الامثال في نهج البلاغة

الامثال  في نهج البلاغة0%

الامثال  في نهج البلاغة مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 183

الامثال  في نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد الغروي
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 183
المشاهدات: 49619
تحميل: 9064

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49619 / تحميل: 9064
الحجم الحجم الحجم
الامثال  في نهج البلاغة

الامثال في نهج البلاغة

مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الهمزة مع التّاء

2 - اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه (1) .

من كتاب له (عليه السّلام) إلى عمرو بن العاص:

(فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ، مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، ويُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ. فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وطَلَبْتَ فَضْلَهُ "اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ"، ويَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وآخِرَتَكَ، ولَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ...).

إذا دنئت نفس المرء غربت عنها المكارم الإنسانيّة والأخلاق المرضيّة، ورسخت فيها أضدادها واستحكمت خِلال البهائم والسباع فيها إلى الغاية، فإذا استولى الغضب عليها فأسدٌ مفترسٌ لا همّ له سوى الافتراس، وإذا ملكها الطمع فصاحبها كلب لائذ ينتظر ما يلقى إليه، أو الاحتيال فثعلب.. وهلمّ جرّاً في كلّ خصلة تختصلها السباع والحيوانات، تنكشف لذوي البصائر من الناس فضلاً عن أمير المؤمنين الذي يرى الأشياء كما هي. إذا وصف شيئاً منحه نعوته الجديرة به؛ لأنّه (عليه السّلام) الحَكَم العدْل الذي يعطي كلّ ذي حق حقّه، فمن نظر إلى معاوية وابن العاص وجد الخلال التي بيّنها الإمام (عليه السّلام) من الفسق وشين الكريم وتسفيه الحليم فيهما، وأنّهما يجريان مجرى الكلاب والأسود عند الفريسة، تابعة متبوعة.

وعن ابن مزاحم في كتاب صفّين بلفظ:

____________________

(1) النهج 16: 160، 39/ك.

٢١

(أمّا بعد فإنّك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه ويسفّه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعاً كما قيل: (وافق شن طبقة) (1) . فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك... فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما لليل دجى أو أتى الصبح، يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته، ولكن لا نجاة‌ من القدر...) (2) .

____________________

(1) من الأمثال السائرة: مجمع الأمثال 2: 359 حرف الواو.

(2) شرح النهج 16: 163.

٢٢

الهمزة مع الحاء

3- أحببْ حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما (1) ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .

من كلمات الإمام (عليه السّلام) الحكميّة، عدّه أبو هلال العسكري من الأمثال في جمهرته ، وقال: المثل لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه). وهوناً أي قصداً غير إفراط، وهو من قول النمر بن تولب:

وَأَحبِب حَبيبَكَ حُبّاً رُوَيداً

لئلاّ يَعولُكَ أن تَصْرِما

وَأَبغض بَغيضكَ بُغضاً رُوَيداً

إِذا أَنتَ حاوَلتَ أَن تَحكُما

ومن أجود ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم: (لا تكن مكثراً ثمّ تكون مقلاّ فيعرف سرفك في الإكثار وجفاؤك في الإقلال) (2) .

قال الشارح:

(الهَون بالفتح: التأني، والبغيض: المبغض. و خلاصة هذه الكلمة: النهي عن الإسراف في المودّة والبغضة؛ فربّما انقلب مَن تودّ فصار عدّواً، وربّما انقلب مَن تعاديه فصار صديقاً... وقال بعض الحكماء: توقّ الإفراط في المحبّة فإنّ الإفراط فيها داعٍ إلى التقصير منها، ولأن تكون الحال بينك وبين حبيبك نامية أولى من أن تكون متناهية... وقال الشاعر:

أَحبِب إِذا أَحبَبتَ حُبّاً مُقارِباً

فَإِنَّكَ لا تَدري مَتى أَنتَ نازِعُ

وَأَبغِض إِذا أَبغَضتَ بُغضاً مباينٍ

فَإِنَّكَ لا تَدري مَتى أَنتَ راجِعُ

وقال عديّ بن زيد:

____________________

(1) النهج 19: 156، 274/ح.

