بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31279 / تحميل: 9426
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

و الرّقة و ما حول ذلك ، فنزل و ضرب عسكره على الصّراط و خطّ المدينة ،

و وكلّ بكلّ ربع قائدا ١ .

« و لا استعانة على ندّ » بالكسر : المثل و النظير .

« مثاور » أي : مواثب .

« و لا شريك مكاثر » كأهل الدنيا اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد . . . ٢ .

و في ( المروج ) : كتب ملك الصين الى أنو شيروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدرّ و الجوهر الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ، و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنو شيروان ٣ .

و فيه : و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند و عظيم أراكنة المشرق ،

و صاحب قصر الذهب ، و أبواب الياقوت و الدّر إلى أخيه ملك فارس صاحب التاج و الراية كسرى أنو شيروان ٤ .

« و لا ضدّ منافر » كالسلاطين في استحكاماتهم .

و في ( تاريخ الطبري ) : قيل للمنصور في ما قيل له في محاسن موضع بغداد ليتّخذه حصنا : و أنت بين أنهار لا يصل إليك عدوّك إلاّ على جسر أو قنطرة ، فإذا قطعت الجسر و أخرجت القناطر لم يصل اليك عدوّك . . .

و التّدبير في المدن أن تتّخذ لها الأسوار و الخنادق و الحصون ، و دجلة و الفرات

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٢٣٤ سنة ( ١٤٥ ) ، و نقلها الشارح بتلخيص .

( ٢ ) الحديد : ٢٠ .

( ٣ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٢ .

( ٤ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٣ .

١٨١

خنادق لمدينتك ١ .

« و لكن خلائق مربوبون ، و عباد داخرون » بالدّال المهملة ، أي : صاغرون ذليلون . . . إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد ٢ ، فكيف يعمل عملا لتشديد سلطان أو سائر ما ذكر ؟

الثاني عشر : « لم يحلل في الأشياء فيقال : هو فيها كائن ، و لم ينأ » بفتح الهمزة ، أي : لم يبعد و لم ينفصل « عنها ، فيقال : هو منها بائن » مثلا لا يقال : إنّه تعالى حلّ في السماء ، كما لا يقال : إنّه عزّ و جلّ نأى عن الأرض ، بل نسبتهما إليه تعالى على السواء و هو الّذي في السماء إله و في الأرض إله . . . ٣ .

هذا ، و ( توحيد الصدوق ) روى الثاني عشر قبل الحادي عشر ٤ ،

و الظاهر أصحّيته ، فإنّ المناسب أن يكون قوله : « لم يحلل . . . » بعد قوله « و كلّ باطن غيره غير ظاهر » ، كما أنّ المناسب أن يكون الثالث عشر « لم يؤده . . . » بعد قوله « لم يخلق . . . » لكونهما من واد واحد .

كما أنّه زاد بعد قوله « بائن » : « و لم يخل منها فيقال له : أين ، لكنّه سبحانه أحاط بها علمه ، و أتقنها صنعه ، و أحصاها حفظه » فالظاهر وقوع سقط في النهج لكون الزائد من موضوعه كتقديم و تأخير .

الثالث عشر : « لم يؤده » أي : لم يثقله ، من آده الحمل أثقله ، أو من آدني هذا الأمر بلغ منّي المجهود . « خلق ما ابتدأ » . . . وسع كرسيّه السماوات و الأرض و لا يؤوده حفظهما و هو العليّ العظيم ٥ . « و لا تدبير ما ذرأ » في ( الصحاح ) :

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٢٣٦ سنة ( ١٤٥ ) .

( ٢ ) ابراهيم : ١٩ .

( ٣ ) الزخرف : ٨٤ .

( ٤ ) التوحيد للصدوق : ٤٢ ، ٤٣ ح ٣ .

( ٥ ) البقرة : ٢٥٥ .

١٨٢

حكى بعضهم ذرأت الأرض ، أي : بذرتها ، و زرع ذريّ ، على فعيل ، و أنشد :

شققت القلب ثمّ ذرأت فيه

هواك فليم فالتأم الفطور

١ إنّ اللّه يمسك السّماوات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . . . ٢ ، . . . فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين . فقضاهنّ سبع سماوات في يومين و أوحى في كلّ سماء أمرها و زيّنا السماء الدّنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزيز العليم ٣ .

« و لا وقف به عجز عمّا خلق » هكذا في النسخ ٤ ، و الظاهر وقوع تصحيف ،

فقولك وقف بي الأمر الفلاني عن الشي‏ء الفلاني إنّما يقال اذا لم تفعله ، فلا بدّ أنّ الأصل ( و لا وقف به عجز في ما خلق ) أو ( و لا وقف به عجز عمّا لم يخلق ) .

و يشهد له رواية ( التوحيد ) للخطبة : و لا من عجز ، و لا من فترة ، بما خلق اكتفى ، علم ما خلق و خلق ما علم ٥ .

