بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113292 / تحميل: 6071
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

و في ( السبائك ) : ديانات العرب كانت متباينة مختلفة ، فصنف منهم قالوا بالدهر ، و صنف أقرّوا بالمبدأ و أنكروا المعاد ، و قالوا : . . . من يحيي العظام و هي رميم ١ ، و صنف عبدوا الأصنام ، و صنف عبدوا الملائكة ،

و صنف عبدوا الجنّ ، و صنف يميل الى اليهودية ، و صنف إلى النصرانية ،

و صنف إلى الصابئة ، و يعتقدون أنّ الكواكب فعّالة بأنفسها ٢ .

و روى ( سنن أبي داود ) : أنّ النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء ،

فكان منها : نكاح اليوم .

و الثاني : كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فستبضعي منه ، و يعتزلها زوجها و لا يمسّها أبدا حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه ، فإذا تبيّن حملها أصابها زوجها إن أحبّ ، و إنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح يسمّى نكاح الاستبضاع .

و الثالث : يجتمع الرهط دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلّهم يصيبها ، فإذا حملت و وضعت و مرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتّى يجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الّذي كان من أمركم ، و قد ولدت و هو ابنك يا فلان ، فتسمّي من أحبّت منهم باسمه ،

فيلحق به ولدها .

و الرابع : يجتمع الناس الكثير لا تمتنع ممّن جاءها ، و هنّ البغايا ، كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات يكن علما لمن أرادهنّ دخل عليهن ، فإذا حملت فوضعت ، جمعوا لها و دعوا لهم القافة ، ثمّ ألحقوا ولدها بالّذي يرون ، فالتاطه ،

و دعي ابنه لا يمتنع من ذلك .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يس : ٧٨ .

( ٢ ) سبائك الذهب للسويدي : ١٠١ ١٠٢ ، و النقل بتلخيص .

١٦١

فلمّا بعث اللّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم هدم نكاح أهل الجاهلية كلّه إلاّ نكاح أهل الاسلام اليوم ١ .

قلت : و من الثالث كان تكوّن عمرو بن العاص ، و من الرابع تكوّن زياد بن أبيه ، لكن معاوية الحقه بأبيه أبي سفيان عن هواه لا بطريقة الجاهلية عن حكم القافة ، و لا بسنّة الاسلام بكونه للفراش عبيد .

« و في شرّ دار » قال المغيرة ليزد جرد : و أمّا منازلنا فإنّما هي ظهر الأرض ٢ .

« منيخون » أي : مقيمون ، و الأصل في الإناخة : إناخة الإبل على الأرض .

« بين حجارة خشن و حيّات صمّ » و في ( الصحاح ) : الصمّة : الذكر من الحيّات ٣ .

و في ( السير ) : قال رجل : كنت بالبادية ، فرأيت ناسا حول نار فسألت عنهم ، فقالوا : صادوا حيّات فهم يشتوونها ، فأتيتهم فرأيت رجلا منهم قد أخرج حيّة من الجمر ليأكلها ، فامتنعت عليه ، فجعل مدّها ، فما صرفت بصري عنه حتّى صرع ، فمات .

هذا ، و قال ابن قتيبة : جي‏ء إلى المتوكل بأسود من بعض البوادي ، يأكل الأفاعي و هي حيّة ، يتلقّاها بالنهش من جهة رؤوسها ، و يأكل ابن عرس و هو حيّ ، يتلقاه بالأكل من جهة الرأس ٤ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السّلام : « بين حجارة خشن و حيّات صمّ » يحتمل المجاز أيضا ، و هو أحسن ، يقال للأعداء : حيّات ، و يقال للعدو : إنّه حجر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٨١ ح ٢٢٧٢ ، و غيره .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٨ سنة ١٤ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٢٨ مادة ( صم ) .

( ٤ ) لم أجده في المعارف و لا عيون الأخبار .

١٦٢

خشن المسّ ، إذا كان ألدّ الخصام ١ .

قلت : المقام ليس بمقام مجاز ، فلا جواز له فضلا عن أحسنيته . ثمّ إطلاق الحيّة و الحجر ليس مختصّا بالعدو كما قال بل يطلقان على الولي أيضا ،

فيطلقان على الرجل الشديد و ليّا أو عدوّا .

« تشربون الكدر » فلم يكن عندهم صاف ، قال الجاحظ في ( بخلائه ) في عنوان شرب العرب : كان للعرب شرب مجدوح ، و هو إذا بلغ العطش منهم المجهود نحروا الإبل و تلقّوا دمائها بالجفان كيلا يضيع من دمائها شي‏ء ، فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم ، وجدحوه بالعيدان جدحا ، حتّى ينقطع فيعتزل ماؤه من ثفله ، كما يخلص الزبد بالمخيض و الجبن بالأنفحة ، فيتصافنون ذلك الماء ،

و يبتلعون به حتّى يخرجوا من المفازة . قال : و لهم شرب غضّ و هو عصارة الفرث إذا أصابهم العطش في المفاوز ٢ .

و في ( بلدان الحموي ) : سلاح : ماء لبني كلاب شبكة ملحة لا يشرب منها أحد إلاّ سلح ٣ .

« و تأكلون الجشب » قال الجوهري : طعام جشب و مجشوب ، أي : غليظ و خشن ، و يقال : هو الّذي لا أدم معه ٤ .

سئل اعرابي : ما تأكلون و ما تعافون ؟ قال : نأكل ما دبّ وهبّ إلاّ أمّ حبين . فقال السائل : تهنئي أمّ حبين العافية .

و قال المغيرة الأسيدي ليزدجرد : كنّا نأكل الخنافس و الجعلان

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٢١ .

( ٢ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٧ ، ٣٣٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ٣ : ٢٣٣ ، و المشترك و المفترق : ٢٥٠ .

( ٤ ) صحاح اللغة ١ : ٩٩ مادة ( جشب ) .

١٦٣

و العقارب و الحيّات ١ .

قوله عليه السّلام في رواية الكليني : « تأكلون العلهز و الهبيد » ٢ ، قال الجاحظ :

العلهز : القردان ترضّ و تعجن بالدم ٣ .

و قال أبو عبيدة : الهبيد ، حبّ الحنظل زعموا أنّه يعالج حتّى يمكن أكله ٤ .

و الهبيد : كان طعام عمر في الجاهلية ، فقالوا : ذكر عمر خشونة مطعمه و ملبسه في صباه فقال : لقد رأيتني مرة و أختا لي نرعى على أبوينا ناضحا أي بعير السقي قد ألبستنا أمّنا نقبتها النقبة : قطعة من ثوب قدر السراويل ،

يجعل لها حجزة محيطة من غير نيفق ، و يشدّ حجزة السراويل و زوّدتنا من الهبيد فنخرج بناضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي و خرجت أسعى عريانا ، فنرجع إلى أمّنا و قد جعل لنا لفيتة أي : ضربا من الطبيخ كالحساء من ذلك الهبيد فيا خصباه . ذكروا ذلك في غريب حديث عمر ٥ .

و لا بدّ أنّه عليه السّلام عرّض به حيث سألوه عنه و عن أخويه .

و عدّ الجاحظ في ( بخلائه ) في طعام العرب غير العلهز و الهبيد أطعمة أخرى مذمومة منها : الغثّ ، و الدعاع ، و القدّ ، و العسوم ، و منقع البرم ، و القصيد ،

و الحيّات ، و الستشهد لها بأبيات :

كقول الشاعر :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٨ سنة ١٤ .

( ٢ ) نقلا عن رسائل الكليني ، كشف المحجة : ١٧٤ .

( ٣ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٩ .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٣ : ٤٣١ مادة ( هبد ) ، و غيره ، لكن لم أجد من نقله عن أبي عبيد .

( ٥ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ٣٣٩ مادة ( هبد ) ، و غيره .

١٦٤

لم يأكل الغث و الدعاع و لم

و قول الشاعر :

و لا أقوات أهلهم العسوم

و قول الشاعر :

من المشتوين القدّ في كلّ شتوة

و قول الشاعر :

و أنتم حلول تشتوون الأفاعيا

١ .

و قال أيضا : القوامة : نحاتة القرون و الأظلاف ، و القرّة : الدقيق المختلط بالشعر ، كان الرجل منهم لا يحلق رأسه إلاّ و على رأسه قبضة من دقيق ،

ليكون صدقة على الضرائك و طهورا له ٢ .

و قال الحموي : كان لقضاعة و لخم و جذام و أهل الشام صنم يقال له :

الأقيصر ، و كانوا يحجّون إليه و يحلقون رؤوسهم عنده ، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كلّ شعرة قرّة من دقيق و هي قبضة و كانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان ، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر ،

قال : أعطنيه يعني الدقيق فإنّي من هوازن ضارع ، و إن فاته أخذ ذلك الشعر بما فيه من القمل و الدقيق فخبزه و أكله . فقال معاوية الجرمي في أبيات :

أ لم تر جرما أنجدت و أبوكم

مع القمل في حفر الأقيصر شارع

٣ هذا ، و في ( شعراء ابن قتيبة ) : قال أبو عبيدة : دخلت على رؤبة بن العجّاج و هو يجيل جرذانا على النار ، فقلت : أتأكلها ؟ قال : نعم ، انّها خير من دجاجكم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٧ ٣٤٠ .

( ٢ ) البخلاء للجاحظ : ٣٣٩ .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ١ : ٢٣٨ ، و النقل بتقطيع .

١٦٥

إنّها تأكل البرّ و التمر ١ .

« و تسفكون دماءكم » بغير الحقّ .

« و تقتطعون أرحامكم » حتّى كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ، و يئدون بناتهم لئلاّ تصير إلى قبيلة أخرى .

« الأصنام » قال الجزري : قيل : الصنم ما كان له جسم أو صورة ، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن ٢ .

« فيكم منصوبة » لكلّ قبيلة منهم صنم ، و لابن الكلبي كتاب في أصنام العرب ، و في ( سيرة ابن هشام ) : اللاّت بيت لثقيف و يعظّمونه تعظيم الكعبة .

