الاصول من الكافي الجزء ١

الاصول من الكافي8%

الاصول من الكافي مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 722

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 722 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 291278 / تحميل: 10249
الحجم الحجم الحجم
الاصول من الكافي

الاصول من الكافي الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

ملاحظة

هذا الكتاب

طبع ونشر الكترونياً وأخرج فنِيّاً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلميّة في الشبكة

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ ‌(١)

الْحَمْدُ لِلّهِ الْمَحْمُودِ لِنِعْمَتِهِ(٢) ، الْمَعْبُودِ لِقُدْرَتِهِ(٣) ، الْمُطَاعِ فِي سُلْطَانِهِ(٤) ، الْمَرْهُوبِ لِجَلَالِهِ(٥) ، الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ ، النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي جَميعِ خَلْقِهِ ؛ عَلَا فَاسْتَعْلى(٦) ، ودَنَا فَتَعَالى(٧) ، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ(٨) ؛ الَّذي لَابَدْءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَلَاغَايَةَ لِأَزَلِيَّتِهِ ، القَائِمُ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ ، وَالدَّائِمُ الَّذِي بِهِ قِوَامُهَا ، وَالْقَاهِرُ الَّذِي لَا يَؤُودُهُ حِفْظُهَا(٩) ، وَالْقَادِرُ الَّذِي‌

__________________

(١) في « ج ، ف » : + « وبه ثقتي ». وفي « ألف ، بس ، بف ، ض » : + « وبه نستعين ».

(٢) في « ألف ، ب ، بح ، بس » وحاشية « ض ، بر » وشرح المازندراني : « بنعمته ».

(٣) في « بح ، بس » وحاشية « ض ، بر » : « بقدرته ». واللام في قوله : « لقدرته » لام التعليل ، أي يعبده العابدون لكونه قادراً على الأشياء فاعلاً لما يشاء في حقّهم ، فيعبدونه إمّا خوفاً وطمعاً ، أو إجلالاً وتعظيماً.الرواشح ، ص ٢٨.

(٤) فيمرآة العقول : « قوله : في سلطانه ، أي فيما أراده منّا على وجه القهر والسلطنة ، لا فيما أراده منّا وأمرنا به على وجه الإقدار والاختيار ؛ أو بسبب سلطنته وقدرته على ما يشاء ». وللمزيد راجع :حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٣١ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤.

(٥) في « ب ، بح ، بر » وحاشية « ض » والرواشح وحاشية ميرزا رفيعا : « بجلاله ».

(٦) الاستعلاء : مبالغة في العلوّ ، أو بمعنى إظهاره ، أو للطلب. والمعنى على الأوّل : علا في رتبته عن رتبة المخلوقين ، فاستعلى وتنزّه عن صفات المخلوقين. وعلى الثاني : كان عالياً من الذات والصفات فأظهر علوّه بالإيجاد. وعلى الثالث لابدّ من ارتكاب تجوّز ، أي طلب من العباد أن يعدّوه عالياً ويعبدوه. راجع :الرواشح ، ص ٣١ ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٦ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٥.

(٧) في حاشية « ف » : « فتدلّى ».

(٨) المنظر : المصدر ، وما يُنْظَر إليه ، والموضع المرتفع. والمعنى أنّه تعالى ارتفع عن أنظار العباد ، فلا يصل إليه نظر النظّار وسير الأفكار ؛ أو عن كلّ ما يمكن أن ينظر إليه. قال العلّامة المجلسي : « ويخطر بالبال معنى لطيف ، وهو أنّ المعنى أنّه تعالى لظهور آثار صنعه في كلّ شي‌ء ظهر في كلّ شي‌ء ، فكأنّه علا وارتفع عليه ، فكلّ ما نظرت إليه فكأنّك وجدت الله عليه » وقيل غير ذلك. راجع :شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٧ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٦.

(٩) « لا يؤوده حفظهما » أي لا يثقله ولا يتبعه ولا يشقّ عليه حفظ الأشياء ، يقال : آده الأمر يؤوده ، إذا أثقله وبلغ=

٣

بِعَظَمَتِهِ تَفَرَّدَ بِالْمَلَكُوتِ ، وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ بِالْجَبَرُوتِ ، وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ.

اِخْتَرَعَ(١) الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً(٢) بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ(٣) ، لَامِنْ شَيْ‌ءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ؛ فَلَا يَصِحَّ الْابْتِدَاعُ. خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّداً(٤) بِذلِكَ ؛ لِإِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ.

لَا تَضْبِطُهُ(٥) الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ.عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ.(٦)

احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ(٧) ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ(٨) ،

__________________

=منه المشقّة. راجع :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٤٢ ؛لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٧٤ ( أود ).

(١) الاختراع والابتداع لفظان متقاربان في المعنى ، وهو إيجاد الشي‌ء لا عن أصل ولا على مثال ولا لعلّة مادّية أوفاعليّة ، وكثر استعمال الاختراع في الأوّل والابتداع في الثاني ، فلو كان الإيجاد على مثال لبطل الاختراع ، ولو كان لعلّة لبطل الابتداع. وللمزيد راجع :الرواشح ، ص ٣٥ - ٣٩ ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٣٢ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٩ - ١٠.

(٢) هكذا في أكثر النسخ ، لكن في « بو » : « ابتدعها ابتداعاً » ، وفي رواية عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : « ومبتدعها ابتداعاً ». اُنظر :الكافي ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصورة والجسم ، ح ٢٨٧.

(٣) في « بح » : « وبحكمته ».

(٤) في حاشية « بر » : « فتَوَحَّد ».

(٥) في حاشية « بح » : « لا تطيقه ».

(٦) قال السيّد الداماد فيالرواشح ، ص ٤١ : « أي ضلّ في طريق نعته نعوت الناعتين وصفات الواصفين بفنون تصاريفها وأنحاء تعبيراتها ، أي كلّما حاولوا أن يصفوه بأجلّ ما عندهم من صور الصفات الكماليّة ، وأعلى ما في عقولهم من مفهومات النعوت الجمالية ، فإذا نظروا إليه وحقّقوا أمره ظَهَرَ لهم أنّ ذلك دون وصف جلاله وإكرامه وسوى نعوت جماله وإعظامه ، ولم يصفوه بما هو وصفه ولم ينعتوه كما هو حقّه ، بل رجع ذلك إلى وصف أمثالهم وأشباههم من الممكنات ». ونحوه فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٧ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ١١ - ١٢.

(٧) في « ف » : « محجوبٌ و مستورٌ » بالرفع ، خبر لمبتدأ محذوف.

وقد ذكر أكثر شرّاحالكافي احتمالَي الرفع والجرّ في شروحهم ، ورجّحوا احتمال جَرِّه بالتوصيف كما هو رأي السيّد الداماد ، أو بالإضافة بمعنى اللام كما هو رأي الصدر الشيرازي. وقس عليه « مستور ».

(٨) في « ف » : « رويّة » بمعنى البرهان والنظر ، واستبعد ذلك فيمرآة العقول ، لكنّ بقيّة الشرّاح اعتمدوا كلمة « رويّة » في شروحهم وأشاروا إلى كلمة « رؤية » أثناء الشرح.

٤

وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلَّا اللهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ ، وَذَهَلَتِ(١) الْعُقُولُ أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ(٢) نِهَايَتِهِ ، لَايَبْلُغُهُ حَدُّ وَهْمٍ(٣) ، وَلَا يُدْرِكُهُ نَفَاذُ بَصَرٍ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(٤) .

اِحْتَجَّ عَلى خَلْقِهِ بِرُسُلِهِ(٥) ، وَأَوْضَحَ الْأُمُورَ بِدَلَائِلِهِ ، وَابْتَعَثَ(٦) الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ؛( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٧) ، وَلِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَن(٨) رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوهُ(٩) ؛ فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوِبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ بِالْإِلهِيَّةِ بَعْدَ مَا أَضَدُّوهُ(١٠) .

أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَشْفِي النُّفُوسَ ، وَيَبْلُغُ رِضَاهُ ، وَيُؤَدِّي شُكْرَ مَا وَصَلَ(١١) إِلَيْنَا مِنْ سَوَابِغِ النَّعْمَاءِ ، وَجَزِيلِ الْآلَاءِ ، وَجَميلِ الْبَلَاءِ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً وَاحِداً أَحَداً(١٢) صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عَبْدٌ(١٣) انْتَجَبَهُ ، وَرَسُولٌ(١٤)

__________________

(١) في « بح » : « ذَلَّت ».

(٢) يمكن أن يراد بالغاية المسافة ، ويمكن أن يراد بها النهاية ، وقد رجّح المجلسي المعنى الأوّل واستبعد الثاني. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ١٥ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٩.

(٣) فيالرواشح ، ص ٤٤ : « وفي بعض النسخ : عَدْوُ وَهْمٍ. وهو أبلغ وأحكم ». و « لا يبلغه حدّ وهم » أي حدّته ، أو نهاية معرفته ؛ لأنّ ما بلغه الوهم فهو ممكن ولا سبيل للإمكان في ساحة جنابه. وقيل غير ذلك.

(٤) في « ب » وحاشية « ج ، ض ، بر » : « البصير ».

(٥) في حاشية « ج ، ض » : « برسوله ».

(٦) في « ج ، ض ، ف » : « انبعث ». واختار ذلك صدر المتألّهين في شرحه ، حيث قال : « صيغة انبعث متعدّية إلى المفعول ، يقال : بعثه وانبعثه ، أي أرسله ». والظاهر أنّه من اشتباه باب الافتعال بباب الانفعال ، فتأمّل.

(٧) الأنفال (٨) : ٤٢.

(٨) في « ب ، بس » وحاشية « ج » : « من ».

(٩) في « ب ، ج ، بف » : « جهلوا ».

(١٠) فيحاشية بدر الدين ، ص ٣٣ : « هو بالصاد المهملة - أي صدّوه ، بمعنى منعوه حقّه من التوحيد - ولا يجوز أن يكون بالمعجمة ، ومعناه بالمعجمة : بعد ما أضدّوه ، أي جعلوا له ضدّاً ».

