الاصول من الكافي الجزء ١

الاصول من الكافي8%

الاصول من الكافي مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 722

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 722 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290735 / تحميل: 10196
الحجم الحجم الحجم
الاصول من الكافي

الاصول من الكافي الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

أقلّ تقدير، إنّما يكمن في مفهومها الرفيع، وما تنطوي عليه من دلالة قاطعة على طهارة الإمام أمير المؤمنين وعصمته، ومن ثَمّ عصمة أهل البيت بالضرورة.

ولم تكن هذه الآية وحدها في الميدان، فبالإضافة إلى آية التطهير والجهود النبويّة الحثيثة التي بذلها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في إبلاغها وتطبيقها على أهل البيت (عليهم السلام)، توالت إلى جوارها روايات كثيرة نعت فيها النبي علي بن أبي طالب بالصدق والطهارة، والنقاء والتزام الحقّ، واستقامة السلوك وطُهر الفطرة، ثمّ توّج ذلك كلّه بالإعلان أنّ عليّاً هو عِدل القرآن، ومعيار الحقّ، والميزان الذي يفرِّق بين الحقّ والباطل، وبين الضلالة والصواب، وهو فصل الخطاب، وفي ذلك دلالة قاطعة على أنّ مَن ينبغي أن يكون الأُسوة والإمام، والقائد والمنار، والزعيم والمولى هو علي بن أبي طالب لا غير.

ثمّ انظروا وتأمّلوا في قوله (صلَّى الله عليه وآله): (عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ)، (عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ)، (عليّ على الحقّ؛ مَن اتّبعه اتّبع الحقّ، ومَن تركه ترك الحقّ)، (عليّ مع الحقّ والقرآن، والحقّ والقرآن مع عليّ).

ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ عليّاً ثابت لا يزيغ، صلبٌ لا تتعثّر به خطاه، يقف في علي ذُرى الاستقامة والصلاح، لا يعرف غير الحقّ والصواب.

إنّ عليّاً ليحمل على جبهته الوضيئة عنواناً رفيعاً اسمه (العصمة)، ومن ثمّ ستكون الأمّة في أمان من نفسها، وسلامة من دينها وهي تهتدي بهدى علي، وتقتدي به أسوة ومناراً.

لقد توفّر هذا الفصل على بيان هذه الإشارات تفصيلاً من خلال النصوص الكثيرة التي رصدها (1) .

____________________

(1) راجع: أحاديث العصمة.

٤١

(11)

أحاديث العلم

يتبوّأ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) المرجعيّة الفكريّة للأمّة، بالإضافة إلى الزعامة السياسيّة، كما سلفت الإشارة لذلك، فالأُمّة تواجه في معترك حياتها عشرات المعضلات الفكريّة على الصعيدين: الفردي، والاجتماعي؛ فمَن الذي يتولَّى تذليل هذه العقبات؟ ومَن الذي يُميط اللثام عمّا يواجهه المجتمع من مشكلات معرفيّة، ويفسّر للناس آيات القرآن، ويعلّم الأمّة أحكام دينها وكلّ ما يمتّ بصلة إلى المرجعيّة العلميّة والفكريّة؟ ومَن الذي أراد له رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أن يتبوّأ هذا الموقع في المستقبل، بحيث تلوذ به الأمّة، وتلجأ إليه بعد رحيل النبي؟

لقد ضمّت المصادر القديمة نصوصاً نبويّة مكثّفة، تدلّ بأجمعها على أنّ النبي اختار علي بن أبي طالب للمرجعيّة العلميّة والفكريّة من بعده، منها الحديث النبوي الكريم: (أنا مدينة العلم، وعليّ بابها)، فعلاوة على شوق علي (عليه السلام) إلى العلم، وتطلّعاته الذاتيّة إلى المعرفة، وتوقه الشديد للتعلّم، واستعداده الخاصّ على هذا الصعيد، كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لا يُخفي حرصه على إعداد علي إعداداً علميّاً خاصّاً، وزقّهِ العلم زقّاً، وإشباع روحه بالمعرفة، والفيض عليه من الحقائق الربّانيّة العُليا.

لقد جاء الكلام النبوي الكريم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها؛ فمَن أراد المدينة فليأتِ الباب)، ليدلّ دلالة قاطعة لا يشوبها أدنى لبس، على أنّ العلم الصحيح

٤٢

عند علي وحسب لا عند سواه (1) .

لقد طلب النبي علي بن أبى طالب في اللحظات الأخيرة من حياته، وراح يسرّ له بينابيع المعرفة، فقال علي بعد ذلك - واصفاً الحصيلة التي طلع بها من إسرار النبي له -: (حدَّثني ألف باب، يَفتح كلُّ باب ألفَ باب)، وهذه هي الحقيقة، يدلّ عليها قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (أنا دار الحكمة، وعلي بابها).

ثمّ هل انشقّت الحياة الإنسانيّة عن إنسان غير علي يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني)؟ وهل عرفت صفحات التاريخ مَن ينطق بهذا سوى أمير المؤمنين؟ لقد أجمع الصحابة على أعلميّة علي بن أبي طالب، وتركوا للتاريخ شهادة قاطعة تقول: أفضلنا علي. ولِمَ لا يكون كذلك والإمام أمير المؤمنين نفسه يقول: (والله، ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت، وعلى مَن نزلت؛ إنّ ربّي وهب لي قلباً عَقولاً، ولساناً ناطقاً).

وما أسمى كلمات الإمام الحسن (عليه السلام)! وما أجلّ كلامه وهو يقول بعد شهادة أمير المؤمنين: (لقد فارقكم رجل بالأمس، لم يسبقه الأوّلون بعلم ولا يُدركه الآخرون)!

إنّ هذا وغيره - وهو كثير قد جاء في مواضع متعدِّدة - لَيشهد أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قصد من وراء التركيز على هذه النقطة - التي أقرّ بها الصحابة تبعاً للنبي - أن يعلن عمليّاً عن المرجع الفكري للأمّة مستقبلاً، ويحدّد للأمّة بوضوح الينبوع الثرّ، الذي ينبغي أن تُستمدّ منه علوم الدين (2) .

____________________

(1) لمزيد الاطّلاع على توثيق صيغ الحديث وضبط طرقه وأسانيده، وما يتّصل به من نقاط مهمّة راجع: نفحات الأزهار: ج 10 و11 و12.

(2) راجع: القسم الحادي عشر.

٤٣

(12)

أحاديث اثنا عشر خليفة

من بين الأحاديث المهمّة الجديرة بالتأمّل بشأن مستقبل الأمّة، هي تلك التي تتحدّث عن عدد خلفاء الرسول (صلَّى الله عليه وآله).

إنّ هذه الأحاديث الوفيرة التي جاءت في نقول متعدّدة، وطرق مختلفة وصحيحة (1) ؛ لتُشير إلى أنّ خلفاء النبي اثنا عشر خليفة.

تُطالعنا إحدى صيغ الحديث بالنصّ التالي: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش) (2) .

وقد جاء في نصّ آخر بالصيغة التالية: عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبي (صلَّى الله عليه وآله) فسمعته يقول: (بعدي اثنا عشر خليفة)، ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟

قال: قال: (كلّهم من بني هاشم) (3) .

وفي نصّ آخر: (يكون من بعدي اثنا عشر أميراً) (4) .

ما الذي قصده رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من هذه الأحاديث؟ هل تحدّث عن واقع سوف

____________________

(1) راجع على سبيل المثال: صحيح مسلم: 3/1451، باب 33 (الناس تبع لقريش والخلافة في قريش)، المعجم الكبير: 2/195 - 199 وص 232؛ الخصال: 466 - 480، إحقاق الحقّ: 13/1 - 48، أهل البيت في الكتاب والسنَّة: 73.

(2) صحيح مسلم: 3/1453/1822.

(3) ينابيع المودّة: 3/290/4.

(4) سنن الترمذي: 4/501/2223.

٤٤

يحصل؟ أم رام الحديث عن حقيقة ينبغي أن تكون؟ هل رام أن يستشرف المستقبل ليشير إلى الذين سيخلفونه في الواقع التاريخي، ويتسنّمون هذا الموقع من بعده؟ أم أنّه استند إلى حقيقة تنصّ صراحة أنّ خلفاءه اثنا عشر خليفة، وأنّ هؤلاء هم الذين ينبغي أن يكونوا خلفاء، ليس من ورائهم أحد حتى آخر الدهر؟

لا يبدو أنّ هناك شكّ في أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان بصدد إعلان الخليفة، وتحديد من يتبوّأ مكانه ويمارس الحاكميّة على الأمّة كما يمارسها هو، ويواصل نهج النبي في الخلافة.

بيد أنّ البعض سعى إلى اصطناع مصاديق لهذا الكلام الإلهي، الذي نطق به الرسول (صلَّى الله عليه وآله) تتطابق ورغباته (1) ، فذهب إلى أنّ المراد من الاثني عشر هم الخلفاء الأربعة، ومعاوية وولده يزيد وهكذا! (2)

وعلى طبق هذا التفسير؛ يكون النبي (صلَّى الله عليه وآله) قد نصَّب هؤلاء خلفاء له، وأهاب بالأمّة اتّباعهم وإطاعتهم والتسليم إليهم! أيْ طاعة يزيد وعبد الملك بن مروان وأضرابهم، ( ... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً ) ! (3) .

كيف يمكن تصوّر رسول الكرامة والإنسانيّة، ومبعوث الحريّة والقيم العُليا، وهو يختار لخلافته الظلمة والفسّاق، ويحثّ الأمّة على طاعة المجرمين والفاسدين؟! (4) .

____________________

(1) راجع: الإمامة وأهل البيت: 2/54، حيث توفّر على ذكر هذه المصاديق.

(2) راجع: شرح العقيدة الطحاويّة: 2/736 والإمامة وأهل البيت: 2/56.

(3) الكهف: 5.

(4) راجع: الإمامة وأهل البيت: 2/56 - 76. والكتاب من تأليف الباحث المصري وأستاذ جامعة الإسكندريّة الدكتور محمّد بيومي مهران، من كبار كتّاب أهل السنّة، حيث استعرض ما اقترفه معاوية ويزيد وعبد الملك من فظائع، من خلال الوثائق والنصوص التاريخيّة، ثمّ عاد يطرح على القرّاء السؤال التالي: مع هذا كلّه، هل يقال: إنّ هؤلاء خلفاء النبي؟!

٤٥

لا جدال أنّ من يُذعن لأصل الرواية - ولا مفرّ من ذلك - يتحتّم عليه التسليم لتفسير الشيعة، الذي يذهب إلى أنّ هؤلاء الخلفاء هم عليّ وآل عليّ (عليهم السلام)، كما ذكرت ذلك بعض الروايات عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأتت على أسمائهم صراحة، حيث يمكن أن يُلحظ ما يلي:

1 - إنّهم اثنا عشر معروفون ينطبقون - في عددهم وأسمائهم - مع الحديث.

2 - إنّ الأئمّة من قريش؛ وهم من قريش.

3 - رأينا بعض الروايات تحمل في ذيلها عبارة: (كلّهم من بني هاشم).

والأمر كذلك في عليّ وآل عليّ (عليهم السلام)؛ فهم جميعاً من بني هاشم، يؤيّد ذلك الكلام العُلوي المنيف، الذي يقول فيه أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ الأئمّة من قريش غُرِسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم) (1) .

4 - إنّهم من أهل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وهذا يتطابق مع ما سبق، وقد ذكرناه في الصفحات السابقة، كما يتوافق مع نصوص كثيرة ستأتي الإشارة إليها لاحقاً.

5 - كما أنّه يتطابق بدقّة مع ما جاء عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير هذه الجملة - كما سلفت الإشارة لذلك - حيث ذُكرت أسماء هؤلاء الخلفاء الكرام بشكل كامل وتامّ.

6 - على أساس روايات كثيرة تحدّث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عن دوام إمامة المهدي (عليه السلام) واستمرارها إلى ما قبل القيامة، والمهدي المنتظر هو الحلقة الأخيرة في سلسلة الأئمّة الاثني عشر في المعتقد الشيعي.

من هذه الروايات:

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 144.

٤٦

(المهدي منّا أهل البيت، يُصلحه الله في ليلة) (1) .

(المهدي من عترتي من ولد فاطمة) (2) .

(لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم، لبعث الله عزّ وجلّ رجلاً منّا، يملؤها عدلاً كما مُلئت جَوراً) (3) .

(لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي بواطئ اسمه اسمي) (4) .

(الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديّهم) (5) .

واستكمالاً للحديث في هذا المضمار، نعرض فيما يلي عدداً من النقاط الأُخرى:

1 - يُعدّ حديث (اثنا عشر خليفة)، أو (اثنا عشر أميراً)، المروي عن جابر بن سمرة، من الأحاديث المشهورة التي أُخرجت بطرق متعدّدة، كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك، والذي عليه عقيدة أغلب الذين وثّقوا الحديث، ورووه أنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أدلى به في (حجّة البلاغ)، بيد أنّ عمليّة دراسة طرق الحديث وتحليل صيغه الروائيّة تدلّ بوضوح، أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أدلى بهذا الحديث في مكانين، هما:

أ: مسجد النبي:

وفاقاً لرواية مسلم وأحمد بن حنبل، جاء نصّ جابر بالصيغة التالية: (سمعت

____________________

(1) سنن ابن ماجة: 2/1367/4085، مسند ابن حنبل: 1/183/645، المصنّف لابن أبي شيبة: 8/678/190.