قال ضرار بن الخطاب الفهري :

و فرّت ثقيف إلى لاتها

بمنقلب الخائب الخاسر

٣ و فيه : قال ابن إسحاق : و اتّخذ أهل كلّ دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسّح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره ، و إذا قدم من سفره تمسّح به ، فكان ذلك أوّل ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ، فلمّا بعث اللّه تعالى رسوله محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالتوحيد قالت قريش : أجعل الإلهة إلها واحدا إنّ هذا لشي‏ء عجاب ٤ .

و قالوا : لمّا ولّت خزاعة أمر البيت ، و كان أوّل من ولي عمرو بن لحي ،

بعث العرب على عبادة التماثيل ، و أكثر من نصب الأصنام حول الكعبة .

و قالوا : كان ودّ لكلب بدومة الجندل ، و سواع لهذيل برها ، و نسر لحمير ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٣٠ .

( ٢ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٦ مادة ( صنم ) .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ١ : ٤٢ بفرق يسير .

( ٤ ) سيرة ابن هشام ١ : ٧٨ ، و الآية ٥ من سورة ( ص ) .

١٦٦

و يغوث لهمدان ، و اللاّت لثقيف ، و العزّى لكنانة و قريش و مضر كلّها و بعض بني سليم ، و السعير لعنزة ، و عوص لبكر بن وائل . قال الأعشى :

حلفت بمائرات حول عوص

و أنصاب تركن لدى السعير

و مناة بالمشلّل لغسّان و الأوس و الخزرج ، و كان هبل لقريش خاصة على ظهر الكعبة ، و أساف و نائلة على الصفا و المروة .

و عن ( تهذيب الأزهري ) : الدوّار : صنم كانت العرب تنصبه يجعلون موضعا حوله يدورون به ، و اسم ذلك الصنم و الموضع الدوّار . و منه قول امرى‏ء القيس :

فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه

عذارى دوار في ملاء مذيّل

١ و في ( القاموس ) : الضمار ككتاب : صنم عبده العبّاس بن مرداس و رهطه ٢ ، و رضا : صنم كان لطيّ ، و به سمّي جدّ زيد الخيل : عبد رضا ٣ ،

و سواع : بالضم و الفتح و قرأ به الخليل صنم عبد في زمن نوح عليه السّلام ، فدفنه الطوفان ، فاستشاره إبليس فعبد و صار لهذيل ٤ .

و في ( المعجم ) : لمّا قتلت بنو أسد حجرا ، و خرج ابنه امرؤ القيس في طلب ثأره ، مرّ بتبالة و بها صنم للعرب تعظّمه يقال له : ذو الخلصة ، فاستقسم عنده بقداحه ، و هي ثلاثة : الأمر و الناهي و المتربّص ، فأجالها فخرج الناهي ،

فجمعها و كسرها و ضرب بها وجه الصنم ، و قال : مصصت بظر أمّك ، لو قتل أبوك ما نهيتني ، و قال :

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا

مثلي و كان شيخك المقبورا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٢٩٧ مادة ( دور ) .

( ٢ ) القاموس المحيط ٢ : ٧٦ مادة ( ضمر ) .

( ٣ ) القاموس المحيط ٤ : ٣٣٥ مادة ( رضا ) و نص ما جاء فيه : « رضا : بيت صنم لربيعة » .

( ٤ ) القاموس المحيط ٣ : ٤٣ مادة ( سوع ) .

١٦٧

لم تنه عن قتل العداة زورا

ثم خرج فظفر ببني أسد ، و قتل قاتل أبيه و أهل بيته ، و ألبسهم الدروع البيض محماة و كحّلهم بالنار . و يقال : إنّه ما استقسم عند ذي الخلصة بعدها أحد بقدح حتّى جاء الاسلام و هدم .

و قالوا : كان لأهيب بن سماع صنم يقال له : راقب ، و استعان به الحرث المصطلقي في حربه ، فعقر له عقيرة ليستخيره في أمره ، فسمع منه صوتا هائلا ، فصار سبب هدايته ، و له قصّة طويلة .

و في ( أسد الغابة ) كان عمرو بن الجموح الأنصاري سيّدا من سادات بني سلمة ، و كان قد اتّخذ في داره صنما من خشب يقال له : مناف ، يعظّمه و يطهّره ، فلمّا أسلم فتيان بني سلمة ، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيحملونه ، و يطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، و فيها عذر بني سلمة منكّسا على رأسه ، فإذا أصبح عمرو قال : و يلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثمّ يغدو فيلتمسه ، فإذا وجده غسله و طيّبه ، ثمّ يقول : و اللّه لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزينّه . يفعلون به ذلك كلّ ليلة ، فلمّا ألحّوا عليه جاء بسيفه فعلّقه عليه ، ثمّ قال له : إن كان فيك خير فهذا السيف معك . فلمّا أمسى عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ، ثمّ أخذوا كلبا ميّتا فقرنوه معه بحبل ثمّ ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر الناس ، و غدا عمرو يبتغيه حتّى وجده مقرونا بكلب فأبصر رشده ، و كلّم من أسلم من قومه ، فأسلم و قال :

تاللّه لو كنت إلها لم تكن

أنت و كلب وسط بئر في قرن

١ و في ( حلية أبي نعيم ) عن أبي رجاء العطاردي : بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نحن على ماء لنا ، و كان لنا صنم مدوّر ، فحملناه على قتب ، و انتقلنا من ذلك الماء إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٢ : ٣٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

١٦٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

غيره ، فمررنا برملة ، فانسلّ الحجر فوقع في رمل فغاب فيه ، فلمّا رجعنا إلى الماء فقدنا الحجر ، فرجعنا في طلبه ، فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه . فقلت : إنّ إلها لم يمنع من تراب يغيب فيه لإله سوء ، و إنّ العنز لتمنع حياها بذنبها . فكان ذلك أوّل إسلامي ، فرجعت إلى المدينة ، و قد توفي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و قالوا : كان لسعد العشيرة صنم يقال له : فرّاض ، و يقال لسادنه : ابن وقشة ، و كان له رئي يخبره بما يكون ، فأتاه فقال له : « اسمع العجب العجاب ،

بعث أحمد بالكتاب ، بمكّة لا يجاب » .

فحكى ابن وقشة ذلك لرجل من قومه ، فلمّا سمع الرجل بخروج النبيّ صلى اللّه عليه و آله قام الى الصنم فحطّمه ، ثمّ أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأسلم ، و قال :

تبعت رسول اللّه إذ جاء بالهدى

و خلّفت فرّاضا بأرض هوان

شددت عليه شدّة فتركته

كأن لم يكن و الدهر ذو حدثان

و لمّا رأيت اللّه أظهر دينه

أجبت رسول اللّه حين دعاني

فمن مبلغ سعد العشيرة أنّني

شريت الّذي يبقى بآخر فان

٢ و قالوا : كان لبني عذرة صنم يقال له : حمام ، و كان في بني هند بن حزام ، و سادنه رجل منهم يقال له : طارق . فلمّا بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمعوا منه صوتا يقول :

يا بني هند بن حزام ، ظهر الحقّ و أودى حمام ، و دفع الشرك الإسلام ،

ففزعوا .

ثم سمعوا بعد أيّام صوتا يقول : يا طارق بعث النبيّ الصادق بوحي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٥ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٧٤ ، و النقل بتصرف .

١٦٩

ناطق . صدع صادع بأرض تهامه ، لناصريه السلامه ، و لخاذليه الندامه . هذا الوداع منّي إلى يوم القيامه . ثمّ وقع الصنم لوجهه . فأتى زمل العذري و نفر من قومه إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخبروه بما سمعوا . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ذاك كلام مؤمن من الجنّ . فأسلموا ١ ، و قال زمل :

إليك رسول اللّه أعملت نصّها

أكلّفها حزنا و فوزا من الرمل

و قالوا : كان لجهينة صنم ، فرأى سادنه في النوم من يقول : تقشّعت الظلماء ، و سطع الضياء ، و بعث خاتم الأنبياء . أقبل حقّ فسطع ، و دمغ باطل فانقمع . فكسر الصنم و لحق بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قال :

شهدت بأنّ اللّه حقّ و أننّي

لآلهة الاحجار أوّل تارك

و شمّرت عن ساق الازار مهاجرا

إليك أجوب الوعث بعد الدكادك

فبعثه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى قومه ، فأسلموا إلاّ رجلا منهم كذّبه ، فقال له : أمرّ اللّه عيش الأكذب منّي و منك ، و أبكم لسانه ، و أكمه إنسانه . فما مات حتّى عمي و افتقر و أبكم ٢ .

و في ( الأسد ) : كان لأحمر بن سواء السدوسي صنم يعبده ، فألقاه في بئر ثمّ أتى النّبي صلى اللّه عليه و آله فبايعه ٣ .

و فيه : كان اسم راشد بن حفص ظالما ، و قيل : غاويا . فسمّاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله راشدا ، و كان سادن صنم بني سليم الّذي يدعى سواعا فكسره ٤ .

و في ( المناقب ) : أنّه لمّا فتح النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكّة كان فيها ثلاثمائة و ستون صنما بعضها مشدود ببعض بالرصاص ، فأنفذ أبو سفيان من ليلة مناة إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر . آشوب ١ : ٨٧ ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٦٨ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) أسد الغابة لابن الأثير ١ : ٥٤ .

( ٤ ) أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٤٩ .

١٧٠

الحبشة ، و منها إلى الهند فهيّؤوا لها دارا من مغناطيس ، فتعلّقت في الهواء إلى أيّام محمود بن سبكتكين ، فلمّا غزاها أخذها و كسرها ، و نقلها إلى اصفهان و جعلت تحت مارّة الطريق ١ .

و في ( كامل الجزري ) في فتح مكّة : و كان على الكعبة ثلاثمائة و ستّون صنما ، و كان بيد النّبي صلى اللّه عليه و آله قضيب ، فكان يشير به إلى الأصنام و هو يقرأ . . . جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ٢ ، فلا يشير إلى صنم منها إلاّ سقط لوجهه ٣ .

