بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113286 / تحميل: 6068
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لك إلى الرجوع.

(باب)

(شجر الحرم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تنزع من شجر مكة إلا النخل وشجر الفاكهة.

على غير هذين الوجهين ، وربما جمع بينهما بحمل أخبار الترغيب على المجاورة للعبادة وما تضمن النهي على غيرها كالتجارة ونحوها وهو غير واضح.

الحديث الثالث : حسن. وفي بعض النسخ عمن ذكره عن داود الرقي قال :

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الخبر مختلف فيه.

باب شجر الحرم

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لا تنزع من شجر مكة » اعلم : أن تحريم قطع الشجر والحشيش على المحرم مجمع عليه في الجملة ، وقد استثني من ذلك أربعة أشياء.

الأول : ما ينبت في ملك الإنسان وفي دليله كلام ولا ريب في جواز قلع ما أنبته الإنسان لصحيحة حريز(١) .

الثاني : شجر الفواكه وقد قطع الأصحاب بجواز قلعه مطلقا ، وظاهر المنتهى أنه موضع وفاق.

الثالث : شجر الإذخر ونقل الإجماع على جواز قطعه.

الرابع : عود المحالة وهما اللذان يجعل عليهما المحالة ليستقى بها ، ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش. واعلم : أن قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل أيضا كما صرح به الأصحاب ودلت عليه النصوص(٢) .

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ١٧٣ ح ٤.

(٢) كما في الوسائل : ج ٩ ب ٧٦ ـ ص ١٢٧ ح ١ و ٢ و ٣.

٨١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي جميلة ، عن إسحاق بن يزيد قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم فقال حرم أصلها لمكان فرعها قلت فإن أصلها في الحرم وفرعها في الحل فقال حرم فرعها لمكان أصلها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

الحديث الثاني : حسن. ويدل على عموم التحريم ، وخص بما مر.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ما كان داخلا عليك » ظاهره جواز قطع أغصان شجر دخل على الإنسان في منزله وإن لم ينبت فيه وهو خلاف المشهور ، ويمكن أن يكون المراد جواز قطع ما نبت بعد اتخاذ الموضع منزلا وعدم جوار قطع ما نبت قبله كما سيأتي في خبر حماد موافقا للمشهور.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح وموافق للمشهور. قال في الدروس : يكفي في تحريم الشجرة كون شيء منها في الحرم سواء كان أصلها أو فرعها لرواية معاوية(١) انتهى ، وهذا في حكم الشجر وأما الصيد فالمشهور أنه لو كان على فرع شجرة في الحل فقتله ضمنه إذا كان أصلها في الحرم ولو نبتت في الحل وتفرعت في الحرم كانت تلك الفرع بحكم الحرم.

الحديث الخامس : حسن. وقال السيد في المدارك : يجوز للمحرم أن يترك

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ١٧٧ ح ١.

٨٢

قال يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم قال إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها.

(باب )

(ما يذبح في الحرم وما يخرج به منه)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يذبح بمكة إلا الإبل والبقر والغنم والدجاج.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن

إبله لترعى الحشيش وإن حرم عليه قطعه ، بل لو قيل : بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا لصحيحة جميل وابن حمران(١) .

الحديث السادس : ضعيف على المشهور. ويدل على المشهور في خصوص قلع الشجرة من المنزل ، واستدل على عدم جواز قلع غيرها منه ، أو قلعها من غيره بعدم القائل بالفصل وفيه إشكال.

باب ما يذبح في الحرم وما يخرج به منه

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « لا يذبح » أي مما يؤكل لحمه كما هو الظاهر ، فلا ينافي جواز قتل بعض ما لا يؤكل لحمه ، وأما استثناء الأربعة فموضع وفاق.

الحديث الثاني : حسن.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ١٧٧ ب ٨٩ ـ ح ٢.

٨٣

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما كان يصف من الطير فليس لك أن تخرجه وما كان لا يصف فلك أن تخرجه قال وسألته عن دجاج الحبش قال ليس من الصيد إنما الصيد ما طار بين السماء والأرض.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا حاضر عن الدجاج الحبشي يخرج به من الحرم فقال إنها لا تستقل بالطيران.

(باب )

(صيد الحرم وما تجب فيه الكفارة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد إلى الحرم فعليك جزاؤه فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة.

قوله عليه‌السلام : « ما كان يصف » أي يطير مستقلا فإنه من لوازمه ، وأماالدجاج الحبشي فلا خلاف في جواز صيده وإن كان وحشيا.

الحديث الثالث : حسن.

باب صيد الحرم وما تجب فيه من الكفارة

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « ما بين البريد إلى الحرم » اختلف الأصحاب في حكم صيد ما بين البريد والحرم ، فذهب : الأكثر إلى الكراهة ، وظاهر المفيد التحريم.

ثم إن الأصحاب لم يتعرض(١) لغير هاتين الجنايتين هنا وإن قيل بالتحريم.

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن الصحيح « لم يتعرضوا ».

٨٤

٢ ـ علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل أهدي له حمام أهلي وهو في الحرم فقال إن هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا مما كان يسوى في القيمة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن مثنى بن عبد السلام ، عن محمد بن أبي الحكم قال قلت لغلام لنا هيئ لنا غداء فأخذ أطيارا من الحرم فذبحها وطبخها فأخبرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال ادفنها وافد كل طائر منها.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « أصاب منه شيئا » أي ذبحه ، أو قتله ، ويدل على وجوب القيمة لقتل الحمام على المحل في الحرم وإن زادت أو نقصت عن الدرهم.

وقال سيد المحققين في المدارك : ربما ظهر من الروايات وجوب التصدق بالقيمة على المحل في الحرم في قتل الحمام سواء زادت عن الدرهم أو نقصت فإن سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة وقت السؤال.

وقال في المنتهى : الأحوط وجوب أكثر الأمرين وهو كذلك.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « لغلام لنا » لو جنى العبد في إحرامه ما يلزمه الدم.

قال الشيخ : يلزم العبد لأنه فعل ذلك بدون إذن مولاه ويسقط الدم(١) إلى الصوم.

وقال المفيد : على السيد الفداء في الصيد.

وقال في المعتبر : الجنايات كلها على السيد ، وهذا الخبر يدل على مذهب المفيد ، وحمل الدفن على الاستحباب.

الحديث الرابع : صحيح. وعليه الفتوى ولا خلاف في أن ما ذبحه المحل في

__________________

(١) هكذا في الأصل : والظاهر أنّ هنا سقط والصحيح أن يقال : ويسقط الدم ويتبدّل إلى الصوم ».

٨٥

أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهو حي فقال إذا أدخله إلى الحرم حرم عليه أكله وإمساكه فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جيء به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس للحلال.

٥ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة أن الحكم سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل أهدي له حمامة في الحرم مقصوصة فقال أبو جعفرعليه‌السلام انتفها وأحسن إليها واعلفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها.

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن مثنى بن عبد السلام ، عن كرب الصيرفي قال كنا جماعة فاشترينا طيرا فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة فأرسل كرب إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله فقال استودعوه رجلا من أهل مكة ـ مسلما أو امرأة مسلمة فإذا استوى خلوا سبيله.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا

الحرم ميتة يحرم على المحل والمحرم.

الحديث الخامس : حسن.

قوله عليه‌السلام : « أحسن إليها » لا خلاف فيه ، ولو أخرجه فتلف فعليه ضمانه إجماعا.

الحديث السادس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « استودعوه » مقتضى الرواية جواز إيداعه المسلم ليحفظه إلى أن يكمل ريشه.

واعتبر في المنتهى : كونه ثقة لرواية المثنى(١) .

الحديث السابع : صحيح.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٠٠ ح ١٠.

٨٦

عليه‌السلام قال من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن خلاد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم قال عليه الفداء قلت فيأكله قال لا قلت فيطرحه قال إذا يكون عليه فداء آخر قلت فما يصنع به قال يدفنه.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن مثنى الحناط ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة قال يرده إلى مكة.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا

قوله عليه‌السلام : « والقيمة درهم » يدل على ما هو المشهور من أن قيمته الشرعية درهم ، وإن كانت القيمة السوقية أقل أو أكثر ، ويمكن حمله على أنه كان في ذلك الوقت قيمته الوسطية درهما. ويدل على أنه يجب أن يشتري به علفا لحمام الحرم كما ذكره الأصحاب.

