الاصول من الكافي الجزء ١

الاصول من الكافي8%

الاصول من الكافي مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 722

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 722 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 291316 / تحميل: 10249
الحجم الحجم الحجم
الاصول من الكافي

الاصول من الكافي الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قلبه إنّما هو شرّ ير كلّ يوم. فحزن الربّ أنّه عمل الإنسان في الأرض. وتأسّف في قلبه. فقال الربّ: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الّذى خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء. لأنّى حزنت أنّى عملتهم. وأمّا نوح فوجد نعمة في عين الربّ.

هذه مواليد نوح. كان نوح رجلاً بارّاً كاملاً في أجياله - وسار نوح مع الله. وولد نوح ثلاثة بنين ساما وحاما ويافث. وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت. إذ كان كلّ بشر قد أفسد طريقه على الأرض.

فقال الله لنوح نهاية كلّ بشر قد أتت أمامى. لأنّ الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر، تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلاث مائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعاً عرضه وثلاثين ذراعاً ارتفاعه. وتصنع كوّاً للفلك وتكمّله إلى حدّ ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفليّة ومتوسّطة وعلويّة تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لاُهلك كلّ جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كلّ ما في الأرض يموت. ولكن اُقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك امرأتك ونساء بنيك معك. ومن كلّ حىّ من كلّ ذى جسد اثنين من كلّ تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا واُنثى. من الطيور كأجناسها. ومن البهائم كأجناسها ومن كلّ دبّابات الأرض كأجناسها. اثنين من كلّ تدخل إليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كلّ طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاماً. ففعل نوح حسب كلّ ما أمره به الله. هكذا فعل.

وقال(١) الربّ لنوح: ادخل أنت وجميع بنيك إلى الفلك. لأنّى إيّاك

____________________

(١) الاصحاح السابع من سفر التكوين.

٢٦١

رأيت بارّا لدىّ في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا واُنثى. ومن البهائم الّتى ليست بطاهرة اثنين ذكر واُنثى. ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكرا واُنثى. لاستبقاء نسل على وجه كلّ الأرض. لأنّى بعد سبعة أيّام أيضاً أمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كلّ قائم عملته. ففعل نوح حسب كلّ ما أمره به الربّ.

ولمّا كان نوح ابن ستّمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض. فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم الّتى ليست بطاهرة ومن الطيور وكلّ ما يدبّ على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكر واُنثى. كما أمر الله نوحاً.

وحدث بعد السبعة الأيّام أنّ مياه الطوفان صارت على الأرض. في سنة ستّمائة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كلّ ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وكان المطر على الأرض أربعين يوماً وأبعين ليلة. في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. هم وكلّ الوحوش كأجناسها وكلّ الدبّابات الّتى تدبّ على الأرض كأجناسها وكلّ الطيور كأجناسها كلّ عصفور ذى جناح. ودخل إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كلّ جسد فيه روح حياة. والداخلات دخلت ذكرا واُنثى من كلّ ذى جسد كما أمره الله. وأغلق الربّ عليه.

وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه كثيراً جدّاً على الأرض فكان الفلك يسير على وجه المياه. وتعاظمت المياه كثيراً جدّاً على الأرض فتغطّت جميع الجبال الشامخة الّتى تحت كلّ السماء. خمسة عشرة ذراعاً في الارتفاع تعاظمت المياه فتغطّت الجبال. فمات كلّ ذى جسد كان يدبّ على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش وكلّ الزحّافات الّتى كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كلّ ما في أنفه نسمة روح حياة من كلّ ما في اليابسة مات. فمحا الله كلّ قائم كان على وجه الأرض. الناس

٢٦٢

والبهائم والدبّابات وطيور السماء فانمحت من الأرض. وتبقّى نوح والّذين معه في الفلك فقطّ. وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوماً.

ثم(١) ذكر الله نوحاً وكلّ الوحوش وكلّ البهائم الّتى معه في الفلك وأجاز الله ريحاً على الأرض فهدأت المياه. وانسدّت ينابيع الغمر وطاقات السماء فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعاً متوالياً وبعد مائة وخمسين يوماً نقصت المياه. واستقرّ الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصا متوالياً إلى الشهر العاشر وفي العاشر في أوّل الشهر ظهرت رؤس الجبال.

وحدث من بعد أربعين يوماً أنّ نوحاً فتح طاقة الفلك الّتى كان قد عملها. وأرسل الغراب فخرج متردّدا حتّى نشفت المياه عن الأرض. ثمّ أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلّت المياه عن وجه الأرض. فلم يجد الحمامة مقرّا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك لأنّ مياها كانت على وجه كلّ الأرض فمدّ يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضاً سبعة أيّام اُخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها فعلم نوح أنّ المياه قد قلّت عن الأرض. فلبث أيضاً سبعة أيّام اُخر فأرسل الحمامة فلم يعد يرجع إليه أيضاً.

وكان في السنة الواحدة والستّمائة في الشهر الأوّل في أوّل الشهر أنّ المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف. وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفّت الأرض.

وكلّم الله نوحاً قائلا. اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكلّ الحيوانات الّتى معك من كلّ ذى جسد الطيور والبهائم وكلّ الدبّابات الّتى تدبّ على الأرض أخرجها معك ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض. فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه، وكلّ الحيوانات وكلّ

____________________

(١) الاصحاح الثامن من سفر التكوين.

٢٦٣

الدبّابات وكلّ الطيور كلّ ما يدبّ على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك.

وبنى نوح مذبحا للربّ. وأخذ من كلّ البهائم الطاهرة ومن كلّ الطيور الطاهرة وأصعد محرّقات على المذبح. فتنسّم الربّ رائحة الرضا وقال الربّ في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأنّ تصوّر قلب الإنسان شرّير منذ حداثته ولا أعود أيضاً اُميت كلّ حىّ كما فعلت. مدّة كلّ أيّام الأرض زرع وحصاد وبرد وحرّ وصيف وشتاء ونهار وليل لا يزال.

وبارك الله(١) نوحاً وبنيه وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كلّ حيوانات الأرض وكلّ طيور السماء مع كلّ ما يدبّ على الأرض وكلّ أسماك البحر قد دفعت إلى أيديكم. كلّ دابّة حيّة تكون لكم طعاماً كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع. غير أنّ لحما بجنابة دمه لا تأكلوه. وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقطّ من يد كلّ حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأنّ الله على صورته عمل الإنسان. فأثمروا أنتم واكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها.

وكلّم الله نوحاً وبنيه معه قائلا. وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كلّ ذوات الأنفس الحيّة الّتى معكم الطيور والبهائم وكلّ وحوش الأرض الّتى معكم من جميع الخارجين من الفلك حتّى كلّ حيوان الأرض. اُقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كلّ ذى جسد أيضاً بمياه الطوفان ولا يكون أيضاً طوفان ليخرّب الأرض. وقال الله هذه علامة الميثاق الّذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كلّ ذوات الأنفس الحيّة الّتى معكم إلى أجيال الدهر. وضعت قوسى في السحاب فتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض.فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب. أنّى أذكر ميثاقي الّذى بينى وبينكم وبين كلّ نفس حيّة في كلّ جسد فلا يكون أيضاً المياه طوفانا لتهلك كلّ ذى جسد. فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لاذكر ميثاقاً أبديّاً بين الله وبين كلّ نفس حيّة في كلّ جسد على

____________________

(١) الاصحاح التاسع من سفر التكوين.

٢٦٤

الأرض. وقال الله لنوح: هذه علامة الميثاق الّذى أنا أقمته بينى وبين كلّ ذى جسد على الأرض.

وكان بنو نوح الّذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث وحام هو ابوكنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ومن هؤلاء تشعّبت كلّ الأرض.

وابتدأ نوح يكون فلّاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه. فأبصر حام أبوكنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا. فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما.

فلمّا استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الربّ إله سام وليكن كنعان عبداً لهم. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبداً لهم.

وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثماوة وخمسين سنة. فكانت كلّ أيّام نوح تسع ماءة وخمسين سنة ومات. انتهى ما قصدنا إيراده.

وهو - كما ترى - يخالف ما جاء في القرآن الكريم من وجوه:

منها: أنّه لم يذكر فيه حديث استثناء امرأة نوح بل صرّح بدخولها الفلك ونجاتها مع بعلها، وقد اعتذر عنه بعض: أنّ من الجائز أن يكون لنوح زوجان اُغرقت إحداهما ونجت الاُخرى.

ومنها: أنّه لم يذكر فيه ابن نوح الغريق وقد قصّه القرآن.

ومنها: أنّه لم يذكر فيه المؤمنون غير نوح وأهله بل اقتصر عليه وعلى بنيه وامرأته ونساء بنيه.

ومنها: أنّه ذكر فيه جملة عمر نوح تسعمائة وخمسين سنة، وظاهر الكتاب العزيز أنّها المدّة الّتى لبث فيها بين قومه يدعوهم إلى الله قبل الطوفان. قال تعالى:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) العنكبوت: ١٤.

٢٦٥

ومنها: ما ذكر فيه من حديث قوس قزح وقصّة إرسال الغراب والحمامة للاستخبار وخصوصيّات السفينة من عرضها وطولها وارتفاعها وطبقاتها الثلاث ومدّة الطوفان وارتفاع الماء وغير ذلك فهى خصوصيّات لم تذكر في القرآن الكريم وبعضها بعيد مستبعد كالميثاق بالقوس، وقد كثر الاقتصاص بمثل هذه المعاني في قصّة نوحعليه‌السلام في لسان الصحابة والتابعين، وأكثرها بالاسرائيليّات أشبه.

٥ - ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الاُمم وأساطيرهم:

قال صاحب المنار في تفسيره: قد ورد في تواريخ الاُمم القديمة ذكر للطوفان منها الموافق لخبر سفر التكوين إلّا قليلا ومنها المخالف له إلّا قليلا.

وأقرب الروايات إليه رواية الكلدانيّين، وهم الّذين وقع الطوفان في بلادهم فقد نقل عنهم (برهوشع) و (يوسيفوس) أنّ (زيزستروس) رأى في الحلم بعد موت والده (اُوتيرت) أنّ المياه ستطغى وتغرق جميع البشر، وأمره ببناء سفينة يعتصم فيها هو وأهل بيته وخاصّة أصدقائه ففعل. وهو يوافق سفر التكوين في أنّه كان في الأرض جيل من الجبّارين طغوا فيها وأكثروا الفساد فعاقبهم الله بالطوفان.

وقد عثر بعض الإنجليز على ألواح من الآجر نقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسماريّة في عصر آشور بانيبال من نحو ستّمائة وستّين سنة قبل ميلاد المسيح، وأنّها منقولة من كتابة قديمة من القرن السابع عشر قبل المسيح أو قبله فهى أقدم من سفر التكوين.

وروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده أفلاطون وهو أنّ كهنة المصريّين قالوا لسولون - الحكيم اليونانىّ - أنّ السماء أرسلت طوفانا غيّر وجه الأرض فهلك البشر مراراً بطرق مختلفة فلم يبق للجيل الجديد شئ من آثار من قبله ومعارفهم.

وأورد (مانيتون) خبر طوفان حدث بعد هرمس الأوّل الّذى كان بعد ميناس الأوّل، وهذا أقدم من تاريخ التوراة أيضاً، وروى عن قدماء اليونان خبر طوفان عمّ الأرض كلّها إلّا (دوكاليون) وامرأته (بيرا) فقد نجوا منه.

وروى عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد و

٢٦٦

الشرور بفعل أهريمان إله الشرّ، وقالوا: إنّ هذا الطوفان فار أوّلا من تنّور العجوز (زول كوفه) إذ كانت تخبز خبزها فيه، ولكنّ المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا: إنّه كان خاصّاً بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان.

وكذا قدماء الهنود يثبتون وقوع الطوفان سبع مرّات في شكل خرافيّ آخرها أنّ ملكهم نجا هو وامرأته في سفينة عظيمة أمره بصنعها إلهه فشنو وسدّها بالدسر حتّى استوت على جبل جيمافات - هملايا - ولكنّ البراهمة كالمجوس ينكرون وقوع طوفان عامّ أغرق الهند كلّها، وروى تعدّد الطوفان عن اليابان والصين وعن البرازيل والمكسيك وغيرهما، وكلّ هذه الروايات تتّفق في أنّ سبب ذلك عقاب الله للبشر بظلمهم وشرورهم. انتهى.

