كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

كتاب شرح نهج البلاغة11%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41307 / تحميل: 7657
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

و إنهم يضحكون إن ضحكوا

مني و أبكي أنا من الجوع

و قال آخر:

إذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها

و راحوا فقد راحت عليك المشاجب

و روي أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا فلما وافى البصرة قيل له كيف وجدته قال وجدته مشجبا من حيث ما أتيته وجدته.و يكنون عن الطفيلي فيقولون هو ذباب لأنه يقع في القدور قال الشاعر:

أتيتك زائرا لقضاء حق

فحال الستر دونك و الحجاب

و لست بواقع في قدر قوم

و إن كرهوا كما يقع الذباب

و قال آخر:

و أنت أخو السلام و كيف أنتم

و لست أخا الملمات الشداد

و أطفل حين يجفى من ذباب

و ألزم حين يدعى من قراد

و يكنون عن الجرب بحب الشباب قال الوزير المهلبي:

يا صروف الدهر حسبي

أي ذنب كان ذنبي

علة خصت و عمت

في حبيب و محب

دب في كفيه يا من

حبه دب بقلبي

فهو يشكو حر حب

و شكاتي حر حب

و يكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة و عن الطويل بخيط باطل و كانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربا قال فيه الشاعر:

لحا الله قوما أمروا خيط باطل

على الناس يعطي من يشاء و يمنع

و في خيط باطل قولان أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوة

٢٠١

من البيت و تسميه العامة غزل الشمس و الثاني أنه الخيط الذي يخرج من في العنكبوت و تسميه العامة مخاط الشيطان.و تقول العرب للملقو لطيم الشيطان.و كان لقب عمرو بن سعيد الأشدق لأنه كان ملقوا.و قال بعضهم لآخر ما حدث قال قتل عبد الملك عمرا فقال قتل أبو الذبان لطيم الشيطان( وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ اَلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .و يقولون للحزين المهموم يعد الحصى و يخط في الأرض و يفت اليرمع قال المجنون:

عشية ما لي حيلة غير أنني

بلقط الحصى و الخط في الدار مولع

أخط و أمحو كل ما قد خططته

بدمعي و الغربان حولي وقع

و هذا كالنادم يقرع السن و البخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الرد قال الشاعر:

عبيد إخوانهم حتى إذا ركبوا

يوم الكريهة فالآساد في الأجم

يرضون في العسر و الإيسار سائلهم

لا يقرعون على الأسنان من ندم

و قال آخر في نكت الأرض بالعيدان:

قوم إذا نزل الغريب بدارهم

تركوه رب صواهل و قيان

لا ينكتون الأرض عند سؤالهم

لتطلب العلات بالعيدان

و يقولون للفارغ فؤاد أم موسى.

٢٠٢

و يقولون للمثري من المال منقرس و ذلك أن علة النقرس أكثر ما تعتري أهل الثروة و التنعم.حكى المبرد قال كان الحرمازي في ناحية عمرو بن مسعدة و كان يجري عليه فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام و تخلف الحرمازي ببغداد فأصابه النقرس فقال:

أقام بأرض الشام فاختل جانبي

و مطلبه بالشام غير قريب

و لا سيما من مفلس حلف نقرس

أ ما نقرس في مفلس بعجيب

و قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب:

تواضع النقرس حتى لقد

صار إلى رجل ابن زيدان

علة إنسان و لكنها

قد وجدت في غير إنسان

و يقولون للمترف رقيق النعل و أصله قول النابغة:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

يعني أنهم ملوك و الملك لا يخصف نعله و إنما يخصف نعله من يمشي و قوله طيب حجزاتهم أي هم أعفاء الفروج أي يشدون حجزاتهم على عفة و كذلك قولهم فلان مسمط النعال أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف قال المرار بن سعيد الفقعسي:

وجدت بني خفاجة في عقيل

كرام الناس مسمطة النعال

و قريب من هذا قول النجاشي:

و لا يأكل الكلب السروق نعالنا

و لا ينتقي المخ الذي في الجماجم

٢٠٣

يريد أن نعالهم سبت و السبت جلود البقر المدبوغة بالقرظ و لا تقربها الكلاب و إنما تأكل الكلاب غير المدبوغ لأنه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهما.و يقولون للسيد لا يطأ على قدم أي هو يتقدم الناس و لا يتبع أحدا فيطأ على قدمه.و يقولون قد اخضرت نعالهم أي صاروا في خصب و سعة قال الشاعر:

يتايهون إذا اخضرت نعالهم

و في الحفيظة أبرام مضاجير

و إذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا خلع الله نعليه لأن المقعد لا يحتاج إلى نعل.و يقولون أطفأ الله نوره كناية عن العمى و عن الموت أيضا لأن من يموت فقد طفئت ناره.و يقولون سقاه الله دم جوفه دعاء عليه بأن يقتل ولده و يضطر إلى أخذ ديته إبلا فيشرب ألبانها.و يقولون رماه الله بليلة لا أخت لها أي ليلة موته لأن ليلة الموت لا أخت لها.و يقولون وقعوا في سلا جمل أي في داهية لا يرى مثلها لأن الجمل لا سلا له و إنما السلا للناقة و هي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها.و يقولون صاروا في حولاء ناقة إذ صاروا في خصب.و كانوا إذا وصفوا الأرض بالخصب قالوا كأنها حولاء ناقة.

