العصمة حقيقتها - ادلَّتها

العصمة حقيقتها - ادلَّتها0%

العصمة حقيقتها - ادلَّتها مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-8629-79-x
الصفحات: 142

العصمة حقيقتها - ادلَّتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: ISBN: 964-8629-79-x
الصفحات: 142
المشاهدات: 19075
تحميل: 7781

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19075 / تحميل: 7781
الحجم الحجم الحجم
العصمة حقيقتها - ادلَّتها

العصمة حقيقتها - ادلَّتها

مؤلف:
ISBN: 964-8629-79-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

1ـإنّ من يدّعي منصباً إلهيّاً لابدّ أن يظهر المعجز علىٰ يديه ، فدعوىٰ ذلك المنصب أولاً ، وإظهار المعجز ثانياً ، فيعلم صدقه ووساطته عن الله تعالىٰ إلىٰ الناس.

ومقتضىٰ هذا كلّه يجب أن يكون صادقاً وأميناً ليؤدّي رسالته علىٰ أتمِّ  وجه ، وأكمل صورة ، إذ يقبح عقلاً أن يبعث الله تعالىٰ ، أو يوسِط بينه  وبين خلقه من هو كاذبٌ غير أمين. وهذا واضحٌ لا غبار عليه.

فكأنّ المُعجز قد وقع وأيّد مُدّعي النبوة والرسالة والمقام الالهي. فلابدّ أن يكون مانعاً من الكذب ، لأنّ تصديق الكذّاب قبيح. وهذا المقام  الالهي بتأييده يدلُّ علىٰ الاتّباع والتصديق ، وذلك لأنّ الغرض الامتثال لما  جاء به صاحب هذا المقام.

من هنا نستكشف أنّ كلّ ما يقدحُ في صاحب هذا المقام ، يقدح في  الامتثال ويزحزحه ، فلابدّ أن يكون هذا الصاحب مؤيّداً بالبُعد عن جميع  ما يكون منفّراً عنه مبعّداً ، ولعلّ هذا أقرب للوقوع من إظهار المعجز ، إذ  إظهار المعجز لقبول قوله ، فكلّ ما يؤيِّد هذا القبول ويقوّيه يُرَجّحُ وقوعه ،  وهذا كلُّه ممكن وشرائطه واضحة طبيعية ، فهو أولىٰ للتصديق من اختراق  القوانين الكونية والنواميس الطبيعية لتأييد هذا الوسيط ليكون بذلك كلّه  الامتثال أقرباً. إذ إنّ النفس لا تميل لمرتكب كلّ ما يكون منفراً.

وبعبارة أوضح نقول : إنّ مدّعي الوساطة لابدّ أن يكون خالياً من  السخف ، والجنون ، والخلاعة.. الخ. ونضيف إلىٰ ذلك الذنوب كلّها ،  وبالخصوص الكبائر منها ، فإنّها أوضح للقبول ، ولذا عبّر من عبّر ، وأصاب  

٤١

فيما عبّر (انّ حظّ الكبائر في هذا الباب إن لم يزد عن حظّ السخف  والجنون والخلاعة ، لم ينقص منه)(1) .

فإذا تمَّ هذا يظهر أنّ كلّ ما هو منفرٌ يجب أن لا يتّصف به الوسيط ،  رعاية من الله تعالىٰ لنا ، ليقرِّبنا إلىٰ الطاعة أكثر ، ويبعدنا عن المعصية(2) .

فإذا سلّمنا بهذا نقول : إنَّهم اختلفوا في عدد الكبائر ، بل في حدود  الكبيرة ، فبعضٌ قد رواها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة ، ورووا انّ ابن عمر زادها  اثنين ، وابن مسعود زاد عليها ثلاثة. كما أنّ كثيراً من عظائم الذنوب ليس  في ما ذكروه وسطّروه.

وقد اختلفوا كذلك في تحديد الكبيرة ، فقالوا : هي الذنب الذي واعد الله تعالىٰ عليه النار في القرآن ، وبعضهم قال : إنّ الكبائر من الذنوب هي  التي عُدّت كبائر في الأخبار(3) . بل بعضهم صرَّح أنّه ليس هناك كبيرة  ولا صغيرة بل كلّها كبائر.

وكلّ هذا لا مدخلية له في بحثنا عند التمعّن بشيء ، وذلك لأنّ الذي  يهم ، هو ما كان مُنفّراً للخلق من الوسيط ، وما كان مبعّدا للوسيط من  الخالق ، فاذا رضينا بذلك وقنعنا به ، يكون حينئذٍ حال الذنوب  

__________________

(1) بحار الانوار / المجلسي 11 : 92.

(2) وهذا من أساسيات قاعدة اللطف ، فقد حدَّ القوم اللّطف : بأنّه هبة مقربة إلىٰ الطاعة ، ومبعدة عن  المعصية ، ولم يكن لها حظٌّ في التمكين ، ولم تبلغ به الهبة حدَّ الالجاء. راجع كتاب العقائد من أنوار  الملكوت في شرح الياقوت : 153.