(١١) في حاشية « ج » : « أوصل ».

(١٢) في « ب ، ج ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : - « أحداً ».

(١٣) في « ج » وحاشية « بر » : « عبده ».

(١٤) في « ج » وحاشية « بر » : « رسوله ».

٥

ابْتَعَثَهُ(١) ، عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ(٢) مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ(٣) ، وَعَمىً عَنِ(٤) الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ(٥) مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ(٦) مِنَ الدِّينِ.

وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ والتِّبْيَانُ( قُرْءَاناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (٧) قَد بَيَّنَهُ لِلنّاسِ وَنَهَجَهُ(٨) ، بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَدِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَفَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَأُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَأَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَمَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ.

فَبَلَّغَصلى‌الله‌عليه‌وآله مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ(٩) ، وَأَدَّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَصَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَحَثَّهُمْ

__________________

(١) في « ج ، ف » وشرح صدر المتألّهين : « انبعثه ». وتقدّم التعليق على مثل ذلك.

(٢) « الهَجْعة » : نومة خفيفة من أوّل الليل ، وهي هاهنا بمعنى الغفلة والجهالة ، يقال : رجل هُجَع وهُجَعَة ومِهْجَع ، أي غافل أحمق. راجع :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٣٠٦ ( هجع ) ؛التعليقة للداماد ، ص ٥ ؛الرواشح ، ص ٤٥ وسائر الشروح.

(٣) « الإبرام » : إحكام الشي‌ء ، وأبرمتُ الأمرَ : أحكمتُه. وفي « ف » والرواشح : « البَرَم » بالتحريك. قال في‌الرواشح : « وفي نسخ جَمَّة : من المبرم. وهو الأصحّ ». اُنظر :الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٧٠ ( برم ) ؛الرواشح ، ص ٤٧.

(٤) في « بس ، بف » وحاشية « بح » : « من ».

(٥) « العَسَف » - بالتحريك - : الأخذ على غير طريق ، والقطع على غير هداية ، وكذلك التعسّف والاعتساف. والعَسْف - بالتسكين - : الظلم ، كما قاله الداماد ، وهكذا في اللغة بدون ضبط الحركات. والمراد هاهنا المعنى الأوّل كما هو ظاهر الشروح. اُنظر :الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٤٠٣ ؛لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٤٥ ( عسف ).

(٦) « الامتحاق » : ذهابُ خَيرِ الشي‌ء وبركتِهِ ونقصانُه ، من قولهم : محقه الله ، أي ذهب ببركته ؛ أو البطلانُ والمحو ، من قولهم : مَحَقه يَمْحَقُه مَحْقاً ، أي أبطله ومحاه ، وتمحّق الشي‌ء وامتحق ، أي بطل. والمراد هاهنا المعنى الثاني ، كما هو ظاهر الشروح. اُنظر :ترتيب كتاب العين ، ج ٣ ، ص ١٦٨٠ ؛الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٥٣ ( محق ).

(٧) الزمر (٣٩) : ٢٨.

(٨) في « بف » والمطبوع : « نَهَّجه ». والشرّاح قرأوها : نهجه - بالتخفيف - بمعنى أوضحه وأبانه ، أو سلكه. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٤٦ ( نهج ).

(٩) « صدع بما أُمر » أي أجهر به وتكلّم به جهاراً ، أو أظهره ، أو فرّق به بين الحقّ والباطل. والكلّ محتمل ، كما هو الظاهر من الشروح. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٢٤١ - ١٢٤٢ ؛لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٩٥ ( صدع ).

٦

عَلَى(١) الذِّكْرِ ، وَدَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى مِنْ بَعْدِهِ ، بِمَنَاهِجَ(٢) وَدَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا(٣) ، وَمَنَائِرَ(٤) رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا ؛ لِكَيْ لَايَضِلُّوا مِنْ بَعدِهِ ، وَكَانَ بِهِمْ(٥) رَؤُوفاً رَحِيماً.

فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، وَاستُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، تَوَفَّاهُ اللهُ وَقَبَضَهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ مَرْضِيٌّ عَمَلُهُ ، وَافِرٌ حَظُّهُ ، عَظِيمٌ(٦) خَطَرُهُ. فَمَضىصلى‌الله‌عليه‌وآله وَخَلَّفَ فِي أُمَّتِهِ كِتَابَ اللهِ ، وَوَصِيَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ، صَاحِبَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ ، يَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالتَّصْدِيقِ. يَنْطِقُ الْإِمَامُ عَنِ(٧) اللهِ فِي الْكِتَابِ بمَا أَوْجَبَ اللهُ فِيهِ عَلَى الْعِبادِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وطَاعَةِ الإِمَامِ وَوِلَايَتِهِ ، وَوَاجِبِ حَقِّهِ(٨) ، الَّذِي أَرَادَ مِنِ اسْتِكْمَالِ دِينِهِ ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ ، وَالْاحْتِجَاجِ بِحُجَجِهِ ، وَالْاسْتِضَاءَةِ(٩) بِنُورِهِ(١٠) ، فِي مَعَادِنِ أَهْلِ صَفْوَتِهِ ، وَمُصْطَفَيْ(١١) أَهْلِ خِيَرَتِهِ.

__________________

(١) في « بس » وحاشية « ج ، و » : « إلى ». قال في حاشية « ج » : « على تضمين معنى الدعوة ».

(٢) المراد بالمناهج كلّ ما يتقرّب به إليه سبحانه ، وبسبيلها دلائلها وما يوجب الوصول إليها. راجع :شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٩ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٢.

(٣) المراد بسبيل الهدى الطريقة الشرعيّة المقدّسة ، وبالمناهج والدواعي كتاب الله والعترةعليهم‌السلام ، وبتأسيس الأساس ورفع المنار نصب الأدلّة على ذلك. ويحتمل أن يراد بالمناهج الأوصياءعليهم‌السلام ، وبالدواعي الأدلّة الدالّة على خلافتهم. راجع :شرح صدر المتألّهين ، ص ٨ ؛حاشية بدر الدين ، ص ٣٤ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٥ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٢.

(٤) في « ج ، ض » وحاشية « بس » : « منار ». وفي « بح ، بس » وحاشية « ف ، بف » : « منابر ».

(٥) في « بس » : « وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله » بدل « وكان بهم ».

(٦) في « ف » : « وعظيم ».

(٧) في « ف » : « من ».

(٨) في « ف » : « وأوجب حقّه ». وفي حاشية « ج » : « وأوجب الحقّ ».

(٩) في « ألف ، ب ، ض ، بر ، بس ، بف » : « الاستضاء ».

(١٠) في « ألف » : « بأنواره ».

(١١) الأرجح أن تُقرأ : « مُصْطَفَيْ » عطفاً على « معادن ». واختار ذلك ميرداماد فيالرواشح ، ص ٤٩ ، وفي تعليقته علىالكافي ، ص ٣٧. بينما اختار الصدر الشيرازي إفرادها في شرحه على الكافي ، ص ٩. أمّا المازندراني والمجلسي فقد ذهبا إلى جواز الإفراد والجمع. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٨ ؛ ومرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٣.

٧

فَأَوْضَحَ(١) اللهُ تَعَالى بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ ، وَأَبْلَجَ(٢) بِهِمْ(٣) عَنْ سَبِيلِ مَنَاهِجِهِ ، وَفَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ ، وَجَعَلَهُمْ مَسَالِكَ(٤) لِمَعْرِفَتِهِ ، وَمَعَالِمَ(٥) لِدِينِهِ ، وَحُجَّاباً(٦) بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَالْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلى مَعْرِفَةِ حَقِّهِ ، وَ(٧) أَطْلَعَهُمْ(٨) عَلَى الْمَكْنُونِ مِنْ غَيْبِ سِرِّهِ.

كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إمَامٌ ، نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ(٩) إِمَاماً بَيِّناً ، وَهادِياً نَيِّراً ، وَإِمَاماً قَيِّماً ، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ(١٠) وبِهِ يَعْدِلُونَ. حُجَجُ اللهِ وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ ، يَدِينُ(١١) بَهَدْيِهِمُ(١٢) الْعِبَادُ ، وَتَسْتَهِلُّ(١٣) بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ. جَعَلَهُمُ(١٤) اللهُ(١٥) ‌....................................

__________________

(١) في « ب » : « وأوضح ».

(٢) « أبلج » إمّا لازم بمعنى أَنارَ وأضاء ، وإمّا متعدّ بمعنى أظهره وأوضحه وجعله مشرقاً أو واضحاً. والمراد هاهنا الثاني ، وعليه فكلمة « عن » زائدة للمبالغة في الربط والإيصال ، كما هو ظاهر الشروح. راجع :الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٠٠ ؛لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٢١٥ - ٢١٦ ( بلج ).

(٣) في « ب » : - « بهم ».

(٤) في حاشية « ج » : « مسالكاً ». قال السيّد الداماد : « التنوين في ( مسالكاً ) و ( معالماً ) - على ما في أكثر النسخ‌العتيقة المعوّل على صحّتها - للتنكير ، أي طائفة مّا من المسالك ومن المعالم ». اُنظر :الرواشح ، ص ٥٠ ؛التعليقة للداماد ، ص ٨.

(٥) في حاشية « ج » : « ومعالماً ». ومرّ التعليق عليها في الهامش المتقدّم.

(٦) « الحجّاب » جمع حاجب بمعنى البوّاب.لسان العرب ، ج ١ ، ص ٢٩٨ ؛القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٤٦ (حجب).

(٧) في « ألف ، ب ، ج ، ض ، ف ، بر ، بس ، بف » : - « و ».

(٨) في « و ، بف » : « اطّلعهم » بالتشديد.

(٩) هناك مَن قرأها « مَن عقّبه » - بالفتح - اسم موصول ، كما أشار لذلك المجلسي ، واستبعده فيمرآة العقول . أمّا المازندراني والصدر الشيرازي فقد احتملا ذلك أيضاً في شرحيهما.

