بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113436 / تحميل: 6087
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

« و ساور » من ساوره ، أي : وثب عليه .

« به المغالب » أي : من أراد الغلبة ، فصار عاليا على المغالب ، في ( الطبقات ) : لمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله فوقع إلى الأرض وقع على يديه رافعا رأسه إلى السّماء ، و قبض قبضة من التراب بيده ، فبلغ ذلك رجلا من لهب فقال لصاحب له : انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض ١ .

و عن ابن عبّاس : اجتمع قريش في الحجر ، فتعاقدوا باللاّت و العزّي و مناة لو رأينا محمّدا لقمنا مقام رجل واحد ، و النقتلنّه . فدخلت فاطمة عليهما السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله باكية ، و حكمت مقالتهم ، فقال : يا بنيّة أدني وضوءا ، فتوّضأ و خرج إلى المسجد ، فلمّا رأوه قالوا : ها هو ذا ، و خفضت رؤوسهم ، و سقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قبضة من التراب فحصبهم بها و قال : شاهت الوجوه . فما أصاب رجلا منهم إلاّ قتل يوم بدر ٢ .

و روى الطّبري في ( ذيله ) عن يزيد بن عامر السوائي و كان مع المشركين يوم حنين ثمّ أسلم قال : لمّا كانت انكشافة المسلمين حين انكشفوا يوم حنين ، ضرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله يده إلى الأرض فأخذ منها قبضة من تراب ، فأقبل بها على المشركين و هم متبعون المسلمين ، فحثا بها في وجوههم ، و قال : ارجعوا شاهت الوجوه . قال : فانصرفنا ما يلقى منّا أحد أحدا إلاّ و هو يمسح القذى عن عينيه ٣ .

« و ذلّل به الصعوبة » . . . و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم . . . ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٩٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٧١ ، و غيره .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٧ ، و غيره .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

٢٦١

« و سهّل به الحزونة » و الحزونة : ضدّ السهولة ، و في ( الاستيعاب ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لحزن بن أبي وهب المخزومي جدّ سعيد بن المسيّب : ما اسمك ؟

قال : حزن . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنت سهل . فقال : اسم سمّاني به أبي . و يروى أنّه قال له : إنّما السهولة للحمار . قال سعيد بن المسيّب : فما زالت تلك الحزونة تعرف فينا حتّى اليوم ، و قال أهل النسب : في ولده حزونة ، و سوء خلق ،

معروف ذلك فيهم ، لا تكاد تعدم منهم ١ .

« حتّى سرّح » أي : أرسل سريعا .

« الضلال عن يمين و شمال » أي : أزاله رأسا ، في ( طبقات كاتب الواقدي ) عن مجاهد : حجّ أبو بكر ، و نادى عليّ بالأذان في ذي القعدة ، قال : فكانت الجاهلية يحجّون في كلّ شهر من شهور السنة عامين ، فوافق حجّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في ذي الحجّة ، فقال [ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ] : هذا يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض ٢ .

و قال تعالى : هو الّذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٣ .

٢٣

الخطبة ( ٢٢٩ ) و من خطبة له عليه السّلام ، خطبها بذي قار و هو متوجّه إلى البصرة ، ذكرها الواقدي في كتاب ( الجمل ) :

فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اَللَّهُ بِهِ اَلصَّدْعَ وَ رَتَقَ بِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٣٨٦ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١٣٤ .

( ٣ ) الجمعة : ٢ .

٢٦٢

اَلْفَتْقَ وَ أَلَّفَ بِهِ اَلشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي اَلْأَرْحَامِ بَعْدَ اَلْعَدَاوَةِ اَلْوَاغِرَةِ فِي اَلصُّدُورِ وَ اَلضَّغَائِنِ اَلْقَادِحَةِ فِي اَلْقُلُوبِ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام خطبها بذي قار » في ( بلدان الحموي ) : ذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها و بين واسط ، و فيه كانت الواقعة المشهورة بينهم و بين الفرس ، و كسرت الفرس كسرة هائلة ،

و كانت الواقعة يوم ولادة النبيّ صلى اللّه عليه و آله . و قيل : عند منصرفه من بدر الكبرى ،

و كان أوّل يوم انتصف فيه العرب من العجم ، و بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم انتصفوا ، و هي من مفاخر بكر .

قال أبو تمام في أبي دلف :

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم

عروش الّذين استرهنوا قوس حاجب

و قال في خالد بن يزيد الشيباني :

لهم يوم ذي قار مضى و هو مفرد

وحيد من الأشباه ليس له صحب

١ قلت : و قال العجيف في أمّه ذاكرا أنّها لا تروى و إن شربت ماء ذي قار ،

كما لا تشبع و إن أكلت نخيل هجر :

يا ليتنا أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنّة أيما إلى نار

ليست بشعبى و إن أسكنتها هجرا

و لا بريّا و إن حلّت بذي قار

« و هو متوجّه إلى البصرة » أي : لقتال طلحة و الزبير .

« ذكرها الواقدي في كتاب الجمل » الواقدي : هو محمّد بن عمر بن واقد صاحب ( المغازي ) .

قوله عليه السّلام : « فصدع » أي : جهر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، و المشترك و المفترق : ٣٣٧ أيضا .

٢٦٣

« بما أمر » في ( صحيح محمّد الحلبي ) عن الصادق عليه السّلام : اكتتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بمكة مختفيا خائفا خمس سنين ، ليس يظهر أمره و عليّ عليه السّلام معه و خديجة ، ثمّ أمره تعالى أن يصدع بما امر به ، فظهر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أظهر أمره ١ .

و في خبر آخر : أنّه صلى اللّه عليه و آله كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين ٢ .

« و بلّغ رسالات » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( رسالة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

« ربّه » و آخر ما بلّغه من رسالة ربّه ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ، و هي الأصل في رسالته ، و لذا قال تعالى له : . . . و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته . . . ٤ ، و كان صلى اللّه عليه و آله و سلم في تبليغها خائفا من الناس حتّى قال تعالى له :

و اللّه يعصمك من النّاس . . . ٥ .

« فلمّ اللّه » أي : جمع و أصلح .

« به الصدع » أي : الشقّ .

« و رتق » أي : وصل .

« به الفتق » أي : الفصل ، قال السروي : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطا من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أحدّثكم . قالوا : بلى . فجلسوا إليه ، فدعاهم إلى اللّه تعالى ، و تلا عليهم القرآن ،

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا ، و اللّه إنّه النبي الّذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنّكم إليه أحد . فأجابوه ، و قالوا له : إنّا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشرّ مثل ما بينهم ، و عسى أن يجمع اللّه بينهم بك ، فتقدم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ ، و الغيبة للطوسي : ٢٠١ ، و قد مرّ في العنوان ١٨ من هذا الفصل .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨٣ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١٠٩ « رسالات » أيضا .

( ٤ ) المائدة : ٦٧ .

( ٥ ) المائدة : ٦٧ .

٢٦٤

عليهم ، و تدعوهم إلى أمرك . و كانوا ستّة نفر ، فلمّا قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر ، فما دار حول إلاّ و فيها حديث النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم . . . ١ .

« و ألّف به بين ذوي الأرحام » كالأوس و الخزرج ابني حارثة ، و يقال لهما :

ابني قيلة . نسبة إلى أمّهما .

« بعد العداوة الواغرة » أي : المتوقدة .

« في الصدور » قال شاعر :

دسّت رسولا بأنّ القوم ان قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير

٢ « و الضغائن » جمع الضغينة ، أي : الحقد .

« القادحة » أي : المشعلة .