(3) راجع : الكافي في كتاب الايمان والكفر ، باب الكبائر ، والوسائل 11 : 45 من أبواب جهاد النفس.

٤٢

كلّها واحداً.

ولو دققنا في الأمر أكثر لرأينا أن هناك ذنباً أي معصية ، وعاصياً ، ومن  قد عُصي ، فمن جهة نفس المعصية رأينا الاختلاف في الكبيرة والصغيرة ،  وحدودهما. ومن جهة العاصي رأينا علو مقامه ، وحسّاسيّة ذلك المقام  فعلمنا أنّه من المقربين ، وإذا سلّمنا بأنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ،  علمنا ما يُفيده ذنب المقرب سواء كان صغيراً أو كبيراً بما أنّه مقرّب ، إذ  إنّ ما يُعدُّ حسنةً في مقام يُعدُّ له ذنباً وسيئة ، فكيف بالذنب والمعصية.

ومن جهة ثالثة نظرنا إلىٰ الذي عُصِيَ فرأيناهُ عظيما فعظُمت معصيته  أيّاً كانت ، ولذا جاء في الأثر :« لا تنظروا في صغر الذنوب ، ولكن  انظروا علىٰ من اجترأتم » (1) .

من هذه الجهات الثلاث نرىٰ انّ استبعاد بل امتناع صدور المعصية من  صاحب هذا المقام أقرب للقبول ، بل هو عين الواقع ، إذ حاله يختلف عن  حالنا جزماً.

ومن هنا يظهر معنىٰ قول الشيخ المفيدقدس‌سره : (وإنّه ليس في الذنوب  صغيرة في نفسه ، وإنّما يكون فيها بالاضافة إلىٰ غيره)(2) .

كما أننّا لو دقّقنا النظر لرأينا أنّ النفس تسكن للذي لم تصدر منه  المعصية أصلاً أكثر ممن صدرت منه ، سواء تاب عنها أم لا ، والمثل الذي

__________________

(1) كنز العمال 4 : 229 / 10294. ووسائل الشيعة / الحر العاملي 11 : 247 / 13.

(2) أوائل المقالات / الشيخ المفيد 4 : 83.

٤٣

نضربه يُقرِّبُ هذا المعنىٰ ويجعله أوضح : « التائب من الذنب كمن لا ذنب  له(1) ، إذ لو لم يكن أعلا منه منزلة لما شُبّه به ، فإذا ثبت هذا : (أمكن  التمسّك في إثبات ما ذهب إليه أصحابنا من تنزيههم «صلوات الله عليهم»  عن كلِّ منقصة ، ولو علىٰ سبيل السهو والنسيان من حين الولادة إلىٰ الوفاة  بالاجماع المركب)(2) .

إذ العلماء بين قائل بعصمتهم كذلك مطلقاً. وبين قائل بعصمتهم من  الكبائر ، واختلفوا بالصغائر ، وبين قائل بعصمتهم من الكبائر في حال دون  حال. فإذا ثبتت عصمتهم من الكبائر والصغائر يتعيّن القول الأول. إذ لا  قائل بعصمتهم منهما معا ويشكّك بمقام دون مقام.

2ـلو صدر ذنب منه لزم اجتماع الضدين ، فيجب إطاعته لأنّ مقامه  يقتضي هذا ، ويجب عصيانه لأنّ ما جاء به ذنب. بل يجب منعه ،  والانكار عليه ، بل ردعه وحتىٰ زجره لكي يترك ذلك الذنب ، فلربما يولّد  ذلك الايذاء له ، وإيذاؤه كما نعلم حرام بالاجماع ، ولقوله تعالىٰ :( إِنَّ  الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (3) .

3ـكما أنّه لو أذنب كان فاسقاً ، فيجب أن تُردَّ شهادته ، للاجماع ،  ولقوله تعالىٰ :( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) (4) . فيلزم حينئذٍ أن يكون أدون  

__________________

(1) كنز العمال 4 : 207 / 10174 وغيره.

(2) بحار الانوار / المجلسي 11 : 92.

(3) سورة الأحزاب : 33 / 57.

(4) سورة الحجرات : 49 / 6.

٤٤

من آحاد الاُمّة.

4ـوبعصيانه يكون من حزب الشيطان ، فيلزم منه خسرانه ، إذ قال تعالىٰ :( أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (1) . وهو باطل بالضرورة.

5ـوكما قدّمنا فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فعلىٰ هذا يكون  حظُّه أقلّ مرتبة من أقلّ أحد من أفراد الاُمّة. بل قد يلزم منه استحقاقه  للعذاب ، قال تعالىٰ :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا  خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (2) . ومن هذه الآية بالذات يظهر لنا جليّاً أنّ  الرسول لا يعصي أصلاً ، فحدوده هي الله ورسوله ، ولا يمكن أن يكون  المُحدَّدُ خارجاً عن الحدّ.

