كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية0%

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية مؤلف:
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 93

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عباس المدرسي
تصنيف: الصفحات: 93
المشاهدات: 38321
تحميل: 7315

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 93 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38321 / تحميل: 7315
الحجم الحجم الحجم
كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

كلمة الزهراء (عليها السلام) خطبة الزهراء في أحدث قصيدة شعرية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الانقلاب على خطّ الرسول الأعظم!

وبعد التذكير بدور عليّ وأهل البيت في إقامة الإسلام.. تبيّن دور (الحزب المعارض) حزب السقيفة مراقبة الأحداث، وضع المؤامرات، والفرار حين القتال مع التربّص بأهل البيت لإقصاهم عن السلطة.

لقد فضحت الزهراء (حزب السقيفة) بصراحة مع تحيّل مسؤوليّة الانحراف عن خطّ النبّي على عاتق المسلمين الساكتين، وتحذّرهم من دور (الشيطان) الذي دعم النوازع الشرّيرة، الّتي دبّرت ذلك الانحراف في غفلة من العقل والفكر والضمير..

وتتساءل فاطمة الزهراء متعجّبةً من ما حصل من تغيير سريع بعد وفاة النبّي الأكرم، كيف حصل كلّ ذلك والرسول لا يزال مسجّىً لم يُقبر، والجرح عميق لم يندمل، ثمّ تفنّد (الأعذار) التي تشبّث بها أنصار السقيفة.. خوف الفتنة!

(ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة، ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ).

لقد مزّقت الزهراء الأعذار الواهية، والأقنعة الكاذبة، فاضحة كوامن النفوس المريضة، وأنّ (السقيفة) لم تكن مجرّد فكرة طارئة، فرصة غياب

٢١

القائد الأعظم، كما استغلّ السامريّ فرصة غياب موسى عن قومه.

وبعد أن أدانت الزهراء انقلاب السقيفة.. انعطفت نحو قضيّة ( فدك )، كمستمسكٍ على خطأ الأسباب التي أدّت إلى خطيئة النتائج:

(أفحكم الجاهليّة يبغون؟ ومَن أحسن من الله حكماً لقوم يؤمنون! أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية!).

فدك.. اغتُصبت من الزهراء عنوةً وجهاراً.. وهي إن لم تكن نِحْلة من النّبيّ لها، فهو إرث لا ريب فيه! فإذا كان في وسع الخليفة أن يرفض شهود النِّحْلة، فهل بوسعه أن يرفض آيات الإرث؟!

(أيّها المسلمون أأُغلب على إرثيه؟).

ثمّ تخاطب الخليفة: (يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟)، ثمّ تذكّرهم بآيات الذكر الحكيم الصريحة في إرث الآباء للأبناء بشكلٍ عام، وإرث الأنبياء أولادهم بشكل خاص.. وعندما لا تجد من الخليفة استجابةً لكلامها؛ تهدّده بعذاب الله ومحكمة القيامة (فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزّعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون).

الدعوة إلى النهضة

ولكن الخطبة لا تنتهي عند هذا الحد، إنّ للزّهراء رسالة الثورة على خطّ الانحراف، رسالة تحميل المسؤوليّة، للخاصرين والتذكير بدورهم

٢٢

في تصحيح المسيرة: (ليحي من حيّ عن بيّنة، ويهلك مَن هلك عن بيّنة).

(يا معشر السقيفة، وأعضاد الملّة، وحضنة الإسلام، ما هذه الغَميزة في حقّي والسِّنَة عن ظُلامتي، أما كان رسول الله أبي يقول: المرء يُحفظ في ولْده؟ سرعان ما أخلفتم وعجلان ذا إهالة (مثل على سرعة التحوّل) ولكم طاقة بما أُحاول، وقوّة على ما أطلب...).

