• البداية
  • السابق
  • 211 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19623 / تحميل: 5288
الحجم الحجم الحجم
كشف الحقائق رد علي «هذه نصيحتي إلي كل شيعي»

كشف الحقائق رد علي «هذه نصيحتي إلي كل شيعي»

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذا ما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة، فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والطيالسي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه أنه قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيّ ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد بن ثابت(١) .

* * *

قال الجزائري: لازم هذا الاعتقاد أن طائفة الشيعة هم وحدهم أهل الحق والقائمون عليه، لأنهم هم الذين بأيديهم كتاب الله كاملاً غير منقوص، فهم يعبدون الله بكل ما شرع. وأما من عداهم من المسلمين فهم ضالون لحرمانهم من كثير من كتاب الله تعالى وهدايته فيه.

أقول:

كل طائفة من طوائف هذه الأمة تعتقد أو تدَّعي بأنها هي الطائفة المحقِّة والفرقة الناجية، أهل السنة والشيعة في ذلك سواء.

والشيعة الإمامية يعتقدون بأنهم هم أهل الحق، لأنهم تأمَّلوا المذاهب، ونظروا في قول النبي صلى الله عليه وآله: « ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة »(٢) ، ورأوا أن النبي قد عيَّن هذه الفرقة في أحاديث صحيحة، منها قوله صلى الله عليه وآله:

____________________

(١) صحيح البخاري ٥/٤٥ كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح مسلم ٤/١٩١٤، ١٩١٥ كتاب فضائل الصحابة، باب رقم ٢٣. سنن الترمذي ٥/٦٦٦. مسند أحمد ٣/٢٣٣، ٢٧٧. مسند أبي داود الطيالسي، ص٢٧٠.

(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٥/٢٥، ٢٦، وأبو داود في سننه ٤/١٩٧، ١٩٨، وابن ماجة كذلك ٢/١٣٢١، ١٣٢٢، والدارمي كذلك ٢/٢٤١، واحمد في المسند ٢/٣٢، ٣/١٢٠، ١٤٥، والحاكم في المستدرك ١/٦، ١٢٨، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨/٢٥٨، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ١/٧، ٢٥، ٣٢، ٣٣، والسيوطي في الجامع الصغير ١/١٨٤، والدر المنثور ٢/٢٨٩، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠/٢٠٨، والبغوي في شرح السنة ١/٢١٣، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ١/٦١، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٣/٨٦، ٨٧، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧/٢٥٨، ٢٦٠. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والبغوي والسيوطي فيما تقدم من كتبهم، والبوصيري في مصباح الزجاجة ٣/٢٣٩، والسخاوي في المقاصد الحسنة، ص١٥٨، والشاطبي في الاعتصام ٢/١٨٩، والسفاريني في لوامع الأنوار البهية ١/٩٣، والزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار ٣/٢٣٠، وابن تيمية في كتاب المسائل كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٣٥٩، والألباني في سلسلته الصحيحة ١/٣٥٦، ٣٥٨، وصحيح الجامع الصغير ١/٢٤٥، ٥١٦، وصحيح سنن أبي داود =

٦١

« إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلُّوا بعدي أبداً »(١) ، وكَشَف المراد بأهل بيته في أحاديث أخر، حيث قال: « اللهم هؤلاء أهلي » أو «... أهل بيتي »(٢) ، يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وعيَّن صلى الله عليه وآله عدد أئمة الحق بقوله: « لا يزال الاسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلهم من قريش »(٣) . ورأوا أن أئمة أهل البيت الاثني عشر قد اتفقت الأمة

____________________

= ٣/٨٦٩. وصحيح سنن ابن ماجة ٢/٣٦٤، بل ادعى السيوطي تواتره كما في فيض القدير ٢/٢١، وكذلك الكتاني في نظم المتناثر، ص٥٧.

(١) أخرجه الترمذي في سننه ٥/٦٦٢، ٦٦٣، وأحمد في المسند ٣/١٤، ١٧، ٢٦، ٥٩، ٥/١٨١، ١٨٩، والحاكم في المستدرك ٣/١٠٩ - ١١٠، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/١٩٤، وابن ابي عاصم في كتاب السنة، ص٦٢٩ - ٦٣٠، والسيوطي في الجامع الصغير ١/٤٠٢ والدر المنثور ٧/٣٤٩ في تفسير الآية ٢٣ من سورة الشورى، وفي إحياء الميت، ص ٢٨، ٢٩، ٣٩، ٤٠، ٤٨، ٥٥، ٥٦، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٤/٦٥، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٣/١٧٣٥، أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ١/٣٣٥، والبغوي في شرح السنة ١٤/١١٩، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص٩٦، والهيثمي في مجمع الزوائد ١/١٧٠، ٩/١٦٢ وما بعدها، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٤/١١٣، وفي البداية والنهاية ٥/١٨٤. وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والسيوطي وابن حجر العسقلاني والهيثمي وابن كثير فيما تقدم من كتبهم. وصححه كذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة، ص٤٥، ٢٢٨، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٣٥٥ وصحيح الجامع الصغير ١/٤٨٢.

(٢) قال صلى الله عليه وآله ذلك في أحاديث كثيرة، مها حديث المباهلة وحديث الكساء. راجع صحيح مسلم ٤/١٨٧١، ١٨٨٣، وسنن الترمذي ٥/٢٢٥، ٣٥٢، والمستدرك ٣/١٠٨ - ١٠٩، ١٣٣، ١٤٦، ١٤٧، ١٥٠، ١٥٨، ومجمع الزوائد ٩/١٦٦، وما بعدها، ومسند أحمد ١/١٨٥، ٣٣٠ - ٣٣١، ٤/١٠٧، ٦/٢٩٢، ٣٢٣، والاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩/٦١، والسنن الكبرى ٢/١٤٩، ومسند أبي داود الطيالسي، ص٢٧٤، وكتاب السنة، ص٥٨٨ - ٥٨٩، ومشكاة المصابيح ٣/١٧٣١، والدر المنثور ٦/٦٠٣ وما بعدها في تفسير آية التطهير، وتاريخ بغداد ١٠/٢٧٨، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص ٣٠ - ٧، ٤٧ - ٤٩، ٧٣.

(٣) أخرج حديث الخلفاء الاثني عشر باختلاف ألفاظه: البخاري في صحيحه ٩/١٠١ كتاب الأحكام، باب ٥١، ومسلم في صحيحه ٣/١٤٥٢ - ١٤٥٤ كتاب الإمارة، باب ١ بتسعة طرق، والترمذي في سننه ٤/٥٠١ بطريقين صححهما، وأبو داود في مسنده ٤/١٠٦. بثلاثة طرق صحّحها الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣/٨٠٧. وأخرجه أحمد في مسنده ١/٣٩٨، ٥/٨٦ - ٩٠، ٩٢ - ١٠١، ١٠٦ - ١٠٨، والحاكم في المستدرك ٣/٦١٧، ٦١٨، وأبو داود الطيالسي في مسنده، ص١٨٠، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الاولياء ٤/٣٣٣، وأبو عوانة في مسنده ٤/٣٩٦ - ٣٩٩، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ٢/٥١٨، ٥٣٤، ٥٤٤، ٥٤٩، والبيهقي في دلائل النبوة ٦/٥١٩ - ٥٢٣ والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٢/١٢٦، والهيثمي في مجمع الزوائد ٥/١٩٠،=

٦٢

على نجاتهم ونجاة أتباعهم.

فلما رأوا كل ذلك اتبَّعوهم، فصاروا بذلك هم الناجين دون غيرهم(٢) .

أما أن الشيعة رأوا أنهم هم أهل الحق لما قاله الجزائري فهذا غير صحيح، وقد أوضحنا ذلك فيما تقَّدم، فلا نعيده.

* * *

قال الجزائري: أرأيت لو قيل لهذا القائل: أرِنا هذا القرآن الذي خَصَّ به آل البيت شيعتهم، أرنا منه سورة أو سوراً - يتحداه في ذلك، فماذا يكون موقفه؟

أقول:

إن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يخصُّوا شيعتهم بقرآن غير هذا القرآن الذي يتداوله الناس، ولو كان عندهم قرآن آخر لأظهروه ولما خافوا في الله لومة لائم، وكل مَن نسب إليهم غير هذا فهو كاذب مفترٍ عليهم، وقد أوضح ذلك أعلام المذهب في مصنفاتهم المعروفة، وأثبتوا أن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، لم يُزَد فيه ولم يُنقَص منه.

قال الشيخ الصدوق: إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سُوَره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة... ومَـن نسب إلينا أنا نقول: « إنه أكثر من ذلك » فهو كاذب(٢) .

وقال أمين الاسلام الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ): الكلام في زيادة القرآن ونقصانه... لا يليق بالتفسير، فأما الزيادة فيه فمُجمَع على بطلانها، وأما النقصان منه

____________________

= ١٩١، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ٢/١٩٧، وابن حبان في صحيحه كما في الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨/٢٢٦، ٢٢٩، ٢٣٠، والبغوي في شرح السنة ١٥/٣٠، ٣١ والألباني في صحيح ابن الجامع الصغير ٢/١٢٧٤، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٦٥١ رقم ٣٧٦، ٢/٦٩٠ رقم ٩٦٤.

(١) راجع كتابنا دليل المتحيرين، فإنا ذكرنا فيه مزيداً من الأدلة الدالة على ان الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية دون غيرهم.

(٢) الاعتقادات، ص٧٤ - ٧٥.

٦٣

فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء(١) .

وقال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ): الكلام في زيادته ونقصانه... الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهـو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله، وهو الظاهر في الروايات(٢) .

وقال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه: أما النقصان فإن العقول لا تحيله ولا تمنع منه... وقد قال جماعة من أهل الإمامة: إنه لم ينقص من كلِمِه ولا من آيِهِ ولا من سورِه، ولكن حُذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله...