« في القلوب » فكانت بين الأوس و الخزرج حروب كثيرة حصلت فيها قتلى كثيرة من الفريقين ، و كلّ منهما يجد في طلب ثاره ، فارتفع كلّ ذلك بسببه صلى اللّه عليه و آله و سلم ، قال تعالى : . . . و اذكروا نعمة اللّه عليهم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . . . ٣ ، و قال سبحانه : و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ٤ .

٢٤

من الخطبة ( ١٣١ ) منها :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٨١ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٥ : ٢٨٦ مادة ( و غر ) ، و البيت منسوب إلى الفرزدق .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) الأنفال : ٦٣ .

٢٦٥

وَ خَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ اَلْعَادِلِينَ بِهِ « أرسله على حين فترة من الرّسل » في الخبر : أنّ أهل السماوات لم يسمعوا و حيا في ما بين أن بعث عيسى إلى أن بعث محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فلمّا بعث اللّه جبرئيل إليه فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا علموا أنّ اللّه بعث نبيّا ١ .

« و تنازع من الألسن » قال ابن أبي الحديد : معنى تنازع من الألسن : أنّ قوما في الجاهلية كانوا يعبدون الصنم ، و قوما يعبدون الشمس ، و قوما يعبدون الشيطان ، و قوما يعبدون المسيح ، فكلّ طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها ٢ .

قلت : الأظهر أنّ معناه : أنّ الناس كانوا قبل رسالته يتنازعون في ملل و نحل ، لم يكن لها معنى في القلوب ، بل مجرد ألفاظ على الألسن ، فيكون قوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » نظير قول يوسف عليه السّلام في ما حكى اللّه تعالى عنه : ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٣ ، أو المراد أنّهم كانوا يتنازعون في أنواع الكلام من القصائد و الخطب و الأراجيز هل هذه أحسن أو تلك ، فكانوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه و آله يباهون بذلك ، و قصّة المعلّقات السبع معروفة ، قال امرؤ القيس لمّا احتضر في أنقرة في آخر شي‏ء تكلّم به : ربّ خطبة محبّرة ، و طعنة مسحنفرة ، و جفنة مثعنجرة ،

تبقى غدا بأنقرة .

و من السبع المعلّقات قصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي ، التي كان قام بها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم له شاهد أخرجه الصدوق في كمال الدين : ١٦١ ح ٢٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٦٢ .

( ٣ ) يوسف : ٤٠ .

٢٦٦

خطيبا في ما كان بينه و بن عمرو بن هند ملك الحيرة ، و كان لقومه بها شغف كثير حتّى قالوا فيهم :

ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أوّلهم

يا للرجال لشعر غير مسؤوم

و من السبع قصيدة عبيد بن الأبرص الّتي أوّلها :

أقفر من أهلها ملحوب

و لمّا لقيه ملك الحيرة في يوم بؤسه و أراد قتله ، استنشده القصيدة إعجابا بها ، فغيّر البيت و قال :

أقفر من أهلها عبيد

فاليوم لا يبدي و لا يعيد

و الكلّ مجرد ألفاظ .

و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد من مجادلتهم بألسنتهم ، فبارد ، فالمجادلة لا تكون بغير اللسان . و كيف كان ، فقال الجوهري : قد يكنى بها عن الكلمة فتؤنث حينئذ . قال أعشى باهلة :

إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها

من علو لا عجب منها و لا سخر

فمن ذكّره قال في الجمع : ثلاثة ألسنة ، مثل حمار و أحمرة ، و من أنّثه قال : ثلاث ألسن ١ .

قلت : الظاهر أنّ اللسان إذا كان بمعنى اللغة يكون مذكّرا ، لقوله تعالى :

و هذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا . . ٢ ، و قوله تعالى : . . . و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم . . . ٣ ، و إذا كان بمعنى التكلّم يكون مؤنثا كقوله :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢١٥٩ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) الأحقاف : ١٢ .

( ٣ ) الروم : ٢٢ .

٢٦٧

أتتني لسان بني عامر

أحاديثها بعد قول نكر

١ و كقول طرفة :

و إذا تلسنني ألسنها

إنّني لست بموهون فقر

٢ و كقوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » لكن ينقضه قول ابن الزبعرى المتقدّم ٣ .

« فقفّى به الرّسل » قال الجوهري : قفّيت على أثره بفلان ، أي : أتبعته إيّاه .

و منه قوله تعالى : ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا . . . ٤ .

« و ختم به الوحي » فلا يوحى إلاّ إلى النبيّ ، و لا نبيّ بعده ، و أمّا الإمام فإنّما يلهم .

« فجاهد في اللّه المدبرين عنه » و أمّا قوله تعالى : فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ٥ فلا ينافيه .

« و العادلين به » أي : الجاعلين غير اللّه عديلا له تعالى ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : يا أيّها النبيّ جاهد الكفّار و المنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنّم و بئس المصير ٦ . ذكرت الآية في التحريم و التوبة ، و أمّا عدم جهاده المنافقين ، و إنّما جاهدهم أمير المؤمنين بعده صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث إنّه كان كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بنصّ قوله تعالى : . . . و أنفسنا و أنفسكم . . . ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٣ ) مرّ في العنوان ٢٢ من هذا الفصل ، و البيت :

يا رسول الإله إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٤٦٦ مادة ( قفى ) ، و الآية ٢٧ من سورة الحديد .

( ٥ ) النجم : ٢٩ .

( ٦ ) التوبة : ٧٣ .

( ٧ ) آل عمران : ٦١ .

٢٦٨

٢٥

من الخطبة ( ١١٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى اَلْحَقِّ وَ شَاهِداً عَلَى اَلْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ وَ لاَ مُقَصِّرٍ وَ جَاهَدَ فِي اَللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَ لاَ مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اِهْتَدَى « أرسله داعيا إلى الحقّ و شاهدا على الخلق » يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا ١ ، فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يودّ الّذين كفروا و عصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض و لا يكتمون اللّه حديثا ٢ .

« فبلّغ رسالات ربّه غير وان » من : ونى يني ، أي : ضعف .

« و لا مقصّر » في التبليغ ، حتّى إنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حضر يوم وفاته مع شدّة مرضه كما روي المسجد و قال : و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ٣ أيّها الناس لا يدّعي مدّع و لا يتمنّى متمنّ أنّه ينجو إلاّ بعمل و رحمة ، و لو عصيت هويت ، اللّهم هل بلّغت ٤ .

و قالوا : خطب صلى اللّه عليه و آله و سلم بمنى في حجّة الوداع ، و قال في جملة ما قال : و كلّ مأترة أو بدع كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال فهو تحت قدميّ هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلاّ بالتقوى ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و كلّ ربا في الجاهلية موضوع ، و أوّل موضوع منه ربا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٥ ٤٦ .

( ٢ ) النساء : ٤١ ٤٢ .

( ٣ ) البقرة : ٢٨١ .

( ٤ ) ذكره بفرق يسير المفيد في الإرشاد : ٩٧ ، و الطبرسي في اعلام الورى : ١٣٤ .

٢٦٩

العبّاس بن عبد المطلب ، ألا و كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، و أوّل دم موضوع دم ربيعة ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، و لكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، إلاّ أنّه إذا أطيع فقد عبد ، ألا أيّها الناس إنّ المسلم أخو المسلم حقّا ، لا يحلّ لامرى‏ء مسلم ، و ماله إلاّ ما أعطاه بطيبة نفس منه ، و إنّي أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه . فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها ، و حسابهم على اللّه ، ألا هل بلّغت .

قالوا : نعم . قال اللّهم اشهد .

ثمّ قال : أيّها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي ، و افهموه تنعشوا ، ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدّنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك و لتفعلنّ لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل و ميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف قال : ثمّ التفت عن يمينه ، فسكت ثمّ قال : إن شاء اللّه أو عليّ بن أبي طالب ١ .