وقد(١) وقع في (أوستا) وهو كتاب المجوس المقدّس أنّ (أهورامزدا) أوحى إلى (إيما) (وتعتقد المجوس أنّه جمشيد الملك) أنّه سيقع طوفان يغرق الأرض، وأمره أن يبنى حائطا مرتفعا غايته يحفظ من في داخله من الغرق، وأن يجمع في داخله جماعة من الرجال والنساء صالحة للنسل، ويدخل فيه من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين، ويبنى في داخل السور بيوتا وقبابا في طبقات مختلفة يسكنها الناس المجتمعون هناك ويأوى إليها الدوابّ والطيور، وأن يغرس في داخله ما ينفع في حياة الناس من الأشجار المثمرة، ويحرث ما يرتزق به الناس من الحبوب الكريمة فيحتفظ بذلك ما به حياة الدنيا وعمارتها.

وفي تاريخ الأدب الهندي(٢) في قصّة الطوفان: أنّه بينما كان (مانو) (هو ابن الإله عند الوثنيّين) يغسل يديه إذ جاءت في يده سمكة، وممّا اندهش به أنّ السمكة كلّمته وطلبت إنقاذها من الهلاك ووعدته جزاء عليه أنّها ستنقذ (مانو) في المستقبل من خطر عظيم، والخطر العظيم المحدق الّذى أنبأت به السمكة كان طوفاناً سيجرف جميع المخلوقات، وعلى ذلك حفظ (مانو) السمكة في المرتبان.

____________________

(١) ترجمة كتاب أوستا بالفرنسية المطبوعة بباريس.

(٢) على ما في قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار.

٢٦٧

فلمّا كبرت أخبرت (مانو) عن السنة الّتى سيأتي فيها الطوفان ثمّ أشارت على مانو أن يصنع سفينة كبيرة ويدخل فيها عند طوفان الماء قائلة: أنا اُنقذك من الطوفان، فمانو صنع السفينة والسمكة كبرت أكثر من سعة المرتبان لذلك ألقاها في البحر.

ثم جاء الطوفان كما أنبأت السمكة، وحين دخل (مانو) السفينة عامت السمكة إليه فربط السفينة بقرن على رأسها فجرّتها إلى الجبال الشماليّة، وهنا ربط مانو السفينة بشجرة، وعند ما تراجع الماء وجفّ بقى مانو وحده. انتهى.

٦ - هل كانت نبوّتهعليه‌السلام عامّة للبشر؟

مسألة اختلفت فيها آراء العلماء. فالمعروف عند الشيعة عموم رسالته، وقد ورد من طرق أهل البيتعليهم‌السلام ما يدلّ عليه، وعلى أنّ اُولى العزم من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم) كانوا مبعوثين إلى الناس كافّة.

وأمّا أهل السنّة فمنهم من قال بعموم رسالته مستندا إلى ظاهر الآيات الناطقة بشمول الطوفان لأهل الأرض كلّهم كقوله:( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) نوح: ٢٦ وقوله:( لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ) هود: ٤٣، وقوله:( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) الصافّات: ٧٧، وما ورد في الصحيح من حديث الشفاعة أنّ نوحاً أوّل رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ولازمه كونه مبعوثاً إليهم كافّة.

ومنهم من أنكر ذلك مستنداً إلى ما ورد في الصحيح عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وكان كلّ نبىّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى الناس كافّة) وأجابوا عن الآيات أنّها قابلة للتأويل فمن الجائز أن يكون المراد بالأرض هي الّتى كانوا يسكنونها وهى وطنهم كقول فرعون لموسى وهارون:( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) يونس: ٧٨.

فمعنى الآية الاُولى: لا تذر على هذه الأرض من كافرى قومي ديارا، وكذا المراد بالثانية: لا عاصم اليوم لقومي من أمر الله، والمراد بالثالثة: وجعلنا ذرّيّته هم الباقين من قومه.

والحقّ أنّ البحث لم يستوف حقّه في كلامهم، والّذى ينبغى أن يقال: أنّ النبوّة إنّما ظهرت في المجتمع الإنسانيّ عن حاجة واقعيّة إليها ورابطة حقيقيّة بين

٢٦٨

الناس وبين ربّهم وهى تعتمد على حقيقة تكوينيّة لا اعتباريّة جزافيّة فإنّ من القوانين الحقيقيّة الحاكمة في نظام الكون ناموس تكميل الأنواع وهدايتها إلى غاياتها الوجوديّة، وقد قال تعالى:( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) الأعلى: ٣، وقال:( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) طه: ٥١.

فكلّ نوع من أنواع الكون متوجّه منذ أوّل تكوّنه إلى كمال وجوده وغاية خلقه الّذى فيه خيره وسعادته، والنوع الإنسانيّ أحد هذه الأنواع غير مستثنى من بينها فله كمال وسعادة يسير إليها ويتوجّه نحوها أفراده فرادى ومجتمعين.

ومن الضرورىّ عندنا أنّ هذا الكمال لا يتمّ للإنسان وحده لوفور حوائجه الحيويّة وكثرة الأعمال الّتى يجب أن يقوم بها لأجل رفعها فالعقل العمليّ الّذى يبعثه إلى الاستفادة من كلّ ما يمكنه الاستفادة منه واستخدام الجماد وأصناف النبات والحيوان في سبيل منافعه يبعثه إلى الانتفاع بأعمال غيره من بنى نوعه.

غير أنّ الأفراد أمثال وفي كلّ واحد منهم من العقل العمليّ والشعور الخاصّ الإنسانيّ ما في الآخر ويبعثه من الانتفاع إلى مثل ما يبعث إليه الآخر ما عنده من العقل العمليّ، واضطرّهم ذلك إلى الاجتماع التعاونيّ بأن يعمل الكلّ للكلّ وينتفع من عمل الغير بمثل ما ينتفع الغير من عمله فيتسخّر كلّ لغيره بمقدار ما يسخّره كما قال تعالى:( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢.

وهذا الّذى ذكرناه من بناء الإنسان على الاجتماع التعاونيّ اضطرارىّ له ألزمه عليه حاجة الحياة وقوّة الرقباء فهو في الحقيقة مدنىّ تعاونيّ بالطبع الثانيّ وإلّا فطبعه الأوّلىّ أن ينتفع بكلّ ما يتيسّر له الانتفاع حتّى أعمال أبناء نوعه، ولذلك مهما قوى الإنسان واستغنى واستضعف غيره عدا عليه واُخذ يسترقّ الناس ويستثمرهم من غير عوض قال تعالى:( إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم: ٣٤ وقال:( إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ) العلق: ٨.

ومن الضرورىّ أنّ الاجتماع التعاونيّ بين الأفراد لا يتمّ إلّا بقوانين يحكم

٢٦٩

فيها وحفّاظ تقوم بها، وهذا ممّا استمرّت سيرة النوع عليه فما من مجتمع من المجتمعات الإنسانيّة كاملاً كان أو ناقصاً، راقياً كان أو منحطّاً إلّا ويجرى فيه رسوم وسنن جرياناً كليّاً أو أكثريّاً ، التاريخ والتجربة والمشاهدة أعدل شاهد في تصديقه وهذه الرسوم والسنن وإن شئت فسمّها القوانين هي موادّ وقضايا فكريّة تطبّق عليها أعمال الناس تطبيقاً كلّيّاً أو أكثريّاً في المجتمع فينتج سعادتهم حقيقة أو ظنّاً فهى اُمور متخلّلة بين كمال الإنسان ونقصه، وأشياء متوسّطة بين الإنسان وهو في أوّل نشأته وبينه وهو مستكمل في حياته عائش في مجتمعه تهدى الإنسان إلى غاية وجوده فافهم ذلك.

وقد علم أنّ من الواجب في عناية الله أن يهدى الإنسان إلى سعادة حياته وكمال وجوده على حدّ ما يهدى سائر الأنواع إليه فكما هداه بواجب عنايته من طريق الخلقة والفطرة إلى ما فيه خيره وسعادته وهو الّذى يبعثها إليه نظام الكون والجهازات الّتى جهّز بها إلى أن يشعر بما فيه نفعه ويميّز خيره من شرّه وسعادته من شقائه كما قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس: ١٠.

يهديه بواجب عنايته إلى اُصول وقوانين اعتقاديّة وعمليّة يتمّ له بتطبيق شؤون حياته عليها كماله وسعاته فإنّ العناية الإلهيّة بتكميل الأنواع بما يناسب نوع وجودها توجب هذا النوع من الهداية كما توجب الهداية التكوينيّة المحضة.

ولا يكفى في ذلك ما جهّز به الإنسان من العقل - وهو ههنا العمليّ منه - فإنّ العقل كما سمعت يبعث نحو الاستخدام ويدعو إلى الاختلاف، ومن المحال أن يفعل شئ من القوى الفعّالة فعلين متقابلين ويفيد أثرين متناقضين، على أنّ المتخلّفين من هذه القوانين والمجرمين بأنواع الجرائم المفسدة للمجتمع كلّهم عقلاء ممتّعون بمتاع العقل مجهّزون به.

فظهر أنّ هناك طريقا آخر لتعليم الإنسان شريعة الحقّ ومنهج الكمال والسعادة غير طريق التفكّر والتعقّل وهو طريق الوحى، وهو نوع تكليم إلهىّ يعلّم

٢٧٠

الإنسان مايفوز بالعمل به والاعتقاد له في حياته الدنيويّة والاُخرويّة.

فإن قلت: الأمر سواء فإنّ شرع النبوّة لم يأت بأزيد ممّا لو كان العقل لأتى به فإنّ العالم الإنسانيّ لم يخضع لشرائع الأنبياء كما لم يصغ إلى نداء العقل، ولم يقدر الوحى أن يدير المجتمع الإنسانيّ ويركّبه صراط الحقّ فما هي الحاجة إليه؟

قلت: لهذا البحث جهتان: جهة أنّ العناية الإلهيّة من واجبها أن تهدى المجتمع الإنسانيّ إلى تعاليم تسعده وتكمّله لو عمل بها وهى الهداية بالوحى ولا يكفى فيها العقل، وجهة أنّ الواقع في الخارج والمتحقّق بالفعل ما هو؟ وإنّما نبحث في المقام من الجهة الاُولى دون الثانية، ولا يضرّ بها أنّ هذه الطريقة لم تجر بين الناس إلى هذه الغاية إلّا قليلا. وذلك كما أنّ العناية الإلهيّة تهدى انواع النبات والحيوان إلى كمال خلقها وغاية وجودها ومع ذلك يسقط أكثر أفراد كلّ نوع دون الوصول إلى غايته النوعيّة ويفسد ويموت قبل البلوغ إلى عمره الطبيعيّ.

وبالجملة فطريق النبوّة ممّا لا مناص منه في تربية النوع بالنظر إلى العناية الإلهيّة وإلّا لم تتمّ الحجّة بمجرّد العقل لأنّ له شغلاً غير الشغل وهو دعوة الإنسان إلى ما فيه صلاح نفسه، ولو دعاه إلى شئ من صلاح النوع فإنّما يدعوه إليه بما فيه صلاح نفسه فأفهم ذلك وأحسن التدبّر في قوله تعالى:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء: ١٦٥.

فمن الواجب في العناية أن ينزّل الله على المجتمع الإنسانيّ دينا يدينون به وشريعة يأخذون بها في حياتهم الاجتماعيّة دون أن يخصّ بها قوماً ويترك الآخرين سدى لا عناية بهم، ولازمه الضرورىّ أن يكون أوّل شريعة نزلت عليهم شريعة عامّة.

وقد أخبر الله سبحانه عن هذه الشريعة بقوله عزّ من قائل:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً

٢٧١

وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة: ٢١٣، فبيّن أنّ الناس كانوا أوّل ما نشأوا وتكاثروا على فطرة ساذجة لا يظهر فيهم أثر الاختلافات والمنازعات الحيويّة ثمّ ظهر فيهم الاختلافات فبعث الله الأنبياء بشريعة وكتاب يحكم بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه، ويحسم مادّة الخصومة والنزاع.

ثمّ قال تعالى فيما امتنّ به على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ) الشورى: ١٣. ومقام الامتنان يقضى بأنّ الشرائع الإلهيّة المنزلة على البشر هي هذه الّتى ذكرت لا غير، وأوّل ما ذكر من الشريعة هي شريعة نوح، ولو لم يكن عامّة للبشر كلّهم وخاصّة في زمنهعليه‌السلام لكان هناك إمّا نبىّ آخر ذو شريعة اُخرى لغير قوم نوح ولم يذكر في الآية ولا في موضع آخر من كلامه تعالى، وإمّا إهمال سائر الناس غير قومهعليه‌السلام في زمنه وبعده إلى حين.

فقد بان أنّ نبوّة نوحعليه‌السلام كانت عامّة، وأنّ له كتاباً وهو المشتمل على شريعته الرافعة للاختلاف، وأنّ كتابه أوّل الكتب السماويّة المشتملة على الشريعة، وأنّ قوله تعالى في الآية السابقة( وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) هو كتابه أو كتابه وكتاب غيره من اُولى العزم: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم).