و في ( تاريخ بغداد ) للخطيب : عن أبي مريم قال : قال عليّ عليه السّلام : انطلق بي النّبي صلى اللّه عليه و آله إلى الأصنام ، فقال : اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثمّ صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله على منكبي ، ثمّ قال : انهض بي إلى الصنم ، فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي تحته ، قال : اجلس ، فجلست و أنزلته عنّي ، و جلس لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ قال لي : يا علي اصعد إلى منكبي ، فصعدت على منكبيه ، ثمّ نهض بي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

فلمّا نهض بي خيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء ، و صعدت على الكعبة ، و تنحّي النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش ، و كان من نحاس موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض ، فقال لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله : عالجه ، فعالجته ، فما زلت أعالجه و النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : إيه إيه إيه ، فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه ، فقال : دقّه فدقتته ، و كسرته و نزلت ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٠٩ .

( ٢ ) الإسراء : ٨١ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٢٥٢ سنة ٨ .

( ٤ ) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٢ ، و أحمد في مسنده ١ : ٨٤ ، و النسائي في الخصائص : ١١٣ ، و الخوارزمي في مناقبه : ٧١ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ( منتخبه ) : ٤٢٩ ح ٥ ، و الجويني في فرائط السمطين ١ :

٢٤٩ ح ١٩٣ ، عن أبي مريم ، و في الباب عن أبي هريرة و جابر بن عبد اللّه ، و جمع بعض طرقه الأخرى الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ : ٢٣ ، و ابن شهر آشوب في مناقبه ٢ : ١٣٥ .

١٧١

و في ( الطبقات ) : لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه ، و أمره أن يستمدّ قومه و يوافيه بالطائف ، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين ، و جعل يحش النار في وجهه و يحرقه و يقول :

يا ذا الكفين لست من عبّادكا

ميلادنا أقدم من ميلادكا

إنّي حششت النار في فؤادكا

١ و فيه : لمّا و فد خولان على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أسلموا قال لهم : ما فعل عمّ أنس صنم لهم قالوا : بشرّ و عرّ ، أبدلنا اللّه به ما جئت به ، و لو قد رجعنا إليه هدمناه ، فلمّا رجعوا فلم يحلّوا عقدة حتّى هدموه ٢ .

و في ( انساب البلاذري ) : و من سرايا النبيّ صلى اللّه عليه و آله سرية خالد بن الوليد بعد فتح مكّة لهدم العزّى ببطن نخلة ، و سريّة عمرو بن العاص لهدم سواع برهاط من بلاد هذيل في شهر رمضان سنة ثمان ٣ .

و فيه : و من سرايا النبيّ صلى اللّه عليه و آله سريّة علي عليه السّلام لهدم الفلس صنم طيّ ،

و كان مقلّدا بسيفين أهداهما إليه الحارث بن أبي شمر ، و هما مخذم و رسوب ،

و فيهما يقول علقمة :

مظاهر سربالي حديد عليهما

عقيلا سيوف مخذم و رسوب

فأتى بهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ٤ .

هذا و في ( الطبري ) : أنّ جذيمة الأبرش اتّخذ صنمين يقال لهما :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١٣٥ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ٦١ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٣٨١ .

( ٤ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٥٢٢ ، و النقل بتصرف .

١٧٢

الضيزنان ، و مكانهما بالحيرة معروف ، و كان يستسقي بهما ، و يستنصر بهما على العدو ، فغزا أيادا ، فبعثوا قوما ، فسقوا سدنة الصنمين الخمر و سرقوهما ،

فبعثوا إلى جذيمة : إنّ صنميك أصبحا فينا ، زهدا فيك و رغبة فينا ، فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك . . . ١ .

و رووا عن هشام الكلبي في قصّة أساف و نائلة : أنّ أسافا كان رجلا من جرهم يقال له : أساف بن يعلى ، و أنّ نائلة كانت بنت زيد من جرهم ، و كان يتعشّقها بأرض اليمن ، فأقبلا حاجّين فدخلا الكعبة ، فوجدا غفلة من الناس و خلوة في البيت ، ففجر بها في البيت فمسخا ، فأصبحوا فوجدوهما مسخين فوضعا عند الكعبة ليتّعظ بهما الناس ، فلمّا طال مكثهما و عبدت الأصنام عبدا معها . فكانوا ينحرون و يذبحون عندهما إلى أن كسرهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوم الفتح في ما كسر من الأصنام . . . ٢ و لكن في خبر عن مسعدة أنّهما كانا شابّين صبيحين ، و كان بأحدهما تأنيث ، و كانا يطوفان بالبيت فصادفا من البيت خلوة ، فأراد أحدهما صاحبه ،

ففعل ، فسخهما اللّه تعالى ، فقالت قريش : لو لا أنّ اللّه رضي أن يعبد هذان معه ما حوّلهما عن حالهما ٣ .

« و الاثام بكم معصوبة » أي : مشدودة ، يقال : عصب رأسه بعصابة . كانوا يزنون ، و يشربون ، و يسرقون ، و يقامرون ، قال ابن قتيبة في ( شعرائه ) : إنّه لمّا رحل الأعشى و هو ابن قيس قتيل الجوع إلي النبيّ صلى اللّه عليه و آله في صلح الحديبية ،

فسأله أبو سفيان عن وجهه الّذي يريد ، فقال : أردت محمدا . قال : إنّه يحرم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٤٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) رواه عنه الحموي في معجم البلدان للحموي ١ : ١٧٠ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٦ ح ٢٩ .

١٧٣

عليكم الخمر ، و الزنا ، و القمار . قال : أمّا الزنا فقد تركني و لم أتركه ، و أمّا الخمر فقد قضيت منها و طرا ، و أمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا . . . ١ .

و قالوا : ان عمرو بن كلثوم ، و زهير بن جناب ، و عامر ملاعب الأسنّة ممّن غضبوا فشربوا خمرهم صرفا حتّى ماتوا .

و قيل لحنظلة بن الشرقي : ما أدنى آثامك ليلة الدير ؟ قال : نزلت بديرانية ،

فأكلت عندها طفشليا أي : مرقا بلحم خنزير ، و شربت من خمرها ، و زنيت بها ، و سرقت كأسها و مضيت .

و جعل عمرو بن لحي الخزاعي فتح باب الكعبة و غلقه إلى أبي غبشان الخزاعي ، فباعه أبو غبشان من قصيّ ببعير و زقّ خمر ، فقال شاعر :

إذا افتخرت خزاعة في قديم

وجدنا فخرها شرب الخمور

و باعت كعبة الرحمن جهرا

بزقّ بئس مفتخر الفخور

و قالوا : كان سبب الفجار الثاني من الفجار الأربعة أنّ فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ ، و عليها برقع ، و هي في درع فضل ، فأعجبهم ما رأوا من هيئتها ، فسألوها أن تسفر عن وجهها ،

فأبت عليهم ، فأتى أحدهم من خلفها ، فشدّ ذيلها بشوكة إلى ظهرها ، و هي لا تدري ، فلمّا قامت تقلص الدرع عن دبرها ، فضحكوا و قالوا : منعتنا النظر إلى وجهها ، فقد رأينا دبرها . فنادت المرأة يا آل عامر فتثاور الناس ، و وقع يوم الفجار الثاني .

و قصة ذات النحيين التي يضرب بها المثل ، و يقال : أشغل من ذات النحيين . معروفة : كانت امرأة من تيم اللّه بن ثعلبة تبيع السمن ، فأتاها خوّات بن جبير الأنصاري ليبتاع منها سمنا ، فلم ير عندها أحدا فطمع فيها و ساومها ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٧٩ .

١٧٤

فحلّت نحيا ، فنظر إليه ، ثمّ قال : أمسكيه حتّى أنظر إلى غيره فأمسكته . و قال :

حلّي نحيا آخر ، ففعلت و نظر إليه ، فقال : أريد غير هذا ، امسكيه شرد بعيري .

ففعلت ، فلمّا شغلت يديها ساورها ، فلم تقدر على دفعه حتّى قضى ما أراد و هرب ، فقال :

شغلت يديها إذ أردت خلاطها

بنحيين من سمن ذوي عجرات

فأخرجته ريّان ينطف رأسه

من الرامل المذموم بالمقرات

ثمّ أسلم و شهد بدرا ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : كيف شراؤك يا خوّات ؟

و تبسّم . فقال : رزق اللّه خيرا ، و أعوذ باللّه من الحور بعد الكور ١ .

و في رواية قال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما فعل بعيرك أشرد عليك ؟ فقال : أمّا منذ عقله الإسلام فلا ٢ .

و خوّات هذا هو الّذي شهد حفر الخندق ، و كان في ذاك الوقت لم يحلّ الإفطار في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء و النوم فنام ليلة و لم يفطر ،

فانتبه و قد حرم عليه الأكل ، و لمّا أصبح و حفر غشي عليه ، فرقّ له النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و أنزل تعالى به : . . . و كلوا و اشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . . . ٣ .

و لألفهم و اعتيادهم بالآثام سألت هذيل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يحلّ لهم الزنا ،

فقال حسّان :

سالت هذيل رسول اللّه فاحشة

ضلّت هذيل بما سالت و لم تصب

و سألت بنو عمرو بن عمير من ثقيف و بنو المغيرة من مخزوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٤٤٥ ، و أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢٥ و غيرهما .

( ٢ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٤٤٥ ، و أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢٥ و غيرهما .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٦٦ ، لكن المشهور نزول هذه الآية في قيس بن صرمة الأنصاري ، أخرجه عدة ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ١٩٧ ، ١٩٨ ، و الآية ١٨٧ من سورة البقرة .

١٧٥

النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أن يحلّ لهم الربا ، فنزلت كما في ( أسباب نزول الواحدي ) آية :

و ذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه و رسوله . . . ١ .

هذا ، و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام : إنّ ناسا أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعدما أسلموا ، فقالوا : يا رسول اللّه أيؤخذ الرجل منّا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه ؟ فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : من حسن إسلامه و صحّ يقين إيمانه لم يأخذه اللّه تعالى بما عمل في الجاهلية ، و من سخف إسلامه ، و لم يصحّ يقين إيمانه أخذه اللّه تعالى بالأوّل و الآخر ٢ .

قلت : و مصداق الأوّل خوّات المتقدّم صاحب ذات النحيين ، و مصداق الثاني المغيرة بن شعبة ، غدر في جاهليته بجمع فقتلهم و أخذ أموالهم ، و صار في إسلامه سببا لتصدي الرجلين الأجنبيين لخلافة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و صار سببا لا ستلحاق معاوية زيادا به ، و استخلافه ابنه السكّير القمّير ، كما أنّ جمعا أسلموا لو كانوا بقوا على شركهم كانوا أهون عذابا ، و هم الّذين عملوا مع أهل بيت نبيّهم ما عملوا . . . و لا يزيد الظالمين إلاّ خسارا ٣ .

