كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 38852
تحميل: 6358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38852 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 20

مؤلف:
العربية

472

وَ قَالَ ع : اَلدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا قال أبو العلاء المعري مع ما كان يرمى به في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين ع بلفظه هذا:

خلق الناس للبقاء فضلت

أمة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعمال

إلى دار شقوة أو رشاد

١٨١

473

وَ قَالَ ع : إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَ لَوْ قَدِ اِخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَوْ كَادَتْهُمُ اَلضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذا من أفصح الكلام و أغربه و المرود هاهنا مفعل من الإرواد و هو الإمهال و الإنظار فكأنه ع شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها هذا إخبار عن غيب صريح لأن بني أمية لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف و إنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في صفين و حرب يزيد أهل المدينة و ابن الزبير بمكة و حرب مروان الضحاك و حرب عبد الملك ابن الأشعث و ابن الزبير و حرب يزيد ابنه بني المهلب و حرب هشام زيد بن علي فلما ولي الوليد بن يزيد و خرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد و قتله اختلف بنو أمية فيما بينهما و جاء الوعد و صدق من وعد به فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العباس بخراسان و أقبل

١٨٢

مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة فخلع إبراهيم بن الوليد و قتل قوما من بني أمية و اضطرب أمر الملك و انتشر و أقبلت الدولة الهاشمية و نمت و زال ملك بني أمية و كان زوال ملكهم على يد أبي مسلم و كان في بدايته أضعف خلق الله و أعظمهم فقرا و مسكنة و في ذلك تصديق قوله ع ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم

١٨٣

474

وَ قَالَ ع فِي مَدْحِ اَلْأَنْصَارِ هُمْ وَ اَللَّهِ رَبَّوُا اَلْإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى اَلْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِم بِأَيْدِيهِمُ اَلسِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ اَلسِّلاَطِ الفلو المهر و يروى بأيديهم البساط أي الباسطة و الأولى جمع سبط يعني السماح و قد يقال للحاذق بالطعن إنه لسبط اليدين يريد الثقافة و ألسنتهم السلاط يعني الفصيحة.و قد تقدم القول في مدح الأنصار و لو لم يكن إلا

قول رسول الله ص فيهم إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع و لو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له لأغزونك في كذا و كذا من الخيل يتوعده

فقال ع يكفي الله ذلك و أبناء قيلة لكان فخرا لهم و هذا عظيم جدا و فوق العظيم و لا ريب أنهم الذين أيد الله بهم الدين و أظهر بهم الإسلام بعد خفائه و لولاهم لعجز المهاجرون عن حرب قريش و العرب و عن حماية رسول الله ص و لو لا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر يلجئون عليه و يكفيهم فخرا يوم حمراء الأسد

١٨٤

يوم خرج بهم رسول الله ص إلى قريش بعد انكسار أصحابه و قتل من قتل منهم و خرجوا نحو القوم و الجراح فيهم فاشية و دماؤهم تسيل و إنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على فرائسها و كم لهم من يوم أغر محجل و قالت الأنصار لو لا علي بن أبي طالب ع في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا و لكن رب واحد كألف بل كألوف.و قد تقدم ذكر الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي و ما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه و كان الوزير المغربي يتبرأ منه و يجحده و قيل إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت إلى القادر بالله.و مما وجد بخطه أيضا و كان شديد العصبية للأنصار و لقحطان قاطبة على عدنان و كان ينتمي إلى الأزد أزد شنوءة قوله:

