الاصول من الكافي الجزء ١

الاصول من الكافي8%

الاصول من الكافي مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 722

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 722 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 291412 / تحميل: 10255
الحجم الحجم الحجم
الاصول من الكافي

الاصول من الكافي الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مخصوص ، أي : العلم المتعلّق بالذات المخصوصة المعينة يتوقّف تحصيله على جهة العلّة ويمتنع حصوله من المعلول. ولا ريب انّ العلم بالحقيقة المعينة المخصوصة أولى وأكمل من العلم بحقيقة ما ، فهذا هو الوجه في مزية البرهان اللمّي على الإنّي.

ولا ريب أيضا في انّ المقصود من البرهان في اثبات الواجب ـ تعالى شأنه ـ اثبات خصوصية العلّة للكلّ ـ اعني : الواجب بالذات ـ ، وبرهان الإنّ لا يفيد هذا الأمر ، فيجب المصير فيه إلى برهان اللمّ.

والجواب : انّ هذا مجرّد دعوى لا دليل عليه ، والفرق غير ظاهر عند التأمّل. فانّ العلم بالعلّة إن لم يكن تامّا ـ أي : لم يعلم العلّة بحقيقتها ولوازمها وخواصّها وما لها بالقياس إلى نفسها وما لها بالقياس إلى غيرها ـ لم يفد العلم بخصوصية المعلول اصلا ، لأنّه لم يعلم صفاتها وخواصّها ليعلم انّ معلولها يلزم أن يكون على صفة كذا وخصوصيّة كذا. ولو افاد مجرد ذلك العلم بخصوصية المعلول لقلنا : العلم بالمعلول أيضا يوجب العلم بخصوصية العلّة وإن لم يكن تامّا ، لعدم تعقّل الفرق أصلا. ولو كان العلم بها تامّا ـ أي : علمت العلّة بحقيقتها المخصوصة وصفاتها المعينة وخواصّها اللازمة ـ فلا ريب في أنّه يفيد العلم بخصوصية المعلول بمعنى انّه بعد ما علم انّ العلّة حقيقتها كذا وصفاتها وخواصّها كذا يحكم العقل بانّ معلول مثل هذه العلة يجب أن يكون على صفة كذا أو خصوصية كذا ـ للزوم المناسبة بين العلّة والمعلول ـ. إلاّ أنّ المعلول أيضا إذا علم بهذا الوجه علمت العلّة أيضا بالتعيّن(١) والخصوصية ، فانّه إذا علم أنّ المعلول على حقيقة كذا وخواصّه وآثاره كذا وكذا ، يحكم العقل بانّ علّته يلزم أن يكون على صفات مخصوصة وخصوصيات معينة ـ لوجوب المناسبة بين العلة والمعلول ـ فانّا كما إذا تعقّلنا الواجب ـ تعالى شأنه ـ بصفاته المعيّنة من بساطته وتجرّده نحكم بأنّه / ٢٢ DB / يجب أن يكون معلوله الأوّل جوهرا بسيطا مجرّدا وهو العقل الاوّل ، كذلك إذا تعقّلنا العقل الأوّل ببساطته وتجرّده وامكانه نحكم بانّ علّته يجب أن تكون بسيطا مجرّدا واجبا ، وقس عليه أمثال ذلك. فانّا كما إذا تعقّلنا تعفّن(٢) مطلق خلط علمنا حصول

__________________

(١) الاصل : باليقين.

(٢) الاصل : تعقل.

١٠١

مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى ، وإذا علمنا تعفّن خلط صفراويّ علمنا حصول حمى صفراويّ ، فكذلك إذا علمنا حصول مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى علمنا تعفّن مطلق خلط من دون حصول العلم بخصوصية هذا الوسط ، ولو علمنا خصوصية الحمى من كونه حمّى صفراويا أو بلغميا علمنا خصوصية الخلط أيضا من كونه صفراء أو بلغما ؛ هذا.

وقال بعض الأفاضل : انّه لا ريب في انّ العلم الحاصل من البرهان سواء كان لمّيا أو إنّيا انّما هو العلم التصديقيّ ـ أي : المتعلّق بثبوت النسبة الخبريّة ـ دون العلم التصوريّ الّذي هو تصوّر الأشياء بالحدّ أو الرسم ، فانّ العلّية والمعلولية اللّتين اعتبرنا بين حدود البرهان ـ أعني : الأوسط والأكبر والأصغر ـ ليستا معتبرتين بين ذوات تلك الحدود ، بل بين أوصافها العنوانية باعتبار ثبوت تلك الاوصاف لذوات تلك الحدود أو نفيها عنها. فقولهم : الأوسط إذا كان علّة للحكم فالبرهان لمّي وإلاّ فإنّي ؛ فيه مسامحة واعتماد على الظهور ، ومعناه انّ وصف الأوسط باعتبار ثبوته للأصغر أو نفيه عنه إن كان علّة لثبوت وصف الأكبر للأصغر أو نفيه عنه فالبرهان لمّى ، وإلاّ فإنّي. فاذا قيل : العالم متغير وكلّ متغير حادث فالعالم حادث ، برهان لمّي أريد به انّ ثبوت الأوسط / ٢٣ MA / ـ أعني : التغيّر ـ للعالم علّة لثبوت الحدوث له ، وهو الحكم المطلوب. بمعنى انّه متقدّم عليه بالذات بحسب نفس الأمر ، وما لم يثبت للعالم وصف التغيّر في الواقع لم يثبت له وصف الحدوث. وإذا قيل : زيد محموم وكل محموم متعفّن الاخلاط ، برهان انّي أريد به انّ ثبوت الأوسط ـ أعني : المحموم ـ لزيد معلول لثبوت تعفّن الاخلاط له وهو الحكم المطلوب ؛ يعنى انّه متأخّر عنه بحسب نفس الأمر. وما لم يثبت لزيد وصف بعض الاخلاط ـ أي : الحكم المطلوب ـ لم يثبت له وصف الحمى ـ أي : الأوسط ـ. فظهر انّ العلّية والمعلولية المأخوذتين في مطلق البرهان انّما ترجعان إلى ثبوت النسبة الّذي هو من العلوم التصديقية.

وإذا كان الحاصل من البرهان هو العلم التصديقي دون التصوريّ نقول : لا يجوز التفاوت بالكمال والنقصان في العلم التصديقى سواء حصل من برهان اللمّ أو الإنّ ، إذ

١٠٢

لا فرق في كيفية العلم الحاصل منهما لعدم التشكيك فيه ـ كما بيّن في موضعه ـ ، ولا في متعلّق التصديق ـ إذا لتصديق المنتج من ايّهما متعلّق بحقيقة النسبة الخبرية المطلوبة ـ ، فالعلم الّذي يمكن أن يتفاوت بالكمال والنقصان انّما هو العلم التصوريّ من حيث المتعلّق ، فانّ العلم التصوريّ الحاصل من الحدّ يكون متعلّقا بحقيقة الشيء ، والحاصل من الرسم يكون متعلّقا بخواصّه ولوازمه. وتفاوت هذا العلم لا مدخلية له فيما نحن فيه ، فانّ قولنا : العالم حادث متعلّق العلم ثبوت الحدوث للعالم أعمّ من أن يكتسب من جهة علّيته أو من جهة معلوليّته ، ولا يتصوّر التفاوت فيه من هذه الجهة. نعم! يمكن التفاوت في تصوّر الحدوث أو العالم بالكنه أو الوجه ، إلاّ انّه لا مدخلية له في نفس التصديق بثبوت الحدوث للعالم.

فان قيل : يجوز أن يختلف العلم بالنسبة الخبرية باختلاف تصور الاطراف بالكنه أو بالوجه ؛

قلنا : التفاوت فيه على هذا التقدير ليس من حيث انّه(١) مستفاد من البرهان ، بل من حيث تصوّر بعض الاطراف بالكنه وبعضها بالوجه ، فبالحقيقة يكون التفاوت في العلم التصوري ؛ وبواسطته يحصل تفاوت ما في العلم التصديقى أيضا. ولكن ذلك لا يفيد التفاوت في المقصود ، لأنّه ليس من حيث انّه مستنتج من البرهان ، بل من حيث تصوّر الاطراف ؛ إلاّ أن يقال : انّ مقصود القائل انّ البرهان اللمّي لا ينفكّ عن تصوّر الاطراف على وجه اتمّ واكمل ، بخلاف الإنّي ، لا أنّ العلم الحاصل بالمطلوب من اللمّي من حيث انّه حاصل منه يكون اتمّ من العلم الحاصل به من الإنّي من حيث انّه حاصل منه ، وهذا القدر يكفي لمزية اللمّ على الإن.

وغير خفيّ إنّا نلتزم مثل هذه المزية ولا ننكره! ، إلاّ أنّ مبنى هذا الكلام على لزوم تصوّر الاطراف في اللمّي بالحدّ والكنه وفي الإنّي بالرسم وبالوجه ، وعلى جعل حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه من اللمّ وإن لم يكن علّة فاعلية له ، بل يكفى كونه جزء العلّة ومن مقوّماته. والظاهر أنّ مجرّد حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه وأن

__________________

(١) الاصل : ـ انه.

١٠٣

يكن علّة فاعلية من اللمّ بشرط كونه تصديقا ، لأنّ المراد بالعلّة هاهنا يجب ان يكون ما يتوقّف عليه الشيء مطلقا لا العلّة التامّة ولا خصوص إحدى العلل الاربع ، فانّ الاستدلال / ٢٣ DA / من المعلول على أيّ جزء من العلّة التامة برهان انّي ، والاستدلال من الجزء الأخير للعلّة التامة أو يستلزم الجزء الاخير له على المعلول برهان لمّي.

وأمّا لزوم كون تصور الاطراف ممّا يتوقّف هذه الاطراف عليه ـ أعني : بالحدّ والكنه في اللمّ ـ فغير معلوم ، لانّه من العلوم التصورية الّتي لا مدخل لها في البرهان الّذي هو من العلوم التصديقية ـ ، فلا معنى لاشتراطه في البرهان اللمّي.

وأنت خبير بانّ اتمام أصل الجواب المنقول عن بعض الأفاضل يتوقّف على عدم التشكيك في حقيقة العلم المتعلق بالنسبة الخبريّة ، وهو محلّ كلام ؛ والنزاع في مثله مشهور.

وقد تلخّص ممّا ذكر انّ ما ذكروه في بيان الأمر الاوّل ـ أعني : اوثقية اللمّي من الإنّي ـ غير تمام ، ولا تفاوت بينهما إلاّ في أنّه يعلم المطلوب في اللمّي من جهة ما يوجبه من لمّه وسببه ، بخلاف الإنّي ؛ هذا.

وذكروا في بيان الوجه الثاني ـ أعني : لميه منهج الإلهيين ـ وجوها :

منها : انّه استدلال بحال من مفهوم الوجود ـ أعني : احتياج فرده الممكن إلى العلّة أو كونه ذا تقرّر أو ذا فرد في نفس الأمر ـ على حال اخرى منه ، / ٢٣ MB / وهي اتّصافه بكون بعضه واجبا لا على ذات الواجب في نفسه ، فانّ كون طبيعة الوجود مشتملة على فرد هو الواجب لذاته حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال من تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للحال الاولى.

وفيه : انّ الحالة الّتي يستدلّ بها ـ أعني : كون الوجود ذا تقرّر أو ذا فرد أو احتياج فرده الممكن إلى علّة ـ إنّما هي معلومة ومستفادة من الوجودات الامكانية ، وهي معلولة للواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ ، فكيف يكون علّة له في الخارج حتّى يكون الاستدلال بها عليه لمّيا؟!. كيف ولو كان الاستدلال بالوجود المطلق على الواجب بأيّ طريق كان استدلالا بالعلّة على المعلول لكان للواجب علّة؟!

١٠٤

وبما ذكر يظهر ضعف ما ذكره بعض المشاهير المعتقدين للمّية هذا الوجه حيث قال : إن قيل : الاستدلال بالوجود على الواجب ليس استدلالا بالعلّة على المعلول ، وإلاّ لزم أن يكون الواجب معلولا ؛ قلنا : الاستدلال بالعلّة على المعلول هو الاستدلال من واجب الوجود على معلولاته. فانّا في الطريقة المختارة نثبت واجب الوجود أوّلا ثمّ نستدلّ به على ساير الموجودات بان نقول : لمّا كان الواجب في غاية البساطة والتجرد يجب أن يصدر عنه أوّلا امر بسيط مجرّد عن الموادّ وبعد فتح ابواب الكثرة يصدر منه ـ تعالى ـ بطريق التناوب الاشياء الأخر ، ولمّا كان غنيا عن كلّ شيء يجب أن لا يكون فعله معلّلا بالاغراض ، وإن كانت المنافع لازمة لفعله ـ تعالى ـ على وجه لا يكون غرضا له وعائدا إليه. ولمّا كان جوادا مطلقا فيجب أن لا ينقطع منه الفيض ، ولمّا كان مجرّدا يجب أن لا يسنح له شيء بعد ما لم يكن ، وغير ذلك من الخواصّ المثبتة بمجرّد ملاحظة وجوب الوجود. وأمّا القوم فيثبتون ساير الموجودات ويستدلّون بها على وجود واجب الوجود. وبعبارة اخرى : نحن نثبت الحقّ ونستدلّ به على الخلق ، وامّا هم فيثبتون الخلق ويستدلّون به على الحقّ ، فطريقتنا أوثق وأشرف. انتهى ما ذكره مع تفصيل وتوضيح.

ووجه ضعفه : انّ استدلالكم على الواجب انّما هو بافراد الوجودات المعلولة أو بالوجود المطلق من حيث أنّه في ضمن الافراد الممكنة المعلولة ، فهو استدلال من المعلول على العلّة دون العكس ، فلا فرق بين طريقتكم وطريقة غيركم.

وأمّا ثبوت اللوازم والخواصّ المذكورة للواجب بعد اثباته فهو امر آخر يتأتّى على جميع الطرق بعد أن يثبت الواجب بأيّ منها.