(١٠) في « بح » : « إلى الحقّ ».

(١١) في « ألف ، و ، بس » : « تدين ».

(١٢) في « ألف ، بح ، بس » : « بهداهم ». ومعنى « بِهَدْيهِمْ » هو أن يسير بسيرتهم العباد ويطيعون الله ورسوله بسبب‌ هدايتهم وإرشادهم. ومعنى « بهداهم » هو أن يتعبّد العباد بهدايتهم. راجع :الرواشح ، ص ٥٢ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٢ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٤.

(١٣) في « ألف ، ب ، ج ، ف ، بح ، بف » والمطبوع : « يستهلّ ».

(١٤) في « بس » وحاشية « بف » : « وجعلهم ».

(١٥) في « ف » : - « الله ».

٨

حَيَاةً(١) لِلْأَنَامِ ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ ، وَدَعَائِمَ(٢) لِلْإِسْلَامِ. وَجَعَلَ نِظَامَ طَاعَتِهِ وَتَمَامَ فَرْضِهِ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا عُلِمَ ، وَالرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا جُهِلَ ، وَحَظُرَ(٣) عَلى غَيْرِهِمُ التَّهَجُّمَ(٤) عَلَى الْقَوْلِ بِمَا يَجْهَلُونَ ، وَمَنَعَهُمْ جَحْدَ مَا لَايَعْلَمُونَ ؛ لِمَا(٥) أَرَادَ(٦) - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنِ اسْتِنْقَاذِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ مُلِمَّاتِ(٧) الظُّلَمِ ، وَمَغْشِيَّاتِ(٨) الْبُهَمِ(٩) . وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً.

أَمَّا بَعْدُ ، فَقَد فَهِمْتُ يَا أَخِي مَا شَكَوْتَ مِنِ اصْطِلَاحِ(١٠) أَهْلِ دَهْرِنَا عَلَى الْجَهَالَةِ(١١) ، وَتَوَازُرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي عِمَارَةِ طُرُقِهَا ، وَمُبَايَنَتِهِمُ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ ، حَتّى كَادَ الْعِلْمُ مَعَهُمْ أَنْ‌

__________________

(١) في حاشية « ألف » : « حماة ».

(٢) في حاشية « ج » : « دعائماً ». وقد مرّت الإشارة إلى أنّ التنوين هنا للتنكير ، كما ذكر صاحب الرواشح فيها ، ص ٥٠ ، وفي تعليقته على الكافي ، ص ٨. (٣) في « بف » : « حظّر » بالتشديد.

(٤) « التهجّم » : تفعّل من الهجوم ، وهو الإتيان بغتةً والدخول من غير استيذان ؛ يعني حرم على غيرهم الدخول‌في الأمر بَغتة من غير رَوِيَّة وملاحظة. وقال السيّد الداماد : « وفي بعض النسخ بالعين مكان الهاء من العُجْمة - بالضمّ والتسكين - وهي اللُكنة في اللسان ، وعدم القدرة على الكلام ، وعدم الإفصاح بالعربيّة ». راجع :المغرب ، ص ٥٠٠ ،القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٣٧ ( هجم ) ؛الرواشح ، ص ٥٣.

(٥) في « ج » : « لَمّا ». أي يمكن أن تقرأ « لَمّا » أو « لِما ».

(٦) في « بس » : + « الله ».

(٧) « الملمّات » جمع الملمّة بمعنى النازلة الشديدة من شدائد الدهر ونوازل الدنيا ، من الإلمام بمعنى النزول ، يقال : قد ألمّ به ، أي نزل به.الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢٠٣٢ ؛لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٥٥٠. ( لمم ).

(٨) هكذا في « ج ، ف ، بح ، بر ، بف ، بل ، بو ، جح ، جل ، جم » وظاهر مرآة العقول والمطبوع. وفي « بس » : « مغيّبات ». وفي « ب ، ض ، يد » : « مُغَشَّيات » أي اسم المفعول من التفعيل ، كما هو الاحتمال الآخر في المرآة. وظاهر شرحي الصدر الشيرازي والمازندراني : « مُغْشِيات » وهو اسم فاعل من باب الإفعال.

(٩) « البُهَم » - كصرد - جمع بُهمة - بالضمّ - وهو الأمر الذي لا يُهتدى لوجهه ، أو كلام مبهم لا يعرف له وجه يؤتى منه ، أي الأُمور المشكلة التي خفي على الناس ما هو الحقّ فيها وستر عنهم ، والمراد بها الفتن ، كما هو ظاهر الشروح وتساعده اللغة. راجع :النهاية ، ج ١ ، ص ١٦٨ ؛لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٥٧ ( بهم ).

(١٠) في حاشية « بح » : « إصلاح ».

(١١) اصطلاحهم على الجهالة : تصالحهم وتراضيهم وتوافق آرائهم عليها ، ومحبّتهم لأهلها ، واجتماع كلمتهم فيها ، واستحسانهم إيّاها. راجع :شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٧ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥.

٩

يَأْرِزَ(١) كُلُّهُ ، وَتَنْقَطِعَ(٢) مَوَادُّهُ ؛ لِمَا قَدْ رَضُوا أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْجَهْلِ ، وَيُضَيِّعُوا الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ.

وَسَأَلْتَ : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَالتَّدَيُّنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إذْ(٣) كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الدِّينِ ، مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ عَلى جِهَةِ الْاسْتِحْسَانِ(٤) وَالنُّشُوءِ(٥) عَلَيْهِ ، والتَّقْلِيدِ لِلْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ وَالْكُبَرَاءِ ، وَالْاتِّكَالِ عَلَى عُقُولِهِمْ فِي دَقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلِيلِهَا؟

فَاعْلَمْ يَا أَخِي - رَحِمَكَ اللهُ - أَنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - خَلَقَ عِبَادَهُ خِلْقَةً مُنْفَصِلَةً مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفِطَنِ(٦) وَالْعُقُولِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِمْ ،.........................................

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ. وفي المطبوع وحاشية « ج ، ض » : « يأزر » بمعنى يضعف. وفي « ض ، بر » وحاشية اُخرى لـ « ج » وحاشية « بح » : « يأرن » بمعنى يهلك وينعدم.

وهذه الجملة إشارة واقتباس من الخطبة المنقولة في الكافي ، كتاب الحجة ، باب نادر في حال الغيبة ، ح ٨٩٠ ؛ وباب الغيبة ، ح ٩٠٣ ، عن عليّعليه‌السلام . وفي كلتا الروايتين « يأرز » بتقديم المهملة.

استظهر المجلسي تقديم المهملة على المعجمة ، أي « يأرز ». ولم يستبعد المازندراني العكس. وأمّا السيد الداماد والصدر الشيرازي فقد أورداها بتقديم الراء على الزاي. قال المازندراني : « أن يأرز كلّه - بتقديم الراء المهملة على المنقوطة - أي يجتمع كلّه في زاوية النسيان ، من أرزت الحيّة إلى جحرها : إذا انضمّت إليها واجتمع بعضها إلى بعض فيها ». اُنظر :التعليقة للداماد ، ص ١٠ ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ٩ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٧ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥ ؛الصحاح ، ج ٣ ، ص ٨٦٤ ؛النهاية ، ج ١ ، ص ٣٧ ( أرز ).

(٢) في « ج ، ف ، بف » : « ينقطع ».

(٣) هكذا في « ج ، ض ، بر ، بس ، بف » وحاشية « ف ». وفي « ب ، ف ، بح » والمطبوع : « إذا ».

(٤) في حاشية « بح » : « الامتحان ».

(٥) في « الف ، ج ، ف ، بح ، بس ، بف » وحاشية « ض » : « السبق ». وفي « و » وحاشية « ب ، بح ، بف » : « النشق » بمعنى الدخول في أمر لا يكاد التخلّص منها. وفي « ض » وحاشية « بس » : « النَشْو ». وقد ذكر شرّاح الكافي هذه الاحتمالات ، ورجّح الصدر الشيرازي « السبق » ورجّح المازندراني والمجلسي كلمةَ « نشوء » إمّا بفتح النون على وزن فَعل ، أو بالضمّ على وزن فعول ؛ من قولهم : نشأ الصبي ينشأ نَشْأً ونُشُوءً : إذا كبر وشبّ ولم يتكامل. انظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٩ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥ - ١٦.

(٦) في « ألف ». « الفطرة » وفي « بس » : « الفِطَر » جمع فطرة. وفي حاشية « ج » : « النطق ». واعلم أنّ الصدر الشيرازي‌جعل « الفِطَر » أولى ممّا في المتن ؛ حيث قال : « وفي بعضها - أي النسخ - : الفطر - بالراء - جمع الفطرة وهذه =

١٠

مُحْتَمِلَةً(١) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَجَعَلَهُمْ(٢) - جَلَّ(٣) ذِكْرُهُ - صِنْفَيْنِ(٤) : صِنْفاً مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَصِنْفاً مِنْهُمْ(٥) أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ(٦) ؛ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ. فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلَانُ الْكُتُبِ(٧) وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ فَسَادُ(٨) التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ(٩) مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ لِئَلاَّ يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ ،

__________________

=أولى ؛ لأنّ الكلام في أصل الخلقة ، والفطنة والفطانة من الأمور العارضة ، ولأنّها أنسب بقوله : كلّ مولود يولد على الفطرة » ثمّ قال : « والظاهر أنّ الصورة الأولى - أي الفطن - من تصرّف الكتّاب ». راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠.

(١) في « ألف » وحاشية « ج » : « متحمّلة ».

(٢) في « ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بف » وحاشية « بس » : « خلقهم ». وفي « بس » : « فجعلهم ».

(٣) في « و ، بح ، بس » وحاشية « بف » : « علا ».

(٤) في « بس » : « على صنفين ».

(٥) في « ب » : + « من ».