وقد يسمَّى تأويل القرآن قرآناً... وعندي أن هذا القول أشبه مِن مقال مَن ادَّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل.

وقال: وأما الزيادة فمقطوع على فسادها(٣) .

وقال السيد رضي الدين ابن طاووس (ت ٦٦٤ هـ): كان القرآن مصوناً من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع(٤) .

وقال الميرزا محمد حسن الإشتياني قدس سره: المشهور بين المجتهدين والأصوليين، بل أكثر المحدثين عدم وقوع التغيير مطلقاً، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك(٥) .

والحاصل أن القول بسلامة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقصان هو الذي عليه عامة علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً، ومن ذهب إلى غير هذا القول فهو شاذ لا يعتد به ولا يعول عليه.

____________________

(١) مجمع البيان ١/١٥.

(٢) التبيان في تفسير القرآن ١/٣.

(٢) أوائل المقالات، ص٩١ - ٩٢.

(٤) سعد السعود، ص١٩٣ - ١٩٤.

(٥) بحر الفوائد، ص٩٩.

٦٤

كشف

الحقيقة الثالثة

٦٥

٦٦

قال الجزائري:

الحقيقة الثالثة

استئثار آل البيت وشيعتهم دون المسلمين

بآيات الأنبياء كالحجر والعصا

يشهد لهذه الحقيقة ويثبتها ما أورده صاحب الكافي بقوله: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة مظلمة وهو يقول: هَمْهَمة همهمة، وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى.

وأورد أيضاً قوله: عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قـال: سمعته يقول: ألواح موسى عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين.

أقول

كل الأحاديث المروية في هذا الباب من الكافي ضعيفة(١) .

أما الحديث الأول: الذي أورده الجزائري في حقيقته هذه فقد رواه الكليني

____________________

(١) الحديث الأول من الباب هو خبر محمد بن الفيض عن أبي جعفر عليه السلام، ومن جملة رواته سلمة بن الخطاب، وهو ضعيف ضعفه النجاشي في رجاله، ص١٣٣، وابن الغضائري كما في معجم رجال الحديث ٨/٢٠٤، والعلامة في الخلاصة، ص٢٢٧ وغيرهم. ومن رواته أيضا منيع بن الحجاج البصري ومحمد ابن الفيض وهما مجهولان. وأما الحديث الثاني فهو خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي عبدالله عليه السلام، وهو الحديث الثاني الذي ذكره الجزائري في حقيقته هذه، وسيأتي بيان ما فيه. وأما الحديث الثالث والرابع (وهو أول الحديثين اللذين ذكرهما الجزائري ههنا) فمن رواتهما موسى بن سعدان، وهو ضعيف كما سيتضح حاله. وأما الحديث الخامس والأخير فمن رواته بشر بن جعفر وهو مجهول الحال، والمفضل بن عمر وهو مختلف في وثاقته، والمشهور ضعفه، إذ ضعفه النجاشي في رجاله، ص٢٩٥، وابن الغضائري والعلامة في الخلاصة، ص٢٨٥، وابن داود وغيرهم. راجع تنقيح المقال ٣/٢٣٨.

٦٧

رحمه الله عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام.

وحسبك أن من جملة رواته موسى بن سعدان، وهو موسى بن سعدان الحناط الكوفي، وهو ضعيف لا يعتمد حديثه.

قال النجاشي: موسى بن سعدان الحناط ضعيف في الحديث(١) .

وقال ابن الغضائري: موسى بن سعدان الحناط كوفي، روى عن أبي الحسن عليه السلام، ضعيف، في مذهبه غلو(٢) .

ومثله كلام العلامة في الخلاصة(٣) .

وأما الحديث الثاني: فقد رواه الكليني رحمه الله عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط،عن محمد بن الفضيل، عن ابي حمزة الثمالي، عن أبي عبدالله عليه السلام.

وعمران بن موسى مشترك بين عمران بن موسى الخشاب، وهو مجهول الحال، وبين عمران بن موسى الأشعري، وهو مجهول أيضاً، وبين عمران بن موسى الزيتوني الثقة.

وأما موسى بن جعفر البغدادي فهو مجهول الحال ايضاً. قال المامقاني: ظاهره كونه إمامياً، إلا أن حاله مجهول(٤) .

وأما محمد بن الفضيل فهو مشترك بين الضعيف وغيره.

قال المامقاني: الرجل إما ضعيف أو مجهول، اتحد أو تعدد(٥) .

* * *

قال الجزائري: وبعد: أيها الشيعي إن هذا المعتقد في هذه الحقيقة بالذات يلزمك

____________________

(١) رجال النجاشي، ص٢٨٩.

(٢) راجع تنقيح المقال ٣/٢٦٥، والخلاصة، ص٢٥٧.

(٣) الخلاصة، ص٢٥٧.

(٤) تنقيح المقال ٣/٢٥٤.

(٥) المصدر السابق ٣/١٧٢.

٦٨

أموراً في غاية الفساد والقبح، لا يمكنك وأنت العاقل إلا أن تتبرأ منها ولا تعترف بها، وهي:

١ - تكذيب علي رضي الله عنه في قوله - وقد سئل: هل خصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم آل البيت بشيء؟ فقال: لا، إلا ما كان في قراب سيفي هذا. فأخرج صحيفة مكتوباً فيها أموراً أربعة، ذكرها أهل الحديث كالبخاري ومسلم.

أقول:

كل ما ذكره من اللوازم غير لازم للشيعة، وذلك لأمرين:

الأول: أن أحاديث هذا الباب كما قلنا كلها ضعيفة، والحديث الضعيف لا يُلزِم ولا يُلزَم به كما هو واضح.

الثاني : ما ظنه الجزائري من اللوازم - ولا سيما الثـالـث والرابع مما ذكره - هو في حقيقة الأمر ليس بلازم، وهذا ما سيتضح فيما سيأتي قريباً.

أما ما ذكره من لزوم تكذيب علي عليه السلام فيما قاله في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم فغير صحيح، وذلك لأن هذا الحديث الذي ساقه ليس متواتراً عن علي عليه السلام، وإنما هو حديث رواه أهل السنة في كتبهم، فلا يصح الاحتجاج به على غيرهم.

ولو سلَّمنا بصحته فلا نقطع بصدوره من علي عليه السلام وإن كان حجة يلزم العمل به، وذلك لأن الخبر الصحيح لا يفيد القطع، بل غاية ما يفيده الظن.

ثم إنَّا لو صحَّحنا هاتين الروايتين - أعني رواية الكليني ورواية البخاري - وسلَّمنا بالتعارض بينهما، فمَن أخذ بأحد الخبرين المتعارضين المرويين عن علي عليه السلام وترك الآخر فإنه لا يُعَد مكذِّباً له عليه السلام، وإلا لما جاز العمل بالأخبار المتعارضة.

ثم إن أكثر الشيعة ولا سيَّما عوامّهم لم يطَّلعوا على هذا الحديث الذي رووه عن علي عليه السلام، فكيف يتحقق تكذيبهم لكلام لم يطلعوا عليه؟!

هذا مع أنه لا تعارض في البين بين أحاديث هذا الباب من الكافي والحديث الذي رووه عن علي عليه السلام، وذلك لأن المروي في صحيح البخاري أن علي عليه السلام سُئل: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه

٦٩

الصحيفة...(١) .

وفيه أيضاً: عن علي رضي الله عنه، قال: ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وآله إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال النبي صلى الله عليه وآله: المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، فمن أحدث أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين...(٢) .

وفيه أيضاً: أن علياً خطب فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة...(٣) .

وفي رواية مسلم أن علياً قال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب...(٤) .

ولو سلَّمنا بصحة هذه الأحاديث فالظاهر منها أن علياً عليه السلام قد أخبر أنه ليس عند آل بيت النبي صلى الله عليه وآله شيء مكتوب يقرؤونه، قد خصَّهم به رسول الله صلى الله عليه وآله دون الناس غير القرآن إلا تلك الصحيفة.

ولهذا قال ابن حجر في شرح قول السائل: « هل عندكم كتاب »: أي مكتوب أخذتموه عن رسول الله صلى الله عليه وآله مما أوحي إليه. ويدل على ذلك رواية المصنف - يعنى البخاري - في الجهاد: « هـل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ »(٥) ، وله في الديات: « هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ »(٦) ، وفي مسند إسحاق بن راهوايه: عن جرير، عن مطرف: « هل علمت شيئا من الوحي؟ »(٧) .

وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي في شرح قول السائل: « هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وآله شيء سوى القرآن؟ »: أي شيء مكتوب، وإلا فلا شك أنه كان عنده أكثر مما ذكر(٨) .

____________________

(١) صحيح البخاري ١/٣٨ كتاب العلم، باب كتابة العلم.

(٢) المصدر السابق ٤/١٢٤ - ١٢٥ كتاب الجزية، باب إثم من عاهد ثم غدر.

(٣) المصدر السابق ٤/١٢٢ كتاب الجزية، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة...

(٤) صحيح مسلم ٢/١١٤٧ كتاب العتق، باب تتحريم تولي العتيق غير مواليه.

(٥) صحيح البخاري ٤/٨٤ كتاب الجهاد، باب فك الاسير.

(٦) المصدر السابق ٩/١٣ - ١٤ كتاب الديات، باب العاقلة.

(٧) فتح الباري ١/١٦٥.

(٨) سنن النسائي بشرح السيوطي ٨/٢٣.

٧٠

ويدل على ذلك أيضاً أن ما ذكر في الصحيفة لم يكن من الأمور المخصوصة بعلي عليه السلام دون سائر المسلمين(١) .

