كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 38847
تحميل: 6358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38847 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 20

مؤلف:
العربية

فسكت ابن الزبير.قدم عبد الله بن الزبير على معاوية وافدا فرحب به و أدناه حتى أجلسه على سريره ثم قال حاجتك أبا خبيب فسأله أشياء ثم قال له سل غير ما سألت قال نعم المهاجرون و الأنصار ترد عليهم فيئهم و تحفظ وصية نبي الله فيهم تقبل من محسنهم و تتجاوز عن مسيئهم.فقال معاوية هيهات هيهات لا و الله ما تأمن النعجة الذئب و قد أكل أليتها.فقال ابن الزبير مهلا يا معاوية فإن الشاة لتدر للحالب و إن المدية في يده و إن الرجل الأريب ليصانع ولده الذي خرج من صلبه و ما تدور الرحى إلا بقطبها و لا تصلح القوس إلا بمعجسها.فقال يا أبا خبيب لقد أجررت الطروقة قبل هباب الفحل هيهات و هي لا تصطك لحبائها اصطكاك القروم السوامي فقال ابن الزبير العطن بعد العل و العل بعد النهل و لا بد للرحاء من الثفال ثم نهض ابن الزبير.فلما كان العشاء أخذت قريش مجالسها و خرج معاوية على بني أمية فوجد عمرو

١٤١

بن العاص فيهم فقال ويحكم يا بني أمية أ فيكم من يكفيني ابن الزبير فقال عمرو أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين قال ما أظنك تفعل قال بلى و الله لأربدن وجهه و لأخرسن لسانه و لأردنه ألين من خميلة.فقال دونك فاعرض له إذا دخل فدخل ابن الزبير و كان قد بلغه كلام معاوية و عمرو فجلس نصب عيني عمرو فتحدثوا ساعة ثم قال عمرو:

و إني لنار ما يطاق اصطلاؤها

لدي كلام معضل متفاقم

فأطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض ثم رفع رأسه و قال:

و إني لبحر ما يسامى عبابه

متى يلق بحري حر نارك يخمد

فقال عمرو و الله يا ابن الزبير إنك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنة متأزر بوصائل التيه تتعاطى الذرى الشاهقة و المعالي الباسقة و ما أنت من قريش في لباب جوهرها و لا مؤنق حسبها.فقال ابن الزبير أما ما ذكرت من تعاطي الذرى فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله أنف حمي و قلب ذكي و صارم مشرفي في تليد فارع و طريف مانع إذ قعد بك انتفاخ سحرك و وجيب قلبك و أما ما ذكرت من أني لست من قريش في لباب جوهرها و مؤنق حسبها فقد حضرتني و إياك الأكفاء العالمون بي و بك فاجعلهم بيني و بينك.

١٤٢

فقال القوم قد أنصفك يا عمرو قال قد فعلت.فقال ابن الزبير أما إذ أمكنني الله منك فلأربدن وجهك و لأخرسن لسانك و لترجعن في هذه الليلة و كان الذي بين منكبيك مشدود إلى عروق أخدعيك ثم قال أقسمت عليكم يا معاشر قريش أنا أفضل في دين الإسلام أم عمرو فقالوا اللهم أنت قال فأبي أفضل أم أبوه قالوا أبوك حواري رسول الله ص و ابن عمته قال فأمي أفضل أم أمه قالوا أمك أسماء بنت أبي بكر الصديق و ذات النطاقين قال فعمتي أفضل أم عمته قالوا عمتك سلمى ابنة العوام صاحبة رسول الله ص أفضل من عمته قال فخالتي أفضل أم خالته قالوا خالتك عائشة أم المؤمنين قال فجدتي أفضل أم جدته فقال جدتك صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ص قال فجدي أفضل أم جده قالوا جدك أبو بكر الخليفة بعد رسول الله ص فقال:

قضت الغطارف من قريش بيننا

فاصبر لفصل خصامها و قضائها

و إذا جريت فلا تجار مبرزا

بذ الجياد على احتفال جرائها

أما و الله يا ابن العاص لو أن الذي أمرك بهذا واجهني بمثله لقصرت إليه من سامي بصره و لتركته يتلجلج لسانه و تضطرم النار في جوفه و لقد استعان منك بغير واف و لجأ إلى غير كاف ثم قام فخرج.و ذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن الحجاج لما حاصر ابن الزبير لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بأبي قبيس و قد كان بيد ابن الزبير فكتب