6ـوقد يستحق اللعن ، إذ بتعديه للحدود يكون ظالماً ، والله تعالىٰ  يقول :( أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3) وهو باطل بالضرورة ، والاجماع.

7ـويشمله التهوين في قوله تعالىٰ :( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ  أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (4) .

  

__________________

(1) سورة المجادلة : 58 / 19.

(2) سورة النساء : 4 / 14.

(3) سورة هود : 11 / 18.

(4) سورة البقرة : 2 / 44.

٤٥

قول وفعل وإقرار المُرسَل والإمامعليهما‌السلام هل هو حجّة أم لا؟!

إن قلنا كون كلّ ذلك حجّة ثبتت العصمة ، (وهذا الدليل من أمتن  ما يمكن أن يُذكر من الأدلّة علىٰ حجيّة السُنّة).

إذ مع إمكان صدور المعصية منه ، أو الخطأ في التبليغ ، أو السهو ، أو  الغفلة ، لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدّعي تأديته عن الله عزّ وجلّ ،  لاحتمال العصيان ، أو السهو ، أو الغفلة ، أو الخطأ منه ولا مدفع  لهذا الاحتمال)(1) .

وربما يتوهّم مُتَوهِّم عند استطلاع ما نقلناه من آراء العلماء حول  العصمة واختلافهم في حدودها من أنّ هذا لا يجدي شيئاً ؛ وذلك لأنّهم  اتفقوا علىٰ أنّه معصوم بما يتعلق بالتبليغ والفتيا ، فيكون الدليل أضيق  من المدّعىٰ.

نقول رفعاً لهذا التوهم : إنّ الحجّة كما نعلم هي ما يُحتجّ به ، أي أنّ  للمسلم أن يتّبع مؤدّاها ويكون له الحقّ يوم القيامة ، واللهسبحانه وتعالىٰ يقول :( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (2) .

فيكون عملهم حينئذٍ إذا كان مُطابقاً لما صدر من الوسيط بين الله  وخلقه حجة للناس علىٰ الله لو كان ذاك قد أدىٰ وفعل أو قرّر ما ليس  صحيحاً شرعاً ، وهذا لا يمكن. فعليه لابدّ أن يكون فعله وقوله وإقراره  صحيحاً دائماً.

__________________

(1) الاُصول العامّة للفقه المقارن / السيد محمدتقي الحكيم : 128.

(2) سورة النساء : 4 / 165.

٤٦

حصر العصمة في حال التبليغ والفتيا :

وإذا حصروه في حال التبليغ والفتيا ، نقول لهم : إنّ العلماء كافة قد  اطلقوا وقالوا : (إنّ النبي بشرٌ مثلنا ، له ما لنا ، وعليه ما علينا ، وهو مكلّف  من الله تعالىٰ بما كلّف به الناس ، إلاّ ما قام الدليل الخاصّ علىٰ اختصاصه  ببعض الأحكام : إمّا من جهة شخصه بذاته ، وإما من جهة منصب الولاية ،  فما لم يخرجه الدليل فهو كسائر الناس في التكليف. هذا مقتضىٰ عموم  اشتراكه معنا في التكليف. فإذا أصدر منه فعل ولم يعلم اختصاصه به ،  فالظاهر في فعله أن حكمه فيه حكم سائر الناس. فيكون فعله حجّة علينا  وحجّة لنا ، لا سيما مع ما دلّ علىٰ عموم حسن التأسيّ به)(1) ، فلا مجال  للتقييد هذا أولاً.

وثانيا : أنّىٰ لنا تمييز الفعل والقول والاقرار منه ، بحيث نعلم أنّ هذا  تبليغ أو فتيا وأنّ هذا ليس كذلك؟! أي كيف يتمّ لنا تمييز ما هو تبليغ وفتيا  عمّا هو فعل شخصي؟!

ولو قال قائل : إنّ عليه التنبيه ، فعلىٰ المعصوم أن يقول : إنّ هذا الفعل  فعل تبليغ ، وإنّ هذا الفعل ليس كذلك. عليه أن يقول : إنّ هذا القول  تبليغ ، وإنّ هذا القول ليس تبليغاً ولا فتيا. عليه أن يبين أنّ هذا الاقرار  تبليغ أو فتيا أو ليس كذلك. وهكذا يملأ المعصوم حياته من قول : إنّ هذا

__________________

(1) اُصول الفقه / الشيخ محمدرضا المظفر 2 : 67.

٤٧

هذا ، وإنّ هذا ليس هذا ، وهو كما ترىٰ.

ولو كان ذاك لبان ، مع أننّا لا نجد لذلك عينا ولا أثراً في حياة الأنبياء  والمرسلين ، وخاصة في حياة نبينا الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ كتب الروايات من  صحيحها إلىٰ سقيمها قد نقلت حتىٰ خصوصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نعم قد نُقلت في  ذلك واقعة أو واقعتان ، بأنّ فلاناً سألهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هذا الأمر منك أم من  الله؟!! ولا تقوم تلك لقلّتها أمام هذه العويصة أبداً.