وتزداد وتيرة الكلمات حدّةً في التصريح بضرورة النّهضة، والوقوف إلى جانب الحقّ.. تثير الضمائر وتتنهّض الهمم، وتذكّرهم بالقرآن مرّةً، وبالنّبيّ وتراثه العظيم، وما يهدّد خطّه من انحراف نحو الجاهليّة مرّةً أُخرى:

(إيهاً بني قيلة أأُهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى منّي ومسمع، ومنتدى ومجمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والإدارة والقوّة، وعندكم السلاح، والجنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تعينون؟ وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح..).

وتستمرّ الزهراء في خطبتها القاصعة مندّدةً ومحذِّرة، متحدّيةً جبروت الحكم الذي تحميه سيوف أبناء السقيفة.. إلى أن تبلغ ذروة التحريض حيث تكشف عن أنّ وراء (الانقلاب في السقيفة) حزب المنافقين، الذين همّوا بإخراج الرسول وأنّ الهدف ليس شخص عليّ، بل هو خطّ الرسول الذي يمثّله علي بن أبي طالب؛ فتقول:

( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

٢٣

الإنذار من المستقبل الخطير

وعندما وجدت الزهراء أن لا أمل في النهضة من نفوسٍ طوّعتها الأطماع، واستراحت إلى دِعَة العيش، والوعود الخلاّبة بالغنائم القادمة؛ راحت تكشف ذلك لهم بصراحة:

(ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم مَن هو أحقّ بالبسط والقبض، وخلدتم إلى الدّعة، ونجوتم من الضيق بالسّعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم ما تسوّغتم).

لقد ألان النفوسَ المتحمّسة بريقُ المال، وخفض العيش، وحبّ الراحة.. وفاطمة الزهراء تعلم ذلك كلّه، ولكنّها (بثّة الصدر وتقدّمة الحجّة) فهل ستنتهي الأُمور بمثل هذه السهولة، أينعم الأنصار بالدّعة والراحة إذا أغلقوا عيونهم، وأصمّوا آذانهم عن ظلامة الزهراء ودعوتها الحقّة؟ أم إنّ الفتن من ورائهم ستأتي سوداء مظلمة تدع فيئهم زهيداً، وجمعهم حصيداً:

(فدونكموها، فاحتقبوها (احلبوا ناقة الخلافة) دبرة الظهر، نقبة الخفّ، باقية العار، موسومة بغصب الله، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد! فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون).

٢٤

وفي جلسة أُخرى لنساء المهاجرين والأنصار، كانت أكثر توضيحاً لما ينتظر أبناء الصمت والسكون من ويلات.. على مرمى أبصارهم تقف الفتنة العمياء الطاحنة.. حين قالت لهم: (أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً، وذعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّسه الأوّلون، ثمّ طيّبوا عن دنياكم أنفساً، واطمأنّوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتدٍ غاشم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، وأنّى بكم؟ وقد عميت عليكم، انلزمكموها وأنتم لها كارهون؟!).

وصدّق التاريخ مقالة الزهراء: فكم من دمٍ ساخنٍ جرى على أرض المدينة، وعلى طول تاريخ الإسلام، وأمّا الأنصار فلم يروا العِزّ إلاّ على عهد الرسول.. ثمّ نام حظّهم، وأُبعدوا عن جميع مراكز الحكم والى الأبد.. وذلك جزاء الخانعين.

الحديث الفِرية، ومحاولات التغطية

جواب الخليفة لخطاب الزهراء جاء باهتاً وضعيفاً.. ومتهاوياً و... فبعد أن حاول التخفيف من حدّتها وصرامتها، وقوّة الحجّة لديها عبر الإشارة بمقام الزهراء، ومقام أبيها العظيم محمّد (ص)، وزوجها الكبير عليّ (ع) حاول أن يفلسف (عدوان الحكم) على ( فدك ) بأنّ (الشرع) الذي جاء به الرسول هو الذي دعا إلى ذلك؛ وذلك أنّه سمع من

٢٥

النبيّ (ص) حديثاً يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً ولا ديناراً ولا أرضا ولا عقاراً...).