٢٠٤

و يقولون لأبناء الملوك و الرؤساء و من يجري مجراهم جفاة المحز قال الشاعر:

جفاة المحز لا يصيبون مفصلا

و لا يأكلون اللحم إلا تخذما

يقول هم ملوك و أشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل و الغنم و لا يعرفون التجليد و السلخ و لهم من يتولى ذلك عنهم و إذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك بأنفسهم فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار و قوله

و لا يأكلون اللحم إلا تخذما

أي ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا و الخذم القطع و أنشد الجاحظ في مثله:

و صلع الرءوس عظام البطون

جفاة المحز غلاظ القصر

لأن ذلك كله أمارات الملوك و قريب من ذلك قوله:

ليس براعي إبل و لا غنم

و لا بجزار على ظهر وضم

و يقولون فلان أملس يكنون عمن لا خير فيه و لا شر أي لا يثبت فيه حمد و لا ذم.و يقولون ملحه على ركبته أي هو سيئ الخلق يغضبه أدنى شي‏ء قال:

لا تلمها إنها من عصبة

ملحها موضوعة فوق الركب

و يقولون كناية عن مجوسي هو ممن يخط على النمل و النمل جمع نملة و هي قرحة بالإنسان كانت العرب تزعم أن المجوسي إذا كان من أخته و خط عليها برأت قال الشاعر:

و لا عيب فينا غير عرق لمعشر

كرام و أنا لا نخط على النمل

٢٠٥

و يقولون للصبي قد قطفت ثمرته أي ختن و قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:

ما زال عصياننا لله يرذلنا

حتى دفعنا إلى يحيى و دينار

إلا عليجين لم تقطف ثمارها

قد طالما سجدا للشمس و النار

و يقولون قدر حليمة أي لا غليان فيها.و يقولون لمن يصلي صلاة مختصرة هو راجز الصلاة.و قال أعرابي لرجل رآه يصلي صلاة خفيفة صلاتك هذه رجز.و يقولون فلان عفيف الشفة أي قليل السؤال و فلان خفيف الشفة كثير السؤال.و تكني العرب عن المتيقظ بالقطامي و هو الصقر.و يكنون عن الشدة و المشقة بعرق القربة يقولون لقيت من فلان عرق القربة أي العرق الذي يحدث بك من حملها و ثقلها و ذلك لأن أشد العمل كان عندهم السقي و ما ناسبه من معالجة الإبل.و تكني العرب عن الحشرات و هوام الأرض بجنود سعد يعنون سعد الأخبية و ذلك لأنه إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض و خرج منها ما كان مستترا في باطنها قال الشاعر:

قد جاء سعد منذرا بحره

موعدة جنوده بشره

و يكني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف ع لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها و قال عمارة يهجو محمد بن وهيب:

تشبهت بالأعراب أهل التعجرف

فدل على ما قلت قبح التكلف

٢٠٦

لسان عراقي إذا ما صرفته

إلى لغة الأعراب لم يتصرف

و لم تنس ما قد كان بالأمس حاكه

أبوك و عود الجف لم يتقصف

لئن كنت للأشعار و النحو حافظا

لقد كان من حفاظ سورة يوسف

و يكنون عن اللقيط بتربية القاضي و عن الرقيب بثاني الحبيب لأنه يرى معه أبدا قال ابن الرومي:

موقف للرقيب لا أنساه

لست أختاره و لا آباه

مرحبا بالرقيب من غير وعد

جاء يجلو علي من أهواه

لا أحب الرقيب إلا لأني

لا أرى من أحب حتى أراه

و يكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب إشارة إلى قول الشاعر:

قد وجدنا غفلة من رقيب

فسرقنا نظرة من حبيب

و رأينا ثم وجها مليحا

فوجدنا حجة للذنوب

و يكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة قال ابن الرومي:

مهلا أبا الصقر فكم طائر

خر صريعا بعد تحليق

لا قدست نعمى تسربلتها

كم حجة فيها لزنديق

و قال ابن بسام في أبي الصقر أيضا:

يا حجة الله في الأرزاق و القسم

و عبرة لأولى الألباب و الفهم

تراك أصبحت في نعماء سابغة

إلا و ربك غضبان على النعم

فهذا ضد ذلك المقصد لأن ذاك جعله حجة على الزندقة و هذا جعله حجة على قدرة البارئ سبحانه على عجائب الأمور و غرائبها و أن النعم لا قدر لها عنده سبحانه حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته و قال ابن الرومي

٢٠٧

و قينة أبرد من ثلجه

تبيت منها النفس في ضجه

كأنها من نتنها صخة

لكنها في اللون أترجه

تفاوتت خلقتها فاغتدت

لكل من عطل محتجه

و قد يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان:

يا ابن سعدان أجلح الرزق في أمرك

و استحسن القبيح بمره

نلت ما لم تكن تمنى إذا ما

أسرفت غاية الأماني عشره

ليس فيما أظن إلا لكيلا

ينكر المنكرون لله قدره

و للمفجع في قريب منه:

إن كنت خنتكم المودة غادرا

أو حلت عن سنن المحب الوامق

فمسخت في قبح ابن طلحة إنه

ما دل قط على كمال الخالق

و يقولون عرض فلان على الحاجة عرضا سابريا أي خفيفا من غير استقصاء تشبيها له بالثوب السابري و الدرع السابرية و هي الخفيفة.و يحكى أن مرتدا مر على قوم يأكلون و هو راكب حمارا فقالوا انزل إلينا فقال هذا عرض سابري فقالوا انزل يا ابن الفاعلة و هذا ظرف و لباقه.و يقولون في ذلك وعد سابري أي لا يقرن به وفاء و أصل السابري اللطيف الرقق.و قال المبرد سألت الجاحظ من أشعر المولدين فقال القائل:

كأن ثيابه أطلعن

من أزراره قمرا

يزيدك وجهه حسنا

إذا ما زدته نظرا

بعين خالط التفتير

في أجفانها الحورا

٢٠٨

و وجه سابري لو

تصوب ماؤه قطرا

يعني العباس بن الأحنف.و تقول العرب في معنى قول المحدثين عرض عليه كذا عرضا سابريا عرض عليه عرض عالة أي عرض الماء على النعم العالة التي قد شربت شربا بعد شرب و هو العلل لأنها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه.و من الكنايات الحسنة قول أعرابية قالت لقيس بن سعد بن عبادة أشكو إليك قلة الجرذان في بيتي فاستحسن منها ذلك و قال لأكثرنها املئوا لها بيتها خبزا و تمرا و سمنا و أقطا و دقيقا.و شبيه بذلك ما روي أن بعض الرؤساء سايره صاحب له على برذون مهزول فقال له ما أشد هزال دابتك فقال يدها مع أيدينا ففطن لذلك و وصله.و قريب منه ما حكي أن المنصور قال لإنسان ما مالك قال ما أصون به وجهي و لا أعود به على صديقي فقال لقد تلطفت في المسألة و أمر له بصلة.و جاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب و عنده أصحابه فقال له ما أراد القائل بقوله:

الحمد لله الوهوب المنان

صار الثريد في رءوس القضبان

فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال أجيبوه فلم يكن عندهم جواب و قال له نفطويه الجواب منك يا سيدي أحسن فقال على أنكم لا تعلمونه قالوا لا نعلمه فقال الأعرابي قد سمعت ما قال القوم فقال و لا أنت أعزك الله تعلمه فقال ثعلب أراد أن السنبل قد أفرك قال صدقت فأين حق الفائدة فأشار إليهم ثعلب

٢٠٩

فبروه فقام قائلا بوركت من ثعلب ما أعظم بركتك.و يكنون عن الشيب بغبار العسكر و برغوة الشباب قال الشاعر:

قالت أرى شيبا برأسك قلت لا

هذا غبار من غبار العسكر

و قالت آخر و سماه غبار وقائع الدهر:

غضبت ظلوم و أزمعت هجري

وصبت ضمائرها إلى الغدر

قالت أرى شيبا فقلت لها

هذا غبار وقائع الدهر

و يقولون للسحاب فحل الأرض.و قالوا القلم أحد اللسانين و رداءة الخط أحد الزمانتين.قال و قال الجاحظ رأيت رجلا أعمى يقول في الشوارع و هو يسأل ارحموا ذا الزمانتين قلت و ما هما قال أنا أعمى و صوتي قبيح و قد أشار شاعر إلى هذا فقال:

اثنان إذا عدا

حقيق بهما الموت

فقير ما له زهد

و أعمى ما له صوت

و قال رسول الله ص إياكم و خضراء الدمن فلما سئل عنها قال المرأة الحسناء في المنبت السوء و قال ع في صلح قوم من العرب إن بيننا و بينهم عيبة مكفوفة أي لا نكشف ما بيننا و بينهم من ضغن و حقد و دم و قال ع الأنصار كرشي و عيبتي أي موضع سري و كرشي جماعتي.

٢١٠

و يقال جاء فلان ربذ العنان أي منهزما.و جاء ينفض مذرويه أي يتوعد من غير حقيقة.و جاء ينظر عن شماله أي منهزما.و تقول فلان عندي بالشمال أي منزلته خسيسة و فلان عندي باليمين أي بالمنزلة العليا قال أبو نواس:

أقول لناقتي إذ بلغتني

لقد أصبحت عندي باليمين

فلم أجعلك للغربان نهبا

و لم أقل اشرقي بدم الوتين

حرمت على الأزمة و الولايا

و أعلاق الرحالة و الوضين

و قال ابن ميادة:

أبيني أ في يمنى يديك جعلتني

فأفرح أم صيرتني في شمالك

و تقول العرب التقى الثريان في الأمرين يأتلفان و يتفقان أو الرجلين قال أبو عبيدة و الثرى التراب الندي في بطن الوادي فإذا جاء المطر و سح في بطن الوادي حتى يلتقي نداه و الندى الذي في بطن الوادي يقال التقى الثريان.و يقولون هم في خير لا يطير غرابه يريدون أنهم في خير كثير و خصب عظيم فيقع الغراب فلا ينفر لكثرة الخصب.و كذلك أمر لا ينادى وليده أي أمر عظيم ينادى فيه الكبار دون الصغار.و قيل المراد أن المرأة تشتغل عن وليدها فلا تناديه لعظم الخطب و من هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمة

٢١١

إذا خرس الفحل وسط الحجور

و صاح الكلاب و عق الولد

يريد أن الفحل إذا عاين الجيش و البارقة لم يلتفت لفت الحجور و لم يصهل و تنبح الكلاب أربابها لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد و تذهل المرأة عن ولدها رعبا فجعل ذلك عقوقا.و يقولون أصبح فلان على قرن أعفر و هو الظبي إذا أرادوا أصبح على خطر و ذلك لأن قرن الظبي ليس يصلح مكانا فمن كان عليه فهو على خطر قال إمرؤ القيس:

و لا مثل يوم بالعظالى قطعته

كأني و أصحابي على قرن أعفرا

و قال أبو العلاء المعري:

كأنني فوق روق الظبي من حذر

و أنشد ابن دريد في هذا المعنى:

و ما خير عيش لا يزال كأنه

محلة يعسوب برأس سنان

يعني من القلق و أنه غير مطمئن.و يقولون به داء الظبي أي لا داء به لأن الظبي صحيح لا يزال و المرض قل أن يعتريه و يقولون للمتلون المختلف الأحوال ظل الذئب لأنه لا يزل مرة هكذا و مرة هكذا و يقولون به داء الذئب أي الجوع.

٢١٢

و عهد فلان عهد الغراب يعنون أنه غادر قالوا لأن كل طائر يألف أنثاه إلا الغراب فإنه إذا باضت الأنثى تركها و صار إلى غيرها.و يقولون ذهب سمع الأرض و بصرها أي حيث لا يدرى أين هو.و تقولون ألقى عصاه إذا أقام و استقر قال الشاعر:

فألقت عصاها و استقر بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

و وقع القضيب من يد الحجاج و هو يخطب فتطير بذلك حتى بان في وجهه فقام إليه رجل فقال إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه و لكنه قول القائل و أنشده البيت فسري عنه.و يقال للمختلفين طارت عصاهم شققا.و يقال فلان منقطع القبال أي لا رأي له.و فلان عريض البطان أي كثير الثروة.و فلان رخي اللب أي في سعة.و فلان واقع الطائر أي ساكن.و فلان شديد الكاهل أي منيع الجانب.و فلان ينظر في أعقاب نجم مغرب أي هو نادم آيس قال الشاعر:

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر

مع الصبح في أعقاب نجم مغرب

و سقط في يده أي أيقن بالهلكة.و قد رددت يده إلى فيه أي منعته من الكلام.و بنو فلان يد على بني فلان أي مجتمعون.