الحديث الثامن : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « يكون عليه فداء آخر » عمل به جماعة من الأصحاب.

قال الشهيد (ره) في الدروس : يدفن المحرم الصيد إذا قتله فإن أكله أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية.

الحديث التاسع : حسن.

قوله عليه‌السلام : « يرده إلى مكة » لا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في أن من أخرج صيدا من الحرم يجب عليه رده إليه. وإن تلف قبل ذلك ضمن ، والروايات إنما تدل على الطير والأصحاب قاطعون بعدم الفرق.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح وهو المشهور في حكم صيد المحل في المحرم ، وأما المحرم في الحل فالمشهور أن في قتل الحمام شاة ، وفي الفرخ حمل ، وفي البيضة

٨٧

عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في الحمامة درهم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ابن بكير قال سألت أحدهماعليهما‌السلام عن رجل أصاب طيرا في الحل فاشتراه فأدخله الحرم فمات فقال إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فمات فلا شيء عليه وإن كان أمسكه حتى مات عنده في الحرم فعليه الفداء.

١٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات أعليه جزاؤه قال لا ليس عليه جزاؤه لأنه رمى حيث

درهم ، ولو كان محرما في الحرم لزمه الأمران معا.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور وعليه الفتوى.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « ليس عليه جزاؤه » اختلف الأصحاب في صيد يؤم الحرم هل يحرم صيده أو يكره؟ فذهب الشيخ وجماعة من الأصحاب : إلى التحريم ، وابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى الكراهة وهو أقوى ، وأيضا اختلفوا فيما لو أصابه ودخل الحرم فمات هل يضمنه أم لا؟ والأشهر عدم الضمان وهو الأقوى لهذا الخبر الصحيح.

وقال الشهيد الثاني (ره) في المسالك : هو ميتة على القولين ويدل عليه رواية مسمع(١) كما ستأتي ورواها الشيخ في الصحيح.

ثم اعلم : أن الصدوق روى هذا الحديث بسند صحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج على وجه فيه اختلاف مع ما في المتن ، هكذا قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد فأصابه

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٢٤ ح ٢.

٨٨

رمى وهو له حلال إنما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم فليس عليه جزاؤه لأنه كان بعد ذلك شيء فقلت هذا القياس عند الناس فقال إنما شبهت لك شيئا بشيء.

١٣ ـ صفوان بن يحيى ، عن زياد أبي الحسن الواسطي ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال سألته عن قوم قفلوا على طائر من حمام الحرم الباب فمات قال عليهم بقيمة كل طير [ نصف ] درهم يعلف به حمام الحرم.

في الحل فمضى بريشه(١) حتى دخل الحرم فمات من رميته هل عليه جزاء؟ فقال ليس عليه جزاء إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم(٢) وليس عليه جزاؤه لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شيء. فقلت : هذا القياس عند الناس ، فقال : إنما شبهت لك الشيء بالشيء لتعرفه(٣) ولا يخفى أن ما في الفقيه أصوب.

الحديث الثالث : عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « نصف درهم » هذا خلاف المشهور إلا أن يحمل الحمام على الفرخ والمغلق على غير المحرم ، وفي التهذيب قيمة كل طائر درهم فيوافق المشهور. فإن المشهور بين الأصحاب أن من أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض. ضمن بالإغلاق ، فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان ، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة. والفرخ بحمل. والبيضة بدرهم إن كان محرما ، وإن كان محلا ففي الحمامة درهم. وفي الفرخ نصف وفي البيضة ربع درهم.

__________________

(١) هكذا في الأصل : وفي الفقيه : برميته.

(٢) هكذا في الأصل وفي الفقيه : « دخل الحرم فمات فليس ».

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ١٦٨ ـ ١٦٩ ح ١٢.

٨٩

وقال المحقق (ره) وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق لظاهر الرواية والأول أشبه. والرواية التي أشار إليها هو ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فقال : إن كان أغلق عليها قبل أن يحرم فإن عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، والبيض لكل بيضة ربع درهم(١) ، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإن عليه لكل طائر شاة ولكل فرخ حملا وللبيض نصف درهم(٢) وإن لم يكن تحرك فدرهم وللبيض نصف درهم(٣) .

وقال في المدارك : مقتضى الرواية وجوب الفدية بنفس الإغلاق لكنها ضعيفة السند وبمضمونها أفتى الشيخ وجمع من الأصحاب ونزلها المصنف على ما إذا هلكت بالإغلاق لأنه قبل التلف مخاطب بالإطلاق لا بالفداء ولا بالقيمة وهو جيد لكن يتوجه عليه أن إتلاف المحرم لحمام الحرم موجب للفداء والقيمة معا لا للفداء خاصة وإن كان بسبب الإغلاق كما صرح به العلامة في المنتهى وغيره ، وحمل الإغلاق الواقع في الرواية على ما كان في غير المحرم غير مستقيم.

أما أولا : فلأنه خلاف المتبادر من اللفظ.

وأما ثانيا : فلان لزوم القيمة به لغير المحرم يقتضي وجوب الفداء والقيمة على المحرم إلا أن يقال : بوجوب الفداء خاصة على المحرم في الحرم في هذا النوع من الإتلاف وإن وجب التضاعف في غيره ، ويمكن تنزيل الرواية على ما إذا جهل حال الحمام ببيضة وفراخه بعد الإغلاق ونمنع مساواة فدائه لفداء الإتلاف لانتفاء الدليل

__________________

(١) هكذا في الأصل : وفي التهذيب نصف درهم.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن جملة « وللبيض نصف درهم » غير موجودة في التهذيب.

(٣) التهذيب : ج ٥ ص ٣٥٠ ح ١٢٩.

٩٠

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله قال عليه الجزاء لأن الآفة جاءته من قبل الحرم ـ قال وسألته عن رجل رمى صيدا خارجا من الحرم في الحل فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فقال لحمه حرام مثل الميتة.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول في حمام مكة الطير الأهلي غير حمام الحرم من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه فإن كان

عليه انتهى.

أقول : ويرد عليه أيضا أن الرواية تضمنت وجوب نصف درهم للبيض إذا كان محرما وهو خلاف فتوى الأصحاب ولم يتعرض لذلك أحد ، وأيضا تضمنت الفرق بين تحرك الفرخ وعدم تحركها ولم أر قائلا به.

الحديث الرابع عشر : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « عليه الجزاء » هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وقد مر الكلام على آخر الخبر فيما تقدم.

الحديث الخامس عشر : موثق كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « غير حمام الحرم » في التهذيب كما هنا ، وفي الفقيه الطير الأهلي من حمام الحرم وهو أظهر ، وعلى ما في الأصل لعل المراد الطير الذي أدخل الحرم من خارجه ،

وأماقوله عليه‌السلام : « أفضل من ثمنه » فالظاهر أن المراد به الدرهم حيث كان في ذلك الزمان أكثر من الثمن ، فعلى القول بلزوم الثمن يكون الأفضل محمولا على الفضل.

٩١

محرما فشاة عن كل طير.

١٦ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب قال أرسلت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة فعلينا في ذلك شيء قال للرسول إني أظنهن كن فرهة قال له يذبح مكان كل طير شاة.

١٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن إبراهيم بن ميمون قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل نتف حمامة من حمام الحرم

قوله : « فإن كان محرما » أي في الحل أو المعنى فشاة أيضا.

الحديث السادس عشر : موثق.

قوله عليه‌السلام : « كن فرهة » قال في القاموس : « فره » ككرم فراهة وفراهية : حذق فهو فاره بين الفروهة ، والجمع فره كركع وسكرة وسفرة وكتب انتهى ، وغرضهعليه‌السلام : أن سبب إخراجهن من مكة إلى الكوفة لعله كان حذاقتهن في إيصال الكتب ونحو ذلك.