عجباً.. كيف يمكن أن يخالف الرسول نصّ القرآن؟

وما هي الحكمة في أن يكون أبناء المهاجرين والأنصار في غنىً وعِزّ، وأبناء الرسول الأعظم وحدهم يعيشون في الفقر والذلّ؟ لماذا لا يصادر أموال الأغنياء من المسلمين، ويصادر فقط أموال النبيّ (ص)؟

ثمّ كيف سمع الخليفة هذا الحديث الخطير من الرسول، ولكنّ الزهراء فاطمة بنته لم تعلم بذلك، وعليّ بن أبي طالب - أعلم الصحابة جميعاً - لم يسمع بهذا الحديث؟!

ولكنّ الزهراء فاطمة انبرت بسرعة لتكذّب الحديث بقوّة: (سبحان الله! ما كان رسول الله عن كتاب الله صادفاً (معرضاً) ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر، اعتلالاً عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته! هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً يقول: ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ، ( وورث سليمان داود ) فبيّن (عزّ وجلّ) فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرّع من الفرائض والميراث، وأباح من حظّ الذكران والإناث، ما أزاح علّة المبطلين، وأزال التظنّي والشبهات في الغابرين، كلاّ: ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) ).

وأخيراً اضطرّ الخليفة أن يعترف بصدق فاطمة قائلاً: (صدق الله، وصدق رسوله، وصدقت ابنته).

ولكنّه حاول الالتفاف على اعترافه

٢٦

بقوله: (هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاقٍ منهم أخذت ما أخذت).

وبهذه المناورة حاول الخليفة - أن يجعل الزهراء في مواجهة الجماهير الموعودة بخيرات فدك، أو على الأصح في مواجهة الحزب الذي كان يمنّي نفسه بخيرات النظام الجديد.. ولكنّ الزهراء كانت قد ألقت تحت كرسي الخليفة قنبلةً شديدة الانفجار، قنبلة الحقّ الذي لا يزيده مرور الأيام الاّ قوّةً وهديراً.

فإذا كانت السقيفة قد غيّرت مجرى سفينة الإسلام، فإنّ خطبة الزهراء قد بعثت بوجهها عاصفة قويّة، ستمنعها من الوصول إلى غايتها البعيدة.

إذا كانت السقيفة ستلد يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، فإنّ خطبة الزهراء ولدت ثورات لا تنتهي بوجه الانحراف، ولِصرخة الحق دويّ أقوى من صوت الرعد القاصف، وإن انطلق من حنجرة مظلوم ضعيف، فكيف إذا كان ينطلق من فم سيّدة نساء العالمين، وبنت أعظم نبيّ وأكرم مخلوق على وجه الأرض؟

ليس قليلاً أن يُهضم ( أهل البيت) بهذه الصورة.. فمع امتداد الزمن سينكشف للناس مدى طهرهم ونزاهتهم، وحرصهم على الإسلام.. ومقامهم العلمي والديني من مركز الرسالة محمّد (ص).

ومع بروز دورهم، وانبلاج عظمتهم، ينكشف الستر عن حرص أعدائهم على الدنيا وحطامها وصغر نفوسهم، وقلّة مداركهم، وضحالة مفاهيمهم ووعيهم بحركة التاريخ وسنن الله في الأرض..!

٢٧

وكلّما انفرج الزمان.. انفرج الخطّان أحدهما باتجاه الصدق والصراحة وتمثيل الرسالة والمبادئ والمُثُل، والآخر باتجاه الحكم والسلطة والدسائس والمؤامرات، والغرق في الملذّات والشهوات الدنيويّة!

إنّ الزهراء فاطمة كانت تعرف منذ البدء أنّها لن تسترجع ( فدك) ؛ لأنّ الذي يغتصب الخلافة ليس كثيراً عليه أن يختلس قطعة أرض، وأنّ الذين خُلقوا من أجل الرسالة، وضحّوا بكلّ ما لديهم في سبيلها، ليس كثيراً عليهم أن يصبروا على حرمانهم من قطعة أرض.

ولكنّ فدك.. كانت الخلافة، والخلافة كانت الرسالة، والرسالة كانت هاجس عليّ وفاطمة.. عاشوا من أجلها، واستشهدوا من أجل بقاءها.