ومنها : انّ كون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكون الواجب صانعا للعالم ، أي : هو علّة لهذا الوجود الرابطي الاضافي للواجب ـ تعالى ـ لا لوجوده في نفسه ، لانّ وجوده في نفسه ليس معلولا لشيء ، فوجود العالم في نفسه معلول للواجب ـ تعالى شأنه ـ. والوجود الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو كونه صانع العالم معلول للعالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته ، فكون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكونه ذا جاعل واجب

١٠٥

بالذات. ولا استبعاد في ذلك كما ذكره الشيخ في المؤلّفية وذوي المؤلّفية ، فانه قال : انّ قولنا كلّ جسم مؤلّف وكلّ مؤلّف فله مؤلّف برهان لمّي ، لانّ المؤلّف ـ بالفتح ـ وإن كان معلولا للمؤلّف ـ بالكسر ـ بحسب الخارج والواقع ، لكن ذا المؤلّف ـ أعني : مفهوم ٢٣ DB / قولنا : له مؤلّف ـ هو الحدّ الأكبر ، والوجود الرابطي للمؤلّف ـ بالكسر ـ معلول للمؤلّف ـ بالفتح ـ. وأيّد ذلك بعضهم بانّه لا يثبت من هذه الدلائل إلاّ وجود علّة ما لجميع الممكنات خارجة عنها ـ أي : غير ممكنة ـ ، ولا يثبت بها خصوص وجود الذات المقدّسة الالهية. والشيخ قد صرّح بانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود علّة ما في الحقيقة استدلال من العلّة على المعلول ، لأنّ ثبوت علّة ما لشيء يكون في الحقيقة معلّلا بمعلولها ، فيكون لمّيا.

قيل : وبهذا الوجه ـ أي : بجعل المعلولية راجعة إلى الوجود الاضافي الرابطي لا إلى الوجود الحقيقي الخارجى ـ يندفع الايراد المشهور ؛ وهو انّه لا يمكن الاستدلال اللمّى على وجود الواجب لان كلّ شيء سوى الواجب ـ تعالى ـ معلول له ـ تعالى ـ إمّا بواسطة أو بدونها ، وليس الواجب معلولا لشيء ؛ فلا يمكن الاستدلال على وجوده بطريق / ٢٤ MA / اللمّ.

وأيضا : كلّ ما يحصل في اذهاننا ونتعقّله فهو ممكن ، وكلّ ممكن معلول له ، فانحصر طريق اثباته في الإنّي.

ووجه الدفع : انّ ما يثبت بالبرهان اللمّي هو الوجود الاضافي الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو يجوز أن يكون معلولا ، وعدم معلوليته انّما هو باعتبار وجوده في نفسه. ولا امتناع في كون الواجب معلولا باعتبار الوجود الرابطي ، فانّ الشيء قد يكون علّة بحسب الذات ومعلولا بحسب الوجود الاضافى الرابطي ، فانّ ثبوت رازقية زيد للواجب ـ تعالى ـ يتوقّف على وجود زيد المرزوق ولا يمكن ثبوتها له بدونه ، بل يحتاج هذا الثبوت إلى وجود زيد مع انّه موجد زيد وغني عن كلّ شيء.

وغير خفيّ انّ هذا الوجه في غاية السقوط ولا يسمن ولا يغني من جوع! ، كيف وهو يجري في جميع ادلّة اثبات الواجب من أيّ منهج كان ولا اختصاص له بمنهج

١٠٦

الإلهيين ، بل يجري في جميع الأدلّة الآتية في أيّ مطلب كان ولا اختصاص له بادلّة اثبات الواجب! ؛ فأيّ مزية تثبت بهذا التكلّف والتعمّل لمنهج الإلهيين؟!.

مع انّه لو سلّم عدم جريانه في غيره نقول : انّ مطلوب القوم من ردّ أدلّة اثبات الواجب إلى اللمّي انّما هو لأن يكون أوثق وأحكم ، ولا ريب في أن مثل هذا التعمّل والتغيّر في بعض العبارات لا يصير سببا لتفاوت الدليل في الواقع ونفس الأمر حتّى يصير لأجله أوثق ، بل انّما هو تكلّف لا يرجع إلى فائدة وتحصيل. فالفرق بين منهجي الالهيين والمتكلّمين بلمّية الأوّل وإنّية الثاني تحكّم بحت!.

ولو قيل بعكس ذلك لكان له وجه في الجملة ، لأنّ المتكلّمين يجعلون الوسط في براهين اثبات الواجب هو الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، وهم يعتقدون انّ علّة الحاجة إلى المؤثّر هي الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، فالاستدلال على الواجب به استدلال لمّي وإن كان ما اعتقدوه من علّة الحاجة باطلا عندنا. وأمّا الإلهيون فلمّا جعلوا الوسط في البراهين هو الوجود فلا يمكنهم القول باللمّية ، لأنّ الوجود ليس عندهم علّة الحاجة بل علّتها عندهم هي الامكان البحث. نعم ؛ لو جعلوا الوسط في البراهين هو الامكان فقط واستدلّوا على الواجب ـ تعالى ـ بمجرّده لكان للقول بلمّية طريقتهم وجه ، إلاّ أنّ الاستدلال بمجرّد الامكان من غير التمسّك بالوجود أو الحدوث غير ممكن.

وبذلك يندفع ضعف ما افتخر به بعض الفضلاء بالتفطّن به ، وقال : أمّا اثبات الواجب فظاهر النظر يقتضي أن يكون دليله على الطريقين إنّيا ، والنظر الصائب يفضي إلى أنّ الّذي لهم من الدعوى على الطريقين يثبت ببرهان لمّي ، فانّ دعواهم انّ الممكنات منتهية إلى الواجب أو انّ الممكن له موجود واجب أو انّ العالم له خالق صانع لا مجرّد انّ الواجب موجود ، بل هو لازم ثانيا من دليلهم ، وبين هذا وما قدمنا من الدعوى فرق ؛ انتهى.

ووجه الدفع : انّ الممكن ما لم يؤخذ منه الوجود أو الحدوث أو ما يرجع إليهما لم يدلّ على احتياجه إلى المؤثّر ، ووجهه ظاهر.

١٠٧

وبما ذكر يظهر فساد ما قيل : انّ جميع براهين اثبات الواجب لمّية بحسب الحقيقة ـ بناء على ما نقل عن الشيخ من حديث المؤلّف وذي المؤلّف ـ ، إلاّ أنّ صورة ساير الطرق شبيهة بصورة الإنّ لانّها بظاهرها انتقال من المعلول إلى العلّة ، لانّ الممكن والمحدث والحركة ـ الّتي ينتقل منها إلى الواجب تعالى ـ معلولة له. بخلاف منهج الالهيين ، فانّه انتقال من الموجود إلى الواجب ، وهو بظاهره لا يشبه إلاّ انّ الموجود ليس معلولا للواجب مطلقا وإن كان بعض افراده معلولة له ، بخلاف الممكن والحادث والحركة.

ووجه الفساد : أمّا أوّلا فبأنّه أيّ فائدة في التفاوت في / ٢٤ DA / الصورة مع عدم الفرق الواقعي في الوثوق؟! ؛

وأمّا ثانيا : فبانّه تخصيص لادلّة اثبات الواجب مع جريان ما ذكره الشيخ في جميع ما يتصوّر دليلا.

وأمّا ثالثا : فبانّ الموجود الّذي يقع به الانتقال إلى الواجب انّما هو افراده الّتي هي معلولة ، والفرد الّذي هو غير معلول لم يقع به انتقال. ولا فرق بينه وبين الممكن والحادث.

ثمّ التأييد الّذي نقلناه عن بعضهم للوجه المذكور ـ : من كون / ٢٤ MB / الاستدلال لوجود المعلول على وجود علّة ما استدلالا لمّيا ـ لا يخفى فساده وضعفه وان نسبه الأكثرون إلى الشيخ ؛ لأنّ القريحة السليمة حاكمة بانّه لا فرق بين علّة ما والعلّة المعينة ، فانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلّة لمّي سواء كانت العلّة علّة ما أو علّة معينة ، وأيّ باعث للفرق؟!. والظاهر انّ نسبته إلى الشيخ فرية. وصرّح بعضهم بانّه ليس في كلمات الشيخ ما يدلّ عليه.

وأورد على الوجه المذكور : بانّه إذا كان العالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته علّة لكون الواجب صانعا للعالم لزم أن لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ صانعية العالم لذاته ، بل يتوقّف على ملاحظة حال العالم ، لأنّ صانعيته ـ تعالى ـ حينئذ معلولة لمصنوعية العالم كما هو شأن البرهان اللمّي. فلو قطع النظر عن مصنوعية العالم لم يثبت له صانعية(١)

__________________

(١) الاصل : لم يثبت لصانعه.

١٠٨

في ذاته ، فلا يجوز أن تكون مصنوعية العالم علّة لهذا الوجود الرابطي ـ وهو كون الواجب صانعا للعالم ـ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل : بانّ صانعية العالم يمكن اعتبارها من وجهين :

أحدهما : بحيث يكون وصفا للعالم ومعناها كون العالم بحيث يكون له صانع واجب الوجود بالذات ؛ وثانيهما : أن يكون وصفا لواجب ـ تعالى شأنه ـ. ومعناها حينئذ كون الواجب بحيث يكون صانعا للعالم ؛ وللعالم وصفان : أحدهما : المصنوعية والمجعولية ، والآخر : كونه ذا صانع جاعل ؛ والأوّل علّة للثاني والنتيجة هي كون العالم ذا صانع واجب الوجود بالذات ، لا كون الواجب صانع العالم ، فصورة القياس هكذا : العالم مصنوع ومجعول ، وكلّ مصنوع ومجعول ذو جاعل صانع واجب بذاته ، فالعالم ذو جاعل صانع واجب بالذات. وكون الواجب صانع العالم يظهر وينكشف بعد حقّية تلك النتيجة من غير احتياج إلى كسب ونظر ، وهذا الظهور بطريق الاتّفاق. فثبوت صانعية العالم للواجب انّما هو بالنظر إلى ذاته لا بواسطة أمر ؛ غاية ما فى الباب انّه ينكشف عندنا بعد حقّية ذلك القياس. ونظير هذا انّ التصديق قد يكون خفيا وبعد تصوّر الطرفين يصير بديهيا ، إلاّ أنّ تصوّر الطرفين كاسب له لأنّ التصديق لا يكون مكتسبا من التصوّر ، فحقّية كون الواجب صانع العالم لازمة لحقّية ذلك القياس ، لكن هذا اللزوم ليس لزوما اصطلاحيا بأن يكون حقّية القياس المذكور ملزومة لحقّية كون الواجب صانع العالم وعلّة بالقياس إليه ، لأنّ كلّ ملزوم اصطلاحي علّة للازمه ، وثبوت صانعية العالم له ـ تعالى ـ ليس معلّلا بغير ذاته أصلا ، فاللزوم فيها بالمعنى اللغوي ـ يعني : انّه لا ينفكّ أحد العلمين عن الآخر ـ. لانّه إذا ثبت القياس المذكور يصير كون الواجب صانع العالم بديهيا لا يحتاج إلى فكر ونظر اصلا ، فكون(١) الواجب صانع العالم ثابت له باعتبار ذاته بلا علّة غير ذاته.

ويمكن أن يقال : كون الواجب صانع العالم قد ظهر حقّيته بصحابة اللمّ إلاّ أنّ له دليلا لمّيا ؛ انتهى.

__________________

(١) الاصل : فيكون.

١٠٩

واقول : هذا الجواب بطوله ممّا لا يجدي طائلا ، بل هو فاسد! ، لأنّ القول بانّ ظهور كون الواجب صانع العالم انّما هو بطريق الاتفاق ممّا لا معنى له ، والقرائح السليمة لا تقبله ؛ فانّه لا ريب في أنّ صانعيته ـ تعالى ـ للعالم انّما يعلم من مصنوعية للعالم ، ولولاها لم يكن لنا إليها سبيل. بل لو لم يتحقّق المصنوعية في الخارج لم تتحقّق صانعية فيه. نعم! ، يمكن القول بانّ الانتقال من هذا الوجود الرابطي ـ أعني : كونه صانعا ـ إلى الوجود الحقيقيّ انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، لانّ تحقّق الوجود الارتباطى لا يمكن إلاّ بعد تحقّق الوجود في نفسه.

فالحقّ في الجواب عن الشبهة أن يقال : لا مانع من توقّف هذا الوجود الاضافي الارتباطى ـ أعني : ثبوت صانعية العالم للواجب تعالى شأنه ـ على غيره ـ أعني : مصنوعية العالم وعدم ثبوتها له في ذاته ـ ، فانّ المصنوعية والصانعية متضايفتان وتوقّف ثبوت أحد المتضايفين على الآخر ذهنا وخارجا ممّا لا ينكر. وهل هذا مثل الرّازقية والمرزوقية؟ ، فانّه لا ريب في انّه لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ رازقية / ٢٤ DB / زيد بدون وجود زيد المرزوق ، بل هي موقوفة عليه. والسرّ انّ مثل الصانعيّة والخالقيّة والرازقيّة وأمثالها من صفات الفعل الّتي لا تتحقّق بدون متعلّقاتها. والحاصل : انّ عدم ثبوت الوجود الرابطي للواجب بالنظر إلى ذاته وتوقّفه على غيره لا منع فيه ، إلاّ أنّ ارجاع البراهين إلى اثبات مثل هذا الوجود ليصير لمّية ممّا لا فائدة / ٢٥ MA / فيه ولا يجدي طائلا ـ كما عرفت ـ.