وظهر أيضاً أنّ ما يدلّ من الروايات على عدم عموم دعوتهعليه‌السلام مخالف للكتاب وفي حديث الرضاعليه‌السلام أنّ اُولى العزم من الأنبياء خمسة لكلّ منهم شريعة وكتاب ونبوّتهم عامّة لجميع من سواهم نبيّا أو غير نبىّ، وقد تقدّم الحديث في ذيل قوله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) البقرة ٢١٣، في الجزء الثاني من الكتاب.

٧ - هل الطوفان كانت عامّة لجميع الأرض؟ تبيّن الجواب عن هذا السؤال في الفصل السابق فإنّ عموم دعوتهعليه‌السلام يقضى بعموم العذاب ، وهو نعم القرينة على أنّ المراد بسائر الآيات الدالّة بظاهرها على العموم ذلك كقوله تعالى حكاية عن نوح

٢٧٢

عليه‌السلام :( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) نوح: ٢٦، وقوله حكاية عنه:( لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ) هود: ٤٣، وقوله: و( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) الصافّات: ٧٧.

ومن الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من كلامه تعالى أنّه أمر نوحاً أن يحمل من كلّ زوجين اثنين فمن الواضح أنّه لو كان الطوفان خاصّاً بصقع من أصقاع الأرض وناحية من نواحيها كالعراق - كما قيل - لم يكن أيّ حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين. وهو ظاهر.

واختار بعضهم كون الطوفان خاصّاً بأرض قوم نوحعليه‌السلام قال صاحب المنار في تفسيره: أمّا قوله في نوحعليه‌السلام بعد ذكر تنجيته وأهله:( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) فالحصر فيهم يجوز أن يكون إضافيّاً أي الباقين دون غيرهم من قومه، وأمّا قوله:( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) فليس نصّاً في أنّ المراد بالأرض هذه الكرة كلّها فإنّ المعروف من كلام الأنبياء والأقوام وفي أخبارهم أن تذكر الأرض ويراد بها أرضهم ووطنهم كقوله تعالى حكاية عن خطاب فرعون لموسى وهارون:( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) يعنى أرض مصر، وقوله:( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ) فالمراد بها مكّة، وقوله:( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) والمراد بها الأرض الّتى كانت وطنهم، والشواهد عليه كثيرة.

ولكن ظواهر الآيات تدلّ بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنّه لم يكن في الأرض كلّها في زمن نوح إلّا قومه وأنّهم هلكوا كلّهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذرّيّته، وهذا يقتضى أن يكون الطوفان في البقعة الّتى كانوا فيها من الأرض سهلها وجبلها لا في الأرض كلّها إلّا إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين وبوجود البشر عليها فإنّ علماء التكوين وطبقات الأرض - الجيولوجيّة - يقولون إنّ الأرض كانت عند انفصالها من الشمس

٢٧٣

كرة ناريّة ملتهبة ثمّ صارت كرة مائيّة ثمّ ظهرت فيها اليابسة بالتدريج.

ثمّ أشار إلى ما استدلّ به بعض أهل النظر على عموم الطوفان لجميع الأرض من أنّا نجد بعض الأصداف والأسماك المتحجّرة في أعالي الجبال وهذه الأشياء ممّا لا تتكوّن إلّا في البحر فظهورها في رؤس الجبال دليل على أنّ الماء قد صعد إليها مرّة من المرّات، ولن يكون ذلك حتّى يكون قد عمّ الأرض هذا.

وردّ عليه بأنّ وجود الأصداف والحيوانات البحريّة في قلل الجبال لا يدلّ على أنّه من أثر ذلك الطوفان بل الأقرب أنّه من أثر تكون الجبال وغيرها من اليابسة في الماء كما قلنا آنفاً فإنّ صعود الماء إلى الجبال أيّاماً معدودة لا يكفى لحدوث ما ذكر فيها.

ثمّ قال ما ملخّصه: أنّ هذه المسائل التاريخيّة ليست من مقاصد القرآن ولذلك لم يبيّنها بنصّ قطعيّ فنحن نقول بما تقدّم إنّه ظاهر النصوص ولا نتّخذه عقيده دينيّة قطعيّة فإن أثبت علم الجيولوجيّة خلافه لا يضرّنا لأنّه لا ينقض نصّاً قطعيّاً عندنا. انتهى.

أقول: أمّا ما ذكره من تأويل الآيات فهو من تقييد الكلام من غير دليل، وأمّا قوله في ردّ قولهم بوجود الأصداف والأسماك في قلل الجبال: إنّ صعود الماء إليها في أيّام معدودة لا يكفى في حدوثها ! ففيه أنّ من الجائز أن تحملها أمواج الطوفان العظيمة إليها ثمّ تبقى عليها بعد النشف فإنّ ذلك من طوفان يغمر الجبال الشامخة في أيّام معدودة غير عزيز.

وبعد ذلك كلّه قد فاته ما ينصّ عليه الآيات أنّهعليه‌السلام اُمر أن يحمل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين فإنّ ذلك كالنصّ في أنّ الطوفان عمّ البقاع اليابسة من الأرض جميعاً أو معظمها الّذى هو بمنزلة الجميع.

فالحقّ أنّ ظاهر القرآن الكريم - ظهوراً لا ينكر - أنّ الطوفان كان عامّا للأرض، وأنّ من كان عليها من البشر اُغرقوا جميعاً، ولم يقم لهذا الحين حجّة قطعيّة تصرّفها عن هذا الظهور.

٢٧٤

وقد كنت سألت صديقى الفاضل الدكتور سحابيّ المحترم اُستاذ الجيولوجيا بكلّيّة طهران أن يفيدني بما يرشد إليه الأبحاث الجيولوجيّة في أمر هذا الطوفان العامّ إن كان فيها ما يؤيّد ذلك على وجه كلّىّ فأجابني بإيفاد مقال محصّله ما يأتي مفصّلا في فصول:

١ - الأراضي الرسوبيّة: تطلق الأراضي الرسوبيّة في الجيولوجيا على الطبقات الأرضيّة الّتى كوّنتها رسوبات المياه الجارية على سطح الأرض كالبطائح والمسيلات الّتى غطّتها الرمال ودقاق الحصى.

نعرف الأراضي الرسوبيّة بما تراكم فيها من الرمال ودقاق الحصى الكرويّة المدوّرة فإنّها كانت في الأصل قطعات من الحجارة حادّة الأطراف والزوايا حوّلتها إلى هذه الحالة الاصطكاكات الواقعة بينها في المياه الجارية والسيول العظيمة ثمّ إنّ الماء حملها وبسطها على الأرض في غايات قريبة أو بعيدة بالرسوب.

وليست تنحصر الأراضي الرسوبيّة في البطائح فغالب الأراضي الترابيّة من هذا القبيل تخالطها أو تكوّنها رمال بالغة في الدقّة، وقد حملها لدقّتها وخفّتها إليها جريان المياه والسيول.

نجد الأراضي الرسوبيّة وقد غطّتها طبقات مختلفة من الرمل والتراب بعضها فوق بعض من غير ترتيب ونظم، وذلك - أوّلا - أمارة أنّ تلك الطبقات لم تتكوّن في زمان واحد بعينه - وثانياً - أنّ مسير المياه والسيول أو شدّة جريانها قد تغيّر بحسب اختلاف الأزمنة.

ويتّضح بذلك أنّ الأراضي الرسوبيّة كانت مجارى ومسايل في الأزمنة السابقة لمياه وسيول هامّة وإن كانت اليوم في معزل من ذلك.

وهذه الأراضي الّتى تحكى عن جريان مياه كثيرة جدّاً وسيلان سيول هائلة عظيمة توجد في أغلب مناطق الأرض منها أغلب نقاط إيران كأراضي طهران وقزوين وسمنان وسبزوار ويزد وتبريز وكرمان وشيراز وغيرها، ومنها مركز بين النهرين وجنوبه، وما وراء النهر، وصحراء الشام، والهند، وجنوب فرنسا، وشرقيّ

٢٧٥

الصين، ومصر، وأكثر قطعات إمريكا، وتبلغ صخامة الطبقة الرسوبيّة في بعض الأماكن إلى مآت الأمتار كما أنّها في أرض طهران تجاوز أربعمائة مترا.

وينتج ممّا مرّ أوّلا: أنّ سطح الأرض في عهد ليس بذاك البعيد (على ما سيأتي توضيحه) كان مجرى سيول هائلة عظيمة ربّما غطّت معظم بقاعها.

وثانياً: أنّ الطغيان والطوفان - بالنظر إلى ضخامة القشر الرسوبيّ في بعض الأماكن - لم يحدث مرّة واحدة ولا في سنة أو سنين معدودة بل دام أو تكرّر في مآت من السنين كلّما حدث مرّة كون طبقة رسوبيّة ثمّ إذا انقطع غطّتها طبقة ترابيّة ثمّ إذا عاد كوّن اُخرى وهكذا وكذلك اختلاف الطبقات الرسوبيّة في دقّة رمالها وعدمها يدلّ على اختلاف السيلان بالشدّة والضعف.

٢ - الطبقات الرسوبيّة أحدث القشور والطبقات الجيولوجيّة: ترسب الطبقات الرسوبيّة عادة رسوباً اُفقيّاً ولكن ربّما وقعت أجزاؤها المتراكمة تحت ضغطات جانبيّة قويّة شديدة على ما بها من الدفع من فوق ومن تحت فتخرج بذلك تدريجاً عن الاُفقيّة إلى التدوير والالتواء، وهذا غير ظاهر الأثر في الأزمنة القصيرة المحدودة لكن إذا تمادى الزمان بطوله كمرور الملايين من السنين ظهر الأثر وتكوّنت بذلك الجبال بسلاسلها الملتوية بعض تلالها في بعض وترتفع بقللها من سطوح البحار.

ويستنتج من ذلك أنّ الطبقات الرسوبيّة والقشور الاُفقيّة الباقية على حالها من أحدث الطبقات المتكوّنة على البسيط، والدلائل الفنّيّة الموجودة تدلّ على أنّ عمرها لا يجاوز عشرة آلاف إلى خمس عشرة ألف سنة من زماننا هذا(١) .

٣ - انبساط البحار واتساعها بانحدار المياه إليها . كان تكوّن القشور الرسوبيّة الجديدة عاملاً في انبساط أكثر بحار الكرة واتّساعها بأطرافها فارتفعت

____________________

(١) ويستثنى من ذلك بعض ما في أطراف بالّتيك وسائر المناطق الشماليّة من طبقات رسوبيّة اُفقيّة باقية على حالها من أقدم العهود الجيولوجيّة لجهات مذكورة في محلّها.

٢٧٦

مياهها وغطّت أكثر سواحلها، وعملت جزائر في السواحل أحاطت بها من معظم جوانبها.

فمن ذلك جزيرة بريطانيّة انقطعت في هذا الحين من فرنسا وانفصلت من اُوربه بالكلّيّة، وكانت اُوربه من ناحية جنوبها وإفريقا من ناحية شمالها مرتبطتين برابط برّىّ إلى هذا الحين فانفصلتا باتّساع البحر المتوسّط (مديترانه) وتكوّن بذلك شبه جزيرة إيطاليا وشبه جزيرة تونس من شمالها الشرقيّ وجزائر صقلية وسردينيا وغيرها وكانت جزائر أندنيسيا من ناحية جاوا وسوماترا إلى جنوبىّ جزيرة اليابان متّصلة بآسيا من جهة الجنوب الشرقيّ إلى هذا الحين فانفصلت وتحوّلت إلى صورتها الفعليّة، وكذا انقطاع إمريكا الشماليّة من جهة شمالها عن شمال اُوربه أحد الآثار الباقية من هذا العهد عهد الطوفان.

وللحركات والتحوّلات الأرضيّة الداخليّة آثار قويّة في سير هذه المياه واستقرارها في البقاع الخافضة المنحدرة ولذلك كان ينكشف الماء عن بعض البقاع الساحليّة المغمورة بماء البحار في حين كان الطوفان مستوليا على أكثر البسيط يكوّن بحيرات ويوسّع بحارا، ومن هذا الباب سواحل خوزستان الجنوبيّة انكشف عنها ماء الخليج(١) .

٤ - العوامل المؤثّرة في إزدياد المياه وغزارة عملها في عهد الطوفان . الشواهد الجيولوجيّة الّتى أشرنا إلى بعضها تؤيّد أنّ النزولات الجوّيّة كانت غير عاديّة في أوائل الدور الحاضر من أدوار الحياة الإنسانيّة وهو عهد الطوفان، وقد كان ذلك عن تغيّرات جوّيّة هامّة خارقة للعادة قطعاً.