٢١٣

و أعطاه كذا عن ظهر يد أي ابتداء لا عن مكافأة.و يقولون جاء فلان ناشرا أذنيه أي جاء طامعا.و يقال هذه فرس غير محلفة أي لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنها كريمة قال:

كميت غير محلفة و لكن

كلون الصرف عل به الأديم

و تقول حلب فلان الدهر أشطره أي مرت عليه صروبه خيره و شره.و قرع فلان لأمر ظنبوبه أي جد فيه و اجتهد.و تقول أبدى الشر نواجذه أي ظهر.و قد كشفت الحرب عن ساقها و كشرت عن نابها.و تقول استنوق الجمل يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره يخلطه به.و تقول لمن يهون بعد عز استأتن العير.و تقول للضعيف يقوى استنسر البغاث.و يقولون شراب بأنقع أي معاود للأمور و قال الحجاج يا أهل العراق إنكم شرابون بأنقع أي معتادون الخير و الشر و الأنقع جمع نقع و هو ما استنقع من الغدران و أصله في الطائر الحذر يرد المناقع في الفلوات حيث لا يبلغه قانص و لا ينصب له شرك

٢١٤

حديث عن إمرئ القيس

و نختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال أبو الفرج أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني ابن عمي قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن الهيثم بن عدي قال و حدثني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم فسرنا عنده فقال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة و ابدأ أنت يا أبا عمرو فقلت أصلح الله الأمير أ حديث حق أم حديث باطل قال بل حديث حق فقلت إن إمرأ القيس كان آلى ألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية و أربعة و اثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية و أربعة و اثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة و أما أربعة فأخلاف الناقة و أما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها و شرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر وصائف و ثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم بعث عبدا إلى المرأة و أهدى إليها معه نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلة من عصب فنزل العبد على بعض المياه و نشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتح النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على المرأة و أهلها خلوف فسألها عن أبيها و أمها و أخيها و دفع إليها

٢١٥

هديتها فقالت أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا و أن أمي ذهبت تشق النفس نفسين و أن أخي ذهب يراعي الشمس و أن سماءكم انشقت و أن وعاءيكم نضبا.فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه و أما قولها إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء و أما قولها إن أخي ذهب يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به و أما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق و أما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك و نشرت الحلة و لبستها و تجملت بها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل و خرج نحوها و معه العبد يسقي الإبل فعجز فأعانه إمرؤ القيس فرمى به العبد في البئر و خرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل فأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ففعلوا فأكل ما أطعموه فقالت اسقوه لبنا حازرا و هو الحامض فسقوه فشرب فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه أني أريد أن أسألك فقال لها سلي عما بدا لك فقالت مم تختلج شفتاك قال من تقبيلي إياك فقالت مم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك

٢١٦

قال لتوركي إياك فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا.قال و مر قوم فاستخرجوا إمرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه و ساق مائة من الإبل و أقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال و أين الكبد و السنام و الملحاء و أبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأتي به فأبى أن يشربه و قال فأين الضريب و الرثيئة فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فأبى أن ينام و قال افرشوا لي عند التلعة الحمراء و اضربوا لي عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك فقال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به فأهديت إليه الجارية.فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو و لن يأتينا أحد منكم بأعجب منه فانصرفنا و أمر لي بجائزة

٢١٧

٤٧٦

وَ قَالَ ع فِی کَلَامٍ لَهُ وَ وَلِیَهُم وَالٍ فَأَقَامَ وَ استَقَامَ حَتّی ضَرَبَ الدّینُ بِجِرَانِهِ.

الجران مقدم العنق و هذاالوالی هوعمر بن الخطاب و هذاالکلام من خطبة خطبها فی أیام خلافته طویلة یذکر فیهاقربه من النبی ‑ص واختصاصه له وإفضاءه بأسراره إلیه حتی

قال فیها فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلا منهم فقارب وسدد حسب استطاعته علی ضعف وحد کانا فیه ولیهم بعده وال فأقام واستقام حتی ضرب الدین بجرانه علی عسف وعجرفیة کانا فیه ثم اختلفوا ثالثا لم یکن یملک من أمر نفسه شیئا غلب علیه أهله فقادوه إلی أهوائهم کماتقود الولیدة البعیر المخطوم فلم یزل الأمر بینه و بین الناس یبعد تارة ویقرب أخری حتی نزوا علیه فقتلوه ثم جاءوا بی مدب الدبا یریدون بیعتی.

.وتمام الخطبة معروف فلیطلب من الکتب الموضوعة لهذا الفن.

٢١٨

٤٧٧

وَ قَالَ ع : يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ اَلْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ( وَ لا تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) يَنْهَدُ تَنْهَدُ فِيهِ اَلْأَشْرَارُ وَ يُسْتَذَلُّ تُسْتَذَلُّ اَلْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ اَلْمُضْطَرُّونَ وَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ ص عَنْ بَيْعِ اَلْمُضْطَرِّينَ زمان عضوض أي كلب على الناس كأنه يعضهم و فعول للمبالغة كالنفور العقوق و يجوز أن يكون من قولهم بئر عضوض أي بعيدة القعر ضيقة و ما كانت البئر عضوضا فأعضت كقولهم ما كانت جرورا فأجرت و هي كالعضوض.و عض فلان على ما في يده أي بخل و أمسك.و ينهد فيه الأشرار ينهضون إلى الولايات و الرئاسات و ترتفع أقدارهم في الدنيا و يستذل فيه أهل الخير و الدين و يكون فيه بيع على وجه الاضطرار و الإلجاء كمن بيعت ضيعته و هو ذليل ضعيف من رب ضيعة مجاورة لها ذي ثروة و عز و جاه فيلجئه بمنعه الماء و استذلاله الأكرة و الوكيل إلى أن يبيعها عليه و ذلك منهي عنه لأنه حرام محض