الرابع عشر : « و لا ولجت عليه شبهة في ما قضى و قدّر ، بل قضاء متقن ، و علم محكم ، و أمر مبرم » ، و في ( التوحيد ) : لا بالتفكّر و لا بعلم حادث أصاب ما خلق ،

و لا شبهة دخلت عليه في ما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم . . . ٦ .

قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون . . . فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٥١ مادة ( ذرا ) .

( ٢ ) فاطر : ٤١ .

( ٣ ) فصلت : ١١ ١٢ .

( ٤ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ١١٣ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٧١ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١٦٨ .

( ٥ ) التوحيد للصدوق : ٤٣ ح ٣ .

( ٦ ) المصدر نفسه .

١٨٣

كنتم تكتمون ١ .

الخامس عشر « المأمول مع النّقم و المرجوّ مع النّعم » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( و المرهوب مع النّعم ) كما في ( ابن ميثم ، و غيره ) ٢ .

يدلّ على كونه تعالى مأمولا مع النقم ، و مرهوبا مع النّعم ما ورد أنّه تعالى قال لداود عليه السّلام : بشّر المذنبين ، و انذر الصدّيقين .

قال داود : كيف أبشّر المذنبين ، و أنذر الصديقين ؟ قال : يا داود بشّر المذنبين أنّي أقبل التوبة و أعفو عن الذنب ، و أنذر الصدّيقين ألاّ يعجبوا بأعمالهم ، فإنّه ليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك ٣ .

هذا ، و نقل ابن أبي الحديد ٤ هنا آيات و أبياتا لا ربط لها بالمقام ، كقوله تعالى . . . فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل اللّه فيه خيرا كثيرا ٥ ، و كقول الشاعر :

من عاش لاقى ما يسوء

من الأنوار و ما يسرّ

٦

من الخطبة ( ٨٣ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اَلْأَوَّلُ لاَ شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ وَ اَلْآخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ لاَ تَقَعُ اَلْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَ لاَ تُعْقَدُ اَلْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَ لاَ تَنَالُهُ اَلتَّجْزِئَةُ وَ اَلتَّبْعِيضُ وَ لاَ تُحِيطُ بِهِ اَلْأَبْصَارُ وَ اَلْقُلُوبُ

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٠ ، ٣٣ .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٢ : ١٦٨ « المرجو » أيضا ، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٧١ « المرهوب » ، و ليس قبله واو .

( ٣ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣١٤ ح ٨ في ذيل حديث عن الصادق عليه السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٧٥ .

( ٥ ) النساء : ١٩ .

١٨٤

« و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له » روى ( ثواب الأعمال ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر يقول تعالى : فمن لقيني منكم يشهد ألاّ إله إلاّ أنا ، و أنّ محمّدا عبدي و رسولي أدخلته الجنّة برحمتي ١ .

« الأوّل لا شي‏ء قبله ، و الآخر لا غاية له » ، و في الخطبة ( ٩٩ ) : « الأوّل قبل كلّ أوّل ، و الآخر بعد كلّ آخر ، بأوّليّته وجب أن لا أوّل له ، و بآخريّته وجب أن لا آخر له » ٢ ، و في الخطبة ( ٩٤ ) : « الحمد للّه الأوّل فلا شي‏ء قبله ، و الآخر فلا شي‏ء بعده ، و الظّاهر فلا شي‏ء فوقه ، و الباطن فلا شي‏ء دونه » ٣ . و مرّ في العنوان ( ١ ) من هذا الفصل .

« لا تقع الأوهام له على صفة » في حديث الزنديق مع الصادق عليه السّلام : قال الزنديق : فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا . قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : لو كان ذلك كما تقول لكان التّوحيد عنّا مرتفعا ، لأنّا لم نكلّف أن نعتقد غير موهوم ، و لكنّا نقول : كلّ موهوم بالحواسّ مدرك ، فما تجده الحواسّ و تمثّله فهو مخلوق ، و لا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين : إحداهما : النفي ،

إذا كان النّفي هو الإبطال و العدم ، و الجهة الثانية : التشبيه ، إذا كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف ، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين و الاضطرار منهم إليه ٤ .

« و لا تقعد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لا تعقد ) بتقديم العين ، كما في ( ابن ميثم ) و غيره ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في ثواب الأعمال : ٢٥ ح ٢ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ١٩٤ الخطبة ( ٩٩ ) .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١٨٦ الخطبة ( ٩٤ ) .

( ٤ ) أخرجه الصدوق في التوحيد : ٢٤٥ ح ١ ، و الكليني في الكافي ١ : ٨٠ ح ٥ ، لكن ليس في حديث الكافي هذه القطعة .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٢٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٢٧٤ « تقعد » أيضا .

١٨٥

و من الغريب أنّ محشّي ( المصرية ) قرّر الغلط ، و قال : إنّه مجاز عن استقرار حكمها ١ .