١٤٣

بذلك إلى عبد الملك فلما قرأ كتابه كبر و كبر من كان في داره حتى اتصل التكبير بأهل السوق فكبروا و سأل الناس ما الخبر فقيل لهم إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة و ظفر بأبي قبيس فقال الناس لا نرضى حتى يحمل أبو خبيب إلينا مكبلا على رأسه برنس راكب جمل يطاف به في الأسواق تراه العيون.و ذكر المسعودي أن عمة عبد الملك كانت تحت عروة بن الزبير و أن عبد الملك كتب إلى الحجاج يأمره بالكف عن عروة و ذلك قبل أن يقتل عبد الله و ألا يسوءه إذا ظفر بأخيه في ماله و لا في نفسه قال فلما اشتد الحصار على عبد الله خرج عروة إلى الحجاج فأخذ لعبد الله أمانا و رجع إليه فقال هذا عمرو بن عثمان و خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد و هما فتيا بني أمية يعطيانك أمان عبد الملك ابن عمهما على ما أحدثت أنت و من معك و أن تنزل أي البلاد شئت و لك بذلك عهد الله و ميثاقه فأبى عبد الله قبول ذلك و نهته أمه و قالت لا تموتن إلا كريما فقال لها إني أخاف إن قتلت أن أصلب أو يمثل بي فقالت إن الشاة بعد الذبح لا تحس بالسلخ.و روى المسعودي أن عبد الله بن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية طلب من يؤمره على الكوفة و قد كان أهلها أحبوا أن يليهم غير بني أمية فقال له المختار بن أبي عبيد اطلب رجلا له رفق و علم بما يأتي و تدبر قوله إياها يستخرج لك منها جندا تغلب به أهل الشام فقال أنت لها فبعثه إلى الكوفة فأتاها و أخرج ابن مطيع منها و ابتنى لنفسه دارا و أنفق عليها مالا جليلا و سأل عبد الله بن الزبير أن يحتسب له به من مال العراق فلم يفعل فخلعه و جحد بيعته و دعا إلى الطالبيين.

١٤٤

قال المسعودي و أظهر عبد الله بن الزبير الزهد في الدنيا و ملازمة العبادة مع الحرص على الخلافة و شبر بطنه فقال إنما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك الشبر و ظهر عنه شح عظيم على سائر الناس ففي ذلك يقول أبو حمزة مولى آل الزبير:

إن الموالي أمست و هي عاتبة

على الخليفة تشكوا الجوع و الحربا

ما ذا علينا و ما ذا كان يرزؤنا

أي الملوك على ما حولنا غلبا

و قال فيه أيضا:

لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد

أفضلت فضلا كثيرا للمساكين

ما زلت في سورة الأعراف تدرسها

حتى فؤادي مثل الخز في اللين

و قال فيه شاعر أيضا لما كانت الحرب بينه و بين الحصين بن نمير قبل أن يموت يزيد بن معاوية:

فيا راكبا إما عرضت فبلغن

كبير بني العوام إن قيل من تعني

تخبر من لاقيت أنك عائذ

و تكثر قتلى بين زمزم و الركن

و قال الضحاك بن فيروز الديلمي:

تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة

و بطنك شبر أو أقل من الشبر

و أنت إذا ما نلت شيئا قضمته

كما قضمت نار الغضا حطب السدر

فلو كنت تجزي أو تثيب بنعمة

قريبا لردتك العطوف على عمرو

قال هو عمرو بن الزبير أخوه ضربه عبد الله حتى مات و كان مباينا له.