بل لم يكن ذلك في أفعالٍ وتصرّفات شخصية أصلاً ، بل كانت في  أمور تهمّ المسلمين كافة ، كما في صلح الحديبية ، أو في تقديم الإمام  عليعليه‌السلام . وهذا يدلُّ علىٰ وقاحة من لفظها أمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا علىٰ إيمانه ،  هذا والقرآن قد صرّح :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ...) (1) .

ثالثاً : اننّا نجد أنّ الروايات متضافرة وكثيرة في أنّ للهفي كلِّ واقعة  حكماً ، منها ما ورد عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام :« ما من شيءٍ إلاّ وله حدٌّ كحدود داري هذه ، فما  كان من الطريق فهو من الطريق ، وما كان من الدار فهو من الدار » (2) .

وعن خيثمة بن عبدالرحمن الجعفي ، قال : حدّثني أبو الوليد  البحراني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام انّه أتاه رجل بمكة فقال له : يا محمد بن  علي أنت الذي تزعم انه ليس شيء إلاّ وله حدّ؟!

__________________

(1) سورة النساء : 4 / 59.

(2) بحار الأنوار / المجلسي 2 : 170 / 7 باب 22.

٤٨

فقال له أبو جعفرعليه‌السلام :« نعم ،أنا أقول إنّه ليس شيء ممّا خلق الله صغيراً أو كبيراً إلاّ وله حدّ ، إذا جوز به ذلك الحدّ فقد  تعدّىٰ حدود الله فيه... » (1) .

وعن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ـفي حديث  طويلـأنّه قال لطلحة :« إنّ كلَّ آية أنزلها الله علىٰ نبيه عندي  باملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّ يدي ، وتأويل كلّ آية أنزلها علىٰ  محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلّ حلال وحرام أو حدّ ، أو حكم ، أو شيء  تحتاج إليه الاُمّة إلىٰ يوم القيامة مكتوب باملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّ يدي.

فقال : كل شيء من صغير أو كبير ، أو خاص أو عام ، كان أو يكون إلىٰ  يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟!

قال :نعم ، وسوى ذلك أسرّني في مرضه ألف باب يفتح كلُّ باب ألف  باب (2) .

وكذا ورد عن يونس بن عبدالرحمن ، عن حمّاد ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول :« ما من شيء إلاّ وفيه كتاب وسُنّة » (3) .

واستفاد العلماء من تلك الروايات وأشباهها :« أنّ لكلِّ شيء حداً ، وأنّهُ ليس شيء إلاّ ورد فيه كتابٌ وسُنّة ، وعلم ذلك كلِّه عند

__________________

(1) بحار الأنوار 2 : 170 / 10 باب 22.

(2) بحار الأنوار 26 : 65 / 147 باب 1.

(3) اُصول الكافي 1 : 59 / 4 باب الردّ إلىٰ الكتاب والسُنّة.

٤٩

الإمام عليه‌السلام » (1) .

وعليه قالوا : (إنّ كلّ مُتشرِّع يعلم أنّه ما من فعل من أفعال الإنسان  الاختيارية ، إلاّ وله حكم في الشريعة الإسلامية ، من وجوب أو حرمة ، أو  نحوهما من الأحكام الخمسة)(2) .

فلو تمّت هذه المقدمةـوهي تامةـيكون حينئذٍ كلُّ تصرّف للمعصوم  له حكمه الخاص ، وبما أنّ له حكمه الخاص ، وهو مبين لذلك الحكم ،  فعليه يقتضي ذلك عصمته ، وإلاّ لاختل التبليغ ، إلاّ إذا قلنا بأنّ عصمته  في الواقعة الأولىٰ واجبة ، وأمّا في الوقائع اللاحقة فلا ، وهو ما لم يقله  أحد لحدِّ الآن ، وحينئذ إذا تجرّأ أحدٌ وقاله فهو خلاف الاجماع المركب  للمسلمين كما هو ظاهر.

بل لعلَّ ما ورد في سبب جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادتين ،  يوضِّح لنا الأمر أكثر ، فيكون المطلب أجلىٰ وأوضح ، فقد ذكر أهل  التاريخ أنّ : (سبب تسميته بذي الشهادتين هو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشترىٰ فرساً من أعرابي ، ثمّ إنّ الأعرابي أنكر البيع. فأقبل خزيمة بن ثابت  الأنصاري ففرَّج الناس بيده حتىٰ انتهىٰ إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أشهد  يا رسول الله لقد اشتريته منه. فقال الأعرابي : أتشهد ولم تحضرنا؟! قال  النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« أشهدتنا » ؟! قال : لا ، يا رسول الله ، ولكنّي علمتُ أنّك  قد اشتريت ، أفأصدِّقُكَ بما جئت به من عند الله ، ولا أُصدّقك علىٰ هذا

__________________

(1) الاصول الاصلية / العلاّمة السيد عبدالله شبر : 273.

