كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 38851
تحميل: 6358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38851 / تحميل: 6358
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 20

مؤلف:
العربية

و غضب عليهم و سخط فعلهم فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول الله ص لأنه قد ثبت أن رسول الله ص قال له حربك حربي و سلمك سلمي و أنه قال اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و قال له لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق و لكنا رأينا رضي إمامتهم و بايعهم و صلى خلفهم و أنكحهم و أكل من فيئهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله و لا نتجاوز ما اشتهر عنه أ لا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه و لما لعنه لعناه و لما حكم بضلال أهل الشام و من كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص و عبد الله ابنه و غيرهما حكمنا أيضا بضلالهم.و الحاصل أنا لم نجعل بينه و بين النبي ص إلا رتبة النبوة و أعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه و بينه و لم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم و عاملناهم بما عاملهم ع به

فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة

و القول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة و التابعين فمن الصحابة عمار و المقداد و أبو ذر و سلمان و جابر بن عبد الله و أبي بن كعب و حذيفة و بريدة و أبو أيوب و سهل بن حنيف و عثمان بن حنيف و أبو الهيثم بن التيهان و خزيمة بن ثابت و أبو الطفيل عامر بن واثلة و العباس بن عبد المطلب و بنوه و بنو هاشم كافة و بنو المطلب كافة.

٢٢١

و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثم رجع و كان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص و منهم عمر بن عبد العزيز.و أنا أذكر هاهنا الخبر المروي المشهور عن عمر و هو من رواية ابن الكلبي قال بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه دخل حاجبه و معه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم و القامة و رجلان متعلقان بها و معهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور و عجزت عنه الأوساع و هربنا بأنفسنا عنه و وكلناه إلى عالمه لقول الله عزوجل( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) و هذه المرأة و الرجلان أحدهما زوجها و الآخر أبوها و إن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب ع خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص و أنه يزعم أن ابنته طلقت منه و أنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا و هو يعلم أنها حرام عليه كأمه و إن الزوج يقول له كذبت و أثمت لقد بر قسمي و صدقت مقالتي و إنها امرأتي على رغم أنفك و غيظ قلبك فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال نعم قد كان ذلك و قد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الأمة و أولاها برسول الله ص عرفه من عرفه و أنكره من أنكره فليغضب من

٢٢٢

غضب و ليرض من رضي و تسامع الناس بذلك فاجتمعوا له و إن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى و قد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم و تسرعهم إلى ما فيه الفتنة فاحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله و إنهما تعلقا بها و أقسم أبوها ألا يدعها معه و أقسم زوجها ألا يفارقها و لو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته و الامتناع منه فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين أحسن الله توفيقك و أرشدك.و كتب في أسفل الكتاب:

إذا ما المشكلات وردن يوما

فحارت في تأملها العيون

و ضاق القوم ذرعا عن نباها

فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا

و أحكمك التجارب و الشئون

و خلفك الإله على الرعايا

فحظك فيهم الحظ الثمين

قال فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم و بني أمية و أفخاذ قريش ثم قال لأبي المرأة ما تقول أيها الشيخ قال يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي و جهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره و رجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها فقال له عمر يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف قال الشيخ سبحان الله الذي حلف عليه لأبين حنثا و أوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني و علمي لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة و إلا فامرأته طالق ثلاثا فقال للزوج ما تقول أ هكذا حلفت قال نعم فقيل إنه لما قال نعم كاد المجلس يرتج بأهله و بنو أمية ينظرون إليه شزرا إلا أنهم لم ينطقوا بشي‏ء كل ينظر إلى وجه عمر.

