• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105937 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

كان يشكو دائما منه دلالة على بطلان سنّتهما ، و قبله ذو نوريهم ، و زاد في إيقاد نيرانهما بما أدّى إلى إحراقه ، و كذلك أنكر عليه السّلام سنّتهما لمّا عرض الخثعمي عند قيام الخوارج عليه ذلك في بيعة الناس الثانية إتماما للحجّة ١ .

« و بشير رحمته » . . . و بشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربّهم . . . ٢ .

« و نذير نقمته » و أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع ٣ ، و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتّبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زال ٤ ، فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ٥ ، إنّما تنذر من أتّبع الذّكر و خشي الرحمن بالغيب فبشّره بمغفرة و أجر كريم ٦ ، إنّا أنذر ناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه و يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ٧ .

١٥

من الخطبة ( ١٨٨ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَحْمَدُهُ شُكْراً لِإِنْعَامِهِ وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ عَزِيزَ اَلْجُنْدِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الامامة و السياسة لليعقوبي ١ : ١٤٦ .

( ٢ ) يونس : ٢ .

( ٣ ) غافر : ١٨ .

( ٤ ) إبراهيم : ٤٤ .

( ٥ ) فصلت : ١٣ .

( ٦ ) يس : ١١ .

( ٧ ) النبأ : ٤٠ .

٢٤١

عَظِيمَ اَلْمَجْدِ . وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ وَ قَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَلَى دِينِهِ لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ اِجْتِمَاعٌ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَ اِلْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ . « أحمده شكرا لإنعامه » فإنّ شكر المنعم من الموجبات العقلية .

« و أستعينه على وظائف حقوقه » فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه ، فلا بدّ من الاستعانة به حتّى في اداء حقوقه .

« عزيز الجند » و إنّ جندنا لهم الغالبون ١ ، . . . إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها . . . ٢ .

« عظيم المجد » ذو العرش المجيد . فعّال لما يريد ٣ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » أشرف رسله .

« دعا إلى طاعته » صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أوّل بعثته الصفا و قال : يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : مالك ؟ قال : أرأيتكم أن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ، ما كنتم تصدّقونني ؟ قالوا : بلى . قال : فانّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ٤ .

« و قاهر أعداءه جهادا » في بدر و أحد ، و غيرهما .

« على دينه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عن دينه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٥ . قالوا : نزل جبرئيل بعد سبعة أشهر من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصافات : ١٧٣ .

( ٢ ) الأحزاب : ٩ .

( ٣ ) البروج : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٣٣ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٦٢ ، و سعيد بن منصور و ابن مردويه و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عنهم الدر المنثور ٥ : ٩٦ ، و رواه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٤٦ ، و الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٢٠٦ . و قد مرّ في العنوان ٦ من هذا الفصل .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢١٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٠١ « على » أيضا .

٢٤٢

هجرته ، و قلّد في عنقه سيفا لا غمد له ، و قال له : حارب بهذا قومك حتّى يقولوا :

لا إله إلاّ اللّه ١ .

« لا يثنيه » أي : لا يدفعه .

« عن ذلك » أي : الجهاد في الدين .

« اجتماع على تكذيبه و التماس لإطفاء نوره » قالوا : جاءت قريش إليه صلى اللّه عليه و آله و قالوا : شتمت آلهتنا ، و سفّهت أحلامنا ، و فرّقت جماعتنا ، فإن طلبت مالا أعطيناك ، أو الشرف سوّدناك ، أو كان بك علّة داويناك . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

ليس شي‏ء من ذلك ، بل بعثني اللّه إليكم رسولا ، و أنزل عليكم كتابا ، فإن قبلتم ما جئت به فهو حظّكم في الدّنيا و الآخرة ، و إن تردّوه أصبر حتّى يحكم اللّه بيننا . فقالوا لعمّه أبي طالب : قل له : يكف عن سبّ آلهتنا أو ننازله في ذلك حتّى يهلك أحد الفريقين . قال : يا عمّاه لو وضعت الشمس في يميني و القمر في شمالي ، ما تركت هذا القول حتّى أنفذه أو اقتل دونه ٢ .

١٦

من الخطبة ( ١٨٩ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اِبْتَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ وَ يَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَيْنِ وَ اِسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ اَلرَّيْنِ « و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله » هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و لو كره المشركون ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ١٨٦ .

( ٢ ) سيرة لابن هشام ١ : ٢٤٠ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٦٧ و غير هما .

( ٣ ) التوبة : ٣٣ .