(2) على هامش مجمع الأمثال 1: 156 [نقل بتلخيص وتصرُّف].

٢٣

ولا تأمنن من مبغض قرب داره

ولا من محبّ أن يملّ فيبعد) (1)

وقد قيل: صرعة الاسترسال لا تستقال، نعم إذا كان الحبّ مع الله (عَزَّ وجلَّ) فأحبب حبّاً إلى الغاية بدون إقلال، بل إلى حدّ العشق، وهو الحبّ المفرط وأبغض الشيطان والنّفس وما يصدّك عنه تعالى.

____________________

(1) شرح النهج 19: 156.

٢٤

الهمزة مع اللاّم

4 - الآن رجع الحقّ إلى أهله (1) .

(لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ، ولَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وعِمَادُ الْيَقِينِ. إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ "الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ" ونُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ).

هذا فصل من فصول خطبة له (عليه السّلام) بعد انصرافه من صفّين، وفي معنى المثل المذكور ما جاء من أمثال العرب:

( عاد السهم إلى النزعة: أ ي رجع الحق إلى أهله. والنزعة الرماة من (نزع في قوسه) أي رمى، فإذا قالوا: (عاد الرمي على النزعة) كان المعنى عاد عاقبة الظلم على الظالم، ويكنّى بها عن الهزيمة تقع على القوم) (2) .

ومنها: ( عاد الأمر إلى نصابه: يضرب في الأمر يتولاّه أربابه) (3) .

يريد (عليه السّلام) بذلك رجوع الخلافة بعد اغتصابها إليه أيّام خلافته، وتأوّل الكلام المعتزليُ بما يأباه العقل والنقل، قال:

(وهذا يقتضي أن يكون فيما قبل في غير أهله، ونحن نتأوّل ذلك على غير ما تذكره الإماميّة ونقول: إنّه (عليه السّلام) كان أولى بالأمر وأحقّ لا على وجه النصّ على الخلافة، بل على وجه الأفضليّة... لكنّه

____________________

(1) النهج 1: 131 - 139، 2/ط.

(2) مجمع الأمثال 2: 18 حرف العين.

(3) المصدر 2: 35.

٢٥

ترك حقّه لِمَا علمه من المصلحة...) (1) .

ليتني دريت ما حمل المعتزلي على سحق عقله حتى يتناقض في القول! إن كان (عليه السّلام) كما يقول: إنّه الأحقّ بالخلافة من جميع المسلمين بحكم العقل، وإنه أفضل البشر، فكيف يهمل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) النصّ عليه حتّى يختاروا من هو أدنى؟! وهل هذا إلاّ تغرير منفيّ عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! وهل يشكّ عربيّ في معنى (رجع الحق إلى أهله) أنّ فيما قبله غير أهل له؟! والكلام المتقدم ينصّ على انحصار الوصاية والوراثة، وهي الخلافة المنصوصة. قال المعتزلي: (ولسنا نعني بالوصيّة النصَ على الخلافة، ولكن أمور أخرى) (2) . نعم، أمور أخرى حملتك على ذلك.. والحديث ذو شجون.

____________________

(1) شرح النهج 1: 140.

(2) المصدر.

