كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 38836
تحميل: 6358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38836 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 20

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء العشرون

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

409

وَ قَالَ ع : مُقَارَبَةُ اَلنَّاسِ فِي أَخْلاَقِهِمْ أَمْنٌ مِنْ غَوَائِلِهِمْ إلى هذا نظر المتنبي في قوله :

و خلة في جليس أتقيه بها

كيما يرى أننا مثلان في الوهن

و كلمة في طريق خفت أعربها

فيهتدى لي فلم أقدر على اللحن

و قال الشاعر :

و ما أنا إلا كالزمان إذا صحا

صحوت و إن ماق الزمان أموق

و كان يقال إذا نزلت على قوم فتشبه بأخلاقهم فإن الإنسان من حيث يوجد لا من حيث يولد و في الأمثال القديمة من دخل ظفار حمر.شاعر :

أحامقه حتى يقال سجية

و لو كان ذا عقل لكنت أعاقله

٣

410

وَ قَالَ ع لِبَعْضِ مُخَاطِبِيهِ وَ قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُسْتَصْغَرُ مِثْلُهُ عَنْ قَوْلِ مِثْلِهَا لَقَدْ طِرْتَ شَكِيراً وَ هَدَرْتَ سَقْباً قال الشكير هاهنا أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى و يستحصف و السقب الصغير من الإبل و لا يهدر إلا بعد أن يستفحل هذا مثل قولهم قد زبب قبل أن يحصرم.و من أمثال العامة يقرأ بالشواذ و ما حفظ بعد جزء المفصل

٤

411

وَ قَالَ ع : مَنْ أَوْمَأَ إِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ اَلْحِيَلُ قيل في تفسيره من استدل بالمتشابه من القرآن في التوحيد و العدل انكشفت حيلته فإن علماء التوحيد قد أوضحوا تأويل ذلك.و قيل من بنى عقيدة له مخصوصة على أمرين مختلفين حق و باطل كان مبطلا.و قيل من أومأ بطمعه و أمله إلى فائت قد مضى و انقضى لن تنفعه حيلة أي لا يتبعن أحدكم أمله ما قد فاته و هذا ضعيف لأن المتفاوت في اللغة غير الفائت

٥

412

وَ قَالَ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنَّا لاَ نَمْلِكُ مَعَ اَللَّهِ شَيْئاً وَ لاَ نَمْلِكُ إِلاَّ مَا مَلَّكَنَا فَمَتَى مَلَّكَنَا مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنَّا كَلَّفَنَا وَ مَتَى أَخَذَهُ مِنَّا وَضَعَ تَكْلِيفَهُ عَنَّا معنى هذا الكلام أنه ع جعل الحول عبارة عن الملكية و التصرف و جعل القوة عبارة عن التكليف كأنه يقول لا تملك و لا تصرف إلا بالله و لا تكليف لأمر من الأمور إلا بالله فنحن لا نملك مع الله شيئا أي لا نستقل بأن نملك شيئا لأنه لو لا إقداره إيانا و خلقته لنا أحياء لم نكن مالكين و لا متصرفين فإذا ملكنا شيئا هو أملك به أي أقدر عليه منا صرنا مالكين له كالمال مثلا حقيقة و كالعقل و الجوارح و الأعضاء مجازا و حينئذ يكون مكلفا لنا أمرا يتعلق بما ملكنا إياه نحو أن يكلفنا الزكاة عند تمليكنا المال و يكلفنا النظر عند تمليكنا العقل و يكلفنا الجهاد و الصلاة و الحج و غير ذلك عند تمليكنا الأعضاء و الجوارح و متى أخذ منا المال وضع عنا تكليف الزكاة و متى أخذ العقل سقط تكليف النظر و متى أخذ الأعضاء و الجوارح سقط تكليف الجهاد و ما يجري مجراه.هذا هو تفسير قوله ع فأما غيره فقد فسره بشي‏ء آخر قال