فكان الهواء حارّاً في هذه الدورة نسبة لكن كان ذلك مسبوقا ببرد شديد وقد غطّى معظم النصف الشماليّ من الكرة الثلج والجمد والجليد فمن المحتمل قويّاً أنّ المتراكم من جمد الدورة السابقة عليه كان باقيا لم يذب بعد في النجود في أكثر بقاع المنطقة المعتدلة الشماليّة.

____________________

(١) وقد كانت مدينة شوش وقصر الكرخة في زمن الملوك الهخامنشيّة بإيران على ساحل البحر وكانت السفن الشرعيّة الجارية في خليج فارس تلقى مراسيها امام القصر.

٢٧٧

فعمل الحرارة في سطح الأرض في دورتين متواليتين على ما به من متراكم الجمد والجليد يوجب تغيّراً شديداً في الجوّ وانقلاباً عظيماً مؤثّراً في ارتفاع بخار الماء إليه وتراكمه فيه تراكماً هائلاً غير عادىّ وتعقّبه نزولات شديدة وأمطار غزيرة غير معهودة.

نزول هذه الأمطار الغزيرة الهاطلة ثمّ استدامتها النزول على الارتفاعات والنجود وخاصّة على سلاسل الجبال الجديدة الحدوث في جنوب آسيا ومغربها وجنوب اُوربه وشمال إفريقا كجبال(١) ألبرز وهيماليا وآلب وفي مغرب إمريكا عقّب جريان سيول عظيمة هائلة عليها تنحت الصخور وتحفر الأرض وتقلع أحجاراً وتحملها إلى الأراضي والبقاع المنحدرة وتحدث أودية جديدة وتعمّق اُخرى قديمة وتوسّعها ثمّ تبسط ما تحمله من الحجارة والحصى والرمل تجاهها قشورا رسوبيّة جديدة.

وممّا كان يمدّ الطوفان السماويّ في شدّة عمله يزيد حجم السيول الجارية أنّ حفر الأودية الجديدة كان يكشف عن ذخائر مائيّة في بطن الأرض هي منابع الآبار والعيون الجارية فيزيل القشور الحافظة لها المانعة من سيلانها فيفجّر العيون ويجريها مع السيول المطريّة، ويزيد في قوّة تخريبها ويعينها في إغراق ما على الأرض من سهل وجبل وغمره.

غير أنّ الذخائر الأرضيّة متناهية محدودة تنفد بالسيلان وبنفادها وإمساك السماء عن الإمطار ينقضى الطوفان وتنحدر المياه إلى البحار والأرضي المنخفضة وإلى بعض الخلاء والسرب الموجود في داخل الأرض الّذى أفرغته السيول بالتفجير والمصّ.

٥ - نتيجة البحث . وعلى ما قدّمناه من البحث الكلّىّ يمكن أن ينطبق ما قصّه الله تعالى من خصوصيّات الطوفان الواقع في زمن نوحعليه‌السلام كقوله تعالى:

____________________

(١) فهى أقل عمرا من سائر جبال الأرض لم تعمر أكثر من مليونى سنة ولذلك كانت أشهق جبال الأرض وأعلى قللا من غيرها لقلة ما ورد عليها من أسباب النحت كالا مطار والرياح.

٢٧٨

( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) القمر: ١٢، وقوله:( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) هود: ٤٠، وقوله:( وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الأمر) هود: ٤٤. انتهى.

وممّا يناسب هذا المقام ما نشره بعض جرائد(١) طهران في هذه الأيّام وملخّصه: أنّ جماعة من رجال العلم من إمريكا بهداية من بعض رجال الجند التركيّ عثروا في بعض قلل جبل آراراط في شرقيّ تركيا في مرتفع ١٤٠٠ قدم على قطعات أخشاب يعطى القياس أنّها قطعات متلاشية من سفينة قديمة وقعت هناك تبلغ بعض هذه القطعات من القدمة ٢٥٠٠ قبل الميلاد.

والقياس يعطى أنّها قطعات من سفينة يعادل حجمه ثلثى حجم مركب (كوئين مارى) الإنجليزيّة الّتى طولها ١٠١٩ قدما وعرضها ١١٨ قدما، وقد حملت الأخشاب إلى سانفرانسيسكو لتحقيق أمرها وأنّها هل تقبل الانطباق على ما تعتقده أرباب النحل من سفينة نوح؟عليه‌السلام .

٦ - عمره عليه‌السلام الطويل : القرآن الكريم يدلّ على أنّهعليه‌السلام عمّر طويلا، وأنّه دعا قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه، وقد استبعده بعض الباحثين لما أنّ الأعمار الإنسانيّة لا تتجاوز في الأغلب المائة أو المائة والعشرين سنة حتّى ذكر بعضهم أنّ القدماء كانوا يعدّون كلّ شهر من الشهور سنة فالألف سنة إلّا خمسين عاما يعدل ثمانين سنة إلّا عشرة شهور. وهو بعيد غايته.

وذكر بعضهم أنّ طول عمرهعليه‌السلام كان كرامة له خارقة للعادة، قال الثعلبيّ في قصص الأنبياء في خصائصهعليه‌السلام : وكان أطول الأنبياء عمرا وقيل له أكبر الأنبياء وشيخ المرسلين، وجعل معجزته في نفسه لأنّه عمّر ألف سنة ولم ينقص له سنّ ولم تنقص له قوّة. انتهى.

____________________

(١) جريدة كيهان المنتشرة أوّل سبتامبر ١٩٦٢ المطابق لغرة ربيع الاول ١٣٨٢ الهجرية القمرية عن لندن. آسوشتيدبرس.

٢٧٩

والحقّ أنّه لم يقم حتّى الآن دليل على امتناع أن يعمّر الإنسان مثل هذه الأعمار بل الأقرب في الاعتبار أن يعمّر البشر الأوّلىّ بأزيد من الأعمار الطبيعيّة اليوم بكثير لما كان لهم من بساطة العيش وقلّة الهموم وقلّة الأمراض المسلّطة علينا اليوم وغير ذلك من الأسباب الهادمة للحياة، ونحن كلّما وجدنا معمّرا عمّر مائة وعشرين إلى مائة وستّين وجدناه بسيط العيش قليل الهمّ ساذج الفهم فليس من البعيد أن يرتقى بعض الأعمار في السابقين إلى مآت من السنين.

على أنّ الاعتراض على كتاب الله في مثل عمر نوحعليه‌السلام وهو يذكر من معجزات الأنبياء الخارقة للعادة شيئاً كثيراً لعجيب. وقد تقدّم كلام في المعجزة في الجزء الأوّل من الكتاب.

٧ - أين هو جبل الجودى : ذكروا أنّه بديار بكر من موصل في جبال تتّصل بجبال أرمينيّة، وقد سمّاه في التوراة أراراط. قال قى القاموس: و الجودىّ جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوحعليه‌السلام ، ويسمّى في التوراة (أراراط) انتهى، وقال في مراصد الاطّلاع: الجودىّ مشدّدة جبل مطلّ على جزيرة ابن عمر في شرقيّ دجلة من أعمال الموصل استوت عليه سفينة نوح لمّا نضب الماء.

٨ - ربّما قيل : هب إنّه أغرق قوم نوح بذنبهم فما هو ذنب سائر الحيوان الّذى على الأرض حيث هلكت بطاغية المياه؟ وهذا من أسقط الاعتراض فما كلّ هلاك ولو كان عامّا عقوبة وانتقاماً، والحوادث العامّة الّتى تهلك الاُلوف ثمّ الاُلوف مثل الزلازل والطوفانات والوباء والطاعون كثير الوقوع في الدهر، ولله فيما يقضى حكم.

( كلام في عبادة الأصنام في فصول)

١ - الإنسان واطمئنانه إلى الحسّ : الإنسان يجرى في حياته الاجتماعيّة على اعتبار قانون العلّيّة والمعلوليّة الكلّىّ وسائر القوانين الكلّيّة الّتى أخذها من هذا النظام العامّ المشهود، وهو على خلاف ما نشاهده من أعمال سائر الحيوان و

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

أَبِي سَعِيدٍ(١) ، قَالَ :

قَالَ(٢) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا ثَابِتُ ، مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ(٣) ، كُفُّوا(٤) عَنِ النَّاسِ ، وَلَا تَدْعُوا أَحَداً إِلى أَمْرِكُمْ ؛ فَوَ اللهِ ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَهْدُوا عَبْداً يُرِيدُ اللهُ ضَلَالَتَهُ(٥) ، مَا اسْتَطَاعُوا عَلى(٦) أَنْ يَهْدُوهُ ؛ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ(٧) الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يُضِلُّوا عَبْداً يُرِيدُ اللهُ هِدَايَتَهُ(٨) ، مَا اسْتَطَاعُوا(٩) أَنْ يُضِلُّوهُ(١٠) ،

__________________

=فقد أكثر محمّد بن إسماعيل [ بن بزيع ] من الرواية عن أبي إسماعيل السرّاج. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٢١ ، ص ٢٨١ - ٢٨٣.

وأمّا ما ورد في « ألف ، بر » من « محمّد بن إسماعيل السرّاج » ، ففيه سقط واضح ، بجواز النظر من « إسماعيل » في « محمّد بن إسماعيل » إلى « إسماعيل » في « أبي إسماعيل السرّاج ».

(١) هكذا في حاشية « ج ، ض ، بح ». وفي « ألف ، ج ، ض ، و ، بر ، بح ، بس ، بف ، جر » والمطبوع : « ثابت بن سعيد ». وفي « ب ، ف » وحاشية « و » وشرح صدر المتألّهين والوافي : « ثابت بن أبي سعيد ».

والصواب ما أثبتناه ؛ فقد روى البرقي الخبر فيالمحاسن ص ٢٠٠ ، ح ٣٤ ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السرّاج ، عن ابن مسكان ، عن ثابت أبي سعيد ، قال : قال أبو عبداللهعليه‌السلام . ورواه الكليني أيضاً فيالكافي ، ح ٢٢٢٧ - باختلاف يسير - بسنده عن أبي اسماعيل السرّاج ، عن ابن مسكان ، عن ثابت أبي سعيد. ثمّ إنّ الظاهر أنّ ثابتاً هذا ، هو ثابت بن عبدالله أبو سعيد البجلي. راجع :رجال الطوسي ، ص ١٢٩ ، الرقم ١٣٠٨ ؛ ص ١٧٤ ، الرقم ٢٠٤٩.

وأما ثابت بن سعيد ، أو ثابت بن أبي سعيد ، فلم نجد لهما ذكراً في كتب الرجال.

(٢) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « قال لي ».

(٣) في « بس » وحاشية « ج » : « والناس ».

(٤) الأمر بالكفّ والنهي عن الدعاء ، إمّا لشدّة التقيّة في ذلك الزمان ، أو القصد منه ترك المبالغة في الدعاء وعدم المخاصمة في أمر الدين ، أو لغير ذلك. وكذا غيرها من الروايات. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٨٥ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٤٣.

(٥) في « بس » وحاشية بدرالدين : « ضلاله ».

(٦) في « ج » : - « على ».

(٧) في « ب » : - « أهل ».

(٨) في « ب ، ج ، ض ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح المازندراني والوافي والمحاسن : « هداه ».

(٩) في « ف » : + « على ».

(١٠) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « فوالله لو أنّ أهل السماء وأهل الأرض اجتمعوا أن يضلّوا عبداً يريد الله هداه ما استطاعوا » بدل « فوالله لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرضين - إلى قوله - أن يضلّوه ».

٤٠١

كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا يَقُولُ(١) أَحَدٌ(٢) : عَمِّي وَ(٣) أَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي(٤) ؛ فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، طَيَّبَ رُوحَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفاً(٥) إِلَّا عَرَفَهُ ، وَلَا مُنْكَراً(٦) إِلَّا أَنْكَرَهُ ، ثُمَّ يَقْذِفُ اللهُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ »(٧) .(٨)

__________________

(١) في حاشية « ف » والمحاسن : « لا يقل ». وهو الأنسب.

(٢) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ والمحاسن : « أحدكم ».

(٣) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ والمحاسن : - « عمّي‌و ».

(٤) أي هذا عمّي وأخي وابن عمّي وجاري وقعوا في الضلالة فيلزمني هدايتهم ، أي فتبعثهم الحميّة والغيرة العصبيّة على أن يُنجيهم منها طوعاً وكرهاً ؛ يعني : لا يتأسّف على ضلال أقربائه وجيرانه. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٨٦ ؛الوافي ، ج ١ ، ص ٥٦١ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٤٨.

(٥) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « بمعروف ».

(٦) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « ولا بمنكر ».