٢٦

الهمزة مع الميم

5 -

أمرتكم أمري بمنُعَرِجِ اللّوى

فلم تستبينوا النُّصحَ إلاّ ضُحى الغد (1)

من أخطر خطبة له (عليه السّلام) بعد التحكيم: (... فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ، والْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ، فَكُنْتُ أَنَا وإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:

«أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ»)

(وأخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصَمَّة، والأبيات مذكورة في الحماسة ، وأوّلها:

نَصَحتُ لِعارِضٍ وَأَصحابِ عارِضٍ

وَرَهطِ بَني السَوداءِ وَالقَومُ شُهَّدي

فقلتُ لَهُم: ظُنّوا بِأَلفَي مُدَجَّجٍ

سَراتُهُمُ في الفارِسيِّ المُسَرَّدِ

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ

فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى

غِوايَتَهُم وَأَنَّني غَيرُ مُهتَدِ

وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت

غَوَيتُ وَإِن تَرشُد غَزيَّةُ أَرشَدِ) (2)

حادثة التحكيم، عند مخالفة أصحابه (عليه السّلام)، يعرف عظمها من كلامه حيث يقول: (فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ...) والكلّ يدري ما يصنع المخالف الجاف والمنابذ العاصي على أميره، وهو ناصحه حتّى ارتاب بنصحه.

وقوله (عليه السّلام): (وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ) أي (لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح لشدّة ما لقيت منكم من الإباء والخلاف والعصيان... لأنّ

____________________

(1) النهج 2: 204، 35/ط.

(2) شرح النهج 2: 205.

٢٧

المشير الناصح إذا اتّهم واستغشّ، عمى قلبه وفسد رأيه) (1) .

نعم، بالإضافة ‌إلى الإمام لم يَعْمَ قلبه ولم يَفسد رأيه ويصبر على البلوى والأمر بطبعه الأوّلي كذلك.

____________________

(1) المصدر.

٢٨

الهمزة مع الياء

6 - أَيَادِيَ سَبَأ (1) .

من كلام له (عليه السّلام): (... فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ "أَيَادِيَ سَبَأ"...).

اختُلف في أنّ المثل إسلاميّ، أصله قوله تعالى: ( وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ) (2) في قصّة أهل سبأ وتفرّقهم المذكورة في القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السّلام)، أو جاهليّ كما ذهب إليه الدكتور صفا خلوصي؛ لأنّ سبأ وجدت قبل الإسلام (3) ؟ وهل وجود قوم سبأ قبل الإسلام يصيّر المثل جاهليّاً أو لابدّ من ضربه فيه لتلك الحالة لا وجود الحالة؟

قال ابن أبي الحديد:

(وأيادي سبأ مثل يضرب لمتفرّقين، وأصله قوله تعالى عن أهل سبأ: ( وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ) . وسبأ مهموز، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويقال: ذهبوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ. الياء ساكنة وكذلك الألف، وهكذا نقل المثل: أي ذهبوا متفرّقين، وهما اسمان جعلا واحداً مثل: معد كرب) (4) .

يضرب المثل المذكور لبيان تفرّق الجمع المقصود بهم وللدعاء عليهم، أي لا تفارقهم الفرقة، ولعلّ الثاني أولى بكلام الإمام (عليه السّلام) ليكون جملة (أيادي سبأ) دعاء عليهم، إلاّ أنّ ظهور الجملة في تشبيه تفرّق أصحابه (عليه السّلام) عند خطابه بتفرّق قوم سبأ يردّ الدعاء المذكور فتدبّر جيداً.

____________________

(1) النهج 7: 70، 96/ط.

(2) سبأ: 19.

(3) دراسة في الأمثال العربيّة القديمة، انظر: هامش رسالة الإسلام عدد 7 - 8/116.

(4) شرح النهج 7: 74 - 75.

٢٩

ولقد كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعاني من تفرّق الأصحاب، والفُرقة هي السبب لإبادة الجماعة، وقد نهى الله جلّ جلاله عنها وأمر بالاعتصام بقوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) (1) ، وهو (عليه السّلام) الحبل المتين الذي أمر العباد بالتمسّك به. ولا ينافي أن يكون حبل الله القرآن أو الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فإنّ كلّ ذلك شيء واحد يدعو إلى الواحد وهو الله تعالى.

____________________

(1) سورة آل عمران الآية 103.

٣٠

7- إِيّاك وما يُعتذَرُ منهُ (1) .