« و جاهد في اللّه أعداءه غير واهن » أي : ضعيف .

« و لا معذّر » و المعذّر بالتشديد : من يأتي بالعذر باطلا . و ضبطته ( المصرية ) بدون التشديد و هو غلط ، لأنّ المعذر بدونه من له عذر صحيح ،

و إنّما ينفى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم التعذير لا الإعذار ، قال تعالى : و جاء المعذّرون من الأعراب . . . ٢ .

قالوا : وصف أحد أحبار أهل الكتاب لكعب بن أسد اليهودي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج هذه الخطبة باختلاف يسير بين الروايات ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨٥ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١٠٣ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٠٢ سنة ١٠ ، و الصدوق في الخصال : ٤٨٦ ح ٦٣ ، و غيرهم .

( ٢ ) التوبة : ٩٠ .

٢٧٠

النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّه يضع سيفه على عاتقه ، و لا يبالي من لاقى ، و لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قتل كعب في أسراء بني النضير ذكّره قول ذاك الحبر ، فأقرّ به ،

و لكن قال : لا أسلم لئلاّ يقول الناس : إنّه جزع عند الموت ١ .

« إمام من اتّقى و بصر من اهتدى » مرّت الجملتان في طيّ الخطبة ( ٩٢ ) ٢ لكن ثمة : « و بصيرة من اهتدى » .

٢٦

من الخطبة ( ٩٨ ) و من خطبة له عليه السّلام أخرى :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلنَّاشِرِ فِي اَلْخَلْقِ فَضْلَهُ وَ اَلْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً من الخطبة ( ٨٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ من الخطبة ( ٨٩ ) بعد ذكر آدم و الأنبياء :

حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟ حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ اَلْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام أخرى » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ١٩٨ ح ٤ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) مرّ في العنوان ٥ من هذا الفصل .

٢٧١

و الخطّية ) ١ . و أيضا لا معنى لقوله : أخرى هنا .

قوله عليه السّلام في الأول : « الحمد للّه الناشر في الخلق فضله » قال تعالى :

و أنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٢ ، . . . قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه واسع عليهم . يختصّ برحمته من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٣ .

« و الباسط فيهم بالجود يده » قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . . . ٤ .

« نحمده في جميع أموره » لكن كلّها على وفق الحكمة و نهاية المصلحة .

« و نستعينه على رعاية حقوقه » فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه .

« و نشهد إلاّ إله غيره » لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا . . . ٥ .

« و أنّ محمّدا عبده و رسوله » إلى خلقه كافّة .

« أرسله بأمره صادعا » أي : مجاهرا ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ٦ .

« و بذكره ناطقا » و لمّا رأت قريش ذلك منه قالوا له مرّتين : تعبد آلهتنا سنة ، و نعبد إلهك سنة . فأجابهم بما أمره تعالى به بمثل قولهم في قوله : قل يا أيّها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . و لا أنتم عابدون ما أعبد . و لا أنا عابد ما عبدتم . و لا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم و لي دين ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٦ .

( ٢ ) الحديد : ٢٩ .

( ٣ ) آل عمران : ٧٣ ٧٤ .

( ٤ ) المائدة : ٦٤ .

( ٥ ) الأنبياء : ٢٢ .

( ٦ ) الحجر : ٩٤ .

( ٧ ) رواه الواحدي في أسباب النزول : ٣٠٧ ، و الطوسي في التبيان ١٠ : ٤٢٠ ، و الزمخشري في الكشاف ٤ : ٨٠٨ ، و عدة أخرى ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٠٤ ، و الآيات ( ١ ٦ ) من سورة ( الكافرون ) .

٢٧٢

« فأدّى أمينا » و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ١ .

« و مضى رشيدا » حيث أدّى ما كان عليه من قبل اللّه تعالى ، و نزل عليه أخيرا : إذا جاء نصر اللّه و الفتح . و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا .

فسبّح بحمد ربّك و استغفره إنّه كان توّابا ٢ .

قوله عليه السّلام في الثاني : « أرسله لإنفاذ أمره » كما قال تعالى : يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك . . . ٣ .

« و إنهاء » أي : إبلاغ .

« عذره » و لو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسول فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ و نخزى ٤ .

« و تقديم نذره » قال لا تختصموا لديّ و قد قدّمت إليكم بالوعيد ٥ .

كلّما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا و قلنا ما نزّل اللّه من شي‏ء إن أنتم إلاّ في ضلال كبير ٦ .

و في ( الأسد ) عن ابن أمّ مكتوم قال : خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما ارتفعت الشمس و ناس عند الحجرات ، فقال : يا أهل الحجرات سعّرت النار ، و جاءت الفتن كقطع الليل ، و لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا ٧ .

قوله عليه السّلام في الثالث : « حتى تمّت بنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم حجّته » . . . و لكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٢ ) النصر : ١ ٤ .

( ٣ ) المائدة : ٦٧ .

( ٤ ) طه : ١٣٤ .

( ٥ ) ق : ٢٨ .

( ٦ ) الملك : ٨ ٩ .

( ٧ ) أسد الغابة لابن الأثير ٤ : ١٠٣ .

٢٧٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

رسول اللّه و خاتم النبييّن . . . ١ .

« و بلغ المقطع » بالكسر ، قال الجوهري : أي : ما يقطع به الشي‏ء ٢ .

« عذره و نذره » قل فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ ، رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل و كان اللّه عزيزا حكيما ٤ .

٢٧

من الخطبة ( ١٩٠ ) في القاصعة فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ ؟ إِسْمَاعِيلَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْحَاقَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْرَائِيلَ ع ؟ فَمَا أَشَدَّ اِعْتِدَالَ اَلْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ اَلْأَمْثَالِ .

تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ اَلْأَكَاسِرَةُ وَ اَلْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ اَلْآفَاقِ وَ ؟ بَحْرِ اَلْعِرَاقِ ؟

وَ خُضْرَةِ اَلدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ اَلشِّيحِ وَ مَهَافِي اَلرِّيحِ وَ نَكَدِ اَلْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ اَلْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ اَلْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ اَلْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ .

فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٢٦٧ مادة ( قطع ) .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) النساء : ١٦٥ .

٢٧٤

كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ اَلْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهِ غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ اَلْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ اَلْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ اَلْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى اَلْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ اَلْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ اَلْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .

أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ اَلطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اَللَّهِ اَلْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِ اِمْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ اَلْأُلْفَةِ اَلَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ اَلْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ .

وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ اَلْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ اَلْإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ اَلْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِنْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ ؟ جَبْرَئِيلُ ؟ وَ لاَ ؟ مِيكَائِيلَ ؟ وَ لاَ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَكُمْ وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ اَلْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ اَلْقَرْنَ اَلْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ

٢٧٥

فَلَعَنَ اَللَّهُ اَلسُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ اَلْمَعَاصِي وَ اَلْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ اَلتَّنَاهِي .

أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ « و اعتبروا بحال ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل عليهم السلام » قال ابن أبي الحديد : إنّه ذكر عليه السّلام في هذه الكلمات المقهورين و القاهرين جميعا . أما المقهورون فبنو إسماعيل ، و أمّا القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائيل ، لأنّ الأكاسرة من بني إسحاق ، ذكر كثير من أهل العلم أنّ فارس من ولد إسحاق و القياصرة من ولد إسحاق أيضا ، لأنّ الروم بنو العيص بن إسحاق ، و على هذا يكون الضمير في أمرهم و تشتتهم و تفريقهم يرجع إلى بني إسماعيل خاصة ،

فإن قلت : فبنو إسرائيل أيّ مدخل لهم هاهنا ؟ قلت : لأنّ بني إسرائيل لمّا كانوا ملوكا بالشام في أيّام أجاب الملك و غيره ، حاربوا العرب من بني إسماعيل غير مرّة و طردوهم عن الشام ، و ألجؤوهم على المقام ببادية الحجاز ، و يصير تقدير الكلام : فاعتبروا بحال ولد إسماعيل مع بني إسحاق و بني إسرائيل ١ .