« القلوب منه على كيفيّة » هو ردّ على المشبّهة حيث قالوا : كلّ ما لم تعقد القلوب منه على كيفيّة ، و لم ترجع فيه إلى إثبات هيئة لم نعقل منه شيئا .

فردّ عليه السّلام عليهم : أنّه واحد بلا كيفيّة ، و أنّ القلوب تعرفه بلا إحاطة .

و قال الصادق عليه السّلام : من نظر في اللّه : كيف هو هلك ٢ .

« و لا تناله التّجزئة و التّبعيض » و ما ورد من مثل . . . يد اللّه فوق أيديهم . . . ٣ و . . . بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . . . ٤ فكنايات و استعارات .

« و لا تحيط به الأبصار و القلوب » قال الصادق عليه السّلام : يا بن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ، و بصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطّاه ، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات و الأرض إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق اللّه ،

فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول ٥ .

هذا ، و يناسب كلامه عليه السّلام في هذه الخطبة قول الهادي عليه السّلام : إلهي تاهت أوهام المتوهّمين و قصر طرف الطارفين ، و تلاشت أوصاف الواصفين ، و اضمحلّت أقاويل المبطلين عن الدّرك لعجيب شأنك ، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوّك ، فأنت في المكان الّذي لا يتناهى ، و لم تقع عليك عيون بإشارة و لا عبارة ، هيهات ثمّ هيهات ، يا أوّلي يا وحداني يا فرداني ، شمخت في العلوّ بعزّ الكبر ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) المحشي هو الشيخ محمد عبده ، كذا قال في ذيل نهج البلاغة ١ : ١٤٨ .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٩٣ ح ٥ ، و البرقي في المحاسن : ٢٣٧ ح ٢٠٨ .

( ٣ ) الفتح : ١٠ .

( ٤ ) المائدة : ٦٤ .

( ٥ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٩٣ ح ٨ ، و الصدوق في التوحيد : ٤٥٥ ح ٥ .

١٨٦

و ارتفعت من وراء كلّ غورة و نهاية بجبروت الفخر ١ .

٧

من الخطبة ( ٨٨ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ اَلَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لاَ سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَ لاَ حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ وَ لاَ لَيْلٌ دَاجٍ وَ لاَ بَحْرٌ سَاجٍ وَ لاَ جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ وَ لاَ فَجٌّ ذُو اِعْوِجَاجٍ وَ لاَ أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ وَ لاَ خَلْقٌ ذُو اِعْتِمَادٍ ذَلِكَ مُبْتَدِعُ اَلْخَلْقِ وَ وَارِثُهُ وَ إِلَهُ اَلْخَلْقِ وَ رَازِقُهُ وَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ وَ يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ وَ أَحْصَى آثَارَهُمْ وَ أَعْمَالَهُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ وَ خَائِنَةَ أَعْيُنِهِمْ وَ مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ اَلضَّمِيرِ وَ مُسْتَقَرَّهُمْ وَ مُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ اَلْأَرْحَامِ وَ اَلظُّهُورِ إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ اَلْغَايَاتُ هُوَ اَلَّذِي اِشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ اِتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ قَاهِرُ مَنْ عَازَّهُ وَ مُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّهُ وَ مُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ وَ غَالِبُ مَنْ عَادَاهُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ وَ مَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَ مَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ وَ مَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ « الحمد للّه » حمده على أوصاف أوجبت حمده :

الأوّل : « المعروف من غير رؤية » الابصار ، بل من رؤية القلوب ، و أملى الرّضا عليه السّلام في ( التوحيد ) : احتجب بغير حجاب محجوب ، و استتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ، و وصف بغير صورة ، و نعت بغير جسم ، لا إله إلاّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في التوحيد : ٦٦ ح ١٩ .

١٨٧

اللّه الكبير المتعال ١ .

الثاني : « و الخالق من غير رويّة » بخلاف باقي الصانعين .

و الثالث : « الّذي لم يزل قائما دائما » قبل أن يكون خلق .

« إذ لا سماء ذات أبراج » قال في ( اللّسان ) : إنّ الأبراج جمع البرج كالبروج ٢ .

قال تعالى : و السماء ذات البروج ٣ ، تبارك الذي جعل في السماء بروجا و جعل فيها سراجا و قمرا منيرا ٤ ، و لقد جعلنا في السماء بروجا و زيّناها للنّاظرين و حفظناها من كلّ شيطان رجيم . إلاّ من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ٥ .

و البروج الاثنا عشر معروفة ، و عن الفرّاء : اختلفوا في البروج فقالوا : هي النجوم . و قالوا : هي البروج المعروفة اثنا عشر برجا . و قالوا : هي القصور في السماء . و اللّه أعلم بما أراد ٦ .

« و لا حجب » و في خبر زيد بن وهب : سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحجب .

فقال : أوّل الحجب سبعة ، غلظ كلّ حجاب مسيرة خمسمائة عام ، بين كل حجابين منها مسيرة خمسمائة عام ، و الحجاب الثالث سبعون حجابا ، بين كلّ حجابين منها مسيرة خمسمائة عام ، و طوله خمسمائة عام ، حجبة كلّ حجاب منها سبعون ألف ملك قوّة كلّ ملك منهم قوّة الثقلين ، منها ظلمة ،

و منها نور ، و منها نار ، و منها دخان ، و منها سحاب ، و منها برق ، و منها مطر ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في التوحيد : ٩٨ ح ٥ ، و العلل ١ : ٩ ح ٣ .

( ٢ ) لسان العرب ٢ : ٢١٢ مادة ( برج ) .

( ٣ ) البروج : ١ .

( ٤ ) الفرقان : ٦١ .

( ٥ ) الحجر : ١٦ ١٨ .

( ٦ ) نقله عن الفرّاء لسان العرب ٢ : ٢١٢ ، مادة ( برج ) .

١٨٨

و منها رعد ، و منها ضوء ، و منها رمل ، و منها جبل ، و منها عجاج ، و منها ماء ،

و منها أنهار ، و هي حجب مختلفة ، غلظ كلّ حجاب مسيرة سبعين ألف عام ١ .

« ذات إرتاج » بالكسر بمعنى : الاغلاق .

« و لا ليل داج » في معنى قوله تعالى : و اللّيل إذا يغشى ٢ . قال الأصمعي : دجا الليل إنّما هو ألبس كلّ شي‏ء ، و ليس هو من الظلمة ، و منه قولهم : « دجا الإسلام » أي : قوي ، و ألبس كلّ شي‏ء ٣ .

و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول الشّراح « ليل داج » أي : مظلم ٤ .

« و لا بحر ساج » أي : ساكن ، قال الأعشى :

فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمّكم

و بحرك ساج لا يواري الدعامصا

٥ و منه أيضا و اللّيل اذا سجى ٦ أي : بلغ النهاية في الظلمة فسكن .

« و لا جبل ذو فجاج » فجاج : جمع فج ، قال تعالى : . . . من كلّ فج عميق ٧ .

و في ( اللّسان ) : قال أبو الهيثم : الفجّ الطريق الواسع في الجبل ، و كلّ طريق بعد فهو فجّ ٨ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في التوحيد : ٢٧٨ ح ٣ ، و الخصال ٢ : ٤٠١ ح ١٠٩ ضمن حديث .

( ٢ ) الليل : ١ .

( ٣ ) هذا قول بعض أهل اللغة ، قال به ابن الاثير في النهاية ٢ : ١٠٣ مادة ( دجى ) ، و نقله ابن منظور عن مجهول في لسان العرب ١٤ : ٢٤٩ مادة ( دجى ) ، و لم أر من نسبه الى الاصمعي ، بل حكى ابن منظور في لسان العرب ١٤ : ٢٥٠ عن الأصمعي أنّ ( دجى الليل ) بمعنى : هذا و سكن ، و ذكر شاهده على قوله .

( ٤ ) كذا قال ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٣٧ ، و المجلسي في شرح الخطبة في بحار الأنوار ٥٧ : ٢٦ ، و الخوئي في شرحه ٣ : ٦٨ ، و النقل بالمعنى .

( ٥ ) أورده لسان العرب ١٤ : ٣٧١ مادة ( سجا ) .

( ٦ ) الضحى : ٢ .

( ٧ ) الحج : ٢٧ .

( ٨ ) لسان العرب ٢ : ٣٣٩ مادة ( فجج ) .

١٨٩

و قول بعضهم : الفجّ الطّريق الواسع بين جبلين ١ يأباه قوله عليه السّلام هذا ،

فجعل عليه السّلام لجبل واحد فجاجا ، بل الأصل فيه الطريق الواسع ، و لو لم يكن في جبل ، قال تعالى : و اللّه جعل لكم الأرض بساطا . لتسلكوا منها سبلا فجاجا ٢ . و كون الجبل ذا فجّ لا يستلزم أن يكون كلّ فجّ في الجبل ، فهو نظير أن تقول : جبل ذو عيون ، مع حصول العين في غير الجبل .

« و لا فجّ ذو اعوجاج » هو أيضا لا يستلزم أن يكون الفجّ معوجّا ، و إنّما هو وصف غالبي كسابقه ، فإنّ الأغلب في الجبال أن تكون ذات فجاج ، كما أنّ الأغلب في الفجاج أن تكون ذات اعوجاج .

« و لا أرض ذات مهاد » ألم نجعل الأرض مهادا ٣ ، و الأرض فرشناها فنعم الماهدون ٤ ، الذي جعل لكم الأرض مهدا و جعل لكم فيها سبلا . . . ٥ ، الذي جعل لكم الأرض مهدا و سلك لكم فيها سبلا . . . ٦ .

هذا ، و نقل ( الهيئة و الإسلام ) ٧ عن بعضهم الاستدلال بالآية الأخيرة على حركة الأرض لكون المهد يتحرّك بلا اضطراب .

قلت : و مثلها الآية الثالثة .