جاء المثل في كتاب له (عليه السّلام) إلى قثم بن عبّاس، وهو عامله على مكّة.

قال الميداني بعد المثل المذكور: (أي لا ترتكب أمراً تحتاج فيه إلى الاعتذار منه) (2) .

وهو من الأمثال المرسلة وإن لم يرسله الإمام (عليه السّلام).

ثم الاعتذار، ممّا يوجبه، إنّما هو من صنع الجاهل، حيث يقدم على ما لا يدري مغبّته ولا حسنه من قبحه أو خيره من شرّه، فإذا انكشف الحال ندم واعتذر. أمّا العاقل، فلا يترأّى قبل أن يتروّى، ولا يقدم على عمل إلاّ بعد التثبّت والعلم بمغبّته. وقد قالوا المثل: (شر الرأي الدُّبري: والدّبري الذي يجيء بعد ما يفوت الأمر) (3) .

ومن أجله رُغّبت المشورة وأُمر الجاهل بالسؤال من أهل الذكر في الكتاب والسنّة في أمور الدّين والدّنيا، والمستبدّ برأيه هالك، والتثبّت في كلّ شيء حتّى لا يقع فيما لا يحمد عقباه، وعدم جواز الأخذ بنبأ الفاسق إلاّ بعد التبيّن؛ لئلاّ يصيب إنساناً بجهالة فيصبح على ما فعل نادماً كما قال تعالى: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (4) . والمورد لا يخصَّص فيجري فيما ماثله من نوعه.

ثم المثل يشمل كلّ ما ذكر وما لم يذكر من الموارد الّتي تورث

____________________

(1) النهج 16: 138، 33/ك.

(2) مجمع الأمثال 1: 44 حرف الهمزة.

(3) الجمهرة على هامش مجمع الأمثال 1: 13 حرف الشين.

(4) سورة الحجرات الآية 6.

٣١

الاعتذار بعدها، سواء كان من قول أو عمل، بل مطلق السّكون والحركة التي لا يخلو منهما الإنسان. فلابدّ من التفكر فيه أوّلاً، فإن عَلِم أنّ في ذلك رشداً أقدم، أو غيّاً أحجم عنه. ويقف عند الشبهة لئلاّ يهلك من حيث لا يعلم كما جاء فيه حديث التثليث: (الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وشبهات بين ذلك، فمن أخذ بها هلك من حيث لا يعلم ومن وقف نجا) (1) ما مضمون الحديث فراجع.

____________________

(1) الوسائل 18: 114.

٣٢

باب الباء

٣٣

٣٤

الباء مع العين

8 - بعدَ اللُتَّيّا والَّتي (1) .

قال (عليه السّلام) في خطبة له: (فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ! وإِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ! هَيْهَاتَ! "بَعْدَ اللَّتَيَّا والَّتِي" واللَّهِ لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّه ِ...).

اللُّتيا تصغير الّتي، كما أنّ اللُّذيا تصغير الّذي، وفيالقاموس : بفتح اللام المشدّدة وضمّها.

و((هَيْهَاتَ): لظنّهم فيه الجزع. أي: أَبَعْدَ اللّتيا والّتي أجزعُ؟! أبَعْدَ أن قاسيتُ الأهوال، الكبار والصغار، ومُنيت بكلّ داهية عظيمة وصغيرة؟! فاللّتيا للصغيرة، والّتي للكبيرة) (2) .

(بعد اللّتيا والّتي): (هما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكنّى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيهاً بالحيّة فإنّها إذا كثر سمّها صغرت؛ لأنّ السمّ يأكل جسدها. وقيل: الأصل فيه أنّ رجلاً من حديس تزوّج امرأة قصيرة، فقاسى منها الشدائد وكان يعبّر عنها بالتصغير، فتزوّج امرأة طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة، فطلّقها وقال: بعَدْ اللُّتيا والّتي لا أتزوّج أبداً، فجرى ذلك على الداهية. وقيل: إنّ العرب تصغّر الشيء العظيم كالدهيم واللهيم وذلك منهم رمز) (3) .