قال أبو الطيب العظيم آبادي: ليس يخفى أن ما في كتابه - أي صحيفة علي عليه السلام - ليس من الأمور المخصوصة(٢) .

ومثله قول السندي في حاشيته على سنن النسائي(٣) .

وهذا يدل على أن مراد السائل هو معرفة ما إذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد اختص علياً عليه السلام دون الناس بشيء مكتوب فيه شيء من العلم. لأن داعي السؤال هو أن علياً عليه السلام كان إذا وقع حدث قال: صدق الله ورسوله. وهذا يشعر بأن النبي صلى الله عليه وآله كان قد اختصّه بأمور غيبيّه تقع، أخبره بها ولم يخبر أحداً سواه.

قال ابن حجر: السبب في سؤالهم لعلي رضي الله عنه عن ذلك أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسّان، أن علياً كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه. فيقول: صدق الله ورسوله. فقال له الأشتر: هذا الذي تقول أهو شيء عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وآله خاصةً دون الناس...(٤) .

وجواب علي عليه السلام يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يخصه بشيء مكتوب دون الناس إلا ما في تلك الصحيفة التي حوت أموراً غير مخصوصة به. أما ما خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما ذُكر فلم يقع في جواب علي عليه السلام وإن قصده السائل.

ومنه يتضح أن الأحاديث المذكورة في الكافي في باب ما عند الأئمة عليهم السلام من

____________________

(١) ما ذكر في الصحيفة هو: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الارض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله آوى محدثا (راجع صحيح مسلم ٣/١٥٦٧، ومسند أحمد ١/١١٨). وذكر فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات وفيها أيضا: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى الى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، (راجع صحيح مسلم ٢/١١٤٧، ومسند أحمد ١/١١٩، ١٢٢، ١٥١، ١٥٢، وسنن النسائي ٨/١٩، ٢٣، وسنن أبي داود ٤/١٨٠ - ١٨١ وما سبق ذكره من صحيح البخاري).

(٢) عون المعبود ١٢/١٦٠.

(٣) سنن النسائي بشرح السيوطي ٨/١٩.

(٤) فتح الباري ١/١٦٦.

٧١

آيات الأنبياء عليهم السلام لا تتنافى مع ما أخرجه البخاري ومسلم من أحاديث الصحيفة، لأن تلك الأخبار تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله قد اختص أهل بيته ببعض آيات الأنبياء، كقميص آدم وعصا موسى وخاتم سليمان، وأحاديث الصحيفة تنفي أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد اختص علياً وأهل بيته عليهم السلام بكتاب غير القرآن إلا تلك الصحيفة، وهذا لا ينفي اختصاصه صلى الله عليه وآله لأهل بيته بغير ذلك من المقتنيات والعلوم.

على أنَّا لو لم نقل إن النبي صلى الله عليه وآله ورّث أهل بيته بعض آيات الأنبياء التي كانت عنده فلا نجد محذوراً في القول بحيازتهم لها بعد ذلك، إذ للّها كانت في أيديهم عندما قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله، فبقيت كذلك، كما قالوا في حيازة أبي بكر لخاتم النبي صلى الله عليه وآله، وحيازة عائشة لبعض ثيابه، وحيزة غيرهما لغيرها.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر (رض)، قال: اتخَّذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ورِق(١) ، وكان في يده، ثم كان بعدُ في يد أبي بكر، ثم كان بعدُ في يد عمر، ثم كان في يد عثمان، حتى وقع بعد في بئر أريس، نقشه: محمد رسول الله(٢) .

وأخرج البخاري أيضاً بسنده عن أبي بردة، قال: أخرجتْ إلينا عائشة رضي الله عنها كساءاً ملبَّداً، وقالت: في هذا نُزع روح النبي صلى الله عليه وآله.

وزاد سليمان، عن حميد، عن أبي بـردة، قـال: أخرجتْ إلينا عائشة رضي الله عنها إزاراً غليظاً مما يُصنع باليمن، وكساءاً من هذه التي تدْعونها الملبَّدة(٣) .

وهذه المقتنيات وغيرها بقيت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بيد مَن كانت عنده كما نصَّ على ذلك ابن حجر، حيث قال: إنه صلى الله عليه وآله لم يوُرِّث ولا بِيْع موجودُهُ، بل تُرك بيد مَن صار إليه للتبّرك به، ولو كانت ميراثاً لبيعت وقُسِّمت(٤) .

وعليه، فلا ينبغي الريب في أن أهل البيت عليهم السلام كانت عندهم بعض مقتنيات رسول الله صلى الله عليه وآله كالثياب والسلاح وغيرها، لأنهم أولى الناس به.

وقد دلَّت بعض الأخبار على ذلك:

____________________

(١) أي فضة.

(٢) صحيح البخاري ٧/٢٠٢ كتاب اللباس، باب نقش الخاتم. وراجع ص٢٠٣، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر، ٤/١٠٠ كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي (ص) وعصاه... الخ. صحيح مسلم ٣/١٦٥٦ كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبي (ص) خاتماً من ورق... الخ.

(٣) صحيح البخاري ٤/١٠١ كتاب فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وآله وعصاه... الخ.

(٤) فتح الباري ٦/١٦٠.

٧٢

فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن شهاب: أن علي بن حسين حدَّثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية [ بعد ] مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليَّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: فهل أنت معطيَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم الله لئن أُعطيتنيه لا يُخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي...(١) .

وبهذا يتضح السر في إخفاء النبي صلى الله عليه وآله حيازته لمواريث الأنبياء عليهم السلام عن الناس، إذ لم نجد في الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وآله في كتب أهل السنة مما يتعلق بذلك عيناً ولا أثراً، وذلك حتى لا يُغلب عليها أهل البيت عليهم السلام من بعده كما غُلبوا على غيرها.

* * *

قال الجزائري: ٢ - الكذب عليه رضي الله عنه بنسبة هذا القول إليه.

أقول:

لقد أوضحنا أن أحاديث هذا الباب من الكافي كلها ضعيفة. وعليه فنحن لا نعلم بصدور هذا القول من أمير المؤمنين عليه السلام، ولم نقل نحن ولا قال الكليني قدس سره بأنه عليه السلام قد قاله حتى تتجه نسبة الكذب إليه أو إلينا، ولا سيما أنا لا نقطع بصدور هذا القول منه عليه السلام حتى لو صحَّ الخبر عنه، فمع عدم صحّته لا يحصل عندنا ظن بالصدور كما هو واضح.

هذا مضافاً إلى أن الكليني رحمه الله روى هذه الأحاديث عن غيره، ولم يقل: « إن علياً عليه السلام قاله » حتى ننسبه إلى الكذب على علي عليه السلام، وإنما قال: « حدثني فلان عن فلان أن علياً عليه السلام قال كذا وكذا »، والكليني صادق فيما قال من تحديث غيره له، أما أن علياً عليه السلام قد قال ذلك أو لم يقله فهذا ما لا نعلمه، ولا نُسأل عنه، ولا نُحاسب عليه.

ولا أدري لمَ جزم الجزائري بـأن علياً عليه السلام لم يقل ذلك القول، مع أنه لم يكن

____________________

(١) صحيح البخاري ٤/١٠١، صحيح مسلم ٤/١٩٠٣ كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام.

٧٣

مناقضاً لنص القرآن الكريم، أو مخالفاً للسنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو حكم العقل.

وكونه خبراً ضعيفاً لا يدل على عدم وقوعه وإن كان بعض رواته معروفاً بالكذب، لأن الكذوب قد يصدق، ولهذا أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يتبيّنوا في أخبار الفاسقين، حيث قال:( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينَّوا أن تصيبوا قـوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (١) .

فأمر بالتبيُّن في أخبارهم، ولم يأمر بردها. ومن البيِّن أن هذا الأمر إنما اتَّجه لأجل احتمال صحة خبر الفاسق ولو في بعض الأحيان.

والحاصل أن جزم الجزائري بأن هذا الخبر مكذوب على أمير المؤمنين عليه السلام في غير محله، لعدم جريانه على القواعد العلمية. اللهم إلا إذا كان يدَّعي أن لديه ملكة قدسية نورانية، يستطيع بها تمييز الحديث المكذوب من غيره... وهذا ما يحتاج منه إلى إثبات(٢) .

والظاهر أن الجزائري جزم بكذب أحاديث هذا الباب من الكافي لأنه استعظم أن يكون عند علي عليه السلام قميص آدم عليه السلام، وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهما السلام، مع أنهم روَوا أن دابة الأرض التي تظهر في آخر الزمان، تخرج وفي يدها خاتم سليمان وعصا موسى.

فقد أخرج الترمذي وحسَّنه وابن ماجة وأحمد والطيالسي والحاكم وغيرهم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن، وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الخِوان ليجتمعون فيقول: ها ها يا مؤمن. ويقال: ها ها يا كافر. ويقول هذا: يا مؤمن. وهذا: يا كافر(٣) .

____________________

(١) سورة الحجرات، الآية ٦.

(٢) قال ابن حجر العسقلاني في « نزهة النظر » ص٤٤: والحكم عليه - أي على الحديث - بالوضع إنما هو بطريق الظن الغالب لا بالقطع، إذ قد يصدق، لكن لا لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك، وإنما يقوم بذلك منهم من يكون اطلاعه تاما، وذهنه ثاقبا، وفهمه قويا، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكنة.

(٣) سنن الترمذي ٥/٣٤٠. سنن ابن ماجة ٢/١٣٥١. مسند أحمد ٢/٢٩٥، ٤٩١. مسند أبي داود الطيالسي، ص٣٣٤. الجامع الصغير ١/٥٠٢. المستدرك ٤/٤٨٥. الدر المنثور ٦/٣٨١. تفسير الطبري ٢٠/١١. تفسير القرآن العظيم ٣/٣٧٥، ٣٧٦. كنز العمال ١٤/٣٤١.