« و لا خلق ذو اعتماد » قال ابن أبي الحديد : أي و لا مخلوق يسعى برجلين فيعتمد عليهما ، أو يطير بجناحيه فيعتمد عليهما ، و نحو ذلك ، و الاعتماد هنا

ــــــــــــــــ

( ١ ) هو مختار ابن منظور في لسان العرب ٢ : ٣٣٨ مادة ( فجج ) ، و غيره .

( ٢ ) نوح : ١٩ ٢٠ .

( ٣ ) النبأ : ٦ .

( ٤ ) الذاريات : ٤٨ .

( ٥ ) الزخرف : ١٠ .

( ٦ ) طه : ٥٣ .

( ٧ ) الهيئة و الاسلام ١ : ٦٨ .

١٩٠

البطش و التّصرف ١ .

قلت : بل الظاهر أنّ المراد أنّه لم يكن مخلوقا من مخلوقاته الحيّة التي لها قصد في مآربهم و حوائجهم . يقال : اعتمد فلان فلانا في حاجته إذا قصده ،

و منه قتل العمد ، أي : قتل عن قصد ، و قال خفاف بن ندبة :

و إن تك خيلي قد أصيب صميمها

فعمدا على عين تيمّمت مالكا

٢ « و الشمس و القمر دائبان » ٣ أي : جادّان ، من دأب فلان ، أي : جدّ و تعب .

و الأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى : و سخّر لكم الشمس و القمر دائبين . . . ٤ .

« في مرضاته » حيث إنّهما مسخّران له فلا يقدران خلافه ، قال تعالى :

و الشّمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم . و القمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم ٥ .

و قال الصادق عليه السّلام للزّنديق المصريّ : يلجان فلا يشتبهان ، و يرجعان قد اضطرّا ، ليس لهما مكان إلاّ مكانهما ، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان ؟ و إن كانا غير مضطرّين فلم لا يصير اللّيل نهارا و النهار ليلا ؟

اضطرّا و اللّه يا أخا أهل مصر الى دوامهما ، و الّذي اضطرارهما أحكم منهما و أكبر . فقال الزّنديق : صدقت ٦ .

« يبليان » أي يجعلان باليا .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٧ .

( ٢ ) أورده لسان العرب ٣ : ٣٠٢ مادة ( عمد ) .

( ٣ ) لم يتعرّض الشارح لشرح فقرتين ، هما : « ذلك مبتدع الخلق و وارثه » ، « و إله الخلق و رازقه » .

( ٤ ) ابراهيم : ٣٣ .

( ٥ ) يس : ٣٨ ٣٩ .

( ٦ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٧٣ ح ١ ، و الصدوق في التوحيد : ٢٩٥ ح ٤ ، و رواه الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٣٣٤ .

١٩١

« كلّ جديد » قال أبو النّجم :

طيّر عنها قنزعا من قنزع

مرّ اللّيالي أبطئي و أسرعي

أفناه قيل اللّه للشمس اطلعي

حتّى إذا داراك أفق فارجعي

١ « و يقرّبان كلّ بعيد » قال الصّلتان العبديّ :

أشاب الصغير و أفنى الكبير

. . . .

إذا هرمت ليلة يومها

أتى بعد ذلك يوم فتي

٢ « قسم أرزاقهم ، و أحصى آثارهم ، و أعمالهم » قالوا : مأخوذ من قوله تعالى :

نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا . . . ٣ ، و قوله تعالى :

و نكتب ما قدّموا و آثارهم . . . ٤ .

قلت : و من قوله عزّ و جلّ : فالمقسّمات أمرا ٥ ، و كلّ صغير و كبير مستطر ٦ ، ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ٧ و و إنّ عليكم لحافظين . كراما كاتبين . يعلمون ما تفعلون ٨ .

« و عدد أنفاسهم » في الخبر : أنّ المراد من قوله تعالى : . . . إنّما نعدّ لهم عدّا ٩ عدّ اللّه تعالى لعدد أنفاس عبيده لا لسنيّهم ، فإنّ سنيّهم يعدّها

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله السيوطي في شواهد المغني ٢ : ٥٤٥ .

( ٢ ) نقله التفتازاني في المطول : ٦١ ، أحوال الاسناد الخبري بلفظ :

أشاب الصغير و أفنى الكبير

ذكر الغداة و مرّ العشي

( ٣ ) الزخرف : ٣٢ .

( ٤ ) يس : ١٢ .

( ٥ ) الذاريات : ٤ .

( ٦ ) القمر : ٥٣ .

( ٧ ) ق : ١٨ .

( ٨ ) الانفطار : ١٠ ١٢ .

( ٩ ) مريم : ٨٤ .

١٩٢

أبواهم أيضا ١ .

« و خائنة أعينهم ، و ما تخفي صدورهم من الضمير » قال اللّه تعالى : يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ٢ .