١٤٥

كان يزيد بن معاوية قد ولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة فسرح الوليد منها جيشا إلى مكة لحرب عبد الله بن الزبير عليه عمرو بن الزبير فلما تصاف القوم انهزم رجال عمرو و أسلموه فظفر به عبد الله فأقامه للناس بباب المسجد مجردا و لم يزل يضربه بالسياط حتى مات.و قد رأيت في غير كتاب المسعودي أن عبد الله وجد عمرا عند بعض زوجاته و له في ذلك خبر لا أحب أن أذكره.قال المسعودي ثم إن عبد الله بن الزبير حبس الحسن بن محمد بن الحنفية في حبس مظلم و أراد قتله فأعمل الحيلة حتى تخلص من السجن و تعسف الطريق على الجبال حتى أتى منى و بها أبوه محمد بن الحنفية.ثم إن عبد الله جمع بني هاشم كلهم في سجن عارم و أراد أن يحرقهم بالنار و جعل في فم الشعب حطبا كثيرا فأرسل المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فقال أبو عبد الله لأصحابه ويحكم إن بلغ ابن الزبير الخبر عجل على بني هاشم فأتى عليهم فانتدب هو نفسه في ثمانمائة فارس جريدة فما شعر بهم ابن الزبير إلا و الرايات تخفق بمكة فقصد قصد الشعب فأخرج الهاشميين منه و نادى بشعار محمد بن الحنفية و سماه المهدي و هرب ابن الزبير فلاذ بأستار الكعبة فنهاهم محمد بن الحنفية عن طلبه

١٤٦

و عن الحرب و قال لا أريد الخلافة إلا إن طلبني الناس كلهم و اتفقوا علي كلهم و لا حاجة لي في الحرب.قال المسعودي و كان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب و جمعه الحطب ليحرقهم و يقول إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة و لا يختلف المسلمون و أن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.قال المسعودي و خطب ابن الزبير يوم قدم أبو عبد الله الجدلي قبل قدومه بساعتين فقال إن هذا الغلام محمد بن الحنفية قد أبى بيعتي و الموعد بيني و بينه أن تغرب الشمس ثم أضرم عليه مكانه نارا فجاء إنسان إلى محمد فأخبره بذلك فقال سيمنعه مني حجاب قوي فجعل ذلك الرجل ينظر إلى الشمس و يرقب غيبوبتها لينظر ما يصنع ابن الزبير فلما كادت تغرب حاست خيل أبي عبد الله الجدلي ديار مكة و جعلت تمعج بين الصفا و المروة و جاء أبو عبد الله الجدلي بنفسه فوقف على فم الشعب و استخرج محمدا و نادى بشعاره و استأذنه في قتل ابن الزبير فكره ذلك و لم يأذن فيه و خرج من مكة فأقام بشعب رضوى حتى مات.

١٤٧

و روى المسعودي عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير إلام تؤنبني و تعنفني

قال ابن عباس إني سمعت رسول الله ص يقول بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره و أنت ذلك الرجل فقال ابن الزبير و الله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة و تشاجرا فخرج ابن عباس من مكة خوفا على نفسه فأقام بالطائف حتى مات.و روى أبو الفرج الأصفهاني قال أتى فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير فقال نفدت نفقتي و نقبت ناقتي فقال أحضرنيها فأحضرها فقال أقبل بها أدبر بها ففعل فقال ارقعها بسبت و اخصفها بهلب و أنجد بها يبرد خفها و سر البردين تصح فقال فضالة إني أتيتك مستحملا و لم آتك مستوصفا فلعن الله ناقة حملتني إليك فقال إن و راكبها فقال فضالة:

أقول لغلمة شدوا ركابي

أجاوز بطن مكة في سواد

فما لي حين أقطع ذات عرق

إلى ابن الكاهلية من معاد

سيبعد بيننا نص المطايا

و تعليق الأداوي و المزاد

و كل معبد قد أعلمته

مناسمهن طلاع النجاد

١٤٨

أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن و لا أمية بالبلاد

من الأعياص أو من آل حرب

أغر كغرة الفرس الجواد

قال ابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير و الكاهلية هذه هي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى و اسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال من بني كاهل بن أسد بن خزيمة قال فقال عبد الله بن الزبير لما بلغه الشعر علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها و هي خير عماته.و روى أبو الفرج قال كانت صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فمشى ابن الزبير إليها فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله عزوجل و لرسوله ص و للمهاجرين و الأنصار من أثرة معاوية و ابنه بالفي‏ء و سألها مسألة زوجها عبد الله بن عمر أن يبايعه فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير و عبادته و اجتهاده و أثنت عليه و قالت إنه ليدعو إلى طاعة الله عزوجل و أكثرت القول في ذلك فقال لها ويحك أ ما رأيت البغلات الشهب التي كان يحج معاوية عليها و تقدم إلينا من الشام قالت بلى قال و الله ما يريد ابن الزبير بعبادته غيرهن