٢٤٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« ابتعثه » بالرسالة .

« و النّاس يضربون في غمرة » أي : شدّة ، قال ذو الرّمة :

ليالي اللّهو يطبيني فاتبعه

كأنّني ضارب في غمرة لعب

١ « و يموجون في حيرة » و لا يعرفون سبيلا للنجاة .

« قد قادتهم أزمّة الحين » بالفتح ، أي : الهلاك ، قال تعالى : . . . و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . . . ٢ .

« و استغلقت على أفئدتهم أقفال الرين » أي : الطبع و الختم ، قال تعالى : كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ٣ ، . . . و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم . . . ٤ .

في ( سيرة ابن هشام ) عن ابن عبّاس دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكّة يوم الفتح على راحلته فطاف عليه ، و حول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله يشير بقضيب في يده إلى الأصنام و يقول : . . . جاء الحق و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ٥ ، فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلاّ وقع لقفاه ، و لا أشار إلى قفاه إلاّ وقع لوجهه ، حتّى ما بقي منها صنم إلاّ وقع ، فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك :

و في الأصنام معتبر و علم

لمن يرجو الثواب أو العقابا

٦

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٣ مادة ( طبا ) .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) المطففين : ١٤ .

( ٤ ) النساء : ٩٤ .

( ٥ ) الإسراء : ٨١ .

( ٦ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٤٤ .

٢٤٤

و فيه : و حدّثني بعض أهل العلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة و غيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السّلام مصوّرا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال : قاتلهم اللّه جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم بالأزلام ما كان إبراهيم يهوديّا و لا نصرانيّا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين ١ ، ثمّ أمر بتلك الصّور كلّها فطمست ٢ .

و في ( صحيح مسلم ) عن ابن عبّاس كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض ، و يجعلون المحرّم صفر ، و يقولون : إذا برأ الدبر ، و عفا الأثر ، و انسلخ صفر ، حلّت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي صلى اللّه عليه و آله و أصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا : يا رسول اللّه أيّ الحلّ ؟ قال : الحلّ كلّه ٣ .

١٧

من الخطبة ( ١٨٣ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اَلصَّفِيُّ وَ أَمِينُهُ اَلرَّضِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ اَلْحُجَجِ وَ ظُهُورِ اَلْفَلَجِ وَ إِيضَاحِ اَلْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ اَلرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَ حَمَلَ عَلَى اَلْمَحَجَّةِ دَالاًّ عَلَيْهَا وَ أَقَامَ أَعْلاَمَ اَلاِهْتِدَاءِ وَ مَنَارَ اَلضِّيَاءِ وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ اَلْإِسْلاَمِ مَتِينَةً وَ عُرَى اَلْإِيمَانِ وَثِيقَةً « و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله الصفّي » أي : المصطفى ، قال السروي : في الحساب سيّد النبيّين صلى اللّه عليه و آله ، وزنه المصطفى محمّد رسول اللّه ، لأنّ عدد كلّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦٧ .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٤١ .

( ٣ ) أخرجه مسلم في صحيحه ٢ : ٩٠٩ ح ١٩٨ ، و جمع سائر طرق أصحاب الصحاح و ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ٣ : ٤٧٤ ح ١٤١٤ .

٢٤٥

واحد منهما استويا في سبعمائة و أربعة عشر ١ .

« و أمينه الرضي صلّى اللّه عليه » قال تعالى : و الضّحى . و اللّيل إذا سجى . ما ودّعك ربّك و ما قلى . و للآخرة خير لك من الاولى . و لسوف يعطيك ربّك فترضى . . . و أمّا بنعمة ربّك فحدّث ٢ .

و روى الخطيب في محمّد بن أحمد بن الفرج عن أنس قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من كرامتي أنّي ولدت مختونا ، و لم ير أحد سوأتي ٣ .

و في ( دعاء فطر الصحيفة الثانية ) : و قلت جلّ قولك حين اختصصته بما سمّيته من الأسماء : طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ٤ ، و قلت جلّ قولك يس . و القرآن الحكيم ٥ ، و قلت تقدّست أسماؤك ص و القرآن ذي الذكر ٦ ، و قلت عظمت آلاؤك ق و القرآن المجيد ٧ ، فخصصته أن جعلته قسمك حين أسميته ، و قرنت القرآن به ، فما في كتابك من شاهد قسم و القرآن مردفه إلاّ و هو اسمه ، و ذلك شرف شرّفته به ، و فضل بعثته إليه ٨ .