(2) اصول الفقه / العلاّمة الشيخ محمدرضا المظفر 1 : 7.

٥٠

الأعرابي الخبيث؟!

فعجب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :« يا خزيمة شهادتك شهادة  رجلين » (1) .

إذ إنّ تلك القضية بلا ريب ولاشكّ لم تكن تبليغا ، ولم تكن فتيا ، بل  كانت أمراً شخصياً متعلِّقاً بمحمدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو شخصٌ ، لا بما هو نبيٌّ  أو مرسل.

وكما يعلم الجميع ادّعىٰ أحد المتنازعين الذي كان من الأعراب ، بأنّ  الفرس فرسه ، وادّعىٰ الشخص الآخر الذي هو محمد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفرس ذاته ، ووقع النزاع بينهما.

وعندما سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهادة له ، لم يشهد له أحد من المسلمين  لجهلهم ، لا لشيء آخر ، لأنّهم لم يروه عنده ، ولم يطّلعوا علىٰ ملكيته ،  ولم يشهدوا بيعه ، إلاّ أن شخصاً من العرب أقبل ، وفضَّ النزاع بشهادته انّ  الفرس لمحمدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!!

فكيف تمّت شهادته؟! هل شهد ملكيته للفرس؟! هل عَلِمَ بها بما  تعلم به الملكية لشخصٍ علىٰ مالٍ مُعيّن؟! كُلُّ هذا لم يكن...

فلماذا لم يزجره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن فعله هذا؟! ولماذا لم يقل له لم تشهد  فلم تشهد؟! ولماذا هو لم يقل أصلاً بأنَّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشخص ربما يكون

__________________

(1) رواها الشيخ الكليني بسند صحيح عن أبي عبداللهعليه‌السلام الكافي 7 : 23 / 1 كتاب الشهادات باب  النوادر. كلّه عن معجم رجال الحديث / السيد الخوئي 7 : 49 ط مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام . وأوردها  الشيخ المجلسيقدس‌سره في بحاره عن معاوية بن وهب باختلاف في بعض ألفاظ الواقعة عن كتاب  الاختصاص : 64 راجع بحار الانوار / المجلسي 22 : 141 مؤسسة الوفاء 1983 م ط2.

٥١

قد اشتبه عليه الأمر؟! أو أن يكون قد أخطأ؟! أو نسي؟! أو إلىٰ آخر  محامل الاشتباه...

هذا الرجل لم يعتنِ بذلك أصلاً ، وشهد بأن الفرس له ، معلِّلاً شهادته  بعد سؤالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له كيف شهدت بذلك؟! فقال : انّك اخبرتنا عن السماء  فصدّقناك فكيف لا أُصدِّقك علىٰ فرس؟! وبهذا الايمان المطلق أصبحت  شهادته تعادل شهادتين فسُمي بخُزيمة ذي الشهادتين. ألا يكون ذلك  شاهد صدق علىٰ مدّعانا؟!!

فالقضية كانت شخصية مع هذا جعل من شهِدَ بلا رؤية بصرية ، بل  برؤية بصيرية بهذه القاعدة العقلية المرتكزة في ذهن العقلاء التي لم  يلتفت إليها أغلب الناس آنذاك في ذلك المجتمع الذي لم ينضج بعد  عقائدياً ؛ ولتوضيحها وترسيخها في أذهان الناس جعلت شهادة هذا  الرجل شهادتين. فما لنا كيف نحكم؟!

يبقى شيء ربّما يقع فيه المتعرِّض لهذه المباحث ، ومؤداه من أنّ  العقاب يرفع عمّن تاب ، فعليه لا عقاب ولا عتاب يبقىٰ. ولكن هذا  لا شيء ، بالنظر إلىٰ حديثنا بالخصوص ، فلا مدخلية لذلك باستحقاق  العقاب أو الثواب ، أو عدم أحدهما ، أو كليهما أصلا ؛ وذلك لأنّ حديثنا  بالمنفّر ووجوده ، لا باستحقاق العقاب الاُخروي ، أو حتىٰ الدنيوي  وعدمه ، إذ قد يأتي الابتلاء من جهة الاختبار ليس إلاّ ، لا من جهة الذنب  كما هو واضح ، فلا فرق.

إلاّ أنّ الزاوية المنظور منها تختلف ، وذلك لأنَّ كثيراً من المباحات مع  أنّها لا توجب عقوبة ولا ذماً ، إلاّ انّها منفرة ، فاننا نقول بعدم جواز ارتكابها  

٥٢

من قبل من علت درجته بلا ريب ولاشكّ وهو واضح بالتأمل. وكذلك  هناك كثير من الهيئات والحالات التي لا يمكن لمثل هؤلاء ان يكونوا فيها ،  مع أنها خارجة عن مورد العقاب والذمّ. فحديثنا منصبٌّ حول وجود  المنفّر وعدم وجوده.