قلت : ما ذكره خارج عن طريق المحاورة ، فإنّ مقتضى السّياق كون الأكاسرة و القياصرة مسلّطين على ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل ، و يفعلون بهم ما شاؤوا ، و كون الأكاسرة و القياصرة غير ولد إسماعيل ، و غير بني إسحاق و بني إسرائيل ، و كيف جعل بني إسرائيل من القاهرين ، و القرآن ناطق بمقهوريتهم مثل بني إسماعيل ، بل أشدّ ؟ و كيف لا و قد قال عزّ و جلّ فيهم : . . . و ضربت عليهم الذلّة و المسكنة و باؤوا بغضب من اللّه . . . ٢ ، و قال تعالى : و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين و لتعلنّ علوّا كبيرا . فاذا جاء و عد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤١ .

( ٢ ) البقرة : ٦١ .

٢٧٦

أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا . . . . فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة و ليتبّروا ما علوا تتبيرا ١ ؟ و الأكاسرة جعلهم ابن قتيبة و الدينوري و الطبري من غير ولد إسحاق ،

بل من ولد الملوك الأوّلين قبل ملوك الطوائف ، قال الأوّل : كتب أردشير إلى ملوك الطوائف : من أردشير المستأثر دونه بحقّه ، المغلوب على تراث آبائه ٢ .

و قال الأخير : وثب أردشير بفارس طالبا بزعمه بدم ابن عمّه دارا بن دارا بن بهمن بن إسفنديار الذي حارب الإسكندر فقتله حاجباه مريدا في ما يقول : ردّ الملك إلى أهله ، و إلى ما لم يزل عليه أيّام سلفه ، و آبائه الّذين مضوا قبل ملوك الطوائف ، و جمعه لرئيس واحد و ملك واحد ٣ .

و قريبا منه قال الثاني رافعا نسبه إلى إسفنديار بن بشتاسف ٤ .

و إنّما نقل المسعودي أقوالا ضعيفة في كون الأكاسرة من ولد إسحاق ،

فقال : تنازع الناس في الفرس و أنسابهم ، فقال قوم : إنّ فارس بن ياسور بن سام بن نوح ، و كذلك النبط ، و هذا قول هشام بن محمّد في ما حكاه عن أبيه و غيره ، و منهم من زعم أنّه من ولد يوسف بن يعقوب ، و منهم من ذكر أنّه من ولد إرم بن ارفخش بن سام بن نوح ، و أنّه ولد له بضعة عشر رجلا كلّهم كان فارسا شجاعا فسمّوا الفرس بالفروسية ، و في ذلك يقول حطّان الفارسي :

و بنا سمّي الفوارس فرسا

نا و منّا مناجب الفرسان

و كهول طواهم الركض و الكرّ

كمثل الكرّات يوم الطّعان

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٤ ٧ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٤١ .

( ٤ ) الأخبار الطوال للدينوري : ٤٤ .

٢٧٧

قال : و قد زعم قوم أنّ الفرس من ولد لوط من ابنتيه ، و ذكر آخرون أنّهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح الّذي ينسب إليه شعب بوّان ،

و منهم من رأى أنّ الفرس من ولد إيران بن أفريدون ، و لا تناكر بين الفرس جميعا في أنّها من ولد إيرج جميعا ، و إيرج هو إيران بن أفريدون . و من الناس من ذهب إلى أنّ سائر أجناس الفرس ، و أهل كور الأهواز من ولد عيلام ، و لا خلاف بين الفرس في أنّ الجميع منهم من ولد كيومرث ، و من الناس من ذهب إلى أنّ الفرس السّاسانية دون من سلف من الفرس الاولى من ولد منوشهر بن إيرج بن أفريدون ، و منهم من ذهب إلى أنّ منوشهر هو ابن مشجر بن فريقس بن ويرك ، و ويرك هو إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام ، و سار مشجر إلى أرض فارس ، و كان بها امرأة متملّكة يقال لها : كورك ابنة إيرج ، فتزوّجها ،

فولدت له منوشهر الملك ، و كثر ولده فملكوا الأرض ، و غلبوا عليها و هابتهم الملوك ، و دثرت الفرس الأولى كدثور الأمم الماضية ، و العرب العاربة ، و أكثر حكماء العرب من نزار بن معد . يقول هذا ، و يعمل عليه في بدء النسب ، و ينقاد إليه كثير من الفرس ، و قد ذكرته شعراء العرب من نزار ، و افتخرت على اليمن من قحطان بالفرس ، و أنّها من ولد إسحاق ، قال إسحاق بن سويد العدوي عدي قريش :

إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد

أتى فخرنا أعلى عليها و أسودا

ملكناهم بدءا بإسحاق عمّنا

و صاروا لنا غرما على الدهر أعبدا

فإن كان منهم تبّع و ابن تبّع

فأملاكهم كانوا لأملاكنا يدا

و يجمعنا و الغرّ أبناء سارة

أب لا يبالي بعده من تفرّدا

هم ملكوا شرقا و غربا ملوكهم

و هم منحوهم بعد ذلك سؤددا

و في ذلك يقول جرير بن الخطفي التميمي يفخر على قحطان بأنّ

٢٧٨

الفرس و الروم من أولاد إسحاق ، و الأنبياء من ولد يعقوب بن إسحاق من كلمة طويلة يقول فيها :

و أبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا

حمائل موت لا بسين السّنوّرا

إذا افتخروا عدّوا الصبهبذ منهم

و كسرى و عدّوا الهرمزان و قيصرا

و كان كتاب اللّه فيهم و نوره

و كانوا باصطخر الملوك و تسترا

و منهم سليمان النبيّ الّذي دعا

فأعطي بنيانا و ملكا مقدّرا

أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا

آب كان مهديّا نبيّا مطهّرا

بني قبلة اللّه التي يهتدي بها

فأورثنا عزّا و ملكا معمّرا

و موسى و عيسى و الّذي خرّ ساجدا

و أنبت زرعا دمع عينيه أخضرا

و يعقوب منهم زاده اللّه حكمة

و كان ابن يعقوب نبيّا مطهّرا

و يجمعا و الغرّ أبناء فارس

أب لا يبالي بعده من تأخّرا

أبونا خليل اللّه و اللّه ربّنا

رضينا بما أعطى الإله و قدّرا

و في ذلك يقول بشار بن برد :

نمتني الكرام بنو فارس

قريش و قومي قريش العجم

و قال أحد شعراء الفرس يذكر أنّه من ولد إسحاق ، و أنّ إسحاق هو المسمّى و يرك :

أبونا ويرك و به أسامي

إذا فخر المفاخر بالولاده

أبونا و يرك عبد رسول

له شرف الرّسالة و الزّهاده

فمن مثلي إذا افتخرت قرون

و بيتي مثل واسطة القلاده

قال : و قد افتخر بعض أبناء الفرس بعد التسعين و المائتين بجدّه إسحاق على ولد إسماعيل ، بأنّ الذبيح كان إسحاق ، فقال :

قل لبني هاجر أبيت لكم

ما هذه الكبرياء و العظمه

٢٧٩

ألم تكن في القديم أمّكم

لأمّنا سارة الجمال أمه

و الملك فينا و الأنبياء لنا

إن تنكروا ذلك توجدوا ظلمه

إسحاق كان الذّبيح قد أجمع ال

ناس عليه إلاّ ادّعاء لمه

و قد أجابه ابن المعتز ، فمن ذلك قوله :

أسمع صوتا و لا أرى أحدا

من ذا الشّقي الّذي أباح دمه

حاشا لإسحاق أن يكون لكم

أبا و إن كنتم بنيه فمه

و الفرس لا تنقاد إلى القول : بأنّ الملك كان فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار في ما سلف و خلف ، إلى أن زال عنهم الملك ، إلاّ أن يكون دخل عليهم داخل على طريق الغصب بغير حقّ .