و المفهوم من كلام السّجاد عليه السّلام هذا أنّ الفواتح الّتي بعدها لفظ القرآن كقوله تعالى : طه . ما أنزلنا عليك القرآن ، يس . و القرآن ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) قاله ابن شهر آشوب السروي في مناقبه ١ : ٢٣٣ ، أمّا على حساب الأبجد فلفظ « المصطفى محمّد رسول اللّه » يساوي العدد ٧١٤ لكن لفظ « سيد النبيّين صلى اللّه عليه و آله » يساوي العدد ٥٨٠ و إذا ألحقنا عليه « و سلم » يبلغ العدد ٧١٦ .

( ٢ ) الضحى : ١ ١١ .

( ٣ ) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١ : ٣٢٩ .

( ٤ ) طه : ١ ٢ .

( ٥ ) يس : ١ ٢ .

( ٦ ) ص : ١ .

( ٧ ) ق : ١ .

( ٨ ) الأمثال لابن طاووس ، و الاختيار لابن باقي ، و صاحب جنّة الأمان فيه عنهم البحار ٩١ : ٨ ح ٣ ، و البلد الأمين للكفعمي : ٢٣٨ عن السجاد عليه السّلام .

٢٤٦

ص و القرآن ، ق و القرآن كلّها أسماء للنبيّ صلى اللّه عليه و آله أقسم اللّه تعالى به أوّلا ثمّ بكتابه ، و يكفيه صلى اللّه عليه و آله ذلك شرفا و نبلا ، و إصطفاء و ارتضاء .

« أرسله بوجوب الحجج » في الخبر : أنّ قريشا نهوا طفيل بن عمرو عن قرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فدخل المسجد محشوّا أذنيه بكرسف لكيلا يسمع صوته ،

فكان يسمع فأسلم ، و قال :

يحذّرني محمّدها قريش

و ما أنا بالهيوب لدى الخصام

فقام إلى المقام و قمت منه

بعيدا حيث أنحو من ملام

و أسمعت الهدى و سمعت قولا

كريما ليس من سجع الأنام

و صدّقت الرسول و هان قوم

عليّ و رموه بالبهت العظام

ثمّ قال : يا رسول اللّه إنّي امرؤ مطاع في قومي ، فادع اللّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا على ما أدعوهم إلى الاسلام . فقال : اللّهم اجعل له آية . فانصرف إلى قومه إذ رأى نورا في طرف سوطه كالقنديل ، فأنشاء :

ألا أبلغ لديك بني لؤي

على الشّنان و الغضب المردّ

بأنّ اللّه ربّ الناس فرد

تعالى جدّه عن كلّ جدّ

و أنّ محمّدا عبد رسول

دليل هدى و موضع كلّ رشد

رأيت له دلائل أنبأتني

بأنّ سبيله للفضل يهدي

١ « و ظهور الفلج » أي : الغلبة على الخصوم .

« و إيضاح المنهج » أي : الطريق ، في الخبر : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان يقول :

جاء الحقّ و زهق الباطل . . . ٢ و يرمي كفّا من حصى ، فتنكبّ الأصنام لوجهها ، فيقول أهل مكّة : ما رأينا أسحر من محمّد ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١١٨ .

( ٢ ) الإسراء : ٨١ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٠ .

٢٤٧

« فبلّغ الرسالة » من ربّه إلى عباده .

« صادعا بها » أي : مظهرا بها ، كما أمره ربّه في قوله : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ١ .

قال السروي : لمّا قالت قريش : إنّه ساحر . علمنا أنّه قد أراهم ما لم يقدروا على مثله ، و قالوا : هذا مجنون . لما هجم منه على شي‏ء لم يفكّر في عاقبته منهم ، و قالوا : هو كاهن . لأنّه أنبأ بالغائبات ، و قالوا : معلّم . لأنّه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم ، فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه ٢ .

« و حمل على المحجّة » أي : الجادّة .

« دالا عليها » و أنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله . . . ٣ .