فنرى من أنّ أي شيء يكون منفّراً عن هؤلاء الأشخاص لا يمكن أن  يرتكبوه أو يكونوا فيه سواء كان مباحاً أم غير مباح ، وسواء كان عملاً أم  غير عمل ، وسواء كان حالة وهيئة أم غيرهما.

ولازم من يقول من أنّ الحديث حول التوبة من ذاك الذنب الصغير  وعدمه ، فإذا تاب كان هذا غير لازم للتنفير عنه ؛ لأنّها قد أزالت الذم  والعقاب ، لازم ذلك القائل جواز ارتكاب الكبائر قبل البعثة إذا تاب ، بل  بعدها مع التوبة ، وهو كما ترىٰ.

كما أنّ ارتكاب الصغيرة لا يمكن قياسه بترك النوافل وأشباهها ، فهما  مختلفان من حيث ان ارتكاب الصغيرة يكون منفّراً ، بينما ترك النافلة  لا يكون كذلك إلاّ في حالات خاصة نلتزم بعدم تركها فيها.

المهم أنّ العرف هو الذي يُحدّد ما هو المنفّر من غيره ، ولا ضابطة  دقيقة في ذلك أصلاً ، ولكن يمكن إعطاء ضابطة كلية وهو أنّ كلّ منفّرٍ  لا يمكن لهؤلاء أن يرتكبوه ، لأنّ اللطف الالهي يقتضي تقريب الناس  منهم. وكل منفر يوجب ابتعاد الناس عنهم ، وهو عكس المطلوب.

ولذا عبّروا : (فرقٌ واضحٌ في العادة بين الانحطاط عن رتبة ثبتت ،  واستحقت وبين فوتها). ويعنون من أنّ الصغيرة لكونها ذنباً توجب  الانحطاط لمرتكبها فهو قبلها كان أعلا رتبة ، ومن أنّ ترك النافلة توجب  

٥٣

عدم الصعود من رتبة هو فيها إلىٰ أعلى منها كان يستحقها لو أنه فعل تلك  النافلة ، وهذا الكلام يبطل قول من يقول بجواز ارتكاب الصغائر منهم ،  سواء كان عن عمد أم عن تأويل(1) .

تذييلات

الأول : مسألة السهو لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخصوص :

بما أنّ مسألة سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجد روايةً وقولاً ، لذا أحببنا أن نمرَّ  عليها من دون إخلال بمطالب الكتاب ، وبدون تعميق للجذور ، بما ينفع  في دفع هذا الوهم والقول الشاذّ بالكلية.

إنّ روايات السهو توجد في كتب الفريقين ، فلذا أحببنا دغدغتها من  كلا الطرفين ، لرؤية الطريق الواضح.

روي عن أبي هريرة أنّهُ قال : (إنّكم تقولون إنّ أبا هريرة يُكثر الحديث  عن رسول الله ، ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدّثون عن  رسول الله بمثل حديث أبي هريرة ، إنّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم  الصفق بالأسواق ، وكنت ألزم رسول الله علىٰ ملىء بطني ، فأشهد إذا  غابوا ، وأحفظ إذا نسوا.

وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم ، وكنت امرأً مسكيناً من

__________________

(1) وهو رأي أبي علي الجبائي ومن وافقه.

٥٤

مساكين الصُّفّة ، أعي حين ينسون. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث  يحدّثه : « إنّه لن يبسط أحد ثوبه حتّىٰ أقضي مقالتي هذه ، ثمّ يجمع إليه ثوبه  إلاّ وعىٰ ما أقول ». فبسطت نمرة عليَّ حتىٰ إذا قضىٰ رسوله الله مقالته  جمعتها إلىٰ صدري ، فما نسيت من مقالة رسول الله من شيء)(1) .

ورويٰ كذلك عنه أنّ رسول الله قال : « ألا تسألني من هذه الغنائم التي  يسألني أصحابك؟! » قلت : أسألك أن تعلمني ممّا علمك الله. فنزع نمرة  كانت علىٰ ظهري ، فبسطها بيني وبينه ، حتىٰ كأنّي أنظر إلىٰ القمل يدبّ  عليها ، فحدّثني حتّىٰ استوعبت حديثه. قال : « اجمعها ، فصُرّها إليك ». فأصبحتُ لا أُسقط حرفاً مما حدثني.

وروي عن أبي هريرة أيضاً ، قال : قلت لرسول الله إنّي سمعت منك  حديثاً كثيراً ، فأنساه. فقال : « ابسط رداءك » فبسطته ، فغرف بيديه فيه ، ثم  قال : « ضُمّه ». فضممته فما نسيت حديثاً بعده(2) .

فهل ينبغي لمن يصحح هذه الأحاديث في أبي هريرة أن ينسب السهو إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟(3) .