قوله عليه‌السلام : « إنه (١) يذبح مكان كل طير » لعله محمول على ما إذا لم يمكن إعادتها.

وظاهر كلام الشيخ في التهذيب(٢) أن بمجرد الإخراج يلزمه الدم وظاهر الأكثر أنه إنما يلزم إذا تلفت :

الحديث السابع عشر : مجهول.

قوله عليه‌السلام : «نتف حمامة» كذا في الفقيه(٣) أيضاً وفي التهذيب «نتف ريشة حمامة من حمام الحرم»(٤) ولذا قطع الأصحاب بأن من نتف ريشة من حمام الحرم كان عليه

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في الكافي « قال له : يذبح ».

(٢) التهذيب : ج ٥ ص ٣٤٩.

(٣) الفقيه : ج ٢ ص ١٦٩ ح ١٥.

(٤) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨ ح ١٢٣.

٩٢

قال يتصدق بصدقة على مسكين ويعطي باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه.

١٨ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا فقال لا يرى به أهل مكة بأسا قلت فأي شيء تقول أنت قال عليهم ثمنه.

صدقة ويجب أن يسلمها بتلك اليد الجانية ، وتردد بعضهم فيما لو نتف أكثر من الريشة.

واحتمل الأرش كقوله من الجنايات وتعدد الفدية بتعدده.

واستوجه العلامة في المنتهى تكرار الفدية إن كان النتف متفرقا ، والأرش إن كان دفعة ، ويشكل الأرش حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا كل هذا على نسخة التهذيب ، وأما على ما في المتن والفقيه يتناول نتف الريشة فما فوقها.

ويحتمل أن يكون المراد نتف جميع ريشاتها أو أكثر ، ولو نتف غير الحمامة أو غير الريش قيل : وجب الأرش ولا يجب تسليمه باليد الجانية ولا تسقط الفدية بنبات الريش كما ذكره الأصحاب.

الحديث الثامن عشر : مجهول كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « عليهم ثمنه » تفصيل القول في هذا الخبر : أنه لا يخلو إما أن يكون الطير مذبوحا للمحل أو للمحرم ، إما في الحل أو في الحرم والآكلون إما محرمون أو محلون ، فإن كان الذبح من المحل في الحل ويكون الآكلون محلين فلا يلزم شيء فلا ينبغي حمل الخبر عليه ، وإن كانوا محرمين يلزمهم الفداء أو القيمة على الخلاف فيكون الخبر مؤيدا للقول بلزوم القيمة على الأكل ، ولو كان الذابح محرما أو يكون الذبح في الحرم مطلقا يكون ميتة ويلزم القيمة على الأكل مطلقا على قول ، أو الدرهم إن كان محلا والشاة إن كان محرما ، أو هما معا إن كان محرما في الحرم على القول الآخر وعلى القول بالفداء وحمل الأكل على المحل يكون مؤيدا لكون الأصل في الفداء على المحل الثمن.

٩٣

١٩ ـ بعض أصحابنا ، عن أبي جرير القمي قال قلت لأبي الحسنعليه‌السلام نشتري الصقور فندخلها الحرم فلنا ذلك فقال كل ما أدخل الحرم من الطير مما يصف جناحه فقد دخل مأمنه فخل سبيله.

٢٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن يزيد بن خليفة قال كان في جانب بيتي مكتل فيه بيضتان من حمام الحرم فذهب الغلام يكب المكتل وهو لا يعلم أن فيه بيضتين فكسرهما فخرجت فلقيت عبد الله بن الحسن فذكرت ذلك له فقال تصدق بكفين من دقيق قال ثم لقيت أبا عبد اللهعليه‌السلام بعد فأخبرته فقال ثمن طيرين تعلف به حمام الحرم فلقيت عبد الله بن الحسن فأخبرته فقال صدقك حدث به فإنما أخذه عن آبائه.

الحديث التاسع عشر :

قولهعليه‌السلام : « فخل سبيله » المشهور جواز قتل السباع ماشية كانت أو طائرة إلا الأسد ، وربما قيل : بتحريم صيدها وعدم الكفارة ، وقال الشيخ في التهذيب(١) والفهد وما أشبهه من السباع إذا أدخله الإنسان الحرم أسيرا فلا بأس بإخراجه منه ، وبه خبر صحيح. فيمكن حمل هذا الخبر على الكراهة.

الحديث العشرون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « مكتل » هو كمنبر : زنبيل يسع خمسة عشر صاعا.

قوله عليه‌السلام : « ثمن طيرين » ظاهر هذا الخبر وغيره لزوم قيمة الطير لبيضة حمام الحرم مطلقا سواء كان محلا أو محرما ، وحمل الشيخ في التهذيب : القيمة على القيمة الشرعية للطير وهو الدرهم(٢) .

والحاصل : أن هذه الأخبار لا توافق التفصيل المشهور إلا بتكلف تام.

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ص ٣٦٧.

(٢) التهذيب : ج ٥ ص ٣٥٠.

٩٤

٢١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن فرخين مسرولين ذبحتهما وأنا بمكة فقال لي لم ذبحتهما فقلت جاءتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة ولم أذكر الحرم فقال عليك قيمتهما قلت كم قيمتهما قال درهم وهو خير منهما.

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن داود بن فرقد قال كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام بمكة وداود بن علي بها فقال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام قال لي داود بن علي ما تقول يا أبا عبد الله في قماري اصطدناها وقصيناها فقلت تنتف وتعلف فإذا استوت خلي سبيلها.

الحديث الحادي والعشرون : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « درهم » ظاهره جواز الدرهم لهما معا ويمكن حمله على أن لكل منهما درهما وعلى التقديرين محمول على ما إذا كان محلا وفي التهذيب : « وأنا بمكة محل » والخبر يدل على وجوب الكفارة في الصيد على الناسي وعليه الأصحاب.

قال العلامة في التذكرة يجب على المحرم إذا قتل الصيد الكفارة عمدا أو سهوا أو خطأ بإجماع العلماء.

الحديث الثاني والعشرون : صحيح.

قوله : « وقصيناها » أصله قصصناها وأبدلت الثانية ياء كأمليت وأمللت ، ويدل على أن حكم القماري في النتف والقص حكم غيره من الطيور ، ولا خلاف في أنه لا يجوز قتل القماري والدباسي ولا أكلهما.

واختار الشيخ في النهاية : جواز شرائهما وإخراجهما ولم يقل به أكثر المتأخرين.

٩٥

٢٣ ـ أحمد ، عن الحسن ، عن علي بن النعمان ، عن سعد بن عبد الله قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن بيضة نعامة أكلت في الحرم قال تصدق بثمنها.

٢٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى قال خرجنا إلى مكة فاصطادت النساء قمرية من قماري أمج حيث بلغنا البريد فنتفت النساء جناحيه ثم دخلوا بها مكة فدخل أبو بصير على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأخبره فقال تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه حتى إذا استوى جناحاه خلته.

٢٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عيسى ، عن عمران الحلبي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما يكره من الطير فقال ما صف على رأسك.

٢٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن داود بن أبي يزيد العطار ، عن أبي سعيد المكاري قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل قتل أسدا في الحرم قال :

الحديث الثالث والعشرون : موثق على الظاهر.

قوله عليه‌السلام : « تصدق بثمنها » حمل على ما إذا كان محلا وكانت البيضة من نعام الحرم.

الحديث الرابع والعشرون : ضعيف على المشهور.

« والأمج » بالتحريك موضع بين مكة والمدينة ذكره الجزري وقد تقدم الكلام فيه.

الحديث الخامس والعشرون : حسن. وعد في المنتقى توسط ابن أبي عمير بين حماد وإبراهيم غريبا وقد تقدم مثله.

قوله عليه‌السلام : « ما صف على رأسك » قد تقدم أنه كناية عن الاستقلال في الطيران ، والمراد بالكراهية : الحرمة.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف.

٩٦

عليه كبش يذبحه.

٢٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بكير بن أعين ، عن أحدهماعليهما‌السلام في رجل أصاب ظبيا في الحل فاشتراه فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم فقال إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فمات فلا شيء عليه وإن كان أمسكه حتى مات عنده في الحرم فعليه الفداء.