٧٤

وروَوا أن دابة الجنة هي علي بن أبي طالب عليه السلام فيما أخرجه الهيثمي والمتقي الهندي وغيرهما عن عمرو بن الحمق، قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فبينما أنا عنده ذات يوم قال لي: هل أُريك دابة الجنة تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتمشي في الأسواق؟ قال: قلت بلى بأبي أنت. قال: « هذا دابة الجنة ». وأشار إلى علي بن أبي طالب(١) .

وروَوا عن علي عليه السلام أنه سُئل عن دابة الأرض فقال: أمَا والله ما لها ذنَب، وإن لها لَلِحية.

قال الماوردي: وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرّح به(٢) .

قال القرطبي: ولهذا - والله أعلم - قال بعض المتأخرين من المفسرين: إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنساناً متكلماً يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة(٤) .

أقول: ويدل على أنها من الإنس أنها تكلِّم الناس كما في قوله تعالى( تكلِّمهم ) ، وأنها تميِّز المؤمن من الكافر، وأنها تسِمُ المؤمن بالعصا، وتختم الكافر بالخاتم... وذلك كله من الصفات المعهودة في البشر لا في غيرهم.

وعلى كل حال، فإن قلنا إن دابة الأرض هي علي بن أبي طالب عليه السلام، فليس من الإنصاف أن ننكر أن عنده عصا موسى وخاتم سليمان، وإن قلنا إن دابة الأرض غيره، فليس من الإنصاف أن نستعظم حيازته عليه السلام للعصا والخاتم، ولا نستعظم حيازة الدابة لهما.

* * *

قال الجزائري: ٣ - الازدراء من نفس صاحب هذا المعتقد والدلالة القاطعة على تفاهة فهمه، ونقصان عقله، وعدم احترامه لنفسه، إذ لو قيل له: أين الخاتم؟ أو أين

____________________

(١) مجمع الزوائد ٩/١١٨. كنز العمال ١١/٦٢٦.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٣٦.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٧٥

العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك، وبه يتبيَّن كذب القصة من أولها إلى آخرها.

وأقول:

لا أدري كيف يُلزَم كل شيعي بالازدراء منه؟! وهل يُعد الازدراء من الشيعة من الأمور التي يُلزَمون بها إذا اعتقدوا أن آل البيت عليه السلام عندهم مواريث الأنبياء؟!

ولا أدري لِمَ يزدري الجزائري ممن يعتقد أن آيات الأنبياء كخاتم سليمان وعصا موسى وقميص آدم، قد صانها الله سبحانه وحفظها عند أشرف خلقه وهم أنبياؤه ورسله، إلى أن صارت عند أئمة العترة النبوية الطاهرة، ولا يزدري ممن يعتقد أن خاتم سليمان وعصا موسى يكونان في آخر الزمان عند دابة الأرض التي وصفوها بأنها دابة ذات قوائم أربع لها زغَب(١) وريش، ورُغاء كرغاء الإبل؟!(٢) .

هذا مع أنَّا قد قلنا فيما تقدم أن هذا وأمثاله مما لا يجب معرفته ولا يضر بالشيعي جهله، ولعل أكثر عوام الشيعة لا يعرفون شيئاً من ذلك.

ومن الغريب أن هذا الرجل قد استدل على تفاهة فهم ونقصان عقل من يعتقد بأن آيات الأنبياء عليهم السلام عند أهل البيت بأنه لو قيل له: أين الخاتم؟ أو أين العصا؟ أو أين الألواح مثلاً؟ لما حار جواباً، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك.

ومن الواضح أنا لا نقول: « إن هذه الآيات عندنا » حتى نُطالَب بأن نأتي بها، بل هي عند أهل البيت عليهم السلام يتوارثونها.

وقال: وأوضح من ذلك فإنه قد يُقال: لو كان ما قد قيل حقاً لِمَ لا

____________________

(١) الزغب هو صغار الشر والريش.

(٢) قال القرطبي في بيان أقوال علماء أهل السنة في دابة الأرض: فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح، وهو أصحها... إلى أن قال: وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب، فانفتح له حجر فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل. وروي أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم أربع، طولها ستون ذراعاً، ويقال إنها الجساسة، وهو قول عبد الله بن عمر... وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وذكر الماوردي والثعلبي: وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وذكر الماوردي والثعلبي: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وإذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً - الزمخشري: بذراع آدم عليه السلام - ويخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان... الخ. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٣٥.

٧٦

يستخدم آل البيت هذه الآيات كالعصا والخاتم في تدمير أعدائهم والقضاء عليهم، وهم قد تعرضوا لكثير من الأذى والشر من قِبلهم؟!

والجـواب:

١ - أن أهل البيت عليهم السلام عباد لله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. والله قادر على نصرهم بغير العصا، ولكن اقتضت حكمته جل شأنه أن يمهل أعداء الدين من أئمة الجور، ويملي لهم ليزدادوا إثماً، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال تعالى( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ولهم عذاب مهين ) (١) .

٢ - لقد كان أعداء أهل البيت يُظهِرون الإسلام أو يتظاهرون به، ولم يكن حالهم في إعلان الحرب لله كحال فرعون الذي عتا عتواً كبيراً. قال تعالى( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفةً منهم يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) (٢) .

ثم تمادى في غيِّه فادّعى الربوبية لنفسه، وكذب بموسى عليه السلام لما جاءه بالدلائل الواضحة الدالة على صدقه. قال سبحانه( اذهب إلى فرعون إنه طغى * فقل له هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى * فأراه الآية الكبرى * فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى ) (٣) .

فلما آمن بموسى من آمن توعدَّهم فرعون بالتنكيل والقتل( قال آمنتم به قبل أن آذن لكم، إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر فلسوف تعلمون، لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خـلاف ولأصلبنَّكم أجمعين ) (٤) .

____________________

(١) سورة آل العمران، الآية ١٧٨.

(٢) سورة القصص، الآية ٤.

(٣) سورة النازعات، الآيات ١٧ - ٢٤.

(٤) سورة الشعراء، الآية ٤٩.

٧٧

وقال تعالى( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب * فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) (١) .

ثم سعى لقتل موسى عليه السلام ومن آمن معه. قال تعالى( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدعُ ربَّه، إني أخاف أن يبدل دينكم، أو أن يُظهر في الأرض الفساد ) (٢) .

فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج ليلاً هو ومن آمن معه. قال سبحانه( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متَّبَعون ) (٣) ( فأتبعهم فرعون بجنوده ) (٤) ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمُدرَكون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين ) (٥) .

والحاصل أن الله سبحانه قد استنفد مع فرعون كل السبل، إلا أنه أبى واستكبر وأسرف وعلا علواً كبيراً،( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) (٦) ، فهل كان حال أعداء أهل البيت كحال فرعون؟!

٣ - إن إنزال العذاب معلق على مشيئة الله سبحانه، كما أخبر في كتابه العزيز إذ قال( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذِّب من يشاء ويغفر لمن يشاء، والله على كل شيء قدير ) (٧) ،( قال عذابي أُصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء ) (٨) .

وقد شاء الله سبحانه أن يمهل أعداء الدين ويملي لهم ليزدادوا إثماً كما تقدم.

٤ - إن أهل البيت عليهم السلام رحمة مهداة إلى هذه الأمة وأمان لها، بهم يرفع الله

____________________

(١) سورة غافر، الآيات ٢٣ - ٢٥.

(٢) سورة غافر، الآية ٢٦.

(٣) سورة الشعراء، الآية ٥٢.

(٤) سورة طه، الآية ٧٨.

(٥) سورة الشعراء، الآيات ٦١ - ٦٦.

(٦) سورة النازعات، الآية ٢٥.

(٧) سورة المائدة، الآية ٤٠.

(٨) سورة الأعراف، الآية ١٥٦.

٧٨

العذاب عن الناس، فإذا ذهبوا أتى الأمَّة ما يوعدون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الحاكم وصحَّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، فإن طُمست أتى السماء ما يُوعَدون، وأنا أمان لأصحابي، فإذا قُبِضت أتى أصحابي ما يُوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون(١) .

قال المناوي: شبَّههم بنجوم السماء، وهي التي يقع بها الإهتداء، وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات، فكذلك بهم الإقتداء وبهم الأمان من الهلاك(٢) .

* * *

قال الجزائري: ٤ - إن الهدف من هذا الكذب المرذول هو إثبات هداية الشيعة وضلال مَن عداهم من المسلمين.

وأقول:

إن هداية الشيعة لا تثبت بمثل هذه الأحاديث الضعيفة، بل حتى لو صحَّت هذه الأحاديث وسلَّم بها الخصم، فإنها مع ذلك لا تدل على هداية فئة ولا ضلال فئة أخرى، وهو واضح.

قال: والقصد من وراء ذلك الإبقاء على المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية، ليتحقق لرؤساء الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش عـلى حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين.

أقول:

هذا القول من التُّهَم الكثيرة الباطلة التي سَوَّد بها كتيّبه، وحسبك أنه لم يقم دليلاً واحداً يُثبت به ما قاله.

____________________

(١) المستدرك ٣/٤٥٧. وراجع مجمع الزوائد ٩/١٧٤، الجامع الصغير ٢/٦٨٠، والمطالب العالية ٤/٧٤، وإحياء الميت، ص٣٧، ٤٥، والخصائص الكبرى ٢/٢٦٦، وفضائل الصحابة ٢/٦٧١.

(٢) فيض القدير ٦/٢٩٧.