ثمّ لا يخفى بأنّ مثل هذه الشبهة جارية في الوجه الأوّل أيضا ، بان يقال : إذا كان اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن علّة لاشتماله على الفرد الواجب لزم أن يكون كون الواجب فردا للموجود المطلق معلولا لكون الممكن فردا للموجود المطلق ، فيلزم أن لا يثبت للواجب ـ جلّ وعزّ ـ كونه فردا للموجود المطلق باعتبار ذاته ، بل بملاحظة علته ؛ وهي اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن واحتياجه إلى العلّة. فمع قطع النظر عن هذه العلّة في نفس الأمر يلزم عدم معلولها في نفس الأمر فيلزم أن لا يكون الواجب فردا للموجود المطلق في ذاته ؛ وهو باطل. لأنّ كون الواجب فردا للموجود

١١٠

ثابت له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته وإن قطع النظر عن جميع ما عداه.

والجواب على النحو الّذي نقلناه عن بعض الأفاضل(١) مع ما يرد عليه يعلم ممّا مرّ ، وعلى ما ذكرناه ظاهر ؛ فلا نطيل الكلام بالاعادة.

ومنها : ما ذكره بعض الأفاضل ، وهو أنّ طبيعة الوجوب لمّا كانت طبيعة ناعتية لطبيعة الوجود عارضة لها فهي متأخّرة بالذات عنها ـ كما يظهر من تتبع عبارات الشفا وغيره ـ ، فيكون الموجود بما هو موجود متقدما بالذات على الموجود بما هو واجب والواجب بما هو واجب ، وهذا لا ينافى ما هو المشهور من « أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد » ، لأنّ المراد منه انّ الماهية ما لم يتصف في مرتبة العقل وجودها بصفة الوجوب لم يمكن أن يوجد ، لأنّ اتصاف الشيء في الخارج بصفة الوجوب متقدّم على تحقّقه فيه ، اذ اتصافه بها في الذهن متقدّم على ثبوته فيه. إذا تمهّد هذا فلا يخفى عليك : انّ الاستدلال بالموجود بما هو موجود وانّ له فردا في الخارج على الواجب بما هو واجب وانّ له فردا خارجيا برهان لمّي بلا تعمّل وتكلّف لا انّي ، لأنّ ثبوت الفرد الخارجي

للموجود بما هو موجود متقدّم بالذات والطبع على ثبوت الفرد الخارجى للواجب بما هو واجب. ولا يتوهّم انّه يلزم على هذا أن يكون الواجب بما هو واجب معلولا لشيء ، إذ اللازم تقدّم اعتبار الوجود على اعتبار الوجوب ، وهو ليس بمستنكر ، إذ ذاته ـ تعالى ـ من جهة انّه مبدأ للآثار فرد للموجود ، والوجود من جهة انّه مبدأ لوثاقة الوجود فرد للواجب والوجوب ، والاعتبار الاوّل متقدّم بالذات على اعتبار الثاني ـ كما يقال في تقدّم وجوب الوجوب على ساير الصفات ، وفي تقدّم العلم والقدرة على الإرادة ـ. وطبيعة الوجود والموجود بما هو موجود متقدم على جميع الاشياء ، بل جميع الاعتبارات بالذات ، ولهذا جعل موضوعا للفلسفة الأولى. والمراد بما قال الشيخ وغيره : « انّه لا برهان عليه ـ تعالى ـ بل هو البرهان على كلّ شيء » : انّه لا برهان على ذاته من غيره ، لانّ ذاته باعتبار وملاحظة ليس ببرهان على نفسه باعتبار آخر ، أو بعض صفاته ليس برهانا على بعض آخر ؛ بل هو الشهيد عليه كما على غيره. ولهذا

__________________

(١) الاصل : + ظاهر.

١١١

بعينه صار هذا المنهج أشرف وأخصر من غيره المأخوذ فيه وجود الممكن أو الحادث أو المتحرّك شاهدا عليه ؛ انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه في غاية الفساد ، ولا يقبل الاصلاح بوجه. لانّ الوجود الّذي يمكن أن يتوهّم تقدّمه على الوجوب وعلّيته له انّما هو الوجود الخاصّ الواجبي والاستدلال لم يقع به ، لانّه عين المطلوب ، بل الاستدلال انّما وقع من الموجود المشاهد المعيّن أو من طبيعة الموجود باعتبار تحقّقها في ضمن موجود معيّن مشاهد ، والبديهة قاضية بانّه ليس متقدّما على الموجود بما هو واجب ولا علّة للواجب بما هو واجب ، كيف وجميع الموجودات المعلومة المشاهدة وطبيعة الموجود من حيث تحقّقها في ضمنها معلولة للواجب ومتأخّرة عن تحقّقه؟! ؛ فكيف يجوز أن تكون متقدّمة عليه وعلة له؟!. على أنّ تأخّر الوجوب لذاته عن الوجود الواجبي وتأخّر الوجوب لغيره عن ساير الوجودات غير مسلّم ، لانّ كلّ وجود ما لم ينسدّ عنه جميع انحاء العدم ولم يصل حدّ الوجوب لم يتحقّق في الخارج ، فالوجوب في مرتبة نفس الأمر ـ أي : العقل الفعّال ـ أو الحال الّذي للشيء في حدّ ذاته بلا تعمّل ـ أي : الّذي يكون / ٢٥ DA / بحيث إذا لاحظه العقل السليم حكم به بالبديهة أو البرهان ـ مقدّم على الوجود.

وما ذكره هذا الفاضل في بيان معنى المقدّمة المشهورة كلام خال عن التحصيل ، لانّه لا شكّ أنّ اتصاف الشيء بالوجود ليس له توقّف على أن يلاحظ العقل اتصافه بالوجوب ، وليس دليل يدلّ عليه ، بل / ٢٥ MB / الدليل انّما يدلّ على انّه يتوقّف على اتصافه به في نفس الأمر. على انّه إذا لم يكن له اتصاف بالوجوب قبل الوجود في نفس الأمر ولم يتحقّق حينئذ وجوب لكونه نفيا لما لم يتحقّق بعد ـ أعني : الوجود ـ لم يمكن للعقل أن يصفه به إلاّ بتعمّل ؛ وكيف يمكن للعقل الصحيح أن يحكم بما ليس له تحقّق في الواقع ونفس الأمر؟! ؛ ولو حكم به تعمّلا لم يكن فيه فائدة ، لأنّ الأمور النفس الأمرية لا تختلف ولا تتفاوت بمجرّد فرض العقل خلافه.

فان قيل : مراد هذا الفاضل بمرتبة العقل هو نفس الأمر ، فيكون مراده انّ الوجوب متقدّم على الوجود في نفس الأمر ؛

١١٢

قلنا : فيصير حينئذ حكمه بتقدّم الوجود على الوجوب وكونه نعتا للوجود باطلا ، لأنّه إذا كان الوجوب مقدّما على الوجود في نفس الأمر فالوجود في أيّ مرتبة يكون مقدّما على الوجود ، إذ لا يتصوّر حينئذ مرتبة وطرف يثبت فيه تأخّر الوجوب عن الوجود ، لانّ الاتصاف بالوجوب قبل الوجود وبعده ليس إلاّ بمعنى واحد ووجه واحد. فاذا كان هو متقدّما على الوجود في نفس الأمر فان فرض تأخّره أيضا لزم تأخّره في نفس الأمر ، وهو تناقض.

قيل : انّ الوجوب إمّا نعت للوجود أو كيفية للنسبة ، وعلى التقديرين يلزم تأخّره عن الوجود ؛ أمّا على التقدير الأوّل فظاهر ، إذ تأخّر الوصف عن الموصوف لا يقبل المنع ، وأمّا على التقدير الثاني فلأنّ النسبة الّتي بين الطرفين ـ أعني : الذات والوجود ـ متأخّرة عن الطرفين ، فيكون متأخّرة عن أحد الطرفين الّذي هو الوجود ، ولا ريب أنّ كيفية النسبة متأخّرة عن نفس النسبة المتأخّرة عن الوجود ، فيكون تلك الكيفية ـ أعني : الوجوب ـ متأخرة عن الوجود بمرتبتين. وحينئذ ينبغي إمّا أن يقال : الوجود مقدّم على الوجوب في نفس الأمر وتأوّل المقدّمة المشهورة ، أو يقال : يتقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وتحمل المقدّمة المشهورة عليه ويلتزم تأخّر الوجوب عن الوجود في الخارج لتصحّ الوصفية ، أو كونه كيفية للنسبة.

وأجاب بعضهم : أمّا أوّلا : باختيار الشقّ الثاني وادعاء كون الوجوب وصفا لنفس النسبة ومنع كون نفس النسبة متأخّرة عن الطرفين ، إذ المتأخّر عن الطرفين انّما هو وجود النسبة ـ لأنّه الفرع لوجود الطرفين دون نفسها ـ ، فلا يلزم تأخّر الوجوب عن الوجود ؛

وأمّا ثانيا : باختيار الأوّل ومنع لزوم تأخّر مثل هذا النعت عن الموصوف ـ أعني : الوجود ـ ، لانّه إن ادّعى انّ الثبوت الرابطي من الوجوب للوجود متأخّر عن ثبوت الوجود في نفسه فغير مسلّم ، بل ثبوت الشيء للشيء مستلزم لثبوته في نفسه لا فرع له ـ على ما هو التحقيق ـ ، وإن ادّعى انّ الثبوت في نفسه للوجوب متأخّر عن الثبوت في نفسه للوجود فغير مسلّم أيضا ، إذ الثبوت في نفسه للوجوب انّما هو بمعنى

١١٣

ثبوت ما ينتزع منه إلى موصوفه ، فإذا كان موصوفه الوجود فهو أيضا ثبوته كثبوت الوجود ، فرجع معنى ثبوت الوجوب في نفسه إلى ثبوت الذات المتّصفة بوجوب الوجود في نفسه ، فلا يكون متأخّرا عن ثبوت الوجود ؛ انتهى.

وأنت تعلم إنّ الجواب الّذي ذكره هذا البعض على اختيار الشق الثاني في غاية السقوط! ، لأنّ نفس النسبة أيضا متأخّرة عن الطرفين ، لكونها فرعا لوجود الطرفين ـ لأنّه ما لم يتحقّق الطرفان لم تتصوّر نسبة بينهما ـ. ولو سلّم عدم تأخّرها عنهما وعدم كونها فرعا لوجودهما فلا ريب في أنّها لا تكون متقدّمة عليهما ، بل تكون في مرتبتهما ، فالوجوب الّذي وصف لهما يجب أن يكون متأخّرا عنها ، وإذا كان متأخّرا عنها يكون متأخّرا عما هو في مرتبتها(١) ـ أعني : أحد الطرفين الّذي هو الوجود ـ.

امّا الجواب الّذي ذكره على اختيار الشقّ الأوّل فما ذكره أوّلا من حديث الاستلزام وانكار القاعدة الفرعية للجواب عن صورة ادّعاء تاخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه محلّ الكلام ، وكونه أصحّ القولين غير معلوم ، وتحقيق القول فيه لا يليق بهذا المقام ؛

وما ذكره ثانيا للجواب عن صورة ادّعاء تأخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه ، فحاصله : انّ الوجوب لمّا كان امرا اعتباريا انتزاعيا فليس له ثبوت على حدة كالصفات الحقيقية ، بل ثبوته انّما هو بمعنى ثبوت ما ينتزع عنه ـ كما هو الشأن في جميع الصفات الاعتبارية الانتزاعية ـ ، فمعنى ثبوت الوجوب في نفسه كمعنى ثبوت ساير الصفات الانتزاعية / ٢٥ DB / يرجع إلى ثبوت الذات المتّصفة به. ولمّا كان الوجود هنا هو الموصوف فمعنى ثبوته هو ثبوت الوجود في نفسه. وتلخيص الجواب على تقدير الادعاء الأوّل والثاني : انّ الوجود ليس إلاّ ذاتا بسيطة واحدة هي حقيقة الوجود الخاصّ ، والوجوب أمر انتزاعي له ، حمله عليه لا يقتضي / ٢٦ MA / التأخّر للاستلزام ، وليس له ثبوت في نفسه حتّى يلزم تأخّره للتعينية.

وأنت تعلم انّه يلزم على هذا أن لا يكون لشيء من الوجود والوجوب ـ سواء

__________________

(١) الاصل : ـ فالوجوب مرتبتها.

١١٤

كان لذاته أو لغيره ـ تقدّم وتأخّر على الآخر ، مع انّه هنا دلالتان متنافيتان إحداهما ـ وهي المقدّمة المشهورة ـ تدلّ على تقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وأخراهما ـ وهي كون الوجوب نعتا ـ تدل على العكس. وما ذكره هذا القائل يدلّ على أنّ كون الشيء نعتا ـ إذا كان انتزاعيا ـ لا يوجب تأخّره ، وبذلك يثبت التلازم والاتحاد في الوجود بين الوصف والموصوف. ولا ريب أنّه مخالف للدلالة الأولى ـ أعني : المقدّمة المشهورة ـ ، لاقتضائها تقدّم الوجوب ، وما ذكره لا يدفعها ولا يتخرّج منه جواب عنه.

فالحقّ في الجواب أن يقال : للموجود وجوبان : وجوب سابق ، ووجوب لاحق ، فالوجوب المقدّم على الوجود هو الوجوب السابق ، وليس هو نعتا للوجود لتقدّمه عليه وعلّيته له ـ وهو المراد من المقدّمة المشهورة ـ ، والوجوب الّذي هو نعت للوجود ومتأخّر عنه هو الوجوب اللاّحق. وإذا ثبت ذلك نقول : لا ريب في أنّ تقدّم الوجوب السابق على الوجود وتأخّر الوجوب اللاّحق عنه إنّما هو في الوجودات الامكانية ، ولا يتصوّر ذلك في واجب الوجود ، فانّ الوجوب فيه عين ذاته لا يتصوّر له تقدّم وتأخّر ، فالاستدلال بطبيعة الوجود على طبيعة الوجوب لو سلّم انّه استدلال من المتقدّم ـ أعني : الوجود ـ على المتأخّر ـ أعني : الوجوب ـ انّما يصحّ في الوجود والوجوب اللّذين للممكن دون الواجب ، لأنّ الاستدلال من وجود الواجب على وجوبه ليس استدلالا من المتقدّم على المتأخّر ، لأنّ الوجوب عين ذاته. مع أنّه وقع الاستدلال من الوجودات الامكانية ـ الّتي هي معلولات للواجب ـ على وجوب الوجود الّذي هو عين الواجب ، فأين ذلك من اللمّ؟!.