وهو مثل سائر يضرب لأمرين داهيتين إحداها أدهى من الأخرى.

____________________

(1) النهج 1: 213، 5/ط.

(2) شرح النهج 1: 214 [نقل بتلخيص وتصرُّف].

(3) مجمع الأمثال 1: 92 حرف الباء.

٣٥

يريد (عليه السّلام) بالقول مطالبة الخلافة من الشيخين. إذا طالبهما بها، قال الناس حرص على الملك الدنيوي! أترى حين تقمّصاها لمَ لا يقولوا لهما حرصتما على الملك ويقولون ذلك لأمير المؤمنين (عليه السّلام)؟! وهو على حدّ أن يقولوه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ النبوّة والخلافة كلتيهما أمر سماوي.

٣٦

باب التاء

٣٧

٣٨

التّاء مع القاف

9 - تَقْصِرُ دُونَها الأَنْوَقُ، وَيُحاذى العَيُّوق ُ (1) .

من كتابه (عليه السّلام) إلى معاوية:

(... وقَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ مِنَ الْقَوْلِ، ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ، وأَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا مِنْكَ عِلْمٌ ولَا حِلْمٌ، أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ والْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ، وتَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الْأَعْلَامِ "تَقْصُرُ دُونَهَا الْأَنُوقُ ويُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ").

في كلامه (عليه السّلام) أكثر من تمثيل يظهر بعد شرح مفرداته:‌

أفانين القول: أساليبه المتنوّعة.

و ضعف قوى الأفانين عن السّلم: أي الإسلام، أي عدم صدورها عن مسلم، حيث طَلَبَ تولّيه العهد وإبقائه بالشام رئيساً.

و الأساطير، جمع أسطورة: الأباطيل.

حوكها : نظها.

و الدِّهاس (بالكسر): جمع دهس و(بالفتح) مفرد، وهو المكان السهل، ليس هو بتراب ولا طين.

و الدِّيماس (بالكسر): السر المظلم تحت الأرض.

و المرقبة : الموضع العالي يراقب عليه.

و الأعلام، جمع علم: ما يهتدى به في الطرقات.

والأنوق (بالفتح): (طائر، وهو الرخمة، وفي المثل: أعزّ من بيض الأنوق (2) ؛ لأنّها تُحرزِه فلا يظفر به أحد).

والعيّوق: كوكب فوق زحل في العلو.

أي: أنت بكتابك المشتمل على دعاوٍ باطلة لا تصدر عن مسلم، ولا يحكي عن علم وحلم كاتبه، لستَ إلاّ كالخائض في أرض رخوة تقوم وتقع،

____________________

(1) النهج 18: 22، 65/ك.

(2) مجمع الأمثال 2: 44 حرف العين [ هذا المثل ورد في مجمع الأمثال كما أشار المؤلف، ولكن جميع العبارة، وقد وضعناها بين قوسين، هي لابن أبي الحديد المدائني في شرح النهج ].

٣٩

والخابط في نفق مظلم لا يهتدي الطريق، سَمَتْ همتَّك إلى الخلافة وهي منك بموضع مرتفع عال لا سبيل إليه، ولا أعلام تَهتدي بها، وهي كالرخمة الّتي لا يُظفر ببيضها، والكوكبِ الذي فوق الكواكب كلّها.. فكيف ترومها؟! (1)

ضربت هذه الأمثال لبُعد معاوية عن الخلافة الّتي يريدها، ويضرب المثل المذكور لقصور طالب الشيء. وفي معنى المثْلَين قولهم: (دونه بيض الأنوق) و (دونه العيّوق) (2) .

____________________

(1) تلخيص من شرح النهج 18: 25 - 27.

(2) مجمع الأمثال 1: 265 حرف الدال.

٤٠