٧٩

ولا أدري كيف يتحقق الإبقاء على المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية، و كيف يعيش علماء الشيعة على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين بإثبات أن أهل البيت عليهم السلام قد ورثوا بعض آيات الأنبياء السابقين صلى الله عليه وآله من رسول الله صلى الله عليه وآله؟! أين هذا من ذاك؟!

ثم ما هو مراده بالأمة الإسلامية؟

إن كان مراده بالأمّة باقي المسلمين، فما قاله يُلزم أهل السنة كما يلزم الشيعة، لأن كل فرقة لها كيان عقائدي مستقل عن غيرها من باقي فرق المسلمين.

وإن عنى بالأمّة أهل السنة، فمخالفتهم لا تضر ولا تشين، لأنَّا لم نجد دليلاً واحداً في كتاب الله أو في سُنة نبيِّه صلى الله عليه وآله يحذِّر من مخالفة مَن يُعرفون بهذا الاسم، بل إن الأدلة الصحيحة تحث على لزوم اتِّباع أئمة أهل البيت صلى الله عليه وآله دون غيرهم(١) .

* * *

وقوله: ليتحقق لرؤساء هذه الطائفة ولمن وراءهم من ذوي النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين.

جوابه: أن أئمة أهل البيت عليهم السلام مع أنهم كانوا هم أولى الناس بالأمر إلا أنهم لم يدّخروا وسعاً في إرشاد الناس عامة و نصح الخلفاء خاصة بما يضمن للمسلمين عزّهم ووحدتهم.

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره في طي كلامه الذي عقده لبيان عقيدة الشيعة في الوحدة الإسلامية: عُرف آل البيت عليهم السلام بحرصهم على بقاء مظاهر الإسلام والدعوة إلى عزّته ووحدة كلمة أهله، وحفظ التآخي بينهم، ورفع السخيمة من القلوب والأحقاد من النفوس.

____________________

(١) من الآيات الدالة على لزوم اتباع أهل البيت عليهم السلام قوله سبحانه( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطيراً ) الأحزاب: ٣٣. راجع ما كتبه السيد عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه في كتابه الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء، ص ١١ - ٥٢ حول هذه الآية. ومن الاحاديث قوله صلى الله عليه وآله: (اني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين، أحدهما أكبر من ألآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لي يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). راجع ما كتبناه حول هذا الحديث في كتابنا دليل المتحيرين، ص١٨٩ - ٢٠٠.

٨٠

ثم ذكر جملة من مواقف أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام الدالَّة على ذلك، ثم قال:

وكذلك باقي الأئمة عليهم السلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل، فإنهم لما علموا أن دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلى تعليم الناس معالم دينهم، وتوجيه أَتْباعهم التوجيه الديني العالي. وكل الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين لم تكن عن إشارتهم ورغبتهم، بل كانت كلها مخالفة صريحة لأوامرهم وتشديداتهم، فإنهم كانوا أحرص على كيان الدولة الإسلامية من كل أحد حتى من خلفاء بني العباس أنفسهم.

وكفى أن نقرأ وصية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لشيعته: لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاءه، وإن كان جائراً فاسألوا الله إصلاحه، فإن صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم(١) .

قال: وهذا غاية ما يُوصف في محافظة الرعية على سلامة السلطان أن يحبُّوا له ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لها(٢) .

وأما علماء الشيعة الإمامية فهم تبع لأئمة أهل البيت عليهم السلام في ذلك، ومواقفهم وكلماتهم وفتاواهم في هذا الشأن أدل دليل على ذلك، إذ تدل بوضوح على أنهم أكثر علماء هذه الأمة سعياً في رأب الصدع ولمّ الشمل وتوحيد الكلمة.

وحسبك دليلاً على ذلك ما أفتى به مَن وقفنا على فتواه منهم من استحباب الصلاة في جماعة أهل السنة، وحرمة أو كراهة التظاهر بمخالفة أهل السنة في المسائل الخلافية بين السنة والشيعة، وحرمة مخالفة أهل السنة في وقوف الحج في عرفات وغير ذلك مما يعرفه المتتبّع.

ثم ما الذي يستفيده علماء الشيعة الإمامية من العيش على حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين وهـم الذين صرفوا زهرة أعمارهم في الذب عن الإسلام والمسلمين؟! هذا مع أنهم لو ساروا في ركاب الحكَّام والأُمراء و السلاطين وأكلوا من

____________________

(١) وسائل الشيعة ١١/٤٧٢.

(٢) عقائد الامامية، ص١٤٤.

٨١

فتات موائدهم كما يصنع غيرهم، لكان ذلك أرغد لدنياهم وأرخى لبالهم.

هذا في الوقت الذي كان كثير من علماء أهل السنّة قد دأبوا منذ مئات السنين إلى يومنا هذا على تصنيف المصنفات الكثيرة التي نقدوا فيها عقائد الشيعة الإمامية، وحكموا فيها بضلالهم وكفرهم، وأفتوا فيها بإباحة دمائهم وأموالهم.

ومن العجب أن هذا الرجل الذي يكتب مثل هذا الكتيّب الذي يؤجّج به نائرة الفتنة، ويزيد به الفُرقة بتكفير طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، يرمي علماء الشيعة بهدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه( ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرمِ به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا ) (١) .

____________________

(١) سورة النساء، الآية ١١٢.

٨٢

كشف

الحقيقة الرابعة

٨٣

٨٤

قال الجزائري:

الحقيقة الرابعة

اعتقاد اختصاص أهل البيت وشيعتهم بعلوم

ومعارف نبوية وإلهية دون سائر المسلمين

ومستند هذه الحقيقة ما أورده صاحب الكافي بقوله: عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علَّم علياً عليه السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب. قال: فقال: يا أبا محمد، علَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام ألف باب، يفتح له من كل باب ألف باب. قال: قلت: هذا بذاك. قال: ثم قال: يا أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأملاه من فلق فيه، وخط علي بيمينه كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش والخدش. قال: قلت: هذا والله العلم! قال: إنه لعلم وليس بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: عندنا الجفر، ما يدريهم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل. قال: قلت: إن هذا العلم! قال: إنه العلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد! قال: قلت: هذا والله العلم. قال: إنه العلم، وليس بذاك. ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. انتهى بالحرف الواحد.

٨٥

مناقشة الجزائري فيما استخلصه من الحديث:

لقد بنى الجزائري على هذا الحديث أموراً غريبة ونتائج عجيبة، حيث قال:

و بعد: إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن تكون إلا كما يلي:

١- الاستغناء عن كتاب الله تعالى، وهو كفر صراح.

والجــواب

إن هذا الحديث لا يدل على هذه النتيجة ولا على غيرها من النتائج التي ذكرها كما سيتضح قريباً إن شاء الله تعالى.

وهذا الحديث المروي في الكافي صحيح الإسناد، فيه بيان ما خُصَّ به أهل البيت عليهم السلام من الصحائف والكتب وما عندهم من العلوم الشرعية والمعارف الإلهية التي لم تكن عند غيرهم من الناس.

ومنها: الصحيفة الجامعة: وهي صحيفة أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام، طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والظاهر من الأخبار أنها تشتمل على كل الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وكل ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش كما نصَّ عليه هذا الحديث وغيره(١) .

ومنها: مصحف فاطمة عليها السلام: وهو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة، بإملاء جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام، كما دلت عليه الأخبار الكثيرة كخبر حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيّه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملَكاً يسلّي غمّها و يحدّثها، فشكَت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إذا أحسستِ بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كل ما سمع، حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن

____________________

(١) راجع بحار الأنوار ٢٥/١١٦، ٢٦/١٨، ٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣، ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٨، ٣٩، ٤١، ٤٥، ٤٦، ٤٨، ٤٧/٢٦.

٨٦

فيه علم ما يكون(١) .

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عـلي عليه السلام يكتب ذلك، فـهذا مصحف فاطمة عليها السلام(٢) .

وأما الجفر فهو كما في الأخبار وعاء من جلد فيه كتب الأنبياء السابقين كـالزبور والتـوراة والإنجيل وصحف إبراهيم ومصحف فاطمة، وفيه الحلال والحرام وغير ذلك، وهو الجفر الأبيض.

وأما الجفر الأحمر فهو وعاء آخر فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخرجه الإمام المهدي عليه السلام حين خروجه كما في صحيحة الحسين بن أبي العلاء، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندي الجفر الأبيض. قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليه السلام والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر. قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يُفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل...(٣) .

إذا اتضح ذلك نقول:

إن حيازة مثل هذه الكتب وغيرها لا تدل بأية دلالة على الاستغناء بها عن كتاب الله العزيز، وإلا كان حيازة كتب الفقه والحديث والتاريخ وغيرها كفراً صراحاً.

ثم إن الاستغناء عن كتاب الله عز وجل لا يتحقق إلا بالإعراض عنه إلى غيره، وأما الاستفادة من الكتب المدونة في شتى العلوم والفنون فهي لا تدل على الرغبة عن كتاب الله العزيز، ولا سيما إذا كانت مبيِّنة لمجملات القرآن، وموضحة لما يحتاج منه إلى

____________________

(١) الكافي ١/٢٤٠.

(٢) المصدر السابق ١/٢٤١.

(٣) المصدر السابق ١/٢٤٠.

٨٧

بيان كما هو الحال في الصحيفة الجامعة، التي تشتمل على الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس مفصّلاً، أو كانت مشتملة على بيان الملاحم والفتن وما يكون إلى قيام الساعة، كما هو الحال في مصحف فاطمة عليها السلام.

وعلى كل حال فإن الصحيفة الجامعة كتاب جامع في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومصحف فاطمة عليها السلام كتاب مشتمل على حديث جبرئيل عليه السلام، وباقي الكتب هي من كلام الله عز وجل، وكل ذلك حق لا يجوز نسبته إلى الباطل كما هو واضح.