« و مستقرّهم و مستودعهم من الأرحام و الظهور إلى أن تتناهى بهم الغايات » و هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ و مستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ٣ ، و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها و يعلم مستقرّها و مستودعها كلّ في كتاب مبين ٤ .

و عن الحسن : الإنسان مستقرّ في القبر و مستودع في الدّنيا ٥ .

و قال سليمان العدويّ :

فجع الأحبّة بالأحبّة قبلنا

فالنّاس مفجوع به و مفجّع

مستودع أو مستقرّ مدخلا

فالمستقرّ يزوره المستودع

٦ و الظاهر أنّ كلامه عليه السّلام ناظر إلى قوله تعالى : و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين . ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين . ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون . ثمّ إنّكم يوم

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج هذا المعنى عبد بن حميد في مسنده عنه الدر المنثور ٤ : ٢٨٤ عن الباقر عليه السّلام ، و أخرجه علي بن ابراهيم في تفسيره ٢ : ٥٣ ، و الكليني في الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣٣ عن الصادق عليه السّلام ، و أخرجه ابن المنذر ، و ابن أبي حاتم ، و عنهما الدرّ المنثور ٤ :

٢٨٤ عن ابن عباس ، و جاء أيضا عنه في تنوير المقباس ٣ : ٢١٨ .

( ٢ ) غافر : ١٩ .

( ٣ ) الأنعام : ٩٨ .

( ٤ ) هود : ٦ .

( ٥ ) أخرجه ابو الشيخ عنه الدرّ المنثور ٣ : ٣٦ عن الحسن و قتادة ، و جاء في المصدر أقوال أخرى في الآية .

( ٦ ) أورده مجمع البيان ٤ : ٣٤٠ .

١٩٣

القيامة تبعثون ١ .

« هو الّذي اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة رحمته ، و اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته » بخلاف الملوك ، فلا تجتمع فيهم شدّة النقمة و سعة الرحمة في وقت واحد ، و في ( دعاء الافتتاح ) : أيقنت أنّك أرحم الراحمين في موضع العفو و الرّحمة ، و أشدّ المعاقبين في موضع النكال و النّقمة ٢ .

« قاهر من عازّه » أي : غالبه ، بمعنى : أراد الغلبة عليه ، و قال فرعون يا أيّها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلّي اطّلع الى إله موسى و إنّي لأظنّه من الكاذبين . و استكبر هو و جنوده في الأرض بغير الحقّ و ظنّوا أنّهم الينا لا يرجعون . فأخذناه و جنوده فنبذناهم في اليمّ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ٣ .

« و مذلّ من ناواه » أي : عاداه ، قال الجوهري : و أصله الهمزة ، لأنّه من النوء ،

و هو النهوض ٤ .

قال تعالى : . . . و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فأخذتهم فكيف كان عقاب ٥ ، . . . فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصّيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا . . . ٦ .

« و غالب من عاداه » قال تعالى : . . . و اللّه غالب على أمره و لكنّ أكثر الناس

ــــــــــــــــ

( ١ ) المؤمنون : ١٢ ١٦ .

( ٢ ) نقله ضمن الدعاء الطوسي في مصباح المتهجد : ٥٢٠ ، و الكفعمي في البلد الأمين : ١٩٣ .

( ٣ ) القصص : ٣٨ ٤٠ ، لم يتعرض الشارح لشرح فقرة : « و مدمّر من شاقّه » .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٥١٧ مادة ( نوى ) .

( ٥ ) غافر : ٥ .

( ٦ ) العنكبوت : ٤٠ .


١٩٤
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

لا يعلمون ١ ، و قال الشاعر في قيام قريش ، و كانوا يكنّون عنهم بسخينة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

و ليغلبنّ مغالب الغلاّب

٢ « و من توكّل عليه كفاه » . . . و من يتوكّل على اللّه فهو حسبه . . . ٣ ، و قد كفى تعالى من المتوكلين عليه خليله ابراهيم عليه السّلام ، قال تعالى : قالوا حرّقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم . و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ٤ .

و كفى حبيبه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، قال تعالى له : فاصدع بما تؤمر و اعرض عن المشركين . إنّا كفيناك المستهزئين . . . ٥ فأهلك تعالى جميع المستهزئين به : الوليد بن المغيرة ، و العاص بن وائل ، و عدي بن قيس ،

و الأسود بن المطلب ، و الأسود بن عبد يغوث ، و غيرهم ، كلّ واحد ببليّة .

« و من سأله أعطاه » قال زكريا : . . . فهب لي من لدنك وليّا . يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله ربّ رضيّا . يا زكريا إنّا نبشّرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا . قال ربّ أنّى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا و قد بلغت من الكبر عتيّا . قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن و قد خلقتك من قبل و لم تك شيئا ٦ .

« و من أقرضه قضاه » و أعطاه ما أقرض من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا

ــــــــــــــــ

( ١ ) يوسف : ٢١ .

( ٢ ) أورده أساس البلاغة : ٢٠٥ مادة ( سخن ) .