٤

الخطبة ( ٨٧ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِعْتِزَامٍ مِنَ اَلْفِتَنِ وَ اِنْتِشَارٍ مِنَ اَلْأُمُورِ وَ تَلَظٍّ مِنَ اَلْحُرُوبِ وَ اَلدُّنْيَا كَاسِفَةُ اَلنُّورِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أسباب النزول للواحدي : ٥٨ ، و جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ٣٦٦ ، و الآيتان ٢٧٨ ٢٧٩ من سورة البقرة .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٦١ ح ١ .

( ٣ ) الإسراء : ٨٢ .

١٧٦

ظَاهِرَةُ اَلْغُرُورِ عَلَى حِينِ اِصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَ إِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَ اِغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ اَلْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلاَمُ اَلرَّدَى فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ثَمَرُهَا اَلْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا اَلْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا اَلْخَوْفُ وَ دِثَارُهَا اَلسَّيْفُ . و في ( ١٥٦ ) من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِنْتِقَاضٍ مِنَ اَلْمُبْرَمِ . أقول : رواهما ( الكافي ) في باب : الرّد إلى الكتاب و السنّة من ( كتاب عقله ) مع زيادة هكذا : « يا أيّها الناس إنّ اللّه تبارك و تعالى أرسل إليكم الرسول ،

و أنزل إليه الكتاب بالحقّ ، و أنتم أميّون عن الكتاب و من أنزله ، و عن الرسول و من أرسله ، على حين فترة من الرسل ، و طول هجعة من الامم ، و انبساط من الجهل ، و اعتراض من الفتنة ، و انتقاض من المبرم ، و عمى عن الحقّ ، و اعتساف من الجور ، و امتحان من الدين ، و تلظّ من الحروب . على حين اصفرار من رياض جنّات الدّنيا ، و يبس من أغصانها ، و انتثار من ورقها ، و يأس من ثمرها ،

و اغورار من مائها . قد درست أعلام الهدى ، فظهرت أعلام الردى ، فالدّنيا متجهّمة في وجوه أهلها مكفهرّة ، مدبرة غير مقبلة ، ثمرتها الفتنة ،

و طعامها الجيفة ، و شعارها الخوف ، و دثارها السيف . مزّقتم كلّ ممزّق ، و قد أعمت عيون أهلها ، و أظلمت عليها أيّامها ، قد قطعوا أرحامهم ، و سفكوا دماءهم ، و دفنوا في التراب الموءودة بينهم من أولادهم . يجتاز دونهم طيب العيش ، و رفاهية خفوض الدنيا ، لا يرجون من اللّه ثوابا ، و لا يخافون و اللّه منه عقابا . حيّهم أعمى نجس ، و ميّتهم في النار مبلس . فجاءهم

١٧٧

بنسخة ما في الصحف الأولى . . . ١ .

و عن القمي روايتهما في أوّل ( تفسيره ) ٢ .

و يناسب كلامه عليه السّلام كلام سيّدة النساء صلوات اللّه عليها في خطبتها التي رواها أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ( بلاغات نسائه ) ، فروى أنّها قالت :

ابتعثه اللّه تعالى إتماما لأمره ، و عزيمة على إمضاء حكمه ، فرأى الامم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة للّه تعالى مع عرفانها ، فأنار اللّه عزّ و جلّ بمحمّد ظلمها ، و فرّج عن القلوب بهمها ، و جلّى عن الأبصار غممها . . . ٣ .

قوله عليه السّلام فيهما : « أرسله على حين فترة » في ( النهاية ) : الفترة ما بين الرسولين من رسل اللّه تعالى من الزمان الّذي انقطعت فيه الرسالة ، و منه فترة ما بين عيسى و محمّد صلى اللّه عليه و آله ٤ .

في ( أنساب البلاذري ) : كان كعب بن لؤي يخطب الناس في أيّام الحجّ ،

فيقول : أعظموا هذا الحرم ، و تمسّكوا به فسيكون له نبأ ، و يبعث منه خاتم الأنبياء ، بذلك جاء موسى و عيسى . ثمّ ينشد :

على فترة يأتي نبيّ مهيمن

يخبّر أخبارا عليها خبيرها

٥ « من الرسل » و لم يقل من الأنبياء لاتصال الأنبياء ، و هم أوصياء المسيح من المسيح إليه صلى اللّه عليه و آله ، كما مرّ في الفصل المتقدّم ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٦٠ ح ٧ في باب الردّ الى الكتاب و السنة ، لكن هذا الباب في كتاب فضل العلم لا كتاب العقل و الجهل .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٢ .

( ٣ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٢٩ .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٠٨ مادة ( فتر ) .

( ٥ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤١ .

( ٦ ) مرّ في الفصل الخامس في العنوان ١ .

١٧٨

« و طول هجعة » قال الجوهري : الجوهري : الهجوع : النوم ليلا ١ .

« من الأمم » و عدم تنبّههم لرشدهم .

قوله عليه السّلام في الثاني : « و انتقاض من المبرم » أي : حلّ الحبلين اللذين فتلا فجعلا واحدا ، و المراد نقض الديانات الإلهية .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « و اعتزام من الفتن » قال : ابن أبي الحديد : كأنّه عليه السّلام جعل الفتن معتزمة ، أي : مريدة مصمّمة للشغب و الهرج . و يروى : « و اعتراض » و يروى : « و اعترام » بالراء المهملة من العرام ، و هي : الشّرّة ٢ .

قلت : الصحيح الأخير بتصديق ( الكافي ) ، و ( تفسير القمّي ) له نسخة واحدة مع أنّ ( الاعتزام ) بالزاي إنّما يتعدى ب ( على ) و ليس بل لم يذكر له مفعول ، ( و الاعترام ) بالراء لم يعلم استعماله مستقلا ، و إنّما يقال : صبي عارم .

« و انتشار من الأمور » و اختلالها ، و اغتشالها لعدم نظام لها .

« و تلظّ » أي : التهاب .

« من الحروب » الّتي كانت كالنار ، قال ابن قتيبة في ( معارفه ) : الأيّام المشهورة في الجاهلية يوم ذي قار : كان بين جيش أبرويز و هاني الشيباني ،

لما استودعه النعمان عياله و مائة درع ، و هرب فظفر بنو شيبان ، و يوم الفجار الأوّل : كاد أن يكون حرب و لم يقع ، و يوم الفجار الثاني : كان بين كنانة و قيس عيلان ، و يوم شويحط : كان بين اليمن و مضر . و كانت لهم في حرب بكر و تغلب ستّة أيّام مشهورة : يوم عنيزة ، و يوم واردات ، و يوم الحنو ، و يوم القصيبات ، و يوم قضة ، و يوم تحلاق اللمم ، و كانت هذه الحرب أربعين سنة ،

و حرب داحس و غبراء بين عبس و ذبيان ، تراهنوا فسبقت ( الغبراء ) فرس

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٣٠٥ مادة ( هجع ) ، و لفظ « ليلا » في بعض النسخ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٥ .

١٧٩

عبس ، فوضعت ذبيان كمينا فردّوها ، فهاجت الحرب بينهما ١ .

و في ( اشتقاق ابن دريد ) أنّه سمّي الحارث بن مالك من بني عجل و صّافا ، لأنّ المنذر الأكبر يوم أوارة قتل بكر بن وائل قتلا ذريعا ، و كان يذبحهم على جبل ، فآلى أن يذبحهم حتّى يبلغ الدم الأرض ، فقال له الوصّاف :

أبيت اللعن ، لو قتلت أهل الأرض هكذا لم يبلغ دمهم الحضيض ، و لكن تأمر بصبُّ الماء على الدم حتّى يبلغ الدم الأرض ٢ .

و فيه : و من رجال بني عكابة و قاء بن الأشعر ، و كان الأشعر سيّدا و هو لسان الحمّرة أحد البلغاء في الجاهلية ، ولد ( وقاء ) في حرب كانت بينهم ، و جاء الإسلام فاشتغلوا به ، فقال أبوه : و قانا اللّه به ، فسمّي وقاء ٣ .

و قد جمع ابن عبد ربّه في ( عقده ) ٤ ، و الجزري في ( كامله ) ٥ أيّام العرب و حروبها مبسوطة .

« و الدنيا كاسفة النور » مظلمة .

« ظاهرة الغرور » فلم يكن لأحد على معتمد .

« على حين اصفرار من ورقها » كالأشجار وقت الخريف .

« و إياس من ثمرها » بعد حصول العيب في أصلها ، حتّى يبس غصنها ،

و انتشر ورقها ، كما مرّ في رواية ( الكافي ) .

« و اغورار » كاحمرار من ( غار الماء ) : ذهب .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠٣ و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الاشتقاق لابن دريد : ٣٤٥ .

( ٣ ) الاشتقاق لابن دريد : ٣٥٤ و النقل بتصرف .

( ٤ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٢ .

( ٥ ) الكامل لابن الأثير الجزري ١ : ٥٠٢ .

١٨٠

« من مائها » يقال : ماء غور ، أي : غائر ، و نقله ابن أبي الحديد ١ : « و إعوار من مائها » و جعل « و اغورار من مائها » نسخة ، مع أنّه لا معنى لإعوار مائها و جعله له من ( فلاة عوراء ) لا ماء بها غلط ، لأنّه أثبت لها ماء ، مع أنّ ( الكافي ) ٢ و ( تفسير القمي ) ٣ أيضا نقلاه : « و اغورار » .

« قد درست » أي : صارت مندرسة .

« منار الهدى » قد عرفت أنّ في رواية ( الكافي ) ٤ : « أعلام الهدى » و هو الأنسب بقوله : « قد درست » .

« و ظهرت » للناس .

« أعلام » أي : علائم .

« الردى » أي : الهلكة .

« فهي » أي : الدّنيا .

« متجهّمة لأهلها » أي : متلقّيتهم بالغلظة ، و قال الخوئي : و في نسخة « متهجّمة لأهلها » ٥ .

قلت : هي تحريف ، لأنّه لا يقال : تهجم لفلان بل على فلان ، و النسخة إنّما تنقل في ما احتملت صحّتها .