٢٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا ، عن ابن أبي نصر قال أخبرني حمزة بن اليسع قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الفهد يشترى بمنى ويخرج به من الحرم فقال كل ما أدخل الحرم من السبع مأسورا فعليك إخراجه.

٢٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليعليه‌السلام أنه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل على غصن منها طائر رماه رجل فصرعه قال عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم.

٣٠ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن عبد الأعلى بن أعين قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه إلى جانب الحرم

قوله عليه‌السلام : « عليه كبش يذبحه » حكى العلامة في المختلف عن الشيخ في الخلاف ، وابن بابويه ، وابن حمزة : أنهم أوجبوا على المحرم إذا قتل الأسد. كبشا لهذه الرواية. وهي مع ضعف سندها إنما تدل على لزوم الكبش بقتله إذا وقع في الحرم لا مطلقا ، وحملها في المختلف على الاستحباب ولا يخلو من قوة.

الحديث السابع والعشرون : حسن وعليه الفتوى.

الحديث الثامن والعشرون : مجهول. ويدل على جواز إخراج ما أدخل الحرم من السباع كما ذكره جماعة من الأصحاب.

قال في الدروس : لو كان الداخل سبعا كالفهد لم يحرم إخراجه.

الحديث التاسع والعشرون : ضعيف على المشهور ، وقد تقدم الكلام فيه

الحديث الثلاثون : مجهول. وموافق لما هو المشهور لحرمة اجتراره و

٩٧

فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه فأجره الرجل بحبله حتى أخرجه من الحرم والرجل في الحل فقال ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة.

(باب )

(لقطة الحرم)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف سنة فإن وجدت صاحبها وإلا تصدقت بها ولقطة غيرها تعرف سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك.

وجوب الرد بعده.

باب لقطة الحرم

الحديث الأول : حسن ،

قوله عليه‌السلام : « وإلا تصدقت بها » ظاهره جواز أخذ لقطة الحرم وعدم جواز تملكها بعد التعريف. واختلف الأصحاب في ذلك اختلافا كثيرا.

فذهب الشيخ في النهاية وجماعة : إلى أنه لا تحل لقطة الحرم مطلقا.

وذهب المحقق في النافع وجماعة : إلى الكراهة مطلقا.

وذهب جماعة : إلى جواز القليل مطلقا والكثير على كراهية مع نية التعريف.

والقول بالكراهة : لا يخلو من قوة ، ثم اختلف في حكمها بعد الالتقاط.

فذهب المحقق وجماعة : إلى التخيير بين التصدق ولا ضمان ، وبين إبقائها أمانة لأنه لا يجوز التملك مطلقا.

وقال المحقق في موضع آخر : يجوز التملك ما دون الدرهم دون الزائد.

وخير بين إبقائها أمانة ، والتصدق ولا ضمان.

ونقل عن أبي الصلاح : أنه جوز تملك الكثير أيضا.

والأظهر والأحوط : وجوب التصدق بها بعد التعريف كما دل عليه هذا الخبر

٩٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم قال لا يمسها وأما أنت فلا بأس لأنك تعرفها.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن فضيل بن غزوان قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له الطيار إني وجدت دينارا في الطواف قد انسحق كتابته فقال هو له.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن رجاء الأرجاني قال كتبت إلى الطيبعليه‌السلام أني كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر ثم بحثت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك فكتب فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير فإن كنت محتاجا فتصدق بثلثها وإن كنت غنيا فتصدق بالكل.

الحديث الثاني : مجهول ، وظاهره الجواز مع نية التعريف.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « هو له » قال الوالد العلامة (ره) : نسب القول بمضمون هذا الخبر : إلى ابني بابويه ، والباقون على عدم الجوار مطلقا.

ويمكن حمله على غير اللقطة من المدفون ، أو على أنهعليه‌السلام كان يعلم أنه ملك ناصبي أو خارجي فجوز أخذه لكن الحكم مذكور على العموم في الفقه الرضويعليه‌السلام .

الحديث الرابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « تصدق (١) بثلثها » احتج الشيخ بهذا الخبر على أنه إن كان له حاجة إليها يجوز تملك ثلثيها والتصدق بالباقي وأنكره العلامة ، ويمكن أن يقال : مع احتياجه يكون من مصارف الصدقة فيكون التصدق بالثلث محمولا على الاستحباب. لكن الظاهر من كلامهم وجوب التصدق على غيره إلا أن يقال : في تلك

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في الكافي « فتصدق ».

٩٩

(باب )

(فضل النظر إلى الكعبة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفرعليه‌السلام ـ وهو محتب مستقبل الكعبة فقال أما إن النظر إليها عبادة فجاءه رجل

الواقعة لما رفع أمرها إلى الإمامعليه‌السلام ، فيجوز أن يتصدقعليه‌السلام به عليه وعلى غيره فيكون مخصوصا بتلك الواقعة.

ثم إن تقريرهعليه‌السلام على أخذه يدل على جواز أخذ لقطة الحرم كما مر.

وقال في الدروس : لا فرق بين الدينار المطلس وغيره.

وقال الصدوقان : لو وجد في الحرم دينارا مطلسا فهو له بلا تعريف لرواية ابن غزوان(١) ولا بين المحتاج وغيره.

وقال ابن الجنيد : إذا احتاج إليها تصدق بثلثها. وكان الثلثان في ذمته لرواية ابن رجاء(٢) والروايتان مهجورتان.

باب فضل النظر إلى الكعبة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « وهو محتب » قال في النهاية « الاحتباء » هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب(٣) انتهى.

والمشهور بين الأصحاب كراهة الاحتباء قبالة البيت كما سيأتي وهذا الخبر يدل على عدمها ، ويمكن حمله على بيان الجواز ، وربما يجمع بين الخبرين بحمل

__________________

(١ و ٢) الوسائل : ج ٩ ص ٣٦٢ ح ٦ و ٧.

(٣) النهاية لابن الأثير : ج ١ ص ٣٣٥.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

و من العجب أنّ كلاّ منها بناها ملك عظيم في جلال سلطانه و علوّ شأنه ،

و سمّاها المنصورة تفاؤلا بالنصر ، و لا دوام ، فخربت جميعها و اندرست و تعفّت رسومها و اندحضت ١ .

و في ( المعجم ) : قال علقمة بن مرثد في قصر شرحبيل ملك اليمن العجيب في جميع أموره المسمّى بالقشيب :

أقفر من أهله القشيب

و بان عن أهله الحبيب

٢ و قال شاعر في قصر أبي الخصيب مولى المنصور أحد المنتزهات المشرف على النجف ، ذي خمسين درجة ، عجيب الصفة :

يا دار غيّر رسمها

مرّ الشمال مع الجنوب

بين الخورنق و السّدير

فبطن قصر أبي الخصيب

فالدير فالنجف الأشمّ

جبال أرباب الصليب

٣ و فيه : و من القصور قصر بهر المجور قرب همدان كلّه حجر واحد ،

منقورة بيوته و خزائنه و مجالسه و غرفه و شرفه و سائر حيطانه ، فإن كان مبنيا بحجارة مهندمة قد لوحك بينها حتّى صارت كأنّها حجر واحد لا يبين منها مجمع حجرين ، فإنّه لعجب ، و إن كان حجرا واحدا فكيف نقرت بيوته ،

و خزائنه و حجراته و دهاليزه و شرفاته ؟ فهذا أعجب ، لأنّه عظيم جدّا كثير المجالس و الخزائن و الغرف ، و في مواضع منه كتابه بالفارسية تتضمّن شيئا من أخبار ملوكهم ، و في كلّ ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة ٤ .

و فيه : و منها قصر شيرين قصر كسرى أبرويز الّذي قالوا : كان له

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القاموس المحيط ٢ : ١٤٣ مادة ( نصر ) .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٢ ، بتصرف يسير .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ ، بتصرف يسير .

( ٤ ) المصدر نفسه .