( ٣ ) الطلاق : ٣ .

( ٤ ) الأنبياء : ٦٨ ٧٠ .

( ٥ ) الحجر : ٩٤ ٩٥ .

( ٦ ) مريم : ٥ ٩ .

١٩٥

حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة . . . ١ ، من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم ٢ .

« و من شكره جزاه » . . . لئن شكرتم لأزيدنكم . . . ٣ .

٨

من الخطبة ( ٨٩ ) و من خطبة له عليه السّلام تعرف بخطبة الأشباح ، و هي من جلائل خطبه ،

و كان سأله سائل أن يصف اللّه حتّى كأنّه يراه عيانا ، فغضب عليه السّلام لذلك :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لاَ يَفِرُهُ اَلْمَنْعُ وَ اَلْجُمُودُ وَ لاَ يُكْدِيهِ اَلْإِعْطَاءُ وَ اَلْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ وَ هُوَ اَلْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ اَلنِّعَمِ وَ عَوَائِدِ اَلْمَزِيدِ وَ اَلْقِسَمِ عِيَالُهُ اَلْخَلْقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَ نَهَجَ سَبِيلَ اَلرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ وَ اَلطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ وَ لَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ اَلْأَوَّلُ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ قَبْلَهُ وَ اَلْآخِرُ اَلَّذِي لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ بَعْدَهُ وَ اَلرَّادِعُ أَنَاسِيَّ اَلْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اِخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ اَلْحَالُ وَ لاَ كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ اَلاِنْتِقَالُ قول المصنف : « تعرف بخطبة الأشباح » قال ابن أبي الحديد : الأشباح :

الأشخاص ، و المراد بهم ها هنا الملائكة لأنّ الخطبة تتضمّن ذكر الملائكة ٤ ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٤٥ .

( ٢ ) الحديد : ١١ .

( ٣ ) ابراهيم : ٧ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٩ .

١٩٦

و تبعه الخوئي ١ ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الخطبة كانت متضمّنة لذكر لفظ الأشباح ، كما أنّ الخطبة الشقشقيّة ٢ متضمّنة لذكر الشقشقة ، و روى ( الروضة ) خطبة معروفة بالطالوتية ٣ تضمّنت قصة طالوت ، و روى خطبة معروفة بالوسيلة ٤ لكونها متضمّنة لذكر الوسيلة ، و في هذه و إن لم نقف على لفظ أشباح ، إلاّ أنّ المصنف لم ينقل جميعها ، بل انتخب منها ، فقال تارة فيها : منها :

في صفة خلق السماء ، و أخرى قال : منها : ثمّ خلق سبحانه ، و ثالثة : منها : في صفة الأرض .

و لو كانت العلّة ما ذكر كان كثير من خطب النهج متضمّنا لذكر الملائكة ، و منها في الأولى ، فلم خصّت هذه بالتّسمية ، مع أنّه أيّ مناسبة للتعبير عن الملائكة بالأشباح ؟ و إنّما استعمل الأشباح في كلامه عليه السّلام في مقابل الأجناس ، ففي خطبة له عليه السّلام رواها ( توحيد الصدوق ) : « ليس بجنس فتعادله الأجناس ، و لا بشبح فتضارعه الأشباح » ٥ ، و الظاهر أنّ المراد به الجسميّة ،

ففي أخرى رواها : « ليس بشبح فيرى » ٦ .

و الظاهر أنّه كان فيها هذه الفقرة : « و كيف يوصف بالأشباح و ينعت بالألسن الفصاح » رواها أواخر توحيد توحيده ٧ فسقطت منها ، يعني لم ينقلها .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٣ : ٧٤ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٣٠ الخطبة ( ٣ ) .

( ٣ ) الكافي ٨ : ٣١ ح ٥ .

( ٤ ) الكافي ٨ : ١٨ ح ٤ .

( ٥ ) التوحيد للصدوق : ٧٠ ح ٢٦ .

( ٦ ) التوحيد للصدوق : ٧٨ ح ٣٤ .

( ٧ ) أخرج الصدوق الخطبة بروايتين في التوحيد : ٤٨ ح ١٣ و : ٧٧ ح ٣٤ ، و توجد هذه الفقرة في الرواية الثانية فقط ، و الأولى أوفق بلفظ نهج البلاغة .

١٩٧

« و هي من جلائل » جمع الجليلة .

« خطبه » و في ( ابن أبي الحديد ) ١ « الخطب » .

« و كان سأله سائل » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) ٢ « و كان سائل سأله » .

« أن يصف اللّه » هكذا في ( المصرية ) و زاد ابن ميثم : ٣ « تعالى » و ( الخطية ) :

« له » .

« حتّى كأنّه يراه عيانا فغضب عليه السّلام لذلك » و زاد ابن ميثم ٤ : « و قال الخطبة » .

