الامثال في نهج البلاغة

الامثال  في نهج البلاغة0%

الامثال  في نهج البلاغة مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 183

الامثال  في نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد الغروي
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 183
المشاهدات: 49618
تحميل: 9064

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49618 / تحميل: 9064
الحجم الحجم الحجم
الامثال  في نهج البلاغة

الامثال في نهج البلاغة

مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إليه ليتزّوج بها فخرج في ألف فارس وخلّف باقي جنوده مع ابن أخيه.. (1) .

وهو مثل يضرب لمن خالف نصح الناصح، وما أكثر من نزول الويل على من ترك نصح ذي الحجى وحلول الندامة عند معصية ذوي الرأي والإشفاق؟! وهل كان أحد أسدّ من الأمير (عليه السّلام) رأياً وأكثر إشفاقاً على الرعيّة. وإنّ حادثة التحكيم المفروض منهم على الإمام (عليه السّلام) لمن أمرِّ الحوادث وأشدّها على الإسلام والمسلمين من جرّاء العصيان والتمرّد.

____________________

(1) السفينة 2: 431

١٢١

باب الميم

١٢٢

الميم مَعَ الألف

40 - مَا عَدا مِمَّا بَدا (1) .

جاء المثل في آخر كلام له (عليه السّلام) لما أنفذ عبد الله بن عبّاس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته:

(لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ، ويَقُولُ هُو الذَّلُولُ. ولَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ "فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا").

قال الرضي (رحمه الله):

(وهو (عليه السّلام) أوّل من سمعت منه هذه الكلمة أعني: (فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا)).

كتبها كلّ من الميداني (2) والمفضل (3) وغيرهما ناسبين لها إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وهي صالحة للمثل، بل هي هو.

قال القطب الراوندي:

(قوله: (فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا) له معنيان:

أحدهما: ما الذي منعك مما كان قد بدا منك من البيعة قبل هذه الحالة.

الثاني: ما الذي عاقك، ويكون المفعول الثاني لـ (عدا) محذوفاً يدل عليه الكلام، أي ما عداك. يريد: ما شغلك وما منعك ممّا كان بدا لك من نصرتي) (4) .

وقيل:

(المعنى: ما الذي صدّك عن طاعتي بعد إظهارك لها. وحذفُ الضمير المفعول المنصوب كثيرٌ جدّاً، كقوله تعالى: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ

____________________

(1) النهج 2: 162، 31/كلام.

(2) المجمع 2: 296 حرف الميم.

(3) الفاخر 1 - 3.

(4) شرح النهج 2: 164.

١٢٣

مِنْ رُسُلِنَا ) (1) : أي أرسلناه) (2) .

يمكن كونه مثلاً سائراً تمثّل الإمام به، أو من باب توارد الخواطر، أو من كلمات قصار صالحة للمثل كما تقدم. قيل: أجاب زبير بعد إبلاغه:

(أبلغه سلامي وقل له: عهد خليفة، ودَم خليفة، وإجماع ثلاثة، وانفراد واحد وأمّ مبرورة، ومشاورة العشيرة...) (3) .

____________________

(1) سورة الزخرف: الآية 45.

(2) شرح النهج 2: 164.

(3) الفاخر 301 (بتصرف طفيف).

١٢٤

الميم مَعَ التّاء

41 - والْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ (1) .

من كتاب له (عليه السّلام) إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أنّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستخلافه:

(وقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، ونَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، لا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ ولا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ و"الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ").

قال الرّضي (رحمه الله):

(قوله (عليه السّلام): (الْوَاغِل) هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدّفعاً محاجزاً، و(النَّوْط الْمُذَبْذَبِ): هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبداً يتقلقل إذا حثّ ظهره واستعجل سيره.

وقيل:

(الواغل: غير المدعوّ إلى وليمة، المعبّر عنه بـ: الطفيل. لا يزال يدفع بإخراجه عن ذلك) (2) .

قوله (عليه السّلام) (فَلْتَةٌ): (الفلتة: وقوع الأمر من غير تدّبر ولا روّية، وكلّ شيء يفعله الإنسان فجأة من غير تدبّر ولا روّية، ومنه قول عمر: كانت بيعة‌ أبي بكر فلتة وقى الله شرّها (3) .

ومراده (عليه السّلام) من فلتة أبي سفيان قَولته في تبنّي زياد وأنه ولده. لا يثبت بهذا القول بنّوةٌ في ظاهر الشرع، يتوارث عليها. فشبّهه (عليه

____________________

(1) النهج 16: 177، 44/ك.