قال : و قد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام ، و تطوف به تعظيما له ، و لجدّها إبراهيم عليه السّلام ، و تمسّكا بهديه و حفظا لأنسابها ، و كان آخر من حجّ منهم ساسان جدّ أردشير ، فكان إذا أتى البيت طاف به و زمزم على بئر إسماعيل .

فقيل : إنّما سمّيت زمزم لزمزمته عليها هو و غيره من فارس ، و هذا يدلّ على ترادف كثرة هذا الفعل منهم على هذا البئر ، و في ذلك يقول الشاعر في قديم الزمان :

زمزمت الفرس على زمزم

و ذاك من سالفها الأقدم

و قد افتخر بعض شعراء الفرس بعد ظهور الإسلام بذلك ، فقال :

و ما زلنا نحج البيت قدما

و نلفى بالأباطح آمنينا

و ساسان بن بابك سار حتّى

أتى البيت العتيق يطوف دينا

فطاف به و زمزم عند بئر

لإسماعيل تروى الشاربينا

و كانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالا في صدر الزمان و جواهر ، و قد

٢٨٠

كان ساسان أهدى غزالين من ذهب و جوهرا و سيوفا و ذهبا كثيرا ، فقذفه في زمزم ، و ذهب قوم أنّ ذلك كان لجرهم حين كانت بمكّة ١ .

هذا آخر كلام المسعودي ، و قد عرفت ممّا مرّ كثرة الأقوال في نسب الفرس ، هل هم من ولد ناسور بن سام أو ارفخشد بن سام أو أسود بن سام أو من ولد لوط أو من ولد عيلام أو إيران بن أفريدون أو منوجهر بن أفريدون و الكلّ غير إسحاق ، و إنّما قول ضعيف إنّ الفرس الاولى انقرضت ، و الأكاسرة من ولد مسحر بن ويرك ( إسحاق ) مع أنّهم كانوا منكرين لذلك ، فمرّ قول المسعودي .

و الفرس لا تنقاد إلى القول : بأنّ الملك يكون فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار في ما سلف و خلف ، إلى أن زال عنهم الملك ، إلاّ أن يكون دخل عليهم داخل على طريق التعصّب بغير حقّ .

و أمّا ذهاب بعض شعراء عدنان إليه كاسحاق العدوي ، و جرير التميمي ، و بشار الأعمى ، فانّما كان لأنّ قحطان كانوا يفخرون عليهم بالملك ،

و لم يكن في عدنان ملوك ، فأرادوا النقض عليهم فادّعوا أنّ الأكاسرة من ولد عمّنا إسحاق ، و ملك الأكاسرة كان فوق ملك اليمن ، كما عرفت من أشعار الثلاثة ، كما أنّ ذهاب بعض شعراء العجم إليه أيضا كان لإرادة التفاخر بأنّه كما كان لنا الملك كان لنا النبوّة لكون إسحاق أبانا .

و قد عرفت أنّ الطبري ، و ابن قتيبة ، و الدينوري ، و هشام الكلبي ، و أباه محمّد بن السائب جعلوا الأكاسرة من غير إسحاق ، و عرفت أنّ ابن المعتزّ أيضا أنكر كونهم منه . و لو كانوا من ولد إسحاق لكان فيهم أشياء من سنن إبراهيم عليه السّلام كما كانت في أولاد ، إسماعيل ، مع كونهم عابدي الأصنام ، بل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٦٠ و النقل بتلخيص .

٢٨١

كانوا بالضدّ من سنن إبراهيم ، كيف و كانوا يحلّون نكاح الأمّهات و البنات و الأخوات ؟ و أمّا قولهم : إنّ الفرس كانت تهدي إلي الكعبة ، و إنّهم كانوا يحجّون البيت ، و إنّهم أهدوا الغزالين و سيوفا ، و إنّ زمزم سمّيت زمزم لزمزمتهم عليها ، فمجرّد دعوى ، كقولهم بأنّهم من ولد إسحاق ، ففي : ( الأخبار و السير ) :

أنّ المهدي للغزالين و السيوف جرهم ، و قد نقله المسعودي أيضا ١ .

و وجه تسمية البئر بزمزم في أخبارنا شي‏ء آخر ٢ .

و أمّا كون القياصرة من ولد عيص بن إسحاق ، فالظاهر أنّ الأصل فيه التوراة الّتي بيد اليهود ٣ ، و تحريفها واضح .

و كيف كان فلا يقال للأكاسرة و القياصرة : بنو إسحاق . و إنّ فرض كونهم من ولد إسحاق ، حيث إنّهم مشتهرون بلقبيهم أكاسرة و قياصرة و إنّما يقال لغيرهم ممّن لم يكن لهم عنوان خاص ، و قد يجعل الخاص في قبال العام مع كونه صنفا منه ، فتقول : قريش و بنو هاشم . فالمراد بقريش غير بني هاشم ، و إن كانوا بنو هاشم من قريش ، و قد قال عليه السّلام هنا : « و بني إسحاق و بني إسرائيل » مع أنّ إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ، فلا بدّ أن يراد ببني إسحاق غير بني إسرائيل .

و بالجملة ما قاله ابن أبي الحديد في غاية السقوط ، و الكلام على ظاهره

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٦٦ .

( ٢ ) أخرج القمي في تفسيره ١ : ٦١ ضمن حديث عن الصادق عليه السّلام « فإنه كان سائلا فزمّته بما جعلته حوله ، فلذلك سمّيت زمزم » . و قال الطريحي في مجمع البحرين ٦ : ٨١ مادة ( زمّ ) : « سميت به لكثرة مائها ، و قيل لزمّ هاجر ماءها حين انفجرت ، و قيل لزمزمة جبرئيل و كلامه » .

( ٣ ) جاء في التوراة ، في سفر التكوين الاصحاح ٣٦ ذكر مواليد عيسو بن اسحاق ، و ليس فيها ذكر للقياصرة ، و لا في سائر المواضع من العهدين .

٢٨٢

و تأويله عليل ، و سيأتي التصريح من الطبري و المسعودي بقتل الأكاسرة و القياصرة لبني إسرائيل ١ .

« فما أشدّ اعتدال الأحوال » في الأمثال : الناس كأسنان المشط ٢ .

« و أقرب اشتباه » أي : تشابه .

« الأمثال » قالوا في المثل : سواسية كأسنان الحمار ٣ .

« تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم و تفرّقهم » من كونهم في غاية الذلّ و الهوان .

و من القواعد الفطرية و الأمور الطبيعيّة كون التشتّت و التفرّق موجبا للذلّة بل الفناء .

و في ( الأغاني ) : نزلت عدوان على ماء ، فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم ، ثمّ وقع بأسهم بينهم فتفانوا ، فقال ذو الإصبع :

عذير الحي من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض

بغى بعضهم بعضا

فلم يبقوا على بعض

فقد صاروا أحاديث

برفع القول و الخفض

و منهم كانت السادا

ت و الموفون بالقرض

و منهم حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

و روى أنّ سبب تفانيهم أنّ بني ناجي منهم أغاروا على بني عوف منهم . فقال ذو الإصبع :

فإن تك عدوان بن عمرو تفرّقت

فقد غيّبت دهرا ملوكا هنالكا

٤

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يأتي في هذا العنوان في شرح فقرة : « لا يأوون إلى جناح » .