وبما ذكرنا ثبت وتحقّق انّ جميع براهين اثبات الواجب إنّية ولا يمكن الاستدلال عليه باللمّ.

ولكن هنا دقيقة لا بدّ أن يشار إليها ، وهو أن الأكثر علّلوا انتفاء طريق اللمّ في اثباته ـ تعالى ـ بانّه ـ تعالى ـ علّة لكلّ شيء بواسطة أو بدونها ، فبأيّ شيء استدلّ به عليه كان استدلالا من المعلول على العلّة ، فيكون إنّيا ولا يتصوّر طريق اللمّ.

١١٥

ويرد على هذا التعليل : انّ الثابت بالبرهان ليس إلاّ الوجود الرابطي لا الوجود الأصيل ، لانّ ما ثبت بالبرهان مطلقا يكون لا محالة مفادّا لقضية المستنتجة من مقدّماته ـ أعني : الحكم المطلوب ـ ، وحاصله إمّا ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه ـ أي : ثبوت الأكبر للأصغر أو نفيه عنه ـ ؛ ويقال لهذا الثبوت والنفي « الوجود والعدم الرابطيان » ، وأمّا ثبوت الأكبر في نفسه ـ أي : الوجود الأصيل ـ فليس مستفادا من القضية المذكورة ولا مستنتجا من البرهان.

وإذا كان الثابت بالبرهان هو وجوده الرابطي دون وجوده الأصيل ـ تعالى شأنه ـ فنقول : ما هو علّة لكلّ شيء انّما هو وجوده الأصيل ـ عزّ شأنه ـ لا وجوده الرابطي ، فيجوز أن يكون وجوده الرابطي معلولا لبعض الاشياء مع كون وجوده الأصيل علّة للجميع ؛ فتعليل الأكثر في إنّية هذه البراهين دون لمّيتها عليل ، لأنّ جميع هذه البراهين ـ سواء كان الربط فيها هو الموجود كما هو منهج الإلهيين ، أو المتحرّك كما هو طريقة الطبيعيين ، أو الحادث أو الممكن بشرط الحدوث كما هو مسلك المتكلّمين ـ لا يثبت منها إلاّ الوجودات الرابطية ـ أي : وجود موجد واجب بالذات للموجودات ومحرّك غير متحرّك للمتحرّكات ومحدث صانع للعالم ـ ، ولا دلالة لشيء منها على وجود اصيل بواحد من الموجد والمتحرّك والمحدث ، ولا يثبت برهان وجود أصيل لشيء مطلقا. فالعلّة في انية بعض البراهين ولمّية بعض آخر انّ الاوساط الّتي تؤخذ في البراهين إن كانت باعتبار النسبة الّتي بينها وبين الأصغر علّة للوجودات الرابطية الّتي هي مفاد البرهان في الواقع كما هي علّة لها(١) الذهن كانت البراهين لمّية ، وإلاّ كانت انية. والتحقيق أنّ شيئا من الأوساط المأخوذة في براهين اثبات الواجب باعتبار ثبوتها لموضوعاتها ليست علّة للوجودات الرابطية للواجب ـ تعالى ـ في الواقع ـ أعني : وجود موجد بالذات أو محرّك غير متحرّك أو محدث صانع للعالم ـ ، اذ لا تقدّم ذاتيا لكون الممكن موجودا أو متحرّكا أو حادثا على كونه ذا موجد أو ذا محرّك أو ذا محدث ، بل علّيتها له منحصرة في الذهن ؛ فلا ينعقد البرهان اللمّي على شيء من تلك المناهج.

__________________

(١) الاصل : كما هي عليها.

١١٦

فان قلت : إذا كان الحاصل من البراهين هو العلم بوجوده / ٢٦ MB / الرابطي ، فمن أين يحصل العلم بوجود الاصيل ـ تعالى شأنه ـ؟ ، مع انّا بعد تمام البرهان نقطع بوجوده الأصيل كما نقطع بوجوده الرابطي ؛

قلت : العلم بالوجود الأصيل بعد حصول العلم بالوجود الرابطي الّذي هو مقتضى البرهان انّما يحصل من انضمام مقدّمة خفية بديهية مركوزة في العقول إلى مقتضى البرهان ، فيترتّب معها ترتيبا سريعا خفيا يكون منتجا لهذا العلم ـ أي : العلم بوجوده الاصيل ـ. والظاهر انّ تلك المقدّمة / ٢٦ DA / الخفية هي ما ارتكز في العقول من أنّ الأمور العينية الّتي وجودها في أنفسها ممكن بالامكان العام إذا كانت معدومة في انفسها لا يمكن أن تكون موجودة لغيرها ، فاذا ثبت بالبرهان وجودها لغيرها انتقل الذهن بمعاونة هذه المقدّمة إلى وجودها في أنفسها أيضا من غير افتقار إلى تجشّم ترتيب المقدمات والاستنتاج. والظاهر انّ نظر من قال : الانتقال إلى الوجود الحقيقي انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، إلى ما قلناه ؛ وكذا نظر من قال : انّ الترتّب والانتاج لحصول هذا العلم انّما هو من قضايا قياساتها معها إلى ما ذكرناه ؛ لأنّ هذه القضايا هي القضايا المسمّاة « بالفطريات » ، المعرّفة « بقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عن العقل عند تصور الطرفين » ، كالحكم بأنّ الأربعة زوج ، لانقسامها بمتساويين ؛ هذا.

وقيل : حصول هذا العلم بعد حصول النتيجة من البرهان إنّما هو بطريق الاتّفاق كحصول التصديق بعد تصور الطرفين ؛ وهو كما ترى.

المنهج الثاني

منهج بعض الحكماء

وهو الاستدلال بمجرّد الامكان الوقوعي

والمراد به أن يكون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال ؛ والممكن بالامكان الذاتى اعمّ من أن يلزم من فرض وقوعه محال أم لا. وأنت خبير بأنّ ما مرّ من أدلّة الالهيين كانت مبتنية على اخذ الوجود بالفعل والاستدلال به على الواجب ؛

١١٧

والغرض من هذا المنهج أنّه يكفي الامكان الوقوعي والاستدلال عليه باجراء البراهين المذكورة من دون التمسّك بالوجود بالفعل(١) .

وتقريره : انّه لا شكّ في انّه يمكن أن يقع ممكن ما موجودا في الخارج ، وهذا الفرض لا يصحّ إلاّ مع وجود الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، اذ لولاه لزم من فرض وجوده محال ، وهو الدور ـ إذ امكان وقوع موجود ما على هذا التقدير يتوقّف على امكان وقوع ايجاد ما وبالعكس ـ. أو نقول : وقوع طبيعة الموجود بما هو موجود يجب أن يكون بلا مبدأ وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ووقوع طبيعة الممكن بما هو ممكن لا بدّ له من مبدأ ، فلو انحصر الموجود الممكن الوقوع في الممكن لزم التناقض. أو نقول : مجموع الأفراد الّتي يمكن وقوعها لا بدّ له من علّة ولا يمكن أن تكون العلّة هي المجموع ولا جزئه ، بل يكون أمرا خارجا عنه ، فعلى فرض عدم الواجب يلزم أن لا يكون ذلك المجموع ممكنا بالامكان الوقوعي ، وقس على ما ذكر ساير البراهين.

قال بعض الافاضل : ولا يخفى عليك سخافة هذا المنهج ، اذ لا يمكن دعوى الامكان الوقوعي لممكن إلاّ من جهة العلم بوجوده ، إذ ما لم يعلم ذلك احتمل عند العقل أن يكون وقوعه مستلزما لمحال ، سيّما مع ما يتراءى من لزوم الدور وغيره من المفاسد. وإذا كان العلم من جهة العلم بوجوده فالتمسّك به لا بالوجود من قبيل ما اشتهر من الظرافات : انّ رجلا من المستظرفين هيّأ مجمعا من الرجال وقال : إنّي أعددت لكم دواء نافعا جدّا لاجل البراغيث أمنّ عليكم ببيعه منكم ؛ فبعد ما اشتروه منه بالالتماس والمنّة سألوه عن كيفية حاله وطريقة استعماله؟ ؛

فقال : طريقه أن يؤخذ البرغوث ويذر الدواء في عينه حتّى يصير أعمى! ؛

قالوا : انّا إذا أخذنا البرغوث فلم لم نقتله ونسترح من هذه الزحمة؟ ،

فقال : هذا أيضا يكون ، انتهى.

وما ذكره جيّد.

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ج ٢ ص ٤٤٨. حيث اخذ الامام في طريقة الامكان ـ التى هي عنده معتمد الحكماء ـ وجود الموجودات بالفعل.

١١٨

المنهج الثالث

من مناهج الحكماء ، منهج الطبيعيّين منهم

وهو النظر في طبيعة الحركة

والمنقول عنهم في اثبات الواجب على هذا المنهج طريقان :

الطريقة الأولى : هي أنّ كلّ متحرّك سواء كانت الحركة في ذاته ـ كالممكنات المنتقلة من الليسية الذاتية إلى الايسية ـ أو في صفاته ـ كالمتحرّكات في الوضع والأين وغيرهما من المقولات ـ يحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة أمر حادث لا بدّ له من علّة ، واستناد كلّ حركة إلى محرّك من البديهيات العقلية. ولا يجوز أن يكون المحرّك عين المتحرّك ، لأنّ الشيء لا يجوز أن يكون محرّكا لنفسه ، فلا بدّ أن يكون المحرّك غير المتحرّك ويمتنع ذهاب سلسلة المحرّكات إلى غير النهاية ، فلا بدّ أن تنتهى سلسلة المحرّكات إلى محرّك أوّل غير متغيّر في صفاته / ٢٧ MA / ـ كالمتحرّك في المقولات المشهورة ـ ، ولا في ذاته ـ كالممكن المنتقل من الليس إلى الايس ـ. والمحرّك الأوّل الثابت الذات والصفات هو الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه(١) ـ.

وأورد عليه : بانّ الانتقال من الليس إلى الأيس إن اريد به الانتقال من العدم الممتدّ الوجود ـ أي : الحدوث الزماني ـ ؛ ففيه : انّ ذلك الانتقال ليس بحركة حقيقية ، إذ لا يوجد فيه التدريج المعتبر في الحركة ولو اصطلحوا على تسمية ذلك الانتقال مع كونه دفعيا حركة فلا مشاحة فيه ، إلاّ انّه بعينه هو / ٢٦ DB / الحدوث الّذي اعتبره المتكلّمون في طريقتهم ، فيرجع منهجهم إلى منهجهم. وإن اريد به الانتقال من العدم الصرف إلى الوجود ـ أي : الحدوث الدهري ـ أو الانتقال ممّا ثبت للممكن بالذات ـ أعني : عدم اقتضاء الوجود ـ إلى ما ثبت له بالغير ـ أعني : اقتضاء الوجود ـ ؛ ففيه : مع عدم كونه

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ، ج ٢ ص ٤٥١ ؛ شوارق الالهام ، ج ٢ ص ٤٩٥ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ٦ ص ٤٢.

١١٩

حركة أنّه يرجع إلى الايجاد الّذي اعتبره الالهيون ، فيرجع طريقة النظر في الحركة إلى طريقة النظر في الوجود ، ومجرّد تغيّر الألفاظ لا توجب الاختلاف في المعنى. وحينئذ فتتميم الحركة المأخوذة في الدليل بحيث يتناول الانتقال من الليس إلى الايس غير صحيح ، بل اللازم أن يحذف ذلك ويخصّ الحركة بالحركة في المقولات المشهورة ؛

وحينئذ يرد عليه : انّا لا نسلّم انّ ما ينتهى إليه سلسلة الحركات ـ أعني : المحرّك الأوّل ـ يجب أن يكون واجب الوجود بالذات وثابت الذات والصفات ، لجواز أن يكون ذلك المحرّك قديما آخر غير الواجب لم تكن له الحركة في المقولات الّتي سمّوها الحركة في الصفات ، وإن كان من العدم إلى الوجود لجسم أو جسماني ساكن غير متحرّك في مقولة أو نفس أو عقل ، فالحركة الأولى الكلّية أنّى تنتهي إليها سلسلة الحركات ـ أعني : الحركة الفلكية ـ يجوز أن يكون محرّكها هو طبيعة الفلك أو النفس الفلكية أو واحد من العقول. والحقّ أنّه لا يجوز أن تكون الحركة الفلكية طبيعية ولا مستندة إلى جسم ـ لما يأتي في طريقتهم الثانية ـ ، ولكن استنادها إلى النفوس الفلكية غير بعيد على ما ذهب إليه الحكماء ، إلاّ انّه يمكن أن يثبت المطلوب به ولكنّه يرجع إلى طريقتهم الثانية ، ويعرف حقيقتها.

الطريقة الثانية للطبيعيّين : إنّ حركات الأفلاك ليست مستندة إلى اجسامها ـ لامتناع كون الشيء محرّكا لنفسه ، نظرا إلى استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا من جهة واحدة ، كما بيّن في موضعه ـ ، ولا يجوز أن تكون تلك الحركات قسرية ـ إذ الحركة القسرية إنّما تكون إلى الجهة المخالفة لمقتضى الطبع فحيث لا طبع ، كما يأتي ، فلا قسر ـ.