« عابسة في وجه طالبها » فلا يحصل منها مطلوبه .

« ثمرها الفتنة » كشجرة ثمرتها مرّة .

« و طعامها الجيفة » كطعام الكلاب ، روى الطبري في ( ذيله ) أنّه قيل لعبد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٣٥ روايتين : « اعورار » و « اغورار » و أثبت الثاني في متن الخطبة .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٦٠ ح ٧ .

( ٣ ) لفظ تفسير القمي ١ : ٣ « و اغوار من مائها » .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٦٠ ح ٧ .

( ٥ ) جعل الخوئي في شرحه ٣ : ٦٤ « متهجمة » أصلا ، ثم قال : « و في بعض النسخ متجهمة بتقديم الجيم على الهاء » .

١٨١

خير : هل تذكر من أمر الجهّال شيئا ؟ و كان أتى عليه مائة و عشرون سنة . قال :

أذكر أنّ أمّي طبخت لنا قدرا ، فقلت : اطعمينا . فقالت : حتّى يجي‏ء أبوكم . فجاء أبي فقال : إنّ كتاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد جاءنا ينهانا عن لحوم الميتة . قال : فاذكر أنّها كانت لحم ميتة فأكفأناها ١ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) عن أبي رجاء العطاردي و كان أدرك الجاهلية قال : بلغنا أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نحن على ماء لنا يقال له : سند ، فانطلقنا نحو الشجرة هاربين ( أو قال هربا ) بعيالنا ، فبينما أنا أسوق بالقوم إذ وجدت كراع ظبي طريّ فأخذته فأتيت المرأة ، فقلت : هل عندك شعير ؟ فقالت : قد كان في وعاء لنا عام أوّل شي‏ء من شعير ما أدري بقي منه أم لا .

فأخذته فنفضته ، فاستخرجت منه مل‏ء كف من شعير ، فرضخته بين حجرين ، ثمّ ألقيته و الكراع في برمة ، ثمّ قمت إلى بعير ففصدته إناء من دم ثمّ أوقدت تحته ، ثمّ أخذت عودا فلبكته به لبكا شديدا حتّى أنضجته . ثمّ أكلنا ، فقال له رجل : يا أبا رجاء كيف طعم الدم ؟ قال : حلو ٢ .

و قالوا : كانت بنو أسد تأكل الكلاب ، فقال الفرزدق :

إذا أسديّ جاع يوما ببلدة

و كان سمينا كلبه فهو آكله

و قالوا : كان بنو فقعس يأكلون لحوم الناس ، قال شاعر :

إذا ما صفت ليلا فقعسيّا

فلا تأكل له أبدا طعاما

فانّ اللحم إنسانا فدعه

و خير الزاد ما منع الحراما

و عن ابن قرفة : أضافني أعرابي ، فجاءني بقدر جمّاعة ضخمة ، ليس فيها شي‏ء إلاّ قطع من لحم ، فإذا بضعة تتمّات في فمي ، و بعضة كأنّها بضع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٨١ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٥ .

١٨٢

ساق ، و بضعة كأنّها شحم رخم ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : إنّي رجل صيّاد جمعت بين ذئب و ظبي و ضبع .

« و شعارها الخوف و دثارها السيف » قال الجوهري : الشعار : ما ولي الجسد من الثياب ١ ، و الدثار : كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار ٢ .

قال تعالى : فليعبدوا ربّ هذا البيت . الّذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ٣ .

٥

من الخطبة ( ٩٢ ) حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَى ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟

فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ اَلْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ اَلْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ اِنْتَخَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ اَلْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ اَلْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ اَلشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرَةٌ لاَ تُنَالُ فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصِيرَةُ مَنِ اِهْتَدَى .

سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ سِيرَتُهُ اَلْقَصْدُ وَ سُنَّتُهُ اَلرُّشْدُ وَ كَلاَمُهُ اَلْفَصْلُ وَ حُكْمُهُ اَلْعَدْلُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ هَفْوَةٍ عَنِ اَلْعَمَلِ وَ غَبَاوَةٍ عَنِ اَلْأُمَمِ . « حتّي أفضت كرامة اللّه سبحانه إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله » روى ( سنن أبي داود ) في باب الثوم : أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم‏أتى ببدر أي : طبق فيه خضرات من البقول فوجد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٩٩ مادة ( شعر ) .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٥٥ مادة ( دثر ) .

( ٣ ) قريش : ٤٣ .

١٨٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

لها ريحا ، فقال : قرّبوها إلى بعض أصحابه كان معه ، فلمّا رآه كره أكلها ، فقال له : كلّ فإنّي أناجي من لا تناجي ١ .

« فأخرجه من أفضل المعادن منبتا » عن الكاظم عليه السّلام : أنّ يهوديا من يهود الشام و أحبارهم كان قد قرأ التوراة ، و الإنجيل ، و الزبور ، و صحف الأنبياء و عرف دلائلهم ، جاء إلى مجلس فيه أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و فيهم علي بن أبي طالب و ابن عباس و ابن مسعود و أبو سعيد الجهني ، فقال : يا أمّة محمّد ما تركتهم لنبيّ درجة ، و لا لمرسل فضيلة إلاّ نحلتموها نبيّكم ، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه ؟ فكاع القوم عنه ، فقال علي بن أبي طالب : نعم ، ما أعطى اللّه نبيّا درجة و لا مرسلا فضيلة إلاّ و قد جمعها لمحمّد صلى اللّه عليه و آله ، و زاد محمّدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة ٢ .

« و أعزّ الأرومات » بالفتح ، جمع أرومة : أصل الشجرة .

« مغرسا » من حيث النسل ، أي : النسل السامي ، و في خطبة له عليه السّلام المرويّة في ( إثبات المسعودي ) : ثمّ أذنت في إيداعه صلى اللّه عليه و آله ساما دون حام و يافث ، فضربت لهما بسهم في الذلّة ، و جعلت ما أخرجت من بينهما لنسل سام خولا ٣ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : العرب كلّها ، و الأنبياء كلّها من ولد سام ٤ .

« من الشّجرة التي صدع » أي : شقّ .

« منها أنبياءه » و المراد من الشجرة إبراهيم عليه السّلام ، فرسل جاؤوا بعده

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حديث جابر أخرجه أبو داود في سننه ٣ : ٣٦٠ ح ٣٨٢٢ ، و جمع ابن الأثير في جامع الأصول ٨ : ٢٧٩ ح ٥٥١٤ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم ، و في الباب عن علي عليه السّلام و سويد و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الاحتجاج للطبرسي : ٢١٠ عن موسى بن جعفر الكاظم عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام .

( ٣ ) إثبات الوصيّة للمسعودي : ١٠٨ .

( ٤ ) المعارف لابن قتيبة : ٢٧ ، ٢٨ .

١٨٤

كانوا من نسله .

« و انتخب » أي : اختار .

« منها أمناءه » على وحيه ، و فسّر قوله تعالى : الّذي يراك حين تقوم .

و تقلّبك في الساجدين ١ في الأخبار بمعنى : حين تقوم في النبوّة ، و تقلّبك في أصلاب النبيين .

« عترته خير العتر » كما أنّه خير البشر ، و في ( الصحاح ) : عترة الرجل :

نسله و رهطه الأدنون ٢ .

روى أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّي أوشك أن أدعى فأجيب ، و إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه عزّ و جلّ حبل ممدود بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي ، و أخبرني اللطيف أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و أسرته » و هم بنو هاشم .

« خير الأسر » فكانت بنو هاشم أفضل طوائف قريش .

« و شجرته » و هم قريش .

« خير الشجر » فكانت قريش أفضل طوائف العرب .

« نبتت في حرم » أي : عزّ و منعة ، و ليس المراد مكّة كما احتمله ابن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٨ ٢١٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٧٣٥ مادة ( عتر ) .

( ٣ ) هذا الحديث المعروف بحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة ، أخرجه أحمد بأربع طرق في مسنده ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٢ ، و أبو يعلى في مسنده ، و الباوردي عنهما إحياء الميت : ١٣ ، ٤٧ ح ٨ ، ٥٥ ، و الطبراني في معجمه عنه الدر المنثور ٢ : ٦٠ ، و الثعلبي في تفسيره عنه ينابيع المودة : ٣٢ ، و الصدوق بخمس طرق في كمال الدين : ٢٣٥ ٢٤٠ ح ٤٦ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ٦١ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٢٦١ المجلس ٩ و غيرهم عن أبي سعيد الخدري ، و في الباب عن علي و فاطمة و الحسن عليهم السلام و ابن عباس و زيد بن الأرقم و ثلاثة عشر آخرين من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و آله .

١٨٥

أبي الحديد ١ ، فلو كانت مرادة لقال : في الحرم لا في حرم .

« و بسقت » أي : علت .

« في كرم » و شرف . روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بيّنا في المسجد الحرام ، و عليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا ناقة ،

فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء اللّه ، فذهب إلى أبي طالب ، فقال له : يا عمّ كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له : و ما ذاك يابن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة ، و أخذ السيف و قال لحمزة : خذ السلا . ثمّ توجّه إلى القوم و النبيّ صلى اللّه عليه و آله معه ، فأتى قريشا و هم حول الكعبة ، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه ، ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلا على سبالهم ، ففعل ذلك حتّى أتى على آخرهم ، ثم التفت أبو طالب إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : يا ابن أخي هذا حسبك فينا ٢ .

« لها فروع طوال » قال تعالى له : إنّا أعطيناك الكوثر . فصلّ لربّك و انحر . إنّ شانئك هو الأبتر ٣ .

« و ثمرة لا تنال » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و ثمر لا ينال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، قال ابن أبي الحديد : ليس على أن يريد به أنّ ثمرها لا ينتفع به ، لأن ذلك ليس بمدح ، بل يريد به أنّ ثمرها لا ينال قهرا ،

و لا يجنى غصبا ٥ .

قلت : إنّما ينال قهرا و غصبا من الإنسان لا من الشجر و الثمر ، و الصواب أن يقال : إنّ شرف الشجر بعلوّه حتّى لا ينهب ثمره كلّ من مرّ عليه ، و المراد أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٤٤٩ ح ٣٠ و جمع آخر .