وكانت المطالبة بفدك - مطالبة بالخلافة، والمطالبة بالخلافة مطالبة بالالتزام بالحقّ والعدل، ونهج الرسول وسنّته الطاهرة.

٢٨

قصّة (القصيدة الشِّعْريّة)

أيّها القارئ العزيز بين يديك مقطوعة تصوغ خطبة الفخر والصدق والعدالة، في كلمات شِعْريّة؛ ليكون للشعر شرف الخلود بخلود الخطبة العظيمة لبنت الرسول، وقد قصدت بنظمها وجه الله ورضا أُمّي فاطمة.

نظمت أبيات الشعر هذه وأنا في ديار الغربة، أعيش آلاماً أمضّت قلبي وقلب شعبي الذي ابتلى بالطواغيت الفجرة، والدجّالين المهرة، وأبناء الدنيا المغرّرين؛ فلم أجد لي سلوة إلاّ أن أغسل قلبي بطهور الحزن المقدّس، وأن ألجأ إلى ( بيت الأحزان ) بيت ( فاطمة الزهراء بنت محمد ) لقد ذرفت الدموع فيها سخيّة ساخنة.. وغسلت قلبي بأحزان فاطمة ودموعها.. لأنّ دموع المظلومين متّصلة بدموعها، وأحزانهم موصولة بأحزانها.. الّتي لا تنتهي إلاّ مع ظهور ولدها المنتظر الحجّة بن الحسن المهدي (عج) الذي يضع حدّاً لآلام المظلومين والمستضعفين، آنذاك لم يكن عندي إلاّ كتاب: ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللّحد ) فالتهمته كلّه، ثمّ توقّفت عند الخطبة المعجزة.

وهنا لابدّ أن أُسجّل أنّ شرف السبق إلى نظم ( خُطْبة فاطمة ) ليس لي.. فلقد تقدّمني شعراء كبار، وآخرهم شاعرنا المرحوم الشيخ الفرطوسي، وغيرهم من العرب والعجم.. ولكن أحببت أن أشاركهم الأجر والثواب، لعلّ الزهراء تشفع لي عند الله بالجنّة.

٢٩

وقبل أن أختم المقدّمة، أودّ أن أُسجّل بعضاً من أبيات شريف مكّة، التي أيقضت ضميري على ألم الزهراء وأنا طفل صغير.. ثمّ أوحت إليّ بوزن القصيدة، وكذلك قصيدة الأزري التي كان لها نفس الأثر في قلبي.