١٢١

أشياء لم تكن لملك قبله و لا بعده ، فرسه شبديز ، و مغنيه و عوّاده و جاريته شيرين ، و قصر شيرين الّذي أحد عجائب الدّنيا ، و كان سبب بنائه أنّه أمر أن يبنى له ( باغ ) يكون فرسخين في فرسخين ، و أن يحصل فيه من كلّ صيد حتّى يتناسل جميعه ، و وكلّ بذلك ألف رجل ، فأقاموا في عمله و تحصيل صيوده سبع سنين حتّى فرغوا ، فلمّا تمّ صاروا إلى البلهبد المغنّي ، و سألوه أن يخبر الملك بذلك ، فعمل صوتا و غنّاه به و سمّاه « باغ نخجيران » أي : بستان الصيد .

فطرب الملك عليه و أمر للصنّاع بمال ، فلمّا سكر قال لشيرين : سليني حاجة .

فقالت : صيّر هذا البستان نهرين من حجارة تجري فيهما الخمور ، و تبني لي بينهما قصرا لم يبن في مملكتك مثله . فأجابها إلى ذلك ١ .

و في ( المروج ) : كتب ملك الصين إلى أنو شيروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدّر و الجوهر الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود ، و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ، و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض ، إلى أخيه كسرى أنو شيروان ، و أهدى إليه فرسا من درّ منضّدا ، عينا الفارس و الفرس من ياقوت أحمر ، و قائم سيفه من زمرّد منضد بالجوهر ، و ثوب حرير صيني عسجدي فيه صورة الملك جالسا في أيوانه ، و عليه حليته و تاجه ، و على رأسه الخدم و بأبديهم المذابّ ،

و الصورة منسوجة بالذهب ، و أرض الثوب لا زورد في سفط من ذهب ، تحمله جارية تغيب في شعرها ، تتلألأ جمالا ٢ .

و فيه : و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند و عظيم أراكنة المشرق و صاحب قصر الذهب و أبواب الياقوت و الدر ، إلى أخيه ملك فارس صاحب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ بتصرّف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٢ .

١٢٢

التاج و الراية كسرى أنو شروان . و أهدى إليه ألف منّ من عود هندي يذوب في النار كالشمع ، و يختم عليه كما على الشمع فتبين فيه الكتابة ، و جاما من الياقوت الأحمر فتحته شبر مملوءأ درّا ، و عشرة أمنان كافور كالفستق و أكبر من ذلك ، و جارية طولها سبعة أذرع تضرب أشفار عينيها خدّها ، و كأنّ بين أجفانها لمعان البرق من بياض مقلتيها مع صفاء لونها ، و دقّة تخطيطها و إتقان تشكيلها ، مقرونة الحاجبين ، لها ضفائر تجرّها ، و فرش من جلود الحيّات ألين من الحرير و أحسن من الوشي ، و كان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي مكتوب بالذهب الأحمر ١ .

و كان لأنو شروان مائدة من الذهب عظيمة عليها أنواع من الجواهر ٢ .

و عن عليّ بن يقطين : كنّا مع المهدي بما سبذان فقال لي يوما : أصبحت جائعا فأتني بأرغفة و لحم بارد . ففعلت ، فأكل ثمّ دخل البهو و نام ، و كنّا نحن في الرواق فانتبهنا لبكائه ، فبادرنا إليه مسرعين فقال : أما رأيتم ما رأيت ؟ قلنا :

ما رأينا شيئا . قال : وقف عليّ رجل ، لو كان في ألف رجل ما خفي عليّ صوته و لا صورته فقال :

كأنّي بهذا القصر قد باد أهله

و أوحش منه ربعه و منازله

و صار عميد القوم من بعد بهجة

و ملك إلى قبر عليه جنادله

فلم يبق إلاّ ذكره و حديثه

تنادي عليه معولات حلائله

قال علي : فما أتت على المهدي بعد رؤياه إلاّ عشرة أيّام حتّى توفّي ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٤ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٢٣ .

١٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الفصل السادس في النبوّة الخاصّة

١٢٤

١٢٥

١

من الخطبة ( ١ ) عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ اَلْقُرُونُ وَ مَضَتِ اَلدُّهُورُ وَ سَلَفَتِ اَلْآبَاءُ وَ خَلَفَتِ اَلْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ ؟ مُحَمَّداً رَسُولَ اَللَّهِ ص لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى اَلنَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلاَدُهُ وَ أَهْلُ اَلْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَ طَوَائِفُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اِسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ اَلضَّلاَلَةِ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ اَلْجَهَالَةِ .

ثُمَّ اِخْتَارَ سُبْحَانَهُ ؟ لِمُحَمَّدٍ ص ؟ لِقَاءَهُ وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ اَلدُّنْيَا وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مُقَارَنَةِ اَلْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً ص . « على ذلك نسلت » من باب نصر ، أي : أتت بولد كثير .

« القرون » جمع القرن . و في الصحاح : القرن ثمانون سنة ، و يقال : ثلاثون سنة ، و القرن من الناس أهل زمان واحد . قال الشاعر :

١٢٦

إذا ذهب القرن الّذي أنت فيهم

و خلّفت في قرن فأنت غريب

١ « و مضت الدهور » أي : الأزمنة .

« و سلفت الآباء » أي : مضوا .

« و خلفت الأبناء » أي : صاروا خلفهم .

« إلى أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( صلى اللّه عليه و آله ) . كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« لإنجاز » أي : قضاء .

« عدته » أي : وعده الّذي وقع على لسان أنبيائه ، كما حكى تعالى عن عيسى عليه السّلام . . . و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٣ ، و عن كتابه و كتاب موسى عليه السّلام الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأميّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل . . . ٤ .

و قال أبو طالب عمّه صلى اللّه عليه و آله :

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خطّ في أوّل الكتب

« و تمام نبوّته » قال تعالى : . . . و لكن رسول اللّه و خاتم النّبيين . . . ٥ ،

و المراد تمام نبوّة اللّه تعالى باعتبار الجاعلية ، لا نبوّة النبيّ صلى اللّه عليه و آله كما قال ابن أبي الحديد ٦ ، فالضمير في ( نبوّته ) راجع إليه تعالى مثل ( عدته ) .

« مأخوذا على النبيّين ميثاقه » قال تعالى و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢١٨٠ مادة ( قرن ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ .

( ٣ ) الصف : ٦ .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٥ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

١٢٧

آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أأقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ١ .

و المراد من أخذ الميثاق على النبيّين الايجاب عليهم بيانهم لأممهم أنّ نبيّنا صلى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء ، و أنّ شريعته ناسخة لشرائعهم ، فيجب عليهم رفض شرائعهم و اتّباع شريعته .

« مشهورة سماته » أي : علاماته ، قال تعالى : الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . . . ٢ و قال عزّ و جل : الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّيُّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم . . . ٣ .

و الآية من معجزاته القطعية الّتي يثبت بها نبوّته ، فإنّه لو لم يكن يعرفونه ، و لم يكن مكتوبا في كتبهم لأتوا بكتبهم إليه و إلى أصحابه ، و قالوا له :

أين كنت مذكورا و مكتوبا ؟ و لو كان ذلك لصار أمره باطلا ، و تفرّق الناس عنه و لا سيّما كان في أصحابه منافقون منتظرون لمثله .

و ممّن عرفه بسماته ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة ، و رغّبها في التزوّج به لذلك ، و زادها في رغبتها فيه صلى اللّه عليه و آله أخبار ميسرة غلامها بما سمع من أحبار الشام فيه صلى اللّه عليه و آله ٤ .

و ممّن عرفه بسماته زيد بن عمرو بن نفيل ، قال الجزري في ( كامله ) :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨١ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٦ .

( ٣ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٤ ) سيرة ابن هشام ١ : ١٧٥ ، و غيره .