إن الذي أرسى دعائم أحمد

و علا بدعوته على كيوان

أبناء قيلة وارثو شرف العلا

و عراعر الأقيال من قحطان

بسيوفهم يوم الوغى و أكفهم

ضربت مصاعب ملكه بجران

لو لا مصارعهم و صدق قراعهم

خرت عروش الدين للأذقان

فليشكرن محمد أسياف من

لولاه كان كخالد بن سنان

و هذا إفراط قبيح و لفظ شنيع و الواجب أن يصان قدر النبوة عنه و خصوصا البيت الأخير فإنه قد أساء فيه الأدب و قال ما لا يجوز قوله و خالد بن سنان كان من بني عبس بن بغيض من قيس عيلان ادعى النبوة و قيل إنه كانت تظهر عليه آيات و معجزات ثم مات و انقرض دينه و دثرت دعوته و لم يبق إلا اسمه و ليس يعرفه كل الناس بل البعض منهم

١٨٥

475

وَ قَالَ ع : اَلْعَيْنُ وِكَاءُ اَلسَّتَهِ اَلسَّهِ قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذه من الاستعارات العجيبة كأنه شبه السته بالوعاء و العين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ص و قد رواه قوم لأمير المؤمنين ع و ذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف قال الرضي و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية المعروف أن هذا من كلام رسول الله ص ذكره المحدثون في كتبهم و أصحاب غريب الحديث في تصانيفهم و أهل الأدب في تفسير هذه اللفظة في مجموعاتهم اللغوية و لعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين ع و الرواية بلفظ التثنية

العينان وكاء السته و السته الاست.

١٨٦

و قد جاء في تمام الخبر

في بعض الروايات فإذا نامت العينان استطلق الوكاء و الوكاء رباط القربة فجعل العينين وكاء و المراد اليقظة للسته كالوكاء للقربة و منه

الحديث في اللقطة احفظ عفاصها و وكاءها و عرفها سنة فإن جاء صاحبها و إلا فشأنك بها و العفاص السداد و الوكاء السداد و هذه من الكنايات اللطيفة

فصل في ألفاظ الكنايات و ذكر الشواهد عليها

و قد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة و وعدنا أن نعاود ذكر طرف منها و هذا الموضع موضعه فمن الكناية عن الحدث الخارج و هو الذي كنى عنه أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص الكناية التي ذكرها يحيى بن زياد في شعره قيل إن يحيى بن زياد و مطيع بن إياس و حمادا الراوية جلسوا على شرب لهم و معهم رجل منهم فانحل وكاؤه فاستحيا و خرج و لم يعد إليهم فكتب إليه يحيى بن زياد:

أ من قلوص غدت لم يؤذها أحد

إلا تذكرها بالرمل أوطانا

خان العقال لها فانبت إذ نفرت

و إنما الذنب فيها للذي خانا

منحتنا منك هجرانا و مقلية

و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا

خفض عليك فما في الناس ذو إبل

إلا و أينقه يشردن أحيانا

و ليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى و إنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية خاصة كناية أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص عنها و لكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة ينتفع القارئ بالوقوف عليها.

١٨٧

يقال فلان من قوم موسى إذا كان ملولا إشارة إلى قوله تعالى( وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‏ لَنْ نَصْبِرَ عَلى‏ طَعامٍ واحِدٍ ) .قال الشاعر:

فيا من ليس يكفيه صديق

و لا ألفا صديق كل عام

أظنك من بقايا قوم موسى

فهم لا يصبرون على طعام

و قال العباس بن الأحنف:

كتبت تلوم و تستريث زيارتي

و تقول لست لنا كعهد العاهد

فأجبتها و دموع عيني سجم

تجري على الخدين غير جوامد

يا فوز لم أهجركم لملالة

عرضت و لا لمقال واش حاسد

لكنني جربتكم فوجدتكم

لا تصبرون على طعام واحد

و يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان قال الشاعر:

جست العود بالبنان الحسان

و تثنت كأنها غصن بان

فسجدنا لها جميعا و قلنا

إذ شجتنا بالحسن و الإحسان

حاش لله أن تكوني من الإنس

و لكن أبقت من رضوان

و يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال ابن جلا و هو كناية عن الصبح و منه ما تمثل به الحجاج:

أنا ابن جلا و طلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

و منه قول القلاخ بن حزن

١٨٨

أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا.و منه قولهم فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل و كبر جثته و في المثل ما استتر من قاد جملا و قالوا كفى برغائها نداء و مثل هذا قولهم ما يوم حليمة بسر يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر و يوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر و الحارث الغساني الأكبر و هو أشهر أيام العرب يقال إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا و حليمة اسم امرأة أضيف اليوم إليها لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال فقاتلوا حتى تفانوا.و يقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف قائد الحمار و إشارة إلى ما أنشده الأصمعي:

آتي الندي فلا يقرب مجلسي

و أقود للشرف الرفيع حماري

أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي و مثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه قال الشاعر:

فأصبحت كنتيا و أصبحت عاجنا

و شر خصال المرء كنت و عاجن

قالوا الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا و كنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه و لا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر و العجز.و مثله قولهم للشيخ راكع قال لبيد:

أخبر أخبار القرون التي مضت

أدب كأني كلما قمت راكع

و الركوع هو التطأطؤ و الانحناء بعد الاعتدال و الاستواء و يقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر قد ركع قال:

لا تهين الفقير علك أن تركع

يوما و الدهر قد رفعه

١٨٩

و في هذا المعنى قال الشاعر.

ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه

يوما فتدركه الحوادث قد نما

يجزيك أو يثني عليك و إن من

يثني عليك بما فعلت فقد جزى

و مثله أيضا:

و أكرم كريما إن أتاك لحاجة

لعاقبة إن العضاه تروح

تروح الشجر إذا انفطر بالنبت يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى كما إن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسى ورقا و يقال ركع الرجل أي سقط.و قال الشاعر:

خرق إذا ركع المطي من الوجى

لم يطو دون رفيقه ذا المرود

حتى يئوب به قليلا فضله

حمد الرفيق نداك أو لم يحمد

و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه قال أبو الطمحان القيني:

حنتني حانيات الدهر حتى

كأني خاتل أدنو لصيد

قريب الخطو يحسب من رآني

و لست مقيدا أني بقيد

و نحو هذا قولهم للكبير بدت له الأرنب و ذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته و أنشد ابن الأعرابي في النوادر:

و طالت بي الأيام حتى كأنني

من الكبر العالي بدت لي أرنب

و نحوه يقولون للكبير قيد بفلان البعير أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته فيقوده قائد يحمله حيث يريد.

١٩٠

و من أمثالهم لقد كنت و ما يقاد بي البعير يضرب لمن كان ذا قوة و عزم ثم عجز و فتر.و من الكنايا عن شيب العنفقة قولهم قد عض على صوفه.و يكنون عن المرأة التي كبر سنها فيقولون امرأة قد جمعت الثياب أي تلبس القناع و الخمار و الإزار و ليست كالفتاة التي تلبس ثوبا واحدا.و يقولون لمن يخضب يسود وجه النذير و قالوا في قوله تعالى( وَ جاءَكُمُ اَلنَّذِيرُ ) إنه الشيب و قال الشاعر:

و قائلة لي اخضب فالغواني

تطير من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير موتي

و لست مسودا وجه النذير

و زاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب كم ثمن القوس يعيره بانحناء الظهر فقال الشيخ يا ابن أخي إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا ثمن.و أنشد لابن خلف:

تعيرني وخط المشيب بعارضي

و لو لا الحجول البلق لم تعرف الدهم

حنى الشيب ظهري فاستمرت مريرتي

و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم

و يقولون لمن رشا القاضي أو غيره صب في قنديله زيتا و أنشد:

و عند قضاتنا خبث و مكر

و زرع حين تسقيه يسنبل

إذا ما صب في القنديل زيت

تحولت القضية للمقندل

و كان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا و كان كاتب أم جعفر.