(٧) قال العلّامة الطباطبائي : « مسألة أنّ « الهداية لله ، وليس للناس فيها صنع » ممّا ثبتت بالنقل والعقل ، وإن كان مستبعداً في بادئ النظر جدّاً ، فاستمع لما يتلى :

المعارف الإلهيّة العالية كالتوحيد والنبوّة والإمامة ونظائرها ممّا لا يكفي فيها مجرّد العلم واليقين كما قال تعالى :( جَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنْفُسُهُمْ ) الآية [ النمل (٢٧) : ١٤ ] ، وقال تعالى :( وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ ) الآية [ الجاثية (٤٥) : ٢٣ ] ، بل يحتاج مع العلم النظري إلى الإيمان بها ، وهو مطاوعة نفسانيّة ، وانفعال قلبيّ خاصّ يوجب الجريان في الجملة بالأعمال المناسبة للعلم المفروض ، وكما أنّ العلوم النظريّة معلومة للأنظار والأفكار الصحيحة المنتجة ، كذلك هذا الأذعان والقبول القلبي معلول لملكات أو أحوال قلبيّة مناسبة له ، فلا يمكن للبخيل الذي فيه ملكة راسخة من البخل أن يؤمن بحسن السخاء وبذل المال ، إلّا إذا حصل في نفسه من جهة حسن التربية وتراكم العمل حالة الانقياد والقبول ، بحسن السخاء والجود ، بزوال الصورة المباينة من البخل ؛ فالاستدلال للحقّ إنّما يوجب ظهوره على من كان صحيح النظر ، وأمّا إيمانه به وانقياده له فله سبب تكويني ، هو حصول الحالة أو الملكة النفسانيّة الملائمة لحصوله ، وليس مستنداً إلى اختيار الإنسان حتّى يوجد في نفسه أو في نفس غيره الانقياد والإيمان بالحقّ من دون سببه التكويني وهو الهيئة النفسانيّة المذكورة ، فثبت أنّ للإيمان والاهتداء وغير ذلك سبباً تكوينيّاً غير إرادة الإنسان واختياره ، وهو مجموع النظر الصحيح والهيئة النفسانيّة الملائمة الغير المنافية للحقّ ، فهو منسوب إلى الله سبحانه دون اختيار الإنسان على حدّ سائر الأمور التكوينيّة المنسوبة إليه تعالى.

ولذلك كانت الروايات تنسب الإيمان والكفر والهداية والضلال إلى الله سبحانه وتنفي كونها باختيار الإنسان وتنهى عن الإصرار في القبول والمراء والجدال في الدعوة إلى الحقّ كما يدلّ عليه قوله في رواية عقبة الآتية : « ولاتخاصموا الناس لدينكم ؛ فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب » الحديث ؛ فإنّها تثير عوامل العصبيّة والإباء عن الحقّ ، وأمّا ما ورد في الكتاب والسنّة من الأوامر بحسن التربية والحثّ على التبليغ والإنذار والدعوة =

٤٠٢

٤٣١/ ٢. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ(١) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ(٢) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قَالَ(٣) : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً(٤) مِنْ نُورٍ(٥) ، وَفَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ ، وَسَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ شَيْطَاناً يُضِلُّهُ ».

ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ :( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ ) (٦) .(٧)

__________________

=والتذكرة ؛ فإنّها مقرّبات للإنسان من الإيمان والطاعة ، وليست بموجبة ولا ملزمة ، وبالتأمّل فيما ذكرناه يظهر معنى روايات الباب ، والله الهادي ».

(٨)الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ح ٢٢٢٧ ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.المحاسن ، ص ٢٠٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٤ ، عن محمّد بن إسماعيل ؛ وأيضاً بسند آخر عن عبدالله بن مسكان.وفيه ، ص ٢٠١ ، ذيل ح ٣٩ ، بسنده عن عبدالله بن مسكان ، وتمام الرواية فيه : « يا ثابت ما لكم وللناس؟ ».الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب طينة المؤمن والكافر ، ضمن ح ١٤٥٠ ، بسند آخر ، من قوله : « فإنّ الله إذا أراد بعبد » إلى قوله : « إلّا أنكره ».تحف العقول ، ص ٣١٢ ، ضمن وصيّتهعليه‌السلام لأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول ، مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٥٦١ ، ح ٤٧٠.

(١) في « ب » : - « بن إبراهيم ». وفي « ف » : - « بن هاشم ».

(٢) في الكافي ، ح ٢٢٣٢ : « محمّد بن مسلم » بدل « سليمان بن خالد ».

(٣) في الكافي ، ح ٢٢٣٢ : - « قال ».

(٤) « النَكْت » : أن تنكُتَ في الأرض بقضيب ، أي تضرب بقضيب فتؤثّر فيها. والمعنى : أثّر في قلبه تأثيراً ، وأفاض عليه علماً يقينيّاً ينقش فيه. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٦٩ ( نكت ) ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٤٨.

(٥) في الكافي ، ح ٢٢٣٢ وتفسير العيّاشي : « بيضاء » بدل « من نور ».

(٦) الأنعام (٦) : ١٢٥.

(٧)الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ح ٢٢٣٢ ، إلى قوله : « وكّل به شيطاناً يضلّه ».التوحيد ، ص ٤١٥ ، ح ١٤ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيم.المحاسن ، ص ٢٠٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٥ ، بسنده عن سليمان بن خالد ، إلى قوله : « وسدّ مسامع قلبه » ، مع اختلاف وزيادة في آخره.تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٣٢١ ، ح ١١٠ ، مع زيادة في آخره ؛ وص ٣٧٦ ، ح ٩٤ ، وفيهما عن سليمان بن خالدالوافي ، ج ١ ، ص ٥٦٢ ، ح ٤٧١ ؛البحار ، ج ٦٨ ، ص ٢١١ ، ح ١٧.

٤٠٣

٤٣٢/ ٣. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَقُولُ(١) : « اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ(٢) لِلَّهِ ، وَلَا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ ؛ فَإِنَّهُ مَا كَانَ لِلَّهِ ، فَهُوَ لِلّهِ ؛ وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ ، فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ(٣) ، وَلَا تُخَاصِمُوا النَّاسَ(٤) لِدِينِكُمْ(٥) ؛ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ(٦) لِلْقَلْبِ ؛ إِنَّ اللهَ تَعَالى قَالَ لِنَبِيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ) (٧) وَقَالَ :( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٨) ذَرُوا النَّاسَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنِ(٩) النَّاسِ ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠) ، إِنِّي سَمِعْتُ أَبِيعليه‌السلام يَقُولُ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا كَتَبَ عَلى عَبْدٍ أَنْ يَدْخُلَ(١١) فِي هذَا الْأَمْرِ ، كَانَ أَسْرَعَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّيْرِ إِلى وَكْرِهِ(١٢) ».(١٣)

__________________

(١) في « ج » وحاشية « ض ، بر ، بس » وشرح صدر المتألّهين : « عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول ».

(٢) في الكافي ، ح ٢٢٢٩ وتفسير العيّاشي : + « هذا ».

(٣) في « ف » : + « قال ». وفي الكافي ، ح ٢٢٢٩ : « إلى السماء ».

(٤) في الوسائل ج ١٦ : - « الناس ».

(٥) في الكافي ، ح ٢٢٢٩ : « بدينكم الناس ». وفي تفسير العيّاشي والوسائل ، ج ١٦ : « بدينكم ».

(٦) فيالتعليقة للداماد ، ص ٣٩١ : « ممرضة ، إمّا بفتح الميم والراء على اسم المكان ، أو بكسر الميم وفتح الراءعلى اسم الآلة ، أو بضمّ الميم وكسر الراء على صيغة الفاعل من باب الإفعال ».

(٧) القصص (٢٨) : ٥٦.

(٨) يونس (١٠) : ٩٩.

(٩) في حاشية « ض » وتفسير العيّاشي : « من ».

(١٠) في الكافي ، ح ٢٢٢٩ والمحاسن وتفسير العيّاشي : + « وعليّعليه‌السلام ولا سواء ».

(١١) في الكافي ، ح ٢٢٢٩ : « يُدخله ».

(١٢) « الوَكْر » : عشُّ الطائر ، وهو موضعه الذي يبيض فيه ويفرخ في الحيطان والشجر. اُنظر :لسان العرب ، ج ٥ ، ص ٢٩٢ ( وكر ).

(١٣)الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ح ٢٢٢٩ ؛ وباب الرياء ، ح ٢٤٨٨ ، إلى قوله : « فلا يصعد إلى الله » ، وفيهما عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد.المحاسن ، ص ٢٠١ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٣٨ ، عن ابن فضّال ؛وفيه ، ص ٢٠١ ، ح ٣٧ ، بسند آخر عن أبي عبداللهعليه‌السلام من قوله : « إنّ الله عزّ وجلّ إذا كتب على عبد » مع اختلاف.التوحيد ، ص ٤١٤ ، ح ١٣ ، بسنده عن أحمد بن محمّد.تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ،=

٤٠٤

٤٣٣/ ٤. أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : نَدْعُو النَّاسَ إِلى هذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ : « لَا ، يَا فُضَيْلُ ، إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، أَمَرَ مَلَكاً فَأَخَذَ بِعُنُقِهِ ، فَأَدْخَلَهُ فِي هذَا الْأَمْرِ طَائِعاً أَوْ كَارِهاً(١) ».(٢)

تَمَّ(٣) كِتَابُ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ(٤) وَالتَّوْحِيدِ(٥) مِنْ كِتَابِ الْكَافِي ، وَيَتْلُوهُ كِتَابُ الْحُجَّةِ

فِي(٦) الْجُزْءِ الثَّانِي(٧) مِنْ كِتَابِ الْكَافِي(٨) تَأْلِيفِ(٩) الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ

يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ(١٠) رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.(١١)

__________________

=ح ٤٨ ، عن عليّ بن عقبةالوافي ، ج ١ ، ص ٥٦٤ ، ح ٤٧٦ ؛الوسائل ، ج ١ ، ص ٧١ ، ح ١٥٨ ؛ وج ١٦ ، ص ١٩٠ ، ح ٢١٣١٦.

(١) قال العلّامة الطباطبائي : « قوله : طائعاً أو كارهاً ، أي سواء رضيته نفسه إذا كان محلّى بحلية الصفات الكريمة النفسانيّة وملازمة التقوى ، وساعدته الدنيا كالإنسان الصحيح البدن والقوى إذا عرض عليه غذاء لذيذ من غير مانع ، فإنّه يتناوله برضى من نفسه ؛ أو كرهته نفسه إذا كان في نفسه مع صفة القبول صفات اُخرى لاترضاه ، أو لم تساعده عليه الدنيا ، وكان دونه حظر خارجيّ كالإنسان المريض يتناول الدواء الكريه الطعم على كره من شهوته ورضى من عقله الحاكم بلزوم شربه ؛ للصحّة المطلوبة ».

(٢)الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ح ٢٢٢٨. وفيالمحاسن ، ص ٢٠٢ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ٤٤ عن صفوان بن يحيى.وفيه ، ص ٢٠٢ ، ح ٤٢ ، بسنده عن فضيل بن يسار وبسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام ؛وفيه ، ص ٢٠٢ ، ح ٤٣ ، بثلاثة طرق أُخَر عن أبي عبداللهعليه‌السلام ؛وفيه ، ص ٢٠٢ ، ح ٤٦ عن صفوان بن يحيى ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبدالله ، عن أبيهعليهما‌السلام ؛وفيه ، ص ٢٠٢ ، ذيل ح ٤٦ ، بسند آخر وفي الأربعة الأخيرة مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ١ ، ص ٥٦٥ ، ح ٤٧٧ ؛الوسائل ، ج ١٦ ، ص ١٨٩ ، ح ٢١٣١٣ ؛البحار ، ج ٦٨ ، ص ٢٠٨ ، ح ١٣.

(٣) في « ب » وحاشية « ج » : « كمل ».

(٤) في « ب ، ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين : - « والعلم ».

(٥) في « ف » : + « بعون الله الملك المجيد ».

(٦) في « ج ، ض ، بح ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين : - « في ».

(٧) في « بر » : - « في الجزء الثاني ».

(٨) في « ف » : - « في الجزء الثاني من كتاب الكافي ».

(٩) في « بر » : « تصنيف ».

(١٠) في « بس » : - « الكليني ».

(١١) في « ف » : « طاب ثراه وجعل الجنّة مثواه ، بمحمّد وآله أصفياه ». وفي « بح » : « رحمة الله تعالى عليه ». وفي « بر » وشرح صدر المتألّهين : « رحمه ‌الله ».