شريف مكّة: وقصيدته الهائيّة

ما لعيني قد غابَ عنها كراها

وعراها من عبرةٍ ما عراها

الدار نعمت فيها زماناً

ثمّ فارقتها فلا أغشاها

أمْ لحيٍّ بانوا بأقمار تمٍّ

يتجلّى الدجى بضوء سناها

أمْ لخوْدٍ غريرة الطرف تهواه

بصدقِ الودادِ أو أهواها

٣٠

أم لصافي المُدام من مزّة الطعمِ

عقار مشمولة أُسقاها

حاش لله لستُ أُطمع نفسي

آخرَ العمرِ في اتّباع هواها

بل بُكائي لذكر مَن خصّها اللّه

تعالى بلُطفِه واجتباها

ختمَ اللهُ رسْلَه بأبيها

واصطفاه لوحيه واصطفاها

وحباها بالسيّدين الزكيّين

الإمامين منه حين حباها

ولفكري في الصاحبين اللّذَين استحسنا

ظلمَها وما راعياها

منعا بعلها من العهد والعقد

وكان المنيب والأوّاها

٣١

واستبدّا بإمْرةٍ دبّراها

قبل دفنِ النبيِّ وانتهزاها

وأتت فاطمٌ تطالب بالإرث

من المصطفى فما ورّثاها

ليت شعري لِم خولفت سُننُ القرآنِ

فيها واللهُ قد أبداها

رضي الناس إذ تلوها بما لم

يرضَ فيها النبيُّ حين تلاها

نُسخت آيةُ المواريثِ منه

أمْ هما بعد فرضها بدّلاها

أمْ ترى آيةُ المودّةِ لم تأتِ

بودّ الزهراء في قُرباها

ثمّ قالا أبوكِ جاء بهذا

حجّة من عنادهم نصباها

قال للأنبياء حكم بأن لا

يورِّثوا في القديم وانتهزاها

أفبنت النبي لم تدر إن كان

نبيُّ الهدى بذلك فاها

بضعة من محمّدٍ خالفت ما

قال حاشا مولاتنا حاشاها

٣٢

سمعته يقول ذاك وجاءت

تطلب الإرثَ ضلّةً وسفاها

هي كانت لله أتقى وكانت

أفضل الخَلْقِ عفّةً ونزاها

أو تقول النبيُّ قد خالف القرآن

ويح الأخبار ممّن رواها

سلْ بإبطال قولهم سورةَ النملِ

وسلْ مريمَ الّتي قبل طاها

فهما ينبئان عن إرث يحيى

وسليمان مَن أراد انتباها

فدعت واشتكت إلى اللهِ من ذاك

وفاضت بدمعها مقلتاها

ثمّ قالت فنِحْلةٌ ليَ من

والدي المصطفى فلم ينحلاها

فأقامت بها شهوداً فقالوا

بعلها شاهدٌ لها وابناها

لم يجيزوا شهادة ابنَي رسولِ اللّه

هادي الأنام إذ ناصباها

لم يكن صادقاً عليٌّ ولا

فاطمةٌ عندهم ولا ولداها

٣٣

كان أتقى لله منهم عتيقٌ

قبّح القائلُ المحال وشاها

جرّعاها من بعد والدها الغيظَ

مراراً فبئس ما جرّعاها

أهل بيتٍ لم يعرفوا سنن الجور

التباساً عليهمُ واشتباها

ليتَ شِعْري ما كان ضرّهما الحفظ

لعهد النبي لو حفظاها

كان إكرامُ خاتمِ الرُّسلِ الهادي

البشير النذير لو أكرماها

إنّ فعل الجميل لم يأتياه

وحسان الأخلاق ما اعتمداها

ولو ابتيع ذاك بالثمن الغالي

لَمَا ضاع في اتّباع هواها

ولكان الجميل أن يُقْطِعاها

فدكاً لا الجميل أن يَقْطَعاها

أترى المسلمين كانوا يلومونهما

في العطاء لو أعطياها

كان تحت الخضراء بنت نبيٍّ

صادقٍ ناطقٍ أمينٍ سواها؟!

٣٤

تاه في رفرف النّدى خضراها

فتثنّى بخصرها عِطفاها

وترامت غنّاء رائعة الحسنِ

وطيفٌ من الحيا يغشاها

فكأنّ الحسناء أتعبها المشيُ

بصحراء تكتوي حصباها

في فلاةٍ طغى بها الشمس حتّى

لا ترى قطرةً تبلُّ الشِّفاها

تترائى تحت النخيل مروجٌ

يتبارى مع النّسيم هواها

عينُ ماءٍ مبرّدٍ سقت الأرض

وصابت بالبرد ريحُ صباها

قد تدلّت ثمارُها وتناجت

سعفاتُ النّخيلِ في أجواها

فدكٌ فتنةُ الزّمان وسحرُ

الأرضِ والجنّة الّتي تهواها

٣٥

بنت مَن! أُمّ مَن! حليلة مَن!