٢٢٣

فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقوله ثم رفع رأسه و قال:

إذا ولي الحكومة بين قوم

أصاب الحق و التمس السدادا

و ما خير الإمام إذا تعدى

خلاف الحق و اجتنب الرشادا

ثم قال للقوم ما تقولون في يمين هذا الرجل فسكتوا فقال سبحان الله قولوا فقال رجل من بني أمية هذا حكم في فرج و لسنا نجترئ على القول فيه و أنت عالم بالقول مؤتمن لهم و عليهم قل ما عندك فإن القول ما لم يكن يحق باطلا و يبطل حقا جائز علي في مجلسي.قال لا أقول شيئا فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي فاغتنمها فقال يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما أو حكمي جائزا قلت و إن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي و أبقى للمودة قال قل و قولك حكم و حكمك ماض.فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا ما أنصفتنا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا و نحن من لحمتك و أولى رحمك فقال عمر اسكتوا أ عجزا و لؤما عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له قالوا لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي و لا حكمتنا كما حكمته فقال عمر إن كان أصاب و أخطأتم و حزم و عجزتم و أبصر و عميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم أ تدرون ما مثلكم قالوا لا ندري قال لكن العقيلي يدري ثم قال ما تقول يا رجل قال نعم يا أمير المؤمنين كما قال الأول:

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم

تناوله من لا يداخله عجز

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم

نداما و هل يغني من القدر الحذر

فقال عمر أحسنت و أصبت فقل ما سألتك عنه قال يا أمير المؤمنين

٢٢٤

بر قسمه و لم تطلق امرأته قال و أنى علمت ذاك قال نشدتك الله يا أمير المؤمنين أ لم تعلم أن رسول الله ص قال لفاطمة ع و هو عندها في بيتها عائد لها يا بنية ما علتك قالت الوعك يا أبتاه و كان علي غائبا في بعض حوائج النبي ص فقال لها أ تشتهين شيئا قالت نعم أشتهي عنبا و أنا أعلم أنه عزيز و ليس وقت عنب فقال ص إن الله قادر على أن يجيئنا به ثم قال اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة فطرق علي الباب و دخل و معه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه فقال له النبي ص ما هذا يا علي قال عنب التمسته لفاطمة فقال الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ثم قال كلي على اسم الله يا بنية فأكلت و ما خرج رسول الله ص حتى استقلت و برأت فقال عمر صدقت و بررت أشهد لقد سمعته و وعيته يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه ثم قال يا بني عبد مناف و الله ما نجهل ما يعلم غيرنا و لا بنا عمى في ديننا و لكنا كما قال الأول:

تصيدت الدنيا رجالا بفخها

فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا

و أعماهم حب الغنى و أصمهم

فلم يدركوا إلا الخسارة و الوزرا

قيل فكأنما ألقم بني أمية حجرا و مضى الرجل بامرأته.و كتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد فهمت كتابك و ورد الرجلان و المرأة و قد صدق الله يمين الزوج و أبر قسمه و أثبته على نكاحه فاستيقن ذلك و اعمل عليه و السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

٢٢٥

فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني و زيد بن صوحان و صعصعة أخيه و جندب الخير و عبيدة السلماني و غيرهم ممن لا يحصى كثرة و لم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله و لم تكن مقالة الإمامية و من نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة و جميع ما ورد من الآثار و الأخبار في فضل الشيعة و أنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم و لذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم و تصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة و أشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط و التفريط إن شاء الله

٢٢٦

479

وَ سُئِلَ عَنِ اَلتَّوْحِيدِ وَ اَلْعَدْلِ فَقَالَ اَلتَّوْحِيدُ أَلاَّ تَتَوَهَّمَهُ وَ اَلْعَدْلُ أَلاَّ تَتَّهِمَهُ هذان الركنان هما ركنا علم الكلام و هما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري و أصحابه و لتنزيههم البارئ سبحانه عن فعل القبيح.و معنى قوله ألا تتوهمه أي ألا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم أو نورا من الأنوار أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم أو من جنس الأعراض التي تحل الحال أو تحل المحل و ليس بعرض كما قاله النصارى و غلاة الشيعة أو تحله المعاني و الأعراض فمتى توهم على شي‏ء من هذا فقد خولف التوحيد و ذلك لأن كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل الحال أو مختص بجهة لا بد أن يكون منقسما في ذاته لا سيما على قول من نفى الجزاء مطلقا و كل منقسم فليس بواحد و قد ثبت أنه واحد و أضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة و نفي ثان في الإلهية و نفي الرؤية و نفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذا أو آلما أو عالما بعلم محدث أو قادرا بقدرة محدثة أو حيا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا

٢٢٧

على كل الأجناس و غير ذلك من مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول و هو التوحيد.و أما الركن الثاني فهو ألا تتهمه أي لا تتهمه في أنه أجبرك على القبيح و يعاقبك عليه حاشاه من ذلك و لا تتهمه في أنه مكن الكذابين من المعجزات فأضل بهم الناس و لا تتهمه في أنه كلفك ما لا تطيقه و غير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم كالعوض عن الألم فإنه لا بد منه و الثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه و صدق وعده و وعيده فإنه لا بد منه.و جملة الأمر أن مذهب أصحابنا في العدل و التوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين و هذا المواضع من الموضع التي قد صرح فيها بمذهب أصحابنا بعينه و في فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى

٢٢٨

480

وَ قَالَ ع فِي دُعَاءٍ اِسْتَسْقَى بِهِ اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا ذُلُلَ اَلسَّحَائِبِ اَلسَّحَابِ دُونَ صِعَابِهَا قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذا من الكلام العجيب الفصاحة و ذلك أنه ع شبه السحب ذوات الرعود و البوارق و الرياح و الصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها و تتوقص بركبانها و شبه السحائب الخالية من تلك الزوابع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة و تقتعد مسمحة قد كفانا الرضيرحمه‌الله بشرحه هذه الكلمة مئونة الخوض في تفسيرها

٢٢٩

481

وَ قِيلَ لَهُ ع لَوْ غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع اَلْخِضَابُ زِينَةٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ اَللَّهِ ص

مختارات مما قيل من الشعر في الشيب و الخضاب

قد تقدم لنا في الخضاب قول كاف و أنا أستملح قول الصابي فيه:

خضاب تقاسمناه بيني و بينها

و لكن شأني فيه خالف شأنها

فيا قبحه إذ حل مني بمفرقي

و يا حسنه إذ حل منها بنانها

و سحقا له عن لمتي حين شانها

و أهلا به في كفها حيث زانها

و قال أبو تمام:

لعب الشيب بالمفارق بل جد

فأبكى تماضرا و لعوبا

خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد

دما أن رأت شواتي خضيبا

كل داء يرجى الدواء له

إلا الفظيعين ميتة و مشيبا

يا نسيب الثغام ذنبك أبقى

حسناتي عند الحسان ذنوبا

٢٣٠

و لئن عبن ما رأين لقد أنكرن

مستنكرا و عبن معيبا

لو رأى الله أن في الشيب فضلا

جاورته الأبرار في الخلد شيبا

و قال:

فإن يكن المشيب طغى علينا

و أودى بالبشاشة و الشباب

فإني لست أدفعه بشي‏ء

يكون عليه أثقل من خضاب

أردت بأن ذاك و ذا عذاب

فسلطت العذاب على العذاب

ابن الرومي:

لم أخضب الشيب للغواني

أبغي به عندهم ودادا

لكن خضابي على شباب

لبست من بعده حدادا

و من مختار ما جاء من الشعر في الشيب و إن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبي تمام:

نسج المشيب له لفاعا مغدفا

يققا فقنع مذرويه و نصفا

نظر الزمان إليه قطع دونه

نظر الشقيق تحسرا و تلهفا

ما اسود حتى ابيض كالكرم الذي

لم يبد حتى جي‏ء كيما يقطفا

لما تفوفت الخطوب سوادها

ببياضها عبثت به فتفوفا

ما كان يخطر قبل ذا في فكره

للبدر قبل تمامه أن يكسفا

و قال أيضا:

غدا الهم مختطا بفودي خطة

طريق الردى منها إلى الموت مهيع

٢٣١

هو الزور يجفى و المعاشر يجتوى

و ذو الإلف يقلى و الجديد يرقع

له منظر في العين أبيض ناصع

و لكنه في القلب أسود أسفع

و نحن نرجيه على الكره و الرضا

و أنف الفتى من وجهه و هو أجدع

و قال أيضا:

شعلة في المفارق استودعتني

في صميم الأحشاء ثكلا صميما

تستثير الهموم ما اكتن منها

صعدا و هي تستثير الهموما

غرة مرة ألا إنما كنت

أغر أيام كنت بهيما

دقة في الحياة تدعى جلالا

مثل ما سمي اللديغ سليما

حلمتني زعمتم و أراني

قبل هذا التحليم كنت حليما

و قال الصابي و ذكر الخضاب:

خضبت مشيبي للتعلق بالصبا

و أوهمت من أهواه أني لم أشب

فلما ادعى مني العذار شبيبة

إذا صلعي قد صاح من فوقه كذب

فكم طرة طارت و دانت ذوائب

و كم وجنة حالت و ماء بها نضب

شواهد بالتزوير يحوين ربها

فهجرانه عند الأحبة قد وجب

البحتري:

بان الشباب فلا عين و لا أثر

إلا بقية برد منه أسمال

قد كدت أخرجه عن منتهى عددي

يأسا و أسقطه إذ فات من بالي

سوء العواقب يأس قبله أمل

و أعضل الداء نكس بعد إبلال

و المرء طاعة أيام تنقله

تنقل الظل من حال إلى حال

٢٣٢

482

وَ قَالَ ع : مَا اَلْمُجَاهِدُ اَلشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ اَلْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ

نبذ و حكايات حول العفة

قد تقدم القول في العفة و هي ضروب عفة اليد و عفة اللسان و عفة الفرج و هي العظمى و قد جاء في الحديث المرفوع من عشق فكتم و عف و صبر فمات مات شهيدا و دخل الجنة و في حكمة سليمان بن داود أن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده.نزل خارجي على بعض إخوانه منهم مستترا من الحجاج فشخص المنزول عليه لبعض حاجاته و قال لزوجته يا ظمياء أوصيك بضيفي هذا خيرا و كانت من أحسن الناس فلما عاد بعد شهر قال لها كيف كان ضيفك قالت ما أشغله بالعمى عن كل شي‏ء و كان الضيف أطبق جفنيه فلم ينظر إلى المرأة و لا إلى منزلها إلى أن عاد زوجها.

٢٣٣

و قال الشاعر:

إن أكن طامح اللحاظ فإني

و الذي يملك القلوب عفيف

خرجت امرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه و رأسها مكشوف فرآها رجل أجنبي فرجعت و حلقت شعرها و كانت من أحسن النساء شعرا فقيل لها في ذلك قالت ما كنت لأدع على رأسي شعرا رآه من ليس لي بمحرم.كان ابن سيرين يقول ما غشيت امرأة قط في يقظة و لا نوم غير أم عبد الله و إني لأرى المرأة في المنام و أعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.و قال بعضهم:

و إني لعف عن فكاهة جارتي

و إني لمشنوء إلي اغتيابها

إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها

صديقا و لم تأنس إلي كلابها

و لم أك طلابا أحاديث سرها

و لا عالما من أي حوك ثيابها

دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال ما أرى فيك يا بثينة شيئا مما كان يلهج به جميل فقالت إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين قال فكيف صادفته في عفته قالت كما وصف نفسه إذ قال:

لا و الذي تسجد الجباه له

ما لي بما ضم ثوبها خبر

و لا بفيها و لا هممت به

ما كان إلا الحديث و النظر

و قال أبو سهل الساعدي دخلت على جميل في مرض موته فقال يا أبا سهل رجل يلقى الله و لم يسفك دما حراما و لم يشرب خمرا و لم يأت فاحشة أ ترجو له الجنة قلت إي و الله فمن هو قال إني لأرجو أن أكون أنا ذلك فذكرت له بثينة

٢٣٤

فقال إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا و أول يوم من أيام الآخرة لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أو مع غيرها قط.قال الشاعر:

قالت و قلت ترفقي فصلي

حبل امرئ بوصالكم صب

صادق إذا بعلي فقلت لها

الغدر شي‏ء ليس من شعبي

ثنتان لا أصبو لوصلهما

عرس الصديق و جارة الجنب

أما الصديق فلست خائنه

و الجار أوصاني به ربي

يقال إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه من النور فأبى و قال:

أما الحرام فالممات دونه

و الحل لا حل فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

يحمي الكريم عرضه و دينه

راود توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرة عن نفسها فاشمأزت منه و قالت:

و ذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه

و أنت لأخرى صاحب و خليل

ابن ميادة:

موانع لا يعطين حبة خردل

و هن زوان في الحديث أوانس

و يكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة

كما كرهت صوت اللجام الشوامس

آخر:

بيض أوانس ما هممن بريبة

كظباء مكة صيدهن حرام

٢٣٥

يحسبن من لين الكلام زوانيا

و يصدهن عن الخنا الإسلام

في الحديث المرفوع لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك فإنه لا يزني فرجك ما حفظت عينيك و إن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل و لن تستطيع ذلك إلا بإذن الله.كان ابن المولى الشاعر المدني موصوفا بالعفة و طيب الإزار فأنشد عبد الملك شعرا له من جملته:

و أبكي فلا ليلى بكت من صبابة

لباك و لا ليلى لذي البذل تبذل

و أخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا

و إن أذنبت كنت الذي أتنصل

فقال عبد الملك من ليلى هذه إن كانت حرة لأزوجنكها و إن كانت أمة لأشترينها لك بالغة ما بلغت فقال كلا يا أمير المؤمنين ما كنت لأصعر وجه حر أبدا في حرته و لا في أمته و ما ليلى التي أنست بها إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأن الشاعر لا بد له من النسيب.ابن الملوح المجنون:

كأن على أنيابها الخمر مجه

بماء الندى من آخر الليل غابق

و ما ذقته إلا بعيني تفرسا

كما شيم من أعلى السحابة بارق

هذا مثل بيت الحماسة:

بأعذب من فيها و ما ذقت طعمه

و لكنني فيما ترى العين فارس

شاعر:

ما إن دعاني الهوى لفاحشة

إلا نهاني الحياء و الكرم

٢٣٦

و لا إلى محرم مددت يدي

و لا مشت بي لريبة قدم

العباس بن الأحنف:

أ تأذنون لصب في زيارتكم

فعندكم شهوات السمع و البصر

لا يضمر السوء إن طال الجلوس به

عف الضمير و لكن فاسق النظر

قال بعضهم رأيت امرأة مستقبلة البيت في الموسم و هي في غاية الضر و النحافة رافعة يديها تدعو فقلت لها هل لك من حاجة قالت حاجتي إن تنادي في الموقف بقولي:

تزود كل الناس زادا يقيمهم

و ما لي زاد و السلام على نفسي

ففعلت و إذا أنا بفتى منهوك فقال أنا الزاد فمضيت به إليها فما زادوا على النظر و البكاء ثم قالت له انصرف مصاحبا فقلت ما علمت أن التقاء كما يقتصر فيه على هذا فقالت أمسك يا فتى أ ما علمت أن ركوب العار و دخول النار شديد.قال بعضهم:

كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني

منه الحياء و خوف الله و الحذر

و كم خلوت بمن أهوى فيقنعني

منه الفكاهة و التحديث و النظر

أهوى الملاح و أهوى أن أجالسهم

و ليس لي في حرام منهم وطر

كذلك الحب لا إتيان معصية

لا خير في لذة من بعدها سقر

قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه اعشقوا تظرفوا و عفوا تشرفوا.وصف أعرابي امرأة طرقها فقال ما زال القمر يرينيها فلما غاب أرتنيه فقيل فما كان بينكما قال ما أقرب ما أحل الله مما حرم إشارة في غير بأس و دنو من غير مساس و لا وجع أشد من الذنوب.