(2) هامش بعض نسخ النهج.

(3) مجمع البحرين في (فلت) [بتصرُّف].

١٢٥

السلام) المتعلّق بها كمن يهجم على ورد ماء ليس من أصحابه، فيدفع عنه ويمنع عن ورود الورد أشّد المنع، أو كمن علّق على دابته قعباً أو قدحاً متقلقلاً أبداً، وكِلا التمثيلين لمدّعى بنوّة من لا يكون له، كأبي سفيان بدعوة بنوّة زياد ولزياد نفسه.

١٢٦

الميم مَعَ الثّاء

42 - مَثَلُ آلِ مُحمَّد ٍ كمَثَلِ نُجومِ السَّماءِ (1) .

في آخر خطبة له (عليه السّلام) (... أَلا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ "إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ").

تمثيلهم (عليهم السّلام) بالنجوم تكرّر في أحاديثهم، كما جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ما يطابق ذلك.

روى الشيخ الصدوق بسنده إلى ابن عبّاس في حديث قال:

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (... ومثلكم مثل النجوم كلمّا غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة) (2) .

إذا جهل السالكون الطريق في الليل المظلم اهتدوا بنجوم السماء كما قال تعالى: ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (3) بإضاءتها وانتظام الساكنة والسائرة منها، حيث يستدلّ بوضعها على قطاع الأرض المنقسمة إلى أقاليمها السبعة، وعلى أبعاض الليل وساعاته. والناس إذا جهلوا، والجهل أصلهم حيث أخرجوا من بطون أمّهاتهم لا يعلمون شيئاً كما في الآية (4) ، افتقروا إلى الإضاءة في السلوك إلى الله تعالى إلى هداة يهدونهم سبل السلام؛ من هنا جاء تمثيلهم (عليهم السّلام) بالنجوم ووقع في محلّه!

والمشابهة‌ بين أهل البيت (عليهم السّلام) والنجوم من وجوه: هي الإضاءة، وامتدادها بقيام إمام عند موت إمام كطلوع نجم إذا خوى نجم،

____________________

(1) النهج 7: 84، 99/ط.

(2) الأمالي 238.

(3) سورة النحل الآية 16.

(4) سورة النحل الآية 78.

١٢٧

والرفعة المختصة بهم (عليهم السّلام) التّي اختارها الله تعالى لهم لا يشاركهم غيرهم فيها، وسرور الناظر إلى نجوم الولاية كما يسُرّه إذا نظر إلى نجوم السماء، وغيرها من وجوه لا تحصل بتمثيل الشمس والقمر وإن جاء في دعاء الندبة: (أين الشموس الطالعة، والأقمار المنيرة) (1) وغير الدعاء، لاختلاف وجهة الأهداف من التمثيل. وإن شئت الوصول إلى واقع التمثيل، فابحثْ عن لزوم الحجّة في الأرض واستحالة خلّوها عند العقول والفطرة السليمة التّي تؤيّدها صحاح الأخبار أنّه لو خلت عن الحجّة لساخت بأهلها (2) .

____________________

(1) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي.

(2) أصول الكافي 1: 178.

١٢٨

43 - مَثَلُ الدُّنيَا كَمَثلِ الْحَيَّةِ (1) .

قال (عليه السّلام): ("مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ" لَيِّنٌ مَسُّهَا والسَّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ ويَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ).

يشابه المثل المثلَ الآخر منه (عليه السّلام) في كتاب له كتبه إلى سلمان الفارسي (رحمه الله) قبل أيّام خلافته: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ: لَيِّنٌ مَسُّهَا، قَاتِلٌ سَمُّهَا. فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا، وضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا...) (2) .

لا يفتقر المثلان إلى توضيح بعد القدر المشترك بين الحيّة والدّنيا في إهلاك مزاولهما وأنّهما عدّو الإنسان والعاقل يكون على حذر دائماً منهما.

يقول أبو العتاهية:

إِنَّما الدَهرُ أَرقَمٌ لَيِّنُ المَس

وَفي نابِهِ السَقامُ العَقامُ (3)

وتجد الإمام (عليه السّلام) يمثّل الدنيا بما يحذّر الناس من اعتناقها إلاّ بقدر الحاجة، والقرآن الكريم والسنّة النبويّة وتمام روايات أهل البيت (عليهم السّلام) تحذّرهم عنها غاية التحذير، وقد جاء في الحديث: (حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة) (4) .