ويلٌ لِمَن سنّ ظلمَها وأذاها

ذاك ينبيك عن حقودٍ صدورٍ

فاعتبرها بالفكر حين تراها

قل لنا أيّها المجادل في القول

عن الغاصبين إذ غصباها

أهما ما تعمّداها كما قلت

بظلمٍ كلاّ ولا اهتضماها

فلماذا إذ جُهّزت للقاء الله

عند الممات لم يحضراها

شيّعت نعشَها ملائكةُ الرحمانِ

رفقاً بها وما شيّعاها

كان زهداً في أجرها أم عناداً

لأبيها النبيِّ لم يتبعاها

أمْ لأنّ البتولَ أوصت بأن لا

يشهدا دفنَها فما شهداها

أمْ أبوها أسرّ ذاك إليها

فأطاعت بنتُ النبيِّ أباها

كيف ماشئت قلْ كفاكَ فهذي

فِرْيةٌ قد بلغتَ أقصى مداها

٣٦

أغضباها وأغضبا عند ذاك الله

ربّ السماء إذ أغضباها

وكذا أخبر النبيُّ بأنّ الله

يرضى سبحانَه لرضاها

لا نبيّ الهدى أُطيع ولا

فاطمة أُكرمت ولا حسناها

وحقوق الوصي ضُيّع منها

ما تسامى في فضله وتناها

تلك كانت حزازة ليس تبرا

حين ردّا عنها وقد خطباها

وغداً يلتقون واللهُ يجزي

كلَّ نفسٍ بغيِّها وهُداها

فعلى ذلك الأساس بنت صاحبة

الهودج المشوم بناها

وبذاك اقتدت أميّةُ لمّا

أظهرت حقدها على مولاها

لَعَنَتْهُ بالشام سبعينَ عاماً

لَعَنَ اللهُ كهلَها وفتاها

ذكروا مصرع المشايخ في بدرٍ

وقد ضمّخ الوصيُّ لِحاها

٣٧

وبأُحْدٍ من بعد بدرٍ وقد أتعس

فيها معاطساً وجباها

فاستجادت له السيوف بصفّينَ

وجرّت يومَ الطفوف قناها

لو تمكّنت بالطفوف مدى الدهر

لقبّلت تربها وثراها

أدركت ثارها أُميّةُ بالنّار

غداً في معادها تصلاها

أشكرُ الله أنّني أتولّى

عترةَ المصطفى وأشنى عداها

ناطقاً بالصواب لا أرهب

الأعداءَ في حبّهم ولا أخشاها

نحْ بها أيّها الجزوعي واعلم

أنّ إنشادك الّذي أنشاها

لك معنىً في النّوْحِ ليس يضاهى

وهي تاجٌ للشِّعْر في معناها

قلتُها للثوابِ واللهُ يعطي

الأجر فيها مَن قالها ورواها

مظهراً فضلَهم بعزمة نفسٍ

بلغت في ودادهم منتهاها

٣٨

فاستمعها من شاعرٍ علويٍّ

حسنيٍّ في فضلها لا يُضاهى

سادة الخلْق قومه غير شكّ

ثمّ بطحاء مكّةٍ مأواها

الأزري (ره): وشيء من قصيدته الهائيّه:

تركوا عهد أحمدٍ في أخيه

وأذا قوا البتول ما أشجاها

وهي العروةُ الّتي ليس ينجو

غير مستعصمٍ بحبل ولاها

لم يرَ الله للرسالة أجراً

غير حفظ الزهراء في قُرباها

يوم جاءت يا للمصاب إليهم

ومن الوجد ما أطل بكاها

فدعتْ واشتكتْ إلى الله شكوى

والرواسي تهتزّ من شكواها

فاطمأنّت لها القلوب وكادت

أن تزول الأحقاد ممّن حواها

٣٩

تَعِظُ القومَ في أتمِّ خطابٍ

حكت المصطفى به وحكاها

أيّها القوم راقبوا الله فينا

نحن من روضة الجليل جَناها

نحن مَن بارى السماوات سرّاً

لو كرهنا وجودها ما براها

بل بآثارنا ولطف رضانا

سطّح الأرض والسماء بناها

وبأضوائنا الّتي ليس تخبو

حوت الشهب ما حوت من سناها

واعلموا أنّنا مشاعرُ دين

الله فيكم فأكرموا مثواها

ولنا من خزائنِ الغيبِ فيضٌ

ترِد المهتدون منه هُداها

إن تروموا الجنان فهي من

الله إلينا هديّة أهداها

هي دارٌ لنا ونحن ذووها

لا يرى غير حزبنا مرآها

وكذاك الجحيم سجن عدانا

حسبهم يومَ حشرهم سُكناها

٤٠