٢١٩

٤٧٨

وَ قَالَ ع : يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَ بَاهِتٌ مُفْتَرٍ قال الرضيرحمه‌الله تعالى : و هذا مثل قوله ع يَهْلِكُ فِيَّ اِثْنَانِ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ قد تقدم شرح مثل هذا الكلام و خلاصة هذا القول أن الهالك فيه المفرط و المفرط أما المفرط فالغلاة و من قال بتكفير أعيان الصحابة و نفاقهم أو فسقهم و أما المفرط فمن استنقص به ع أو أبغضه أو حاربه أو أضمر له غلا و لهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة و الخلاص و الفوز في هذه المسألة لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة قالوا هو أفضل الخلق في الآخرة و أعلاهم منزلة في الجنة و أفضل الخلق في الدنيا و أكثرهم خصائص و مزايا و مناقب و كل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو لله سبحانه و خالد في النار مع الكفار و المنافقين إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته و مات على توليه و حبه.فأما الأفاضل من المهاجرين و الأنصار الذين ولوا الإمامة قبله فلو أنه أنكر إمامتهم

٢٢٠

و غضب عليهم و سخط فعلهم فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول الله ص لأنه قد ثبت أن رسول الله ص قال له حربك حربي و سلمك سلمي و أنه قال اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و قال له لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق و لكنا رأينا رضي إمامتهم و بايعهم و صلى خلفهم و أنكحهم و أكل من فيئهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله و لا نتجاوز ما اشتهر عنه أ لا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه و لما لعنه لعناه و لما حكم بضلال أهل الشام و من كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص و عبد الله ابنه و غيرهما حكمنا أيضا بضلالهم.و الحاصل أنا لم نجعل بينه و بين النبي ص إلا رتبة النبوة و أعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه و بينه و لم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم و عاملناهم بما عاملهم ع به

فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة

و القول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة و التابعين فمن الصحابة عمار و المقداد و أبو ذر و سلمان و جابر بن عبد الله و أبي بن كعب و حذيفة و بريدة و أبو أيوب و سهل بن حنيف و عثمان بن حنيف و أبو الهيثم بن التيهان و خزيمة بن ثابت و أبو الطفيل عامر بن واثلة و العباس بن عبد المطلب و بنوه و بنو هاشم كافة و بنو المطلب كافة.

٢٢١

و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثم رجع و كان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص و منهم عمر بن عبد العزيز.و أنا أذكر هاهنا الخبر المروي المشهور عن عمر و هو من رواية ابن الكلبي قال بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه دخل حاجبه و معه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم و القامة و رجلان متعلقان بها و معهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور و عجزت عنه الأوساع و هربنا بأنفسنا عنه و وكلناه إلى عالمه لقول الله عزوجل( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) و هذه المرأة و الرجلان أحدهما زوجها و الآخر أبوها و إن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب ع خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص و أنه يزعم أن ابنته طلقت منه و أنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا و هو يعلم أنها حرام عليه كأمه و إن الزوج يقول له كذبت و أثمت لقد بر قسمي و صدقت مقالتي و إنها امرأتي على رغم أنفك و غيظ قلبك فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال نعم قد كان ذلك و قد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص عرفه من عرفه و أنكره من أنكره فليغضب من

٢٢٢

غضب و ليرض من رضي و تسامع الناس بذلك فاجتمعوا له و إن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى و قد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم و تسرعهم إلى ما فيه الفتنة فاحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله و إنهما تعلقا بها و أقسم أبوها ألا يدعها معه و أقسم زوجها ألا يفارقها و لو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته و الامتناع منه فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين أحسن الله توفيقك و أرشدك.و كتب في أسفل الكتاب:

إذا ما المشكلات وردن يوما

فحارت في تأملها العيون

و ضاق القوم ذرعا عن نباها

فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا

و أحكمك التجارب و الشئون

و خلفك الإله على الرعايا

فحظك فيهم الحظ الثمين

قال فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم و بني أمية و أفخاذ قريش ثم قال لأبي المرأة ما تقول أيها الشيخ قال يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي و جهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره و رجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها فقال له عمر يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف قال الشيخ سبحان الله الذي حلف عليه لأبين حنثا و أوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني و علمي لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة و إلا فامرأته طالق ثلاثا فقال للزوج ما تقول أ هكذا حلفت قال نعم فقيل إنه لما قال نعم كاد المجلس يرتج بأهله و بنو أمية ينظرون إليه شزرا إلا أنهم لم ينطقوا بشي‏ء كل ينظر إلى وجه عمر.

٢٢٣

فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقوله ثم رفع رأسه و قال:

إذا ولي الحكومة بين قوم

أصاب الحق و التمس السدادا

و ما خير الإمام إذا تعدى

خلاف الحق و اجتنب الرشادا

ثم قال للقوم ما تقولون في يمين هذا الرجل فسكتوا فقال سبحان الله قولوا فقال رجل من بني أمية هذا حكم في فرج و لسنا نجترئ على القول فيه و أنت عالم بالقول مؤتمن لهم و عليهم قل ما عندك فإن القول ما لم يكن يحق باطلا و يبطل حقا جائز علي في مجلسي.قال لا أقول شيئا فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي فاغتنمها فقال يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما أو حكمي جائزا قلت و إن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي و أبقى للمودة قال قل و قولك حكم و حكمك ماض.فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا ما أنصفتنا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا و نحن من لحمتك و أولى رحمك فقال عمر اسكتوا أ عجزا و لؤما عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له قالوا لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي و لا حكمتنا كما حكمته فقال عمر إن كان أصاب و أخطأتم و حزم و عجزتم و أبصر و عميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم أ تدرون ما مثلكم قالوا لا ندري قال لكن العقيلي يدري ثم قال ما تقول يا رجل قال نعم يا أمير المؤمنين كما قال الأول:

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم

تناوله من لا يداخله عجز

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم

نداما و هل يغني من القدر الحذر

فقال عمر أحسنت و أصبت فقل ما سألتك عنه قال يا أمير المؤمنين

٢٢٤

بر قسمه و لم تطلق امرأته قال و أنى علمت ذاك قال نشدتك الله يا أمير المؤمنين أ لم تعلم أن رسول الله ص قال لفاطمة ع و هو عندها في بيتها عائد لها يا بنية ما علتك قالت الوعك يا أبتاه و كان علي غائبا في بعض حوائج النبي ص فقال لها أ تشتهين شيئا قالت نعم أشتهي عنبا و أنا أعلم أنه عزيز و ليس وقت عنب فقال ص إن الله قادر على أن يجيئنا به ثم قال اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة فطرق علي الباب و دخل و معه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه فقال له النبي ص ما هذا يا علي قال عنب التمسته لفاطمة فقال الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ثم قال كلي على اسم الله يا بنية فأكلت و ما خرج رسول الله ص حتى استقلت و برأت فقال عمر صدقت و بررت أشهد لقد سمعته و وعيته يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه ثم قال يا بني عبد مناف و الله ما نجهل ما يعلم غيرنا و لا بنا عمى في ديننا و لكنا كما قال الأول:

تصيدت الدنيا رجالا بفخها

فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا

و أعماهم حب الغنى و أصمهم

فلم يدركوا إلا الخسارة و الوزرا

قيل فكأنما ألقم بني أمية حجرا و مضى الرجل بامرأته.و كتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد فهمت كتابك و ورد الرجلان و المرأة و قد صدق الله يمين الزوج و أبر قسمه و أثبته على نكاحه فاستيقن ذلك و اعمل عليه و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

٢٢٥

فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني و زيد بن صوحان و صعصعة أخيه و جندب الخير و عبيدة السلماني و غيرهم ممن لا يحصى كثرة و لم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله و لم تكن مقالة الإمامية و من نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة و جميع ما ورد من الآثار و الأخبار في فضل الشيعة و أنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم و لذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم و تصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة و أشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط و التفريط إن شاء الله

٢٢٦

479

وَ سُئِلَ عَنِ اَلتَّوْحِيدِ وَ اَلْعَدْلِ فَقَالَ اَلتَّوْحِيدُ أَلاَّ تَتَوَهَّمَهُ وَ اَلْعَدْلُ أَلاَّ تَتَّهِمَهُ هذان الركنان هما ركنا علم الكلام و هما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري و أصحابه و لتنزيههم البارئ سبحانه عن فعل القبيح.و معنى قوله ألا تتوهمه أي ألا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم أو نورا من الأنوار أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم أو من جنس الأعراض التي تحل الحال أو تحل المحل و ليس بعرض كما قاله النصارى و غلاة الشيعة أو تحله المعاني و الأعراض فمتى توهم على شي‏ء من هذا فقد خولف التوحيد و ذلك لأن كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل الحال أو مختص بجهة لا بد أن يكون منقسما في ذاته لا سيما على قول من نفى الجزاء مطلقا و كل منقسم فليس بواحد و قد ثبت أنه واحد و أضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة و نفي ثان في الإلهية و نفي الرؤية و نفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذا أو آلما أو عالما بعلم محدث أو قادرا بقدرة محدثة أو حيا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا

٢٢٧

على كل الأجناس و غير ذلك من مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول و هو التوحيد.و أما الركن الثاني فهو ألا تتهمه أي لا تتهمه في أنه أجبرك على القبيح و يعاقبك عليه حاشاه من ذلك و لا تتهمه في أنه مكن الكذابين من المعجزات فأضل بهم الناس و لا تتهمه في أنه كلفك ما لا تطيقه و غير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم كالعوض عن الألم فإنه لا بد منه و الثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه و صدق وعده و وعيده فإنه لا بد منه.و جملة الأمر أن مذهب أصحابنا في العدل و التوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين و هذا المواضع من الموضع التي قد صرح فيها بمذهب أصحابنا بعينه و في فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى

٢٢٨

480

وَ قَالَ ع فِي دُعَاءٍ اِسْتَسْقَى بِهِ اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا ذُلُلَ اَلسَّحَائِبِ اَلسَّحَابِ دُونَ صِعَابِهَا قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذا من الكلام العجيب الفصاحة و ذلك أنه ع شبه السحب ذوات الرعود و البوارق و الرياح و الصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها و تتوقص بركبانها و شبه السحائب الخالية من تلك الزوابع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة و تقتعد مسمحة قد كفانا الرضيرحمه‌الله بشرحه هذه الكلمة مئونة الخوض في تفسيرها

٢٢٩

481

وَ قِيلَ لَهُ ع لَوْ غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع اَلْخِضَابُ زِينَةٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ اَللَّهِ ص

مختارات مما قيل من الشعر في الشيب و الخضاب

قد تقدم لنا في الخضاب قول كاف و أنا أستملح قول الصابي فيه:

خضاب تقاسمناه بيني و بينها

و لكن شأني فيه خالف شأنها

فيا قبحه إذ حل مني بمفرقي

و يا حسنه إذ حل منها بنانها

و سحقا له عن لمتي حين شانها

و أهلا به في كفها حيث زانها

و قال أبو تمام:

لعب الشيب بالمفارق بل جد

فأبكى تماضرا و لعوبا

خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد

دما أن رأت شواتي خضيبا

كل داء يرجى الدواء له

إلا الفظيعين ميتة و مشيبا

يا نسيب الثغام ذنبك أبقى

حسناتي عند الحسان ذنوبا

٢٣٠

و لئن عبن ما رأين لقد أنكرن

مستنكرا و عبن معيبا

لو رأى الله أن في الشيب فضلا

جاورته الأبرار في الخلد شيبا

و قال:

فإن يكن المشيب طغى علينا

و أودى بالبشاشة و الشباب

فإني لست أدفعه بشي‏ء

يكون عليه أثقل من خضاب

أردت بأن ذاك و ذا عذاب

فسلطت العذاب على العذاب

ابن الرومي:

لم أخضب الشيب للغواني

أبغي به عندهم ودادا

لكن خضابي على شباب

لبست من بعده حدادا

و من مختار ما جاء من الشعر في الشيب و إن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبي تمام:

نسج المشيب له لفاعا مغدفا

يققا فقنع مذرويه و نصفا

نظر الزمان إليه قطع دونه

نظر الشقيق تحسرا و تلهفا

ما اسود حتى ابيض كالكرم الذي

لم يبد حتى جي‏ء كيما يقطفا

لما تفوفت الخطوب سوادها

ببياضها عبثت به فتفوفا

ما كان يخطر قبل ذا في فكره

للبدر قبل تمامه أن يكسفا

و قال أيضا:

غدا الهم مختطا بفودي خطة

طريق الردى منها إلى الموت مهيع

٢٣١

هو الزور يجفى و المعاشر يجتوى

و ذو الإلف يقلى و الجديد يرقع

له منظر في العين أبيض ناصع

و لكنه في القلب أسود أسفع

و نحن نرجيه على الكره و الرضا

و أنف الفتى من وجهه و هو أجدع

و قال أيضا:

شعلة في المفارق استودعتني

في صميم الأحشاء ثكلا صميما

تستثير الهموم ما اكتن منها

صعدا و هي تستثير الهموما

غرة مرة ألا إنما كنت

أغر أيام كنت بهيما

دقة في الحياة تدعى جلالا

مثل ما سمي اللديغ سليما

حلمتني زعمتم و أراني

قبل هذا التحليم كنت حليما

و قال الصابي و ذكر الخضاب:

خضبت مشيبي للتعلق بالصبا

و أوهمت من أهواه أني لم أشب

فلما ادعى مني العذار شبيبة

إذا صلعي قد صاح من فوقه كذب

فكم طرة طارت و دانت ذوائب

و كم وجنة حالت و ماء بها نضب

شواهد بالتزوير يحوين ربها

فهجرانه عند الأحبة قد وجب

البحتري:

بان الشباب فلا عين و لا أثر

إلا بقية برد منه أسمال

قد كدت أخرجه عن منتهى عددي

يأسا و أسقطه إذ فات من بالي

سوء العواقب يأس قبله أمل

و أعضل الداء نكس بعد إبلال

و المرء طاعة أيام تنقله

تنقل الظل من حال إلى حال

٢٣٢

482

وَ قَالَ ع : مَا اَلْمُجَاهِدُ اَلشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ اَلْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ

نبذ و حكايات حول العفة

قد تقدم القول في العفة و هي ضروب عفة اليد و عفة اللسان و عفة الفرج و هي العظمى و قد جاء في الحديث المرفوع من عشق فكتم و عف و صبر فمات مات شهيدا و دخل الجنة و في حكمة سليمان بن داود أن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده.نزل خارجي على بعض إخوانه منهم مستترا من الحجاج فشخص المنزول عليه لبعض حاجاته و قال لزوجته يا ظمياء أوصيك بضيفي هذا خيرا و كانت من أحسن الناس فلما عاد بعد شهر قال لها كيف كان ضيفك قالت ما أشغله بالعمى عن كل شي‏ء و كان الضيف أطبق جفنيه فلم ينظر إلى المرأة و لا إلى منزلها إلى أن عاد زوجها.

٢٣٣

و قال الشاعر:

إن أكن طامح اللحاظ فإني

و الذي يملك القلوب عفيف

خرجت امرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه و رأسها مكشوف فرآها رجل أجنبي فرجعت و حلقت شعرها و كانت من أحسن النساء شعرا فقيل لها في ذلك قالت ما كنت لأدع على رأسي شعرا رآه من ليس لي بمحرم.كان ابن سيرين يقول ما غشيت امرأة قط في يقظة و لا نوم غير أم عبد الله و إني لأرى المرأة في المنام و أعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.و قال بعضهم:

و إني لعف عن فكاهة جارتي

و إني لمشنوء إلي اغتيابها

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها

صديقا و لم تأنس إلي كلابها

و لم أك طلابا أحاديث سرها

و لا عالما من أي حوك ثيابها

دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال ما أرى فيك يا بثينة شيئا مما كان يلهج به جميل فقالت إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين قال فكيف صادفته في عفته قالت كما وصف نفسه إذ قال:

لا و الذي تسجد الجباه له

ما لي بما ضم ثوبها خبر

و لا بفيها و لا هممت به

ما كان إلا الحديث و النظر

و قال أبو سهل الساعدي دخلت على جميل في مرض موته فقال يا أبا سهل رجل يلقى الله و لم يسفك دما حراما و لم يشرب خمرا و لم يأت فاحشة أ ترجو له الجنة قلت إي و الله فمن هو قال إني لأرجو أن أكون أنا ذلك فذكرت له بثينة

٢٣٤

فقال إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا و أول يوم من أيام الآخرة لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أو مع غيرها قط.قال الشاعر:

قالت و قلت ترفقي فصلي

حبل امرئ بوصالكم صب

صادق إذا بعلي فقلت لها

الغدر شي‏ء ليس من شعبي

ثنتان لا أصبو لوصلهما

عرس الصديق و جارة الجنب

أما الصديق فلست خائنه

و الجار أوصاني به ربي

يقال إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه من النور فأبى و قال:

أما الحرام فالممات دونه

و الحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

يحمي الكريم عرضه و دينه

راود توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرة عن نفسها فاشمأزت منه و قالت:

و ذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه

و أنت لأخرى صاحب و خليل

ابن ميادة:

موانع لا يعطين حبة خردل

و هن زوان في الحديث أوانس

و يكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة

كما كرهت صوت اللجام الشوامس

آخر:

بيض أوانس ما هممن بريبة

كظباء مكة صيدهن حرام

٢٣٥

يحسبن من لين الكلام زوانيا

و يصدهن عن الخنا الإسلام

في الحديث المرفوع لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك فإنه لا يزني فرجك ما حفظت عينيك و إن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل و لن تستطيع ذلك إلا بإذن الله.كان ابن المولى الشاعر المدني موصوفا بالعفة و طيب الإزار فأنشد عبد الملك شعرا له من جملته:

و أبكي فلا ليلى بكت من صبابة

لباك و لا ليلى لذي البذل تبذل

و أخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا

و إن أذنبت كنت الذي أتنصل

فقال عبد الملك من ليلى هذه إن كانت حرة لأزوجنكها و إن كانت أمة لأشترينها لك بالغة ما بلغت فقال كلا يا أمير المؤمنين ما كنت لأصعر وجه حر أبدا في حرته و لا في أمته و ما ليلى التي أنست بها إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأن الشاعر لا بد له من النسيب.ابن الملوح المجنون:

كأن على أنيابها الخمر مجه

بماء الندى من آخر الليل غابق

و ما ذقته إلا بعيني تفرسا

كما شيم من أعلى السحابة بارق

هذا مثل بيت الحماسة:

بأعذب من فيها و ما ذقت طعمه

و لكنني فيما ترى العين فارس

شاعر:

ما إن دعاني الهوى لفاحشة

إلا نهاني الحياء و الكرم

٢٣٦

و لا إلى محرم مددت يدي

و لا مشت بي لريبة قدم

العباس بن الأحنف:

أ تأذنون لصب في زيارتكم

فعندكم شهوات السمع و البصر

لا يضمر السوء إن طال الجلوس به

عف الضمير و لكن فاسق النظر

قال بعضهم رأيت امرأة مستقبلة البيت في الموسم و هي في غاية الضر و النحافة رافعة يديها تدعو فقلت لها هل لك من حاجة قالت حاجتي إن تنادي في الموقف بقولي:

تزود كل الناس زادا يقيمهم

و ما لي زاد و السلام على نفسي

ففعلت و إذا أنا بفتى منهوك فقال أنا الزاد فمضيت به إليها فما زادوا على النظر و البكاء ثم قالت له انصرف مصاحبا فقلت ما علمت أن التقاء كما يقتصر فيه على هذا فقالت أمسك يا فتى أ ما علمت أن ركوب العار و دخول النار شديد.قال بعضهم:

كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني

منه الحياء و خوف الله و الحذر

و كم خلوت بمن أهوى فيقنعني

منه الفكاهة و التحديث و النظر

أهوى الملاح و أهوى أن أجالسهم

و ليس لي في حرام منهم وطر

كذلك الحب لا إتيان معصية

لا خير في لذة من بعدها سقر

قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه اعشقوا تظرفوا و عفوا تشرفوا.وصف أعرابي امرأة طرقها فقال ما زال القمر يرينيها فلما غاب أرتنيه فقيل فما كان بينكما قال ما أقرب ما أحل الله مما حرم إشارة في غير بأس و دنو من غير مساس و لا وجع أشد من الذنوب.

٢٣٧

كثير عزة:

و إني لأرضى منك يا عز بالذي

لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلا و بألا أستطيع و بالمنى

و بالوعد حتى يسأم الوعد آمله

و بالنظرة العجلي و بالحول ينقضي

أواخره لا نلتقي و أوائله

و قال بعض الظرفاء كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى و يقنعون بأن يمضغ أحدهم لبانا قد مضغته محبوبته أو يستاك بسواكها و يرون ذاك عظيما و اليوم يطلب أحدهم الخلوة و إرخاء الستور كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد و أبا هريرة.و قال أحمد بن أبي عثمان الكاتب:

و إني ليرضيني المرور ببابها

و أقنع منها بالوعيد و بالزجر

قال يوسف بن الماجشون أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:

إذا قلت هاتي نوليني تبسمت

و قالت معاذ الله من فعل ما حرم

فما نولت حتى تضرعت حولها

و عرفتها ما رخص الله في اللمم

فضحك و قال إن كان وضاح لفقيها في نفسه.قال آخر:

فقالت بحق الله إلا أتيتنا

إذا كان لون الليل لون الطيالس

فجئت و ما في القوم يقظان غيرها

و قد نام عنها كل وال و حارس

فبتنا مبيتا طيبا نستلذه

جميعا و لم أمدد لها كف لامس

مرت امرأة حسناء بقوم من بني نمير مجتمعين في ناد لهم فرمقوها بأبصارهم.و قال قائل منهم ما أكملها لو لا أنها رسحاء فالتفتت إليهم و قالت و الله

٢٣٨

يا بني نمير ما أطعتم الله و لا الشاعر قال الله تعالى( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) .و قال الشاعر:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا

فأخجلتهم.و قال أبو صخر الهذلي من شعر الحماسة:

لليلة منها تعود لنا

من غير ما رفث و لا إثم

أشهى إلى نفسي و لو برحت

مما ملكت و من بني سهم

آخر:

و ما نلت منها محرما غير أنني

أقبل بساما من الثغر أفلجا

و الثم فاها آخذا بقرونها

و أترك حاجات النفوس تحرجا

و أعف من هذا الشعر قول عبد بني الحسحاس على فسقه:

لعمر أبيها ما صبوت و لا صبت

إلي و إني من صبا لحليم

سوى قبلة أستغفر الله ذنبها

سأطعم مسكينا لها و أصوم

و قال آخر:

و مجدولة جدل العناق كأنما

سنا البرق في داجي الظلام ابتسامها

ضربت لها الميعاد ليست بكنة

و لا جارة يخشى على ذمامها

فلما التقينا قالت الحكم فاحتكم

سوى خلة هيهات منك مرامها

فقلت معاذ الله أن أركب التي

تبيد و يبقى في المعاد أثامها

٢٣٩

قوله ليست بكنة و لا جارة يخشى علي ذمامها مأخوذ من قول قيس بن الخطيم:

و مثلك قد أحببت ليست بكنة

و لا جارة و لا حليلة صاحب

و هذا الشاعر قد زاد عليه بقوله و لا حليلة صاحب.و أنشد ابن مندويه لبعضهم:

أنا زاني اللسان و الطرف إلا

أن قلبي يعاف ذاك و يأبى

لا يراني الإله أشرب إلا

كل ما حل شربه لي و طابا

آخر:

نلهو بهن كذا من غير فاحشة

لهو الصيام بتفاح البساتين

بشار بن برد:

قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم

ما في التزام و لا في قبلة حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

و فاز بالطيبات الفاتك اللهج

البيت الآخر مثل قول القائل:

من راقب الناس مات هما

و فاز باللذة الجسور

أبو الطيب المتنبي:

و ترى الفتوة و المروءة و الأبوة

في كل مليحة ضراتها

هن الثلاث المانعاتي لذتي

في خلوتي لا الخوف من تبعاتها

إني على شغفي بما في خمرها

لأعف عما في سراويلاتها

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351