٤٠٥

٤٠٦

(٤)

كتاب الحجّة

٤٠٧

٤٠٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

[٤]

كِتَابُ الْحُجَّةِ ‌(١)

١ - بَابُ الِاضْطِرَارِ ‌(٢) إِلَى الْحُجَّةِ (٣)

٤٣٤/ ١. قَالَ(٤) أَبُو جَعْفَرٍ ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ ، مُصَنِّفُ هذَا الْكِتَابِ رَحِمَهُ ‌اللهُ(٥) : حَدَّثَنَا(٦) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو(٧) الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ :

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ. وفي « ب » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وهو الموفّق للتتميم. كتاب الحجّة ». وفي « ج » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. كتاب الحجّة ». وفي « ف » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وما توفيقي إلّابالله العليّ العليم الحكيم ». وفي حاشية « ف » بدل « العليم الحكيم » : « العظيم ». وفي المطبوع : « كتاب الحجّة ، بسم الله الرحمن الرحيم ».

(٢) « الاضطرار » : مصدر اضطرّ إلى الشي‌ء ، أي الْجِئ إليه ؛ من الضرورة بمعنى الحاجة. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٢٠ (ضرر ).

(٣) فيشرح المازندراني في شرحه ، ج ٥ ، ص ٩٤ : « الحجّة في اللغة : الغلبة ؛ من حجّه : إذا غلبه. وشاع استعمالها في البرهان مجازاً ، أو حقيقة عرفيّة ، ثمّ شاع في عرف المتشرّعة إطلاقها على الهادي إلى الله المنصوب من قبله ».

(٤) في حاشية « ج » : + « الشيخ ».

(٥) في « ض » وحاشية « بس » وشرح صدر المتألّهين : « رحمة الله عليه ». وفي « ف » : + « تعالى ذكره ».

(٦) في « ج ، و ، بر » : - « قال أبو جعفر - إلى - حدّثنا ».

(٧) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس » والوافي. وفي « ألف ، بف » والمطبوع : « عمر ». والصواب ما أثبتناه كما تقدّم ذيل ح ٢٢٠.

٤٠٩

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ(١) الَّذِي سَأَلَهُ : مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ(٢) الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ؟ قَالَ(٣) : « إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً ، صَانِعاً ، مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ ، وَكَانَ ذلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً ، لَمْ يَجُزْ(٤) أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَلَايُلَامِسُوهُ(٥) ؛ فَيُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ(٦) ، وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ يُعَبِّرُونَ(٧) عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلى مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ وَمَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ وَفِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ ، فَثَبَتَ الْآمِرُونَ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ ، وَالْمُعَبِّرُونَ(٨) عَنْهُ جَلَّ وَعَزَّ ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُعليهم‌السلام وَصَفْوَتُهُ(٩) مِنْ خَلْقِهِ ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ(١٠) بِالْحِكْمَةِ(١١) ، مَبْعُوثِينَ بِهَا ، غَيْرَ مُشَارِكِينَ(١٢) لِلنَّاسِ - عَلى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالتَّرْكِيبِ - فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ ، مُؤَيَّدِينَ(١٣) مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ بِالْحِكْمَةِ ، ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ‌

__________________

(١) « الزنديق » : مضى ترجمته ذيل ح ٣٣٨. قال المحقّق الداماد فيالتعليقة ، ص ٣٩٢ : « في بعض التواريخ : أنّ ‌لزرادشت كتاباً اسمه « زند » تتّبعه المجوس والملاحدة ؛ ولهذا سمّوا بالزنديق ». وانظر :المغرب ، ص ٢١١ ( زندق ).

(٢) « أثبتَّ » قرئ أيضاً على صيغة الغائب المجهول : اُثبت واستبعده المجلسي. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٩٥ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٥٧. (٣) في « بر » : « فقال ».

(٤) « لم يجز » : صفة موضحة لـ « متعالياً » ، ويحتمل كونه خبراً بعد خبر لـ « كان » إذا كان قوله : « متعالياً » بمعنى تعاليه‌ عن العبث واللغو. وليس جواباً لـ « لمـّا » بل جوابها : « ثبت » وإلّا لبطل نظم الخطاب ، ولم يكن لـ « ثبت » محلّ من الإعراب. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٩٧ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.

(٥) في حاشية « بر » والعلل : « ويلامسوه ».

(٦) في « ض ، بح » : « فيباشروه ».

(٧) في حاشية « ف » : « يخبرون ». و « يعبرون » إمّا مجرّد ، من العبور بمعنى المرور. أو مزيد ، من التعبير بمعنى التفسير. والأوّل أظهر. والثاني أنسب بقوله : فالمعبّرون. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٩٨.

(٨) في حاشية « ف » : « المخبرون ».

(٩) « صفوة الشي‌ء » : خالصه. وفي الصاد الحركات الثلاث ، فإذا نزعوا « الهاء » قالوا : له صَفْو مالي ، بالفتح. اُنظر :الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٠١ ( صفو ). (١٠) في حاشية « بح » : « مؤيّدين ».

(١١) في « بس » : + « و ». وفي الوافي : « في الحكمة ».

(١٢) في حاشية « ف » : + « بها ».

(١٣) في « ج » وحاشية « ف ، بر » والوافي : « مؤيّدون ». وقرأ المازندراني في شرحه ، ج ٥ ، ص ١٠١ « مؤدّين » ، =

٤١٠

وَزَمَانٍ مِمَّا أَتَتْ(١) بِهِ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ ؛ لِكَيْلَا تَخْلُوَ(٢) أَرْضُ اللهِ مِنْ حُجَّةٍ(٣) يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ(٤) يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقَالَتِهِ وَجَوَازِ عَدَالَتِهِ ».(٥)

٤٣٥/ ٢. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : إِنَّ اللهَ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ ، بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ(٦) بِاللهِ ، قَالَ : «صَدَقْتَ(٧) ».

قُلْتُ : إِنَّ(٨) مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً ، فَقَدْ يَنْبَغِي(٩) لَهُ أَنْ يَعْرِفَ(١٠) أَنَّ لِذلِكَ الرَّبِّ رِضًا‌

__________________

= ثمّ قال: « في بعض النسخ : مؤيّدين ، والأوّل أولى ؛ لفهم الثاني من قوله : مؤدّبين ».

(١) فيمرآة العقول : « في بعض النسخ : ممّا أثبت ، ولا يخفى توجيهه على الوجوه إن قرئ معلوماً أو مجهولاً ».

(٢) في « ب ، ف ، بح ، بف » ومرآة العقول وشرح صدر المتألّهين : « يخلو ».

(٣) في « بح » وحاشية « ف » : « حجّته ».

(٤) فيمرآة العقول : « علم ، بفتحتين : أى علامة ودليل. وربّما يقرأ بكسر الأوّل وسكون الثاني ».

(٥) الحديث طويل ، قطّعه الكليني وأورد ذيله هنا ، وصدره في ثلاث مواضع اُخرى منالكافي ( : كتاب التوحيد ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث ، ح ٢٢٠ ؛ وباب إطلاق القول بأنّه شي‌ء ، ح ٢٢٧ ؛ وباب الإرادة أنّها من صفات الفعل ، ح ٣٠٦ ) وكرّر قطعة منه في كتاب التوحيد ، باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح ٣٠٠. كما أشار إليه العلّامة الفيض فيالوافي ، ج ١ ، ص ٣٣٠. وذكر الصدوققدس‌سره تمام الرواية فيالتوحيد ، ص ٢٤٣ ، ح ١ ، بسنده عن إبراهيم بن هاشم القمّي. وذكر هذه القطعة فيعلل الشرائع ، ص ١٢٠ ، ح ٣ ، بسنده عن عليّ بن إبراهيمالوافي ، ج ٢ ، ص ٢١ ، ح ٤٧١.

(٦) الأظهر كونه مجهولاً ، يعني : بل الخلق يُعرَفون بنور الله كما تعرف الذرّات بنور الشمس. ويحتمل كونه معلوماً ، يعني : بل الخلق يعرفون الله بالله ، أي بما عرّف به نفسه من الصفات. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٠٣ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٦٢.

(٧) فيمرآة العقول : « وربّما يقرأ بالتشديد ؛ إذ كلامه مأخوذ منهمعليهم‌السلام كما مرّ ، ولا يخفى بُعده ». وفي الكافي ، ح ٢٣١ : « رحمك الله » بدل « صدقت ». (٨) في « ج » وشرح صدر المتألّهين : - « إنّ ».

(٩) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي والكافي ، ح ٤٩٧. وفي المطبوع : « فينبغي ».

(١٠) فيمرآة العقول : « فقد ينبغي لأن يعرف ». وفي هامشمرآة العقول : « كأنّه نقله بالمعنى ، أو من تصحيف الناسخ ، أو من جهة اختلاف النسخ. وقد مرّ ويأتي أيضاً نظائر هذا الاختلاف في موارد كثيرة ».

٤١١

وَسَخَطاً ، وَأَنَّهُ لَايُعْرَفُ رِضَاهُ وَسَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ ، فَمَنْ(١) لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ ، فَقَدْ يَنْبَغِي(٢) لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ ، عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ ، وَأَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ(٣) ؛ وَقُلْتُ(٤) لِلنَّاسِ(٥) :تَعْلَمُونَ(٦) أَنَّ رَسُولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللهِ عَلى خَلْقِهِ؟ قَالُوا : بَلى.

قُلْتُ : فَحِينَ مَضى رَسُولُ اللهِ(٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ عَلى خَلْقِهِ(٨) ؟ فَقَالُوا(٩) : الْقُرْآنُ ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ ، فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ(١٠) وَالْقَدَرِيُّ(١١) وَالزِّنْدِيقُ(١٢) الَّذِي لَايُؤْمِنُ بِهِ حَتّى يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَايَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ(١٣) ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ، كَانَ حَقّاً ، فَقُلْتُ لَهُمْ : مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا(١٤) : ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ ، وَعُمَرُ يَعْلَمُ ، وَحُذَيْفَةُ يَعْلَمُ ، قُلْتُ : كُلَّهُ؟ قَالُوا : لَا ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً‌

__________________

(١) في حاشية « بح » : « ومن ».

(٢) في الوافي والكافي ، ح ٤٩٧ : « فينبغي ».

(٣) في حاشية « ض ، بح » : « المفروضة ».

(٤) في الوافي والكافي ، ح ٤٩٧ : « فقلت ».

(٥) في حاشية « ف » وفي الكافي ، ح ٤٩٧ والوافي والوسائل : + « أليس ».

(٦) في « بس » وحاشية « ض ، بح ، بر » : « أليس تزعمون ».

(٧) في « بر ، بس ، بف » والوافي والكافي ، ح ٤٩٧ : - « رسول الله ».

(٨) في الوافي والكافي ، ح ٤٩٧ : - « على خلقه ». وفي العلل : « من بعده » بدل « على خلقه ».

(٩) في « بر » والوافي والوسائل والكافي ، ح ٤٩٧ : « قالوا ».

(١٠) هو إمّا « مُرْجِيّ » نسبة إلى « مُرْج » من المـُرجية. أو « مُرْجئيٌّ » نسبة إلى « مرجِئ » ، من المرجئة. والمرجية أوالمرجئة بمعنى التأخير. وهي اسم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنّه لايضرّ مع الإيمان معصية. ولا ينفع مع الكفر طاعة. سمّوا به ؛ لاعتقادهم أنّ الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي ، أي أخّره عنهم. وقد تطلق على من أخّر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن مرتبته. اُنظر :النهاية ، ج ٢ ، ص ٢٠٦ ( رجى ) ؛شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٠٤ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٦٣.

(١١) في العلل : « والحروري ».

(١٢) تقدّم ترجمة الزنديق ذيل ح ٣٣٨ و ٤٣٤.

(١٣) قيّم القوم : الذي يقوّمهم ويسوس أمرهم. والمراد به هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف القرآن كلّه. اُنظر :لسان‌العرب ، ج ١٢ ، ص ٥٠٢ ( قوم ) ؛شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٨٤ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٦٤.

(١٤) في الكافي ، ح ٤٩٧ : « قالوا ».

٤١٢

يُقَالُ : إِنَّهُ(١) يَعْرِفُ ذلِكَ(٢) كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاًعليه‌السلام ، وَإِذَا كَانَ الشَّيْ‌ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ ، فَقَالَ هذَا : لَا أَدْرِي ، وَقَالَ هذَا : لَا أَدْرِي ، وَقَالَ هذَا : لَا أَدْرِي(٣) ، وَقَالَ هذَا : أَنَا أَدْرِي ، فَأَشْهَدُ(٤) أَنَّ عَلِيّاًعليه‌السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ ، وَكَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً(٥) ، وَكَانَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَأَنَّ(٦) مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ ، فَهُوَ حَقٌّ ، فَقَالَ : « رَحِمَكَ اللهُ ».(٧)

٤٣٦/ ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، مِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَالطَّيَّارُ ، وَجَمَاعَةٌ فِيهِمْ(٨) هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ شَابٌّ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « يَا هِشَامُ ، أَلَاتُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ؟ وَكَيْفَ سَأَلْتَهُ؟ » فَقَالَ(٩) هِشَامٌ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ، إِنِّي أُجِلُّكَ(١٠) وَأَسْتَحْيِيكَ ، وَلَايَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ‌ءٍ ، فَافْعَلُوا ».