٦

أبو عبد الله جعفر بن محمد ع فلا حول على الطاعة و لا قوة على ترك المعاصي إلا بالله و قال قوم و هم المجبرة لا فعل من الأفعال إلا و هو صادر من الله و ليس في اللفظ ما يدل ما ادعوا و إنما فيه أنه لا اقتدار إلا بالله و ليس يلزم من نفي الاقتدار إلا بالله صدق قولنا لا فعل من الأفعال إلا و هو صادر عن الله و الأولى في تفسير هذه اللفظة أن تحمل على ظاهرها و ذلك أن الحول هو القوة و القوة هي الحول كلاهما مترادفان و لا ريب أن القدرة من الله تعالى فهو الذي أقدر المؤمن على الإيمان و الكافر على الكفر و لا يلزم من ذلك مخالفة القول بالعدل لأن القدرة ليست موجبة.فإن قلت فأي فائدة في ذكر ذلك و قد علم كل أحد أن الله تعالى خلق القدرة في جميع الحيوانات قلت المراد بذلك الرد على من أثبت صانعا غير الله كالمجوس و الثنوية فإنهم قالوا بإلهين أحدهما يخلق قدرة الخير و الآخر يخلق قدرة الشر

٧

413

وَ قَالَ ع لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍرحمه‌الله تَعَالَى وَ قَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ اَلْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلاَماً دَعْهُ يَا عَمَّارُ فَإِنَّهُ لَنْ يَأْخُذَ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ اَلدِّينِ إِلاَّ مَا قَارَبَهُ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ عَلَى عَمْدٍ لَبَّسَ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ اَلشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ

المغيرة بن شعبة

أصحابنا غير متفقين على السكوت على المغيرة بل أكثر البغداديين يفسقونه و يقولون فيه ما يقال في الفاسق و لما جاء عروة بن مسعود الثقفي إلى رسول الله ص عام الحديبية نظر إليه قائما على رأس رسول الله ص مقلدا سيفا فقيل من هذا قيل ابن أخيك المغيرة قال و أنت هاهنا يا غدر و الله إني إلى الآن ما غسلت سوءتك.و كان إسلام المغيرة من غير اعتقاد صحيح و لا إنابة و نية جميلة كان قد صحب قوما في بعض الطرق فاستغفلهم و هم نيام فقتلهم و أخذ أموالهم و هرب خوفا أن يلحق فيقتل أو يؤخذ ما فاز به من أموالهم فقدم المدينة فأظهر الإسلام و كان رسول الله

٨

ص لا يرد على أحد إسلامه أسلم عن علة أو عن إخلاص فامتنع بالإسلام و اعتصم و حمي جانبه.ذكر حديثه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني قال كان المغيرة يحدث حديث إسلامه قال خرجت مع قوم من بني مالك و نحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر فدخلنا إلى الإسكندرية و أهدينا للملك هدايا كانت معنا فكنت أهون أصحابي عليه و قبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز و فضل بعضهم على بعض و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له و خرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم و هم مسرورون و لم يعرض أحد منهم علي مواساة فلما خرجوا حملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها فأشرب معهم و نفسي تأبى أن تدعني معهم و قلت ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا و ما حباهم به الملك و يخبرون قومي بتقصيره بي و ازدرائه إياي فأجمعت على قتلهم فقلت إني أجد صداعا فوضعوا شرابهم و دعوني فقلت رأسي يصدع و لكن اجلسوا فأسقيكم فلم ينكروا من أمري شيئا فجلست أسقيهم و أشرب القدح بعد القدح فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت أصرف لهم و أترع الكأس فيشربون و لا يدرون فأهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا و أخذت جميع ما كان معهم.و قدمت المدينة فوجدت النبي ص بالمسجد و عنده أبو بكر و كان بي عارفا فلما رآني قال ابن أخي عروة قلت نعم قد جئت أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فقال رسول الله ص الحمد لله فقال أبو بكر من مصر أقبلت قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك قلت كان

٩

بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب و نحن على دين الشرك فقتلتهم و أخذت أسلابهم و جئت بها إلى رسول الله ص ليخمسها و يرى فيها رأيه فإنها غنيمة من المشركين فقال رسول الله أما إسلامك فقد قبلته و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسها لأن هذا غدر و الغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب و ما بعد فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم و أنا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة فقال ع الإسلام يجب ما قبله قال و كان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا و احتوى ما معهم فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.قال فذلك معنى قول عروة يوم الحديبية يا غدر أنا إلى الأمس أغسل سوءتك فلا أستطيع أن أغسلها فلهذا قال أصحابنا البغداديون من كان إسلامه على هذا الوجه و كانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به من لعن علي ع على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل و كان المتوسط من عمره الفسق و الفجور و إعطاء البطن و الفرج سؤالهما و ممالأة الفاسقين و صرف الوقت إلى غير طاعة الله كيف نتولاه و أي عذر لنا في الإمساك عنه و ألا نكشف للناس فسقه