( ٢ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٣٤٠ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٥٢ .

( ٣ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢٩ ، و المستقصى للزمخشري ٢ : ١٢٣ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ٢ : ٨٩ ، ١٠٤ ، و النقل بتلخيص .

٢٨٣

و في ( الأغاني ) أيضا : أنّ كليب بن ربيعة التغلبي كان قد عزّ و ساد في ربيعة ، فبغى بغيا شديدا ، و كان هو الّذي ينزلهم منازلهم و يرحّلهم ، و لا ينزلون و لا يرحلون إلاّ بأمره ، و بلغ من عزّه أنّه اتّخذ جرو كلب ، فكان إذا نزل منزل كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي ، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلاّ بإذنه ، و كان يفعل هذا بحياض الماء ، فلا يردها أحد إلاّ بإذنه ، فضرب به المثل في العزّ ،

فقيل : أعزّ من كليب وائل . و كان يحمي الصيد ، فيقول : صيد ناحية كذا و كذا في جواري ، فلا يصيد منه أحد شيئا . و كان لا يمرّ بين يديه أحد إذا جلس ، و لا يحتبي أحد في مجلسه غيره ، فقتله جسّاس بن مرّة البكري ، فبينا امرأة كليب أخت جسّاس تغسل رأس كليب ، و تسرّحه ذات يوم ، إذ قال : من أعزّ وائل ؟

فصمتت ، فأعاد عليها ، فلمّا أكثر عليها ، قالت : أخواي جسّاس و همّام . فنزع رأسه من يدها و أخذ القوس ، فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جسّاس و جارة بني مرّة ، فأغمضوا على ما فيه ، و سكتوا على ذلك ، ثمّ لقي كليب ابن البسوس فقال : ما فعل فصيل ناقتكم ؟ قال : قتلته و أخليت لنا لبن أمّه . فأغمضوا على هذه أيضا .

ثمّ إنّ كليبا أعاد على امرأته : من أعزّ وائل ؟ فقالت : أخواي . فأضمرها و أسرّها في نفسه ، و سكت حتّى مرّت به إبل جسّاس ، فرأى ناقة بسوس فأنكرها ، فقال : ما هذه ؟ فقالوا : لخالة جسّاس ، فقال : أو قد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير عليّ بغير إذني ؟ إرم ضرعها يا غلام . فرمى ضرع الناقة ،

فاختلط دمها بلبنها ، و راحت الرعاة على جسّاس ، فأخبروه بالأمر . فقال :

احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها ، و لا تذكروا لها شيئا . فسكت جسّاس حتّى ظعن ابنا وائل . فمرّت بكر بن وائل على نهر يقال له : شبيث . فنفاهم كليب عنه ،

و قال : لا يذوقون منه قطرة . ثمّ مرّوا على بطن الجريب ، فمنعهم إيّاه ، فمضوا

٢٨٤

حتّى نزلوا ( الذنائب ) ثمّ مرّ عليه جسّاس ، و هو واقف على غدير الذنائب ، فقال :

طردت إبلنا عن المياه حتّى كدت تقتلهم عطشا . فقال : ما منعناهم من ماء إلاّ و نحن له شاغلون . فمضى جسّاس ، و معه ابن عمّه المزدلف ، و قال بعضهم :

بل ناداه جسّاس ، فقال : هذا كفعلك بناقة خالتي . فقال : أو قد ذكرتها ، أما إنّي لو وجدتها في غير إبل ( مرّة ) لا ستحللت تلك الإبل بها . فعطف عليه جسّاس فطعنه برمح ، فأنفذ حضنيه ، فلمّا تداجمه الموت ، قال : يا جسّاس اسقني الماء .

قال : ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمّك إلاّ ساعتك هذه إلى أن قال قال جسّاس لأخيه نضلة و يقال له : عضد الحمارة :

و إنّي قد جنيت عليك حربا

تغصّ الشيخ بالماء القراح

مذكّرة متى ما يصح عنها

فتى نشبت بآخر غير صاح

تنكّل عن ذئاب الغيّ قوما

و تدعو آخرين إلى الصلاح

فأجابه نضلة :

فإن تك قد جنيت عليّ حربا

فلا و ان و لا رثّ السلاح

فلمّا قتل كليب ، قالت بنو تغلب بعضهم لبعض : لا تعجلوا على إخوتكم حتّى تعذروا بينكم و بينهم . فانطلق رهط من أشرافهم ، و ذوي أسنانهم حتّى أتوا مرّة بن ذه فعظّموا ما بينهم و بينه ، و قالوا له : اختر منّا ، إمّا أن تدفع إلينا جسّاسا فنقتله بصاحبنا ، فلم يظلم من قتل قاتله ، و إمّا أن تدفع إلينا همّاما ، و إمّا أن تقيدنا من نفسك . فسكت ، و قد حضرته وجوه بكر بن وائل ، فقالوا : تكلّم غير مخذول . فقال : أمّا جسّاس فغلام حديث السنّ ، ركب رأسه فهرب حين خاف ، فلا علم لي به ، و أمّا همّام فأخر عشرة و أبو عشرة ، و لو دفعته إليكم لصيّح بنوه في وجهي ، و قالوا : دفعت أبانا بجريرة غيره ، و أمّا أنا فلا أتعجّل الموت ، و هل تزيد الخيل على أن تجول جولة ، فأكون أوّل قتيل ، و لكن هل لكم

٢٨٥

في غير ذلك ؟ هؤلاء بنيّ ، فدونكم أحدهم فاقتلوه به ، و إن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل . فغضبوا و قالوا : إنّا لم نأتك لتؤدي إلينا بنيك ، و لا لتسومنا اللبن . فتفرّقوا و وقعت الحرب . قالوا : كانت حربهم أربعين سنة ،

فيهن خمس وقعات مزاحمات ١ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) عن وهب : أنّ اللّه تعالى قال لشعيا : قم في قومك أوح على لسانك . فلما قام شيعا أنطلق اللّه لسانه بالوحي ، فقال : يا سماء استمعي ، يا أرض انصتي . فأنصتت الأرض ، و استمعت السّماء . فقال : إنّ اللّه تعالى يقول لكم : إنّي استقبلت بني إسرائيل بالكرامة ، و هم كالغنم الضائعة لا راعي لها ، فأويت شاذّتها و جمعت ضالّتها ، و جبرت كسيرها و داويت مريضها ، و أسمنت مهزولها ، فبطرت فتناطحت ، فقتل بعضها بعضا ، حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير . إنّ الحمار ممّا يتذكّر آريّه الّذي شبع عليه فيراجعه ، و إنّ الثور ممّا يتذكّر مرجه الّذي سمن فيه فينتابه ، و إنّ البعير ممّا يتذكّر وطنه ألّذي نتج فيه فينزع إليه ، و إنّ هؤلاء القوم لا يذكرون أنّي جاءهم الخير ، و هم أهل الألباب و أهل العقول ، ليسوا بإبل و لا بقر و لا حمير ، و إنّي ضارب لهم مثلا فاسمعوه ، قل لهم : كيف ترون في أرض كانت زمانا من أزمانها خربة مواتا لا حرث فيها ، و كان لها ربّ قوي حليم ، فأقبل عليها بالعمارة ، و كره أن تخرب أرضه و هو قويّ ، و أن يقال له : ضيّع و هو عليم ، فأحاط عليها سياجا ، و شيّد فيها قصرا ، و أنبط فيها نهرا ، و صنف فيها غراسا من الزيتون و الرمّان ، و النخيل و الأعناب ، و ألوان الثمار ، و ولى ذلك ذا رأي و همّة ، حفيظا قويّا أمينا ، فلمّا أن جاء إبّان إثمارها أثمرت خرّوبا ، ما كنتم قائلين له و مشيرين عليه ؟ قالوا : كنّا نقول : بئست الأرض أرضك . و نشير عليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