(2) سنن أبي داود: 4/107/4284، والطريف الذي يُلفت النظر في هذا الكتاب، أنّه أورد الرواية مورد البحث - اثنا عشر خليفة - في باب (كتاب المهدي).

(3) مسند ابن حنبل: 1/213/773، سنن أبي داود: 4/107/4283 نحوه.

(4) مسند ابن حنبل: 2/10/3571، مسند البزّار: 5/225/1832 نحوه.

(5) كفاية الأثر: 23.

٤٧

رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يوم الجمعة عشيّة رجم الأسلمي، يقول: (لا يزال الدين) (1) إلى آخر النصّ.

المعلوم أنّ ماغر بن مالك الأسلمي المذكور في النصّ قد تمّ رجمه بالمدينة جزماً (2) .

علاوة على ذلك، ثمّة نصوص أُخرى، تتحدّث صراحة أنّ الراوي سمع الحديث في مسجد النبي (صلَّى الله عليه وآله)، كما في قوله: (جئت مع أبي إلى المسجد والنبي يخطب) إلى آخر الحديث (3) ، حيث يدلّ لفظ (المسجد) في الرواية على المسجد النبوي ظاهراً.

ب: حجّة البلاغ:

هذه المجموعة من الأخبار مرويّة عن جابر بن سمرة بن جندب أيضاً، وقد ذكر فيها أنّه سمع مقالة النبي هذه في ذلك الموسم العظيم (4) (حجّة البلاغ أو حجّة الوداع)، وفي الموقف بعرفات (5) .

2 - إنّ استثمار رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) للموسم، وتوظيفه لاجتماع الأمّة العظيم في عرفات؛ لكي يُعلن هذه الحقيقة ويصدع بها، لهو أمر خليق بالاعتبار، وينطوي على الدروس والعِبَر؛ فقد حرص النبي (صلَّى الله عليه وآله) على أن يستفيد من هذا الحشد الكبير في الإعلان عن (حديث الثقلين)، وذلك في واحدة من المرّات المتكرّرة التي كان النبي قد أعلن فيها هذا الحديث المصيري على الأمّة.

____________________

(1) صحيح مسلم: 3/1453/10، مسند ابن حنبل: 7/410/20869، مسند أبي يعلي: 6/473/7429؛ الخصال: 473/30.

(2) راجع: صحيح البخاري: 5/2020/4969 و4970 وصحيح مسلم: 3/1319 - 1323.

(3) المعجم الكبير: 2/197/1799.

(4) راجع: مسند ابن حنبل: 7/405/20840 و20843 وص 408/20857 وص 430/20992 والمعجم الكبير: 2/197/1800.

(5) راجع: مسند ابن حنبل: 7/418/20922 وص 424/20959 و20960 وص 429/20991.

٤٨

بشكل عامّ، عندما نطلّ على هذه المراسم نجدها شهدت عرض (الثقلين) بوصفهما معاً السبيل إلى هداية الأمّة، وفي المشهد ذاته تمّ تحديد مصاديق العترة والإعلان عنها بوضوح، وفي الذروة الأخيرة من هذا الموسم سجّل المشهد نزول آية (إكمال الدين) وإعلان الولاية، هذا الإعلان الذي ترافق مع إنذار للنبي (صلَّى الله عليه وآله)، يفيد أنّ عدم إبلاغه ما أُنزل إليه من ربّه يتساوق مع ضياع الرسالة وعدم إبلاغها بالمرّة.

بعبارة أُخرى: كأنّ المشهد يُخبرنا بوقائعه وما حصل فيه، أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان في الموسم هذا بشأن أن يُلقي على الأمّة نظرة مستأنفة في جميع محتويات الرسالة، ويستعيد أُمور هذا الدين، وقد راح في الأيّام الأخيرة من سفره يركّز على الحجّ والولاية أكثر.

لننظر إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو يقول: (حجّ رسول الله...) (1) .

3 - تنطوي بعض صيغ الحديث ونقوله على نقطة تستثير السؤال وتستحقُّ التأمّل؛ فقد انطوت بعض نقول الحديث على جملة: (كلّهم من قريش) ، وهي تدلّ على أنّ جابراً لم يسمع هذه الجملة، فسأل عنها أباه، فذكر له أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال في تتمّة الحديث: (كلّهم من قريش) أو (كلّهم من بني هاشم).

هذه الصيغ على ثلاثة أضرب، هي:

أ: إنّ جابراً قال فقط: (ثمّ قال كلمة لم أفهمها) (2) .

أو: (ثمّ تكلّم بكلمة خفيت عليّ) (3) ، من دون إيضاح علّة خفاء الصوت،

____________________

(1) راجع: واقعة الغدير.

(2) مسند ابن حنبل: 7/427/20976.

(3) مسند ابن حنبل: 7/427/20977.

٤٩

وسبب عدم السماع.

ب: وفي بعضها عزى جابر عدم سماعه تتمّة الحديث إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) قائلاً: (ثمّ خفّض صوته، فلم أدرِ ما يقول) (1) .

أو: ثمّ همس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بكلمة لم أسمعها، فقلت لأبي: ما الكلمة التي همس بها النبي (صلَّى الله عليه وآله)؟) (2) .

أو: ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: قد سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (يكون بعدي اثنا عشر أميراً)، فما الذي أخفى صوته؟ قال: (كلّهم من قريش) (3) .

ج: ذكر في بعضها أنّ سبب عدم سماع كلام النبي كان لغط الناس واهتياجهم؛ حيث ضاع كلام رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولم يعد يُسمع وسط ضجيج الحاضرين وصراخهم.

والذي يبعث على الدهشة والأسى، أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) في الوقت الذي كان يتحدّث فيه إلى الناس، نجد الذين يستمعون إليه يرفعون أصواتهم خلافاً لصريح الأمر الإلهي: ( ... لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ... ) (4) ، وقد علت أصواتهم وزاد اهتياجهم، حتى لم يعد يتميّز كلام النبي وما يقوله في هذا الضجيج، بحيث لم يكن بمقدور الراوي - جابر - أن يتابع بقيّة الكلام، فلاذ بالآخرين، فذكروا له أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال: (كلّهم من قريش).

لقد جاءت صيغ متعدّدة تدلّ على هذا المعنى، منها:

____________________

(1) المعجم الكبير: 2/197/1799.

(2) المعجم الكبير: 2/196/1794.

(3) المعجم الكبير: 2/253/2062.

(4) الحجرات: 2.

٥٠

(ثمّ لغط القوم وتكلّموا، فلم أفهم قوله بعد (كلّهم)) (1) .

(فقال كلمة صمّنيها الناس) (2) .

(ثمّ تكلّم بكلمة أصمّنيها (3) الناس، فقلت لأبي - أو لابني -: ما الكلمة التي أصمّنيها الناس؟ قال: كلّهم من قريش) (4) .

كما جاء أيضاً: (فصرخ الناس، فلم أسمع ما قال) (5) .

وبتأمّل ما أوردناه يهتدي الباحث إلى نقاط، لا يخلو ذكرها من فائدة:

1 - تحظى قضيّة الخلافة ومستقبل الأمّة ومصيرها بعد النبي (صلَّى الله عليه وآله) بحسّاسيّة فائقة؛ بحيث كان النبي عندما يصل إلى النقطة الجوهريّة ويبلغ لبّ المسألة يخفض صوته، حتى لكأنّه يهمس، وفي موقع آخر كان الناس يبادرون إلى اللغط وإثارة الضوضاء حال سماعهم الكلام النبوي، يُظهرون بذلك إباءهم له.

2 - تذكر بعض الروايات في تصوير الحالة (خفض الصوت)، وبعضها الآخر ذكرت (اللغط والضجيج)، حيث يرتبط كلّ وصف من هذه الأوصاف بمورد من موارد النقل، فجابر يذكر أنّه لم يسمع الكلام النبوي في المسجد؛ لأنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) خفض صوته. أمّا في الحديث الذي جاء في مسند أحمد بن حنبل، فقد ذكر جابر أنّه لم يسمع الكلام للغط القوم وهياجهم.

والظاهر أنّ خفض النبي صوته كان في المسجد النبوي في المدينة، ولغط الناس وهياجهم كان في حجّة الوداع، كما أشارت لذلك الروايات المتقدّمة.

____________________

(1) مسند ابن حنبل: 7/430/20991، المعجم الكبير: 2/196/1795.

(2) صحيح مسلم: 3/1453/9، مسند ابن حنبل: 7/428/20980 وفيه (أصمّنيها).

(3) أصمّنيها الناس: أي شغلوني عن سماعها، فكأنّهم جعلوني أصمَّ (لسان العرب: 12/343).

(4) مسند ابن حنبل: 7/435/21020؛ الخصال: 472/23.

(5) الخصال: 473/29.

٥١

3 - إنّه لأمر حريٌّ بالانتباه ما جاء في أحد النقول، من أنَّ النبيّ قال عندما أخفى صوته: (كلّهم من بني هاشم).

والحقّ، لا يستبعد أن تكون تتمّة الكلام - على وجه الحقيقة - هي جملة: (كلّهم من بني هاشم)، التي أثارت الهياج، وعلا كلام كثيرين عند سماعها، فلم يذعنوا لها، وأبوا قبولها، والنقطة التي تزيد من قوّة هذا الاستنتاج، هي مشهد السقيفة وما جرى في ذلك اليوم من حوادث، ففي صراع يوم السقيفة لم يستند أيّ من أطراف اللعبة على مثل هذا الكلام، ولم يذكر أحد أنّه سمع النبيّ، يقول: (كلّهم من قريش) ، برغم أنّ هذا الكلام كان يمكن أن يكون مؤثّراً في حسم الموقف.

لهذا كلّه؛ يمكن القول: إنّ تتمّة الحديث النبوي كانت: (كلّهم من بني هاشم) لا غير، ثمّ بمرور الوقت، وعندما حانت لحظة تدوين الحديث قدّروا أنّ من (المصلحة) استبدال (كلّهم من بني هاشم) بتعبير (كلّهم من قريش) !

مهما يكن الأمر، ينطوي هذا الحديث بنقوله الكثيرة وطرقه المتعدّدة التي أيّدها محدّثو أهل السنّة أيضاً، ينطوي على رسالة واحدة لا غير، هي الإعلان عن ولاية عليّ بن أبي طالب وأولاده، والتصريح بخلافة عليّ (عليه السلام) بعد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بلا فصل؛ ومن ثمّ فهو دليل آخر على السياسة النبويّة الراسخة في تحديد مستقبل الحكم وقيادة الأمّة من بعده.

٥٢

(13)

حديث السفينة

والنبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يعيش بين الأمّة كان يُمسك بجميع الأُمور، ويُشرف على الشؤون كافّة، ولم يكن المجتمع الإسلامي على عهد النبيّ قد اتّسع بعدُ، بيد أنّ هذا المجتمع الفتيّ كان يواجه مصاعب كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويعاني عدداً من الانحرافات، فتيّار النفاق - مثلاً - كانت بذوره الأُولى قد نشأت في تضاعيف ذلك المجتمع، وهكذا لاحت أيضاً إرهاصات ارتداد البعض انطلاقاً من المجتمع ذاته.

لقد كان الرسول القائد ينظر ليومٍ تغيب فيه هذه الشعلة المتوهّجة، ويفقد المجتمع وجود النبيّ، فيما ينبغي للأمَّة أن تشقّ طريقها من بعده، وتواصل الدرب.

إنّ كلّ ما توفّرنا على ذكره يُشير إلى التخطيط لمستقبل الأمّة وتدبير غدها الآتي؛ هذا الغد الذي سينشقّ عن أجواء تتفجّر جوانبها بالفتنة، وتضطرم بالعواصف العاتية وأمواج الضلال.

على ضوء هذه الخلفيّة؛ انطلقت كلمات رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تُدلّ الأمّة على الملاذ الآمِن، الذي تعتصم به من الفتن والضلال فيما اشتهر بـ (حديث السفينة)، الذي جاء في أحد نصوصه: (ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مَثل سفينة نوح؛ مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها هلك).

ما أروعه من تشبيه دالّ وموقظ، يبعث على التيقّظ والحذر!

فرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يتطلّع صوب المستقبل من وراء حُجب الغيب، فيبصره مليئاً بالفتن والضلالات التي يشبّهها بالأمواج المتلاطمة العاتية، أمواج مهولة تُغرق

٥٣

مَن يعرض لها، وتدفعه نحو قاع سحيق، وما أكثر من يتسلّق الأوهام حذر هذه الأمواج، بيد أنّها سُرعان ما تفترسه وتأتي عليه في ملاذه الواهن، فيُدركه الغرق ويصير هباءً ضائعاً.