وجاءت في الكتاب والسنّة تمثيلاتٌ للدّنيا ببيت العنكبوت، والعجوز، والبحر العميق،

____________________

(1) النهج 18: 284، 115/ح.

(2) النهج 18: 34، 68/ك.

(3) شرح النهج 18: 284.

(4) الوسائل 11: 308.

١٢٩

وفصول السنة، والماء النازل من السماء، والخضرة.... وكلّ ذلك يشهد له الواقع، وكان عمل الإمام (عليه السّلام) وزهده في الدنيا، بل وعمل أهل البيت (عليهم السّلام) وزهدهم فيها يجسّد التحذير عنها أكثر منه من القول؛ لأنّ العمل يترك في النفوس من الأثر غير الوصف.

١٣٠

44 - مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيا كمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ (1) .

في وصيّته لابنه الحسن (عليهما السّلام) مثلان ضربهما لمن خبر الدنيا ولمن اعتّر بها.

قال (عليه السّلام):

(إِنَّمَا "مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ" نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيباً وجَنَاباً مَرِيعاً، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ وفِرَاقَ الصَّدِيقِ وخُشُونَةَ السَّفَرِ وجُشُوبَةَ المَطْعَمِ لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ ومَنْزِلَ قَرَارِهِمْ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً، ولا يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً، ولا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ. ومَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ، ولا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ، مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ ويَصِيرُونَ إِلَيْهِ).

في المثلين شرح كافٍ، وقد كثر ضرب الأمثال للدنيا وأهلها في الكتاب والسنّة؛ تحذيراً عن سوء المغّبة‌ وترغيباً إلى رفضها والإقبال على الله (عَزَّ وجَلَّ). وفي ضرب المثل في التحذير أو الترغيب بما يجسّد المحذَّر منه أو المرغَّب فيه ما لا يحصل بغيره، وهكذا سائر الدّواعي والأغراض.

قوله (عليه السّلام): ((نَبَا): يقال: نبا عنه بصره ينبو: أي تجافى ولم ينظر إليه. وبنا به منزله، إذا لم يوافقه) (2) .

(يقول: مثل من عرف الدنيا وعمل فيها للآخرة كمن سافر من منزل

____________________

(1) النهج 16: 82، 31/الوصية.

(2) نهاية ابن الأثير في (نبا).

١٣١

جدب إلى منزل خصيب فلقى في طريقه مشقّة، فإنّه لا يكترث بذلك في جنب ما يطلب. وبالعكس من عَمَل للدنيا وأهمل أمر الآخرة، فإنّه كمن سافر إلى منزل ضنك ويهجر منزلاً رحيباً طيّباً) (1) .

____________________

(1) شرح النهج 16: 83.

١٣٢

الميم مَعَ الرّاء

45 - المَرأْةُ رَيحَانةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ (1) .

جاء المثل في وصيّته لابنه الحسن (عليهما السّلام):

(ولا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ "الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ" ولا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا ولا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا).

في الوصيّة عدّة أمور ترتبط بالمرأة:

منها: المنع من إدخالها في الشئون المعاشيّة التي يقوم بها الرجل؛ تبنى على الأغلب على صعوبة وخشونة لا تلائم نعومة المرأة وضعفها الذّاتيّ؛ ولأجلها قال (عليه السّلام): (فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ).

ومنها: المنع عمّا يمسّ كرامتها من ذهابها إلى اجتماعات رجاليّة أو نسائيّة، فإنّ المرأة تسعى غالباً فيما فيه زينتها وتسويل نفسها.

ومنها: المنع عن الشفاعة لغيرها؛ إذ لا تكون فكرتها ترجع إلى دين المشفوعة.

ومنها: ترك مشاركتها في المشورة، والأمر بشّدة‌ حجابها.

وإلى الأخيرَيْن أشار (عليه السّلام) في الوصيّة بقوله: (وإِيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ، وعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ. واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ. ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ. وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ) (2) .

ثم التمثيل بالريحانة يقصد منه اللّذة والتّمتع وسكون الرجل إليها،

____________________

(1) النهج 16: 122، 31/الوصية.

(2) المصدر.

١٣٣

وضمان حياته الثانية بالولد الذي يبقى الوالد به وإن كان ميّتاً. فلأمرٍ أهمّ خُلقت: من تربية أولاد، وإدارة شئون داخليّة هي وسائل الثقة، وفراغ البال لعبادة الله تعالى، الغاية من الخلق كما قال (عزّ وجلّ): ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (1) ؛ ومن هنا وجبت النفقة على الرجل حتّى لا تهتمّ بشيء سوى ما تقدّم.

____________________

(1) سورة والذاريات: الآية 56.