على أنّا لو أردنا أن نثير الدفائن ونُخرج المخبوء لقلنا: إن غير الشيعة الإمامية هم الذين قد استغنوا عن كتاب الله العزيز بما سطّروه في كتبهم المعتمدة من أحاديث واهية وأخبار ضعيفة مخالفة لآيات الكتاب العزيز كما سيتضح في كشف الحقيقة السابعة إن شاء الله تعالى.

وعليك أيها القارئ العزيز بمراجعة ما سبق بيانه في ردّ ما تمسَّك به الجزائري في إثبات هذه التهمة في حقيقته الأولى.

شُبْهة وجوابها

لعل الخصم يقول: إن كل ذلك لا يصح، ولو أنا علمنا أن علياً عليه السلام كتب الصحيفة الجامعة من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومصحف فاطمة عليها السلام من إملاء جبريل عليه السلام لما نازعناكم في كل ذلك، ولكن ذلك لم يثبت، فلا يمكن قبوله بحال.

والجواب: أنا قد تلقَّينا ذلك من الثقات الأَثبات فلا نردّه، كما لا نرد غيره مما نقله الثقات في أمور الدين والدنيا، ونحن لا نُلزم الخصم به، إلا أن ردّه مع عدم استحالته مشكل، ولا سيما مع ورود النهي عن رد ما قاله أهل الكتاب مما لم تثبت صحته ولم يتّضح بطلانه.

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا( آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إليكم ) الآية(١) .

وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أبي نملة الأنصاري،

____________________

(١) صحيح البخاري ٣/٢٣٧ كتاب الشهادات، باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، ٦/٢٥ كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة، باب وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه، ٩/١٣٦ كتاب الاعتصام، باب قول النبي (ص): لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء.

٨٨

عن أبيه: أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده رجل من اليهود مرّ بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فـقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الله أعلم. فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا بالله ورسله. فإن كان باطلاً لم تصدّقوه، وإن كان حقاً لم تكذّبوه(١) .

* * *

قال الجزائري: ٢ - اختصاص آل البيت بعلوم ومعارف دون سائر المسلمين، وهو خيانة صريحة تنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونسبة الخيانة إليه صلى الله عليه وآله كفر لا شك فيه ولا جدال.

والجـواب

١ـ أن اختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحداً من هذه الأمة بعلم لا يُعد خطأ ولا خيانة، ولا سيما إذا كانت ثمة منفعة خاصة أو عامة، ولهذا خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بأسماء المنافقين دون غيره من الناس حتى سُمّي بصاحب سر رسول الله.

كما خص بعض أزواجه بحديث وسألها كتمانه(٢) ، فلما أفشته أطلعه الله عليه.

قال عز من قائل( وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبّأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبَّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبَّأني العليم الخبير ) (٣) .

وخصَّ فاطمة عليها السلام بما خصّها به عند وفاته فيما أخرجه البخاري بسنده عن عائشة، قالت: أقبلتْ فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: مرحباً بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لمَ تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرَحاً أقربَ من حزن.

____________________

(١) سنن ابي داود ٣/٣١٨ حديث ٣٦٤٤. مسند أحمد ٤/١٣٦. المستدرك على الصحيحين ٣/٣٥٨. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨/٥٢. شرح السنة ١/٢٦٨.

(٢) قيل نبأها بأن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده، وهو مروي عن ابن عباس. وقيل: نبأها بأنه حرم مارية على نفسه، أو حرم على نفسه شرب العسل. راجع تفسير القرآن العظيم ٤/٣٩٠، التفسير الكبير ٣٠/٤٢ - ٤٣، الدر المنثور ٨/٢١٨.

(٣) سورة التحريم، الآية ٣.

٨٩

فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قُبض النبي صلى الله عليه وآله فسألتها فقالت: أسرَّ إليَّ: إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العامَ مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي. فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين. فضحكت لذلك(١) .

وخصَّ أمير المؤمنين عليه السلام بما لم يخص به غيره كما أخرج الترمذي بسنده عن جابر، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه(٢) .

وأخرج أحمد والحاكم وغيرهما عن أم سلمة، قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قالت: عدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة بعد غداة، يقول: « جاء علي؟ » مراراً. قالت فاطمة: كان بعثه في حاجة. قالت: فجاء بعد. قالت: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكبَّ عليه علي فجعل يسارُّه ويناجيه، ثم قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهداً(٣) .

وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والهيثمي وغيرهم عن ابن عباس قال: كنا نتحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره(٤) .

هذا كله مضافاً إلى أن آية النجوى وهي قوله سبحانه( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر، فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) (٥) لم يعمل بها أحد من هذه الأمة إلا علي بن أبي طالب عليه السلام كما نص عليه كل من وقفنا على قوله في الآية من العلماء والحفاظ والمفسرين.

أخرج الحاكم في المستدرك وغيرُه عن علي عليه السلام أنه قال:... إن في كتاب الله

____________________

(١) صحيح البخاري ٤/٢٤٧ - ٢٤٨ كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

(٢) سنن الترمذي ٥/٦٣٩. قال الملا علي القاري في شرح الحديث في مرقاة المفاتيح ١٠/٤٧١: والمعني أني بلغته عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه على سبيل النجوى. وقال: قال الطيبي رحمه الله: كان ذلك أسرارا إلهية وأمورا غيبية جعله من خزائها.

(٣) مسند احمد ٦/٣٠٠. المستدرك ٣/١٣٨ وقال: هذا حديث صحيح الإسنا ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. فضائل الصحابة ٢/٦٨٦.

(٤) الطبقات الكبرى ٢/٣٣٨. حلية الأولياء ١/٦٨٦. مجمع الزوائد ٩/١١٣.

(٥) سورة المجادلة، الآية ١٢.

٩٠

لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى( يا أيها الذين آمنو إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الآية. قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبي صلى الله عليه وآله، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) الآية.(١)

٢ - كانت لأمير المؤمنين عليه السلام منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن لأحد غيره، فهو ربيبه وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام وابن عمه وأخوه بالمؤاخاة دون غيره من المسلمين، ولهذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الذي لا يدخل عليه فيه أحد من الناس، كما أخرج النسائي وأحمد وابن خزيمة وغيرهم عن علي عليه السلام، أنه قال: كانت لي منزلة من رسول الله ٠لم تكن لأحد من الخلائق، آتيه بأعلى سَحَر، فأقول: السلام عليك يا نبي الله. فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي، وإلا دخلت عليه(٢) .

وأخرج أحمد وابن خزيمة والبيهقي والطحاوي وغيرهم عن علي عليه السلام أنه قال: كانت لي ساعة من السَّحَر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان في صلاته سبَّح، فكان ذلك إذنه لي، وإن لم يكن في صلاته أذن لي(٣) .

وروى السيد الرضي أعلى الله مقامه في نهج البلاغة عن علي عليه السلام أنه قال واصفاً منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه...

إلى أن قال: ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمّه، يرفع لي في كل يوم من

____________________

(١) المستدرك ٢/٤٨٢، قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. راجع جامع البيان في تفسير القرآن ٢٨/١٤. تفسير القرآن العظيم ٤/٣٢٦. الجامع لأحكام القرآن ١٧/٣٠١. التفسير الكبير ٢٩/٢٧٠. الدر المنثور ٨/٨٣. الكشاف ٤/٧٦.

(٢) سنن النسائي ٣/١٢ كتاب السهو، باب رقم ١٧. مسند أحمد ١/٨٥. صحيح ابن خزيمة ٢/٥٤. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ص١٣٢. مرقاة المفاتيح ١٠/٤٧٨.

(٣) مسند أحمد ١/٧٧. صحيح ابن خزيمة ٢/٥٤. السنن الكبرى ٢/٢٤٧. مشكل الآثار ٢/٣٠٦. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص١٣٠.

٩١

أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، وإنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وإنك على خير(١) .

والحاصل أن منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي أن يسمع منه صلى الله عليه وآله ما لا يسمعه غيره، وأن يعلم منه ما لا يعلمه غيره، كما صحَّ عندهم مثل ذلك في أبي هريرة فيما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة إذ قال: إن الناس يقـولون: أكثَرَ أبو هـريرة. ولـولا آيتان في كتاب الله ما حدَّثت حديثاً. ثم يتلو( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات ) إلى قوله( الرحيم ) ، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون(٢) .

وأخرج أيضاً عنه أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثْته، وأما الآخر فلو بثثْته قُطع هذا البلعوم(٣) .

فإذا صح عندهم مثل ذلك في حق أبي هريرة فمن باب أولى يصح مثله على الأقل في حق علي عليه السلام الذي صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره إلى أن التحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه، بينما لم تزد صحبة أبي هريرة أكثر من ثلاث سنين(٤) .

٣ - كان علي عليه السلام شديد الحرص على تحصيل العلوم، فكان يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمور الدين والدنيا، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على تعليمه كما أخرج الترمذي و حسَّنه عن عبد الله بن عمرو بن هند الحبلي، قال: قال علي: كنت إذا سألت رسول الله

____________________

(١) نهج البلاغة، ص٢٠٠.

(٢) صحيح البخاري ١/٣٩ كتاب العلم، باب حفظ العلم.

(٣) المصر السابق ١/٤٠.

(٤) أخر البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام ٤/٢٣٩، بسنده عن أبي هريرة، قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن.

٩٢

صلى الله عليه وآله وسلم أعطاني، و إذا سكتُّ ابتدأني(١) .

وأخرج ابن سعد عن علي عليه السلام أنه قيل له: مالَك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتُّ ابتداني(٢) .