قال الجزري : لمّا كان من أمر أصحاب الفيل ما ذكرناه عظمت قريش عند العرب ، فقالوا لهم : أهل اللّه و قطنه يحامي عنهم . فاجتمعت قريش بينها ،

و قالوا : نحن بنو إبراهيم عليه السّلام و أهل الحرم ، و ولاة البيت ، و قاطنوا مكّة فليس لأحد من العرب مثل منزلتنا ، و لا يعرف العرب لأحد مثل ما يعرف لنا ، فهلمّوا فلنتّفق على ائتلاف أنّنا لا نعظّم شيئا من الحلّ كما يعظّم الحرم ، فانّنا إذا فعلنا ذلك استخفّت العرب بنا و بحرمنا . و قالوا : قد عظّمت قريش من الحلّ مثل ما عظّمت من الحرم . فتركوا الوقوف بعرفة ، و الإفاضة منها ، و هم يعرفون و يقرّون أنّها من المشاعر و الحجّ و دين إبراهيم عليه السّلام ، و يرى سائر العرب أن يقفوا عليها ، و أن يفيضوا منها ، و قالوا : نحن أهل الحرم فلا نعظّم غيره و نحن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٩٤ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٢٣ .

( ٣ ) الأنعام : ١٥٣ .

٢٤٨

الحمس و أصل الحماسة : الشدّة أنّهم تشدّدوا في دينهم ، و جعلوا لمن ولد واحدة من نسائهم من العرب ساكني الحلّ مثل مالهم بولادتهم ، و دخل معهم في ذلك كنانة و خزاعة و عامر ، لولادة لهم . ثمّ ابتدعوا فقالوا : لا ينبغي للحمس أن يعملوا الأقط ، و لا يسلؤوا السمن و هم حرم ، و لا يدخلوا بيتا من شعر ، و لا يستظلّوا إلاّ في بيوت الأدم ما كانوا حرما . و قالوا : و لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعام جاؤوا به معهم من الحلّ في الحرم ، إذا جاؤوا حجّاجا أو عمّارا ، و لا يطوفون بالبيت طوافهم إذا قدموا إلاّ في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة ، فإن أنف أحد من عظمائهم أن يطوف عريانا إذا لم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه ألقاها إذا فرغ من الطواف ، و لا يمسّها هو و لا أحد غيره ، و كانوا يسمّونها اللقى . فدانت العرب لهم بذلك ، فكانوا يطوفون كما شرعوا لهم ، و يتركون أزوادهم التي جاؤوا بها من الحلّ ، و يشترون من طعام الحرم و يأكلونه .

هذا في الرجال ، و أمّا النساء ، فكانت تضع ثيابها كلّها إلاّ درعها مفرّجا ،

ثمّ تطوف فيه و تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

و ما بدا منه فلا أحلّه

فكانوا كذلك حتّي بعث اللّه محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلم فنسخه ، فأفاض من عرفات ،

و طاف الحجّاج بالثياب الّتي معهم من الحلّ ، و أكلوا من طعام الحلّ في الحرم أيّام الحجّ ، و أنزل اللّه إنّ اللّه تعالى في ذلك : ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس و استغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم ١ أراد بالناس العرب ، و أمر قريشا أن يفيضوا من عرفات ، و أنزل اللّه تعالى في اللباس و الطّعام الّذي من الحلّ و تركهم إيّاه في الحرم : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد و كلوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٩٩ .

٢٤٩

و اشربوا . . . لقوم يعلمون ١ .

و في خبر عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أمرني النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن اللّه تعالى أنّه لا يطوف بالبيت عريان ، و لا يقرب المسجد الحرام مشرك ٢ .

« و أقام أعلام الاهتداء و منار الضياء » . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا . . . ٣ .

« و جعل أمراس » أي : حبال .

« الإسلام متينة » أي : محكمة صلبة .

« و عرى » جمع عروة .

« الإيمان وثيقة » أي : مستحكمة ، . . . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . . . ٤ .

قال السروي : و من أوضح الدلالات على نبوته صلى اللّه عليه و آله استيقان كافّتهم بحدوده ، و تمكّن موجباتها في غوامض صدورهم ، حتّى إنّهم يشتمون بالفسوق من خرج عن حدّ من حدوده ، و بالجهل من لم يعرفه ، و بالكفر من أعرض عنه ، و يقيمون الحدود ، و يحكمون بالقتل و الضرب و الأسر لمن خرج عن شريعته ، و يتبرأ الأقارب بعضهم من بعض في محبّته ، و أنّه بقي في نبوّته نيفا و عشرين سنة بين ظهراني قوم ما يملك من الأرض إلاّ جزيرة العرب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن الأثير الجزري في الكامل ١ : ٤٥١ ، و الآيتان ( ٣١ ٣٢ ) من سورة الأعراف .