فإذاً، ينبغي أن تكون الأمّة على حذر، وأن تُدرك أنّ طريق النجاة الوحيد يكمن في ركوب (السفينة)، واللوذ بأهل البيت (عليهم السلام)، والاعتصام بحُجْزتهم، والتمسّك بتعاليمهم وسنّتهم.

ليس هناك شكّ في دلالة الحديث على وجوب إطاعة أهل البيت (عليهم السلام)، وإلاّ هل لعاقل تأخذه أمواج عاتية، فيُشرف حتماً على الغرق والضياع، ثمّ يتردّد في النجاة، ولا يركب سفينة الإنقاذ؟!

من جهة أُخرى، إنّ التطلّع صوب هذه السفينة يستتبع الهداية بالضرورة والنجاة من أمواج الفتن والضلالات، فالسفينة منجية؛ وإذاً فهؤلاء الكرام معصومون منزّهون عن الزلل والخطأ (1) .

____________________

(1) لمزيد الاطّلاع على متن حديث السفينة وسنده وطرقه وما يتّصل به من بحوث راجع: نفحات الأزهار: الجزء الرابع، وأهل البيت في الكتاب والسنّة: 95.

٥٤

(14)

حديث الثقلين

من بين الخطوات التي تدبّرها الرسول القائد لمستقبل الأمّة، للحؤول دون تفشِّي الضلالة، وشيوع الجهل في وسطها، وانحدارها إلى هوّة الحيرة والضياع، هي جهوده التي بذلها لتعيين المرجعيّة الفكريّة، وتحديد مسار ثابت للحركة الفكريّة، وبيان كيفيّة تفسير القرآن والرسالة والمصدر الذي يستمدّ منه ذلك.

هذه الحقيقة ربّما عبّرت عن نفسها بأنصع وجه في (حديث الثقلين).

لقد تضوّعت مواطن كثيرة بشذى الحديث؛ حيث صدع به النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) مراراً بمحتوى واحد وصيغ بيانيّة متعدّدة، وفي مواضع مختلفة: في عرفة، ومسجد الخيف، وفي غدير خمّ، كما أتى على ذكره في آخر كلام له وهو على مشارف الرحيل وقد ثقل عليه المرض، في الحجرة الشريفة، وغير ذلك.

وبالإضافة إلى أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى الحديث عدد كبير من الصحابة، كما ذهب إلى صحّته كثير من التابعين والعلماء (1) .

إنّ للحديث صيغاً متعدّدة، جاء في إحداها: (إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (2) .

____________________

(1) راجع: نفحات الأزهار: 2/90، وأهل البيت في الكتاب والسنّة: 135.

(2) سنن الترمذي: 5/663/3788.

٥٥

كلام عظيم، ومنقبة شاهقة، وفضيلة سامية لا نظير لها، وهداية تبعث على السعادة، وتوجيه يعصم من الضلالة والردى.

النقطة الأهمّ التي يحويها هذا الكلام النبوي العظيم، والحقيقة العظمى التي يجهر بها دون لبس، هي مرجعيّة أهل البيت (عليهم السلام)، والحثّ على وجوب اتّباعهم والائتمام بهم في الأقوال والأفعال، وقد صرّح بهذه الحقيقة الرفيعة عدد كبير من العلماء، منهم سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني؛ أحد كبار متكلِّمي أهل السنّة، حين قال: (إنّه (صلَّى الله عليه وآله) قرنهم بكتاب الله في كون التمسّك بهما منقذاً من الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم وآلهداية، فكذا في العترة) (1) .

على صعيد آخر، تتمثّل أهمّ مهامّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ومسؤوليّاته بالهداية وإزالة الضلالة. هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى؛ فإنّ ما يأتي في طليعة واجبات الأمّة وأكثرها بداهة، هو ضرورة تمسّكها بكلّ ما يبعث على الهداية، ويعصم من الضلال، وهذا ما فعله رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تماماً، وهو يضع المسلمين أمام هذا الواجب، في قوله: (ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا)، وعندئذ هل يسع إنسان أن يتردّد في وجوب اتّباع (العترة) الهادية، والتسليم إليها وهي العاصمة عن الضلال؟!

ممّا يدلّ عليه الحديث أيضاً، أنّ التمسّك بهذين الثقلين الكريمين يكفي لبلاغ المقصد الأسنى وتحصيل الهداية، وأن ليس وراءهما إلاّ الضلال ( ... فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ

____________________

(1) شرح المقاصد: 5/303. ولمزيد الاطّلاع على آراء عدد من علماء أهل السنّة راجع: نفحات الأزهار: 2/248.

٥٦

إِلاَّ الضَّلاَلُ... ) (1) .

من جهة أُخرى يسجّل حديث الثقلين (عصمة) العترة من دون لبس وغموض؛ فمن زاوية عدّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) التمسّك بها واجباً ضروريّاً من دون أيّ قيد أو شرط، فهل من المنطقي أو المعقول أن نتصوّر النبيّ يدفع الأمّة إلى التمسَّك بمرجعيّة أشخاص، ويحثّها على التمسّك بتعاليمها دون قيد أو شرط، وأشخاص هذه المرجعيّة يعيشون الضلال؟ ثمّ إنّ هذه العترة هي عدل قرآن ( لاَّ يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) (2) ، فهكذا العترة أيضاً.

وأخيراً دلّ الحديث على أنّ التمسّك بالعترة هو سدّ يحول دون الضلالة، فإذا ما كان الضلال سائغاً بحقّ هذه المرجعيّة فهل يمكنها أن تكون عاصمة عن الضلال؟!

فالعترة - إذاً - معصومة جزماً بدلالات الحديث.

____________________

(1) يونس: 32.

(2) فصّلت: 42.

٥٧

(15)

حديث الغدير

ذكرنا أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أكّد منذ الأيّام الأُولى التي صدع فيها بالرسالة، على الإمامة ومستقبل الأمّة من بعده، وشهدت له المواطن جميعاً، وهو يُعلن (الحقّ)، ويحدّد أمام الجميع الإمامة من بعده بأعلى خصائصها، وبمزاياها المتفوّقة، ولم يتوانَ عن ذلك لحظة، ولم يُضِع فرصة إلاّ وأفاد منها في إعلان هذا (الحقّ) والإجهار به.

وفي الحجّة الأخيرة التي اشتهرت بـ (حجّة الوداع)، بلغت الجهود النبويّة ذروتها، وقد جاءه أمر السماء بإبلاغ الولاية، لتكتسب هذه الحجّة عنوانها الدالّ، وهى تسمَّى (حجّة البلاغ) (1) .

لنشاهد المشهد عن كثب، ونتأمّل كيف تكوّنت وقائعه الأُولى، فهذا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد قصد التوجّه للحجّ في السنة العاشرة من الهجرة، وقد نادى منادي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يُعلم الناس بذلك، فاجتمع من المسلمين جمع غفير قاصداً مكّة ليلتحق بالنبي (صلَّى الله عليه وآله)، ويتعلّم منه مناسك حجّه.

حجّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالمسلمين، ثمّ قفل عائداً صوب المدينة، عندما حلَّ اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، كانت قوافل الحجيج تأخذ طريقها إلى مضاربها ومواضع سكَّناها، فمنها ما كان يتقدّم على النبيّ، ومنها ما كان يتأخّر عنه، بيد أنّها لم تفترق بعدُ، إذ ما يزال يجمعها طريق واحد.

حلّت قافلة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بموضع يقال له: (غدير خمّ) في وادي الجحفة، وهو مفترق تتشعّب فيه طرق أهل المدينة

____________________

(1) راجع: كتاب (الغدير): 1/9.

٥٨

والمصريّين والعراقيّين.

الشمس في كبد السماء تُرسل بأشعّتها اللاهبة، وتدفع بحممها صوب الأرض، وإذا بالوحي يغشى النبيّ ويأتيه أمر السماء، فيأمر أن يجتمع الناس في المكان المذكور.

ينادي منادي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بردّ مَن تقدّم من القوم، وبحبس مَن تأخّر؛ ليجتمع المسلمون على سواء في موقف واحد، ولا أحد يدري ما الخبر.

منتصف النهار في يوم صائف شديد القيظ، حتى إنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فيما يلوذ آخرون بظلال المراكب والمتاع.

راحت الجموع المحتشِّدة تتحلّق أنظارها بنبيّها الكريم، وهو يرتقي موضعاً صنعوه له من الرحال وأقتاب الإبل.

بدأ النبيّ خطبته، فراحت الكلمات تخرج من فؤاده وفمه صادعة رائعة، حمد الله وأثنى عليه، ثمّ ذكر للجمع المحتشِّد أنّ ساعة الرحيل قد أزِفت، وقد أوشك أن يُدعى فيُجيب، على هذا مضت سنّة البشر قبله من نبيّين وغير نبيّين.

أمَّا وقد أوشك على الرحيل، فقد طلب من الحاضرين أن يشهدوا له بأداء الرسالة، فهبّت الأصوات تُجيب النبيّ على نسق واحد: (نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت؛ فجزاك الله خيراً) .

ما لهذا جمَعَهم في هذه الظهيرة القائضة، بل هو يعدّهم لنبأٍ مُرتقب، ويُهيّئ النفوس لبلاغ خطير هذا أوانُه، تحدّث إليهم مرّات عن صدقه في (البلاغ)، كما تكلّم عن (الثقلين) وأوصى بهما، ثمّ انعطف يحدّثهم عن موقعه الشاهق العليّ في الأمّة، وطلب منهم أن يشهدوا بأولويّته على أنفسهم، حتى إذا ما شهدوا له بصوت واحد، أخذ بعضد عليّ بن أبي طالب ورفعه، فزاد من جلال المشهد

٥٩

وهيبته، ثمّ راح ينادي بصوت عالي الصدح قويَّ الرنين: (فمَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه).

قال هذه الجملة، ثمّ كرّرها ثلاثاً، وطفق يدعو لمَن يوالي عليّاً، ولمَن ينصر عليّاً، ولمَن يكون إلى جوار عليّ.

تبلّج المشهد عن نداء نبوي أعلن فيه رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) ولاية عليّ وخلافته، على مرأى من عشرات الأُلوف، وقد اجتمعوا للحجّ من جميع أقاليم القبلة، وصدع بـ (حقّ الخلافة) و(خلافة الحقّ).

فهل ثَمّ أحد تردّد في مدلول السلوك النبوي، وأنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نصَّب بهذه الكلمات عليّ بن أبي طالب وليّاً وإماماً؟

أبداً، لم يسجّل المشهد التاريخي يومئذ مَن استراب بهذه الحقيقة أو شكّ فيها، حتى أولئك النفر الذين أخطأوا حظّهم، وعتت بهم أنفسهم، فأنفوا عن الانقياد، حتى هؤلاء لم يستريبوا في محتوى الرسالة النبويّة، ولم يشكّوا بدلالتها، إنّما انكفأت بهم البصيرة، فراحوا يتساءلون عن منشأ هذه المبادرة النبويّة، وفيما إذا كانت من عند نفس النبيّ أم وحياً نازلاً من السماء.

انجلى المشهد عن عليّ بن أبي طالب وهو متوّج بالولاية والإمارة، فانثال عليه كثيرون يهنّئونه من دون أن تلوح في أُفق ذلك العصر أدنى شائبة تؤثّر في نصاعة هذه الحقيقة أو تشكّك فيها، فهذا هو عمر بن الخطّاب نهض من بين الصفوف المهنّئة، وقد خاطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت اليوم وليَّ كلّ مؤمن) (1) .

____________________

(1) راجع: حديث الغدير/التهنئة القياديّة.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ(١)

[٣]

كِتَابُ التَّوْحِيدِ ‌(٢)

١ - بَابُ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِ‌

٢١٥/ ١. أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ ، قَالَ :

قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : كَانَ بِمِصْرَ زِنْدِيقٌ(٣) يَبْلُغُهُ(٤) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام أَشْيَاءُ ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُنَاظِرَهُ ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ بِهَا ، وَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ خَارِجٌ بِمَكَّةَ ، فَخَرَجَ إِلى مَكَّةَ وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام (٥) ، فَصَادَفَنَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام فِي الطَّوَافِ ، وَكَانَ اسْمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ ، وَكُنْيَتَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَقَالَ لَهُ‌

__________________

(١) في « بف » : + « وبه نستعين ».

(٢) ذكر العلّامة المجلسي فيمرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٣٤ أربع معانٍ للتوحيد : أحدها نفي الشريك في الإلهيّة ، أي استحقاق العبادة ، ثانيها نفي الشريك في صانعيّة العالم ، ثالثها ما يشمل المعنيين المتقدّمين وتنزيهه عمّا لايليق بذاته وصفاته تعالى ، ورابعها ما يشمل تلك المعاني وتنزيهه سبحانه عمّا يوجب النقص في أفعاله أيضاً ، أي كلّ ما يتعلّق به سبحانه ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً ، نفياً وإثباتاً. ثمّ قال : « والظاهر أنّ المراد هنا هذا المعنى ».