هذا مضافاً إلى ما ورد من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل الله جل شأنه أن يجعل علياً عليه السلام الأذن الواعية لعلمه، حيث قال عند نزول قوله تعالى( وتعيها أذن واعية ) (٣) : سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي. قال علي: فما نسيت شيئاً بعد ذلك، وما كان لي أن أنسى(٤) .

هذا كله مع ما امتاز به علي عليه السلام من شدة الذكاء والفطنة ورجاحة العقل وقوة الحافظة، ولهذا كان عليه السلام يقول: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً(٥) .

وبالجملة فمن كل ما تقدم يتضح أنه لا محذور في أن يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بما شاء من العلوم، ولا استبعاد في أن يكتب علي عليه السلام شيئاً مما كان قد سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيفة أسماها أو سُمّيت بعد ذلك الصحيفة الجامعة، ولا سيما أن غيره من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يكتبون بعض مسموعاتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كعبد الله بن عمرو بن العاص، كما في حديث البخاري الذي رواه عن أبي هريرة إذ قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب(٦) .

هذا مع نص بعض أعلام أهل السنة على أن علياً عليه السلام كان ممن يكتب حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

____________________

(١) سنن الترمذي ٥/٦٤٠.

(٢) الطبقات الكبرى ٢/٣٣٨. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق ٢/٤٥٦.

(٣) سورة الحاقة، الآية.

(٤) جامع البيان في تفسير القرآن ٢٩/٣٥، ٣٦. الدر المنثور ٨/٢٦٧. تفسير القرآن العظيم ٤/٤١٣. التفسير الكبير ١٠/١٠٧. الجامع لأحكام القرآن ١٨/٢٦٤. الكشاف ٤/١٣٤. فتح القدير ٥/٢٨٢. تفسير غريب القرآن المطبوع بهامش تفسير الطبري ٢٩/٣٠ - ٣١. أسباب النزول، ص٢٩٤. لباب النقول في أسباب النزول، ص٢١٩.

(٥) الطبقات الكبرى ٢/٣٣٨. حلية الأولياء ١/٦٧ - ٦٨. ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ٣/٢٦.

(٦) صحيح البخاري ١/٣٨ كتاب العلم، باب كتابة العلم.

٩٣

قال ابن الصلاح: اختلف الصدر الأول رضي الله عنهم في كتابة الحديث، فمنهم من كرِه كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه، ومنهم من أجاز ذلك...

إلى أن قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعَله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين(١) .

وقال السيوطي: وأباحها - أي كتابة الحديث - طائفة وفعلوها، منهم عمر وعلي وابنه الحسن وابن عمرو وأنس وجابر وابن عباس وابن عمر أيضاً، والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز، وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين(٢) .

* * *

قال الجزائري: ٣ - تكذيب علي رضي الله عنه في قوله الثابت الصحيح: لم يخصنا رسول الله آل البيت بشيء، وكذب على علي كالكذب على غيره حرام لا يحل.

والجــواب

أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن هذا القول المروي عن علي عليه السلام ليس متواتراً حتى يلزم تكذيبه، وإنما هو مما رواه أهل السنة في كتبهم، فلا يصح الاحتجاج به على غيرهم.

على أنا لو سلَّمنا بصحة هذا الحديث وغيره مما يؤدِّي معناه فالظاهر منه أن علياً عليه السلام قد أخبر أنه ليس عند أهل البيت عليهم السلام شيء مكتوب يقرؤونه قد خصَّهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون الناس غير القرآن إلا تلك الصحيفة كما بيَّناه فيما تقدم.

أما أن علياً عليه السلام قد كتب أو لم يكتب صحيفة أخرى تشتمل على بعض ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا شيء آخر لم يرد له ذكر في تلك الأحاديث، فإن ظاهر بعض تلك الأحاديث يدل على أن علياً عليه السلام قد سُئل عما خصَّه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما هو مكتوب، أما ما كتبه هو عليه السلام من حديثه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يُرِده السائل، ولم يرِد في جوابه

____________________

(١) مقدمة ابن الصلاح، ص٨٧ - ٨٨.

(٢) تدريب الراوي ٢/٦٥.

٩٤

عليه السلام. هذا وقد سبق بيان المزيد في هذا الحديث، فراجعه.

* * *

قال الجزائري: ٤ - الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أعظم الذنوب وأقبحها عند الله، إذ قال عليه الصلاة والسلام: إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحدكم، من كذب عليَّ متعمداً فليلج النار.

والجــواب

إن أراد أن ما جاء في الحديث من أن رسول الله صلى الله عليه وآله علَّم علياً عليه السلام ألف باب من العلم، يُفتح له من كل باب ألف باب هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيردُّه أنه مروي في كتبهم أيضاً فيما أخرجه المتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن علي عليه السلام أنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.

وعن ابن عباس قال: إن علياً خطب الناس فقال: يا أيها الناس، ما هذه المقالة السيئة التي تبلغنيعنكم؟ والله لتقتلُنَّ طلحة والزبير ولتفتحُنَّ البصرة، ولتأتينكم مادة من الكوفة، ستة آلاف وخمسمائة وستين، أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين. قال ابن عباس: فقلت الحرب خدعة. قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس: كم أنتم؟ فقالوا كما قال. فقلت: هذا مما أسرَّه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنه علَّمه ألف ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف ألف كلمة(١) .

هذا مع أنا قد أوضحنا فيما تقدَّم أن علياً عليه السلام كان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان شديد الحرص على التعلم منه واقتفاء آثاره، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديد العناية به والرعاية له والحرص على تعليمه، فكان يجيب علياً عليه السلام إذا سأله، ويبتدؤه إذا لم يسأله.

وإذا صح عندهم أن أبا هريرة كان عنده وعاءان من العلم تلقَّاهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبثَّ أحاديثه الكثيرة من أحد ذينك الوعاءين، فكيف يُستبعد أن يحوي علي عليه السلام ألف باب من العلم، يُفتح له من كل باب ألف باب، مع قرب منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكثرة ملازمته له، وطول صحبته، وكثرة مساءلته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

____________________

(١) منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ٥/٤٣.

٩٥

وشدة ذكائه، وقوة حافظته كما مر بيانه مفصلاً؟!

هذا مضافاً إلى أن علياً عليه السلام قد أحاط بعلوم القرآن كما مرَّ(١) من قوله عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ أُنزلت وأين نزلت.

وقوله عليه السلام: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل.

وقول ابن مسعود رضي الله عنه أن عليّا عليه السلام أُوتي علم الظاهر والباطن(٢) .

هذا كله مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها(٣) .

وأما إذا أراد أن ما جاء في الحديث من أن الجامعة هي من إملاء رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو كذب على النبي صلى الله عليه وآله، فهذا أمر لا يُجزم بعدم وقوعه، فلا يصح نفيه، ولا سيما أن الأحاديث التي سقناها إليك آنفاً قد دلَّت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما كان ينتجي عليًّا عليه السلام فيخصّه بما شاء، وكان علي عليه السلام يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجيبه، بل كان يبتدؤه بالتعليم ابتداءاً فيفيده، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب بعض ما سمعه من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه فلا استبعاد ولا غرابة في أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أملى على أمير المؤمنين عليه السلام صحيفة جامعة في الحلال والحرام، ولا سيما أن بعض الأحاديث الصحيحة قد نصَّت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب للأمّة كتاباً، فحِيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب.

فقد أخرج البخاري - واللفظ له - ومسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن ابن عباس، قال: لما حُضِر(٤) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده. فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً لن تضلُّوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن

____________________

(١) تقدم في ص٥٠.

(٢) راجع الطبقات الكبرى ٢/٣٣٨.

(٢) صححه الحاكم في المستدرك ٣/١٢٦، وحسنه السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص١٥٩، وابن حجر والزركشي والعلائي كما في فيض القدير ٣/٤٦، ٤٧.

(٤) أي حضره الموت.

٩٦

عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(١) .

وأخرج مسلم عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس. ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده. فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهجر(٢) .

والذي احتمله النووي وغيره أن الذي أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الكتاب هو أن يكتب مهمات أحكام الدين، أو ينص على الخلفاء من بعده(٣) ، فإن صح الاحتمال الأول(٤) فليس من البعيد أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب أملاه على أمير المؤمنين عليه السلام، فكتب من إملائه صلى الله عليه وآله وسلم صحيفة جامعة مشتملة على كل أحكام الدين من الحلال والحرام، والله العالم بحقائق الأمور.

* * *

قال الجزائري: ٥ - الكذب على فاطمة رضي الله عنها بأن لها مصحفاً خاصاً يعدل

____________________

(١) صحيح البخاري ٧/١٥٥ - ١٥٦ كتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني. ٩/١٣٧ كتاب الاعتصام، باب كراهية الخلاف. ٦/١١ كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته، ٤/١٢١ كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، ٤/١٨٥ كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى اهل الذمة ومعاملتهم. صحيح مسلم ٣/١٢٥٩ كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه. مسند أحمد ١/٣٢٤ - ٣٢٥، ٣٣٦. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨/٢٠١.

(٢) صحيح مسلم ٣/١٢٥٩. مسند أحمد ١/٣٥٥. وراجع مسند أحمد ١/٢٢٢، ٢٩٣ المستدرك ٣/٤٧٧. مجمع الزوائد ٤/٢١٤، ٥/١٨١.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١١/٩٠.