إيراد كلام لأبي المعالي الجويني في أمر الصحابة و الرد عليه

و حضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة و ستمائة ببغداد و عنده جماعة و أحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج فمر ذكر المغيرة بن شعبة و خاض القوم فذمه بعضهم و أثنى عليه بعضهم و أمسك عنه آخرون فقال

١٠

بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الأشعري الواجب الكف و الإمساك عن الصحابة و عما شجر بينهم فقد قال أبو المعالي الجويني إن رسول الله ص نهى عن ذلك و قال إياكم و ما شجر بين صحابتي و قال دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه و قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم و قال خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه و قد ورد في القرآن الثناء على الصحابة و على التابعين و قال رسول الله ص و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم و قد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل و صفين فقال تلك دماء طهر الله منها أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا.ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا و بعدت أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها و لو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله ص فيه و من المروءة أن يحفظ رسول الله ص في عائشة زوجته و في الزبير ابن عمته و في طلحة الذي وقاه بيده ثم ما الذي ألزمنا و أوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه و أي ثواب في اللعنة و البراءة إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا و لا آثما و إذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيرا له ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة و أولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة و قادتها و نحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم أ ليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك و أحواله و شئونه التي تجري بينه و بين أهله و بني عمه و نسائه و سراريه و قد كان

١١

رسول الله ص صهرا لمعاوية و أخته أم حبيبة تحته فالأدب أن تحفظ أم حبيبة و هي أم المؤمنين في أخيها.و كيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه و بين رسوله مودة أ ليس المفسرون كلهم قالوا هذه الآية أنزلت في أبي سفيان و آله و هي قوله تعالى( عَسَى اَللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اَلَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ) فكان ذلك مصاهرة رسول الله ص أبا سفيان و تزويجه ابنته على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم و المشاجرة لم يثبت و ما كان القوم إلا كبني أم واحدة و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط و لا وقع بينهم اختلاف و لا نزاع.فقال أبو جعفررحمه‌الله قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا و ردا على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي و أنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه فإني أجد ألما يمنعني من الإطالة في الحديث لا سيما إذا خرج مخرج الجدل و مقاومة الخصوم ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس و استحسنه الحاضرون و أنا أذكر هاهنا خلاصته.قال لو لا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه و ضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) و بقوله تعالى( وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ اَلنَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ ) و بقوله سبحانه( لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً

١٢

غَضِبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ ) و لإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه و ولاية أوليائه و على أن البغض في الله واجب و الحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين و لا البراءة منه و لكانت عداوتنا للقوم تكلفا و لو ظننا أن الله عزوجل يعذرنا إذا قلنا يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى لاعتمدنا على هذا العذر و واليناهم و لكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم و أسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي ص و موالاة من صدقه و معاداة من عصاه و جحده و أمرتم بتدبر القرآن و ما جاء به الرسول فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا( رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا اَلسَّبِيلاَ ) .فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها و أوجبها أ لا ترى إلى قوله( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاَّعِنُونَ ) فهو إخبار معناه الأمر كقوله( وَ اَلْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) و قد لعن الله تعالى العاصين بقوله( لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى‏ لِسانِ داوُدَ ) و قوله( إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللَّهُ فِي اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) و قوله( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) و قال الله تعالى لإبليس( وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى‏ يَوْمِ اَلدِّينِ ) و قال( إِنَّ اَللَّهَ لَعَنَ اَلْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) .