٢٨٦

أن يقلع سياجها ، و يهدم قصرها ، و يدفن نهرها ، و يحرق غرسها حتّى تعود خربة مواتا لا عمران فيها . قال اللّه تعالى : قل لهم : إنّ السياج ذمّتي ، و إنّ القصر شريعتي ، و إنّ النهر كتابي ، و إنّ القيّم نبيّي ، و إنّ الغرس مثل لهم ، و الخرّوب أعمالهم الخبيثة ، و إنّي قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم ، يتقرّبون إليّ بذبح الغنم و البقر ، و ليس ينالني اللحم و لا آكله ، و يدعون أن يتقرّبوا إليّ بالتقوى ، و الكفّ عن ذبح الأنفس التي حرّمتها . . . ١ .

« ليالي كانت الأكاسرة » جمع كسرى : لقب ملوك الفرس .

« و القياصرة » لقب ملوك الروم ، قالوا : و أوّل من لقّب به منهم أغسطس ،

لأنّ أمّه ماتت و هي حامل به فشقّ بطنها . و معنى قيصر : شقّ عنه . فكان يفتخر بأنّ النساء لم يلدنه ٢ .

« أربابا لهم » أي : مالكين لأمورهم .

« يحتازونهم » أي : يفصلونهم .

« عن ريف الآفاق » أي : خصبها .

« و بحر العراق » هكذا في النسخ ٣ ، و الظاهر أنّ الأصل : و بحري العراق ،

و المراد دجلة و الفرات ، فإنّهما لكثرة خيرهما ، و ما يحصل منهما سمّيا الرافدين ، قال الفرزدق ليزيد بن عبد الملك لمّا ولّى عمر بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢٦٣ .

( ٢ ) هذا قول المسعودي في مروج الذهب ١ : ٣٤٢ . و التحقيق ان لفظ ( قيصر ) معرب الكلمة اللاتينية ( ) و هو صيغة الحال المجهول الانشائي ، أو المستقبل المجهول الخبري من مصدر ( ) بمعنى ( الشق ) ، و أوّل من سمّي به ( غايوس جوليونس سزار ) و هو الذي شقّ بطن أمّه عند تولده ، و أمّا ( أغسطس ) فهو أول من اتّخذ هذا اللفظ لقبا لنفسه ، كما صرّح به دائرة المعارف العالمية [ ( . ) ٣ : ٤٧٢ ] و بروكسهاس [ ( ) ٢ : ٨٦ ] ، و غيرهما ، و جاء ذكر اغسطس ملقبا بقيصر في إنجيل لوقا الاصحاح الثاني ، الآية الأولى .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٥٣ ، و شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٨٩ .

٢٨٧

هبيرة الفزاري العراق :

أولّيت العراق و رافديه

فزاريّا أحذّ يد القميص

و كان يقال للعراق : السواد لكثرة شجرها .

« و خضرة الدّنيا » الظاهر أن المراد بها الشام ، كان يقال للشام : بدل الجنّة .

قال النعمان بن جبلة التنوخي و هو من صاحب رايات معاوية لمعاوية : و سنقاتل عن تين الغوطة و زيتونها ، إذ حرمنا أثمار الجنّة و أنهارها ١ .

و مراده من حرمانهم من ثمار الجنّة لقتالهم لأمير المؤمنين عليه السّلام في مساعدة معاوية .

« إلى منابت الشّيح » من النباتات القليلة الفائدة ، أي : إلى مواضع لم يحصل منها نباتات جيّدة .

« و مهافي » أي : مذاهب .

« الريح » أي : مواضع يكثر هبوب الرياح فيها .

« و نكد المعاش » أي : مواضع يعسر العيش فيها .

« فتركوهم عالة » أي : ذوي فاقة .

« مساكين » لا حيلة لهم .

« إخوان دبر » بفتحتين : قرحة الدابّة ، يقال : و هان على الأملس ما لاقى الدبر بالفتح فالكسر . يضرب في عدم اهتمام الرجل بصاحبه ، و المراد كونهم أرباب إبل مقروحة السنام .

« و وبر » و المراد كونهم أرباب بيوت من وبر الآبال ، دون بيوت مبنيّة .

« أذلّ الأمم دارا » و مسكنا .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٨٥ .

٢٨٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و أجدبهم » أي : أقحطهم .

« قرارا » و موضعا .

« لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها ، و لا إلى ظلّ ألفه يعتمدون على عزّها » فكانوا أذلاّء ، قال البحتري :

و في حرب العشيرة مؤبدات

تضعضع تالد العزّ المهيب

و في ( الطبري ) : لمّا استولى أردشير على الملك بالعراق ، كره كثير من تنوخ أن يقيموا في مملكته ، و أن يدينوا له ، فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة الّذين كانوا أقبلوا مع مالك و عمرو ، إبني فهم و مالك بن زهير و غيرهم ، فلحقوا بالشام إلى من هنالك من قضاعة ، و كان ناس من العرب يحدثون في قومهم الأحداث أو تضيق بهم المعيشة ، فيخرجون إلى ريف العراق ، و ينزلون الحيرة على ثلاث أثلاث : ثلث تنوخ : و هو من كان يسكن المظالّ ، و بيوت الشعر و الوبر في غربي الفرات ، في ما بين الحيرة و الأنبار و ما فوقها ، و الثلث الثاني العباد : و هم الّذين كانوا سكنوا الحيرة و ابتنوا بها ،

و الثلث الثالث الأحلاف : و هم الّذين لحقوا بأهل الحيرة ، و نزلوا فيهم ممّن لم يكن من تنوخ الوبر ، و لا من العباد الّذين دانوا لأردشير ، و كانت الحيرة و الأنبار بنيتا جميعا في زمن بختنصّر . . . ١ .

و قال في شرح حال سابور ذي الأكتاف : إنّه كان حملا في زمن أبيه ،

فأوصى بالملك للحمل ، فولد مملّكا ، و تقلّد الوزراء و الكتّاب الأعمال الّتي كانوا يعملونها في ملك أبيه ، و لم يزالوا على ذلك حتّى فشا خبرهم ، و شاع في أطراف مملكة الفرس أنّه كان لا ملك لهم ، و أنّ أهلها إنّما يتلوّمون صبيّا في المهد ، لا يدرون ما هو كائن من أمره ، فطمعت في مملكتهم الترك و الروم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٨٠ .