(٦) « الزَمانَة » هو المرض الذي يدوم زماناً ، والضرر مثْله. انظر :المغرب ، ص ٢١ ؛المصباح المنير ، ص ٢٥٦ ( زمن ) ؛لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٤٨٣ ( ضرر ). وقال السيّد الداماد : « المراد بأهل الضرر مكفوفو البصر ، قال في الصحاح : رجل ضرير ، أي ذاهب البصر ». وقال صدر المتألّهين : « كأنهم ضرائر وزمناء في الجوهر الباطني ، والأوّل إشارة إلى قصور القوّة النظريّة التي يقال لها : العقل النظري ، والثاني إلى اختلال القوّة العمليّة التي يقال لها : العقل العملي ». وقيل غير ذلك. راجع :الرواشح ، ص ٥٥ ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٠ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٦.

(٧) في حاشية « ج » : + « الإلهية ».

(٨) في « بس » : + « أهل ».

(٩) في حاشية « ج » : « أن يحصر ». واختار السيد الداماد ذلك ، وجعله أَوْلى من اختيار بعض ل- « يخصّ » واختياربعضٍ آخر لـ « يحضّ ». فيكون المعنى : أنّ الأمر والنهي حاصران للخلق ، والخلقُ محصورون بهما. ويؤيّد ذلك قوله فيما بعد : « فكانوا محصورين بالأمر والنهى ». انظر :الرواشح ، ص ٥٦ ؛التعليقة للداماد ، ص ١١ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٣.

١١

وَيُوَحِّدُوهُ ، ويُقِرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ ؛ إِذ شَوَاهِدُ رُبُوبِيَّتِهِ دَالَّةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَحُجَجُهُ نَيِّرَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَأَعْلَامُهُ لَائِحَةٌ تَدْعُوهُمْ(١) إِلى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَشْهَدُ عَلى أَنْفُسِهَا لِصَانِعِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلهِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ(٢) ، وَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ(٣) ، فَنَدَبَهُمْ إِلى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِئَل َّ ا يُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَجْهَلُوهُ وَيَجْهَلُوا دِينَهُ وَأَحْكَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يُبِيحُ الْجَهْلَ بِهِ وَالْإِنْكارَ لِدِينِهِ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٤) ، وَقَالَ :( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) (٥) ، فَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، مَأْمُورِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ ، غَيْرَ مُرَخَّصٍ(٦) لَهُم فِي الْمُقَامِ عَلَى الْجَهْلِ ؛ أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ :( فَلَوْ لَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ (٧) ) (٨) ، وَقَالَ :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٩) .

فَلَوْ كَانَ يَسَعُ أَهْلَ الصِّحَّةِ والسَّلَامَةِ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهْلِ ، لَمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ(١٠) يَحْتَاجُ إِلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ وَالْآدَابِ ، وَكَانُوا(١١) يَكُونُونَ عِندَ ذلِكَ بِمَنْزِلةِ الْبَهَائِمِ ، وَمَنْزِلةِ(١٢) أَهْلِ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ،

__________________

(١) علّق السيد الداماد على قول الكليني : تدعوهم إلى آخره ، بقوله : خبرُ كلٍّ من « شواهد ربوبيّته » و « حججه » و « أعلامه ». وأمّا « دالَّةٌ ظاهرة » و « نيّرة واضحة » و « لائحة » فمنصوبات على الحالية. انظر :الرواشح ، ص ٥٧.

(٢) في « بس » : « صنعته ».

(٣) في « ج » : « تدبّره ».

(٤) الأعراف (٧) : ١٦٩.

(٥) يونس (١٠) : ٣٩.

(٦) في « بر » : « غير مرخِّص » بكسر الخاء ، والصدر الشيرازي أيضاً ضبطها بكسر الخاء. والمازندراني ذكر جوازفتح الخاء وكسرها. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ١١ ؛شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٥٠.

(٧) في « ألف ، ب ، ف » : +( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) .

(٨) التوبة (٩) : ١٢٢.

(٩) النحل (١٦) : ٤٣ ؛ الأنبياء (٢١) : ٧.

(١٠) في حاشية « ج » : « لما كان ».

(١١) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بس » وحاشية « بف ». وفي « بف » : « فكانوا ». وفي « الف ، بر » والمطبوع : « وكادوا ».

(١٢) في « بج ، بد ، بر ، بو » وشرح صدر المتألّهين : « وبمنزلة ».

١٢

وَلَوْ(١) كَانُوا كَذلِكَ ، لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلَّا بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْآلَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ.

فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ(٢) الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللهُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ(٣) كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِماً ، وَالْعُمْرُ يَسِيراً ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ.

وَالشَّرْطُ مِنَ اللهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُوداً عِنْدَ رَبِّهِ ، مُسْتَوْجِباً(٤) لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لَايَدْرِي مَا يُؤدِّي ، وَلَايَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي ، وَإذا كانَ جَاهِلاً ، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى ، وَلَا مُصَدِّقاً ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَايَكُونُ مُصَدِّقاً حَتّى يَكُونَ عَارِفاً بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ(٥) غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لَايَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ(٦) وَالتَّقَرُّبِ(٧) مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ(٨) الْمُسْتَيْقِنِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٩) فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً.

وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ - المـُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة - إِلَى اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ‌

__________________

(١) في حاشية « ج » : « فلو ».

(٢) في « ألف » وحاشية « ج ، بس » : « المتديّن ». وفي « بس » : « المدبّر ».

(٣) في « ج » : « إذا ».

(٤) في « ف » : « ومستوجباً ».

(٥) في « ج ، بس ، بف » وحاشية « بح » : « في ».

(٦) في « ب » : « الخشوع ».

(٧) في « ض » : « القرب ».

(٨) في « بس ، بف » : « الغالب ».

(٩) الزخرف (٤٣) : ٨٦.

١٣

عَلَيْهِ ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ(١) عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لَايَكُونَ(٢) مِمَّنْ وَصَفَهُ اللهُ ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ (٣) فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ اُنقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (٤) ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ.

وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ(٥) عليه‌السلام : « مَنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ بِعِلْمٍ ، ثَبَتَ(٦) فِيهِ ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ »(٧) .

وَقَالَعليه‌السلام : « مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَوَات اللهِ عَلَيْه وَآلِهِ - زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، رَدَّتْهُ الرِّجَالُ »(٨) .

__________________

(١) في « ألف » : « ردّه ».

(٢) هكذا في « ألف ، ض ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « كي لا يكونوا ». والكلام في « الشاكّ » فناسب إفرادالضمير.

(٣) قال البيضاوي : « عَلى حَرْفٍ : على طرف من الدين لا ثبات له فيه ، كالذي يكون على طرف الجيش ، فإن‌أحسّ بظفر قَرَّ ، وإلّا فَرَّ ». راجع :تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ١٣٥.

(٤) الحجّ (٢٢) : ١١.

(٥) حمله الأعلام الثلاثة : السيّد الداماد والصدر الشيرازي والعلّامة المازندراني على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام بقرينة الإطلاق. وأمّا المجلسي فقد شكّك في كون لفظ العالم دالّاً على الإمام الكاظم ؛ لذا فقد فسّره بالمعصوم وقال : « وتخصيصه بالكاظمعليه‌السلام غير معلوم ». انظر :التعليقة للداماد ، ص ١٤ ؛الرواشح السماوية ، ص ٥٩ ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ١٤ ،شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٥٣ ،مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٩.

(٦) في « ف » : « يثبت ».

(٧)بصائر الدرجات ، ص ٥٣٠ ، ضمن ح ١ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام . وفيه : « من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة ، خرج منه كما دخل فيه ».

(٨) ورد نحوه عن الصادقعليه‌السلام فيالغيبة للنعماني ، ص ٢٢ ، وفيه : « من دخل في هذا الدين بالرجال ، أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ؛ ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة زالت الجبال قبل أن يزول » ؛ وفي تصحيح الاعتقاد للمفيد ، ص ٧٢ ؛ وروضة الواعظين ، ج ١ ، ص ٢٢ هكذا : « من أخذ دينه من أفواه الرجال ، أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة ، زالت الجبال ولم يزل ».

١٤

وَقَالَعليه‌السلام : « مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَتَنَكَّبِ(١) الْفِتَنَ(٢) ».(٣)

وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ(٤) عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْمَذَاهِبِ الم ـ ُسْتَشْنَعَةِ(٥) ، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا ، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللهِ تَعالى‌ وَخِذْلَانِهِ ، فَمَنْ أَرَادَ اللهُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً ، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ وَآلِهِ - بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي. وَمَنْ أَرَادَ اللهُ خِذْلَانَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَاراً مُسْتَوْدَعاً(٦) - نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ - سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - أَتَـمَّ إِيمَانَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِناً وَيُمْسِيَ كَافِراً ، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِناً وَيُصْبِحَ كَافِراً ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيراً مِن الْكُبَرَاءِ ، مَالَ مَعَهُ ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئاً اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُعليه‌السلام : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَّا أَنْبِيَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَّا أَوْصِيَاءَ(٧) ، وَأَعَارَ قَوْمَاً‌

__________________

(١) التنكّب عن الشي‌ء هو المـَيْل والعدول عنه ؛ يعني لا يقدر على العدول عنها ، ولا يأمن من الوقوع فيها.الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٢٨ ،النهاية ، ج ٥ ، ص ١١٢ ( نكب ).

(٢) في حاشية « بح » : « لم يركب اليقين ».

(٣)المحاسن ، ص ٢١٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٠٤ ، وفيه : « من لم يعرف الحقّ من القرآن » ؛تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ١ ، وفيهما عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

(٤) « انبثقت » أي هجمت ، يقال : انبثق الأمر على الناس ، أي هجم عليهم من غير أن يشعروا. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٣ ( بثق ). وفي « و » : « انْتَقَبَ » بمعنى غطّت وجهها وشدّت نقابها. وفي « ألف » : « انبعثت ». وفي حاشية « ألف » : « انسبقت » بمعنى طالت.