١٢٨

قال عامر بن ربيعة : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : إنّا لننتظر نبيّا من ولد إسماعيل ثمّ من بني عبد المطّلب ، و لا أراني أدركه ، و أنا أؤمن به و اصدّقه و أشهد أنّه نبيّ ، فان طالت بك حياة و رأيته فاقرئه منّي السلام ، و سأخبرك ما نعته حتّى لا يخفى عليك . قلت : هلمّ قال : هو رجل ليس بالطويل و لا بالقصير ، و لا بكثير الشعر و لا بقليله ، و لا تفارق عينيه حمرة ، و خاتم النبوّة بين كتفيه ، و اسمه أحمد ، و هذا البلد مولده و مبعثه ، ثمّ يخرجه قومه ، و يكرهون ما جاء به ، و يهاجر إلى يثرب ، فيظهر بها أمره . فإيّاك أن تنخدع عنه ، فانّي طفت البلاد كلّها أطلب دين إبراهيم عليه السّلام ، فكلّ من أسأله من اليهود و النصارى و المجوس يقول : هذا الدين و راك ، و ينعتونه مثل ما نعتّه لك ، و يقولون : لم يبق نبيّ غيره .

قال عامر : فلمّا أسلمت أخبرت النبيّ صلى اللّه عليه و آله قول زيد و أقرأته السلام ، فردّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و ترحّم عليه ١ .

و منهم : أمّية بن أبي الصّلت ، قال ابن قتيبة في ( معارفه ) : كان أميّة قد قرأ الكتب ، و رغب عن عبادة الأوثان ، و كان يخبر بأنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه ، فلمّا سمع بخروج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قصّته كفر حسدا له ، و لمّا أنشد النبيّ صلى اللّه عليه و آله شعره قال : آمن لسانه و كفر قلبه ٢ .

و فيه أيضا : كان أسعد بن كرب الحميري آمن بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله قبل أن يبعث بسبعمائة سنة ، و قال :

شهدت على أحمد أنّه

رسول من اللّه باري النّسم

فلو مدّ عمري إلى عصره

لكنت و زيرا له و ابن عم

و ألزم طاعته كلّ من

على الأرض من عرب أو عجم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٤٦ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠ .

١٢٩

و قال أبو طالب :

أمين حبيب في العباد مسوّم

بخاتم ربّ قاهر في الخواتم

يرى الناس برهانا عليه و هيبة

و ما جاهل في قومه مثل عالم

و لابن ظفر النحوي اللغوي كتاب مترجم ب ( خير البشر لخير البشر ) ،

ذكر فيه الارهاصات الّتي كانت بين يدي ظهور النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و في ( كنز الكراجكي ) في التّوراة مكتوب : « إذا جاءت الأمّة الأخيرة تتّبع راكب البعير يسبّحون الربّ تسبيحا جديدا » و راكب البعير هو نبيّنا ، و الامّة الأخيرة أمّته ٢ .

و فيه : في السفر الخامس من التّوراة : « الربّ ظهر فتجلّى على سينين ،

و أشرف على جبل ساعير ، و أشرف من جبل فاران » و جبل فاران جبل مكّة ،

و ظهور الربّ ظهور أمره ٣ .

و فيه و في الإنجيل : « ابن البشير ذاهب ، و الفارقليطا آت من بعده » ٤ و من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠ .

( ٢ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣١ بفرق يسير باللفظ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤١٩ عن الرضا عليه السّلام عن التّوراة .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و جاء في التّوراة الموجودة في سفر التثنية ، و هو السفر الخامس ، الإصحاح ٣٣ الآية ٢ و لفظه : « فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبل فاران » .

( ٤ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣٢ بفرق يسير ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤٢٠ عن الرضا عليه السّلام عن الانجيل ، و سيرة لابن هشام ١ : ٢١٥ ، و لفظة ( فارقليط ) معربة من اليونانية . و جاء هذا اللفظ في مواضع من الأصل اليوناني من العهد الجديد ، و معنى ما ذكر في متن الكتاب جاء في إنجيل يوحنا ،

الإصحاح ١٤ الآية ١٦ و ٢٦ ، و الاصحاح ١٥ الآية ٢٦ ، و الإصحاح ١٦ الآية ٧ . أمّا هذه الكلمة فجاءت في الترجمات العربية القديمة ( الفارقليط ) ، و في الترجمات العربية الجديدة ( المعزّي ) ، و أمّا معناه في اللغة اليونانية ( المستغاث ، المغيث ، الشفيع ، وكيل الدعاوى ) ، كما قاله في : ١٠٧٢ ، و غيره من كتب اللغة . و الظاهر أنّ ترجمة هذه الكلمة في ترجمات الكتاب المقدّس بمرادفات ( المعزّي ، المسلّي ، المريح ) خطأ من المترجمين السابقين ، كما صرّح بكونه خطأ في ١٤ : ٢٢٣ ، و لا يسع المقام

١٣٠

قول شعيا : قال له إليه إسرائيل : « فإذا رأيت راكبين يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما على حمار ، و الآخر على جمل » فراكب الحمار عيسى عليه السّلام ،

و راكب الجمل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ١ .

و من قول دانيال : « جاء اللّه بالبيان من جبل فاران ، و امتلأت السّماوات و الأرض من تسبيح محمّد صلى اللّه عليه و آله و أمّته » ٢ .

« كريما ميلاده » عن الصّادق عليه السّلام : كان إبليس يخترق السّماوات السبع ،

فلمّا ولد عيسى عليه السّلام حجب عن ثلاث سماوات ، و كان يخترق أربع سماوات السبع ،

فلمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله حجب عن السبع كلّها ، و رميت الشياطين بالنجوم . و قالت قريش : هذا قيام الساعة ، كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه . و قال عمرو بن أمّية و كان من أزجر أهل الجاهلية : انظروا هذه النجوم الّتي يهتدى بها ، و يعرف بها أزمان الشتاء و الصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كلّ شي‏ء ، و إن كانت ثبتت و رمي بغيرها فهو أمر حدث .

و أصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ليس منها صنم إلاّ و هو منكبّ على وجهه ، و ارتجس في تلك الليلة أيوان كسرى ، و سقطت منه أربع عشرة شرفة ، و غاضت بحيرة ساوة ، و فاض وادي السماوة ، و خمدت نيران فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام ، و رأى الموبدان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، و قد قطعت دجلة و انسربت في بلادهم ، و انفصم طاق ملك كسرى من وسطه ، و انخرقت عليه دجلة العوراء ، و انتشر للاستقصاء .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٦ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣٢ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤٢٠ عن الرضا عليه السّلام عن كتاب شعيا .

( ٢ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٤ بفرق يسير عن دانيال عليه السّلام ، و قريبا منه في الخرائج ١ : ٦٣ عن كتاب حيقوق عليه السّلام .

١٣١

في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق ، فلم يبق سرير لملك من ملوك الدّنيا إلاّ أصبح منكوسا و الملك مخرسا لا يتكلّم يومه ذلك ،

و انتزع علم الكهنة ، و بطل سحر السحرة ، و لم يبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها ، و عظمت قريش في العرب ، و سمّوا آل اللّه إلى أن قال و قالت آمنة : إنّ ابني و اللّه سقط فاتّقى الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فنظر إليها ، ثمّ خرج منّي نور أضاء له كلّ شي‏ء ، و سمعت في الوضوء قائلا يقول :

« إنّك قد ولدت سيّد الناس فسمّيه محمّدا » و أتي به عبد المطلّب لينظر إليه ، و قد بلغه ما قالت أمّه ، فوضعه في حجره ، ثمّ قال :

الحمد للّه الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

ثمّ عوّذه بأركان الكعبة ، و قال فيه أشعارا ، قال : و صاح إبليس في أبالسته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الّذي أفزعك يا سيّدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء و الأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد عيسى بن مريم ، فاخرجوا فانظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث .

فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئا . فقال إبليس : أنا لهذا الأمر . ثمّ انغمس في الدّنيا فجالها حتّى انتهى الى الحرم ، فوجده ( الحرم ) محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به ، فرجع ثمّ صار مثل الصرّ و هو العصفور فدخل من قبل حراء ، فقال له جبرائيل : وراك لعنك اللّه . فقال له :

حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحدث الّذي حدث منذ الليلة ؟ فقال له : ولد محمّد صلى اللّه عليه و آله . فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا . قال : ففي أمّته ، قال : نعم . قال :

رضيت ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في أماليه : ٢٣٥ ح ١ المجلس ٤٨ .

١٣٢

« و أهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة » كاليهود و النصارى و المجوس .