(٤) الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن ينص على أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده، وذلك لأن مهمات الأحكام كانت مبينة وموضحة في ذلك الحين، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة قبل هذا اليوم، ولأن النص على الخلفاء أهم من إعادة أحكام مبينة، وبالنص على الخلفاء يندفع كل اختلاف وبلاء وتضليل، ولأن من خفيت عليه مهمات الأحكام فخالفها لا يكون ضالا بل حتى لو خالفها وهو بها عالم، فإنه يكون فاسقا لا غير، ولان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يكتب مهمات الأحكام لما حدث اللغط والاختلاف ونسبة الهجر إليه، وما سبب اللغط إلا علمهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد أن ينص على الخلفاء من بعده، ثم إن المناسب في ذلك الوقت - وهو قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأيام قليلة - مع شدة وجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانشغاله بنفسه أن ينص على من يقوم بالأمر من بعده لا كتابة مهمات الأحكام قبيل وفاته بأيام قليلة.

٩٧

القرآن ثلاث مرات، وليس فيه من القرآن حرف واحد.

والجــواب

لقد أوضحنا فيما سبق أن مصحف فاطمة عليها السلام هو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة، بإملاء الملَك أو جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام.

وإنما سُمِّي مصحفاً لأنه كتاب جامع لصُحُف مكتوبة، وكل ما كان كذلك فهو مصحف لغة، وإن لم يكن قرآناً أو فيه شيء من سُوَره وآياته.

شُبهة وجوابها:

قد يقول قائل: إن ادِّعاء تكليم الملائكة غير الأنبياء باطل، فلا يصح ادعاء سماع فاطمة وعلي عليهما السلام كلام الملائكة عامة أو جبريل خاصة.

والجواب: أن الأحاديث التي أخرجها حفاظ الحديث من أهل السنة قد دلَّت على أكثر من ذلك في حق مَن هم دون أمير المؤمنين فاطمة عليها السلام.

ولنا أن نقسم تلك الأحاديث إلى أربع طوائف:

الطائفة الأولى : دلَّت على أن الناس لو استقاموا لصافحتهم الملائكة.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا حنظلة، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم أو في طرقكم(١) .

وفي رواية أخرى، قال: لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها، ولزارتكم في بيوتكم(٢) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٤/٢١٠٦ - ٢١٠٧ كتاب التوبة، باب رقم ٣. سنن الترمذي ٤/٦٦٦ وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة ٢/١٤١٦. مسند أحمد ٢/٣٠٥، ٣/١٧٥، ٤/١٧٨، ٣٤٦، الجامع الصغير ٢/٤٢٨ حديث رقم ٧٤١٨، ٧٤١٩. مسند أبي داود الطيالسي، ص١٩١. شرح السنة ١/١٦٧. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩/٢٤٠ - ٢٤١. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ٢/٤١٥ - ٤١٦، وصحيح الجامع الصغير ٢/٩٣١، ١١٩٠، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٦٠٦.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي، ص٣٣٧.

٩٨

وعلى ذلك يُحمل تكليم الملائكة لمريم عليها السلام فيما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز، إذ قال( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً * فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويًّا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًّا * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيًّا * قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًّا * قال كذلك قال ربك هو علي هيِّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيًّا ) (١) .

وقال عز من قائل( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) (٢) .

وعليه فهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن أمير المؤمنين عليه السلام الاستقامة التي تؤهّله لأن تتحدَّث معه الملائكة في بيته، وهو مولى كل مؤمن ومؤمنة(٣) ، الذي يدور معه الحق حيثما دار(٤) ، وأخو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة(٥) ، وباب مدينة علمه(٦) ، الذي يحبه الله ورسوله، و يحبه الله

____________________

(١) سورة مريم، الآيات ١٦ - ٢١.

(٢) سورة آل عمران، الآيتان ٤٢، ٤٣.

(٣) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من كنت مولاه فعلي مولاه ». راجع سنن الترمذي ٥/٦٣٣. سنن ابن ماجة ١/٤٣. المستدرك ٣/١٠٩، ١١٠. مسند أحمد ١/٨٤، ١١٨، ١١٩، ١٥٢، ٣٢١، ٤/٢٨١، ٣٦٨، ٣٧٠، ٣٧٢، ٥/٣٤٧، ٦٦، ٤١٩. حلية الاولياء ٤/٢٣، ٥/٢٧، ٣٦٤. مجمع الزوائد ٩/١٠٣ - ١٠٦. كتاب السنة، ص٥٩٠، ٥٩٦. عده السيوطي في قطف الازهار المتناثرة، ص٢٧٧ من الاحاديث المتواترة، وكذا الكتاني في نظم المتناثر، ص٢٠٥، والزبيدي في لقط اللآلئ المتناثرة، ص٢٠٥، والحافظ شمس الدين الجزري في أسنى المطالب، ص٥، والألباني في سلسلة الاحايث الصحيحة ٤/٣٤٣. وصححه جمع من اعلام اهل السنة. راجع كتابنا دليل المتحيرين، ص٣٧٠.

(٤) أخرج الحاكم في المستدرك ٣/١٢٤ - ١٢٥ عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أدر الحق معه حيث دار. وقال: هذاحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. راجع كتابنا المذكور، ص٢٥٣ - ٢٥٤.

(١) أخرج الترمذي في سننه ٥/٦٣٦ وحسنه، والحاكم في المستدرك ٣/١٤ وغيرهما، عن ابن عمر، قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد! فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

(٢) أخرج الحاكم في المستدرك ٣/١٢٦ - ١٢٧ وصححه عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. وأخرجه الترمذي في سننه ٥/٦٣٧، إلا أنه قال: أنا دار الحكمة.... راجع مصادر هذا الحديث في كتاب الغدير للأميني ٦/٦١ - ٨١.

٩٩

ورسوله(١) ،ومنزلته من النبي كمنزلة هارون من موسى(٢) ،ولا يحبّه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق(٣) ؟!

وهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن فاطمة الزهراء عليها السلام الأهلية لذلك، وهي سيّدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة(٤) ، وبضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي يؤذيه ما يؤذيها(٥) ، والتي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها(٦) .

الطائفة الثانية: دلَّت على أن بعضاً من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع كلام بعض الملائكة.

ومنها ما أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بينما أنا أصلّي

____________________

(١) أخرج البخاري في صحيحه ٥/٢٢ - ٢٣، ومسلم كذلك ٤/١٨٧١ - ١٨٧٢، والترمذي في سننه ٥/٦٣٨ وصححه، وأحمد في المسند ١/٧٨، ٩٩، ١٣٣، ١٨٥، ٣٣٠، ٥/٣٣٣، ٣٥٨، والحاكم في المستدرك ٣/٣٨، ١٠٩، ٤٣٧ وصححه ووافقه الذهبي، عن سعد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لاعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.

(٢) أخرج البخاري في صحيحه٥/٢٤، ومسلم كذلك ٤/١٨٧٠-١٨٧١، والترمذي في سننه ٥/٦٣٨ وصححه، وابن ماجة في سننه ١/٤٢، وأحمد في المسند ١/١٧٠،١٧٣،١٧٤،١٧٥،١٧٧،١٧٩،١٨٢،١٨٤،١٨٥،٣٣٠،٣/٣٢، ٣٣٨،٦/٣٦٩،٤٣٨، والحاكم في المستدرك ٣/١٠٩ وصححه ووافقه الذهبي، أبو داود الطيالسي في مسنده ص٢٩، عن سعد وغيره، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

(٣) أخرج مسلم في صحيحه ١/٨٤، ٩٥، ٢٦٢، والترمذي في سننه ٥/٦٤٣، ٦٤٥، وابن ماجة في سننه ١/٤٢، وأحمد في المسند ١/١٧٠، سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤/٢٩٨، صحيح سنن ابن ماجة ١/٢٥، صحيح سنن النسائي ٣/١٠٣٣.

(٤) صحيح البخاري ٥/٢٥ كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ص٣٦ مناقب فاطمة عليها السلام. ٥/٢٤٧ كتاب المناقب،باب علامات النبوة في الإسلام. ٨/٧٩ كتاب الاستئذان، باب من ناجى بين يدي الناس... الخ. صحيح مسلم ٤/١٩٠٤ - ١٩٠٦ كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام. سنن الترمذي ٥/٦٦٠. سنن ابن ماجة ١/٥١٨. صحيح سنن ابن ماجة ١/٢٧٠. سنن الطيالسي، ص١٩٦. المستدرك ٣/١٥١، ١٥٦ وصححه وافقه الذهبي. الطبقات الكبرى ٨/٢٦. مسند أحمد ٥/٣٩١، ٦/٢٨٢. حلية الاولياء ٢/٣٩، ٤٢. مشكل الآثار ١/٤٨، ٥٠. مجمع الزوائد ٩/٢٠١. در السحابة، ص٢٧٤، ٢٧٦. شرح السنة ١٤/١٦٠ وقال: هذا حديث متفق على صحته. مشكاة المصابيح ٣/١٧٣١. فضائل الصحابة ٢/٧٦٣.

(٥) صحيح البخاري ٥/٣٦ كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب فاطمة عليها السلام. ٧/٤٧ كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. صحيح مسلم ٤/١٩٠٢ - ١٩٠٤ كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة عليها السلام. سنن أبي داود ٢/٢٢٦. سنن الترمذي ٥/٦٩٨، ٦٩٩ وصححهما. سنن ابن ماجة ١/٦٤٣. صحيح سنن أبي داود ٢/٣٩١. مسند أحمد ٤/٢٢٣، ٢٣٦، ٣٢٨، ٣٣٢. المستدرك ٣/١٥٤، ١٥٨، ١٥٩. مشكاة المصابيح ٣/١٧٣٢. فضائل الصحابة ٢/٧٥٥، ٧٥٦، ٧٦٥. السنن الكبرى ١٠/٢٠١. شرح السنة ١٤/١٥٨، ١٥٩، وقال: هذا حديث متفق على صحته.

(٦) المستدرك ٣/١٥٤ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. مجمع الزوائد٩/٢٠٣ قال: رواه الطبراني، وإسناده حسن. در السحابة، ص٢٧٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211