٢٣٧

كثير عزة:

و إني لأرضى منك يا عز بالذي

لو أبصره الواشي لقرت بلابله

بلا و بألا أستطيع و بالمنى

و بالوعد حتى يسأم الوعد آمله

و بالنظرة العجلي و بالحول ينقضي

أواخره لا نلتقي و أوائله

و قال بعض الظرفاء كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى و يقنعون بأن يمضغ أحدهم لبانا قد مضغته محبوبته أو يستاك بسواكها و يرون ذاك عظيما و اليوم يطلب أحدهم الخلوة و إرخاء الستور كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد و أبا هريرة.و قال أحمد بن أبي عثمان الكاتب:

و إني ليرضيني المرور ببابها

و أقنع منها بالوعيد و بالزجر

قال يوسف بن الماجشون أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:

إذا قلت هاتي نوليني تبسمت

و قالت معاذ الله من فعل ما حرم

فما نولت حتى تضرعت حولها

و عرفتها ما رخص الله في اللمم

فضحك و قال إن كان وضاح لفقيها في نفسه.قال آخر:

فقالت بحق الله إلا أتيتنا

إذا كان لون الليل لون الطيالس

فجئت و ما في القوم يقظان غيرها

و قد نام عنها كل وال و حارس

فبتنا مبيتا طيبا نستلذه

جميعا و لم أمدد لها كف لامس

مرت امرأة حسناء بقوم من بني نمير مجتمعين في ناد لهم فرمقوها بأبصارهم.و قال قائل منهم ما أكملها لو لا أنها رسحاء فالتفتت إليهم و قالت و الله

٢٣٨

يا بني نمير ما أطعتم الله و لا الشاعر قال الله تعالى( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) .و قال الشاعر:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا

فأخجلتهم.و قال أبو صخر الهذلي من شعر الحماسة:

لليلة منها تعود لنا

من غير ما رفث و لا إثم

أشهى إلى نفسي و لو برحت

مما ملكت و من بني سهم

آخر:

و ما نلت منها محرما غير أنني

أقبل بساما من الثغر أفلجا

و الثم فاها آخذا بقرونها

و أترك حاجات النفوس تحرجا

و أعف من هذا الشعر قول عبد بني الحسحاس على فسقه:

لعمر أبيها ما صبوت و لا صبت

إلي و إني من صبا لحليم

سوى قبلة أستغفر الله ذنبها

سأطعم مسكينا لها و أصوم

و قال آخر:

و مجدولة جدل العناق كأنما

سنا البرق في داجي الظلام ابتسامها

ضربت لها الميعاد ليست بكنة

و لا جارة يخشى على ذمامها

فلما التقينا قالت الحكم فاحتكم

سوى خلة هيهات منك مرامها

فقلت معاذ الله أن أركب التي

تبيد و يبقى في المعاد أثامها

٢٣٩

قوله ليست بكنة و لا جارة يخشى علي ذمامها مأخوذ من قول قيس بن الخطيم:

و مثلك قد أحببت ليست بكنة

و لا جارة و لا حليلة صاحب

و هذا الشاعر قد زاد عليه بقوله و لا حليلة صاحب.و أنشد ابن مندويه لبعضهم:

أنا زاني اللسان و الطرف إلا

أن قلبي يعاف ذاك و يأبى

لا يراني الإله أشرب إلا

كل ما حل شربه لي و طابا

آخر:

نلهو بهن كذا من غير فاحشة

لهو الصيام بتفاح البساتين

بشار بن برد:

قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم

ما في التزام و لا في قبلة حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

و فاز بالطيبات الفاتك اللهج

البيت الآخر مثل قول القائل:

من راقب الناس مات هما

و فاز باللذة الجسور

أبو الطيب المتنبي:

و ترى الفتوة و المروءة و الأبوة

في كل مليحة ضراتها

هن الثلاث المانعاتي لذتي

في خلوتي لا الخوف من تبعاتها

إني على شغفي بما في خمرها

لأعف عما في سراويلاتها

٢٤٠