(٥) « المستشنع » : الفظيع القبيح. راجع :لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٨٦ ( شنع ). وفي « ألف » وحاشية « ج » : «المتشنّعة ». وفي حاشية « بر » : « المتشعّبة ». (٦) في « بف » : « مستعاراً ».

(٧) فيالكافي ، ح ٢٩٢٨ : « وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّامؤمنين » بدل « وخلق الأوصياء ». وقال=

١٥

إِيمَانَاً ، فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لَهُمْ ، وإِنْ شَاءَ سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ » ، قالَ(١) : « وَفِيهِمْ جَرى قَوْلُهُ تَعَالى :( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (٢) ».(٣)

وَذَكَرْتَ أَنَّ أُمُوراً قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ ، لَاتَعْرِفُ حَقَائِقَهَا ؛ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا ، وَأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوايَةِ فِيهَا لِاخْتِلَافِ عِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا ، وَأَنَّكَ لَاتَجِدُ بِحَضْرَتِكَ مَنْ تُذَاكِرُهُ وَتُفَاوِضُهُ(٤) مِمَّنْ تَثِقُ(٥) بِعِلْمِهِ فِيهَا.

وَقُلْتَ : إِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِندَكَ كِتَابٌ كَافٍ يُجْمَعُ فِيهِ(٦) مِنْ جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ ، مَايَكْتَفِي بِهِ الْمُتَعَلِّمُ(٧) ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْتَرْشِدُ(٨) ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الدِّينِ وَالْعَمَلَ بِهِ بِالْآثارِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الصَّادِقِينَعليهم‌السلام وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ ، وَبِهَا يُؤَدَّى فَرْضُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَسُنَّةُ نَبيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وَقُلْتَ : لَوْ كَانَ ذلِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ(٩) سَبَباً يَتَدَارَكُ اللهُ تَعَالى بِمَعُونَتِهِ(١٠) وَتَوْفِيقِهِ إِخْوَانَنَا وَأَهْلَ مِلَّتِنَا ، وَيُقْبِلُ بِهِمْ إِلى مَرَاشِدِهِمْ(١١) .

__________________

‌=الشيخ علي الكبير في الدرّ المنظوم : « وهذا أنسب بما ذكره المصنّفرحمه‌الله هنا ، فإنّه دالّ على من إيمانهم ثابت ، وهو القسم الذي ذكره ؛ والحديث المنقول هنا ليس فيه ذكر ثابتي الإيمان الذين هم غير الأنبياء والأوصياء ؛ فتأمّل. ويمكن أن يكون مراده الاستشهاد على المعارين فقط. و « المؤمنون » في الحديث لا يبعد أن يكون المراد بهم الأوصياء ، أو ما يشمل غيرهم ».

(١) في حاشية « بف » : « فقال ».

(٢) الأنعام (٦) : ٩٨.

(٣)الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المعارين ، ح ٢٩٢٨ ، عن أبي الحسنعليه‌السلام مع زيادة في آخره ؛رجال الكشّي ، ص ٢٩٦ ، ح ٥٢٣ ، عن أبي الحسنعليه‌السلام مع اختلاف يسير.

(٤) في حاشية « ج ، بح ، ض » : « تعارضه ». و « المفاوضة » : المحادثة والمذاكرة في العلم ، مفاعلة من التفويض بمعنى المشاركة والمساومة. راجع :النهاية ، ج ٣ ، ص ٤٧٩ ؛لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٢١٠ ( فوض ).

(٥) في « ج » : « ممّن يثق ».

(٦) في « ب ، ض ، بر ، بس ، بف » : - « فيه ».

(٧) في « بس » : « المعلّم ».

(٨) في « و » : « المرشد ».

(٩) في « ب » : - « ذلك ».

(١٠) في « و ، بس ، بح » وحاشية « ج » : « بمعرفته ». وفي حاشية « بس » : « بمعاونته ».

(١١) « المراشد » : جمع ليس له واحد من لفظه ، وهي المقاصد.لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٧٦ ( رشد ).

١٦

فَاعْلَمْ يَا أَخِي - أَرْشَدَكَ اللهُ - أَنَّهُ لَايَسَعُ أَحَداً تَمْيِيزُ(١) شَيْ‌ءٍ مِمَّا اخْتَلفَتِ(٢) الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنِ(٣) الْعُلَمَاءِعليهم‌السلام بِرَأْيِهِ ، إِلَّا عَلى(٤) مَا أَطْلَقَهُ الْعَالِمُعليه‌السلام بِقَوْلِهِ(٥) : « اعْرِضُوهَا(٦) عَلى كِتَابِ اللهِ ، فَمَا وَافَقَ(٧) كِتَابَ اللهِ - عَزَّوَجَلَّ - فَخُذُوهُ(٨) ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فرُدُّوهُ »(٩) .

وَقَوْلِهِعليه‌السلام : « دَعُوا مَا وَافَقَ القَوْمَ ؛ فَإِنَّ الرُّشْدَ فِي خِلَافِهِمْ ».(١٠)

وَقَوْلِهِعليه‌السلام : « خُذُوا بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَارَيْبَ فِيهِ ».(١١)

وَنَحْنُ لَانَعْرِفُ مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ إِلَّا أَقَلَّهُ ، وَلَا نَجِدُ شَيْئاً أَحْوَطَ وَلَا أَوْسَعَ مِنْ رَدِّ عِلْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْعَالِمِعليه‌السلام ، وَقَبُولِ مَا وَسَّعَ مِنَ الْأَمْرِ فِيهِ بِقَوْلِهِعليه‌السلام : « بِأَيِّمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكُمْ »(١٢) .

وَقَدْ يَسَّرَ اللهُ - وَلَه الْحَمْدُ - تَأْلِيفَ مَا سَأَلْتَ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَوَخَّيْتَ(١٣) ،

__________________

(١) في « ج » : « تميّز ».

(٢) في « ألف ، ج ، ض ، ف ، بح ، بس ، بف » والمطبوع : « اختلف ».

(٣) في « ب » : « من ».

(٤) في « ألف » : - « على ».

(٥) في « ف » : + « الشريف ».

(٦) في « بر » وحاشية « ف » : « اعرضوهما ».

(٧) هكذا في جميع النسخ ، وفي المطبوع : « وافى ».

(٨) في حاشية « ض » : « اقبلوه ».

(٩)الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٢٠٣ ؛المحاسن ، ج ١ ، ص ٢٢٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٥١ ؛الأمالي للصدوق ، ص ٣٦٧ ، المجلس ٥٨ ، ح ١٨ ؛تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٨ ، ح ٢ ؛ وج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ١٥٠ ؛ وفي جميع المصادر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - إلّاتفسير العيّاشي ، ج ٢ ففيه عن أبي جعفرعليه‌السلام - ونصّه : « إنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوا به ( وفي الكافي والأمالي : فخذوه ) وما خالف كتاب الله فدعوه ».

(١٠) و(١١) مقطَّع من رواية عمر بن حنظلة الواردة في الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ح ٢٠٢ ، والفقيه ، ج ٣ ، ص ٨ ، ح ٣٢٣٦ ، والتهذيب ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ٨٤٥ ، والاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(١٢) الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ذيل ح ١٩٩ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفيه : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ».

(١٣) توخّيتُ الأمرَ : قصدت إليه وتعمّدت فعله وتحرّيت فيه. راجع :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٥٢١ ؛النهاية ،=

١٧

فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَقْصِيرٍ فَلَمْ تُقَصِّرْ نِيَّتُنَا فِي إِهْدَاءِ النَّصِيحَةِ ؛ إِذْ(١) كَانَتْ وَاجِبَةً لِإِخْوَانِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا ، مَعَ مَا رَجَوْنَا أَنْ نَكُونَ مُشَارِكِينَ لِكُلِّ مَنِ اقْتَبَسَ مِنْهُ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ فِي(٢) دَهْرِنَا هذَا ، وَفِي غَابِرِهِ(٣) إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ؛ إِذِ الرَّبُّ - عَزَّوَجَلَّ - وَاحِدٌ ، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - وَاحِدٌ ، وَالشَّرِيعَةُ وَاحِدةٌ ، وَحَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَوَسَّعْنَا(٤) قَلِيلاً كِتَابَ الْحُجَّةِ وَإِنْ لَمْ نُكَمِّلْهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ؛ لِأَنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَبْخَسَ حُظُوظَهُ(٥) كُلَّهَا.

وَأَرْجُو أَنْ يُسَهِّلَ اللهُ - عَزَّوَجَلَّ - إِمْضَاءَ مَا قَدَّمْنَا(٦) مِنَ النِّيَّةِ ، إِنْ تَأَخَّرَ الْأَجَلُ صَنَّفْنَا(٧) كِتَاباً أَوْسَعَ وَأَكْمَلَ مِنْهُ ، نُوَفِّيهِ(٨) حُقُوقَهُ كُلَّهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ ، وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ(٩) وَالتَّوْفِيقِ. وَالصَّلَاةُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ(١٠) الْأَخْيَارِ.

__________________

=ج ٥ ، ص ١٦٤ - ١٦٥ ( وخا ).

(١) في « ألف ، ج » وحاشية « ض » : « إذا ».

(٢) في « ألف ، بح » : « من ».

(٣) « الغابر : الماضي والمستقبل ، وهو من الأضداد ، والمراد هنا الثاني ». كذا فيشرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٦٤. وراجع :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٦٥ ؛النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٣٧ ( غبر ).

(٤) قرأ الصدر الشيرازي : « وسعنا » بالتخفيف من الوُسْع بمعنى الطاقة ؛ حيث فسّره بقوله : « وسعنا ، أي تيسّرلنا ». اُنظر :لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٣٩٢ ( وسع ) ؛شرح صدر المتألّهين ، ص ١٥.

(٥) « نَبْخَسُ » أي ننقص. و « الحظوظ » جمع كثير للحَظّ ، وهو النصيب. راجع :الصحاح ، ج ٣ ، ص ٩٠٧ ( بخس ) ؛ وص ١١٧٢ ( حظظ ).