١٣٤

46- الْمَرأةُ عَقْرَبٌ حُلوَةُ اللَّسِبَةِ (1) .

من تمثيلاته (عليه السّلام).

اللّسبة: اللسعة. لَسَبَتْه العقربُ (بالفتح): لَسَعَتْهُ. ولَسِبْتُ العسلَ، أي لَعِقْتَه) (2) .

جاءت عدّة تمثيلات في مدح المرأة ‌وقدحها:

من الأوّل : (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) (3) ، (المرأة لعبة) (4) ، (النساء شقائق الرجال) (5) .

ومن الثاني: (المرأة مثل الضلع المعوّج إن تركته انتفعت به) (6) .

هي الضلعُ العَوْجاءُ لستَ تُقِيْمَها

ألا إنّ تقويمَ الضلوعِ انكسارُها

أيجمعنَ ضَعفاً واقْتِداراً على الفتى

أليس عجيباً ضعفُها واقتدارُها؟!

(المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها أنّه لابدّ منها) (7) .

إنّ النساءَ كأشجارٍ نبتنٍ معاً

هُنَّ المرارُ وبعضُ المرِّ مأكولُ

إنّ النساءَ متى يُنْهَيْنَ عن خُلِقٍ

فإنّه واجبٌ لابدّ مفعولُ (8)

قيل: إنّ كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأنّ الله تعالى ذكر الشيطان فقال: ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) (9) ، وذكر النساء فقال: ( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (10) .

والجواب: أنّ ضعف كيد الشيطان إنّما هو في جنب الله تعالى، وعظم كيد النساء بالقياس إلى الرجال.

وبعد ذلك كلّه، أنّه لولا النساء لما كان الرجال وإنْ افترقن عنهم بفروق.

____________________

(1) النهج 18: 198، 59/ح.

(2) المصدر.

(3) عيون ابن قتيبة 4: 79.

(4) الوسائل 14: 119.

(5) نهاية ابن الأثير في (شفق).

(6) الوسائل 14: 123.

(7) النهج 19: 69، 235/ح.

(8) النهج 18: 200.

(9) سورة النساء الآية 76.

(10) سورة يوسف الآية 28.

١٣٥

الميم مَعَ السّين

47 –

مُسْتَقْبِلين رِيَاحَ الصَّيفِ تَضْرِبُهُم

بحَاصِبٍ بَيْنَ أَغوارٍ وَجَلمُود (1)

تمثلّ (عليه السّلام) بهذا البيت في كتابه إلى معاوية جواباً عن كتابه:

(أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأُلْفَةِ والْجَمَاعَةِ، فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وكَفَرْتُمْ... وذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ، وقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ، وإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ:

«مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ

بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وجُلْمُودِ»).

(الحاصب لقوم لوط، وهي ريح عاصف فيها حصباء، والحصباء: صغار الحصى. والأغوار: جمع غور، والغور: ما بين ذات عرق إلى البحر غور تهامة، فتهامة أوّلها ذات عرق من قبل نجد إلى مرحلتين من وراء مكّة وما وراء ذلك فهو الغور. وجلمود أو جلمد كجعفر وعصفور: الصخر، ميمه زائدة) (2) وقيل: الغور الغبار.

وحصيلة كلام الإمام (عليه السّلام) تكذيب معاوية أن يكون معه مهاجر أو ناصر بانقطاع الهجرة بأسر أخيه يزيد بن أبي سفيان في باب الخندمة، بل الذين معه هم أبناء الطلقاء، فإن زرتك فأنا نقمة الله عليك وإن زرتني فأنت كأرياح الصيف لا فائدة فيها سوى ضرب الوجوه بصغار الحصى

____________________

(1) النهج 17: 250، 64/ ك.

(2) مجمع البحرين: في (حصب، وغور، وجلمد) [ملخَّصاً].

١٣٦

والغبار، أو بين الصخور من أراضي تهامة، أي زيارتك شرّ كلّها.

قال المعتزلي :

(كنت أسمع قديماً أنّ هذا البيت من شعر بشر بن أبي حازم الأسدي والآن قد تصفحت شعره فلم أجده ولا وقفت على قائله) (1) .

وكيف كان فالمثل منطبق على كلّ من فيه صفة معاوية مهما كان نوعه فزيارة المنافقين كلّها شرّ لا خير فيها، إذ لم يرد بها وجه الله (عَزَّ وجَلَّ)، وليست هي من رَوْح الله كزيارة المؤمنين.

____________________

(1) رسالة الإسلام 127 (عدد 7 - 8).