(٣) « الزنديق » : إمّا من الثنويّة. وإمّا القائل بالنور والظلمة. وإمّا من لايؤمن بالآخرة والربوبيّة ، وهذا ما تقوله‌العامّة : ملحد ودهريّ ، وهذا المعنى مناسب هاهنا ؛ لأنّ المراد به هنا من لايقرّ بالصانع تعالى أصلاً. أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان. وإمّا معرّب « زَن دين » ، أي من كان دينه دين المرأة في الضعف. وإمّا معرّب « زنده » ، أي من يقول بدوام بقاء الدهر. وإمّا معرّب « زِنْديّ » ، منسوب إلى زِند ، كتاب زردشت الذي أظهره مزدك. اُنظر :القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١٨٤ ( زندق ) ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٢١٦ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٦ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٣١١ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٤) هكذا في « ب ، ج ، ض ، بح ، بر ، بس ، بف » والوافي والتوحيد. وفي « ف » والمطبوع : « تبلغه ».

(٥) في « بر » : - « ونحن مع أبي عبدالله عليه السلام » ؛ فإنّه مشطوب فيه.

١٨١

أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « مَا اسْمُكَ »؟ فَقَالَ(١) : اسْمِي عَبْدُ الْمَلِكِ ، قَالَ(٢) : « فَمَا كُنْيَتُكَ؟ » قَالَ : كُنْيَتِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَمَنْ هذَا الْمَلِكُ الَّذِي أَنْتَ عَبْدُهُ؟ أَمِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ ، أَمْ مِنْ مُلُوكِ السَّمَاءِ(٣) ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِكَ : عَبْدُ إِلَهِ السَّمَاءِ ، أَمْ(٤) عَبْدُ إِلَهِ الْأَرْضِ(٥) ؟ قُلْ مَا شِئْتَ تُخْصَمْ(٦) ».

قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : فَقُلْتُ لِلزِّنْدِيقِ : أَمَا تَرُدُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ : فَقَبَّحَ(٧) قَوْلِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ، فَأْتِنَا ».

فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، أَتَاهُ الزِّنْدِيقُ ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام لِلزِّنْدِيقِ : « أَتَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَرْضِ تَحْتاً وَفَوْقاً؟ » قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : « فَدَخَلْتَ تَحْتَهَا؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ : « فَمَا يُدْرِيكَ مَا تَحْتَهَا؟ » قَالَ : لَا أَدْرِي ، إِلَّا أَنِّي أَظُنُّ أَنْ لَيْسَ تَحْتَهَا شَيْ‌ءٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَالظَّنُّ(٨) عَجْزٌ لِمَا لَاتَسْتَيْقِنُ(٩) ».

__________________

(١) في « بر » والوافي والتوحيد : « قال ».

(٢) في « ج » : « فقال ».

(٣) في « ف » والتوحيد : « أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض ».

(٤) في « ج » : « أو ».

(٥) في التوحيد : + « فسكت ، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام ».

(٦) « تُخْصَم » : مجهول مجزوم بعد الأمر ، أي إن تقل ما شئت تصير مخصوصاً مغلوباً بقولك. ويجوز رفعه على أنّه حال. ويحتمل بعيداً أن يكون معلوماً بإضمار مفعول ، أي تخصم نفسك. وهو من الخصومة بمعنى الغلبة. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٢١٨ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٧ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٣٧ ؛القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٤٥٣ ( خصم ).

(٧) « فقبّح » على بناء التفعيل ، أي عدّ الزنديق قولي قبيحاً ، ويحتمل حينئذٍ إرجاع ضمير الفاعل إليهعليه‌السلام . أو على ‌بناء المجرّد ، أي كان كلامي حضورهعليه‌السلام بغير إذنه قبيحاً.مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٣٧.

(٨) في حاشية « ج » : « والظنّ ».

(٩) في « ج ، بح ، بس » والوافي : « لما لايستيقن ». فـ « ما » مصدريّة وضمير الفاعل يعود إلى الظانّ المفهوم من الظنّ. والفعل مجهول عند الفيض والمجلسي. وفي « ف ، بر » وحاشية « ض ، بح » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : « لمن لايستيقن ». وفي التوحيد : « عجز ما لم تستيقن ». واستصوب الفيض ما في التوحيد. وكون « ما » استفهاميّةً بعيدٌ.

١٨٢

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « أَفَصَعِدْتَ السَّمَاءَ؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ : « أَفَتَدْرِي(١) مَا فِيهَا؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ : « عَجَباً لَكَ(٢) ! لَمْ تَبْلُغِ الْمَشْرِقَ ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْمَغْرِبَ ، وَلَمْ تَنْزِلِ الْأَرْضَ ، وَلَمْ تَصْعَدِ السَّمَاءَ ، وَلَمْ تَجُزْ(٣) هُنَاكَ ؛ فَتَعْرِفَ مَا(٤) خَلْفَهُنَّ(٥) وَأَنْتَ جَاحِدٌ بِمَا فِيهِنَّ؟! وَهَلْ يَجْحَدُ الْعَاقِلُ مَا لَايَعْرِفُ؟ ».

قَالَ الزِّنْدِيقُ : مَا كَلَّمَنِي بِهذَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَأَنْتَ مِنْ ذلِكَ فِي شَكٍّ ، فَلَعَلَّهُ هُوَ ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هُوَ ». فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : وَلَعَلَّ ذلِكَ(٦) ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « أَيُّهَا الرَّجُلُ ، لَيْسَ لِمَنْ لَايَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَنْ يَعْلَمُ ، وَلا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ(٧) ، يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، تَفَهَّمْ عَنِّي(٨) ؛ فَإِنَّا لَانَشُكُّ فِي اللهِ أَبَداً ، أَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَلِجَانِ(٩) فَلَا(١٠) يَشْتَبِهَانِ(١١) ، وَيَرْجِعَانِ قَدِ اضْطُرَّا ، لَيْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَّا مَكَانُهُمَا ، فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلى أَنْ يَذْهَبَا ، فَلِمَ يَرْجِعَانِ؟ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُضْطَرَّيْنِ ، فَلِمَ لَايَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَاراً ، وَالنَّهَارُ لَيْلاً؟ اضْطُرَّا - وَاللهِ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ - إِلى دَوَامِهِمَا ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا وَأَكْبَرُ ». فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : صَدَقْتَ.

__________________

(١) في « ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي والتوحيد : « فتدري » بدون «أ».

(٢) في التوحيد : « قال : لا ، قال : فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟ قال : لا ، قال : فعجباً لك » بدل « قال : لا ، قال : عجباً لك ».

(٣) في التوحيد : « ولم تخبر ». وفيالوافي : « لم تجز ، بضمّ الجيم من الجواز ».

(٤) في الوافي : « ما » : إمّا موصولة ، أو استفهاميّة. وعلى التقديرين فهي المشار إليها بـ « ذلك » في قوله : « فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو » ، أي فلعلّ ما خلفهنّ هو الربّ.

(٥) في « ج ، بح ، بر ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : « خلقهنّ ».

(٦) في حاشية « ف » والتوحيد : « ذاك ».

(٧) في التوحيد : « للجاهل على العالم ».

(٨) في حاشية « بح » : « منّي ».

(٩) في شرح صدر المتألّهين : « يلجئان ».

(١٠) في حاشية « ض ، بح » والتوحيد : « ولا ».

(١١) في التوحيد : + « يذهبان ».

١٨٣

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، إِنَّ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ وَتَظُنُّونَ(١) أَنَّهُ الدَّهْرُ ، إِنْ كَانَ الدَّهْرُ يَذْهَبُ بِهِمْ ، لِمَ لَايَرُدُّهُمْ؟ وَإِنْ كَانَ يَرُدُّهُمْ ، لِمَ لَايَذْهَبُ بِهِمْ؟ الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ؟ لِمَ لَاتَسْقُطُ(٢) السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؟ لِمَ لَاتَنْحَدِرُ(٣) الْأَرْضُ فَوْقَ طِبَاقِهَا(٤) ، وَلَا يَتَمَاسَكَانِ(٥) ، وَلَا يَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَيْهَا(٦) ؟ ». قَالَ(٧) الزِّنْدِيقُ : أَمْسَكَهُمَا اللهُ رَبُّهُمَا وَسَيِّدُهُمَا.

قَالَ : فَآمَنَ الزِّنْدِيقُ عَلى يَدَيْ(٨) أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ آمَنَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلى يَدَيْكَ(٩) فَقَدْ آمَنَ(١٠) الْكُفَّارُ عَلى يَدَيْ أَبِيكَ.

فَقَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : اجْعَلْنِي مِنْ تَلَامِذَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، خُذْهُ إِلَيْكَ وَعَلِّمْهُ(١١) » فَعَلَّمَهُ هِشَامٌ(١٢) ؛ فَكَانَ(١٣) مُعَلِّمَ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ الْإِيمَانَ ، وَحَسُنَتْ طَهَارَتُهُ حَتّى رَضِيَ بِهَا أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام .(١٤)

__________________

(١) في الوافي : « يذهبون إليه ويظنّون ».

(٢) هكذا في « ب ، ف ، بس » وحاشية « ج ، ض ، بر ، بف » والتعليقة للداماد وشرح المتألّهين وحاشية ميرزا رفيعاوشرح المازندراني. وفي سائر النسخ والمطبوع : « لايسقط ». وفي « ج ، ض ، بف » والوافي : « لاتنحدر ». وفي « بر » : « لاينحدر ».

(٣) في « ب ، ج ، بح » : « ولِمَ لاتنحدر ». و « الانحدار » : الانهباط ، تقول : حدرت السفينة ، أي أرسلتها إلى أسفل‌فانحدر. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٦٢٥ ( حدر ).

(٤) في « ج ، ف ، بح ، بف » وحاشية « بس » وحاشية بدر الدين والوافي والتوحيد : « طاقتها ». وفي « بر » وحاشية « بس » : « طبقاتها ». (٥) في شرح المازندراني ومرآة العقول : « فلايتماسكان ».

(٦) في التوحيد : « عليهما ».

(٧) في « ض » والتوحيد : « فقال ».

(٨) في حاشية « ج » : « يد ».

(٩) هكذا في « ب ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس » وحاشية « ج » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والتوحيد. وفي المطبوع وبعض النسخ : « يدك ». (١٠) في حاشية « بح » والتوحيد : « فقد آمنت ».

(١١) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » والوافي : - « وعلّمه ».

(١٢) في « ف » : + « بن الحكم ».

(١٣) في « بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي : « وكان ».

(١٤)التوحيد ، ص ٢٩٣ ، ح ٤ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن حمّاد ، عن الحسن بن إبراهيم ،=

١٨٤

٢١٦/ ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِيثَمِيِّ(١) ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ ، فَقَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : تَرَوْنَ هذَا الْخَلْقَ؟ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى مَوْضِعِ الطَّوَافِ - مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ(٢) لَهُ اسْمَ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَّا ذلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍعليهما‌السلام - فَأَمَّا(٣) الْبَاقُونَ ، فَرَعَاعٌ(٤) وَبَهَائِمُ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ(٥) هذَا الِاسْمَ لِهذَا الشَّيْخِ(٦) دُونَ هؤُلَاءِ؟ قَالَ(٧) : لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : لَابُدَّ(٨) مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ ، قَالَ(٩) : فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : لَاتَفْعَلْ ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ ، فَقَالَ : لَيْسَ ذَا(١٠) رَأْيَكَ ، وَلكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلَالِكَ(١١) إِيَّاهُ‌

__________________

=عن يونس بن عبدالرحمن ، عن يونس بن يعقوب ، عن عليّ بن منصور ، مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٣٠٩ ، ح ٢٥١.

(١) في « ألف » : « أحمد بن المحسن الميثمي ». وفي « ب ، ج ، بس ، بف » : « محمّد بن محسن الميثمي ». وفي « بح » : « أحمد بن محمّد بن الميثمي ». وفي حاشية « ج » : « أحمد بن الحسن الميثمي ».

(٢) في « بف » : « يوجب ». وفيالوافي : « أوجب من الإيجاب. إمّا على صيغة المتكلّم أو الماضي المجهول ، والأوّل أنسب بما يأتي من قول ابن أبي العوجاء : كيف أوجبت ».

(٣) في حاشية « ج » وشرح صدر المتألّهين والوافي : « وأمّا ».

(٤) « الرَعاع » : السَفِلَة والسقّاط من الناس ، أي ناقصو العقول منهم. وقيل : الرُعاع - كالزُجاج - من الناس ، وهم الرذال الضعفاء ، وهم الذين إذا فزعوا طاروا. اُنظر :لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٢٨ ( رعع ).

(٥) في « بف » : « وجب ». وفي حاشية « بف » : « أوجب ».

(٦) في « ف » : « الشخص ».

(٧) في « بر » وحاشية « ج » : « فقال ».

(٨) في « ج ، بف » وحاشية « بح » والتوحيد : « ما بدّ ».

(٩) في « ج » والتوحيد : - « قال ».

(١٠) في حاشية « بح » : « هذا ».