(٦) في « ألف ، ج ، ف ، و ، بح ، بر ، بف » وشرح صدر المتألّهين : « قدّمناه ».

(٧) في « ب ، ض ، بر ، بس » : « صنعنا ».

(٨) في « ألف ، ض ، بح ، بس » وحاشية « بر » وشرح صدر المتألّهين : « توفية ». فتكون كلمة « توفية » مضافة إلى « حقوقه ». وهي إمّا أن تكون في محلّ نصب مفعول له لقوله : « صنّفنا » أو في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف.

(٩) في « ألف » : « والمعونة » بدل « في المعونة ».

(١٠) في « ألف ، ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » : « وآله الطيّبين ». وفي « ف » : «صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين ».=

١٨

وَأَوَّلُ مَا أَبْتَدِئُ(١) بِهِ(٢) وَأَفْتَتِحُ بِهِ كِتَابِي هذَا كِتَابُ الْعَقْلِ(٣) وَفَضَائِلِ الْعِلْمِ ، وَارْتِفَاعِ دَرَجَةِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ ، وَنَقْصِ الْجَهْلِ ، وَخَسَاسَةِ أَهْلِهِ ، وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِمْ ؛ إِذْ كَانَ الْعَقْلُ هُوَ الْقُطْبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ(٤) ، وَبِهِ يُحْتَجُّ ، وَلَهُ الثَّوَابُ ، وَعَليْهِ الْعِقَابُ ، وَاللهُ المـُوَفِّقُ.(٥)

__________________

=وفي حاشية « ف » : « صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ‌ الطيّبين ». وفي « و » : « وآله الطيّبين الطاهرين » كلّها بدل « وآله الطاهرين ».

(١) هكذا في « ج ، ف ، بف ». وفي « ألف ، ب ، ض ، و ، بح ، بر ، بس » والمطبوع : « ما أبدأ ».

(٢) في « بح ، ض » : « فيه ».

(٣) في حاشية « بر » : + « والجهل ».

(٤) قال صدر المتألّهين في شرحه ، ص ١٦ : « عليه المدار في الحركات الفكريّة والأنظار العقليّة ، وهو أصل‌القوى المدركة والمحرّكة ، وهو المركز الذي يرجع إليه المدارك والحواسّ ، والنور الذي به يهتدي في ظلمات برّ الدنيا وبحر الآخرة ». وقال العلاّمة المازندراني في شرحه ، ج ١ ، ص ٦٦ : « أي مدار التكليف والحكم بين الحقّ والباطل من الأفكار ، وبين الصحيح والسقيم من الأنظار ، وسائر القوى تابعة له ، منقادة لأمره ونهيه ، وهو الحاكم على جميعها ». وللمزيد راجع :الرواشح ، ص ٦٩ - ٧٠.

(٥) في « ألف ، ب ، و ، بس » : - « والله الموفّق ».

١٩

٢٠

المضموم إلى ماله ، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صحّ العقد فيه(١) . ولأنّ الإجازة ببعضه تودّي إلى جهالة العوض. ولأنّه لو تلف جزء من المبيع في يد البائع وصار معيباً ، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الردّ ، كذا هنا.

وفسخ(٢) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغواً ، بل يسقط من الثمن ما قابله. ويمنع الجهالة. ويمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلّمنا ، لكنّ العقد لا يقع متقسّطاً على الأجزاء.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : موضع القولين أن يكون المبيع ممّا يتقسّط الثمن على قيمته ، فإن كان ممّا يتقسّط على أجزائه ، فالواجب قسط المملوك من الثمن قولاً واحداً. والفرق : أنّ التقسيط هنا لا يورث جهالة الثمن عند العقد ، بخلاف ما يتقسّط على القيمة.

ومنهم مَنْ طرد القولين ، وهو الأظهر ؛ لأنّ الشافعي ذكر قولين فيما لو باع الثمرة بعد وجوب العُشْر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أنّ الواجب جميع الثمن أو حصّته؟ فإن قلنا : الواجب جميع الثمن ، فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه(٣) . وإن قلنا : الواجب القسط ، فوجهان:

____________________

= كالتهذيب والعزيز - وكذا في الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥١ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٠ ، نُسب القول الأصحّ للشافعي إلى أبي حنيفة ، لا الثاني.

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) قوله : « وفسخ » إلى آخره ، كلام المصنّفقدس‌سره في الجواب عن استدلال الشافعي على قوله الثاني.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بما ابتعناه » وفي « س » : « ابتاعه ». وكلاهما تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من « ي » وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

٢١

أحدهما : أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا خيار له ؛ لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمنه(١) .

وإن كان المشتري عالماً بالحال ، فلا خيار له ، كما لو اشترى معيباً يعلم بعيبه(٢) .

وكم يلزمه من الثمن؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل ؛ لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع ، وهو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

وقطع جماعة منهم بوجوب الجميع ؛ لأنّه التزم بالثمن عالماً بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد(٤) .

ولو باع عبداً وحُرّاً ، أو خَلّاً وخمراً ، أو شاةً وخنزيراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، [ و ](٥) صحّ العقد فيما يقبله ، وكان المشتري جاهلاً بالحال فأجاز أو(٦) عالماً ، قسّط الثمن ، ولزمه بالنسبة. والتقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها ، وهو قول الشافعيّة(٧) .

ولهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) في « س ، ي » : « عيبَه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو » والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

٢٢

أحدهما : القطع بوجوب الجميع ؛ لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته.

وأصحّهما : طرد القولين.

فإن قلنا : الواجب قسط من الثمن ، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان :

أحدهما : كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحلّيه.

والثاني : أنّه يقدّر الخمر خَلّاً ، ويوزّع عليهما باعتبار الأجزاء ، وتقدّر الميتة مذكّاة ، والخنزير شاة ، ويوزّع عليهما باعتبار القيمة(١) .

وقال بعضهم : يقدّر الخمر عصيراً ، والخنزير بقرةً(٢) .

ولو نكح مسلمةً ومجوسيّةً في عقدٍ واحد وصحّحنا العقد في المسلمة ، لم يلزمه جميع المسمّى للمسلمة إجماعاً ؛ لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع - كما قاله الشافعي(٣) - أثبتنا الخيار أيضاً ، وهنا لا خيار ، فإيجاب الجميع إجحاف.

وقال بعض الشافعيّة : يلزم لها جميع المسمّى ، لكن له الخيار في ردّ المسمّى ، والرجوع إلى مهر المثل(٤) .

وهذا لا يدفع الضرر ؛ لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّى أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا ، فما الذي يلزمه؟ الأقوى عندي أنّه القسط من المسمّى إذا وزّع على مهر مثل المسلمة ومهر مثل المجوسيّة ، وهو أحد قولي الشافعي. وأظهرهما : أنّه يلزمه مهر المثل(٥) .

ولو اشترى عبدين وتلف قبل القبض أحدهما ، انفسخ العقد فيه ،

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

٢٣

ويثبت له الخيار في الباقي ، فإن أجاز ، فالواجب قسطه من الثمن ؛ لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء ، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.

وقال بعض الشافعيّة بطرد القولين(١) .

ولو باع شيئاً من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّاً وصحّحنا العقد في الباقي وأجاز ، فالواجب حصّته إجماعاً ؛ لأنّ الفضل بينهما حرام.

ولو باع معلوماً ومجهولاً ، لم يصحّ البيع في المجهول ، وأمّا في المعلوم فيصحّ ؛ لعدم المانع.

وعند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره ، إن قلنا :

لا يصحّ في ماله ، لم يصح هنا في المعلوم. وإن قلنا : يصحّ ، فقولان مبنيّان على أنّه كم يلزمه في الثمن؟ فإن قلنا : الجميع - كما هو قول بعض الشافعيّة - صحّ ، ولزم(٢) هنا جميع الثمن. وإن قلنا : حصّته من الثمن - كما اخترناه ، وذهب إليه بعض الشافعيّة - لم يصح ؛ لتعذّر التوزيع(٣) .

وحكى بعضهم قولا أنّه يصحّ ، وله الخيار ، فإن أجاز ، لزمه جميع الثمن(٤) . وليس شيئاً.

مسالة ٥٥٩ : لو كان الثمن يتوزّع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له والآخر لغيره وباعهما من شخص ، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره ، وهو قول الشافعي(٥) .

وكذا إذا رهن ما يجوز رهنه وما لا يجوز.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤.

(٢) في المصادر : « لزمه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

٢٤

وإذا وهب ما يجوز هبته وما لا يجوز ، أو تزوّج أخته وأجنبيّة ، أو مسلمة ومجوسيّة ، صحّ فيما يجوز قولاً واحداً عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ الرهن والهبة لا عوض لهما ، والنكاح لا يفسد بفساد العوض.

ويتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. وإذا أجاز بجميع الثمن ، فلا خيار للبائع قطعاً.

وإن أخذه بقسطه ، ففي خيار البائع للشافعي وجهان :

أحدهما : له الخيار ، لتبعّض الثمن عليه.

والثاني : لا خيار له ؛ لأنّ التبعّض(٢) من فعله حيث باع ما يجوز وما لا يجوز(٣) .

وهنا مسائل دوريّة لابُدَّ من التعرّض لها :

مسالة ٥٦٠ : لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة‌ ، ومات ولا مال سواه ، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ، وبطل في الثلث ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه يبطل البيع(٤) .

والأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت - كالهبة وسائر التبرّعات - في اعتبار الثلث ، فإن زادت عليه ولم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا شي‌ء له سواه - ردّ البيع في بعض العبد ، وفي الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بصحّة البيع فيه ، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهراً ، والردّ في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » : « التبعيض ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

٢٥

البعض تداركّ حادث ؛ لأنّ المحاباة في المرض وصيّة ، والوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : أنّه على قولي تفريق الصفقة.

وإذا قلنا : يصحّ البيع في الباقي ، ففي كيفيّته قولان :

أحدهما : أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي ، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة ، فوجب أن يجمع بينهما ، فعلى هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مِثْلا المحاباة وهي عشرة.