وأيضا : الحركة القسرية لا تكون إلاّ إلى الوسط أو من الوسط ويمتنع أن يتحرّك الفلك إلى الوسط أو إلى الفوق لكونه محدّدا لهما بمركزه ومحيطه ، بل حركته إنّما هو على الوسط ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ ، فلا يكون قسرية. وأيضا : الحركة الأولى يجب أن تكون مبدعة لا بحركة ولا في زمان متقدّمة على جميع الحركات والحوادث بالطبع ، ولأجل ذلك لا يجوز أن تكون قديمة بالزمان ، لأنّ القديم بالزمان وان لم يسبقه العدم

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وُهَيْبِ(١) بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ لِلّهِ عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لَايَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ ، مِنْ ذلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ ، فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ ».(٢)

٣٧٧/ ١٠. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « مَا بَدَا لِلّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلَّا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ ».(٣)

٣٧٨/ ١١. عَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْدُ(٤) لَهُ مِنْ جَهْلٍ ».(٥)

٣٧٩/ ١٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ :

__________________

=يؤيّد ذلك ما ورد فيرجال الكشّي ، ص ٨ ، الرقم ١٨ من رواية ابن أبي عمير ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير.

(١) في « ألف ، بس » وحاشية « بر » : « وهب ». وهو سهو ؛ فقد أكثر وهيب [ بن حفص ] من الرواية عن أبي بصير. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ١٩ ، ص ٢١٤ - ٢١٩. ووهيب بن حفص هو المذكور فيرجال النجاشي ، ص ٤٣١ ، الرقم ١١٥٩ ؛ والفهرست للطوسي ، ص ٤٨٩ ، الرقم ٧٨٠ ؛ ورجال الطوسي ، ص ٣١٧ ، الرقم ٤٧٣٢. وما ورد في بعض الأسناد ورجال البرقي ، ص ٤١ ، من وهب بن حفص ، فهو محرّف ، كما يأتي بعض موارده.

(٢)بصائر الدرجات ، ص ١٠٩ ، ح ٢ ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير أو عمّن رواه ، عن ابن أبي عمير.وفيه ، ص ١١٠ ، ح ٧ و ٨ ؛ وص ١١١ ، ح ١٠ و ١٣ ؛ وص ١١٢ ، ح ١٤ ، ١٦ و ١٧ ؛ والأمالي للطوسي ، ص ٢١٥ ، المجلس ٨ ، ح ٣٧٥ ؛ بسند آخر مع اختلاف. وفيالكافي ، كتاب الحجّة ، باب أنّ الأئمّةعليهم‌السلام يعلمون جميع العلوم ، ح ٦٦٤ ؛ وبصائر الدرجات ، ص ١١٠ ، ح ٥ و ٦ ؛ وص ١١٢ ، ح ١٥ ، بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام مع اختلاف.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، ح ٤١٤.

(٣)تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ح ٧١ ، عن ابن سنان ، مع اختلاف يسير وزيادة.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٦. (٤) في تفسير العيّاشي : « لايبدو ».

(٥)تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، ذيل ح ٧١ ، عن ابن سنان ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٧.

٣٦١

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : هَلْ يَكُونُ الْيَوْمَ شَيْ‌ءٌ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ اللهِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَ : « لَا ، مَنْ قَالَ هذَا فَأَخْزَاهُ(١) اللهُ »(٢) . قُلْتُ : أَرَأَيْتَ ، مَا كَانَ وَ(٣) مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَلَيْسَ فِي عِلْمِ اللهِ؟ قَالَ(٤) : « بَلى(٥) ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ ».(٦)

٣٨٠/ ١٣. عَلِيٌّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ(٧) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « لَوْ عَلِمَ(٨) النَّاسُ مَا فِي الْقَوْلِ بِالْبَدَاءِ(٩) مِنَ الْأَجْرِ ، مَا فَتَرُوا عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ(١٠) ».(١١)

٣٨١/ ١٤. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو(١٢) الْكُوفِيِّ أَخِي يَحْيى ، عَنْ مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ(١٣) : « مَا تَنَبَّأَ(١٤) نَبِيٌّ قَطُّ حَتّى يُقِرَّ لِلّهِ(١٥) بِخَمْسِ(١٦) خِصَالٍ(١٧) : بِالْبَدَاءِ ، وَالْمَشِيئَةِ ، وَالسُّجُودِ ، وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَالطَّاعَةِ ».(١٨)

__________________

(١) « فأخزاه » أي فأذلّه وأهانه وأوقعه في بليّة وعذاب. اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٢٦ ( خزي ).

(٢) في « ف » : + « قال ».

(٣) في الوافي : « أرأيت » بدل « و ».

(٤) في حاشية « ف » : « فقال ».

(٥) في « ف » : + « كان ».

(٦)التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٨ ، بسنده عن الكليني.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٤ ، ح ٤١٨.

(٧) في « ض » : + « بن عيسى ».

(٨) في التوحيد : « لو يعلم ».

(٩) في « بر » : « في البداء ».

(١٠) في شرح صدر المتألّهين : « به ».

(١١)التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٧ ، بسنده عن الكليني.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤١٠.

(١٢) في حاشية « ض » : « عمر ».

(١٣) في « ف » : « قال ».

(١٤) « تنبّأ » مطاوع نبأ ، أي قَبِل النبوّة فصار نبيّاً. تعورف استعماله فيمن يدّعي النبوّة كذباً ، ولكن من حقّه أن يصحّ استعماله في النبيّ المحقّ كما هاهنا. ا ُ نظر :المفردات للراغب ، ص ٧٨٩ ( نبأ ).

(١٥) وفي المحاسن : - « لله ».

(١٦) في المحاسن : « بخمسة ».

(١٧) في « ب ، ج ، ض ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي والمحاسن والتوحيد : - « خصال ».

(١٨)المحاسن ، ص ٢٣٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٩٠. وفيالتوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٥ ، بسنده عن مرازم بن حكيمالوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤٠٨.

٣٦٢

٣٨٢/ ١٥. وَبِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ(١) يُونُسَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ(٢) ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَخْبَرَ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بِمَا كَانَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا ، وَبِمَا يَكُونُ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَحْتُومِ مِنْ(٣) ذلِكَ ، وَاسْتَثْنى عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ(٤) ».(٥)

٣٨٣/ ١٦. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ(٦) ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ :

__________________

(١) كذا في النسخ والمطبوع. والظاهر أنّ الصواب : « بن » بدل « عن ». نبّه على ذلك العلّامة الخبير السيّد موسى ‌الشبيري دام ظلّه. وبما أنّ المقام لايسع التفصيل ، نشير إلى بعض الاُمور اختصاراً :

الأوّل : أنّ جعفر بن محمّد في مشايخ أحمد بن محمّد - وهو ابن خالد كما هو واضح - ينصرف إلى جعفر بن محمّد الأشعري ، وهو لايروي في أسناد أحمد إلّاعن القدّاح عبدالله بن ميمون ، راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٤ ، ص ٤٢٥ - ٤٢٧.

الثاني : أنّ ما ورد في بعض الأسناد من رواية جعفر بن محمّد عن يونس - كما فيالكافي ، ح ٣٤٣٢ وبصائر الدرجات ، ص ٢٥٦ ، ح ٩ - مصحّف وقد ورد في بعض النسخ المعتبرة من الكتابين : « جعفر بن محمّد بن يونس » على الصواب.

وأمّا ما ورد فيالكافي ، ح ١١٨٥٧ ، من رواية أحمد بن محمّد بن خالد عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، عن يونس ، فهو مأخوذ منالمحاسن ، ج ٢ ، ص ٤٨١ ، ح ٥٢١ ، وفيه : « جعفر بن محمّد عن يونس بن مرازم » ، مضافاً إلى أنّ سند المحاسن نفسه ، مختلّ.

الثالث : أنّه لم يثبت رواية من يسمّى بجعفر بن محمّد عن يونس - وهو ابن عبدالرحمن بمقتضى الطبقة - إلّافي بعض الأسناد المحرّفة ، أو المشكوك صحّتها. راجع : ما يأتي في ذيل ح ٣٨٠٤.

الرابع : أنّ أحمد بن محمّد بن خالد روى نوادر جعفر بن محمّد بن يونس الأحول كما فيرجال النجاشي ، ص ١٢٠ ، الرقم ٣٠٧ ، وروى عنه بعنوان جعفر بن محمّد الأحول فيالمحاسن ، ص ٥١٤ ، ح ٧٠٠.

(٢) في « ب ، ف ، بح » والوافي : « جهم بن أبي جهم ». والظاهر أنّ الرجل هو جهيم بن أبي جهم ، ويقال : ابن أبي جهمة ، راجع :رجال النجاشي ، ص ١٣١ ، الرقم ٣٣٨.

(٣) في « بح » : « بالمختوم عن ».

(٤) في حاشية « بح ، بر ، بف » وحاشية شرح صدر المتألّهين : « سوى ذلك ».

(٥)الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٥ ، ح ٤١٩.

(٦) الخبر رواه الصدوق فيالتوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٦ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن الريّان بن الصّلت.

٣٦٣

سَمِعْتُ الرِّضَاعليه‌السلام يَقُولُ : « مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً قَطُّ(١) إِلَّا بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَأَنْ يُقِرَّ لِلّهِ بِالْبَدَاءِ(٢) ».(٣)

٣٨٤/ ١٧. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ :

سُئِلَ الْعَالِمُعليه‌السلام : كَيْفَ عِلْمُ(٤) اللهِ؟ قَالَ : « عَلِمَ وَشَاءَ ، وَأَرَادَ وَقَدَّرَ ، وَقَضى وَأَمْضى(٥) ؛ فَأَمْضى مَا قَضى ، وَقَضى مَا قَدَّرَ ، وَقَدَّرَ مَا أَرَادَ ؛ فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ ، وَبِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ الْإِرَادَةُ ، وَبِإِرَادَتِهِ كَانَ التَّقْدِيرُ ، وَبِتَقْدِيرِهِ كَانَ الْقَضَاءُ ، وَبِقَضَائِهِ كَانَ الْإِمْضَاءُ ، وَالْعِلْمُ(٦) مُتَقَدِّمٌ(٧) عَلَى(٨) الْمَشِيئَةِ ، وَالْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ ، وَالْإِرَادَةُ ثَالِثَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْإِمْضَاءِ ؛ فَلِلّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتى شَاءَ ، وَفِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ ، فَلَا بَدَاءَ ، فَالْعِلْمُ بِالْمَعْلُومِ(٩) قَبْلَ كَوْنِهِ ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَأ ِ(١٠)

__________________

=وورد مضمون الخبر مع زيادة فيالتهذيب ، ج ٩ ، ص ١٠٢ ، ح ٤٤٦ ؛ والغيبة للطوسي ، ص ٤٣٠ ؛ وعيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ١٥ ، ح ٣٣ ، عن عليّ بن إبراهيم [ بن هاشم ] ، عن الريّان بن الصلت بلا واسطة ، إلّا أنّ في بعض نسخ التهذيب زيادة « عن أبيه » بينهما. وقد روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه كتاب الريّان بن الصلت ، كما فيالفهرست للطوسي ، ص ١٩٥ ، الرقم ٢٩٥.

(١) في الوسائل والتهذيب وتفسير القمّي والعيون والغيبة : - « قطّ ».

(٢) في الوسائل والتهذيب وتفسير القمّي والعيون والغيبة : + « أن يفعل الله مايشاء ، وأن يكون في تراثه الكندر ».

(٣)التهذيب ، ج ٩ ، ص ١٠٢ ، ح ١٨١ بسنده عن الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن الريّان بن الصلت. وفيالتوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٦ ؛ وعيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ١٥ ، ح ٣٣ ؛ والغيبة للطوسي ، ص ٤٣٠ ، ح ٤١٩ ، بسندهما عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن الريّان بن الصلت.تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ١٩٤ ، مرسلاً عن ياسر عن الرضاعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥١١ ، ح ٤٠٩ ؛الوسائل ، ج ٢٥ ، ص ٣٠٠ ، ح ٣١٩٥٧.

(٤) في « ب ، ج ، ض ، بح » : « عَلِمَ » بصيغة الماضي.

(٥) في التوحيد : « وأبدى ».

(٦) في « بح » والتوحيد : « فالعلم ».

(٧) في حاشية « بف » والوافي : « يتقدّم ».

(٨) في « ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » والوافي : - « على ».

(٩) هكذا في « ب ، ض ، ف ، بح » وحاشية « بر » وشرح المازندراني والوافي والتوحيد. وفي المطبوع وباقي‌النسخ : « في المعلوم».

(١٠) في حاشية « بح » : « المشاء » ، والأنسب : « المـَشِي‌ء ». وفي مرآة العقول : « وفي المـُشاء المشيئة قبل عينه ووجوده العيني. وفي أكثر النسخ : المنشأ ، ولعلّ المراد الإنشاء ».

٣٦٤

قَبْلَ عَيْنِهِ ، وَالْإِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ لِهذِهِ الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَتَوْصِيلِهَا عِيَاناً وَوَقْتاً(١) ، وَالْقَضَاءُ بِالْإِمْضَاءِ هُوَ الْمُبْرَمُ مِنَ(٢) الْمَفْعُولاتِ ذَوَاتِ(٣) الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي(٤) لَوْنٍ وَرِيحٍ وَوَزْنٍ وَكَيْلٍ ، وَمَا دَبَّ وَدَرَجَ(٥) مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، فَلِلّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ(٦) ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ ، فَلَا بَدَاءَ ، وَاللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(٧) ؛ فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا ؛ وَبِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ(٨) صِفَاتِهَا وَحُدُودَهَا ، وَأَنْشَأَهَا(٩) قَبْلَ إِظْهَارِهَا ؛ وَبِالْإِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي(١٠) أَلْوَانِهَا وَصِفَاتِهَا(١١) ؛ وَبِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا(١٢) وَعَرَّفَ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا ؛ وَبِالْقَضَاءِ أَبَانَ(١٣) لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا ؛ وَبِالْإِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا ، وَأَبَانَ أَمْرَهَا ، وَذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(١٤) ».(١٥)

__________________

(١) في التوحيد : « وقياماً ».

