فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه و أجلسه إلى جنبه ، و لم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ، و لا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الّذي في يده ، فقال عليه السّلام : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي و دمي قطّ ، فاعفني منه . فأعفاه و قال : أنشدني شعرا استحسنه . فقال : إنّي لقليل الرواية للأشعار . قال : لا بدّ أن تنشدني . فأنشده :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما أغنتهم القلل
و استنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
أين الأسرّة و التيجان و الحلل
أين الوجوه التي كانت منعّمة
من دونها تضرب الأستار و الكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
و طالما عمّروا دورا لتحصنهم
ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا
فخلّفوها على الأعداء و ارتحلوا
أضحت منازلهم قفرا معطّلة
و ساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
قال : فأشفق كلّ من حضر على عليّ عليه السّلام ، و ظنّ أنّ بادرة تبدر منه إليه .
قال : و اللّه لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتّى بلّت دموعه لحيته ، و بكى من حضره . ثمّ أمر برفع الشراب . . . و ردّه إلى منزله من ساعته مكرّما ١ .
« و مدّنوا المدائن » و منها المدائن التي مدّنها كسرى .
هذا ، و في ( القاموس ) : المنصورة بلد بالسند إسلامية ، و بلد بنواحي واسط ، و اسم خوارزم القديمة التي كانت شرقي جيجون ، و بلد قرب القيروان و يقال لها : المنصورية أيضا ، و بلد ببلاد الديلم ، و بلد بين القاهرة و دمياط .
ـــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١١ .