وهذا اختيار الشيخ(١) رحمه‌الله وجماعة من الشافعيّة وغيرهم ، ولا دور على هذا القول.

والثاني : أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع ، وجب أن يرتدّ إلى المشتري ما قابله من الثمن(٢) .

وهو الذي نختاره نحن ، فحينئذٍ يلزم الدور ؛ لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة ، وما يقابله من الثمن يدخل فيها ، وما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها ، فيزيد بحسب زيادة التركة ، وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ، ويزيد المقابل بحسب زيادة المبيع ، وهذا دور.

ويتوصّل إلى معرفة المقصود بطرق :

____________________

(١) أنظر : المبسوط - للطوسي - ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٩ - ٣٩٠.

٢٦

منها : أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة ، فنقول : ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصفها ، فيصحّ البيع في نصف العبد ، وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن ، وهو خمسة ، كأنّه اشترى سدسه بخمسة ، وثلثه وصيّة له ، يبقى مع الورثة نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن خمسة يبلغ عشرين ، وهو مِثْلا المحاباة.

ومنها : طريقة الجبر ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ؛ لأنّ الثمن مثل ثلث العبد ، وبقي في يد الورثة عبد إلّا شيئاً ، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشي‌ء العائد ، فالباقي عندهم عبد إلّا ثلثي شي‌ء ، فثلثا شي‌ء قدر المحاباة ، وعبد إلاّ ثلثي شي‌ء مثلاه ، وإذا كان عبد إلّا ثلثي شي‌ء مِثْلَي ثلثي شي‌ء ، كان عديلاً لشي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا العبد بثلثي شي‌ء وزِدْنا على عديله مثل ذلك ، كان العبد عديلاً لشيئين ، فعرفنا أنّ الشي‌ء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بقول الشيخ ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلافٍ ؛ لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث وهو ستّة وثلثان ، وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح(١) ، وهو نصفه ، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز ، وذلك ربا.

وعلى ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح ، ويبطل في الباقي.

وقطع بعض الشافعيّة بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلّا‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « قفيزاً بصحيح ». وذلك خطأ.

٢٧

يبطل غرض الميّت في الوصيّة(١) .

فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، وستّة وثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

وعلى طريقة الجبر نفذ البيع في شي‌ء وقابله من الثمن مثل نصفه ، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض ، وبقي في يد الورثة قفيز إلّا شي‌ء ، لكن حصل لهم نصف شي‌ء ، فالباقي عندهم قفيز إلّا نصف شي‌ء هو المحاباة ، وما في يدهم - وهو قفيز ناقص بنصف شي‌ء - مِثْلاه ، وإذا كان قفيز ناقص بنصف شي‌ء مثلَي(٢) نصف شي‌ء ، كان عديلاً للشي‌ء الكامل ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار قفيزُ كاملٍ عديلَ شي‌ء ونصف شي‌ء ، فعُرف أنّ الشي‌ء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لا خيار هنا للورثة ، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار ، لأبطلنا المحاباة أصلاً ورأساً بفسخ البيع ، ولا سبيل إليه ، لأنّ الشرع سلّطه على ثلث ماله.

ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن ، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

ولو كان قفيز المريض يساوي أربعين ، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ ، استوت المسائل كلّها ، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

ولو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات وفرّعنا على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مثل » والصحيح ما أثبتناه.

٢٨

الدور ، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه ، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر ، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه. وأمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه ، فينتقص قدر الغُرْم من ماله ، ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغُرْم أقلّ والمحاباة أكثر ، ومتى قلّت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقلّ.

مثاله : إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين ، وقيمة قفيز الصحيح عشرة ، وقد أتلفه المريض ، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله ، فيبقى عشرة كأنّها كلّ ماله ، والمحاباة عشرة ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فيصحّ البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مرّ.

وعلى طريقة الجبر صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل نصفه ، فعند ورثته عشرون إلّا نصف شي‌ء ، لكن قد أتلف عشرة ، فالباقي في أيديهم عشرة إلّا نصف شي‌ء ، وذلك مِثْلا نصف شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كانت عشرة مثل شي‌ء ونصف شي‌ء ، فالعشرة نصف القفيز ، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلث القفيز.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض ستّة وثلثان ، وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث ، فتكون المحاباة بثلاثة وثلث ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز ، وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان ، ويبقى في أيديهم ستّة وثلثان ، وهي مِثْلا المحاباة.

٢٩

ولو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين وباقي المسألة بحالها ، فعلى طريقة النسبة نقول : مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقى عشرون كأنّه كلّ ماله ، والمحاباة عشرون ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

وبالجبر نقول : صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل ثلثه ، فالباقي ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، لكنّه أتلف عشرة ، والباقي عشرون إلّا ثلثي شي‌ء ، وذلك مِثْلا ثلثي شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان عشرون مثل شيئين ، فعرفنا أن الشي‌ء عشرة ، وهي ثلث الثلاثين.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض عشرة ، وثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة وثلث ، فالمحاباة ستّة وثلثان ، وقد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز ، وهو عشرون يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث ، وهي مِثْلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه ، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الردي‌ء ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ، ففي الصورة الاُولى - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الآخر عشرة - يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد وقيمته عشرة ، ويحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الردي‌ء وقيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة ، ولهم نصفه الآخر غرامةً لما أتلف عليهم ، فيحصل لهم عشرة وهي مِثْلا المحاباة ، والباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد ، ولا تجوز المحاباة في شي‌ء إلّا بعد أن يحصل للورثة مِثْلاه.

وفي الصورة الثانية - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض‌

٣٠

الشافعيّة : يصحّ البيع في نصف الجيّد ، وهو خمسة عشر ، والمحاباة ثلثه ، وهو خمسة ، وقد حصل للورثة القفيز الردي‌ء وقيمته عشرة ، وهي ضٍعْف المحاباة ، فيبقى في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شي‌ء جازت المحاباة في مثل ثلثه(١) .

وغلّطه بعضهم ؛ لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد ، فإنّما نصحّحه بنصف الردي‌ء ، وهو خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة ، وإذا كانت المحاباة بعشرة ، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون ، وليس في أيديهم إلّا عشرة. فالصواب أن يقال : يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد ، وهو سبعة ونصف بربع الردي‌ء ، وهو درهمان ونصف ، فتكون المحاباة بخمسة وفي يد الورثة ضعفها عشرة(٢) .

مسالة ٥٦١ : كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث‌ ، كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث ، سواء قدّرت الإقالة فسخاً كما هو مذهبنا ، أو بيعاً جديداً كما هو مذهب الشافعي(٣) .

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا وماتا في المرض والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث ، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي(٤) - وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن ، فلا بيع ولا إقالة.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٩٢ - ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٣.

٣١

وإن قلنا بالتصحيح بالقسط ، فيدور كلّ واحد - ممّا نفذ فيه البيع والإقالة - على الآخَر ؛ لأنّ البيع لا ينفذ إلّا في الثلث ، وبالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع ، وإذا زاد ذلك ، زاد مال الثاني ، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من القفيز الجيّد ، ورجع إليه من الثمن نصف ذلك ، فبقي في يده عشرون إلّا نصف شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة ونصف شي‌ء ، ثمّ إذا تقايلا ، فالإقالة فيهما(١) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلثَ عشرة و [ ثلث ](٢) نصف شي‌ء وهو ثلاثة وثلث وسدس شي‌ء ، فيضمّه إلى مال الأوّل ، وهو عشرون إلّا نصف شي‌ء يصير ثلاثة وعشرين وثلثاً إلّا ثلث شي‌ء ، وهذا يجب أن يكون مثلَي المحاباة أوّلاً ، وهو نصف شي‌ء ، فيكون ذلك كلّه مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شي‌ء وثلث شي‌ء يبسط الشي‌ء والثلث أثلاثاً يكون أربعة والشي‌ء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشي‌ء من ثلاثة وعشرين وثلث ، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ؛ لأنّ الزائد على العشرين ثلاثة وثلث ، وهو ثلث العشرة ، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم ، صار عشرون وثلاثة وثلث سبعة أسهم ، فتزيد قسمتها على الأربعة ، والسبعة لا تنقسم على الأربعة ، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية وعشرين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعها ، وهي أحد وعشرون. فإذا عرفنا ذلك ، رجعنا إلى الأصل وقلنا : العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعةً وعشرين ؛ لأنّا ضربنا كلّ ثلاثة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « إنّما » بدل « فيهما ».

(٢) أضفناها لأجل السياق.

٣٢

- وهي سهام العشرة - في أربعة ، فصارت اثني عشر ، فتكون العشرون أربعةً وعشرين وقد صحّ البيع في أحد وعشرين ، وذلك سبعة أثمان أربعة وعشرين.

وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر ، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر ، والقفيز الردي‌ء ثمانية ، وقلنا : صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد - وهي أربعة عشر - بسبعة أثمان الردي‌ء ، وهي سبعة ، فتكون المحاباة سبعة ، ويبقى في يد بائع الجيّد [ تسعة ](١) : سهمان بقيا عنده ، وسبعة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر خمسة عشر ، لأنّه أخذ أربعة عشر وكان قد بقي في يده سهم ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - وهي خمسة أثمان القفيز الجيّد - بخمسة أثمان القفيز الردي‌ء وهي خمسة ، فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة ، فالمحاباة بخمسة. والحاصل من ذلك كلّه : المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة ، وفي يد الثاني عشرة مِثْلا محاباته خمسة.

ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيّد يساوي ثلاثين ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء منه ، ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ، فبقي في يده ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة وثلثا شي‌ء ، فإذا تقايلا ، أخذنا ثلث عشرة وثلثي شي‌ء ، وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتُسْعا شي‌ء يضمّ إلى مال الأوّل ، فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا إلّا أربعة أتساع شي‌ء ، وهو مِثْلا المحاباة ، وهي ثلثا شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فعلمنا أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

٣٣

ثلاثة وثلاثين وثلثاً يجب أن تقسّم على شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فيبسط هذا المبلغ أتساعاً يكون ستّة عشر الشي‌ء منه تسعة ، والعدد المذكور لا ينقسم على ستّة عشر ، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ، لأنّ الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث ، وذلك ثلث العشرة ، فإذا فعلنا ذلك ، صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرةَ أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستّة عشر ، وعشرة لا تنقسم على ستّة عشر ، لكن بينهما توافق بالنصف ، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين ، فنرجع إلى الأصل ونقول : الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين ، والشي‌ء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة ، وهو خمسة صارت خمسة وأربعين ، وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين ، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر ، جُعل القفيز الجيّد أربعةً وعشرين ليكون للقفيز الردي‌ء - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح ، فنقول : صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد - وهي خمسة عشر - بخمسة أثمان الردي‌ء ، وهي خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة ، ويبقى في يد بائع الجيّد أربعة عشر : تسعة بقيت عنده ، وخمسة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر ثمانية عشر ؛ لأنّه أخذ خمسة عشر ، وكان قد بقي عنده ثلاثة ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة ، وهي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الردي‌ء ، وهي ثلاثة ، فقد أعطى تسعة وأخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة ، ويستقرّ في يد الأوّل عشرون : تسعة أخذها بحكم الإقالة ، وأحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة ، وذلك مثلا محاباته عشرة ، وفي يد الثاني اثنا عشر : ثلاثة أخذها بحكم الإقالة ، وتسعة بقيت عنده من ثمانية‌

٣٤

عشر بعد ردّ التسعة ، وذلك مِثْلا محاباته.

وهنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة على أصول ظاهرة :

منها : أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان ، فيقدّر ثمانية أسهم ، وينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

ومنها : أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبداً ولا تنقص عن ثلاثة أثمان أبداً ، بل تكون بينهما ، فإذا أردت أن تعرف قدرها ، فانسب القفيز الردي‌ء إلى الجيّد ، وخُذْ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز ، فانسب الردي‌ء إلى المحاباة في الأصل وزِدْ مثل تلك النسبة على التبرّع ، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل ، فانظر إلى تبرّع بائع الجيّد واضربه في ثلاثة أبداً وقابِل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد ، فما زاد على القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة ، فزِدْ على تبرّعه بمثل نسبة زيادتك على تبرّع صاحبه ، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الاُولى : نقول : القفيز الجيّد ثمانية والردي‌ء أربعة ، فالردي‌ء نصف الجيّد ، فالتبرّع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، وإذا نسبنا الردي‌ء إلى أصل المحاباة ، وجدناه مثله ؛ لأنّ المحاباة عشرة من عشرين ، فنزيد على المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان ، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل ، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة ونصفا ، وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف ، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين ونصف.

٣٥

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة ، زِدْنا على الثمنين والنصف مثله يكون خمسة أثمان.

ولا يخفى تخريج الصورة الاُخرى ونحوها على هذه الطريقة.

مسالة ٥٦٢ : إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين ، فإمّا أن يكون في عقدٍ واحد ، وقد تقدّم(١) حكمه. وإمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم ، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة وسَلَم ، أو نكاح وبيع ، أو إجارة وبيع.

وهو عندنا جائز ، للأصل ، وقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) .

ولأنّهما عقدان يصحّان منفردين ، فجاز جمعهما في عقدٍ واحد ، كما لو تماثلا ، ويقسّط المسمّى على اُجرة المثل وثمن المثل ، أو مهر المثل وثمن المثل ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : أنّ العقدين معاً يبطلان ، لأنّهما مختلفا الحكم ، فإنّ الإجارة والسّلم يختلفان(٤) في أسباب الفسخ والانفساخ. وكذا النكاح والبيع ، والإجارة والبيع يختلفان في الحكم أيضاً ، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة ويبطل البيع ، وكمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلّا بانقضاء المدّة ؛ لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ ، بخلاف البيع ، وإذا اختلفت الأحكام ، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التوزيع ، وتلزم الجهالة(٥) .

____________________

(١) في ص ٥ ، المسألة ٥٥٠.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٦.

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : مختلفان.

(٥) نفس المصدر في الهامش (٣).

٣٦

وهو غلط ؛ فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له ، كما لو باع شقص دار وثوباً ، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع فيه(١) .

وصورة الإجارة والسَّلَم أن يقول : آجرتك هذه الدار سنة ، وبعتك العبد سَلَماً بكذا. والإجارة والبيع : أن يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك داري سنة بكذا. والنكاح والبيع : بعتك هذه الجارية وزوّجتك ابنتي بكذا.

وعلى قولي الشافعي ما إذا جمع بين [ بيع ](٢) عين وسَلَم ، أو بيع صرف وغيره بأن باع ديناراً وثوباً بدراهم ؛ لاختلاف الحكم ، فإنّ قبض رأس المال شرط في السَّلَم ، والتقابض شرط في الصرف ، ولا يشترط ذلك في سائر البيوع(٣) .

ولو قال : زوّجتك ابنتي وبعتك عبدها بكذا ، فهو جمع بين بيع ونكاح ، ولا خلاف في صحّة النكاح ، أمّا البيع والمسمّى في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضاً.

وللشافعي القولان : إن صحّ ، وزّع المسمّى على قيمة المبيع ومهر مثل المرأة ، وإلّا وجب في النكاح مهر المثل عنده(٤) .

ولو جمع بين بيع وكتابة بأن قال لعبده : كاتبتك على نجمين ، وبعتك عبدي بألف ، صحّا عندنا.

وأمّا الشافعي : فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح ، فهنا أولى ، وإلّا فالبيع باطل ؛ إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. وفي الكتابة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بسببه » بدل « فيه ».

(٢) إضافة من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

٣٧

قولان(١) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا لا يعدّ من صُور تفريق الصفقة ؛ لأنّا في قولٍ نُبطل العقدين جميعاً ، وفي قولٍ نصحّحهما جميعاً ، فلا تفريق(٢) .

مسالة ٥٦٣ : إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة‌ ، أمّا إذا تعدّدت ، فلا ، بل يصحّ الصحيح ، ويبطل الباطل ، فلو باع مالَه في صفقةٍ ومالَ غيره في اُخرى ، صحّت الاُولى إجماعاً ، ويتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شي‌ء ثمنا مفصّلاً ، فيقول : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فيقول المشتري : قبلت ذلك على التفصيل.

ولو جمع المشتري بينهما في القبول ، فقال : قبلت فيهما ، فكذلك - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ القبول ترتّب على الإيجاب ، فإذا وقع مفرّقاً ، فكذا القبول.

وقال بعض الشافعيّة : إن لم نجوّز تفريق الصفقة ، لم يجز الجمع في القبول(٤) .

ولو تعدّد البائع ، تعدّدت الصفقة أيضاً وإن اتّحد المشتري والمعقود عليه ، كما لو باع اثنان عبداً من رجل صفقةً واحدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة ، كما لو اشترى اثنان عبداً من رجل؟ المشهور عند علمائنا : عدم التعدّد ، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب وعدمه ؛ لأنّ المشتري بأنٍ على الإيجاب السابق ، فالنظر إلى مَنْ صدر منه الإيجاب ، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحّهما عنده : التعدّد ، كما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧.

(٥-٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

٣٨

في طرف البائع(١) .

مسالة ٥٦٤ : من فوائد التعدّد والاتّحاد : أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّى أحد المشتريين نصيبه من الثمن ، وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع ، كما يسلّم المشاع. وإن حكمنا بالاتّحاد ، لم يجب تسليم شي‌ء إلى أحدهما وإن وفّى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر ؛ لثبوت حقّ الحبس للبائع ، كما لو اتّحد المشتري ووفّى بعض الثمن ، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

وفيه وجه للشافعيّة : أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة(٢) .

ومنها : أنّا إذا قلنا بالتعدّد ، فلو خاطب واحد رجلين ، فقال : بعت منكما هذا العبد بألف ، فقَبِل أحدهما نصفه بخمسمائة ، ففي صحّته للشافعيّة وجهان : الصحّة ، لأنّه في حكم صفقتين. وأصحّهما : البطلان ، لأنّ الإيجاب وقع عليهما ، وأنّه يقتضي جوابهما جميعاً(٣) .

ويجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبدٍ لرجلٍ : بِعْنا منك هذا العبد بألف ، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة(٤) .

ولو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان ، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شي‌ء من الثمن؟ وجهان للشافعيّة ، أحدهما : لا. والثاني : نعم(٥) .

والأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسالة ٥٦٥ : هل الاعتبار في الوحدة والتعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل‌ ، كما لو وكّل رجلان رجلاً بالبيع أو بالشراء وقلنا : إنّ الصفقة‌

____________________

(٤-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨.

٣٩

تتعدّد بتعدّد المشتري ، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه :

أحدها : أنّ الاعتبار بالعاقد ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، ولهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل ، وخيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

والثاني : أنّ الاعتبار بالمعقود له ؛ لأنّ الملك يثبت له.

والثالث : أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له ، وفي طرف الشراء بالعاقد.

والفرق : أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ، وفي جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن ، بطل البيع.

وهذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة ، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن ، فهو كالوكيل بالبيع.

والرابع : أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل ، وفي البيع بهما جميعاً ، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد ، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع ، ولا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصاً لاثنين ، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما ، وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحدٍ ، لم يجز للشفيع أخذ بعضه ، وفي جانب البيع حكم تعدّد الوكيل والموكّل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصاً من رجل ، ليس للشفيع أخذ بعضه ، وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة ، فكذا في سائر الأحكام(١) .

ويتفرّع على هذه الوجوهفروع :

أ - لو اشترى شيئاً بوكالة رجلين ، فخرج معيباً ، وقلنا : الاعتبار‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨ - ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ - ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٥ - ٣٨٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722