(٢) الظاهر أنّ « من » متعلّق بالمبرم صلةً له أو بياناً. و « ذوات الأجسام » ابتداء الكلام ، أو بيان للمفعولات ، أو بدل منه. ويحتمل كون « من المفعولات » من الكلام المستأنف وتعلّقه بما بعده ، وجعلها بياناً للمعلومات بعيد. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٤٥ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٤٤.

(٣) في « ب » وحاشية « ض » : « وذوات ».

(٤) في « ب ، بر ، بف » والوافي والتوحيد : « ذي ».

(٥) فيشرح المازندراني : « الدبيب والدُروج : المشي على الأرض. والمراد هنا مطلق الحركة وإن كان في الهواء ». وانظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ١٢٤ و ٣١٣ ( دبب ) و ( درج ).

(٦) فيشرح المازندراني : « ممّا لا عين له حال عن الضمير المجرور في قوله : فيه ».

(٧) فيشرح المازندراني : « والله يفعل مايشاء ، الظاهر أنّه تأكيد لثبوت البداء له تعالى ، ويحتمل أن يكون بياناً وتعليلاً لعدم ثبوت البداء له في المفعولات العينيّة المدركة بالحواسّ ».

(٨) فيشرح المازندراني : « الظاهر أنّ « عرف » من المعرفة لا من التعريف ». وقال في مرآة العقول : « فقوله : « بالمشيّة عرّف » على صيغة التفعيل ». والنسخ أيضاً مختلفة.

(٩) في « ج ، بر » وشرح صدر المتألّهين : « وإنشاؤها ».

(١٠) في « ب » وحاشية « ض » : « من ».

(١١) في التوحيد : + « وحدودها ».

(١٢) في‌حاشية « بس ، بف » والتوحيد : « أوقاتها ».

(١٣) في « بس » : « بان ».

(١٤) في « ج ، بر » : + « جلّ وعلا وتقدّس ».

(١٥)التوحيد ، ص ٣٣٤ ، ح ٩ ، بسنده عن الكليني.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٧ ، ح ٤٢٠.

٣٦٥

٢٥ - بَابٌ فِي أنَّهُ لَايَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‌(١) إِلَّابِسَبْعَةٍ

٣٨٥/ ١. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛

وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعاً ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ(٢) ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ جَمِيعاً :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، أَنَّهُ قَالَ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ(٣) إِلَّا بِهذِهِ الْخِصَالِ السَّبْعِ : بِمَشِيئَةٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَقَدَرٍ ، وَقَضَاءٍ ، وَإِذْنٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلى نَقْضِ وَاحِدَةٍ(٤) ، فَقَدْ كَفَرَ ».(٥)

* وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنِ مُسْكَانَ مِثْلَهُ(٦) .

٣٨٦/ ٢. وَرَوَاهُ أَيْضاً عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍعليهما‌السلام ، قَالَ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ(٧) إِلَّا بِسَبْعٍ : بِقَضَاءٍ ، وَقَدَرٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَمَشِيئَةٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، وَإِذْنٍ ، فَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هذَا ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ ، أَوْ رَدَّ(٨) ................................................ ‌

__________________

(١) في « ف » : « ولا في الأرض ».

(٢) في « بر » : « عمار ». والرجل مجهول لم نعرفه.

(٣) في « ف » : « في السماء ولا في الأرض ».

(٤) في المحاسن : « على نقص واحدة منهنّ ».

(٥)المحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٢٣٦ عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن محمّد بن عمارة ، عن حريز بن عبدالله وعبدالله بن مسكان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢١.

(٦)الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢١.

(٧) في « ب » : « في الأرض ولا في السماوات ». وفي « ج » : « السماء » بدل « السماوات ».

(٨) الترديد والشكّ من الراوي ، لا من الإمامعليه‌السلام . اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩١ ؛شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٥٥ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٥١.

٣٦٦

عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ».(١)

٢٦ - بَابُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ‌

٣٨٧/ ١. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍعليهما‌السلام يَقُولُ : « لَا يَكُونُ شَيْ‌ءٌ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى(٢) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « شَاءَ »؟ قَالَ : « ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ(٣) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « قَدَّرَ »؟ قَالَ : « تَقْدِيرُ الشَّيْ‌ءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ(٤) ».

قُلْتُ : مَا مَعْنى « قَضى »؟ قَالَ : « إِذَا قَضى(٥) أَمْضَاهُ ، فَذلِكَ الَّذِي لَامَرَدَّ لَهُ(٦) ».(٧)

__________________

(١)الخصال ، ص ٣٥٩ ، باب السبعة ، ح ٤٦ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم ، عن أبي عبدالله البرقي.الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢٢.

(٢) في « ف » : « وقضى وقدّر ». وفي « ف » والمحاسن : + « قال ».

(٣) في الوافي والمحاسن+: « قلت : فما ( الوافي : ما ) معنى أراد؟ قال : الثبوت عليه ».

(٤) في « ف » : + « قال ». وفي حاشية « ف » : + « ثمّ ». (٥) في حاشية ميرزا رفيعا والمحاسن : « قضاه ».

(٦) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « لاريب أنّ لنا في أفعالنا الاختياريّة مشيئة وإرادة وتقديراً وقضاء وهو الحكم البتّي ، وحيث عدّ الله سبحانه الموجودات أفعالاً لنفسه ، صادرة عن علمه وقدرته ، لم يكن بدّ من أن نذعن في فعله بالجهات التي لايخلو عنها فعل اختياريّ من المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء ؛ فالمشيئة والإرادة هما المعنى الذي لابدّ في الفعل الاختياري من تحقّقه في نفس الفاعل منّا بعد العلم وقبل الفعل ، وهذا المعنى من حيث ارتباطه بالفاعل يسمّى مشيئة ، ومن حيث ارتباطه بالفعل يسمّى إرادة ، والتقدير تعيين مقدار الفعل من حيث تعلّق المشيئة به. والقضاء هو الحكم الأخير الذي لاواسطة بينه وبين الفعل ؛ مثلاً إذا قرّبنا ناراً من قطن ، والنار مقتضية للاحتراق ، ينتزع من المورد مشيئة الإحراق ، ثمّ بزيادة قربها إرادة الإحراق ، ثمّ من كيفيّة قربها وشكل القطن ووضعه منها وسائر ما يقارن المورد تقدير الإحراق ، فإن كان القطن مثلاً مرطوباً لايؤثّر فيه =

٣٦٧

٣٨٨/ ٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى؟ قَالَ : « نَعَمْ ». قُلْتُ : وَأَحَبَّ؟ قَالَ : « لَا ».قُلْتُ : وَكَيْفَ(١) شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى وَلَمْ يُحِبَّ؟!

قَالَ : « هكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا(٢) ».(٣)

٣٨٩/ ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : « أَمَرَ اللهُ وَلَمْ يَشَأْ ، وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ(٤) ؛ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ ، وَشَاءَ أَنْ لَايَسْجُدَ ، وَلَوْ شَاءَ(٥) لَسَجَدَ ، وَنَهى آدَمَ عَنْ أَكْلِ‌

__________________

=النار ، كان ذلك بداء لظهور ما كان خفيّاً من الفعل ، وإن كان يابساً لا مانع معه من الاحتراق ، كان ذلك قضاء وإمضاء وهو الاحتراق والإحراق ؛ وبذلك يتحقّق في كلّ حادث حدث عن أسبابه من حيث تهيّؤ سببه مشيئة وتمام التهيّؤ وتحقّق محلّ الفعل ، وتحقّق آخر جزء من سببه مشيئة وإرادة وقدر ، وقضاء هو الإمضاء والإجراء ».

(٧)المحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ح ٢٣٧ ، بهذا السند ، وبسند آخر : عن أبيه ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام .الوافي ، ج ١ ، ص ٥١٩ ، ح ٤٢٣.

(١) في حاشية « ف » : « فكيف ».

(٢) لايبعد أن يكون إمساكهعليه‌السلام عن الجواب والكلام في حبّ الله تعالى لأجل ما يتوهّم فيه من الحدوث والتغيّر مع دقّة الجواب وقصور فهم الأكثرين. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٢ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٠ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥٦.

وقال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « الحبّ حبّان : حبّ تكوينيّ يتعلّق بوجود الشي‌ء من حيث هو وجوده ، وحبّ تشريعيّ يتعلّق بالشي‌ء من حيث هو حسن جميل ، ولا يتعلّق بالقبيح أبداً ؛ وكأنّ عدم استعداد ذهن السائل عن إدراك الفرق بينهما استدعى إضرابهعليه‌السلام عن جواب سؤاله ».

(٣)المحاسن ، ص ٢٤٥ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٢٣٩ ، بسند آخر مع اختلاف يسير وزيادة.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٠ ، ح ٤٢٤.

(٤) في « ف » : « ولم يأمر وشاء و ».

(٥) في « ف » : + « أن يسجد ».

٣٦٨

الشَّجَرَةِ ، وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ(١) ».(٢)

٣٩٠/ ٤. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيِّ(٣) ؛

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعاً ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ :

عَنْ أَبِي الْحَسَنِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ لِلّهِ اِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ : إِرَادَةَ حَتْمٍ ، وَإِرَادَةَ عَزْمٍ ، يَنْهى وَهُوَ يَشَاءُ ، وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَايَشَاءُ ؛ أَوَمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ نَهى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذلِكَ؟ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا(٤) مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالى ، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ(٥) وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ ، وَلَوْ شَاءَ(٦) ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَةَ اللهِ(٧) تَعَالى(٨) ».(٩)

__________________

(١) ظاهر الخبر يدلّ على الجبر ، وهو معلوم البطلان من مذهبنا الإماميّة ، فوجب التأويل إن أمكن ، وإلّا يردّ الخبر أو يحمل على التقيّة. وكذلك الأخبار الآتية. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٢ ؛شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٥٩ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٢ ؛مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥٧.

(٢)الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢١ ، ح ٤٢٥.

(٣) في « ألف ، و ، بس » : « الهمذاني ».

(٤) في « ض ، بح ، بس » وشرح صدر المتألّهين : « شهوتهما ».

(٥) في حاشية « ض » والتوحيد : « إسماعيل ». وكون الذبيح إسحاقعليه‌السلام خلاف المشهور بأنّه إسماعيلعليه‌السلام ، ودلّت‌عليه الأخبار المستفيضة ، فيحمل الخبر على التقيّة ، أو يأوّل بأنّ المأمور به أوّلاً ذبح إسحاقعليه‌السلام ثمّ نسخ واُمر بذبح إسماعيلعليه‌السلام . اُنظر :مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٢.

(٦) في « ض » وحاشية « ج » والوافي : + « أن يذبحه ».

(٧) محبّته الطبيعيّة للولد وشوق بقائه لاينافي التسليم والرضا لأمر الله تعالى ، فحاشا الخليلعليه‌السلام أن يشاء ما لا يشاء الله تعالى. اُنظرشرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٣ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٣.

(٨) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « للمشيئة والإرادة انقسام إلى الإرادة التكوينيّة الحقيقيّة ، والإرادة التشريعيّة الاعتباريّة ، فإنّ إرادة الإنسان التي تتعلّق بفعل نفسه نسبة حقيقيّة تكوينيّة تؤثّر في الأعضاء الانبعات إلى الفعل ، ويستحيل معها تخلّفها عن المطاوعة إلّالمانع ؛ وأمّا الإرادة التي تتعلّق منّا بفعل الغير ، كما إذا أمرنا بشي‌ء ، أو نهينا عن شي‌ء ، فإنّها إرادة بحسب الوضع والاعتبار ، لا تتعلّق بفعل الغير تكوينيّاً ؛ فإنّ إرادة كلّ شخص إنّما تتعلّق بفعل نفسه من طريق الأعضاء والعضلات ، ومن هنا كانت إرادة الفعل أو الترك من الغير لا تؤثّر في =

٣٦٩

٣٩١/ ٥. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « شَاءَ وَأَرَادَ

، وَلَمْ يُحِبَّ وَلَمْ يَرْضَ ؛ شَاءَ أَنْ لَايَكُونَ(١) شَيْ‌ءٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ ، وَأَرَادَ مِثْلَ ذلِكَ ، وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُقَالَ(٢) : ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ».(٣)

٣٩٢/ ٦. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي‌نَصْرٍ(٤) ،

__________________

=الفعل بالإيجاد والإعدام ، بل تتوقّف على الإرادة التكوينيّة من الغير بفعل نفسه حتّى يوجد أو يترك عن اختيار فاعله ، لا عن اختيار آمره وناهيه. إذا عرفت ذلك علمت أنّ الإرادتين يمكن أن تختلفا من غير ملازمة ، كما أنّ المعتاد بفعل قبيح ربّما ينهى نفسه عن الفعل بالتلقين ، وهو يفعل من جهة إلزام ملكته الرذيلة الراسخة ، فهو يشاء الفعل بإرادة تكوينيّة ، ولا يشاؤه بإرادة تشريعيّة ، ولا يقع إلّاما تعلّقت به الإرادة التكوينيّة ، والإرادة التكوينيّة هي التي يسمّيهاعليه‌السلام بإرادة حتم ، والتشريعيّة هي التي يسمّيها بإرادة عزم.

وإرادته تعالى التكوينيّة تتعلّق بالشي‌ء من حيث هو موجود ، ولا موجود إلّاوله نسبة الإيجاد إليه تعالى بوجوده ، بنحو يليق بساحة قدسه تعالى ؛ وإرادته التشريعيّة تتعلّق بالفعل من حيث أنّه حسن وصالح غير القبيح الفاسد ، فإذا تحقّق فعل موجود قبيح ، كان منسوباً إليه تعالى من حيث الإرادة التكوينيّة بوجه ، ولو لم يرده لم يوجد ؛ ولم يكن منسوباً إليه تعالى من حيث الإرادة التشريعيّة ؛ فإنّ الله لا يأمر بالفحشاء.