( ٢ ) جاء هذا المعنى في ضمن حديث تبليغ على عليه السّلام البراءة ، أخرجه الترمذي في سننه ٥ : ٢٧٥ ح ٣٠٩١ ، و الحاكم و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عنهم الدر المنثور ٣ : ٢١٠ ، و غيرهم عن ابن عباس ، و أخرجه أحمد في مسنده ١ : ٣ ، و أبو يعلى في مسنده عنه الكاف الشاف ٢ : ٢٤٣ ، و ابن خزيمة و أبو عوانة و الدار قطني في الافراد عنهم منتخب كنز العمال ١ : ٤٤٤ ، و ابن عساكر في ترجمة على عليه السّلام ٢ : ٣٨٣ ح ٨٨٩ و غيرهم عن أبي بكر ، و في الباب عن علي و الباقر عليهما السلام و أبي سعيد و أبي هريرة و عروة و غيرهم .

( ٣ ) المائدة : ٣ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥٦ .

٢٥٠

فاتّسقت دعوته برّا و بحرا منذ خمسمائة و سبعين سنة مقرونا باسم ربّه ،

ينادى بأقصى الصين و الهند و الترك و الخزر و الصقالبة و الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال في كلّ يوم خمس مرّات بالشهادتين بأعلى صوت بلا أجرة ، و خضعت الجبابرة لها و لا تبقى لملك نوبته بعد موته . . و من تمام قوّته أنّها تجذب العالم من أدنى الأرض و أقصى أطرافها في كلّ عام إلى الحجّ حتّى تخرج العذراء من خدرها ، و العجوز في ضعفها ، و من حضرته وفاته يوصي بأدائه ، و قد نرى الصائم في شهر رمضان يتلهب عطشا حتّى يخوض الماء إلى حلقه ، و لا يستطيع أن يجرع منه جرعة ، و كلّ يوم خمس مرّات يسجدون خوفا و تضرّعا ١ .

و عن ( التوراة ) في وصفه صلى اللّه عليه و آله و سلم : « يضع سيفه على عاتقه و لا يبالي من لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ و الحافر » ٢ .

١٨

من الخطبة ( ١٩٣ ) وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَ إِيقَانٍ وَ إِخْلاَصٍ وَ إِذْعَانٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلاَمُ اَلْهُدَى دَارِسَةٌ وَ مَنَاهِجُ اَلدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ وَ هَدَى إِلَى اَلرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ « و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه شهادة إيمان » بالقلب لا مجرّد إظهار لسان .

« و إيقان » لا عن شكّ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ١٢٧ .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ١٩٨ ح ٤٠ عن ابن عباس عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن وصية ابن حواس الحبر ، و لم يصرح بكونه من التوراة .

٢٥١

« و إخلاص » لا ليرى الناس .

« و إذعان » أي : خضوع و تذلل .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله » بالحقّ .

« أرسله » ربّه .

« و أعلام » أي : علائم .

« الهدى » إلى صراط اللّه .

« دارسة » أي : مندرسة .

« و مناهج » أي : طرق .

« الدين طامسة » أي : ممحوّة ، قال السروي : في زبور داود : اللّهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ١ .

و روى عن محمّد بن إسحاق : أنّ زيد بن عمرو بن نفيل ضرب في الأرض يطلب الدين الحنيف ، فقال له راهب بالشام : إنّك لتسأل عن دين ذهب من كان يعرفه ، و لكنّك قد أظلّك خروج نبيّ يأتي ملّة إبراهيم الحنيفية ، و هذا زمانه ٢ .

« فصدع » أي : أعلن .

« بالحق » كما أمر ، و عن الصادق عليه السّلام : اكتتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله بمكّة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره ، و عليّ عليه السّلام معه و خديجة ، ثمّ أمره اللّه أن يصدع بما أمر به ، فظهر رسول اللّه و أظهر أمره ٣ .

« و نصح للخلق » بما هو سعادتهم في دنياهم و عقباهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ١٤ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ بفرق يسير ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٦ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٤ ، و السيرة لابن هشام ١ : ٢١٤ ، و الطبقات لابن سعد ١ : ق ١ : ١٠٦ ، و الخرائج للراوندي ١ : ١٢٧ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ ، و الغيبة للطوسي : ٢٠١ .

٢٥٢

« و هدى إلى الرشد » . . . قد تبيّن الرشد من الغيّ . . . ١ .

« و أمر بالقصد » أي : العدل ، قال شاعر :

على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى

قضيّته ألاّ يجور و يقصد

٢ الّذين يتّبعون الرسول النبيّ الامّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و يناهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتّبعوا النور الّذي انزل معه أولئك هم المفلحون ٣ .