__________________

(١) في حاشية « ج » : « يقال له : إنّه ». وفي حاشية « ض » : « يقال له : يعرف ».

(٢) في الكافي ، ح ٤٩٧ : « يعلم القرآن ». وفي الوافي : « يعرف القرآن ».

(٣) في « بس ، بف » : - « وقال هذا : لا أدري ».

(٤) في « بر » : « وأشهد ».

(٥) في « ب ، بر ، بف » وحاشية « ض » : « مفروضة ».

(٦) في حاشية « ض ، بف » : « وأيّ ».

(٧)الكافي ، كتاب الحجّة ، باب فرض طاعة الأئمّةعليهم‌السلام ، ح ٤٩٧ ، مع زيادة في آخره ؛ وفيه ، كتاب التوحيد ، باب أنّه لايعرف إلّا به ، ح ٢٣١. وفيالتوحيد ، ص ٢٨٥ ، ح ١ ، بسنده عن الكليني ، وفيهما إلى قوله : « صدقت » هكذا : « قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إنّي ناظرت قوماً فقلت لهم : إنّ الله - جلّ جلاله - أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل العباد يُعرفون بالله ، فقال : رحمك الله ». وفيعلل الشرائع ، ص ١٩٢ ، ح ١ ؛ ورجال الكشّي ، ص ٤٢٠ ، ح ٧٩٥ ، بسند هما عن صفوان بن يحيى ، مع اختلاف يسير وزيادة في آخرهالوافي ، ج ٢ ، ص ٣٠ ، ح ٤٨٢ ؛الوسائل ، ج ٢٧ ، ص ١٧٦ ، ح ٣٣٥٣٢.

(٨) في حاشية « ف » : « منهم ».

(٩) في « ب ، ض ، بف » والوافي والأمالي والعلل وكمال الدين : « قال ».

(١٠) « اُجِلُّكَ » : أي اُعظمُك ؛ من الجلال بمعنى العظمة. اُنظر :النهاية ، ج ١ ، ص ٢٨٧ ( جلل ).

٤١٣

قَالَ هِشَامٌ : بَلَغَنِي(١) مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَجُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ ، فَعَظُمَ ذلِكَ عَلَيَّ ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَدَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ(٢) كَبِيرَةٍ(٣) فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِراً(٤) بِهَا مِنْ صُوفٍ ، وَشَمْلَةٌ(٥) مُرْتَدِياً(٦) بِهَا وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ ، فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلى رُكْبَتَيَّ.

ثُمَّ قُلْتُ : أَيُّهَا الْعَالِمُ ، إِنِّي(٧) رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي(٨) فِي مَسْأَلَةٍ(٩) ؟ فَقَالَ لِي : نَعَمْ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَلَكَ عَيْنٌ؟ فَقَالَ(١٠) : يَا بُنَيَّ(١١) ، أَيُّ شَيْ‌ءٍ هذَا مِنَ السُّؤَالِ؟ وَشَيْ‌ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟! فَقُلْتُ : هكَذَا(١٢) مَسْأَلَتِي ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، سَلْ وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ(١٣) ، قُلْتُ : أَجِبْنِي فِيهَا ، قَالَ(١٤) لِي : سَلْ.

__________________

(١) في « بح » : « قد بلغني ».

(٢) « الحلقة » : هي الجماعة من الناس مستديرين ، كحلقة الباب وغيره. وحكي عن أبي عمرو : حَلَقَةٌ ، بالتحريك. اُنظر :النهاية ، ج ١ ، ص ٤٢٦ ( حلق ). (٣) في « ب ، بر ، بف » وحاشية « ض » والوافي : « عظيمة ».

(٤) يجوز فيه وما يأتي الرفع والنصب ، والنسخ أيضاً مختلفة. وقال صدر المتألّهين في شرحه ، ص ٤٤٢ : « في نسخه : مؤتزر ، من الإزار ، وهو الصحيح عند ابن الأثير ، والمتّزر خطأ ؛ لأنّ الهمزة لا تدغم في التاء ». اُنظر :النهاية ، ج ١ ، ص ٤٤ ( أزر ).

(٥) « الشملة » : كساء يتغطّى به ويتلفّف فيه.النهاية ، ج ٢ ، ص ٥٠١ ( شمل ).

(٦) قوله : « مرتدياً بها » أي لابسها. يقال : ارتدى ، أي لبس الرِداء.النهاية ، ج ٢ ، ص ٥٠١ ( شمل ).

(٧) في حاشية « ف » والعلل وكمال الدين والأمالي : « أنا ».

(٨) في الأمالي والعلل وكمال الدين : + « فأسألك ».

(٩) في « ف » : « مسألتي ».

(١٠) في « ض » وحاشية « ج » وشرح صدر المتألّهين : + « لي ».

(١١) في حاشية « ف » : « أي بنيّ ».

(١٢) في حاشية « ف » : « هذا ».

(١٣) في « ض ، بر ، بس » والأمالي : « حمقاً ». ووصف « المسألة » بالحمقاء على سبيل التجوّز مبالغة في حماقة السائل. وربّما يقرأ حُمْق. والحُمْق والحُمُق : قلّة العقل وسخافة الرأي. اُنظر :شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٠٨ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٦٥ ؛الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٤٦٤ ( حمق ).

(١٤) في حاشية « ف » والعلل وكمال الدين والأمالي : + « فقال ».

٤١٤

قُلْتُ : أَلَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ : أَرى بِهَا الْأَلْوَانَ وَالْأَشْخَاصَ.

قُلْتُ : فَلَكَ(١) أَنْفٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ : أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ.

قُلْتُ : أَلَكَ(٢) فَمٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ : أَذُوقُ(٣) بِهِ الطَّعْمَ.

قُلْتُ : فَلَكَ(٤) أُذُنٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ : أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ.

قُلْتُ : أَلَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ : أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلى هذِهِ الْجَوَارِحِ وَالْحَوَاسِّ.

قُلْتُ : أَوَلَيْسَ فِي هذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ(٥) : لَا.

قُلْتُ(٦) : وَكَيْفَ ذلِكَ(٧) وَهِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ؟! قَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ‌ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ ، رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ فَتَسْتَيْقِنُ(٨) الْيَقِينَ ، وَتُبْطِلُ(٩) الشَّكَ.

قَالَ هِشَامٌ : فَقُلْتُ لَهُ : فَإِنَّمَا(١٠) أَقَامَ اللهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ : نَعَمْ.

قُلْتُ(١١) : لَابُدَّ(١٢) مِنَ الْقَلْبِ ، وَإِلَّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ(١٣) الْجَوَارِحُ؟ قَالَ : نَعَمْ.

فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا مَرْوَانَ ، فَاللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتّى جَعَلَ‌

__________________

(١) في « ف » : « أفلك ». وفي الأمالي وكمال الدين : « ألك ».

(٢) في « ف » : « أفلك ».

(٣) في الأمالي والعلل : « أعرف ».

(٤) في « ف » والأمالي والعلل وكمال الدين : « ألك ». وفي حاشية « ف » : « أفلك ».

(٥) في « بر » والأمالي والعلل وكمال الدين : « قال ».

(٦) في « بف » : « فقلت ».

(٧) في « بس » وحاشية « ف » : « ذاك ».

(٨) هكذا في « ب ، و ، بح ، بر ، بس ، بف ». وفي حاشية « ج » : « يستبين ». وفي حاشية « بح » وشرح صدرالمتألّهين : « فيستبين ». وفي « ج ، ض » والمطبوع : « فيستيقن ». ويمكن قراءة ما في المطبوع بالنون المشدّدة.

(٩) هكذا في « ب ، ف ، بح ، بر ، بس ». وفي « ج ، ض ، و » والمطبوع : « ويبطل ».

(١٠) في « بر » والأمالي : « إنّما ».

(١١) في « بر » : « فقلت ».

(١٢) في « ف » : « قلت له : فلابدّ ».

(١٣) في « ف » :« لم يستيقن ».وفي الأمالي :«لم يستقم».

٤١٥

لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ ، وَتَتَيَقَّنُ(١) بِهِ مَا شَكَّتْ(٢) فِيهِ ، وَيَتْرُكُ هذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ ، لَايُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَحَيْرَتَهُمْ ، وَيُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ حَيْرَتَكَ وَشَكَّكَ؟

قَالَ : فَسَكَتَ ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ(٣) لِي(٤) : أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ؟ فَقُلْتُ : لَا ، قَالَ(٥) : أَمِنْ(٦) جُلَسَائِهِ؟ قُلْتُ(٧) : لَا(٨) ، قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ(٩) : قُلْتُ : مِنْ(١٠) أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : فَأَنْتَ إِذاً هُوَ(١١) ، ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ ، وَأَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ ، وَزَالَ عَنْ مَجْلِسِهِ ، وَمَا نَطَقَ حَتّى قُمْتُ.

قَالَ : فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام وَقَالَ(١٢) : « يَا هِشَامُ ، مَنْ عَلَّمَكَ هذَا؟ » قُلْتُ : شَيْ‌ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَأَلَّفْتُهُ(١٣) ، فَقَالَ : « هذَا وَاللهِ مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسى ».(١٤)

__________________

(١) هكذا في « ج ، ض ، و ، بح ، بس ، بف ». وفي « ب ، ف » والمطبوع وشرح صدر المتألّهين : « يتيقّن ».

(٢) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بر ، بس ، بف ». وفي شرح صدر المتألّهين : « شككت ». وفي المطبوع : « شكّ ».

(٣) في « بر » : « وقال ».

(٤) في « ج ، ف ، بح ، بس ، بف » والوافي والعلل وكمال الدين : - « لي ».

(٥) في « ج ، ض ، ف ، بح ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي : « فقال ». وفي حاشية « ج » : « قال لي ».

(٦) في « بس » : « أفمن ».

(٧) في « ض » : « فقلت ».

(٨) في « ف » : - « قال أمن جلسائه؟ قلت : لا ».

(٩) في « ب ، بر ، بس » والأمالي والعلل وكمال الدين : - « قال ».

(١٠) في حاشية « ج » : « رجل من ».

(١١) في « ب ، بر ، بف » والوافي والعلل : « فإذن أنت هو ». وفي حاشية « ف » : « إذن فأنت هو ».

(١٢) في « ف » وشرح صدر المتألّهين : « فقال ». وفي « بر » : « ثمّ قال ».

(١٣) في « ف » : « فألّفته ».

(١٤)الأمالي للصدوق ، ص ٥٨٩ ، المجلس ٨٦ ، ح ١٥ ؛ وعلل الشرائع ، ص ١٩٣ ، ح ٢ ؛ وكمال الدين ، ص ٢٠٧ ، ح ٢٣ ، بسندها عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن يونس بن يعقوب ؛رجال الكشّي ، ص ٢٧١ ، ح ٤٩٠ ، بسنده عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن يونس بن يعقوب.الوافي ، ج ٢ ، ص ٢٢ ، ح ٤٨٠.

٤١٦

٤٣٧/ ٤. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ(١) ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ، قَالَ :

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ صَاحِبُ كَلَامٍ وَفِقْهٍ وَفَرَائِضَ ، وَقَدْ جِئْتُ لِمُنَاظَرَةِ أَصْحَابِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « كَلَامُكَ مِنْ كَلَامِ(٢) رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَوْ مِنْ عِنْدِكَ؟ » فَقَالَ : مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِعليه‌السلام وَمِنْ عِنْدِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « فَأَنْتَ إِذاً شَرِيكَ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ : « فَسَمِعْتَ الْوَحْيَ عَنِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يُخْبِرُكَ؟ » قَالَ : لَا ، قَالَ : « فَتَجِبُ طَاعَتُكَ كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ » قَالَ : لَا(٣) .

فَالْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام إِلَيَّ ، فَقَالَ : « يَا يُونُسَ بْنَ يَعْقُوبَ ، هذَا قَدْ خَصَمَ(٤) نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ». ثُمَّ قَالَ : « يَا يُونُسُ ، لَوْ كُنْتَ تُحْسِنُ(٥) الْكَلَامَ كَلَّمْتَهُ ». قَالَ(٦) يُونُسُ : فَيَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي سَمِعْتُكَ تَنْهى عَنِ الْكَلَامِ ، وَتَقُولُ : وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْكَلَامِ ؛ يَقُولُونَ : هذَا يَنْقَادُ وَهذَا لَايَنْقَادُ(٧) ، وَهذَا يَنْسَاقُ وَهذَا لَايَنْسَاقُ ، وَهذَا نَعْقِلُهُ وَهذَا لَانَعْقِلُهُ(٨) ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « إِنَّمَا قُلْتُ : فَوَيْلٌ(٩) لَهُمْ إِنْ تَرَكُوا مَا أَقُولُ ، وَذَهَبُوا إِلى مَا يُرِيدُونَ ».