فقولهعليه‌السلام : إنّ الله نهى آدمعليه‌السلام عن الأكل ، وشاء ذلك ، وأمر إبراهيمعليه‌السلام بالذبح ، ولم يشأه ، أراد بالأمر والنهي التشريعيّين منهما ، وبالمشيئة وعدمها التكوينيّين منهما.

واعلم أنّ الرواية مشتملة على كون المأمور بالذبح إسحاق ، دون إسماعيل ، وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة ».

(٩)التوحيد ، ص ٦٤ ، ضمن الحديث الطويل ح ١٨ ، بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني مع اختلاف يسير. وراجع :فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٤١٠.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٢ ، ح ٤٢٦.

(١) في التوحيد ، ص ٣٤٣ : + « في ملكه ».

(٢) في التوحيد والمعاني : + « له ».

(٣)التوحيد ، ص ٣٣٩ ، ح ٩ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ؛وفيه ، ص ٣٤٣ ، ح ١٢ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم ، مع زيادة في أوّله.معاني الأخبار ، ص ١٧٠ ، ح ١ ، بسند آخر. وراجع :تصحيح الاعتقاد ، ص ٤٨.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٣ ، ح ٤٢٧.

(٤) هكذا في « ألف ، ب ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وحاشية « جر ». وفي « ج » : « محمّد بن يحيى ، عن =

٣٧٠

قَالَ :

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَاعليه‌السلام : « قَالَ اللهُ : ابْنَ(١) آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ، جَعَلْتُكَ سَمِيعاً بَصِيراً قَوِيّاً( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (٢) وَذَاكَ(٣) أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذَاكَ(٤) أَنَّنِي(٥) لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(٦) ».(٧)

٢٧ - بَابُ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ‌

٣٩٣/ ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ :

__________________

=أحمد بن محمّد بن أبي نصر » وفي « جر » والمطبوع : « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ». وما ورد في « ج » سهو واضح ؛ لعدم ثبوت رواية محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

(١) هكذا في النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع : « [ يا ] ابن ».

(٢) النساء (٤) : ٧٩.

(٣) في « ب ، بف » والوافي وقرب الإسناد وفقه الرضا : « وذلك ».

(٤) في « ب ، بف » وقرب الإسناد وفقه الرضا : « ذلك ».

(٥) في « ج ، بر » وحاشية « بف » ومرآة العقول والوافي وقرب الإسناد : « أنّي ».

(٦) في الوافي : + « صدق الله ». وهي إشارة إلى الآية ٢٣ من سورة الأنبياء (٢١) :( لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) .

(٧)قرب الإسناد ، ص ٣٥٤ ، ح ١٢٦٧ ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح ٤١٢ ، بسند آخر ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرضا ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛ وفيالتوحيد ، ص ٣٨٨ ، ح ٦ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ١٤٤ ، ح ٤٩ ، بسنده فيهما عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر. وفيالمحاسن ، ص ٢٤٤ ، كتاب مصابيح الظلم ، ذيل ح ٢٣٨ ، بسند آخر.تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٢٥٨ ، ح ٢٠٠ ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسنعليه‌السلام .فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٣٤٩ ، وفي كلّها مع زيادة يسيرة في أوّله وآخره.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٣٠.

٣٧١

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « مَا مِنْ قَبْضٍ وَلَا بَسْطٍ(١) إِلَّا وَلِلّهِ فِيهِ مَشِيئَةٌ وَقَضَاءٌ وَابْتِلَاءٌ(٢) ».(٣)

٣٩٤/ ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‌ءٌ فِيهِ قَبْضٌ أَوْ بَسْطٌ(٤) - مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَوْ نَهى عَنْهُ - إِلَّا وَفِيهِ لِلّهِ(٥) - عَزَّ وَجَلَّ - ابْتِلَاءٌ وَقَضَاءٌ(٦) ».(٧)

٢٨ - بَابُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ‌

٣٩٥/ ١. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاءَ(٨) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ،

__________________

(١) في « ج » : « وبسط ».

(٢) في « ض » : « وابتلاء وقضاء ».

(٣)التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ٢ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم.المحاسن ، ص ٢٧٩ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٣ ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٢٨.

(٤) في حاشية « بر » : « ولا بسط ».

(٥) في حاشية « بف » : « إلّا ولله فيه ». وفي المحاسن والتوحيد : « إلّا فيه من الله ».

(٦) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « لمـّا تحقّق أنّ كلّ تكليف متعلّق بقبض أو بسط ، ففيه إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة ، والتشريع إنّما يتحقّق بالمصلحة في الفعل أو الترك الاختياري ، فلا يخلو التشريع عن ابتلاء وامتحان ؛ ليظهر بذلك ما في كمون العبد من الصلاح والفساد بالإطاعة والمعصية ، والإرادة التكوينيّة لاتخلو من قضاء ؛ فما من تكليف إلّاوفيه ابتلاء وقضاء ».

(٧)المحاسن ، ص ٢٧٨ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠١ ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان الأحمر ، عن حمزة بن طيّار.التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ٣ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٤ ، ح ٤٢٩.

(٨) في « ب ، ج ، ف ، بر ، بس » وشرح صدر المتألّهين والتوحيد : « والشقاوة ».

٣٧٢

فَمَنْ خَلَقَهُ(١) اللهُ سَعِيداً(٢) ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَداً ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّاً ، أَبْغَضَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُبْغِضْهُ ، وَإِنْ كَانَ شَقِيّاً ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَداً ، وَإِنْ عَمِلَ صَالِحاً ، أَحَبَّ عَمَلَهُ وَأَبْغَضَهُ ؛ لِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَحَبَّ اللهُ شَيْئاً ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَداً ، وَإِذَا أَبْغَضَ(٣) شَيْئاً ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَداً(٤) ».(٥)

__________________

(١) في المحاسن والتوحيد : « علمه ».

(٢) « فمن خلقه سعيداً » أي خلقه عالماً بأنّه سيكون سعيداً ، يعني أنّه سبحانه يعلم في الأزل قبل إيجاد الخلائق حال ما يؤول إليه أحوالهم من السعادة والشقاوة. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٣٩٨ ؛شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٧٦ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٦. (٣) في « بح » : + « الله ».

(٤) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « ممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّ التربية مؤثّرة في الإنسان في الجملة ، وعلى ذلك بناء عمل النوع الإنساني في جميع أدوار حياته ، وأنّه يقرب بالتربية الجميلة إلى السعادة وبغيرها إلى غيرها بحسب ما يظنّ من معنى السعادة والشقاء ، وإنّ ذلك بواسطة الأفعال التي يرى الإنسان تمكّنه من فعلها وتركها ( الأفعال الاختياريّة ) ؛ فنسبة هذه الأفعال إلى الإنسان بالإمكان ( ممكن أن يفعل وأن لا يفعل ) ، وكذلك نسبة السعادة والشقاء ( وهما نتيجتا تراكم الأوصاف النفسانيّة الحاصلة من هذه الأفعال ) إليه بالإمكان ، هذا والإنسان أحد أجزاء علّة الفعل الصادر عنه كالأكل مثلاً ، فإنّ إرادة الإنسان أحد أجزاء العلّة التي يمكن صدور منه ، وإذا فرض مع إرادته وجود المادّة وقربها منه ، وصلاحية التناول ، وكذلك جميع ما يتوقّف عليه وجوده من الشرائط وارتفاع الموانع من غير استثناء أصلاً ، كان الفعل واجب الصدور ضروريّ الوجود ( لايمكن أن لايقع ) ؛ إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ السعادة والشقاء اللذين يلحقان الإنسان بواسطة أفعاله الاختياريّة إذا نسبا إلى الإنسان فقط كانت النسبة فيها الإمكان والاختيار ، وإذا نسبا إلى مجموع العلّة التامّة التي أحد أجزائها الإنسان كانت النسبة الضرورة والحتم ، وأنت تعلم أنّ القضاء هو علم الله تعالى وحكمه من جهة العلل التامّة ، فمن هنا تعلم أنّ كلّ إنسان مقضيّ في حقّه السعادة أو الشقاء قضاء لايردّ ولا يبدّل ، ولا ينافي ذلك إمكان اختياره السعادة والشقاء ، فقولهعليه‌السلام : « إنّ الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه » إلخ ، معناه : أنّه تعالى علم أنّ العلل التامّة ماذا يوجب في حقّ الإنسان من سعادة وشقاء ، وحكم بذلك ، ولا ينافي ذلك كون الأفعال اختياريّة للإنسان ، وكذا السعادة والشقاء اللاحقان له من جهة أفعاله ، والله تعالى يحبّ الجميل ، ويبغض القبيح الشرير ؛ فمن كان سعيداً أحبّ الله ذاته وإن كان ربّما يصدر عنه الفعل القبيح المبغوض ، ومن كان شقيّاً أبغض ذاته وإن كانت ربّما يصدر عنه الفعل الحسن المحبوب.

وبهذا البيان يظهر معنى الروايتين التاليتين أيضاً ، فحُكمُ الله تعالى وقضاؤه يتبع العلّة التامّة للشي‌ء ، التي لا يتخلّف عنها ، وأمّا حكم الناس وقضاؤهم فيتبع علمهم الناقص ببعض جهات الشي‌ء ، وشطراً من أجزاء علّته الموجودة ، ولذلك ربّما يتخلّف ، فيختم لبعض من هو سعيد عندهم بالشقاء ، ولبعض من هو شقيّ عندهم بالسعادة ».

(٥)المحاسن ، ص ٢٧٩ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٥ ؛ والتوحيد ، ص ٣٥٧ ، ح ٥ ، بسندهما عن صفوان بن=

٣٧٣

٣٩٦/ ٢. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ ، عَنْ شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :

كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام جَالِساً وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتّى حَكَمَ اللهُ(١) لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « أَيُّهَا السَّائِلُ ، حُكْمُ(٢) اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَايَقُومُ(٣) لَهُ(٤) أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ(٥) بِذلِكَ ، وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْرِفَتِهِ ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقَلَ(٦) الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْصِيَتِهِمْ(٧) ؛ لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَمَنَعَهُمْ(٨) إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ(٩) ، فَوَاقَعُوا(١٠) مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ(١١) مِنْ عَذَابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ(١٢)

__________________

=يحيىالوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٧ ، ح ٤٣٢.

(١) في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » والوافي والتوحيد : - « الله ».

(٢) في التوحيد : « علم ».

(٣) في « ف » والوافي والتوحيد : « ألّا يقوم ». وعلى هذه النسخة « حكم » فعل ماض.

(٤) في التوحيد : - « له ».

(٥) في التوحيد : « علم ».

(٦) « الثقل » - بسكون القاف - : الوزن ، وبفتحها بمعنى ضدّ الخفّة ، وهو المراد هنا.

(٧) في « بر » والوافي : « معصيته ».

(٨) قوله : « منعهم » ، هو مصدر مضاف إلى الفاعل عطفاً على ضمير « فيهم » ، أو عطفاً على « السبق » واللام للعاقبة ، أو مضاف إلى المفعول والفاعل هو الله تعالى. والمراد سلب التوفيق والإعانة عنهم بسبب إبطالهم الاستعداد الفطري لإطاقة القبول منه. أو هو فعل ماض. والمراد ترك الألطاف الخاصّة. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٤ ، ص ٣٨٣ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٦٩.

(٩) في التوحيد : « ولم يمنعهم إطاقة القبول منه ؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق » بدل « منعهم إطاقة القبول منه ».

(١٠) هكذا في النسخ التي قوبلت وحاشية ميرزا رفيعا وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع والتوحيد : « فوافقوا ».

(١١) في « ب » : « تنجّينّهم ». وفي شرح صدر المتألّهين : « ينجيهم ».

(١٢) في التوحيد : « وإن قدروا أن يأتوا خلالاً تنجيهم عن معصيته » بدل « ولم يقدروا - إلى - بحقيقة التصديق ».

٣٧٤

وَهُوَ مَعْنى « شَاءَ مَا شَاءَ » وَهُوَ سِرُّهُ(١) ».(٢)

٣٩٧/ ٣. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ مُعَلّى أَبِي عُثْمَانَ(٣) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، أَنَّهُ قَالَ : « يُسْلَكُ بِالسَّعِيدِ فِي طَرِيقِ الْأَشْقِيَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ(٤) : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ(٥) السَّعَادَةُ. وَقَدْ يُسْلَكُ بِالشَّقِيِّ طَرِيقَ السُّعَدَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ الشَّقَاءُ ؛ إِنَّ مَنْ كَتَبَهُ اللهُ سَعِيداً - وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا فُوَاقُ(٦) نَاقَةٍ - خَتَمَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ».(٧)

٢٩ - بَابُ(٨) الْخَيْرِ وَالشَّرِّ‌

٣٩٨/ ١. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ :

__________________

(١) في التوحيد : « سرّ ».

(٢)التوحيد ، ص ٣٥٤ ، ح ١ ، بسنده عن الكليني.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٢٩ ، ح ٤٣٣.

(٣) هكذا في « ألف ، ب ، ج ، بس ، بف ، جر » ، وحاشية « ض ، ف » والوافي والمحاسن والتوحيد. وفي « ض ، ف ، بر » والمطبوع : « معلّى بن عثمان ». وفي « و ، بح » وحاشية « ج » : « معلّى بن أبي عثمان ».

هذا ، ومعلّى هذا ، هو معلّى بن عثمان أبوعثمان الأحول. راجع :رجال النجاشي ، ص ٤١٧ ، الرقم ١١١٥ ؛الفهرست للطوسي ، ص ٤٦٠ ، الرقم ٧٣٣. (٤) في المحاسن : + « كأنّه منهم ».

(٥) في « ض ، بس » : « تتداركه ». وفي المحاسن : « تداركه ».