« و أهواء منتشرة » كالثنويّة و عابدي الملائكة ، و عابدي الشمس ، قال ابن قتيبة : كان في العرب قوم يعبدون الشمس و يسمّونها الإلاهة . قال الأعشى :

فلم أذكر الرهب حتّى انفتلت

قبيل الإلاهة منها قريبا

١ و قال البلاذري : إنّ الأسبذيين قوم كانوا يعبدون الخليل بالبحرين ٢ .

و قال هشام الكلبي : هم ولد عبد اللّه بن زيد بن عبد اللّه بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، و قيل لهم الأسبذيون لأنّهم كانوا يعبدون فرسا ٣ .

قلت : يقال للفرس بالفارسية ( اسب ) .

و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : كان يقال لعمرو بن حبيب الفهري المحاربي جدّ جدّ ضرار بن الخطاب : آكل السقب ، لأنّه كان أغار على بني بكر ، و كان لهم سقب يعبدونه من دون اللّه ، فأخذه و أكله ٤ .

و السقب : الذكر من ولد الناقة .

و في ( حلية أبي نعيم ) قال أبو رجاء العطاردي : كنّا نجمع التراب في الجاهلية فنجعل وسطه حفرة ، فنحلب فيها ، ثمّ نسعى حولها و نقول :

لبيك لا شريك لك .

إلاّ شريكا هو لك .

تملكه و ما ملك ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في موضعه من المعارف و لا عيون الأخبار .

( ٢ ) فتوح البلدان للبلاذري : ٨٩ .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ١ : ١٧١ .

( ٤ ) نسب قريش للزبيري : ٤٤٧ ، و النقل بتصرف .

( ٥ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٦ .

١٣٣

و كنّا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده زمانا ثمّ نلقيه ١ .

« و طوائف » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و طرايق ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« متشتّتة » كالدهريّة و الوثنيّة ، كان لربيعة بيت يطوفون به يسمّى ذو الكعبات ، و كان لخثعم بيت كان يدعى كعبة اليمامة ، و كان فيه صنم يدعى الخلصة ، و لمّا هزمت بنو بغيض من غطفان صداء من مذحج قالوا : لنتخذنّ حرما مثل مكّة لا يهاج عائذه . فبنوا حرما و وليه بنو مرّة بن عوف ، فبلغ ذلك زهير بن جناب ، فقال : و اللّه لا أخلّي غطفان تتّخذ حرما . فغزاهم و ظفر بهم ،

و أخذ فارسا منهم في حرمهم ، فقتله و عطّل ذلك الحرم .

و كانت بنو حنيفة اتّخذوا في الجاهلية إلها من حيس فعبدوه دهرا طويلا ، ثمّ أصابهم مجاعة فأكلوه ، فقال رجل من بني تميم :

أكلت ربّها حنيفة من

جوع قديم بها و من إعواز

٣ و كان الحرث بن قيس السهمي و هو أحد المستهزئين بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله يأخذ حجرا يعبده ، فإذا رأى أحسن منه ترك الأوّل و عبد الثاني ، قيل : و فيه نزل أرأيت من اتّخذ إلهه هواه . . . ٤ .

و كان أهل الجاهلية ينحرون لصخرة يعبدونها ، و يلطخونها بالدم و يسمّونها سعد الصخرة ، و كان إذا أصابهم داء في إبلهم و أغنامهم جاؤوا إلى تلك الصخرة و تمسّحوا بها الإبل و الغنم ، فجاء رجل بإبل له يريد أن يتمسّح لها بالصخرة ، و يبارك عليها ، فنفرت و تفرّقت ، فقال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٦ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « طوائف » أيضا .

( ٣ ) هذه المعاني نقلها ابن هشام في السيرة ١ : ٧٨ ، و ابن قتيبة في المعارف : ٦٢١ ، و غيرهما .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧١ ، و الآية ٤٣ من سورة الفرقان .

١٣٤

أتيت إلى سعد ليجمع شملنا

فشتّتنا سعد فما نحن من سعد

و هل سعد إلاّ صخرة بتنوفة

من الأرض لا تدعو لغيّ و لا رشد

١ و مرّ بسعد ذاك رجل و ثعلب يبول عليه ، فقال :

أ ربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

٢ و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كان أوّل شأن الأصنام أنّ الناس كانوا إذا مات لأحدهم الميّت الّذي يعزّ عليهم من أب أو أخ أو ولد صنعوا صنما على صورته ، و سمّوه باسمه ، فلمّا أدرك الخلف الّذي بعدهم ظنّوا ، و حدّثهم الشيطان : أنّه إنّما صنعت هذه لتعبد ، فعبدوها ، ثمّ فرّق اللّه دينهم ، فمنهم من عبد الأصنام ، و منهم من عبد الشّمس ، و منهم من عبد القمر ، و منهم من عبد الطير ، و منهم من عبد الحجارة ، و منهم من عبد الشجر ، و منهم من عبد الماء ،

و منهم من عبد الريح ، و فتنهم الشيطان و أضلّهم و أطغاهم ٣ .

« بين مشبّه للّه بخلقه » كاليهود حيث أثبتوا له ابنا و هو عزيز ،

و كالنصارى حيث أثبتوا له ابنا و هو عيسى ، و كصنف من العرب حيث أثبتوا له بنات ، أي : الملائكة ، فكانوا يعبدونها لتشفع لهم إلى اللّه تعالى ، و هم الّذين أخبر تعالى عنهم في قوله : و يجعلون للّه البنات سبحانه و لهم ما يشتهون ٤ ، و في قوله : و جعلوا له من عباده جزءا . . . ٥ .

« أو مشير إلى غيره » حيث جعلوا الصانع الدهر و النور و الظلمة ، و لمّا قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لقومه : أدعوكم إلى شهادة ألاّ إله إلاّ اللّه ، و خلع الأنداد . قالوا : ندع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ١ : ٧٦ .

( ٢ ) نقله أبو نعيم في الدلائل ، و ابن أبي حاتم عنهما شرح شواهد المغني ١ : ٣١٧ ٣١٨ عن راشد ابن عبد ربه .

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢١ .

( ٤ ) النحل : ٥٧ .

( ٥ ) الزخرف : ١٥ و أسقط الشارح شرح فقرة « أو ملحد في اسمه » .

١٣٥

ثلاثمائة و ستّين إلها ، و نعبد إلها واحدا ١ .

و قال ابن أبي الحديد : كان بعض العرب يقول : . . . ما هي إلاّ حياتنا الدّنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلاّ الدّهر . . . ٢ و بعضهم أقرّ بالخالق و أنكر البعث ،

و من قولهم في قتلى بدر :

أ يخبرنا ابن كبشة أن سنحيى

و كيف حياة أصداء و هام

إذا ما الرأس زال بمنكبيه

فقد شبع الأنيس من الطعام

أ يقتلني إذا ما كنت حيّا

و يحييني إذا رمّت عظامي

و بعضهم أقرّ بالخالق و نوع من الإعادة ، و أنكر الرّسل ، و عبدوا الأصنام و زعموا أنّهم شفعاء في الآخرة ، و حجّوا لها و نحروا لها الهدي و قرّبوا القربان لها ، و حلّلوا و حرّموا ، و هم جمهور العرب الّذين قال تعالى عنهم : و قالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق . . . ٣ .

و منهم من يجعل الأصنام مشاركة للباري تعالى ، كقولهم في تلبيتهم : « لا شريك لك إلاّ شريكا هو لك تملكه و ما ملك » . و منهم من يجعلها و سائل ، و هم الّذين قالوا : . . . ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى اللّه زلفى . . . ٤ . و بعضهم يعتقد التناسخ ، و منهم أرباب الهامة الّتي قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله عنهم : « لا عدوى و لا هامة و لا صفر » ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥٤ .

( ٢ ) الجاثية : ٢٤ .

( ٣ ) الفرقان : ٧ .

( ٤ ) الزمر : ٣ .