١٤٩

462

وَ قَالَ ع : مَا لاِبْنِ آدَمَ وَ اَلْفَخْرِ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَ آخِرُهُ جِيفَةٌ وَ لاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَ لاَ يَدْفَعُ حَتْفَهُ قد تقدم كلامنا في الفخر و ذكرنا الشعر الذي أخذ من هذا الكلام و هو قول القائل:

ما بال من أوله نطفة

و جيفة آخره يفخر

يصبح ما يملك تقديم ما

يرجو و لا تأخير ما يحذر

فصل في الفخر و ما قيل في النهي عنه

و قال بعض الحكماء الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان و ذلك نهاية الحمق لمن نظر بعين عقله و انحسر عنه قناع جهله فأعراض الدنيا عارية مستردة لا يؤمن في كل ساعة أن ترتجع و المباهي بها مباه بما في غير ذاته.و قد قال لبعض من فخر بثروته و وفره إن افتخرت بفرسك فالحسن و الفراهة له دونك و إن افتخرت بثيابك و آلاتك فالجمال لهما دونك و إن افتخرت بآبائك

١٥٠

و سلفك فالفضل فيهم لا فيك و لو تكلمت هذه الأشياء لقالت لك هذه محاسننا فما محاسنك.و أيضا فإن الأعراض الدنيوية كما قيل سحابة صيف عن قليل تقشع و ظل زائل عن قريب يضمحل كما قال الشاعر:

إنما الدنيا كرؤيا فرحت

من رآها ساعة ثم انقضت

بل كما قال تعالى( إِنَّما مَثَلُ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ اَلسَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ اَلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ اَلنَّاسُ وَ اَلْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ اَلْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ اِزَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ) .و إذا كان لا بد من الفخر فليخفر الإنسان بعلمه و بشريف خلقه و إذا أعجبك من الدنيا شي‏ء فاذكر فناءك و بقاءه أو بقاءك و فناءه أو فناءكما جميعا و إذا راقك ما هو لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك و بعد رجوعه إليك و طول حسابك عليه و قد ذم الله الفخور فقال( وَ اَللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ )

١٥١

463

اَلْغِنَى وَ اَلْفَقْرُ بَعْدَ اَلْعَرْضِ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى أي لا يعد الغني غنيا في الحقيقة إلا من حصل له ثواب الآخرة الذي لا ينقطع أبدا و لا يعد الفقير فقيرا إلا من لم يحصل له ذلك فإنه لا يزال شقيا معذبا و ذاك هو الفقر بالحقيقة.فأما غنى الدنيا و فقرها فأمران عرضيان زوالهما سريع و انقضاؤهما وشيك.و إطلاق هاتين اللفظتين على مسماهما الدنيوي على سبيل المجاز عند أرباب الطريقة أعني العارفين

١٥٢

464

وَ سُئِلَ عَنْ أَشْعَرِ اَلشُّعَرَاءِ فَقَالَ ع إِنَّ اَلْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ اَلْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَ لاَ بُدَّ فَالْمَلِكُ اَلضِّلِّيلُ قال يريد إمرأ القيس

في مجلس علي بن أبي طالب

قرأت في أمالي ابن دريد قال أخبرنا الجرموزي عن ابن المهلبي عن ابن الكلبي عن شداد بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال كان علي بن أبي طالب ع يعشي الناس في شهر رمضان باللحم و لا يتعشى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم فلما فرغوا خطبهم ع و قال في خطبته اعلموا أن ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم ثم قال قل يا أبا الأسود فيم كنتم تفيضون فيه أي الشعراء أشعر فقال يا أمير المؤمنين الذي يقول:

و لقد أغتدي يدافع ركني

أعوجي ذو ميعة إضريج

١٥٣

مخلط مزيل معن مفن

منفح مطرح سبوح خروج

يعني أبا دواد الإيادي فقال ع ليس به قالوا فمن يا أمير المؤمنين فقال لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم و لكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة قيل من هو يا أمير المؤمنين قال هو الملك الضليل ذو القروح قيل إمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال هو قيل فأخبرنا عن ليلة القدر قال ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها و لست أشك أن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها و تركتم غيرها و أرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله انهضوا رحمكم الله.و قال ابن دريد لما فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه و قيل واسع الصدر و منفح يخرج الصيد من مواضعه و مطرح يطرح ببصره و خروج سابق.و الغاية بالغين المعجمة الراية قال الشاعر:

و إذا غاية مجد رفعت

نهض الصلت إليها فحواها

و يروى قول الشماخ:

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها غرابة باليمين

بالغين و الراء أكثر فأما البيت الأول فبالغين لا غير أنشده الخليل في عروضه و في حديث طويل في الصحيح فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا و الميعة أول جري الفرس و قيل الجري بعد الجري

١٥٤

اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء على بعض

و أنا أذكر في هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض و أبتدئ في ذلك بما ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني قال أبو الفرج الثلاثة المقدمون على الشعراء إمرؤ القيس و زهير و النابغة لا اختلاف في أنهم مقدمون على الشعراء كلهم و إنما اختلف في تقديم بعض الثلاثة على بعض.قال فأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي قبيس عن عكرمة بن جرير عن أبيه قال شاعر أهل الجاهلية زهير.قال و أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة عن هارون بن عمر عن أيوب بن سويد عن يحيى بن زياد عن عمر بن عبد الله الليثي قال قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره إلى الجابية أين عبد الله بن عباس فأتي به فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب ع عنه قال ابن عباس فقلت له أ و لم يعتذر إليك قال بلى قلت فهو ما اعتذر به قال ثم أنشأ يحدثني فقال إن أول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوة قال أبو الفرج ثم ذكر قصة طويلة ليست من هذا الباب فكرهت ذكرها ثم قال يا ابن عباس هل تروي لشاعر الشعراء قلت و من هو قال ويحك شاعر الشعراء الذي يقول:

فلو أن حمدا يخلد الناس خلدوا

و لكن حمد الناس ليس بمخلد

١٥٥

فقلت ذاك زهير فقال ذاك شاعر الشعراء قلت و بم كان شاعر الشعراء قال إنه كان لا يعاظل الكلام و يتجنب وحشيه و لا يمدح أحدا إلا بما فيه.قال أبو الفرج و أخبرني أبو خليفة قال ابن سلام و أخبرني عمر بن موسى الجمحي عن أخيه قدامة بن موسى و كان من أهل العلم أنه كان يقدم زهيرا قال فقلت له أي شعره كان أعجب إليه فقال الذي يقول فيه:

قد جعل المبتغون الخير في هرم

و السائلون إلى أبوابه طرقا

قال ابن سلام و أخبرني أبو قيس العنبري و لم أر بدويا يفي به عن عكرمة بن جرير قال قلت لأبي يا أبت من أشعر الناس قال أ عن أهل الجاهلية تسألني أم عن أهل الإسلام قال قلت ما أردت إلا الإسلام فإذا كنت قد ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها فقال زهير أشعر أهلها قلت فالإسلام قال الفرزدق نبعة الشعر قلت فالأخطل قال يجيد مدح الملوك و يصيب وصف الخمر قلت فما تركت لنفسك قال إني نحرت الشعر نحرا.قال و أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عيسى بن يزيد قال سأل معاوية الأحنف عن أشعر الشعراء فقال زهير قال و كيف ذاك قال ألقى على المادحين فضول الكلام و أخذ خالصه و صفوته قال مثل ما ذا قال مثل قوله:

و ما يك من خير أتوه فإنما

توارثه آباء آبائهم قبل

و هل ينبت الخطي إلا وشيجه

و تغرس إلا في منابتها النخل

قال و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا

١٥٦

عبد الله بن عمرو القيسي قال حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عباس قال خرجت مع عمر في أول غزاة غزاها فقال لي ليلة يا ابن عباس أنشدني لشاعر الشعراء قلت من هو قال ابن أبي سلمى قلت و لم صار كذلك قال لأنه لا يتبع حوشي الكلام و لا يعاظل في منطقه و لا يقول إلا ما يعرف و لا يمدح الرجل إلا بما فيه أ ليس هو الذي يقول:

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية

إلى المجد من يسبق إليها يسود

سبقت إليها كل طلق مبرز

سبوق إلى الغايات غير مزند

قال أي لا يحتاج إلى أن يجلد الفرس بالسوط.