( ٣ ) الكوثر : ١ ٣ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ « تنال » أيضا .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ .

١٨٦

علوم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و كمالاته ليست عاديّة متعارفة حتّى يدّعي نيابته كلّ أحد ،

و غرضه عليه السّلام التعريض بالمتقدّمين عليه بكونهم غير أهلين لتصدي مقامه صلى اللّه عليه و آله ، لأنّ النائب كالمنوب عنه بقضية العقول ، و أين هم من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

و إنّما كان أهل بيته مثله ، و ممّا يوضح كونهم عليهم السلام ثمرة شجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله قوله عليه السّلام لمّا بلغه أنّ قريشا احتجّوا في السقيفة لتقدّمهم على الأنصار بكونهم شجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله : « احتجّوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة » ١ . و في زياراتهم عليهم السلام : « السلام على الشجرة النبوية ، و الدوحة الهاشمية المضيئة المثمرة بالنبوّة ، المونعة بالإمامة » ٢ .

« فهو إمام من اتّقى » اللّه في عمله فليتّبعه غيره ، روى ( الطبري ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله عدّل صفوف أصحابه يوم بدر و في يده قدح يعدّل به القوم ، فمرّ بسواد بن غزية حليف بني عدي من النجّار و هو مستنتل من الصف ، فطعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله في بطنه بالقدح ، و قال : استويا سواد بن غزية . فقال : يا رسول اللّه أو جعتني و قد بعثك اللّه بالحقّ ، فأقدني . فكشف النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن بطنه ، ثمّ قال :

استقد . فاعتنقه و قبّل بطنه ، فقال ما حملك على هذا يا سواد ؟ فقال : يا رسول اللّه حضر ما ترى فلم آمن القتل ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك . فدعا له النبيّ صلى اللّه عليه و آله بخير ٣ .

« و بصيرة من اهتدى » فليسلك مسلكه ، روى الطبري عن أبي سفيان قال :

كنّا قوما تجّارا ، و كانت الحرب بيننا و بين محمّد قد حصرتنا حتّى نهكت أموالنا ، فلمّا كانت الهدنة بيننا و بينه لم نأمن أن لا نجد أمنا فخرجت في نفر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الشريف الرضي ضمن خطبة في نهج البلاغة ١ : ١١٦ الخطبة ٦٥ .

( ٢ ) رواه في صدر زيارة المجلسي في البحار ١٠٢ : ٢١٢ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٤٨ سنة ٢ .

١٨٧

من قريش تجّارا إلى الشام ، و كان وجه متجرنا غزّة ، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من فارس ، و أخرجهم منها ، و انتزع له منهم صليبه الأعظم ، و كانوا قد استلبوه إيّاه ، فلمّا بلغ ذلك منهم و بلغه أنّ صليبه قد استنقذ له ، و كانت حمص منزله ، خرج منها يمشي على قدميه متشكرا للّه حين ردّ عليه ما ردّ ليصلّي في بيت المقدس ، تبسط له البسط ، و تلقى عليها الرياحين ، فلمّا انتهى إلى إيليا ، و قضى فيها صلاته ، و معه بطارقته ، و أشراف الروم ، أصبح ذات غداة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء ، فقال له بطارقته : قد أصبحت مهموما . قال : أجلّ أريت في هذه الليلة أنّ ملك الختان ظاهر . قالوا له : ما نعلم أمّة تختتن إلاّ اليهود ، و هم في سلطانك ، فابعث إلى كلّ من لك عليه سلطان في بلادك ، مره ليضرب أعناق كلّ من تحت يديه من يهود و استرح من هذا الهمّ ،

و أنّهم لفي ذلك من رأيهم يديرونه ، إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده و كانت الملوك تهادى الأخبار بينها فقال : إنّ هذا الرجل من أهل الشام و الإبل ، يحدّث عن أمر حدث ببلاده عجب ، فسله عنه . فلمّا انتهى به إلى هرقل قال لترجمانه : سله ما كان فسأله ، فقال : خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنّه نبيّ ، و قد اتّبعه ناس و صدّقوه ، و خالفه ناس ، و قد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة ، فتركتهم على ذلك . فلمّا أخبره الخبر ، قال : جرّدوه . فجرّدوه ،

فإذا هو مختون . فقال هرقل : هذا و اللّه الذي أريت لا ما تقولون . أعطوه ثوبه .

انطلق عنّا .

ثم دعا صاحب شرطته ، فقال له : قلّب الشام لي ظهرا و بطنا حتّى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل يعني النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال أبو سفيان : و أنا بغزّة ، إذ هجم علينا صاحب شرطته ، فقال : أنتم من قوم هذا الرجل الّذي ظهر بالحجاز ؟

قلنا : نعم . قال : انطلقوا إلى الملك . فانطلقنا ، فلمّا انتهينا إليه ، قال : أنتم من رهط

١٨٨

هذا الرجل ؟ قلنا : نعم . قال : فأيّكم أمسّ به رحما ؟ قلت : أنا . فقال : ادن فأقعدني بين يديه ، و أقعد أصحابي خلفي ، ثمّ قال : إنّي سأسأله ، فإن كذب فردّوا عليه قال أبو سفيان : فو اللّه لو كذبت ما ردّوا عليّ ، و لكنّي كنت امرأ سيّدا أتكرّم عن الكذب ، و عرفت أنّ أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عليّ ثمّ يحدّثوا به عنّي فلم أكذبه فقال : اخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهر كم يدّعي ما يدّعي . فجعلت أصغّر أمره ، و أقول : ما يهمّك من أمره ، إنّ شأنه دون ما يبلغك . فجعل لا يلتفت إلى ذلك ، ثمّ قال : أنبئني عمّا أسألك عنه من شأنه . قلت : سل . قال : كيف نسبه ؟ قلت : محض أوسطنا نسبا . قال : هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول به ، فهو يتشبّه به ؟ قلت : لا . قال : فهل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه ؟ قلت : لا . قال :

فأخبرني عن أتباعه منكم من هم ؟ قلت : الضعفاء و المساكين و الأحداث من الغلمان و النساء ، و أما ذوو الأسنان و الشرف من قومه ، فلم يتّبعه منهم أحد .

قال : فأخبرني عمّن تبعه ، أيحبّه و يلزمه أم يقليه و يفارقه ؟ قلت : ما تبعه رجل ففارقه . قال : فأخبرني عن الحرب بينكم و بينه . قلت : سجال يدال علينا ، و ندال عليه . قال : فأخبرني هل يغدر ؟ فلم أجد شيئا ممّا سألني عنه أغمزه فيه غيرها ،

قلت : لا ، و نحن منه في هدنة ، و لا نأمن غدره فو اللّه ما التفت إليها منّي ، ثمّ كرّ عليّ الحديث قال : سألتك كيف نسبه فيكم ؟ فزعمت أنّه محض من أوسطكم نسبا ، و كذلك يأخذ اللّه الأنبياء ، و سألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول بقوله فهو يتشبّه به ، فزعمت أن لا ، و سألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه ،

فجاء بهذا الحديث يطلب به ملكه ، فزعمت أن لا ، و سألتك عن أتباعه ، فزعمت أنّهم الضعفاء و المساكين و الأحداث و النساء ، و كذلك أتباع الأنبياء في كلّ زمان ، و سألتك عمّن يتّبعه ، أيحبّه و يلزمه أم يقليه و يفارقه ، فزعمت ألاّ يتّبعه

١٨٩

أحد فيفارقه ، و كذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه ، فلئن كنت صدقتني عنه ليغلبني على ما تحت قدميّ هاتين ، و لوددت أنّي عنده فأغسل قدميه ، انطلق لشأنك . فقمت من عنده و أنا أضرب إحدى يديّ على الأخرى ،

و أقول : يا عباد اللّه لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، لقد أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام ١ .

« سراج لمع ضوءه » فلم يبق معه ظلمة .

« و شهاب » في ( النهاية ) : الشهاب : الّذي ينقضّ في الليل شبه الكوكب ، و هو في الأصل الشعلة من النار ٢ .

« سطع » أي : ارتفع .

« نوره » حتّى أضاء كلّ جانب .

« و زند » في ( الصحاح ) : الزند : العود الّذي يقدح به النار ، و هو الأعلى ،

و الزندة : السفلى فيها ثقب ، و هي الأنثى ، فإذا اجتمعا قيل : زندان ، ثم قال : و تقول لمن أنجدك و أعانك : وردت بك زنادي ٣ .

« برق لمعه » حتّى حصلت منه الاستنارة ، في ( الطبقات ) : أنّ عليّا عليه السّلام كان إذا نعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لم يكن بالطويل الممغّط ، و لا بالقصير المتردّد ، كان ربعة من القوم و لم يكن بالجعد القطط ، و لا السبط ، كان جعدا رجلا ، و لم يكن بالمطهّم و لا المكلثم ، و كان في وجهه تدوير أبيض مشرب ، أدعج العينين ،

أهب الأشفار ، جليل المشاش و الكتد ، أجرد ذا مسربة ، شثن الكفّين و القدمين ،

إذا مشى تقلّع كأنّما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٩ سنة ٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥١٢ مادة ( شهب ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٤٧٨ مادة ( زند ) .

١٩٠

النبوّة ، و هو خاتم النبييّن . أجود الناس كفّا ، و أجرأ الناس صدرا ، و أصدق الناس لهجة ، و أوفى الناس بذمّة ، و ألينهم عريكة ، و أكرمهم عشرة . من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبّه . يقول ناعته لم أر قبله و لا بعده مثله ١ .

« سيرته القصد » أي : الوسط ، ليس بإفراط و لا تفريط ، و في الخبر كانت صلاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله قصدا و خطبته قصدا ٢ .

« و سنّته الرشد » روى ( سنن أبي داود ) عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال :

بايعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببيع قبل أن يبعث و بقيت له بقيّة ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ، فنسيت ، ثمّ ذكرت بعد ثلاث . فجئت فإذا هو في مكانه . فقال : يا فتى لقد شققت عليّ ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك ٣ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يقسم لحظاته بين جلسائه ، قال عمّه أبو طالب فيه :

و ميزان صدق لا يخيس شعيرة

و وزّان صدق وزنه غير عائل

و في ( الطبقات ) : عن أمير المؤمنين عليه السّلام كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا أوى إلى منزله جزّا دخوله ثلاثة أجزاء : جزء للّه ، و جزء لأهله ، و جزء لنفسه . ثمّ جزّا جزأه بينه و بين الناس ، فيسرد ذلك على العامة بالخاصة و لا يدّخر عنهم شيئا .