١٣

فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن و إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت و أنه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لي لكان خيرا له و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك فكلام جاهل لا يدري ما يقول اللعن طاعة و يستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها و هو أن يلعن مستحق اللعن لله و في الله لا في العصبية و الهوى أ لا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد و نطق بها القرآن و هو أن يقول الزوج في الخامسة( أَنَّ لَعْنَتَ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ ) فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة و أنه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع و لما كررها في كثير من كتابه العزيز و لما قال في حق القاتل( وَ غَضِبَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ ) و ليس المراد من قوله وَ لَعَنَهُ إلا الأمر لنا بأن نلعنه و لو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه أ فيلعن الله تعالى إنسانا و لا يكون لنا أن نلعنه هذا ما لا يسوغ في العقل كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا و لنا أن نمدحه و لا يذمه إلا و لنا أن نذمه و قال تعالى( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اَللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اَللَّهُ ) و قال( رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ اَلْعَذابِ وَ اِلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) و قال عزوجل( وَ قالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا ) و كيف يقول القائل إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن أ لا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه و أمر بعداوة أعدائه فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري أ لا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل برئت

١٤

من كل دين يخالف دين الإسلام فلا بد من البراءة لأن بها يتم العمل أ لم يسمع هذا القائل قول الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم أنني

صديقك إن الرأي عنك لعازب

فمودة العدو خروج عن ولاية الولي و إذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى و عصاته بألا يودهم و لا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.و أما قوله لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره و لا قبل منه لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه و إظهار البراءة و المصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته و استغفاره عن البعض الآخر و أما من يعيش عمره و لا يلعن إبليس فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر و إن كان يعتقد وجوب لعنه و لا يلعنه فهو مخطئ على أن الفرق بينه و بين ترك لعنة رءوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية و المغيرة و أمثالهما أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهه في أمر إبليس و الإمساك عن لعن هؤلاء و أضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم و تجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء.قال ثم يقال للمخالفين أ رأيتم لو قال قائل قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما و لا أن نلعنهما و نعاديهما و نبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم قد غاب عنا أمر معاوية و المغيرة بن

١٥

شعبة و أضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى.و بعد فكيف أدخلتم أيها العامة و الحشوية و أهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان و خضتم فيه و قد غاب عنكم و برئتم من قتلته و لعنتموهم و كيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه و فسقتموه و لا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور و منعتمونا أن نخوض و ندخل أنفسنا في أمر علي و الحسن و الحسين و معاوية الظالم له و لهما المتغلب على حقه و حقوقهما و كيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم و لعن ظالم علي و الحسن و الحسين تكلفا و كيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة و برئت ممن نظر إليها و من القائل لها يا حميراء أو إنما هي حميراء و لعنته بكشفه سترها و منعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة و ما جرى لها بعد وفاة أبيها.فإن قلتم إن بيت فاطمة إنما دخل و سترها إنما كشف حفظا لنظام الإسلام و كيلا ينتشر الأمر و يخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة و لزوم الجماعة.قيل لكم و كذلك ستر عائشة إنما كشف و هودجها إنما هتك لأنها نشرت حبل الطاعة و شقت عصا المسلمين و أراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب ع إلى البصرة و جرى لها مع عثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة و من كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل و سفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ و السير فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع و تحقق فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار

١٦

و البراءة من فاعله و من أوكد عرى الإيمان و صار كشف بيت فاطمة و الدخول عليها منزلها و جمع حطب ببابها و تهددها بالتحريق من أوكد عرى الدين و أثبت دعائم الإسلام و مما أعز الله به المسلمين و أطفأ به نار الفتنة و الحرمتان واحدة و الستران واحد و ما نحب أن نقول لكم أن حرمة فاطمة أعظم و مكانها أرفع و صيانتها لأجل رسول الله ص أولى فإنها بضعة منه و جزء من لحمه و دمه و ليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها و بين الزوج و إنما هي وصلة مستعارة و عقد يجري مجرى إجارة المنفعة و كما يملك رق الأمة بالبيع و الشراء و لهذا قال الفرضيون أسباب التوارث ثلاثة سبب و نسب و ولاء فالنسب القرابة و السبب النكاح و الولاء ولاء العتق فجعلوا النكاح خارجا عن النسب و لو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين.و كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة و قد أجمع المسلمون كلهم من يحبها و من لا يحبها منهم أنها سيدة نساء العالمين.قال و كيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله ص في زوجته و حفظ أم حبيبة في أخيها و لم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله ص في أهل بيته و لا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله ص في صهره و ابن عمه ابن عفان و قد قتلوهم و لعنوهم و لقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان و هو خليفة منهم عائشة كانت تقول اقتلوا نعثلا لعن الله نعثلا و منهم عبد الله بن مسعود و قد لعن معاوية علي بن أبي طالب و ابنيه حسنا و حسينا و هم أحياء يرزقون بالعراق و هو يلعنهم بالشام على المنابر و يقنت عليهم في الصلوات و قد لعن أبو بكر و عمر سعد بن عبادة و هو حي و برءا منه و أخرجاه من المدينة إلى الشام و لعن عمر