ثم الكلام من قوله : « و كان إلى لذلك » في ( المصرية ) و ( ابن ميثم و الخطبة ) على اختلاف كما عرفت ، و ليس في ( ابن أبي الحديد ) رأسا ، و نقل ابن أبي الحديد بدل ذاك الكلام : « روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام أنّه قال : خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بهذه الخطبة على منبر الكوفة ،

و ذلك أنّ رجلا أتاه فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربّنا مثل ما نراه عيانا لنزداد له حبّا و به معرفة ، فغضب و نادى الصلاة جامعة . فاجتمع إليه الناس حتى غصّ المسجد بأهله ، فصعد المنبر و هو مغضب متغيّر اللون ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال : . . . » و مثله نقل ابن ميثم زائدا على ذلك الكلام بدون فقرة « مثل ما نراه عيانا » و تبديل « ثم قال » في الآخر بقوله : « ثمّ خطبها » ٥ و ليس في ( الخطية ) رأسا ٦ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٨ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٢٢ « خطبه » أيضا .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣٢٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) و حذف الباء من أول هذه و حذف ( اليه ) بعد ( فاجتمع ) .

( ٦ ) جمع ابن ميثم بين عنوان نهج البلاغة ١ : ١٦٠ و شرح ابن أبي الحديد بفرق يسير ، و العنوان المذكور في رواية التوحيد :

٤٨ ح ١٣ نحو ابن أبي الحديد ، و قد مرت الاشارة الى الاختلاف في مقدمة المؤلف .

١٩٨

و جمع الرّضي رضوان اللّه عليه بينهما مشكل حيث إنّه كالتكرار ، و ليس ذلك دأبه ، و كأنّ نسخ النّهج كانت مختلفة ، فنسخة ابن أبي الحديد منه كانت متضمّنة لنقل الرواية ، و النسخة الخطية لنقل الكلام بدلها ، و ابن ميثم جمع بينهما .

و كيف كان ، فلا ريب أنّه رواية مسعدة عن الصادق عليه السّلام ، فروى ( توحيد الصدوق ) عن الأسدي عن البرمكي عن علي بن العباس عن إسماعيل بن مهران عن إسماعيل بن إسحاق الجهني عن فرج بن فروة عن مسعدة عن الصادق عليه السّلام : بينا أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربّك لنزداد له حبّا و به معرفة ، فغضب أمير المؤمنين عليه السّلام و نادى الصّلاة جامعة . فاجتمع الناس حتّى غصّ المسجد بأهله ثمّ قام متغيّر اللون ، فقال : الحمد للّه الذي لا يفره المنع ، و لا يكديه الإعطاء . . . ١ لكن ليس فيه جميع ما في النهج ، و فيه اختلافات .

و كيف كان فإنّما غضب عليه السّلام لأنّه أحسّ من الرّجل أنّه طلب منه عليه السّلام و صفه تعالى بالكنه ، و تعريفه بالتّشبيه ، ففي الخطبة على رواية ( التّوحيد ) :

« الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي كرامته ، و طول ولههم إليه ،

و تعظيم جلال عزّه ، و قربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلاّ ما أعلمهم » ٢ .

و فيها أيضا : « أيّها السائل اعلم أنّ من شبّه ربّنا الجليل بتباين أعضاء

ــــــــــــــــ

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٤٨ ح ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٥٠ ح ١٣ .

١٩٩

خلقه . . . » ١ فسؤال الرجل و غضبه عليه السّلام نظير سؤال بني إسرائيل موسى بن عمران عليه السّلام أن يريهم اللّه عيانا ، فغضب تعالى عليهم كما أخبر عزّ و جلّ عنهم بقوله : و إذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرة فأخذتكم الصاعقة و أنتم تنظرون ٢ .

« الحمد للّه الّذي لا يفره » هنا متعدّ و يأتي لازما أيضا ، يقال : و فرت الشي‏ء و وفر الشي‏ء .

« المنع » كالنّاس .

« و الجمود » هكذا في ( المصرية ) ، و ليست الكلمة في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ ، فهي زائدة .

« و لا يكديه » بالضمّ ، قال تعالى : و أعطى قليلا و أكدى ٤ ، أي : قطع القليل .

« الإعطاء و الجود » كالمخلوقين .

« إذ كلّ معط منتقص سواه » علّة لقوله : « و لا يكديه الإعطاء و الجود » .

« و كلّ مانع مذموم » صفة مانع .

« ما خلاه » يعني : سواه ، و الجملة علّة لقوله : « لا يفره المنع » يعني ليس منعه بخلا فيستحق الذم ، بل حكمة فيستحق الحمد أيضا ، لأنّه منع ظاهرا و أعطى في الحقيقة ، و المعنى : و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء إنّه بعباده خبير بصير ٥ ، و أصبح الّذين تمنّوا

ــــــــــــــــ

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٥٤ ح ١٣ .

( ٢ ) البقرة : ٥٥ .

( ٣ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٨ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٢٣ أيضا .

( ٤ ) النجم : ٣٤ .

( ٥ ) الشورى : ٢٧ .

٢٠٠