و كان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل ناديه ، و قسمه على قدر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ١٢١ ، و ابن هشام في السيرة ٢ : ٣٥ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٥٩٩ ، و البيهقي في الدلائل ، و الكجي ، و هشام بن عمّار في البعث عنهم منتخب كنز العمال ٣ : ٩١ ، و الخطيب في تاريخ بغداد ١١ : ٣٠ ، و الثقفي في الغارات ١ : ١٦١ .

( ٢ ) أخرجه مسلم بطريقين في صحيحه ٢ : ٥٩١ ح ٤١ و ٤٢ ، و الترمذي في سننه ٢ : ٣٨١ ح ٥٠٧ ، و النسائي في سننه ٣ : ١٩١ ، و ابن ماجة في سننه ١ : ٣٥١ ح ١١٠٦ ، و الدارمي في سننه ١ : ٣٦٥ ، و أحمد بطرق عديدة في مسنده ٣ : ٩١ و غيره .

( ٣ ) سنن أبي داود ٤ : ٢٩٩ ح ٤٩٩٦ .

١٩١

فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، و منهم ذو الحاجتين ، و منهم ذو الحوائج ،

فيتشاغل بهم و يشغلهم في ما أصلحهم و الأمة من مسألته عنهم ، و إخبارهم بالّذي ينبغي لهم ، و يقول : ليبلّغ الشاهد الغائب ، و أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته ، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة . لا يذكر عنده إلاّ ذلك ، و لا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روّادا و لا يفترقون إلاّ عن ذواق و يخرجون أدلّة . ثم قال : كان صلى اللّه عليه و آله يخزن لسانه إلاّ ممّا يعنيهم و يؤلّفهم و لا يفرّقهم أو قال : ينفّرهم و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم ، و يحذر الناس و يحترس منهم ، من غير أن يطوي من أحد بشره و لا خلقه ، و يتفقّد أصحابه ، و يسأل الناس عمّا في الناس ، و يحسّن الحسن و يقوّيه ، و يقبّح القبيح و يوّهنه . معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ، لكلّ حال عنده عاد ، لا يقصر عن الحقّ و لا يجوزه . الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة ، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة و موازرة .

ثمّ قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يجلس و لا يقوم إلاّ عن ذكر ، لا يوطّن الأماكن ، و ينهى عن إيطانها ، و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ،

و يأمر بذلك ، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه ، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، و من سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه و خلقه ، فصار لهم أبا ، و صاروا في الحقّ عنده سواء . مجلسه مجلس حلم و حياء ، و صبر و أمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، و لا تؤبّن فيه الحرم ، و لا تنثى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعين يوقّرون فيه الكبير و يرحمون فيه الصغير و يؤثرون ذا الحاجة و يحفظون أو يحوطون الغريب .

١٩٢

ثم قال : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ و لا غليظ ، و لا صخّاب ، و لا فحّاش و لا عيّاب ، يتغافل عمّا لا يشتهي ، و لا يدنس منه ، و لا يجنب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء و الإكثار ، و ممّا لا يعنيه ،

و ترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحدا و لا يعيّره ، و لا يطلب عورته ، و لا يتكلّم إلاّ في ما رجا ثوابه . إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، و لا يتنازعون عنده ، من تكلّم انصتوا له حتّى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوّ ليتهم ، يضحك ممّا يضحكون منه ، و يتعجّب ممّا يتعجبون منه ،

و يصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته إلى أن قال :

كان سكوت النبيّ صلى اللّه عليه و آله على أربع : على الحلم و الحذر و التقرير و التفكّر ،

فأمّا تقريره ففي تسوية النظر و الاستماع من الناس ، و أمّا تذكّره أو تفكّره ففي ما يبقى و يفنى ، و جمع الحلم و الصبر ، و كان لا يغضبه شي‏ء و لا يستنفره ،

و جمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسني ليقتدى به ، و تركه القبيح ليتناهى عنه ، و اجتهاده الرأي في ما أصلح أمّته ، و القيام في ما جمع لهم الدّنيا و الآخرة ١ .

« و كلامه الفصل » قال صلى اللّه عليه و آله : أوتيت جوامع الكلم ٢ . و ليس بعد كلام اللّه تعالى كلام فوق كلامه ، و قد جمع جمع من العامة و الخاصة كلمه صلى اللّه عليه و آله كالزجاجي صاحب المبرد ، و نفطويه النحوي ، و جعفر بن حمدان الموصلي ،

و المصنّف في كتابه ( المجازات النبويّة ) .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ١٢٩ ، و الصدوق بثلاث طرق في معاني الأخبار : ٧٩ ح ١ و بطريق واحد في عيون الأخبار ١ : ٢٤٦ ، و قال الصدوق في ذيل الحديث في العيون : « و قد رويت هذه الصفة عن مشائخ بأسانيد مختلفة أخرجتها في كتاب النبوّة » . و هذا الكتاب مفقود .

( ٢ ) هذا جزء من حديث أبي هريرة ، أخرجه بهذا اللفظ مسلم بطريقين في صحيحه ١ : ٣٧٢ ح ٧ ، ٨ ، و جمع ابن الأثير في جامع الأصول ٩ : ٣٩٣ ح ٦٣٢٠ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم .

١٩٣

و عن الجاحظ : يجب أن يكون الإنسان سخيّا لا يبلغ التبذير ، و شجاعا لا يبلغ الهوج ، محترسا لا يبلغ الجبن ، ماضيا لا يبلغ القحة ، قوّالا لا يبلغ الهذر ،

صموتا لا يبلغ العيّ ، حليما لا يبلغ الذلّ ، منتصرا لا يبلغ الظلم ، وقورا لا يبلغ البلادة ، نافذا لا يبلغ الطيش . ثمّ وجدنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد جمع ذلك كلّه في كلمة واحدة ، و هي قوله : « خير الأمور أوسطها » فعلمنا أنّه أوتي جوامع الكلام ، و علم فصل الخطاب ، و من عجيب كلماته قوله صلى اللّه عليه و آله : « خمس من أتى اللّه بهنّ أو بواحدة منهنّ أوجبت له الجنّة : من سقى هامّة صادية ، أو أطعم كبدا هافية ، أو أكسى جلدا عارية ، أو حمل قدما حافية ، أو أعتق رقبة عانية » .

و روى ( الكافي ) أنّ أعرابيا قدم بإبل له ، فقال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : يا رسول اللّه بع لي إبلي هذه . فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله : لست ببيّاع في الأسواق . قال : فأشر عليّ .

فقال له : بع هذا الجمل بكذا ، و بع هذه الناقة بكذا ، حتّى وصف له كلّ بعير منها .

فخرج الأعرابي إلى السوق فباعها ، ثم جاء إليه ، فقال : و الّذي بعثك بالحقّ مازادت درهما و لا نقصت درهما ممّا قلت لي . . . ١ .

و في ( سنن أبي داود ) عنه صلى اللّه عليه و آله قال : « لا طلاق ، و لا عتاق في غلاق » ٢ .

قلت : و هو دليل على بطلان مذهبهم في الحلف بالعتاق و الطلاق .

و فيه أيضا : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا دخل على عائشة و رأى عندها رجلا ،

فتغيّر وجهه ، فقالت : إنّه أخي من الرضاعة . قال : انظرن من اخوانكنّ ، فانّما الرضاعة من الجماعة ٣.

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٣١٧ ح ٥٤ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ ح ٢١٩٣ ، و سنن ابن ماجه ١ : ٦٥٩ ح ٢٠٤٦ ، و المستدرك للحاكم عنه الجامع الصغير ٢ : ٢٠٣ و غيرهم .

( ٣ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٢ ح ٢٠٥٨ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٢ : ١٠٧٨ ، ١٠٧٩ ح ٣٢ ، ٣٣ ، و النسائي في سننه ٦ : ١٠٢ ، و ابن ماجه في سننه ١ : ٦٢٦ ح ١٩٤٥ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٦ : ٩٤ ، ١٧٤ ، ١١٤ و النقل بتصرف في اللفظ .

١٩٤

و في ( السيرة ) : عن أبي عياش قال : قال لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله في غزوة ذي قرد :

« لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك ، فقلت : أنا أفرس الناس . فو اللّه ما جرى بي خمسين ذراعا حتّى طرحني ، فعجبت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لو أعطيته أفرس منك ، و أنا أقول : أنا أفرس الناس ١ .

و فيه أيضا : و أقبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله في المسلمين ، فإذا مسجّى ببردة أبي قتادة ، فاسترجع الناس و قالوا : قتل أبو قتادة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ليس بأبي قتادة ، و لكنّه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده لتعرفوا أنّه برده ٢ .

و فيه أيضا بعد ذكر إغارة عيينية على لقاح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و فيها رجل من غفار ، فقتلوا الرجل ، و احتملوا المرأة في اللقاح قال : و أقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قالت : نذرت للّه أن أنحرها إن نجّاني اللّه عليها .

فتبسّم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : بئس ماجزيتها أن حملك اللّه عليها و نجّاك بها ثمّ تنحرينها ، إنّه لا نذر في معصية اللّه ، و لا في ما لا تملكين ، إنّما هي ناقة من إبلي ،

فارجعي إلى أهلك على بركة اللّه ٣ .

« و حكمه العدل » أعطى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ليهود خيبر أرضها و نخلها بالمناصفة ، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة ، فقوّم عليهم و خرص ،

فقال لهم : إمّا أن تأخذوه و تعطوني نصف التمر ، و إمّا أخذه و أعطيكم نصف التمر . فقالوا : بهذا قامت السماوات و الأرض ٤ .

و روى ( الكافي ) أنّ رجلا من الأنصارى و رجلا من ثقيف أتيا النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

فقال الثقفي : يا رسول اللّه حاجتي . فقال صلى اللّه عليه و آله : سبقك أخوك الأنصاري . فقال : يا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٧٦ و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٧٦ و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٣ ) السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ١٧٨ و النقل بتصرف .