(١١) في « ج ، بر ، بف » وحاشية « ض ، بح » : « إجلالك ». وقال المجلسي فيمرآة العقول : « وفي بعض النسخ بالجيم وهو تصحيف ». و « الإحلال » : الإنزال.الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦٧٤ ( حلل ).

١٨٥

الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ ، فَقَالَ(١) ابْنُ الْمُقَفَّعِ : أَمَا(٢) إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هذَا ، فَقُمْ إِلَيْهِ ، وَتَحَفَّظْ(٣) مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ ، وَلَا تَثْنِي(٤) عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ(٥) ؛ فَيُسَلِّمَكَ(٦) إِلى عِقَالٍ(٧) ، وَسِمْهُ(٨)

__________________

(١) في « بف » وشرح صدر المتألّهين : + « له ».

(٢) « أما » بالتخفيف حرف التنبيه. هكذا قرأ المازندراني وقال : « وهذا أولى من قراءتها بالتشديد على أن تكون للشرط ، وفعلها محذوف ، ومجموع الشرط والجزاء بعدها جواب لذلك الشرط كما زعم ، فإنّه بعيدٌ لفظاً ومعنىً. أمّا لفظاً فلاحتياجه إلى التقدير ، والأصل عدمه ؛ وأمّا معني فلأنّ « أمّا » الشرطيّة للتفصيل.. وإرادة التفصيل هنا بعيدٌ ، بل لا وجه لها ». وقرأها الميرزا رفيعا بالتشديد حيث قال : « أمّا : للشرط ، وفعله محذوف ، ومجموع الشرط والجزاء الّذي بعدها جواب لذلك الشرط. وذكر « عليّ » لتضمين التوهّم معنى الكذب والافتراء ». راجع :شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٤ ؛حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٢٤٨.

(٣) « تحفّظ » : أمر من التفعّل على مايظهر من كلام صدر المتألّهين. ومضارع مجزوم على ظاهر كلام المازندراني ، حيث قال : « تحفّظ ، مجزوم بالشرط المقدّر بعد الأمر ، و « من » متعلّق به ، أي إن قمت إليه تحفّظ نفسك من الزلل ». وفيه تأمّل ؛ لمكان واو العطف. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٢١٨ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٥.

(٤) في حاشية « بح » وحاشية ميرزا رفيعا والتوحيد : « ولا تثن ». وقوله : « لاتَثْني عنانك » أي لاتصرفه ولا تعطفه ، تقول ثَنَيْت الشي‌ء ، إذا صرفته وعطفته. واحتمل المازندراني كونه من باب الإفعال ، ولكن لا تساعده اللغة. قال : « في بعض النسخ : لا تثن ، من أحد البابين ». فهو على الأوّل عطف على « الزلل » بتقدير « أن » وعلى الثاني عطف على « تحفّظ ». اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٩٤ ( ثني ) ،شرح صدر المتألهين ، ص ٢١٨ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٥.

(٥) « الاسترسال » : الاستيناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدّثه به ، وأصله السكون والثبات. ويحتمل أن يكون من الرِسل بمعنى اللين والرفع والتأنّي. اُنظر :النهاية ، ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٥ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٤٥.

(٦) في « ب ، ج ، ف » والتوحيد : « يسلمك ». وفي « بس » : « فيسلمنّك ». وهو من التسليم أو الإسلام.

(٧) « عِقال » : الحبل الذي يشدّ به ذراعي البعير. و « عُقّال » : داء في رِجل الدابّة إذا مشى ظلع ساعة ثمّ انبسط. وكلاهما محتمل هاهنا. اُنظر :لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٤٥٩ و ٤٦٣ ( عقل ).شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٥.

(٨) في « ج » والتعليقة للداماد وحاشية ميرزا رفيعا والوافي : « سُمْهُ » ، أمر من : سامه إيّاه ، أى عرضه عليه وجعله في معرض البيع والشرى ، و « ما » موصولة. وفي « ب ، ض ، ف ، بس » ومرآة العقول : « سِمْه » أمر من وسم يسم بمعنى الكيّ ، و « ما » موصولة ، أي اجعل على ما تريد أن تتكلّم به علامة لتعلم أيّ شي‌ء لك وأيّ شي‌ء عليك. وفي حاشية « ض » وشرح صدر المتألّهين : « سِمَة » بمعنى أثر الكيّ في الحيوان وهو إحراق جلده بحديدة أو=

١٨٦

مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ(١) .

قَالَ : فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ(٢) ، وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، قَالَ : وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ ، مَا هذَا بِبَشَرٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ(٣) يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً(٤) ، وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً ، فَهُوَ هذَا ، فَقَالَ لَهُ : وَكَيْفَ(٥) ذلِكَ(٦) ؟ قَالَ : جَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ، ابْتَدَأَنِي ، فَقَالَ : « إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا يَقُولُ هؤُلَاءِ - وَهُوَ عَلى مَا يَقُولُونَ ، يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ - فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ(٧) ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُونَ(٨) - وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ - فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ ، وَهُمْ » ، فَقُلْتُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، وَأَيَّ شَيْ‌ءٍ نَقُولُ؟ وَأَيَّ شَيْ‌ءٍ يَقُولُونَ؟ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلَّا وَاحِداً ، فَقَالَ : « وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً ، وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ(٩)

__________________

=نحوها ، عطفاً على « عقال » و « ما » نافية مشبّهة بليس ، أو موصولة. وفي حاشية « ج » : « شُمَّهُ » أمر من شمّ ، يقال : شاممتُ فلاناً ، أي قاربته لأعرف ما عنده بالكشف والاختبار ، و « ما » استفهاميّة.

(١) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وحاشية ميرزا رفيعا ومرآة العقول والوافي : «وعليك».

(٢) فيالتوحيد ، ص ٢٥٣ ، ح ٤ : « كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصريّ‌

فانحرف عن التوحيد فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولاحقيقة. قال : إنّ صاحبي كان مخلّطاً ، كان يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه وكان يكره العلماء مجالستة لخبث لسانه وفساد ضميره ». وانظر أيضاً :الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٧٤.

(٣) في « ج » : - « و ».

(٤) وفي « ب ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي : « ظهر ». وفيحاشية ميرزا رفيعا ، ص ٢٤٨ : « يتجسّد ، أي يصير ذا جسد وبدن يُبصر به ويُرى. ويتروّح ، أي يصير روحاً صرفاً ويبطن ويختفى عن الأبصار والعيون ».

(٥) في « ب ، بس » وحاشية « بح » : « فكيف ».

(٦) في « ج ، ض ، ف » وحاشية « بح » : « ذاك ».

(٧) « عطبتم » أي هلكتم ، من العطب بمعنى الهلاك. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ١٨٤ ( عطب ).

(٨) في « ض » وحاشية « بح » : « كما تقولون » بدل « على ما تقولون ».

(٩) في التوحيد : « للسماء ».

١٨٧

إِلهاً ، وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ؟! ».

قَالَ : فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا مَنَعَهُ - إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ - أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ ، وَيَدْعُوَهُمْ إِلى عِبَادَتِهِ حَتّى لَايَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؟ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ؟ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ.

فَقَالَ لِي : « وَيْلَكَ ، وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ؟! نُشُوءَكَ(١) وَلَمْ تَكُنْ ، وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ ، وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ ، وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ ، وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ ، وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ ، وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ ، وَحَزَنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ ، وَفَرَحَكَ بَعْدَ حَزَنِكَ ، وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ ، وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ ، وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ(٢) ، وَأَنَاتَكَ(٣) بَعْدَ عَزْمِكَ ، وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ(٤) ، وَكَرَاهَتَكَ(٥) بَعْدَ شَهْوَتِكَ ، وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ ، وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ ، وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ ، وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ ، وَخَاطِرَكَ(٦) بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ ، وَعُزُوبَ(٧) مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ‌......................

__________________

(١) عند المازندراني : « نشوك ». وهو منصوب بدلاً من « قدرته » ، أو مرفوع خبراً لمبتدأ محذوف يعود إليها ، وهو « هي ». اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٢٩ ،مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٤٧.

(٢) في التوحيد والتعليقة للداماد ، ص ١٧٥ : « إبائك » بمعنى الامتناع. وقال : « وفي بعض نسخ كتابالتوحيد للصدوق : « بعد إيبائك ، على مصدر باب الإفعال بمعنى الإباء أيضاً ، ولا يتصوّبه فريق من علماء العربيّة ». وقال الفيض فيالوافي : « وفي توحيد الصدوق : « إينائك » وهذا دليل النون ؛ لأنَّ الإيباء بمعنى الامتناع خطأ بخلاف الإيناء بمعنى التأخّر ». وفي « بف » : « أنائك ». وقال المجلسي فيمرآة العقول : « وربّما يقرأ بالنون والهمزة ، أي « أنائك » بمعنى الفتور والتأخّر والإبطاء ». وفي حاشية « ض » : « أنأتك ».

و « الأناة » اسم من تأنّى في الأمر ، أي ترفّق وتنظّر ، أي عامله بلطف ، وانتظره في مهلة. وأصل الهمزة الواو من الوَنَى بمعنى الضعف والفتور. اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٧٣ ( أنو ) وص ٢٥٣١ ( ونى ).

(٣) في « بف » : « إناؤك ». وفي حاشية « ض » : « أنأتُك ». وفي التوحيد : « إباءك ».

(٤) في « ب » والوافي : « كراهيتك ».

(٥) في « ب » والوافي : « كراهيتك ».

(٦) « الخاطر » : الواقع والحاصل في الذهن ، وقد يطلق على الذهن ، والمراد هنا هو الشعور والإدراك ؛ بقرينة تعديته بالباء. اُنظر :لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٤٩ ( خطر ).

(٧) « العزوب » : الغيبة والبعد. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ١٨١ ( عزب ).

١٨٨

عَنْ(١) ذِهْنِكَ ». وَمَا زَالَ يُعَدِّدُ(٢) عَلَيَّ قُدْرَتَهُ - الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِي ، الَّتِي لَا أَدْفَعُهَا - حَتّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ.(٣)

٢١٧/ ٣. عَنْهُ(٤) ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ حِينَ سَأَلَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ :

عَادَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلى مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَجَلَسَ وَهُوَ(٥) سَاكِتٌ لَايَنْطِقُ ، فَقَالَ لَهُ(٦) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « كَأَنَّكَ جِئْتَ تُعِيدُ بَعْضَ مَا كُنَّا فِيهِ ». فَقَالَ : أَرَدْتُ ذلِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ لَهُ(٧) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « مَا أَعْجَبَ هذَا! تُنْكِرُ اللهَ وَتَشْهَدُ أَنِّي ابْنُ رَسُولِ اللهِ! ». فَقَالَ : الْعَادَةُ تَحْمِلُنِي عَلى ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُعليه‌السلام : « فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ(٨) الْكَلَامِ؟ » قَالَ : إِجْلَالاً لَكَ(٩) وَمَهَابَةً(١٠) مَا يَنْطَلِقُ(١١) لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ ؛ فَإِنِّي شَاهَدْتُ الْعُلَمَاءَ ، وَنَاظَرْتُ الْمُتَكَلِّمِينَ ، فَمَا تَدَاخَلَنِي هَيْبَةٌ قَطُّ مِثْلُ مَا تَدَاخَلَنِي(١٢) مِنْ هَيْبَتِكَ ،

__________________

(١) في حاشية « بر » : « في ».

(٢) في التوحيد : « يعدّ ».

(٣)التوحيد ، ص ١٢٥ ، ح ٤ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد ، مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٣١٤ ، ح ٢٥٢.

(٤) ورد هذا الحديث في « ب ، بح ، بع ، جه » فقط ولم يرد في سائر النسخ التي في أيدينا ، كما أنّه لم يرد في شرح‌صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي. وقال فيمرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٤٩ : « وليس هذا الحديث في أكثر النسخ ولكنّه موجود في توحيد الصدوق ، ورواه عن الكليني ، ويدلّ على أنّه كان في نسخته ».

والضمير في « عنه » راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد في السند السابق. يؤيّد ذلك كثرة رواية ابن خالد عن العناوين المبهمة ، وكثرة رجوع الضمير إليه في أسنادالكافي ، كما يظهر بالفحص في أسناد الكتاب.

(٥) في « ب ، بح » : « فهو ».

(٦) هكذا في النسخ. وفي المطبوع والتوحيد : - « له ».

(٧) في التوحيد : - « له ».

(٨) في « بح » : « عن ».

(٩) في « ب ، بع ، جه » : « إجلالك ».

(١٠) « المهابة » و « الهيبة » : مصدران بمعنى المخافة والتقيّة والإجلال. يقال : هاب الشي‌ء يهابه ، إذا خافَه وإذا وقّره وعظّمه ، اُنظر :لسان العرب ، ج ١ ، ص ٧٨٩ ( هيب ).

(١١) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « ما ينطق ».

(١٢) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « مادخل ».