ولقد تنبّه الشيخ محمود أبو ريّة إلىٰ ذلك في كتابه «شيخ المضيرة أبو  هريرة» فعلّق قائلاً : (ومن عجيب أمر الذين يثقون بأبي هريرة ، ويمنعون

__________________

(1) فتح الباري في شرح البخاري 4 : 231. وسير أعلام النبلاء / الذهبي 2 : 429.

(2) طبقات ابن سعد 4 : 56.

(3) وقد ناقش هذه المرويات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، السيد عبدالحسين شرف الدين في كتابه (أبو  هريرة) ، وأثبت بطلانها بوجوه عدّة ، فراجع.

٥٥

عنه السهو ، والنسيان ، لا يتحرّجون أن ينسبوهما إلىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(1) .

أما عند الخاصة فقد وردت روايات سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكتب  الروائية الجليلة ، وهي : كتاب «التهذيب» للشيخ الطوسيقدس‌سره (2) ، وكتاب  «الكافي» للشيخ الكليني(3) ، وكتاب «من لا يحضره الفقيه» للشيخ  الصدوق(4) ..

فقد ورد في «الكافي» مرفوعاً إلىٰ أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال :« إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّىٰ بالناس الظهر ركعتين ، ثمَّ سها فسلّم ،  فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله أنزل في الصلاة شيء؟!  قال : وما ذاك؟! قال : إنّما صلّيت ركعتين. فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتقولون مثل قوله؟! قالوا : نعم. فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمَّ بهم  الصلاة ، وسجد بهم سجدتي السهو... » .

وأمّا أبو جعفر بن بابويه ، فقد روىٰ عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام

يقول : « إنّ الله تبارك وتعالىٰ أنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الفجر حتّىٰ طلعت الشمس ، ثم قام فبدأ فصلىٰ الركعتين اللتين قبل الفجر ، ثمّ صلّىٰ الفجر ، وأسهاه في صلاته ، فسلّم في الركعتين ، ثم..

__________________

(1) شيخ المضيرة أبو هريرة : 217 ، ط3.

(2) التهذيب 2 : 345 / 1433.

(3) الكافي 3 : 355 / 1.

(4) من لا يحضره الفقيه 1 : 233 / 1031. وروى كلّ ذلك عنهم صاحب الوسائل في وسائله 8 : 198ـ 203 الباب الثالث من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ط مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام .

٥٦

وإنّما فعل ذلك به ، رحمةً لهذه الاُمّة ، لئلاّ يعيّر الرجل المسلم اذا هو نام  عن صلاته أو سها فيها.

فيقال : قد أصاب ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. »(1) .

وقد علّق الشيخ ابن بابويه علىٰ روايته بما يمكن أن نحصره بنقاط :

1ـإن هناك عبادة مخصوصة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهناك عبادة عامّة تشمله  وتشمل غيره ، والعبادة المخصوصة به ، هي النبوة ، والتبليغ من  شرائطها ، ولا يجوز في هذه الاُمور النسيان مطلقاً. وأمّا في العبادة  المشتركة فيجوز فيها وقوع السهو منه ، وحاله حال بقية المكلفين.

2ـإنّ باثبات النوم له تُنفىٰ عنه الربوبية ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة ولا  نوم هو الباري عزَّ وجل.

3ـإن سهوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس كسهونا ، فسهونا من الشيطان وسهوه من  الرحمن ، وأسهاه لفائدتين ؛ أولاً : ليُعلَم من انّه بشر. ثانياً : ليُعلِّمنا  أحكام السهو.

4ـوإنّما قال بأنّ سهوه ليس من الشيطان ؛ لأنّه ليس للشيطان علىٰ  النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليه‌السلام سلطان :( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم  بِهِ مُشْرِكُونَ ) (2) وعلىٰ من تبعه من الغاوين.

__________________

(1) من لا يحضره الفقيه 1 : 358.

(2) سورة النحل : 16 / 100.

٥٧

5ـوذكر أنّ شيخه محمد بن الحسن بن الوليد يقول : أوّل درجة في  الغلو نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . هذا مقتضىٰ كلامه كلّه هناك(1) .

أما الشيخ محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة وزعيمها ، وهو أحد  الأجلاّء الذين ذكروا حديث السهو كما أسلفنا ، فقد قال في «التهذيب»  بعد إيراده لحديث مؤدّاه : (إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سجد سجدتي السهو  قط ، ولا يسجدهما فقيه.

قالقدس‌سره ـ: الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر ، فأمّا الأخبار التي قدّمناها  من أنه سها فسجد ، فهي موافقة للعامّة. وإنّما ذكرناها لأنَّ ما تضمَّنته من  الأحكام معمول به علىٰ ما بيناه..)(2) .

وقال تعليقاً علىٰ ما رواه مما تضمّن قصة ذي الشمالين : (علىٰ أنّ في  الحديثين الأولين ما يمنع من التعلق بهما ، وهو حديث ذي الشمالين  وسهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ممّا تمتنع العقول منه)(3) .