( ٤ ) أخرجه أحمد بطريقين في مسنده ٢ : ٢٤ ، و ٣ : ٣٦٧ و غيره .

١٩٥

رسول اللّه إنّي على ظهر سفر ، و إنّي عجلان . و قال الأنصاري : إنّي قد أذنت له . . . ١ .

و في خبر من صار رئيس الخوارج أنّه قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله في غنائم خيبر :

ما عدلت فغضب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال له : و يلك إذا لم يكن العدل عندي ، فعند من يكون ؟ فأراد المسلمون قتله ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : دعوه فإنّه سيكون له أتباع يمرقون من الدّين . . . ٢ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام : أنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، و كان منزل الأنصاري بباب البستان ، و كان يمرّ به إلى نخلته و لا يستأذن ، فشكاه الأنصاري إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فأرسل إليه و قال له : إذا أردت الدخول فاستأذن . فأبى ، فساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه ، فأبى أن يبيع ، فقال : لك بها عذق في الجنّة . فأبى ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للأنصاري : اذهب فاقلعها و ارم بها إليه ، فإنّه لا ضرر و لا ضرار ٣ .

و روى ( سنن أبي داود ) أنّ جمعا من الصحابة كانوا مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فنام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ، ففزع ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما ٤ .

« على حين فترة » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أرسله على حين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي الكليني ٤ : ٢٦١ ح ٣٧ ، و الشهيد في الأربعين : ١٠ ح ١٥ ، و أخرجه برواية أخرى الكافي للكليني ٣ : ٧١ ح ٧ ، و الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٠ ح ١ .

( ٢ ) أخرجه مسلم بثلاث روايات في صحيحه ٢ : ٧٤٠ ح ١٤٢ ، و : ٧٤٤ ح ١٤٨ ، و في لفظ الحديث اضطراب ، جمع ابن الأثير في جامع الأصول ١٠ : ٤٣٦ ح ٧٥٣١ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم ، و اسم الرجل ذو الخويصرة .

( ٣ ) هذا تلخيص حديث أخرجه الكليني بطريقين في الكافي ٥ : ٢٩٢ ، ٢٩٤ ح ٢ ، ٨ ، و الفقيه للصدوق ٣ : ١٤٧ ح ١٨ ،

و التهذيب للطوسي ٨ : ١٤٦ ح ٣٦ ، و بفرق الفقيه للصدوق ٣ : ٥٩ ح ٩ ، و أما فقرة « لا ضرر و لا ضرار » فمشهورة كثيرة الرواية .

( ٤ ) سنن أبي داود ٤ : ٣٠١ ح ٥٠٠٤ .

١٩٦

فترة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ١ .

« من الرسل » و انقطاع لهم .

« و هفوة » أي : زلّة .

« عن العمل » فلم يكن منهم عمل رأسا أو عمل صالح .

« و غباوة عن الأمم » في رشدهم و صلاحهم ، كما قال شاعر :

كما بعث اللّه النبيّ محمّدا

على فترة و الناس مثل البهائم

٦

الخطبة ( ٩٣ ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ وَ خَابِطُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اِسْتَهْوَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ وَ اِسْتَزَلَّتْهُمُ اَلْكِبْرِيَاءُ وَ اِسْتَخَفَّتْهُمُ اَلْجَاهِلِيَّةُ اَلْجَهْلاَءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ بَلاَءٍ مِنَ اَلْجَهْلِ فَبَالَغَ ص فِي اَلنَّصِيحَةِ وَ مَضَى عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ دَعَا إِلَى اَلْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ ١٦ : ١٢٥ « بعثه و الناس ضلاّل في حيرة » كان الناس وقت بعثته صلى اللّه عليه و آله بين طبيعي ،

و ثنوي ، و وثني ، و براهمة ، و يهودي ، و نصراني ، و مجوسي ، و صابي ،

و نظائرهم .

« خابطون » قال الجوهري : خبط البعير الأرض بيده خبطا : ضربها ، و منه قيل : خبط عشواء ، و هي الناقة الّتي في بصرها ضعف ، تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : « حاطبون في فتنة » جمع حاطب ، و هو الّذي يجمع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ مثل المصرية .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢١ مادة ( خبط ) .

١٩٧

الحطب ، و يقال لمن يجمع بين الصواب و الخطأ أو يتكلم بالغثّ و السمين :

حاطب ليل ، لأنّه لا يبصر ما يجمع في حبله ، و يروي : « خابطون » ١ .

قلت : الصحيح : ( و خابطون ) ، و إنّما يصحّ الأوّل لو كان بلفظ و حاطبو ليل . فإنى حاطب ليل : يستعمل في ما ذكر لا الحاطب مجرّدا . فانّه لا يحمل إلاّ على معناه الظاهري من جمع الحطب .

« في فتنة » أي : ما يوجب امتحان الخلق . و الأصل فيها فتن الصائغ الذهب بإدخاله النار لينظر ما جودته .

« قد استهوتهم » أي : استهامتهم .

« الأهواء » كما قال تعالى : . . . أرأيت من اتّخذ إلهه هواه . . . ٢ .

« و استزلّتهم » عن الثبات .

« الكبرياء » أي : التكبّر ، كما حصلت لا بليس .

« و استخفّتهم » أي : عدّتهم خفيفين .

« الجاهلية الجهلاء » أي : الغاية في الجهالة .

« حيارى » أي : متحيرين .

« في زلزال من الأمر » فلا يغدرون رشدهم و صلاحهم .

« و بلاء من الجهل » و الجهل بلاء فوق كلّ بليّة ، فكانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق و فقر ، و لا يعلمون أنّ اللّه يرزقهم كما خلقهم ، و يئدون بناتهم لئلاّ يصلن إلى غير عشيرتهم مع كونه أشنع عمل ، و ينسؤون الشهور الحرم ،

و يخترعون البدع من السائبة ، و الوصيلة ، و الحام ، و البحيرة ، و غيرها بالنسبة إلى أحشامهم و أغنامهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٢ .

( ٢ ) الفرقان : ٤٣ .

١٩٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« فبالغ صلى اللّه عليه و آله في النصيحة » قال السروي : روي أنّه لمّا نزل قوله تعالى :

و أنذر عشيرتك الأقربين ١ صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ذات يوم الصفا ، فقال : يا صباحاه . فاجتمعت إليه قريش . فقالوا : مالك ؟ قال : أرأيتكم أن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدّقونني ؟ قالوا : بلى . قال : فإنّي نذير لكم من يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبّا لك ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت سورة ( تبّت ) .

ثمّ روى عن قتادة أنّه صلى اللّه عليه و آله خطب ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الرائد لا يكذب أهله ، و لو كنت كاذبا لما كذبتكم ، و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصّة و إلى الناس عامّة ، و اللّه لتموتون كما تنامون ، و لتبعثون كما تستيقظون ، و لتحاسبون كما تعملون ، و لتجزون بالإحسان إحسانا ،

و بالسوء سواءا ، و إنّها الجنّة أبدا ، و النار أبدا ، و أنّكم أوّل من أنذرتم . . . ٢ .

« و مضى على الطريق » : طريق الحقّ قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا و من اتّبعني ٣ .

« و دعا إلى اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة » كما أمره ربّه بقوله : ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظه الحسنة و جادلهم بالّتي هي أحسن . . . ٤ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يحاجّ كلّ فرقة بلسانهم ، و يلزمهم بما يتمّ الحجّة عليهم . قال شاعر :

اللّه قد أيّد بالوحى

محمّدا ذا الأمر و النهي

يأمر بالعدل و ينهي عن

الفحشاء و المنكر و البغي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٤٦ ، و يأتي تخريجه مفصلا في العنوان ١٥ من هذا الفصل .

( ٣ ) يوسف : ١٠٨ .

( ٤ ) النحل : ١٢٥ .

١٩٩

٧

من الخطبة ( ٩٤ ) منها في ذكر الرسول :

مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ فِي مَعَادِنِ اَلْكَرَامَةِ وَ مَمَاهِدِ اَلسَّلاَمَةِ قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ اَلْأَبْرَارِ وَ ثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ اَلْأَبْصَارِ .

دَفَنَ بِهِ اَلضَّغَائِنَ وَ أَطْفَأَ بِهِ اَلثَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً وَ فَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً أَعَزَّ بِهِ اَلذِّلَّةَ وَ أَذَلَّ بِهِ اَلْعِزَّةَ كَلاَمُهُ بَيَانٌ وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ « مستقرّه خير مستقرّ » الظاهر أنّ مراده عليه السّلام بمستقرّه المدينة ، و قد سمّاها النبيّ صلى اللّه عليه و آله الطيّبة ، و وصفها بأنّها تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ١ . كما في الخبر .

« و منبته أشرف منبت » و الظاهر أنّ مراده عليه السّلام بمنبته صلى اللّه عليه و آله مكّة ، و قد قال تعالى : إنّ أوّل بيت وضع للناس للّذي ببكّة مباركا و هدى للعالمين . فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم و من دخله كان آمنا . . . ٢ .

و في خطبة له عليه السّلام على رواية ( إثبات المسعودي ) في محالّ نوره صلى اللّه عليه و آله :

« و أيّ ساحة من الأرض سلكت به لم يظهر بها قدسه ، حتّى الكعبة التي جعلت منها مخرجه ، غرست أساسها بياقوتة من جنّات عدن ، و أمرت الملكين المطهّرين : جبرئيل و ميكائيل ، فتوسّطا بها أرضك ، و سميّتها بيتك ، و اتّخذتها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح مسلم ٢ : ١٠٠٦ ح ٤٩٠ عن زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال : « . . أنّها طيبة ، و انها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضّة » . لكن صدر الحديث و ذيله روي مستقلا أيضا : أخرج الصدر الطبراني في معجمه الكبير ، و عنه الجامع الصغير ١ : ٦٨ من حديث جابر بن سمرة ، و أخرج الذيل بلفظ : « كما ينفي الكير خبث الحديد » . أخرجه أصحاب الصحاح ، و جمع طرقهم و ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ١٠ : ١٩٩ ٢٠١ ح ٦٩١٧ ، ٦٩٢٠ ، ٦٩٢١ ، ٦٩٢٢ .

( ٢ ) آل عمران : ٩٦ ٩٧ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605