( ٥ ) هذا الحديث كثير الطرق مضطرب اللفظ أخرجه أصحاب الصحاح و غيرهم ، و أقرب الألفاظ ما أخرجه مسلم في صحيحه ٤ : ١٧٤٢ ح ١٠١ و ١٠٣ ، جمع طرق أصحاب الصحاح الستة إلى أنس و ابن عمر و جابر و أبي هريرة و سعد بن مالك و ابن عطية و استقصى اختلاف ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ٨ : ٣٩٥ ح ٥٧٩٤ ، ٥٧٩٥ ، ٥٧٩٩ ، ٥٨٠٠ ، ٥٨٠٢ ، ٥٨٠٥ .

١٣٦

و قال ذو الإصبع :

يا عمر إن لا تدع شتمي و منقصتي

أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

و بعضهم مشبّهة و مجسّمة ، و منهم أميّة بن أبي الصلت ، فقال :

فوق العرش جالس قد

حطّ رجليه إلى كرسيه المنصوب

و كان فيهم متألّهة أصحاب الورع ، كعبد اللّه و عبد المطلب و أبي طالب و زيد بن عمرو بن نفيل و قسّ بن ساعدة و عامر بن الظرب ، و كان فيهم من يميل الى اليهودية ، كجماعة من التبابعة و ملوك اليمن ، و منهم نصارى كبني تغلب و العباديين رهط عدي بن زيد و نصارى نجران ، و منهم من يميل الى الصابئة و يقول بالنجوم و الأنواء . . . ١ .

« فهداهم به من الضلالة ، و أنقذهم بمكانه من الجهالة » قال الشاعر :

رأيت الصّدع من كعب و كانوا

من الشنآن قد صاروا كعابا

و في ( الاحتجاج ) اجتمع عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوما خمسة أديان : ( اليهود ،

و النصارى ، و الدهرية ، و الثنوية ، و مشركو العرب ) فقالت اليهود : نحن نقول :

عزيز ابن اللّه و قد جئناك يا محمّد لننظر ما تقول ، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصوب منك ، و إن خالفتنا خصمناك . و قالت النصارى : نحن نقول : إنّ المسيح ابن اللّه اتّحد به ، و قد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق منك إلى الصواب ، و إن خالفتنا خصمناك . و قالت الدهرية : نحن نقول : لا بدء لها و هي دائمة ، و قد جئناك لننظر في ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق منك إلى الصواب ، و إن خالفتنا خاصمناك . و قال الثنوية : نحن نقول : النور و الظلمة هما المدبّران ، و قد جئناك لننظر في ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك ، و إن خالفتنا خصمناك . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : آمنت باللّه وحده لا شريك له ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٩ ، و النقل بتصرف و تلخيص .

١٣٧

و كفرت بكلّ معبود سواه . ثم قال لهم : إنّ اللّه قد بعثني كافة للناس بشيرا و نذيرا و حجّة على العالمين ، سيردّ كيد من يكيد دينه في نحره . ثم قال لليهود :

أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة ؟ قالوا : لا . قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيزا ابن اللّه ؟ قالوا : لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعدما ذهبت ، و لم يفعل بها هذا إلاّ لأنّه ابنه . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : فكيف صار عزيز ابن اللّه دون موسى ، و هو الّذي جاء إليهم بالتوراة و رئي منه المعجزات ؟ و لئن كان عزيز ابن اللّه لما أظهر من الكرامة باحياء التوراة ، فلقد كان موسى بالنبوّة أولى ،

و لئن كان هذا المقدار من الكرامة لعزير توجب كونه ابنه ، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النبوّة ، ثمّ إن كنتم تريدون النبوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه ، من ولادة الامهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللّه ، و شبّهتموه بخلقه ، و أوجبتم فيه صفات المحدثين ، و وجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، و أنّ له خالقا صنعه و ابتدعه . قالوا : لسنا نعني هذا ، فإنّ هذا كفر كما قلت ، لكن نعني أنّه ابنه على معنى الكرامة و إن لم يكن هناك و لادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه و إبانته بالمنزلة من غيره : « يا بنيّ » و « إنّه ابني » لا على إثبات ولادة منه ، لأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي منه لا نسب بينه و بينه ، و كذلك لمّا فعل اللّه بعزير ما فعل ، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا الولادة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم :

فهذا ما قلته لكم ، إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ، فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى و إنّ اللّه يفضح كلّ مبطل بإقراره ، و يغلب على حجّته ، إنّ ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر ممّا ذكرته لكم ، لأنّكم قلتم : إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه و بينه : « يا بنيّ » لا على طريق الولادة، فقد تجدون هذا العظيم يقول لأجنبي آخر : « هذا أخي » و لآخر « هذا شيخي

١٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و أبي » و لآخر هذا « سيّدي » و « يا سيّدي » على سبيل الإكرام ، و إنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذن يجوز عندكم أن يكون موسى أخا له و شيخا له أو أبا أو سيّدا لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير . فبهت القوم و تحيّروا و قالوا : يا محمّد أجّلنا نتفكّر في ما قلته لنا . فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم اللّه .

ثمّ أقبل على النصارى ، فقال لهم : و أنتم قلتم : إنّ القديم عزّ و جلّ اتّحد بالمسيح ابنه . ما الّذي أردتم بهذا القول ؟ أردتم بأنّ القديم صار محدثا بوجود هذا المحدث ، أم المحدث الّذي هو عيسى صار قديما بوجود القديم الّذي هو اللّه ، أو معنى قولكم اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ؟ فإن أردتم أنّ القديم صار محدثا فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، و إن أردتم أنّ المحدث صار قديما فقد احلتم ، لان المحدث أيضا محال أن ينقلب فيصير قديما ، و إن أردتم في قولكم : « اتّحد به » أنّه اختصّه و اصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الّذي اتّحد به من أجله ، لأنّه إذا كان عيسى محدثا و كان اللّه اتّحد به ، بأن أحدث فيه معنى صار أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى و ذاك المعنى محدثين ، و هذا خلاف ما بدأتم به تقولونه .

فقالت : إنّ اللّه لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكر تموه ثم أعاد ذلك كلّه فسكتوا إلاّ رجلا واحدا منهم ،

فقال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أو لستم تقولون : إنّ إبراهيم خليل اللّه ؟ قال : قد قلنا ذلك . قال الرّجل : فإذا قلتم ذلك ، فلم منعتمونا أن نقول : إنّ عيسى ابن اللّه ؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّهما لا يتشابهان ، لأنّ قولنا : إبراهيم خليل اللّه ، إنّما هو مشتق من

١٣٩

الخلّة أو الخلّة ، فأمّا الخلّة فإنّما معناها الفقر و الفاقة ، فقد كان خليلا ، أي : إلى ربّه فقيرا و إليه منقطعا ، و عن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا ، و ذلك لمّا أريد قذفه في النار ، فرمي به في المنجنيق ، فبعث اللّه إلى جبرئيل أدرك عبدي ، فجاء فلقيه في الهواء ، فقال : كلّفني ما بدالك ، قد بعثني اللّه لنصرتك . فقال : بل حسبي اللّه و نعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ، و لا حاجة لي إليك . فسمّاه خليله ، أي :

فقيره و محتاجه ، و المنقطع إليه عمّن سواه ، و إذا جعل معنى ذلك من الخلّة و هو أنّه قد تخلّل معانيه ، و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كان معناه العالم به و بأموره ، و لا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه ، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، و إنّ من يلده الرّجل و إن أهانه و أقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأنّ معنى الولادة قائم ؟ ثمّ إن وجب لأنّه قال : إبراهيم خليلي ، أن تقيسوا أنتم فتقولون : إنّ عيسى ابنه ، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى أنّه ابنه ، و أن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى :

إنّه شيخه و سيّده و عمّه و رئيسه و أميره كما ذكرته اليهود . فقال بعضهم لبعض : و في الكتب المنزلة أنّ عيسى قال : « أذهب إلى أبي » . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله : فان كنتم بذلك الكتاب تعملون ، فانّ فيه : « أذهب إلى أبى و أبيكم » ،

فقولوا : إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء اللّه ، كما كان عيسى ابنه من الوجه الّذي كان عيسى ابنه ، ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له لأنّكم قلتم : إنّه ابنه لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره ، و أنتم تزعمون أنّ الذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى : « أذهب إلى أبي و أبيكم » ، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى ، و أنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى و تأوّلتموها على غير

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605