان يقال أول الحدة جنون و آخرها ندم.و كان يقال لا تحملنك الحدة على اقتراف الإثم فتشفي غيظك و تسقم دينك

٩٦

253

وَ قَالَ ع صِحَّةُ اَلْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ اَلْحَسَدِ معناه أن القليل الحسد لا يزال معافى في بدنه و الكثير الحسد يمرضه ما يجده في نفسه من مضاضة المنافسة و ما يتجرعه من الغيظ و مزاج البدن يتبع أحوال النفس.قال المأمون ما حسدت أحدا قط إلا أبا دلف على قول الشاعر فيه:

إنما الدنيا أبو دلف

بين باديه و محتضره

فإذا ولى أبو دلف

ولت الدنيا على أثره

و روى أبو الفرج الأصبهاني عن عبدوس بن أبي دلف قال حدثني أبي قال قال لي المأمون يا قاسم أنت الذي يقول فيك علي بن جبله

إنما الدنيا أبو دلف

البيتين فقلت مسرعا و ما ينفعني ذلك يا أمير المؤمنين مع قوله في:

أبا دلف يا أكذب الناس كلهم

سواي فإني في مديحك أكذب

٩٧

و مع قول بكر بن النطاح في:

أبا دلف إن الفقير بعينه

لمن يرتجي جدوى يديك و يأمله

أرى لك بابا مغلقا متمنعا

إذا فتحوه عنك فالبؤس داخله

كأنك طبل هائل الصوت معجب

خلي من الخيرات تعس مداخله

و أعجب شي‏ء فيك تسليم إمرة

عليك على طنز و أنك قابله

قال فلما انصرفت قال المأمون لمن حوله لله دره حفظ هجاء نفسه حتى انتفع به عندي و أطفأ لهيب المنافسة

٩٨

254

وَ قَالَ ع لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ اَلنَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا فِي كَسْبِ اَلْمَكَارِمِ وَ يُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ اَلْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلاَّ وَ خَلَقَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ اَلسُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إِلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي اِنْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ اَلْإِبِلِ قال عمرو بن العاص لمعاوية ما بقي من لذتك فقال ما من شي‏ء يصيبه الناس من اللذة إلا و قد أصبته حتى مللته فليس شي‏ء عندي اليوم ألذ من شربة ماء بارد في يوم صائف و نظري إلى بني و بناتي يدرجون حولي فما بقي من لذتك أنت فقال أرض أغرسها و آكل ثمرتها لم يبق لي لذة غير ذلك فالتفت معاوية إلى وردان غلام عمرو فقال فما بقي من لذتك يا وريد فقال سرور أدخله قلوب الإخوان و صنائع أعتقدها في أعناق الكرام فقال معاوية لعمرو تبا لمجلسي و مجلسك لقد غلبني و غلبك هذا العبد ثم قال يا وردان أنا أحق بهذا منك قال قد أمكنتك فافعل.

٩٩

فإن قلت السرور عرض فكيف يخلق الله تعالى منه لطفا قلت من هاهنا هي مثل من في قوله( وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي اَلْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) أي عوضا منكم.

و مثله:

فليت لنا من ماء زمزم شربة

مبردة باتت على طهيان

أي ليت لنا شربة مبردة باتت على طهيان و هو اسم جبل بدلا و عوضا من ماء زمزم

١٠٠