كفعل جواد يسبق الخيل عفوه

السراع و إن يجهد و يجهدن يبعد

فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت

و لكن حمد الناس ليس بمخلد

أنشدني له فأنشدته حتى برق الفجر فقال حسبك الآن اقرأ القرآن قلت ما أقرأ قال الواقعة فقرأتها و نزل فأذن و صلى.و قال محمد بن سلام في كتاب طبقات الشعراء دخل الحطيئة على سعيد بن العاص متنكرا فلما قام الناس و بقي الخواص أراد الحاجب أن يقيمه فأبى أن يقوم فقال سعيد دعه و تذاكروا أيام العرب و أشعارها فلما أسهبوا قال الحطيئة ما صنعتم شيئا فقال سعيد فهل عندك علم من ذلك قال نعم قال فمن أشعر العرب قال الذي يقول

قد جعل المبتغون الخير في هرم

و السائلون إلى أبوابه طرقا

قال ثم من قال الذي يقول

١٥٧

فإنك شمس و الملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

يعني زهيرا ثم النابغة ثم قال و حسبك بي إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى ثم عويت في أثر القوافي كما يعوي الفصيل في أثر أمه قال فمن أنت قال أنا الحطيئة فرحب به سعيد و أمر له بألف دينار.قال و قال من احتج لزهير كان أحسنهم شعرا و أبعدهم من سخف و أجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق و أشدهم مبالغة في المدح و أبعدهم تكلفا و عجرفية و أكثرهم حكمة و مثلا سائرا في شعره.و قد روى ابن عباس عن النبي ص أنه قال أفضل شعرائكم القائل و من من يعني زهيرا و ذلك في قصيدته التي أولها أ من أم أوفى يقول فيها:

و من يك ذا فضل فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه و يذمم

و من لم يذد عن حوضه بسلاحه

يهدم و من لا يظلم الناس يظلم

و من هاب أسباب المنايا ينلنه

و لو نال أسباب السماء بسلم

و من يجعل المعروف من دون عرضه

يفره و من لا يتق الشتم يشتم

فأما القول في النابغة الذبياني فإن أبا الفرج الأصفهاني قال في كتاب الأغاني كنية النابغة أبو أمامة و اسمه زياد بن معاوية و لقب بالنابغة لقوله

فقد نبغت لهم منا شئون

و هو أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم و هو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء.

١٥٨

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري و حبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو نعيم قال شريك عن مجالد عن الشعبي عن ربعي بن حراش قال قال لنا عمر يا معشر غطفان من الذي يقول:

أتيتك عاريا خلقا ثيابي

على خوف تظن بي الظنون

قلنا النابغة قال ذاك أشعر شعرائكم.قلت قوله أشعر شعرائكم لا يدل على أنه أشعر العرب لأنه جعله أشعر شعراء غطفان فليس كقوله في زهير شاعر الشعراء و لكن أبا الفرج قد روى بعد هذا خبرا آخر صريحا في أن النابغة عند عمر أشعر العرب قال حدثني أحمد و حبيب عن عمر بن شبة قال حدثنا عبيد بن جناد قال حدثنا معن بن عبد الرحمن عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن جده عن الشعبي قال قال عمر يوما من أشعر الشعراء فقيل له أنت أعلم يا أمير المؤمنين قال من الذي يقول:

إلا سليمان إذ قال المليك له

قم في البرية فاحددها عن الفند

و خيس الجن إني قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصفاح و العمد

قالوا النابغة قال فمن الذي يقول:

أتيتك عاريا خلقا ثيابي

على خوف تظن بي الظنون

قالوا النابغة قال فمن الذي يقول:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

و ليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني خيانة

لمبلغك الواشي أغش و أكذب

١٥٩

قالوا النابغة قال فهو أشعر العرب.قال و أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني علي بن محمد المدائني قال قام رجل إلى ابن عباس فقال له أي الناس أشعر قال أخبره يا أبا الأسود فقال أبو الأسود الذي يقول:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

و إن خلت أن المنتأى عنك واسع

يعني النابغة.قال أبو الفرج و أخبرني أحمد و حبيب عن عمر عن أبي بكر العليمي عن الأصمعي قال كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها فأنشده مرة الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم قوم من الشعراء ثم جاءت الخنساء فأنشدته:

و إن صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

فقال لو لا أن أبا بصير يعني الأعشى أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الإنس و الجن فقام حسان بن ثابت فقال أنا و الله أشعر منها و من أبيك فقال له النابغة يا ابن أخي أنت لا تحسن أن تقول:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

و إن خلت أن المنتأى عنك واسع

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمد بها أيد إليك نوازع

قال فخنس حسان لقوله.قال و أخبرني أحمد و حبيب عن عمر عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء

١٦٠