صلّى اللّه عليه و آله و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها . . . ٤ ،

إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ٥ .

١٩

الخطبة ( ١٩٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ حِينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ « بعثه حين لا علم » أي : معلما للطريق .

« قائم » لم ينف عليه السّلام المعلم رأسا ، بل مع كونه قائما ، حيث إنّه لم يخل زمان من حجّة لئلاّ يكون للناس في وقت على اللّه حجّة ، و كذا الكلام في الآيتين .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٢ ) لسان العرب ٣ : ٣٨٣ مادة ( قصد ) .

( ٣ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٤ ) طه : ١٣٢ .

( ٥ ) الأحزاب : ٣٣ .

٢٥٣

« و لا منار » قال الجوهري : المنار : علم الطريق ، و ذو المنار ملك من ملوك اليمن اسمه ابرهة بن الحارث الايش ، و إنّما قيل له : ذو المنار ، لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع ١ .

« ساطع » أي : مرتفع .

« و لا منهج » أي : طريق .

« واضح » مستبين ، قال :

و لقد أضاء لك الطريق و أنهجت

سبل المكارم و الهدى تعدى

٢

٢٠

من الخطبة ( ١٩٦ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ نَجِيبُ اَللَّهِ وَ سَفِيرُ وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ « و أشهد أن محمّدا نجيب اللّه » أي : كريمه و نفيسه .

« و سفير » قال الجوهري : السفير الرّسول و المصلح بين القوم ٣ .

« وحيه » و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ٤ .

« و رسول رحمته » و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ٥ .

قال السروي : النبيّ صلى اللّه عليه و آله صبر في ذات اللّه ، و أعذر قومه إذ كذّب في ذات اللّه و شرّد و حصب بالحصاة و علاه أبو جهل بسلاشاة ، فأوحى اللّه إلى جاجائيل ملك الجبال أن شقّ الجبال و انته إلى أمر محمّد ، فأتاه فقال له : قد أمرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها . قال : إنّما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٣٩ ، مادة ( نور ) .

( ٢ ) لسان العرب ٢ : ٣٨٣ مادة ( نهج ) ، و الشاعر : يزيد العبدي .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨٦ مادة ( سفر ) .

( ٤ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٥ ) الأنبياء : ١٠٧ .

٢٥٤

بعثت رحمة ، اللّهم اهد قومي فانّهم لا يعلمون ١ .

٢١

من الخطبة ( ١٩٦ ) بعد وصف الإسلام :

ثُمَّ إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ بِالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ اَلدُّنْيَا اَلاِنْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ اَلْآخِرَةِ اَلاِطِّلاَعُ وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَ أَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ فِي اِنْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَ اِقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَ تَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَ اِنْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا وَ اِنْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَ عَفَاءٍ مِنْ أَعْلاَمِهَا وَ تَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ طُولِهَا جَعَلَهُ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ وَ كَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ « ثمّ إنّ اللّه بعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالحقّ حين دنا من الدّنيا الانقطاع » أي : قرب الانقطاع و الفناء ، قالوا : من ألقاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله : العاقب و الحاشر ، لأنّه يحشر الناس على عقبه ٢ .

و قالوا : كانت اليهود إذا أصابتهم شدّة من الكفّار يقولون : اللّهم انصرنا بالنبيّ المبعوث في آخر الزمان الّذي نجد نعته في التوراة . و إن كانوا كفروا به لمّا جاءهم ٣ .

« و أقبل من الآخرة الاطّلاع » أي : الإشراف ، قال الجوهري : المطّلع موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار ، و في الحديث : من هول المطّلع . شبّه ما أشرف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شهر آشوب السروي في مناقبه ١ : ٢١٥ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٥١ ، و في النقل خلط ، هذا لفظه : « العاقب و هو الذي يعقب الأنبياء » ثم قال : « الحاشر الّذي يحشر الناس على قدميه » .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥١ و عدّة أخرى جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ١ : ٨٧ ، ٨٨ .

٢٥٥

عليه من أمر الآخرة بذلك ١ .

يشهد لما قاله عليه السّلام من دنوّ اطّلاع الآخرة قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم و هم في غفلة معرضون ٢ ، و قوله تعالى : اقتربت الساعة و انشقّ القمر ٣ .

« و أظلمت بهجتها » أي : حسنها و مسرّتها ، قال :

كان الشباب رداء قد بهجت به

فقد تطاير منه للبلى خرق

٤ « بعد إشراق » أي : إنارة .