(٦) فُواق الناقة وفَواقها ، هو ما بين الحَلْبتين من الوقت ؛ لأنّ الناقة تُحلب ثمّ تترك وقتاً يرضعها الفَصيل لتُدرَّ ، ثمّ تحلب ، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع. ويجوز هاهنا فيه النصب والرفع. اُنظر :القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٢١٩ ( فوق ) ؛التعليقة للداماد ، ص ٣٧٤.

(٧)المحاسن ، ص ٢٨٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٠٩ ، عن النضر بن سويد ، مع زيادة في أوّله.التوحيد ، ص ٣٥٧ ، ح ٤ ، بسنده عن أحمد بن محمّد بن خالد.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣١ ، ح ٤٣٤.

(٨) في « ب » وحاشية بدرالدين : + « خلق ».

٣٧٥

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ مِمَّا أَوْحَى اللهُ إِلى مُوسى(١) عليه‌السلام ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ ، وَأَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ(٢) ».(٣)

٣٩٩/ ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍعليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ(٤) كُتُبِهِ : أَنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ ذَا؟(٥) ».(٦)

٤٠٠/ ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ كَرْدَمٍ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ هذَا(٧) ؟ ».(٨)

__________________

(١) في « ف » : + « بن عمران ».

(٢) قال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « يظهر معني الرواية من الرجوع إلى معنى الرواية الاُولى من الباب السابق ، فسعادة أهل السعادة مقضيّة وهم محبوبون لله ، والخير جارٍ على أيديهم بإجراء الله ، وشقاء أهل الشقاء مقضىّ منه وهم غير محبوبين ؛ والشرّ جارٍ على أيديهم بإرادة من الله ، وإن اتّفق فعل شرّ من السعداء أو فعل خير من الأشقياء ، لم يكن حبّ ذلك الفعل أو بغضه منافياً لبغض الذات أو حبّه ».

(٣)المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٤.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٥.

(٤) في « بح » وحاشية « ج » : « في ».

(٥) في « بس » : « كيف هذا » بدل « كيف ذا وكيف ذا ».

(٦)المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٥ ، عن أبيه ، عن أبي عمير.الوافي ، ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٦.

(٧) في « بر ، بف » والوافي : « كيف هذا » بدل « كيف ذا وكيف هذا ».

(٨)المحاسن ، ص ٢٨٣ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤١٦ ، بسند آخر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، مع اختلاف.الوافي ،=

٣٧٦

قَالَ يُونُسُ(١) : يَعْنِي مَنْ يُنْكِرُ هذَا الْأَمْرَ بِتَفَقُّهٍ فِيهِ(٢) .

٣٠ - بَابُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَالْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ‌(٣)

٤٠١/ ١. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ ، قَالَ :

« كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَعليه‌السلام جَالِساً بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ(٤) مِنْ صِفِّينَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا(٥) بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ ، أَبِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ(٦) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَعليه‌السلام : أَجَلْ يَا شَيْخُ ، مَا عَلَوْتُمْ‌

__________________

=ج ١ ، ص ٥٣٣ ، ح ٤٣٧.

(١) فيمرآة العقول : « قوله : قال يونس ، كلام محمّد بن عيسى ، وهو تفسير لقولهعليه‌السلام : من يقول : كيف ذا وكيف ذا ».

(٢) في حاشية بدرالدين والوافي : « يتفقّه فيه ». وقوله : « بتفقّه فيه » أو « يتفقّه فيه » إمّا حال عن فاعل ينكر ، والمعنى : يترتّب الويل لمنكر هذا الأمر مدّعياً التفقّه في الإنكار والعلمَ بخلاف ذلك الأمر ، أي لمن يجتهد بعقله ويقول برأيه. وإمّا « يتفقّه فيه » جواب « من » والمعنى : أنّ من كان في نفسه إنكار هذا الأمر يجب عليه أن يتفقّه فيه حتّى يعلم أنّه الحقّ وإلّا استحقّ الويل والعذاب. اُنظر شروح الكافي.

(٣) اختلف في انتساب أفعال العباد على أقوال :

الأوّل : هي منتسبة إلى الله تعالى ، بمعنى جبر الله تعالى إيّاهم على الأفعال من غير أن يكون لهم مدخل فيها. هذا هو الجبر ، وهو مذهب الأشاعرة.

الثاني : هي منتسبة إليهم على وجه الاستقلال من غير تصرّف له تعالى أصلاً. وهذا هو القَدَر والتفويض ، وهو مذهب طائفة من المعتزلة.

الثالث : لا هذا ولا ذاك ، بل طريق متوسّط بينهما ، وهو أنّ أفعالهم بقدرتهم واختيارهم مع تعلّق قضاء الله وقدره وإرادته بها. وهذا هو الأمر بين الأمرين ، وهو مذهب الإماميّة تبعاً لأهل البيتعليهم‌السلام . اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٢ - ٤.

(٤) فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٣ : « المـُنْصَرَف ، قد يجي‌ء بمعنى المكان ، وقد يجي‌ء بمعنى المصدر. والثاني هو المراد هاهنا. وهكذا لفظ المسير والمنقلب والمقام. والمراد بكلّ منهما هو المعنى المصدري ». والأظهر عند المازندراني في شرحه كونها أسماء الزمان أو المكان فقط ؛ للصون عن التكرار.

(٥) جثا يجثو ، أي جلس على رُكبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه.القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٦٦ ( جثو ).

(٦) هكذا في « ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » والوافي. وفي سائر النسخ والمطبوع : - « له ».

٣٧٧

تَلْعَةً(١) وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَّا بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ وَقَدَرٍ.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي(٢) يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ : مَهْ يَا شَيْخُ ، فَوَ اللهِ ، لَقَدْ عَظَّمَ اللهُ لَكُمُ(٣) الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ حَالَاتِنَا مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟!

فَقَالَ لَهُ : وَتَظُنُّ(٤) أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً ، وَقَدَراً لَازِماً ؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ ، لَبَطَلَ(٥) الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللهِ(٦) ، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَلَمْ تَكُنْ(٧) لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ المـُذْنِبُ أَوْلى بِالْإِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ(٨) الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ ،

__________________

(١) « التَلْعَة » : ما ارتفع من الأرض. وقيل : هو من الأضداد ، فيطلق على ما انهبط منها أيضاً. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١١٩٢ ( تلع ).

(٢) « العناء » : التعب والمشقّة. وهذا الكلام يحتمل الاستفهام والإخبار. والمعنى : هل أو كيف عند الله أحتسب‌عنائي ومشقّتي وأنا مضطرّ؟ أو المعنى : فلا نستحقّ شيئاً ولعلّ الله يعطينا بفضله. اُنظر شروح الكافي والصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٤٠ ( عنو ).

(٣) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي. وفي‌المطبوع : - « لكم ».

(٤) في « بح » : « فتظنّ ». وفي شرح المازندراني : « وتظنّ ، الواو للعطف على مقدّر ، أي أظننت قبل الجواب بأنّ لكم‌الأجر العظيم ، وتظنّ بعده أنّ سيركم وانقلابكم وانصرافكم وغيرها ممّا تعلّق به القضاء والقدر كان قضاء حتماً؟ ».

(٥) في « ب » : « بطل ».

(٦) فيمرآة العقول : « زواجر الله : بلاياه النازلة على العصاة بإزاء عصيانهم ، وأحكامه في القصاص والحدود ونحوذلك ».

(٧) في « ف ، بح » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : « فلم يكن ».

(٨) في « ب ، ف ، بف » : « وكان ».

٣٧٨

وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا ، إِنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - كَلَّفَ تَخْيِيراً(١) ، وَنَهى تَحْذِيراً ، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً ، وَلَمْ يُعْصَ(٢) مَغْلُوباً ، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً(٣) ، وَلَمْ يُمَلِّكْ(٤) مُفَوِّضاً ، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثاً( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (٥) ، فَأَنْشَأَ‌

__________________

(١) فيشرح صدر المتألّهين ، ص ٤٠٥ : « تخييراً ، مصدر سدّ مسدّ الخبر ، أي حال كونهم مختارين. وتحذيراً ، مفعول له ».

(٢) فيمرآة العقول : « يمكن أن يقرأ الفعلان - أي لم يعص ولم يطع - على بناء الفاعل ويكون الفاعل المطيع‌والعاصي ، وهما بعيدان ».

(٣) قوله : « مكرهاً » إمّا اسم فاعل ، أو اسم مفعول بمعنى المصدر. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٤ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٨١.

(٤) فيمرآة العقول : « لم يملّك ، على بناء التفعيل ، والمفعول القدرة والإرادة والاختيار. أو على بناء الإفعال ؛ بمعنى إعطاء السلطنة ».

(٥) صَ (٣٨) : ٢٧. وقال العلّامة الطباطبائيقدس‌سره : « مسألة القضاء والقدر من أقدم الأبحاث في تاريخ الإسلام ، اشتغل به المسلمون في أوائل انتشار الدعوة الإسلاميّة وتصادفها مع أنظار الباحثين من علماء الملل والأديان ، ولمـّا كان تعلّق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالأفعال الاختياريّة من الإنسان يوجب بحسب الأنظار العامّية الساذجة ارتفاع تأثير الإرادة في الفعل ، وكون الإنسان مجبوراً في فعله غير مختار ؛ تشعّب جماعة الباحثين ( وهم قليل البضاعة في العلم يومئذٍ ) علي فرقتين :

إحداهما - وهم المجبّرة - أثبتوا تعلّق الإرادة الحتميّة الإلهيّة بالأفعال كسائر الأشياء ، وهو القدر ، وقالوا بكون الإنسان مجبوراً غير مختار في أفعاله ، والأفعال مخلوقة لله‌تعالى ، وكذا أفعال سائر الأسباب التكوينيّة مخلوقة له.

وثانيتهما - وهم المفوّضة - أثبتوا اختياريّة الأفعال ، ونفوا تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال الإنسانيّة ، فاستنتجوا كونها مخلوقة للإنسان. ثمّ فرّع كلّ من الطائفتين على قولهم فروعاً ، ولم يزالوا على ذلك حتّى تراكمت هناك أقوال وآراء يشمئزّ منها العقل السليم ، كارتفاع العلّيّة بين الأشياء ، وخلق المعاصي ، والإرادة الجزافيّة ، ووجود الواسطة بين النفي والإثبات ، وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع ، إلى غير ذلك من هوساتهم.

والأصل في جميع ذلك عدم تفقّههم في فهم تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال وغيرها ، والبحث فيه طويل الذيل لايسعه المقام علي ضيقه ، غير أنّا نوضح المطلب بمَثَل نضربه ، ونشير به إلى خطأ الفرقتين ، والصواب الذي=

٣٧٩

__________________

=غفلوا عنه ؛ فلنفرض إنساناً اُوتي سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والإماء ، ثمّ اختار واحداً من عبيده - وزوّجه إحدى جواريه - وأعطاه من الدار والأثاث ما يرفع حوائجه المنزليّة ، ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير.

فإن قلنا : إنّ هذا الإعطاء لايؤثّر في تملّك العبد شيئاً والمولى هو المالك وملكه بجميع ما أعطاه قبل الإعطاء وبعده على السواء ، كان ذلك قول المجبّرة.

وإن قلنا : إنّ العبد صار مالكاً وحيداً بعد الإعطاء وبطل به ملك المولى ، وإنّما الأمر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه ، كان ذلك قول المفوّضة.

وإن قلنا - كما هو الحقّ - : إنّ العبد يتملّك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفي طوله لا في عرضه ، فالمولى هو المالك الأصلي والذي للعبد ملك في ملك ، كما أنّ الكتابة فعل اختياري منسوب إلى يد الإنسان وإلى نفس الإنسان ، بحيث لايبطل إحدى النسبتين الاُخرى ، كان ذلك القول الحقّ الذي يشيرعليه‌السلام إليه في هذا الخبر.

فقولهعليه‌السلام : « لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب » إلى قوله : « وأعطى على القليل كثيراً » إشارة إلى نفي مذهب الجبر بمحاذير ذكرهاعليه‌السلام ، ومعناها واضح.

وقوله : « ولم يعص مغلوباً » إشارة إلى نفي مذهب التفويض بمحاذيرها اللازمة ؛ فإنّ الإنسان لو كان خالقاً لفعله ، كان مخالفته لما كلّفه الله من الفعل غلبة منه على الله سبحانه.

وقوله : « ولم يطع مكرهاً » نفي للجبر ، ومقابلة للجملة السابقة ؛ فلو كان الفعل مخلوقاً لله - وهو الفاعل - فقد أكره العبد على الإطاعة.

وقوله : « ولم يملك مفوّضاً » بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل ، نفي للتفويض ، أي لم يملك الله ما ملّكه العبد من الفعل بتفويض الأمر إليه وإبطال ملك نفسه.

وقولهعليه‌السلام : « ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثاً » الجملتان يحتمل أن يشار بهما إلى نفي كلّ من الجبر والتفويض ؛ فإنّ الأفعال إذا كانت مخلوقة لله‌قائمة به سبحانه ، كان المعاد الذي هو غاية الخلقة أمراً باطلاً ؛ لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكرهعليه‌السلام ، وكان بعث الرسل لإقامة الحجّة وتقدمة القيامة عبثاً ، ولا معنى لأن يقيم تعالى حجّة على فعل نفسه ، وإذا كانت مخلوقة للإنسان ولا تأثير لله‌سبحانه فيها ، لزم أن تكون الخلقة لغاية لايملك الله تعالى منه شيئاً وهو الباطل ، وبعث الرسل لغرض الهداية التي لايملكها إلّا الإنسان ليس لله‌فيها شأن وهو العبث.

واعلم أنّ البحث عن القضاء والقدر كان في أوّل الأمر مسألة واحدة ، ثمّ تحوّلت ثلاث مسائل أصليّة :

الاُولى : مسألة القضاء وهو تعلّق الإرادة الإلهيّة الحتميّة بكلّ شي‌ء ، والأخبار تقضي فيها بالإثبات ، كما مرّ في الأبواب السابقة.=

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722