١٩١

و هو سعدان بن يحيى كذلك فقال لها الرشيد يوما أ ما سمعت ما قيل في كاتبك قالت ما هو فأنشدها:

صب في قنديل سعدان

مع التسليم زيتا

و قناديل بنيه

قبل أن تخفى الكميتا

قالت فما قيل في كاتبك أشنع و أنشدته:

قنديل سعدان علا ضوءه

فرخ لقنديل أبي صالح

تراه في مجلسه أحوصا

من لمحه للدرهم اللائح

و يقولون لمن طلق ثلاثا قد نحرها بمثلثه.و يقولون أيضا أعطاها نصف السنة.و يقولون لمن يفخر بآبائه هو عظامي و لمن يفخر بنفسه هو عصامي إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل حاجب النعمان:

نفس عصام سودت عصاما

و علمته الكر و الإقداما

و جعلته ملكا هماما

و أشار بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه و رهطه و قال الشاعر:

إذا ما الحي عاش بعظم ميت

فذاك العظم حي و هو ميت

و نحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه و هو يجود بنفسه فقال أ لا أوصي بك الأمير فقال إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت و يقال إن عطاء بن أبي سفيان قال ليزيد بن معاوية أغنني عن غيرك قال

١٩٢

حسبك ما أغناك به معاوية قال فهو إذن الحي و أنت الميت و مثل قولهم عظامي قولهم خارجي أي يفخر بغير أولية كانت له قال كثير لعبد العزيز:

أبا مروان لست بخارجي

و ليس قديم مجدك بانتحال

و يكنون عن العزيز و عن الذليل أيضا فيقولون بيضة البلد فمن يقولها للمدح يذهب إلى أن البيضة هي الحوزة و الحمى يقولون فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته و جماعته و من يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد و ذهبا عنها قال الشاعر في المدح:

لكن قائله من لا كفاء له

من كان يدعى أبوه بيضة البلد

و قال الآخر في الذم:

تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا

و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد

و يقولون للشي‏ء الذي يكون في الدهر مرة واحدة هو بيضة الديك قال بشار:

يا أطيب الناس ريقا غير مختبر

إلا شهادة أطراف المساويك

قد زرتنا زورة في الدهر واحدة

ثني و لا تجعليها بيضة الديك

و يكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب قال الأخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها:

و ليس قذاها بالذي قد يضيرها

و لا بذباب نزعه أيسر الأمر

و لكن قذاها كل جلف مكلف

أتتنا به الأيام من حيث لا ندري

١٩٣

فذاك القذى و ابن القذى و أخو القذى

فإن له من زائر آخر الدهر

و يكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب قال الشاعر:

يا ثقيلا زاد في الثقل

على كل ثقيل

أنت عندي قدح اللبلاب

في كف العليل

و يكنون عنه أيضا بالقدح الأول لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة و ما بعده فدونه لاعتياده قال الشاعر:

و أثقل من حضين باديا

و أبغض من قدح أول

و يكنون عنه بالكانون قال الحطيئة يهجو أمه:

تنحي فاقعدي عني بعيدا

أراح الله منك العالمينا

أ غربالا إذا استودعت سرا

و كانونا على المتحدثينا

قالوا و أصله من كننت أي سترت فكأنه إذا دخل على قوم و هم في حديث ستروه عنه و قيل بل المراد شدة برده.و يكنون عن الثقيل أيضا برحى البزر قال الشاعر:

و أثقل من رحى بزر علينا

كأنك من بقايا قوم عاد

و يقولون لمن يحمدون جواره جاره جار أبي دواد و هو كعب بن مامة الإيادي كان إذا جاوره رجل فمات وداه و إن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه فجاوره أبو دواد الإيادي فأحسن إليه فضرب به المثل.و مثله قولهم هو جليس قعقاع بن شور و كان قد قدم إلى معاوية فدخل عليه و المجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد فقام له رجل من القوم و أجلسه مكانه فلم

١٩٤

يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية و معاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم فأحضرت إليه فجعلت إلى جانبه فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه ضمها إليك فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك فقيل فيه:

و كنت جليس قعقاع بن شور

و لا يشقى بقعقاع جليس

ضحوك السن إن نطقوا بخير

و عند الشر مطراق عبوس

أخذ قوله و لا يشقى بقعقاع جليس من قول النبي ص هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.و يكنون عن السمين من الرجال بقولهم هو جار الأمير و ضيف الأمير و أصله أن الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فكلمه فقال له في جملة خطابه إنك لسمين يا غضبان فقال القيد و الرتعة و الخفض و الدعة و من يكن ضيف الأمير يسمن.و يكني الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه و ذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا فقال يا هذا ما أكثر عنايتك بتعريض سور حبسك.و نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال أرى عليك قطيفة محكمة قال نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي.و يقولون للكذاب هو قموص الحنجرة و أيضا هو زلوق الكبد و أيضا لا يوثق بسيل بلقعه و أيضا أسير الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك و إن كان من أولاد السفلة.و يكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب لأنه يحب أن يتزوج في الغربة فيدعي أنه ابن خمسين سنة و هو ابن خمس و سبعين.

١٩٥

و يقولون هو فاختة البلد من قول الشاعر:

أكذب من فاختة

تصيح فوق الكرب

و الطلع لم يبد لها

هذا أوان الرطب

و قال آخر في المعنى:

حديث أبي حازم كله

كقول الفواخت جاء الرطب

و هن و إن كن يشبهنه

فلسن يدانينه في الكذب

و يكنون عن النمام بالزجاج لأنه يشف على ما تحته قال الشاعر:

أنم بما استودعته من زجاجة

يرى الشي‏ء فيها ظاهرا و هو باطن

و يكنون عنه بالنسيم من قول الآخر:

و إنك كلما استودعت سرا

أنم من النسيم على الرياض

و يقولون إنه لصبح و إنه لطيب كله في النمام و يقولون ما زال يفتل له في الذروة و الغارب حتى أسمحت قرونته و هي النفس و الذروة أعلى السنام و الغارب مقدمه.و يقولون في الكناية عن الجاهل ما يدري أي طرفيه أطول قالوا ذكره و لسانه و قالوا هل نسب أبيه أفضل أم نسب أمه.و مثله لا يعرف قطانه من لطانه أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه.و قالوا الحدة كنية الجهل و الاقتصاد كنية البخل و الاستقصاء كنية الظلم.

١٩٦

و قالوا للجائع عضه الصفر و عضه شجاع البطن.و قال الهذلي:

أرد شجاع البطن قد تعلمينه

و أوثر غرثى من عيالك بالطعم

مخافة أن أحيا برغم و ذلة

و للموت خير من حياة على رغم

و يقولون زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئا لأن الضب لا يشرب الماء و إنما يتغذى بالريح و النسيم و يأكل القليل من عشب الأرض.و قال ابن المعتز:

يقول أكلنا لحم جدي و بطة

و عشر دجاجات شواء بألبان

و قد كذب الملعون ما كان زاده

سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان

و قال أبو الطيب:

لقد لعب البين المشت بها و بي

و زودني في السير ما زود الضبا

و يقولون للمختلفين من الناس هم كنعم الصدقة و هم كبعر الكبش قال عمرو بن لجأ:

و شعر كبعر الكبش ألف بينه

لسان دعي في القريض دخيل

و ذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقا.و قال بعض الشعراء لشاعر آخر أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و تقول البيت و ابن عمه فأما قول جرير في ذي الرمة إن شعره

بعر ظباء و نقط عروس ،فقد فسره الأصمعي فقال يريد أن شعره حلو أول ما تسمعه فإذا كرر إنشاده ضعف لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث و الشيح

١٩٧

و القيصوم فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة و نقط العروس إذا غسلتها ذهبت.و يقولون أيضا للمختلفين أخياف و الخيف سواد إحدى العينين و زرق الأخرى و يقولون فيهم أيضا أولاد علات كالإخوة لأمهات شتى و العلة الضرة.و يقولون فيهم خبز كتاب لأنه يكون مختلفا قال شاعر يهجو الحجاج بن يوسف:

أ ينسى كليب زمان الهزال

و تعليمه سورة الكوثر

رغيف له فلكة ما ترى

و آخر كالقمر الأزهر

و مثله:

أ ما رأيت بني سلم وجوههم

كأنها خبز كتاب و بقال

و يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار قال الشاعر:

سواء كأسنان الحمار فلا ترى

لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا

و قال آخر:

شبابهم و شيبهم سواء

فهم في اللؤم أسنان الحمار

و أنشد المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوي في الرداءة:

و لما أن رأيت بني جوين

جلوسا ليس بينهم جليس

يئست من الذي أقبلت أبغي

لديهم إنني رجل يئوس

إذا ما قلت أيهم لأي

تشابهت المناكب و الرءوس

قال فقوله ليس بينهم جليس هجاء قبيح يقول لا ينتجع الناس معروفهم

١٩٨

فليس بينهم غيرهم و يقولون في المتساويين في الرداءة أيضا هما كحماري العبادي قيل له أي حماريك شر قال هذا ثم هذا و يقال في التساوي في الشر و الخير هم كأسنان المشط و يقال وقعا كركبتي البعير و كرجلي النعامة.و قال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه:

و إني و إياه كرجلي نعامة

على ما بنا من ذي غنى و فقير

و قال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة و قد تنافرا إليه أنتما كركبتي البعير فلم ينفر واحدا منهما فقالا فأينا اليمنى فقال كل منكما يمنى.و سأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب أيهم أفضل فقال هم كالحلقة الواحدة.و سئل ابن دريد عن المبرد و ثعلب فأثنى عليهما فقيل فابن قتيبة قال ربوة بين جبلين أي خمل ذكره بنباهتهما.و يكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين و عن السعاية بالنصيحة عند العمال و عن الجماع بالوطء عند الفقهاء و عن السكر بطيب النفس عند الندماء و عن السؤال بالزوار عند الأجواد و عن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية.و يقال للمتكلف بمصالح الناس إنه وصي آدم على ولده و قد قال شاعر في هذا الباب:

فكأن آدم عند قرب وفاته

أوصاك و هو يجود بالحوباء

ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم

و كفيت آدم عيلة الأبناء

و يقولون فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر قال أبو تمام

١٩٩

خليفة الخضر من يربع على وطن

أو بلدة فظهور العيس أوطاني

بغداد أهلي و بالشام الهوى و أنا

بالرقتين و بالفسطاط إخواني

و ما أظن النوى ترضى بما صنعت

حتى تبلغ بي أقصى خراسان

و يقولون للشي‏ء المختار المنتخب هو ثمرة الغراب لأنه ينتفي خير الثمر.و يقولون سمن فلان في أديمه كناية عمن لا ينتفع به أي ما خرج منه يرجع إليه و أصله أن نحيا من السمن انشق في ظرف من الدقيق فقيل ذلك قال الشاعر:

ترحل فما بغداد دار إقامة

و لا عند من أضحى ببغداد طائل

محل ملوك سمنهم في أديمهم

و كلهم من حلية المجد عاطل

فلا غرو أن شلت يد المجد و العلى

و قل سماح من رجال و نائل

إذا غضغض البحر الغطامط ماءه

فليس عجيبا أن تغيض الجداول

و يقولون لمن لا يفي بالعهد فلان لا يحفظ أول المائدة لأن أولها( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .و يقولون لمن كان حسن اللباس و لا طائل عنده هو مشجب و المشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها قال ابن الحجاج:

لي سادة طائر السرور بهم

يطرده اليأس بالمقاليع

مشاجب للثياب كلهم

و هذه عادة المشاقيع

جائزتي عندهم إذا سمعوا

شعري هذا كلام مطبوع

٢٠٠