« و قامت بأهلها على ساق » أي : أقامهم على ساق واحدة ، و هو كناية عن الشدّة ، و من كلامه عليه السّلام أيضا : « حتّى تقوم الحرب بكم على ساق » ٥ .

« و خشن منها مهاد » أي : صار ذا خشونة ما ، كان منها ذو لينة .

« و أزف » أي : قرب .

« منها قياد » هكذا في النسخ ٦ ، و الظاهر كون ( قياد ) فيها مصحّف ( نفاد ) ،

فإنّها لا معنى لقرب الانقياد من الدنيا في المقام ، بل قرب النفاد و الزوال ،

و بعد ما قلنا لا تحتاج إلى تكلّف ابن أبي الحديد ٧ ، بأنّ المراد : قرب انقيادها إلى الزّوال ، فإنّه تأويل لا يحتمله اللفظ .

« في انقطاع من مدّتها » بانقضائها ، و الظرف متعلّق بقوله عليه السّلام : « حين دنا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٢٥٤ مادة ( طلع ) و الحديث نقله و شرحه ابن الأثير في النهاية ٣ : ١٣٢ مادة ( طلع ) .

( ٢ ) الأنبياء : ١ .

( ٣ ) القمر : ١ .

( ٤ ) لسان العرب ٢ : ٢١٦ مادة ( بهج ) .

( ٥ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٢ : ٢١ ضمن الخطبة ١٣٦ .

( ٦ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٧٦ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٦ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤٥ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٨ و النقل بالمعنى .

٢٥٦

من الدنيا الانقطاع » .

« و اقتراب من أشراطها » أي : علائم الآخرة ، لأنّه متعلّق « و أقبل من الآخرة الاطّلاع » على اللفّ و النشر المرتّب ، قال في ( الأساس ) : طلع الشرطان : قرنا المحل ، و ذلك في أوّل الربيع ، ثم قال : و من ثمّ قيل لأوائل كلّ شي‏ء يقع :

أشراطه ، و منه أشراط الساعة ١ .

و بعد ما قلنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد ، أضاف عليه السّلام الأشراط ،

و هي علامات الساعة إلى الدّنيا لأنّها في الدّنيا تحدث ، و إن كانت علامات للآخرة ٢ .

« و تصرّم » أي : تقطّع .

« من أهلها ، و انفصام » أي : انكسار ، قال الجوهري : فصم الشي‏ء : كسره من غير أن يبيّن ٣ .

« من حلقتها » تصرّم من أهلها و انفصام من حلقتها متعلّقان بقوله عليه السّلام :

« و أظلمت بهجتها بعد إشراق » لكون مضمونها واحدا .

« و إنتشار من سببها » قال الجوهري : السّبب : الحبل ، و السّبب أيضا كلّ شي‏ء يتوصّل به إلى غيره ٤ .

« و عفاء » أي : اندراس .

« من أعلامها » أي : علائمها ، و ( انتشار ) و ( عفاء ) متعلّقان بقوله : « و قامت بأهلها على ساق » .

« و تكشّف من عوراتها » قال الجوهري : العورة : سوأة الإنسان ، و كلّ ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٣٣ مادة ( شرط ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٨ و النقل بالمعنى .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠٠٢ مادة ( فصم ) .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ١٤٥ مادة ( سبب ) .

٢٥٧

يستحيى منه ، و كلّ خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب ١ . قال عليه السّلام ذلك لأنّ الواجب ستر العورة و سدّها ، ثمّ ( و تكشف ) متعلّق بقوله : « و خشن منها مهاد » .

« و قصر من طولها » متعلّق بقوله عليه السّلام : « أزف منها نفاد » على ما عرفت من استظهاره ، و هو أيضا شاهد لما قلنا .

« جعله » أي : النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم .

« اللّه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« بلاغا لرسالته » أي : لرسالته تعالى إلى عباده ، و حيث إنّه تعالى أكمل بخاتم الأنبياء دينه ، و أتمّ به نعمته على عباده كان صلى اللّه عليه و آله بلاغا لرسالته تعالى الّتي كان إبلاغها واجبا عليه تعالى ، إتماما للحجّة و لطفا للبريّة ، و أمّا باقي رسله ، و إن أدّوا ما عليهم من الإبلاغ ، إلاّ أنّه لمّا كانت رسالاتهم موقّتة محدودة لم يحصل منهم بلاغ منه تعالى كاف .