١٧

خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة و ما زال اللعن فاشيا في المسلمين إذا عرفوا من الإنسان معصية تقتضي اللعن و البراءة.قال و لو كان هذا أمرا معتبرا و هو أن يحفظ زيد لأجل عمرو فلا يلعن لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم فلا يلعنوا لأجل آبائهم فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين و أن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة و قاتل الحسين و مخيف المسجد الحرام بمكة و أن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان و المحارب عليا ع في صفين.قال على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله ص من حفظ رسول الله ص في أصحابه و رعاية عهده و عقده لم نعادهم و لو ضربت رقابنا بالسيوف و لكن محبة رسول الله ص لأصحابه ليست كمحبة الجهال الذين يصنع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية و إنما أوجب الله رسول الله ص محبة أصحابه لطاعتهم لله فإذا عصوا الله و تركوا ما أوجب محبتهم فليس عند رسول الله ص محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم و لا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان ص يحب أن يعادي أعداء الله و لو كانوا عترته كما يحب أن يوالي أولياء الله و لو كانوا أبعد الخلق نسبا منه و الشاهد على ذلك إجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام و عداوة من نافق و إن كان من أصحاب رسول الله ص و أن رسول الله ص هو الذي أمر بذلك و دعا إليه

١٨

و ذلك أنه ص قد أوجب قطع السارق و ضرب القاذف و جلد البكر إذا زنى و إن كان من المهاجرين أو الأنصار أ لا ترى

أنه قال لو سرقت فاطمة لقطعتها فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله و لا راقبها في حدود الله و قد جلد أصحاب الإفك و منهم مسطح بن أثاثة و كان من أهل بدر.قال و بعد فلو كان محل أصحاب رسول الله ص محل من لا يعادي إذا عصى الله سبحانه و لا يذكر بالقبيح بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة و يغضى عن عيوبه و ذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه فانسلخ مما أوتي من الآيات و غوى قال سبحانه( وَ اُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اَلَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ اَلشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ اَلْغاوِينَ ) و لكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه.قال و لو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا و إذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا علي و عمار و أبو الهيثم بن التيهان و خزيمة بن ثابت و جميع من كان مع علي ع من المهاجرين و الأنصار لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة و الزبير حتى فعلوا بهما و بمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا و هذا طلحة و الزبير و عائشة و من كان معهم و في جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا و هذا معاوية و عمرو لم يريا

١٩

عليا بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره و لم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف و لعنه و لعن أولاده و كل من كان حيا من أهله و قتل أصحابه و قد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات و لعن معهما أبا الأعور السلمي و أبا موسى الأشعري و كلاهما من الصحابة و هذا سعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و أسامة بن زيد و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و عبد الله بن عمر و حسان بن ثابت و أنس بن مالك لم يروا أن يقلدوا عليا في حرب طلحة و لا طلحة في حرب علي و طلحة و الزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين لأنهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون علي قد غلط و زل في حربهما و خافوا أن يكونا قد غلطا و زلا في حرب علي و هذا عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة كما يفعل بأهل الخنا و الريب و هذا عمار و ابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهما بزعمهما منه ما وعظاه لأجله ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم و علم الناس كلهم و هذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو ها إني ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم و زعم أنه و أبو بكر كانا يقولان إن عليا و العباس في قصة الميراث زعماهما كاذبين ظالمين فاجرين و ما رأينا عليا و العباس اعتذرا و لا تنصلا و لا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك و لا رأينا أصحاب رسول الله ص أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما و نسبه إليهما و لا أنكروا أيضا على عمر قوله في أصحاب رسول الله ص إنهم يريدون إضلال الناس و يهمون به و لا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار و لا كسر ضلع ابن مسعود و لا على عمار و ابن مسعود ما تلقيا به عثمان كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة و لا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم و هذا علي

٢٠