ثُمَّ قَالَ لِي(١٠) : « اخْرُجْ إِلَى الْبَابِ ، فَانْظُرْ مَنْ تَرى مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَأَدْخِلْهُ ». قَالَ :

__________________

(١) في الإرشاد : « عن جماعة من رجاله » بدل « عمّن ذكره ».

(٢) في « ف » : - « كلام ».

(٣) في « بح ، بر ، بس » : + « قال ».

(٤) في « بف » : « خصم » وفي حاشية ميرزا رفيعا : « خاصم » كلاهما بدل « قد خصم ».

(٥) « تحسن » : من الإحسان بمعنى العلم والمعرفة والإتقان ، تقول : أحسنت الشي‌ء ، أي عرفته وأتقنته. اُنظر :المصباح المنير ، ص ١٣٦ ( حسن ). (٦) في « ج » ومرآة العقول : « فقال ».

(٧) في « ب ، ف » : « هذا لاينقاد وهذا ينقاد ». وظاهر الشروح كون الفعلين معلومين. وكذا : ينساق ولا ينساق.

(٨) في « ف ، بح » : « هذا يعقله وهذا لا يعقله ».

(٩) في « ب » وحاشية « ض ، بف » : « ويل ».

(١٠) في « بس » : - « لي ».

٤١٧

فَأَدْخَلْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ الْأَحْوَلَ(١) وَكَانَ يُحْسِنُ ا ل ْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ قَيْساً الْمَاصِرَ(٢) وَكَانَ عِنْدِي أَحْسَنَهُمْ كَلَاماً ، وَكَانَ قَدْ تَعَلَّمَ الْكَلَامَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِعليهما‌السلام .

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِنَا الْمَجْلِسُ(٣) - وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام قَبْلَ الْحَجِّ يَسْتَقِرُّ أَيَّاماً فِي جَبَلٍ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فِي فَازَةٍ(٤) لَهُ مَضْرُوبَةٍ - قَالَ : فَأَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام رَأْسَهُ مِنْ فَازَتِهِ(٥) ، فَإِذَا هُوَ بِبَعِيرٍ يَخُبُّ(٦) ، فَقَالَ : « هِشَامٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ». قَالَ(٧) : فَظَنَنَّا(٨) أَنَّ هِشَاماً رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَقِيلٍ كَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لَهُ ، قَالَ : فَوَرَدَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَهُوَ أَوَّلَ مَا اخْتَطَّتْ لِحْيَتُهُ(٩) ، وَلَيْسَ فِينَا إِلَّا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنّاً مِنْهُ(١٠) ، قَالَ : فَوَسَّعَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام وَقَالَ : « نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ ».

__________________

(١) فيشرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١١٨ : « الأحول ، هو محمّد بن النعمان البجلي الأحول ، أبو جعفر شاه الطاق ، ساكن طاق المحامل بالكوفة ، وقد لقّبه المخالفون بشيطان الطاق والشيعة بمؤمن الطاق ، وكان متكلّماً حاضر الجواب ، وله مع أبي حنيفة مكالمات مشهورة ». وانظر :الوافي ، ج ٢ ، ص ٢٩.

(٢) هكذا في « ألف ، بس ، بف » والوافي. وفي « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر » والمطبوع : « قيس بن الماصر ». والصواب ما أثبتناه. والدليل على ذلك - مضافاً إلى ما قدّمناه ذيل ح ١٨٤ - ما يأتي في موضعين من نفس الخبر من : « ثمّ قال أبو عبداللهعليه‌السلام لقيس الماصر » و « ثمّ التفت إلى قيس الماصر ».

(٣) فيشرح المازندراني : « إسناد الاستقرار إلى المجلس مجاز للمبالغة في الكثرة ؛ لأنّ المجلس مستقرّ ، بالكسر ».

(٤) في « ف » وحاشية « ج » : « قارة ». وهي الجبل الصغير المنقطع عن الجبال. وفي حاشية « ج ، ف » : « خيمة ». و « الفازة » : مِظَلَّة تمدّ بعمود أو عمودين ، أي الخيمة. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ٨٩١.القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٧١٧ (فوز ).

(٥) في « ف » : « قارته ».

(٦) « يخبّ » من الخبب ، وهو ضرب من العَدْو ، تقول : خَبّ الفرس يَخُبُّ خبّاً وخَبَباً وخبيباً ، إذا راوح بين يديه ‌ورجليه ، أي قام على إحداهما مرّة وعلى الاُخرى مرّة. اُنظر :الصحاح ، ج ١ ، ص ١١٧ ( خبب ).

(٧) في « ف » : « فقال ».

(٨) في « ب » : « فظننت ».

(٩) « اختطّت لحيتُه » ، أي نبتت. يقال : اختطّ الغلام ، أي نبت عِذاره. اُنظر :الصحاح ، ج ٣ ، ص ١١٢٣ ( خطط ).

(١٠) في « ب » والوافي : « منه سنّاً ».

٤١٨

ثُمَّ قَالَ : « يَا حُمْرَانُ ، كَلِّمِ الرَّجُلَ ». فَكَلَّمَهُ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ(١) حُمْرَانُ.

ثُمَّ قَالَ : « يَا طَاقِيُّ ، كَلِّمْهُ ». فَكَلَّمَهُ(٢) ، فَظَهَرَ(٣) عَلَيْهِ الْأَحْوَلُ.

ثُمَّ قَالَ : « يَا هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ ، كَلِّمْهُ(٤) ». فَتَعَارَفَا.(٥)

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام لِقَيْسٍ الْمَاصِرِ : « كَلِّمْهُ ». فَكَلَّمَهُ ، فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام يَضْحَكُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِمَّا قَدْ أَصَابَ الشَّامِيَّ ، فَقَالَ لِلشَّامِيِّ : « كَلِّمْ هذَا الْغُلَامَ » يَعْنِي هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لِهِشَامٍ : يَا غُلَامُ ، سَلْنِي فِي(٦) إِمَامَةِ هذَا ، فَغَضِبَ هِشَامٌ حَتَّى ارْتَعَدَ(٧) ، ثُمَّ قَالَ لِلشَّامِيِّ : يَا هذَا ، أَرَبُّكَ(٨) أَنْظَرُ(٩) لِخَلْقِهِ أَمْ خَلْقُهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالَ الشَّامِيُّ : بَلْ رَبِّي(١٠) أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ(١١) ، قَالَ : فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ(١٢) مَا ذَا؟ قَالَ : أَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَدَلِيلاً كَيْلَا يَتَشَتَّتُوا ، أَوْ(١٣) يَخْتَلِفُوا ، يَتَأَلَّفُهُمْ ، وَيُقِيمُ أَوَدَهُمْ(١٤) ، وَيُخْبِرُهُمْ‌

__________________

(١) « فظهر عليه » ، أي غلب عليه ، تقول : ظهرت على الرجل ، أي غلبته. اُنظر :الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٣٢ ( ظهر ).

(٢) في « ض » : - « فكلّمه ».

(٣) في « ب ، بر » : « وظهر ».

(٤) في « ض » : « كلّم ».

(٥) في « ج » وشرح صدر المتألّهين : « فتعارقا ». وفي « ض » وحاشية « ج ، بح » : « فتفارقا ». وفي حاشية « ض » : « فتقارنا ». وفي حاشية « بح ، بف » : « فتعاوقا ». وفي الوافي : « فتعاركا ». وقوله : « فتعارفا » ، أي تكلّما بما عرف كلّ منهما صاحبه وكلامه بلا غلبة لأحدهما على الآخر. و « فتعارقا » ، أي سال العرق من كلّ منهما من طول البحث وكثرة الكلام بينهما. و « فتعاوقا » ، أي تعوّق كلّ منهما عن الغلبة. اُنظر :شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٤٤ ؛شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١١٩ ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٦) في حاشية « ج » : « من ».

(٧) « ارتعد » ، أي اضطرب. يقال : أرعده فارتعد.الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٧٥ ( رعد ).

(٨) في « ب » : « ربّك » بدل « أربّك ».

(٩) « أنظر » ، أي أرحم وأعطف وأحفظ ؛ من النظر بمعنى الرحمة والعطف والحفظ. اُنظر :لسان العرب ، ج ٥ ، ص ٢١٨ ( نظر ). (١٠) في « بح » : + « لهم ».

(١١) في « بح » : - « لخلقه ».

(١٢) في الوافي : - « لهم ».

(١٣) في « ب ، ج ، ف ، بر » : « و ».

(١٤) « الأوَد » : الاعوجاج. يقال : أوِدَ الشي‌ء يأود أوَداً ، أي اعوجّ.الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٤٢ ( أود ).

٤١٩

بِفَرْضِ رَبِّهِمْ ، قَالَ : فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ : رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قَالَ هِشَامٌ : فَبَعْدَ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْ(١) ؟ قَالَ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، قَالَ هِشَامٌ : فَهَلْ نَفَعَنَا(٢) الْيَوْمَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ(٣) فِي رَفْعِ الِاخْتِلَافِ عَنَّا؟ قَالَ الشَّامِيُّ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلِمَ اخْتَلَفْنَا(٤) أَنَا وَأَنْتَ ، وَصِرْتَ إِلَيْنَا مِنَ الشَّامِ فِي(٥) مُخَالَفَتِنَا إِيَّاكَ؟

قَالَ(٦) : فَسَكَتَ الشَّامِيُّ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام لِلشَّامِيِّ : « مَا لَكَ لَاتَتَكَلَّمُ؟ » قَالَ الشَّامِيُّ : إِنْ قُلْتُ : لَمْ نَخْتَلِفْ ، كَذَبْتُ ؛ وَإِنْ قُلْتُ : إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يَرْفَعَانِ عَنَّا الِاخْتِلَافَ ، أَبْطَلْتُ(٧) ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْوُجُوهَ ؛ وَإِنْ قُلْتُ : قَدِ اخْتَلَفْنَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدَّعِي الْحَقَّ ، فَلَمْ يَنْفَعْنَا إِذَنِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِلَّا(٨) أَنَّ لِي عَلَيْهِ هذِهِ الْحُجَّةَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : « سَلْهُ تَجِدْهُ مَلِيّاً ».(٩)

فَقَالَ الشَّامِيُّ : يَا هذَا ، مَنْ أَنْظَرُ لِلْخَلْقِ؟ أَرَبُّهُمْ أَوْ أَنْفُسُهُمْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ : رَبُّهُمْ أَنْظَرُ لَهُمْ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَقَالَ الشَّامِيُّ : فَهَلْ أَقَامَ لَهُمْ مَنْ(١٠) يَجْمَعُ لَهُمْ(١١) كَلِمَتَهُمْ ، وَيُقِيمُ أَوَدَهُمْ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ بَاطِلِهِمْ؟ قَالَ هِشَامٌ : فِي وَقْتِ رَسُولِ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أَوِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الشَّامِيُّ : فِي وَقْتِ رَسُولِ اللهِ رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَالسَّاعَةِ مَنْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ :

__________________

(١) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين. وفي المطبوع : - « من ».

(٢) في « بر » وحاشية « بح » : « ينفعنا ».

(٣) في « بس ، بف » : - « الكتاب والسنّة ».

(٤) في « ب ، ج ، ف ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين والوافي ومرآة العقول : « اختلفت ». وفي « ض » : « اختلف ». (٥) في حاشية « ض » : « من ».

(٦) في « ب » : « فقال ».

(٧) « أبطلتُ » ، أي أتيتُ بالباطل. يقال : أبطل ، إذا جاء بالباطل. اُنظر :النهاية ، ج ١ ، ص ١٣٦ ( بطل ).

(٨) فيشرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٢١ : « يجوز أن يكون « ألا » بفتح الهمزة وتخفيف اللام من حروف التنبيه. و « إنّ » بالكسر. وضمير « عليه » على التقديرين يعود إلى هشام ».

(٩) فيشرح المازندراني : « الملي‌ء ، بالهمزة : الغنيّ المقتدر ، وقد يترك الهمزة ويشدّ الياء ، أي تجده غنيّاً مقتدراً على المناظرة ». وانظر :النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ ( ملأ ) ؛مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(١٠) في « ف » : « الحجّة ممّن » بدل « من ».

(١١) في « ب » : - « لهم ».

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722