وقال في «الاستبصار» : (وذلك ممّا تمنع منه الأدلة القاطعة في أنّه  لا يجوز عليه السهو والغلط)(4) .

وقد روىٰ صاحب «الوسائل» روايتين في ذلك(5) قبل أن يُعلِّق بقوله :  

__________________

(1) راجع كلامه كلّه في من لا يحضره الفقيه 1 : 358 ـ 360.

(2) التهذيب 2 : 180.

(3) التهذيب 2 : 180.

(4) الاستبصار 1 : 371.

(5) وسائل الشيعة / الحر العاملي 8 : 198ـ 199 / 2 و 4 بطريقين ، الباب الثالث من أبواب الخلل الواقع

٥٨

(ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله محمول علىٰ التقية في الرواية كما أشار  إليه الشيخ وغيره ، لكثرة الأدلة العقلية والنقلية علىٰ استحالة السهو عليه  مطلقاً. وقد حقّقنا ذلك في رسالة مفردة وذكرنا لذلك محامل متعددة)(1) .

وهكذا (فإنّ أدلة العصمة التي يقول بها جمهور المسلمين تقتضي  الحكم بنفي السهو عنه في القول والفعل. وقد ذهب إلىٰ ذلك المحققون  من علماء الكلام من الشيعة ، وممن قال بذلك من أهل السنة : أبو اسحاق  الاسفراييني ، وقد فصّل ذكر الخلاف منهم في كتاب «حجيّة السُنّة» للشيخ  عبدالغني عبدالخالق)(2) .

أمّا الشيعة فلم يرد منهم خلاف في عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السهو في  الأقوال(3) . من كلِّ ذلك نستفيد ما يلي :

أولاً : أنّ الظاهر يجب أن يؤوّل إذا كان مخالفا للدليل العقلي ، فضلاً  عن وجود ادلّة نقلية كثيرة تفيد خلافه ، وهذا ما فعله الأعلام.

إذا عرفنا أن اُصول الاعتقاد يجب أن تكون مبنية علىٰ الجزم ، وأما  الأمر المستند علىٰ الظن فلا يغني عن الحق شيئاً ، والدليل الجازم قد قام

__________________

في الصلاة.

(1) ويقصد بها (التنبيه بالمعلوم) أو (البرهان علىٰ تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان) : 199 ، ومن أراد  الاستفادة الاكثر ، والتدقيق في هذا المطب الحساس ، وملاحظة آراء العلماء وما يُساعد عليه الدليل  بصورة موسّعة فعليه بهذه الرسالة المهمة.

(2) حجية السُنّة : 17 ـ 99.

(3) مصنّفات الشيخ المفيد / السيد محمدرضا الجلالي المجلد العاشر رسالة عدم سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٥٩

عقلاً ونقلاً علىٰ عصمة هؤلاء ، فما جاء خلافه لا يؤخذ علىٰ ظاهره بل  يجب أن يؤوّل.

ثانياً : يردُ علىٰ الشيخ ابن بابويه في النقطة الأولىٰ مما حصرنا فيه  رأيه : من أين له هذا التقسيم للعبادة ، وإنّه يجوز في أحدها السهو ، ولا  يجوز في الاُخرىٰ ، مع إطلاق الروايات في العصمة وقيام الدليل عليها مطلقاً كذلك؟ ولو (جاز السهو والنسيان من المعصوم في العبادة ، لجاز  في التبليغ. والفرق ليس عليه دليل قاطع ، ولا يفهمه كلُّ أحد ، بل كل من  وقف علىٰ أحدهما جوّز الآخر قطعاً.

وأقلّهُ أنّ الأكثر الأغلب لا يُفرِّقون بينهما ، فلا يوثَقُ بشيءٍ من أقواله ،  وأفعاله ، وتختلُّ عصمته ، وهو باطل قطعاً )(1) .

ثالثاً : نُعلِّقُ علىٰ نقطته الثانية بأنّ انحصار العبودية هل يتمُّ بهذا فقط حتىٰ نقول به؟! وهل انحصار كونه بشراً يتمّ بيانه بالنوم عن الصلاة ،  لا بالنوم عن غيرها ، حتىٰ نستدل من خلاله بأنّه ليس ربّاً ، إذ الربّ  لا تأخذه سنة ولا نوم؟! ففي بيان هذا يمكن أن ينام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيّ  مكان وأي وقت لكشف كونه غير رب. وأين نضع الأحاديث الواردة في  أنّه تنام عينه ولا ينام قلبه؟! وسيأتي مزيد بيان حول هذه النقطة بالذات.

رابعاً : وهل انحصر كونه من البشر في إسهائه؟! وهل انحصر التعليم  في اسهائه؟! وإذا تمَّ هذا ، فلماذا لم يرتكب بقيّة المحرمات والموبقات

__________________

(1) التنبيه بالمعلوم / الشيخ الحرّ العاملي : 111.

٦٠