« و كرامة لأمته » ورد في تفسير قوله تعالى : . . . كتب عليكم الصيام كما كتب على الّذين من قبلكم . . . ٣ إنّه لم يكتب صيام شهر رمضان على أمّة قبل هذه الأمّة بل على أنبياء الامم ، و كتب على هذه الامّة ما كتب على نفس الأنبياء كرامة لهذه الامّة ٤ .

« و ربيعا لأهل زمانه » كان صلى اللّه عليه و آله ربيعا معنويا و ظاهريا حتّى لغير المؤمنين ، و في ( تاريخ اليعقوبي ) : أنّه بلغ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد فتح خيبر ما فيه أهل مكّة من الضرّ و الحاجة و الجدب و القحط ، فبعث إليهم بشعير ذهب ، و قيل نوى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٧٥٩ مادة ( عور ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٦ ، لكن لا يوجد « سبحانه » في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤٥ .

( ٣ ) البقرة : ١٨٣ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٦٥ و النقل بالمعنى .

٢٥٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ذهب ، مع عمرو بن أميّة الضمري إلى أن قال و أخذه أبو سفيان كلّه و فرّقه على فقراء قريش ، و قال : جزى اللّه ابن أخي خيرا فإنّه وصول الرّحمة ١ .

و من أبيات أبي طالب فيه صلى اللّه عليه و آله و سلم :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامي عصمة للأرامل

و لمّا استسقى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نزل الغيث بحيث منعهم من السلوك ،

فشكوا إليه صلى اللّه عليه و آله ذلك فقال : اللّهم حوالينا و لا علينا . فانشقّ السحاب . فكان المطر خارج المدينة لا فيها ، قال صلى اللّه عليه و آله و سلم : للّه درّ أبي طالب لو كان حيّا لقرّت عيناه ، من ينشدنا شعره ٢ أراد صلى اللّه عليه و آله البيت المتقدّم و من أبياته فيه أيضا :

و تلقوا ربيع الأبطحين محمّدا

على ربوة في رأس عنقاء عيطل

و الشعراء و إن كانوا يقولون للأمراء : إنّهم ربيع للناس ، كما قال بعضهم في بعضهم :

بأنّك ربيع و غيث مريع

٣ إلاّ أنّه كلام زور و قول باطل ، و إنّما الحقيقة فيه صلى اللّه عليه و آله و سلم لأنّه كان سببا لحياة الدّنيا كالآخرة ، و النظام هذا العالم كقوام ذاك العالم .

« و رفعة لأعوانه و شرفا لأنصاره » روى ( طبقات كاتب الواقدي ) عن أبي ذر قال : لقد تركنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و ما يقلّب طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكرنا منه علما ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٦ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ٣٠١ ح ٣ المجلس ٣٦ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ٧٢ المجلس ٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) شرح شواهد المغني ١ : ١٠٦ ، و ذيله : و أنك هناك تكون الثمالا . و البيت منسوب إلى عمرة بنت العجلان .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ١١٢ .

٢٥٩

٢٢

من الخطبة ( ٢١١ ) منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ وَ قَدَّمَهُ فِي الاِصْطِفَاءِ فَرَتَقَ بِهِ اَلْمَفَاتِقَ وَ سَاوَرَ بِهِ اَلْمُغَالِبَ وَ ذَلَّلَ بِهِ اَلصُّعُوبَةَ وَ سَهَّلَ بِهِ اَلْحُزُونَةَ حَتَّى سَرَّحَ اَلضَّلاَلَ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمَالٍ « أرسله بالضياء » أي : القرآن ، قال تعالى : . . . كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . . . ١ .

« و قدّمه في الاصطفاء » أي : الاختيار ، فالأنبياء و إن كانوا كلّهم مصطفين له تعالى كما قال سبحانه : إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين ٢ ، إلاّ أنّه صلى اللّه عليه و آله كان مقدّما عليهم حتّى صار المصطفى علما له .

و روى الطبري في ( ذيله ) عن ميسرة قال : قلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله متى كتبت نبيّا ؟ قال : و آدم بين الرّوح و الجسد ٣ .

« فرتق به المفاتق » الظاهر كون ( المفاتق ) بضم الميم اسم فاعل : فاتق بقرينة ( المغالب ) في قرينته ، و يحتمل أن يكون بفتحة ، جمع المفتق أي : الفتوق ،

و هي الشقوق . و كيف كان ، قال ابن الزبعرى : لمّا أسلم و اعتذر عن هجائه في كفره :

يا رسول الإله إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

٤

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ١ .

( ٢ ) آل عمران : ٣٣ .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٦ ، و الحديث مشهور .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٨٦ مادة ( بور ) .

٢٦٠