١٣٧

الميم مَعَ النّون

48 - مَنْ سَلَكَ الطَّريق َ الواضِحَ وَرَدَ المَاءَ (1) .

من كلام له (عليه السّلام) يجري مجرى الأمثال:

(... أَيُّهَا النَّاسُ، "مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ"، ومَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِّيهِ).

والتيه: المفازة لا يهتدي سالكها.

ونظير المثل المثل: ((مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثَار) الجدد الأرض المستوية. ويروى: (مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَار..)، وهي أرض رخوة تتعتع فيها الدّوابّ، يضرب لطالب العافية) (2) .

إرشاد منه (عليه السّلام) يلمسه كلّ أحد يرشد به أصحابه ويحذّرهم عن سلوك ما يعطبون به. وأمره (عليه السّلام) أوضح من كلّ واضح، إن تمسّك متمسّك به نجا ومن خالفه هلك، وقد جاء الحديث النبويّ: (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق) (3) .

والمراد بالتمثيل ليس هو مجرّد الولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) فقط، بل لابدّ من العمل بما يقولون ويحبّون والاتباع المورث لحبّ الله تعالى كما قال تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) (4) . وعليه فالمثل واقع موقعه؛ إذ إنّ السالك الطريق الواضح يصل إلى ما يقصده من سلوكه، والمنحرف عنه يفوته وليس له إلاّ التعب أو العطب.

وقد أتمّ الله الحجّة على النّاس وبلّغها أنبياؤه وبلغ إيّاها الرّسول وأوصياؤه المعصومون (صلّى الله عليهم وسلّم)، وبعد ذلك كلّه إمّا أن يشكروا أو يكفروا كما قال تعالى: ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (5) ، هما طريق الشّر

____________________

(1) النهج 10: 261، 194/كلام.

(2) المستقصي 2: 356.

(3) حرف الميم من الأمثال النبويّة .

(4) سورة البلد الآية 10.

١٣٨

والخير، وقال تعالى: ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (1) ، ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (2) . الأنبياء والأوصياء والشّرائع السماويّة هي الحجج الظاهرة، والعقول الموهبة للنّاس وما فطروا عليه من المعرفة به تعالى ودينه الحجج الباطنة، فقد تمّت رسل الله من خارج وداخل ( ِلئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (3) .

____________________

(1) سورة الإنسان الآية 3.

(2) سورة الأنعام الآية 149.

(3) سورة النساء الآية 165.

١٣٩

49 - مَنْ لاَنَ عُودُه كَثُفَتْ أَغْصانُهُ (1) .

ذكروا:

(أنّ من حَسُنَ خلقُه ولاَنتْ كلمته كَثُر محبّوه وأعوانه وأتباعه، ونحوه: (مَنْ لاَنتْ كلِمَتْهُ وَجَبَتْ مَحَبَّتُهُ)، وقال تعالى: ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (2) . وأصل هذه الكلمة مطابق للقواعد الحكميّة - أعني الشجرة ذات الأغصان - حقيقة، وذلك لأنّ النبات كالحيوان في القوى النفسانيّة، أعني الغاذّية والمنميّة، وما يخدم الغاذّية من القوى الأربع، وهي: الجاذبة والماسكة والدافعة والهاضمة، فإذا كان اليَبْس غالباً على شجرة، كانت أغصانها أخفّ وكان عودها أدّق. وإذا كانت الرطوبة غالبة، كانت أغصانها أكثر وعودها أغلظ، وذلك لاقتضاء اليبس الذبول، واقتضاء الرّطوبة الغلظ والعبالة والضخامة، ‌ألا ترى أنّ الإنسان الذي غلب اليبس على مزاجه لا يزال مهلوساً نحيفاً، والذي غلبت الرطوبة عليه لا يزال ضخماً عبلاً) (3) .

في الصادقيّ: (يا شيعة‌ آل محمّد، اعلموا أنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صُحبةَ من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره، وممالحة من مالحه. يا شيعة آل محمّد، اتقوا الله ما استطعتم ولا قوّة إلاّ بالله).

وعنه (عليه السّلام) في قول الله (عَزَّ وجَلَّ): ( إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ) (4) ، قال: (كان يوسِّع المجلس، ويستقرض للمحتاج، ويعين الضعيف) (5) .

____________________

(1) النهج 19: 35، 210/ح.

(2) سورة آل عمران الآية 159.

(3) شرح النهج 19: 35.

(4) سورة يوسف الآية 36.

(5) أصول الكافي 2: 637.

١٤٠