١٨٩

قَالَ : « يَكُونُ ذلِكَ ، وَلكِنْ أَفْتَحُ(١) عَلَيْكَ بِسُؤَالٍ » وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ(٢) : « أَمَصْنُوعٌ أَنْتَ ، أَوْ(٣) غَيْرُ مَصْنُوعٍ؟ » فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : بَلْ(٤) أَنَا غَيْرُ مَصْنُوعٍ ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُعليه‌السلام : « فَصِفْ لِي : لَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً ، كَيْفَ كُنْتَ تَكُونُ؟ » فَبَقِيَ عَبْدُ الْكَرِيمِ مَلِيّاً(٥) لَايُحِيرُ(٦) جَوَاباً ، وَوَلِعَ(٧) بِخَشَبَةٍ كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ : طَوِيلٌ عَرِيضٌ ، عَمِيقٌ(٨) قَصِيرٌ ، مُتَحَرِّكٌ سَاكِنٌ ، كُلُّ ذلِكَ صِفَةُ خَلْقِهِ(٩) ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُعليه‌السلام : « فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ صِفَةَ الصَّنْعَةِ(١٠) غَيْرَهَا ، فَاجْعَلْ نَفْسَكَ مَصْنُوعاً ؛ لِمَا تَجِدُ فِي نَفْسِكَ مِمَّا يَحْدُثُ مِنْ(١١) هذِهِ الْأُمُورِ ».

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ : سَأَلْتَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَسْأَلْنِي عَنْهَا أَحَدٌ(١٢) قَبْلَكَ ، وَلَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ بَعْدَكَ عَنْ مِثْلِهَا ، فَقَالَ لَهُ(١٣) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « هَبْكَ(١٤) عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُسْأَلْ فِيمَا مَضى ، فَمَا عَلَّمَكَ أَنَّكَ لَاتُسْأَلُ فِيمَا بَعْدُ؟ عَلى أَنَّكَ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ ، نَقَضْتَ قَوْلَكَ ؛ لِأَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ ، فَكَيْفَ قَدَّمْتَ وَأَخَّرْتَ؟! ».

ثُمَّ قَالَ : « يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ ، أَزِيدُكَ وُضُوحاً ، أَرَأَيْتَ ، لَوْ كَانَ مَعَكَ كِيسٌ فِيهِ جَوَاهِرُ ،

__________________

(١) في « بح » : « أفتتح ».

(٢) في « ب » : - « له ».

(٣) في « بح » والتوحيد : « أم ».

(٤) في « ب ، بح ، جه » والتوحيد : - « بل ».

(٥) « المـَليّ » : الطائفة من الزمان لاحدّ لها.النهاية ، ص ٣٦٣ ( ملو ).

(٦) « لايحير » أي لايرجع ولا يردّ ، من الحور بمعنى الرجوع عن الشي‌ء وإلى الشي‌ء. يقال : كلّمته فما أحار إليّ جواباً ، أي ما ردّ جواباً. اُنظر :لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢١٧ - ٢١٨ ( حور ).

(٧) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « أولع ». و « وَلِعَ بخشبة » أي حرص عليه وبالغ في تناوله. اُنظر :مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٤٩ ؛لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٤١٠ ( ولع ). (٨) في « ب ، بع ، جه » : - « عميق ».

(٩) فيمرآة العقول : « قوله : كلّ ذلك صفة خلقه ، أي خلق الخالق والصانع. ويمكن أن يقرأ بالتاء ، أي صفة المخلوقيّة ».

(١٠) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « لصنعة ».

(١١) في « ب » : « في ». وفي « بح » : « منه ».

(١٢) في التوحيد : « أحدٌ عنها ».

(١٣) هكذا في « ب ، بح ، بع ، جه » والتوحيد. وفي المطبوع : - « له ».

(١٤) « هبك » أي افرض واحسب نفسك علمت. يقال : هبني فعلتُ ذلك ، أي احسبني واعدُدْني فعلت. ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى. اُنظر :لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤ : ٨ ( وهب ).

١٩٠

فَقَالَ لَكَ قائِلٌ : هَلْ(١) فِي الْكِيسِ دِينَارٌ؟ فَنَفَيْتَ كَوْنَ الدِّينَارِ فِي(٢) الْكِيسِ ، فَقَالَ لَكَ قَائِلٌ(٣) : صِفْ لِيَ الدِّينَارَ ، وَكُنْتَ غَيْرَ عَالِمٍ بِصِفَتِهِ ، هَلْ كَانَ لَكَ أَنْ تَنْفِيَ كَوْنَ الدِّينَارِ فِي(٤) الْكِيسِ وَأَنْتَ لَاتَعْلَمُ؟ » قَالَ : لَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَالْعَالَمُ أَكْبَرُ وَأَطْوَلُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْكِيسِ ، فَلَعَلَّ فِي الْعَالَمِ صَنْعَةً ؛ مِنْ حَيْثُ(٥) لَاتَعْلَمُ صِفَةَ الصَّنْعَةِ مِنْ غَيْرِ الصَّنْعَةِ ».

فَانْقَطَعَ عَبْدُ الْكَرِيمِ ، وَأَجَابَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ، وَبَقِيَ مَعَهُ بَعْضٌ.

فَعَادَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، فَقَالَ : أَقْلِبُ(٦) السُّؤَالَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « سَلْ عَمَّا شِئْتَ » ، فَقَالَ(٧) : مَا الدَّلِيلُ عَلى حُدُوثِ(٨) الْأَجْسَامِ؟ فَقَالَ : « إِنِّي(٩) مَا وَجَدْتُ شَيْئاً - صَغِيراً وَلَا كَبِيراً - إِلَّا وَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ مِثْلُهُ ، صَارَ أَكْبَرَ ، وَفِي ذلِكَ زَوَالٌ وَانْتِقَالٌ مِنَ(١٠) الْحَالَةِ الْأُولى(١١) ، وَلَوْ(١٢) كَانَ قَدِيماً ، مَا زَالَ وَلَا حَالَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَزُولُ وَيَحُولُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيُبْطَلَ ، فَيَكُونُ بِوُجُودِهِ(١٣) بَعْدَ عَدَمِهِ دُخُولٌ فِي الْحَدَثِ ، وَفِي كَوْنِهِ فِي الْأَزَلِ(١٤) دُخُولُهُ فِي الْقِدَمِ(١٥) ، وَلَنْ تَجْتَمِعَ(١٦) صِفَةُ الْأَزَلِ وَالْعَدَمِ ، وَالْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ(١٧) فِي شَيْ‌ءٍ وَاحِدٍ ».

__________________

(١) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « فهل ».

(٢) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « عن ». ويجي‌ء « عن » للظرفيّة أيضاً.

(٣) هكذا في « ب ، بح ، بع ، جه » والتوحيد. وفي المطبوع : - « قائل ».

(٤) هكذا في التوحيد. وفي « ب ، بح ، بع ، جه » والمطبوع : « عن ».

(٥) في التوحيد : - « من حيث ».

(٦) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « أقبلتَ ».

(٧) في « بح ، بع ، جه » : + « له ».

(٨) هكذا في « ب ، بح ، بع ، جه ». وفي المطبوع والتوحيد : « حَدَث ».

(٩) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « لأنّي ».

(١٠) هكذا في«ب ، بح ، بع ، جه».وفي المطبوع:« عن ».

(١١) في « بح ، بع » : « حالته الأوّلية ». وفي « ب ، جه » : « حالة الأوّلية ».

(١٢) في « ب ، بح ، جه » : « فلو ».

(١٣) في « بح » : « لوجوده ».

(١٤) في « بح » : « الأوّل ». وفي التوحيد : « الأُولى ».

(١٥) هكذا في « ب ، بع ، جه » ، وهو المختار ؛ فإنّ أزليّة الوجود دليل القدم ، دون العدم. وفي « بح » والمطبوع والتوحيد : « العدم ». واعلم أنّ هذا الحديث موجود في أربع نسخ مذكورة من جميع النسخ الموجودة عندنا.

(١٦) في « ب ، بح ، بع » والتوحيد : « ولن يجتمع ».

(١٧) .في« ب ، بح ، جه »والتوحيد :-«والحدوث والقدم».

١٩١

فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ : هَبْكَ عَلِمْتَ فِي جَرْيِ الْحَالَتَيْنِ(١) وَالزَّمَانَيْنِ - عَلى مَا ذَكَرْتَ - فَاسْتَدْلَلْتَ(٢) بِذلِكَ عَلى حُدُوثِهَا ، فَلَوْ بَقِيَتِ الْأَشْيَاءُ عَلى صِغَرِهَا ، مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلى حُدُوثِهِا(٣) ؟ فَقَالَ الْعَالِمُعليه‌السلام : « إِنَّمَا(٤) نَتَكَلَّمُ عَلى هذَا الْعَالَمِ الْمَوْضُوعِ(٥) ، فَلَوْ رَفَعْنَاهُ وَوَضَعْنَا عَالَماً آخَرَ ، كَانَ لَاشَيْ‌ءَ أَدَلَّ عَلَى الْحَدَثِ مِنْ رَفْعِنَا إِيَّاهُ وَوَضْعِنَا غَيْرَهُ ، وَلكِنْ أُجِيبُكَ(٦) مِنْ حَيْثُ قَدَّرْتَ(٧) أَنْ تُلْزِمَنَا(٨) وَنَقُولُ(٩) : إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَوْ دَامَتْ عَلى صِغَرِهَا ، لَكَانَ فِي الْوَهْمِ أَنَّهُ مَتى ضُمَّ(١٠) شَيْ‌ءٌ(١١) إِلى مِثْلِهِ ، كَانَ أَكْبَرَ ، وَفِي جَوَازِ التَّغَيُّرِ(١٢) عَلَيْهِ خُرُوجُهُ مِنَ الْقِدَمِ ، كَمَا أَنَّ فِي تَغَيُّرِهِ(١٣) دُخُولَهُ فِي الْحَدَثِ ، لَيْسَ لَكَ وَرَاءَهُ شَيْ‌ءٌ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ ». فَانْقَطَعَ وَخُزِيَ(١٤) .

فَلَمَّا كَانَ مِنَ(١٥) الْعَامِ الْقَابِلِ ، الْتَقى مَعَهُ فِي الْحَرَمِ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ شِيعَتِهِ : إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَدْ أَسْلَمَ ، فَقَالَ الْعَالِمُعليه‌السلام : « هُوَ(١٦) أَعْمى مِنْ ذلِكَ ، لَايُسْلِمُ » فَلَمَّا بَصُرَ

__________________

(١) في « بح » : « الحالين ».

(٢) هكذا في « ب ، بح ، بع ، جه ». وفي المطبوع والتوحيد : « واستدللت ».

(٣) هكذا في النسخ والتوحيد. وفي المطبوع : « حدوثهنّ ».

(٤) في « ب » : « إنّا ».

(٥) في « ب ، بع ، جه » : - « الموضوع ».

(٦) في « ب ، بع ، جه » : « أجبتُك ».

(٧) فيمرآة العقول : « من حيث قدّرت ، بتشديد الدال ، أي فرضتَ لأن تلزمنا. أو بالتخفيف ، أي زعمت أنّك تقدر أن تلزمنا ». (٨) في « ب » : « يلزمنا ».

(٩) هكذا في « ب ، بح ، بع ، جه ». وفي المطبوع : « فنقول ».

(١٠) في التوحيد : « متى ما ضمّ ».

(١١) في « ب ، بع ، جه » : - « شي‌ء ». وفي التوحيد : + « منه ».

(١٢) هكذا في « ب » والتوحيد. وما يستحيل في حقّه تعالى وواجب في الحادث هو التغيّر دون التغيير. وفي « بح ، بع ، جه » والمطبوع : « التغيير ».

(١٣) هكذا في « ب » والتوحيد. وفي « بح ، بع ، جه » والمطبوع : « تغييره ».

(١٤) يجوز قراءته معلوماً أيضاً. خَزِيَ يخزى خِزياً ، أي ذلّ وهان. وقال ابن السكّيت : وقع في بليّة.الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٢٦ ( خزي ). (١٥) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « في ».

(١٦) في « ب » : « هو من ». وفي « بح » : « فهو ».

١٩٢

بِالْعَالِمِعليه‌السلام ، قَالَ : سَيِّدِي(١) وَمَوْلَايَ ، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُعليه‌السلام : « مَا جَاءَ بِكَ إِلى هذَا الْمَوْضِعِ؟ » فَقَالَ : عَادَةُ الْجَسَدِ وَسُنَّةُ الْبَلَدِ ، وَلِنَنْظُرَ(٢) مَا النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْجُنُونِ ، وَالْحَلْقِ ، وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ ، فَقَالَ لَهُ(٣) الْعَالِمُعليه‌السلام : « أَنْتَ بَعْدُ عَلى عُتُوِّكَ(٤) وَضَلَالِكَ يَا عَبْدَ الْكَرِيمِ ». فَذَهَبَ(٥) يَتَكَلَّمُ ، فَقَالَ لَهُعليه‌السلام : « لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ » وَنَفَضَ رِدَاءَهُ مِنْ يَدِهِ ، وَقَالَ : « إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ - وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ - نَجَوْنَا وَنَجَوْتَ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ - وَهُوَ كَمَا نَقُولُ(٦) - نَجَوْنَا وَهَلَكْتَ ».

فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَلى مَنْ مَعَهُ ، فَقَالَ : وَجَدْتُ فِي قَلْبِي حَزَازَةً(٧) فَرُدُّونِي ، فَرَدُّوهُ ، فَمَاتَ(٨) لَارَحِمَهُ اللهُ(٩) .

٢١٨/ ٤. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَسَدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَرْمَكِيِّ الرَّازِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بُرْدٍ الدِّينَوَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْخُرَاسَانِيِّ خَادِمِ الرِّضَاعليه‌السلام ، قَالَ :

دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ عَلى أَبِي الْحَسَنِعليه‌السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِعليه‌السلام :

__________________

(١) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « يا سيّدي ».

(٢) في التوحيد : « لنبصر ».

(٣) في « ب ، بح ، بع ، جه » والتوحيد : - « له ».

(٤) « العتوّ » : التجبّر والتكبّر. يقال : عتا يعتو عتوّاً ، استكبر وجاوز الحدّ. اُنظر :لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٢٧ - ٢٨ ( عتو ). (٥) في « ب ، بح ، بع ، جه » : « وذهب ».

(٦) في « ب » : « وإن لم يكن الأمر كما تقول وهو كما نقول ».

(٧) « الحزازة » : وجعٌ في القلب من غيظ ونحوه.الصحاح ، ج ٣ ، ص ٨٧٣ ( حزز ) وفي حاشية « بح » : « حرارة ». وفي « ب » : « وجدت في قلبي غزار إبرة من الحرارة ». والغَزارة : مصدر بمعنى الكثرة ، والغِزار : جمع الغزير ، وهو الكثير من كلّ شي‌ء. والإبرة : أداة الخياطة. وفي « بح » : « وجدت في قلبي غزاز إبرة ». والغزازة : القوّة والشدّة والصعب. وفي « بع » : « وجدت في قلبي غراز إبرة من الحرارة ». يقال : غرز الإبرة في شي‌ء غرزاً ، أي أدخلها فيه ، وفي « جه » : « وجدت في قلبي غزاز إبرة من الحرارة » من قول العامّة : غزّه بالإبرة ، أي وخزه وطعنه بها. ويقرأ أيضاً : « خزاز ».

(٨) في « بع ، جه » وحاشية « ب » والتوحيد : « ومات ».

(٩)التوحيد ، ص ٢٩٦ ، ح ٦ ، بسنده عن الكلينى. وراجع :التوحيد ، ص ٢٩٣ ، ح ٢ ، وفيه قطعة منه.

١٩٣

« أَيُّهَا الرَّجُلُ ، أَرَأَيْتَ ، إِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكُمْ - وَلَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُونَ - أَلَسْنَا وَإِيَّاكُمْ شَرَعاً سَوَاءً(١) ، لَايَضُرُّنَا مَا صَلَّيْنَا وَصُمْنَا(٢) ، وَزَكَّيْنَا وَأَقْرَرْنَا؟ » فَسَكَتَ الرَّجُلُ.

ثُمَّ قَالَ(٣) أَبُو الْحَسَنِعليه‌السلام : « وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَنَا - وَهُوَ قَوْلُنَا - أَلَسْتُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ وَنَجَوْنَا؟ ». فَقَالَ : رَحِمَكَ اللهُ ، أَوْجِدْنِي(٤) كَيْفَ هُوَ؟ وَأَيْنَ هُوَ؟

فَقَالَ : « وَيْلَكَ ، إِنَّ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ غَلَطٌ ؛ هُوَ أَيَّنَ الْأَيْنَ بِلَا أَيْنٍ(٥) ، وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ ، فَلَا يُعْرَفُ(٦) بِالْكَيْفُوفِيَّةِ(٧) ، وَلَا بِأَيْنُونِيَّةٍ ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ ، وَلَا يُقَاسُ بِشَيْ‌ءٍ ».

فَقَالَ الرَّجُلُ : فَإِذاً إِنَّهُ لَاشَيْ‌ءَ إِذَا لَمْ يُدْرَكْ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِعليه‌السلام : « وَيْلَكَ ، لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَنْكَرْتَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَنَحْنُ إِذَا عَجَزَتْ حَوَاسُّنَا عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَيْقَنَّا أَنَّهُ رَبُّنَا بِخِلَافِ شَيْ‌ءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ».

قَالَ(٨) الرَّجُلُ : فَأَخْبِرْنِي مَتى كَانَ؟ قَالَ(٩) أَبُو الْحَسَنِعليه‌السلام : « أَخْبِرْنِي مَتى لَمْ يَكُنْ ؛ فَأُخْبِرَكَ مَتى كَانَ؟ » قَالَ الرَّجُلُ : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِعليه‌السلام (١٠) : « إِنِّي لَمَّا‌

__________________

(١) « شرعاً » : مصدر بفتح الشين وسكون الراء وفتحها ، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكّر والمؤنّث. يقال : الناس في ذلك شرْع سواء ، أي متساوون ، لا فضل لأحدهم فيه على الآخر. فـ « سواء » تأكيد له. اُنظر :النهاية ، ح ٢ ، ص ٤٦١ ( شرع ).

(٢) في « ب » : « ماصمنا وما صلّينا ». وفي « بس » : « ما صلّينا وما صمنا ».

(٣) في « بر » والتوحيد والعيون : « فقال » بدل « ثمّ قال ».

(٤) في « ف » : + « وأخبرني ». و « الإيجاد » : الإظفار. يقال : أوجده اللهَ مطلوبه ، أي أظفره به. والمعنى : أظفرني بمطلوبي ، وأوصلني إليه ، وهو أنّه كيف هو وأين هو ، يعني بيّن لي كيفيّته ، وأظهر لي مكانه. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٤٧ ( وجد ) ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٣٧.

(٥) في « بح ، بر ، بس ، بف » : - « بلا أين ».

(٦) في « ب » : « ولا يعرف ».

(٧) في التوحيد والعيون : « هو أيّن الأين وكان ولا أين ، وهو كيّف الكيف وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفيّة ». واستصوب الداماد واستحسن الفيض قوله في التوحيد والعيون : « بكيفوفيّة » لموافقتها لنظيرتها. اُنظر :التعليقة للداماد ، ص ١٧٨ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٣١٩. (٨) في « ب » : « فقال ».

(٩) في « ب ، بس » والتوحيد : « فقال ».

(١٠) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بر ، بس ، بف » : - « أخبرني متى لم يكن - إلى - فقال أبوالحسنعليه‌السلام ». وفي =

١٩٤

نَظَرْتُ إِلى جَسَدِي ، وَلَمْ يُمْكِنِّي فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فِي الْعَرْضِ وَالطُّولِ(١) ، وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ عَنْهُ ، وَجَرِّ الْمَنْفَعَةِ(٢) إِلَيْهِ ، عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا الْبُنْيَانِ بَانِياً ، فَأَقْرَرْتُ بِهِ ؛ مَعَ مَا أَرى - مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ بِقُدْرَتِهِ ، وَإِنْشَاءِ السَّحَابِ ، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ(٣) ، وَمَجْرَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْعَجِيبَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ(٤) - عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا مُقَدِّراً وَمُنْشِئاً »(٥) .

٢١٩/ ٥. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْخَفَّافِ ، أَوْ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ:

إِنَّ عَبْدَ اللهِ الدَّيَصَانِيَّ(٦) سَأَلَ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ لَهُ(٧) : أَلَكَ رَبٌّ؟ فَقَالَ : بَلى ، قَالَ : أَقَادِرٌ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَادِرٌ(٨) قَاهِرٌ ، قَالَ : يَقْدِرُ(٩) أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ ، لَاتَكْبُرُ الْبَيْضَةُ وَلَا تَصْغُرُ الدُّنْيَا؟ قَالَ هِشَامٌ : النَّظِرَةَ(١٠) ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ أَنْظَرْتُكَ حَوْلاً ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ.

فَرَكِبَ هِشَامٌ إِلى أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ :

__________________

=التعليقة ، للداماد ، وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني ، والوافي ، ومرآة العقول : « هذا الإسقاط من النسّاخ ».

(١) في « ف » : « في الطول والعرض ».

(٢) في « ف » : « وجلب المنافع ».

(٣) في « ج ، بر » : « الريح ».

(٤) في حاشية « بف » : « البيّنات ». وفي التوحيد والعيون : « المتقنات ».

(٥)التوحيد ، ص ٢٥٠ ، ح ٣ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٣١ ، ح ٢٨ ، بسندهما عن أبي سمينة محمّد بن عليّ الصيرفي ، عن محمّد بن عبدالله الخراساني ، مع تفاوت يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٣١٧ ، ح ٢٥٣.

(٦) « الدَيَصاني » : منسوب إلى الدَيَصان. وهو مصدر داص يديص ، أي زاغ وحاد ومال. ومعناه الملحد ؛ لميله عن‌الدين بعد أن كان فيه ؛ إذ هو من تلامذة الحسن البصري ، مال عن الدين ؛ لعدم قدرة اُستاذه على حلّ الشبهات.

قال المحقّق الشعراني : هذا غير مطابق للواقع ، والصحيح أنّ الديصانيّة كانوا قوماً من الزنادقة القائلين بالنور والظلمة ، وأنّ دَيَصان اسم رئيسهم مثل « ماني ». اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٠٤٠ ( ديص ) ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٢٢٢ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٤٦ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٥٦.

(٧) في « ف ، بر » : - « له ».

(٨) في حاشية « بح » : + « هو ».

(٩) في حاشية « ف » : + « على ».

(١٠) « النَظِرة » : المهلة والتأخير. وهو منصوب بفعل مقدّر. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٨٣١ ( نظر ).

١٩٥

يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، أَتَانِي عَبْدُ اللهِ الدَّيَصَانِيُّ بِمَسْأَلَةٍ لَيْسَ الْمُعَوَّلُ(١) فِيهَا إِلَّا عَلَى اللهِ وَعَلَيْكَ ، فَقَالَ لَهُ(٢) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « عَمَّا ذَا سَأَلَكَ؟ » فَقَالَ : قَالَ(٣) لِي : كَيْتَ(٤) وَكَيْتَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا هِشَامُ ، كَمْ حَوَاسُّكَ؟ » قَالَ : خَمْسٌ ، قَالَ : « أَيُّهَا أَصْغَرُ؟ » قَالَ : النَّاظِرُ(٥) ، قَالَ : « وَكَمْ قَدْرُ النَّاظِرِ؟ » قَالَ : مِثْلُ الْعَدَسَةِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا ، فَقَالَ لَهُ : « يَا هِشَامُ ، فَانْظُرْ أَمَامَكَ وَفَوْقَكَ وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَرى » فَقَالَ : أَرى سَمَاءً وَأَرْضاً وَدُوراً وَقُصُوراً وَبَرَارِيَ(٦) وَجِبَالاً وَأَنْهَاراً ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « إِنَّ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يُدْخِلَ الَّذِي تَرَاهُ الْعَدَسَةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا قَادِرٌ(٧) أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ لَاتَصْغُرُ(٨) الدُّنْيَا وَلَا تَكْبُرُ(٩) الْبَيْضَةُ ».(١٠)

فَأَكَبَّ(١١) هِشَامٌ عَلَيْهِ(١٢) ، وَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالَ : حَسْبِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ،

__________________

(١) « المعوّل » : المستغاث والمستعان. يقال : عوّلتُ به وعليه ، أي استعنت. ويحتمل أن يكون المـُعَوِّل أو المـُعْوِل‌ بمعنى الصارخ ، وهو الذي يرفع صوته عند البكاء. اُنظر :لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٤٨٣ ( عول ).

(٢) في « بر » : - « له ».

(٣) في « ج » : - « قال ».

(٤) في حاشية « ج » : « بتسكيت ». و « كيت وكيت » ، هي كناية عن الأمر ، نحو كذا وكذا.النهاية ، ج ٤ ، ص ٢١٦ ( كيت ). (٥) في « بح » : « الناظرة ».

(٦) في التوحيد : « وتراباً ». و « البَراري » : جمع البريّة بمعنى الصحراء. وعند المازندراني فَتْح الراء أفصح. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٥٨٨ ( برر ) ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٤٨.

(٧) في « بح » : + « على ».

(٨) في « ج ، ض » : « لاتصغّر » بالتضعيف. وفي التوحيد « لايصغر ».

(٩) في « ض ، بف » : « لاتكبّر » بالتضعيف. وفي التوحيد : « يكبر ».

(١٠) فيالوافي : « هذه مجادلة بالتي هي أحسن وجواب جدليّ مسكت يناسب فهم السائل ، وقد صدر مثله عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام والجواب البرهاني أن يقال : إنّ عدم تعلّق قدرته تعالى على ذلك ليس من نقصان في قدرته سبحانه ولا لقصور في عمومها وشمولها كلّ شي‌ء ، بل إنّما ذاك من نقصان المفروض وامتناعه الذاتي وبطلانه الصرف وعدم حظّه من الشيئيّة ، كما أشار إليه أميرالمؤمنينعليه‌السلام في ما رواه الصدوق أيضاً ». وللمزيد اُنظر شروح الكافي.

(١١) « فأكبّ عليه » أي أقبل إليه ، أو ألقى نفسه عليه. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ( كبب ).

(١٢) في « ب » : « عليه هشام ».

١٩٦

وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، وَغَدَا عَلَيْهِ(١) الدَّيَصَانِيُّ ، فَقَالَ لَهُ(٢) : يَا هِشَامُ ، إِنِّي جِئْتُكَ مُسَلِّماً ، وَلَمْ أَجِئْكَ مُتَقَاضِياً لِلْجَوَابِ ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ : إِنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَقَاضِياً ، فَهَاكَ(٣) الْجَوَابَ.

فَخَرَجَ الدَّيَصَانِيُّ عَنْهُ(٤) حَتّى أَتى بَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا قَعَدَ ، قَالَ لَهُ(٥) : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « مَا اسْمُكَ؟ » فَخَرَجَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ؟ قَالَ : لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ : عَبْدُ اللهِ ، كَانَ يَقُولُ : مَنْ هذَا الَّذِي أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ؟ فَقَالُوا لَهُ : عُدْ إِلَيْهِ ، وَقُلْ لَهُ : يَدُلُّكَ عَلى مَعْبُودِكَ ، وَلَا يَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ.

فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ(٦) لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، وَلَا تَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « اجْلِسْ » وَإِذَا غُلَامٌ لَهُ(٧) صَغِيرٌ ، فِي كَفِّهِ بَيْضَةٌ يَلْعَبُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ(٨) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « نَاوِلْنِي يَا غُلَامُ(٩) الْبَيْضَةَ » ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ لَهُ(١٠) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا دَيَصَانِيُّ ، هذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ(١١) ، لَهُ(١٢) جِلْدٌ غَلِيظٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ‌

__________________

(١) في التوحيد : « إليه ». و « غدا عليه » أي : جاءه غَدْوَةً ، وهي أوّل النهار ؛ أو هي ما بين صلاة الغداة وطلوع‌الشمس ، ثمّ عمّ. اُنظر :النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٤٦ ؛المغرب ، ص ٣٣٦ ( غدو ).

(٢) في التوحيد والوافي : - « له ».

(٣) « ها ، هاءْ ، هاءَ ، هاك » كلّها اسم فعل بمعنى خُدْ. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٤٨.

(٤) في التوحيد : + « فأخبر أنّ هشاماً دخل على أبي عبداللهعليه‌السلام فعلّمه الجواب ، فمضى عبدالله الديصاني ».

(٥) في الوافي : - « له ».

(٦) في « بس ، بف » والوافي : « وقال ».

(٧) في « بح » : « له غلام ». وفي « بر » : - « له ».

(٨) في « ب ، بر ، بس ، بف » وشرح المازندراني والوافي والتوحيد : - « له ».

(٩) في « بر » وشرح المازندراني والوافي : « يا غلام ناولني ».

(١٠) في « ب ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي والتوحيد : - « له ».

(١١) « مكنون » : صفة حصن باعتبار المتعلّق ، أي مستور ما فيه ، أو مكنون فيه ومصون من جميع جوانبه لا فرجة فيه ولا باب له. من كننتُ الشي‌ء ، أي سترته وصُنته. ويحتمل الإضافة ، أي حصن أمر مكنونٍ. اُنظر :شرح صدر المتألهين ، ص ٢٢٣ ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٥٢ ؛الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢١٨٩ ( كنن ).

(١٢) في « بر » : « وله ».

١٩٧

الْغَلِيظِ جِلْدٌ رَقِيقٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِيقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ ، وَفِضَّةٌ ذَائِبَةٌ ، فَلَا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ ، وَلَا الفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ ، فَهِيَ(١) عَلى حَالِهَا ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ صَلَاحِهَا(٢) ، وَلَا دَخَلَ فِيهَا مُفْسِدٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ فَسَادِهَا ، لَايُدْرى(٣) لِلذَّكَرِ(٤) خُلِقَتْ أَمْ لِلْأُنْثى ، تَنْفَلِقُ(٥) عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِيسِ ، أَتَرى لَهَا مُدَبِّراً؟ ».

قَالَ(٦) : فَأَطْرَقَ(٧) مَلِيّاً(٨) ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ ، وَ(٩) أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّكَ إِمَامٌ وَ(١٠) حُجَّةٌ مِنَ اللهِ عَلى خَلْقِهِ ، وَأَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ(١١) .

٢٢٠/ ٦. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ(١٢) :

__________________

(١) في « بر » : « وهي ». وفي التوحيد : « هي ».

(٢) في « بس » والتوحيد : « إصلاحها ».

(٣) في « بح » وحاشية « ف » : « ولا يدرى ».

(٤) في شرح المازندراني : « أللذكر ».

(٥) « تنفلق » أي تنشقّ ، ضُمّن معنى الكشف فعدّي بعن ، أي تنشقّ كاشفة عن حيوان له ألوان الطواويس. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٥٤ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٣٢٢.

(٦) في « بف » : « وقال ». وفي « بر » : - « قال ».

(٧) في « بر » : + « رأسه ». و « أطرق الرجل » أي سكت فلم يتكلّم ، وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض. فالمعنى : سكت ناظراً إلى الأرض. اُنظر :الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥١٥ ( طرق ).

(٨) « المـَلِيّ » : الطائفة من الزمان لاحدّ لها. يقال : مضى مليّ من النهار ومن الدهر أي طائفة منه.النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٦٣ ( ملو ).

(٩) في « ب ، ف » وحاشية « ج ، ض » وشرح المازندراني : و « أشهد ».

(١٠) في « بف » : - « و ».

(١١)التوحيد ، ص ١٢٢ ، ح ١ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم. وراجع :التوحيد ، ص ١٣٠ ، ح ٩الوافي ، ج ١ ، ص ٣١٩ ، ح ٢٥٤.

(١٢) في « ب ، ض ، و ، بح ، بر » : « العبّاس بن عمرو الفقيمي » وفي « بف » : « عبّاس بن عمر الفقيمي ».

هذا ، والظاهر أنّ العبّاس هذا ، هو العبّاس بن عمرو الفُقَيمي الذي روى عنه إبراهيم بن هاشم فيالأمالي للصدوق ، ص ١٧٥ المجلس ٣٨ ، ح ١ ؛ وعلل الشرائع ، ص ١٢٠ ، ح ٣ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ٨ ، ح ١ ؛ والتوحيد ، ص ٦٠ ، ح ٨ ؛ وص ١٦٩ ، ح ٣ ؛ وص ٢٩٣ ، ح ٢.=

١٩٨

عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي أَتى أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام وَكَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « لَا يَخْلُو قَوْلُكَ : « إِنَّهُمَا اثْنَانِ » مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّاً وَالْآخَرُ ضَعِيفاً ، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ ، فَلِمَ لَايَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَيَتَفَرَّدَ(١) بِالتَّدْبِيرِ(٢) ؟ وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ ، وَالْآخَرَ ضَعِيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ ؛ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي.

فَإِنْ قُلْتَ : إِنَّهُمَا اثْنَانِ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ(٣) ، أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ(٤) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ(٥) ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً ، وَالْفَلَكَ جَارِياً ، وَالتَّدْبِيرَ وَاحِداً ، وَاللَّيْلَ(٦) وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ.

ثُمَّ يَلْزَمُكَ - إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ - فُرْجَةٌ مَّا بَيْنَهُمَا حَتّى يَكُونَا اثْنَيْنِ ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَيْنَهُمَا ، قَدِيماً مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ ، فَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلَاثَةً ، لَزِمَكَ مَا قُلْتُ(٧) فِي الِاثْنَيْنِ حَتّى يَكُونَ(٨) بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ(٩) ، فَيَكُونُوا‌........................................

__________________

=و « الفُقَيمي » : منسوب إلى فقيم بن دارم بن مالك بن حنظلة. وقيل : فُقَيم بن جرير بن دارم. راجع :اللباب في تهذيب الأنساب ، ج ٢ ، ص ٤٣٧.

(١) في « ب ، ض » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : « ينفرد ». وقوله : « يتفرّد » إن كان مرفوعاً ، فهوعطف على المنفيّ ، أي لايتفرّد. وفسّره الشيرازي بما يقتضي نصبه ، أي حتّى يتفرّد. ويجوز أن يكون الواو واوَ المعيّة. راجع :النحو الوافي ، ج ٤ ، ص ٣٥٦.

(٢) في حاشية « ج » : + « والربوبيّة » وفي الاحتجاج : « وينفرد بالربوبيّة ».

(٣) في « بر » وحاشية : « بح » والوافي : « وجه ».

(٤) في « ألف ، ب » : « متفرّقين ».

(٥) فيمرآة العقول : « في بعض النسخ : من جهة ».

(٦) في التوحيد ، ص ٢٤٣ والاحتجاج : « واختلاف الليل » بدل « والتدبير واحداً والليل ». واعلم أنّ المفعول الثاني بعد كلمة « القمر » محذوف وهو « تتعاقب » مثلاً أو « متعاقباتٍ ».

(٧) في « ب ، بح » وحاشية « بر ، بف » : « قلته ». وفي التوحيد ، ص ٢٤٣ : « قلنا ». وما قاله الإمامعليه‌السلام هو لزوم وجودالمثنِّي والمميّز ، فلابدّ هنا من وجود المثلِّث وهو عبارة عن الفرجتين ، فالمراد بالفرجة هو جنس الفرجة.

(٨) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي ومرآة العقول والتوحيد ، ص ٢٤٣. وفي المطبوع وشرح المازندراني : « تكون ».

(٩) في مرآة العقول : « فرجتان ».

١٩٩

خَمْسَةً(١) ، ثُمَّ يَتَنَاهى(٢) فِي الْعَدَدِ إِلى مَا لَانِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ ».

قَالَ هِشَامٌ : فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ(٣) : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ(٤) ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ دَلَّتْ(٥) عَلى أَنَّ(٦) صَانِعاً صَنَعَهَا ، أَلَا تَرى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلى بِنَاءٍ(٧) مُشَيَّدٍ(٨) مَبْنِيٍّ ، عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِياً وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ؟ » قَالَ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ : « شَيْ‌ءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ ؛ ارْجِعْ(٩) بِقَوْلِي(١٠) إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً ، وَأَنَّهُ شَيْ‌ءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاجِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ(١١) ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لَاتُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ(١٢) ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ »(١٣) .

__________________

(١) في التوحيد ، ص ٢٤٣ : « فرجتان فيكون خمساً » بدل « فرجة فيكونوا خمسة ».

(٢) في « ج ، بس ، بف » : « تتناهى ».

(٣) في « ب » : + « له ».

(٤) فيمرآة العقول : « قوله : فما الدليل عليه ؛ يعني بما ذكرت قد ثبت وحدة المبدأ الأوّل للعالم على تقدير وجوده ، فما الدليل على وجوده؟ ». ونحوه فيحاشية ميرزا رفيعا ، ص ٢٦٦.

(٥) كذا في النسخ التي قوبلت ، والتأنيث هو باعتبار المضاف إليه وهو جمع الجمع ، أو باعتبار أنّ لكلّ فعل‌وجوداً.

(٦) في « بح » : + « لها ».

(٧) « البناء » مصدر بمعنى المبنيّ ، فذكر المبنيّ تأكيد له ، أو إخراج لغير معنى المبنيّ مثل المعنى المقابل للهدم. أو المعنى : مبنيّ لإنسان لا الأبنية التي تكون في الجبال. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٦٥ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٧٤.

(٨) « المـَشِيد » : المعمول من الشِيد ، وهو كلّ شي‌ء طلَيْتَ به الحائط من جصّ ، أو ملاط ، و « المـُشَيَّد » : المطوّل ؛ يعني : إذا نظرت إلى بناء محكم مبنيّ من آلات مثل الجصّ والأحجار وغيرها. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٩٥ ( شيد ) ؛شرح المازندراني ، ج ٣ ، ص ٦٥.

(٩) في « ض » : « أرجِعُ ». وفيمرآة العقول : « قوله : ارجع ، على صيغة الأمر أو المتكلّم وحده ».

(١٠) في التوحيد ، ص ١٠٤ و ٢٤٣ والمعاني والاحتجاج : + « شي‌ء ».

(١١) في الوافي : - « ولايجسّ ». وقوله : « لايجسّ » أي لايُمَسّ باليد. يقال : جسّه بيده ، أي مسّه. واحتمل الفيض‌كونه بمعنى لايُتَفَحَّصُ عنها. يقال : جسستُ الأخبار ، أي تفحَّصتُ عنها. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ٩١٣ ( جسس ).

(١٢) في شرح المازندراني : « في بعض النسخ : ولا تدركه الأوهام ، بالواو ، وهو أظهر ».

(١٣) الحديث طويل ، قطّعه الكليني ، وأورد صدره هنا ، وذكر تتمّة الحديث في ثلاث مواضع اخرى من الكافي=

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722