٢٨٩

و كانت بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس ، و كانوا من أحوج الأمم إلى تناول شي‏ء من معايشهم ، و بلادهم لسوء حالهم ، و شظف عيشهم ، فسار جمع عظيم منهم في البحر من ناحية بلاد عبد القيس و البحرين و كاظمة ، حتّى أناخوا على إيرانشهر و سواحل أردشير خره و أسياف فارس ، و غلبوا أهلها على مواشيهم و حروثهم و معايشهم ، و أكثروا الفساد في تلك البلاد ، فمكثوا على ذلك من أمرهم حينا لا يغزوهم أحد من الفرس ، لعقدهم تاج الملك على طفل حتّى تحرّك سابور و ترعرع . . . ثمّ انتخب سابور ألف فارس من صناديد جنده ، و أبطالهم ، و تقدّم إليهم في المضيّ لأمره و نهيه ، و نهاهم عن الإبقاء على ما لقوا من العرب و العرجة على إصابة مال ، ثمّ سار بهم ، فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب و هم غارّون ، و قتل منهم أبرح القتل ، و أسر أعنف الأسر ،

و هرب بقيّتهم ، ثمّ قطع البحر في أصحابه ، و استقرى بلاد البحرين يقتل أهلها ،

و لا يقبل فداء ، و لا يعرج على غنيمة ، ثمّ مضى على وجهه ، فورد هجرو بها ناس من أعراب تميم ، و بكر بن وائل و عبد القيس ، فأفشى فيهم القتل ، و سفك فيهم من الدماء سفكا سالت كسيل المطر ، حتّى كان الهارب منهم يرى أنّه لن ينجيه منه غار في جبل ، و لا جزيرة في بحر ، ثمّ عطف إلى بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلاّ من هرب منهم ، فلحق بالرمال ، ثمّ أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتلة ، و لم يمرّ بماه من مياه العرب إلاّ غوّره ، و لا جبّ من جبابهم إلاّ طمّه ، ثمّ أتى قرب المدينة ، فقتل من وجد هنالك من العرب و أسر ، ثمّ عطف نحو بلاد بكر و تغلب في ما بين مملكة فارس ، و مناظر الروم بأرض الشام ، فقتل من وجد بها من العرب و سبى و طمّ مياههم ، و أنّه أسكن من البحرين دارين ،

و اسمهما : هيج و الخط ، و من كان من عبد القيس و طوائف من تميم و هجر ،

و من كان من بكر بن وائل كومان ، و هم الّذين يدعون بكر أبان ، و من كان

٢٩٠

بينهم من بني حنظة بالرملية من بلاد الأهواز ١ .

و في ( الطبري ) أيضا : كان ملك الفرس متّصلا دائما من عهد جيومرث إلى أنّ زال عنهم بأمّة نبيّنا صلى اللّه عليه و آله ، و كانت النبوّة و الملك متّصلين بالشام و نواحيها لولد إسرائيل بن إسحاق ، إلى أن زال عنهم ذلك بالفرس و الروم بعد يحيى و عيسى ٢ .

و في ( المروج ) ثمّ ملك بعده أي : من ملوك الروم طيطش و اسباسيانوس مشتركين في الملك ثلاث عشرة سنة ، و ذلك بمدينة رومية ،

و لسنة خلت من ملك هذين الملكين سارا إلى الشام ، و كانت لهما مع بني إسرائيل حروب عظيمة ، و قتل فيها من بني إسرائيل ثلاثمائة ألف ، و خربا بيت المقدس ، و أحرقا الهيكل بالنار ، و حرثاه بالبقر ، و أزالا رسمه ، و محوا أثره ٣ .

« فالأحوال مضطربة ، و الأيدي مختلفة ، و الكثرة متفرّقة » في ( عقد ابن عبد ربه ) في حروب قيس في الجاهلية و أيّامهم : الأوّل : يوم منعج لغني على عبس ، و فيه قتل شاس بن زهير العبسي . الثاني : يوم النقراوات لبني عامر على بني عبس ، فيه قتل زهير بن جذيمة العبسي . الثالث : يوم بطن عاقل لذبيان على عامر ، فيه قتل خالد بن جعفر . الرابع : يوم رحرحان لعامر على تميم ، أسر فيه معبد بن زرارة ، و مات في أسره هزالا . الخامس : يوم شعب جبلة لعامر و عبس على ذبيان و تميم ، و هو أعظم أيّامهم ، فيه قتل لقيط بن زرارة ،

و معاوية بن الجون ، و منفذ بن طريف الأسدي ، و مالك بن ربعي ، و أسر حاجب بن زرارة ، و سنان بن أبي حارثة ، و عمرو بن أبي عمرو . و عدّ أيّامهم ستّا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٩٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ١ : ٩٩ ، ٣٨٢ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٣٤٦ .

٢٩١

و ثمانين آخرها يوم ذي قار و قد بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و في ( الطبري ) : كان بختنصر في زمان لهراسب ، و كان اصبهبد ما بين الأهواز إلى أرض الروم من غربي دجلة ، فشخص حتّى أتى دمشق فصالحه أهلها ، و وجّه قائدا له فأتى بيت المقدس ، فصالح ملك بني إسرائيل ، و هو رجل من ولد داود ، و أخذ منه رهائن و انصرف ، فلمّا بلغ طبرية ، و ثبت بنو إسرائيل على ملكهم ، فقتلوه ، و قالوا : راهنت أهل بابل و خذلتنا ، و استعدّوا للقتال . فكتب قائد بختنصر إليه بما كان ، فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتّى يوافيه ،

و أن يضرب أعناق الرهائن الّذين معه . فسار بختنصر حتّى أتى بيت المقدس ،

فأخذ المدينة عنوة ، فقتل المقاتلة ، و سبى الذرّية ٢ .

و في ( المروج ) في الثامن ممّن ملك من بني إسرائيل بعد سليمان عليه السّلام : ملك بعده أي بعد نوفا أجام فأظهر عبادة الأصنام ، و طغى و أظهر البغي ،

فصار إليه بعض ملوك بابل ، و كان يقال له فلعيعس ، و كان من عظماء ملوك بابل ، و كان للإسرائيلي معه حروب إلى أن أسره البابلي ، و خرّب مدن الأسباط و مساكنهم ، و كان في أيّامه تنازع بين اليهود في الديانة ، فشذّ منهم الأسامرة ، و أنكروا نبوّة داود عليه السّلام و من تلاه في الأنبياء ، و أبوا أن يكون بعد موسى نبيّ ٣ .

و فيه : تاسعهم : حزقيل . و سار سنجاريب ملك بابل إلى بيت المقدس ،

و قتل خلقا كثيرا من بني إسرائيل ، و سبى من الأسباط عددا كثيرا . و قال في عاشرهم ميشا : قتل شعيبا النبيّ عليه السّلام فبعث اللّه قسطنطين ملك الروم ، فسار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٣ ، و النقل باختصار .

( ٢ ) تاريخ الطبري ١ : ٣٨٢ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٧٢ ، و النقل بتلخيص .

٢٩٢

إليه و أسره . و قال في حادي عشرهم : أمور اشتدّ بغيه ، فسار إليه فرعون الأعرج من مصر ، فأمعن في القتل ، و أسره . و قال في ثاني عشرهم : نوفين هو أبو دانيال عليه السّلام ، و في عصره سار بختنصر و هو مرزبان العراق و العرب من قبل ملك فارس ، فأمعن في القتل و الأسر ، و حملهم إلى أرض العراق ، و أخذ التوراة و طرحه في بئر ، و عمد إلى تابوت السكينة ، فأودعه بعض المواضع من الأرض . فيقال : كان عدّة من سبى من بني إسرائيل ثمانية عشر ألفا ١ .

و في ( تاريخ اليعقوبي ) في تعداد ملوك بني إسرائيل : ثمّ ملك يويتيم و هو أبو دانيال النبيّ عليه السّلام ، و في عصره سار بختنصر ملك بابل إلى بيت المقدس فقتل بني إسرائيل ، و سباهم و حملهم إلى أرض بابل ، ثمّ صار إلى أرض مصر ، فقتل فرعون الأعرج ملكهما ، و أخذ التوراة و ماكان من الهيكل من كتب الأنبياء ، فصيّرها في بئر و طرح عليها النار . . . فقال ارمياء النبيّ عليه السّلام : اللّهم علام سلّطت بختنصر على بني إسرائيل ؟ فأوحى اللّه إليه : إنّي انّما انتقم من عبادي إذا عصوني بشرار خلقي . و لم يزل بنو إسرائيل في الأسر حتّى تزوج امرأة منهم ، فسألت أن يردّ قومها إلى بلدهم . فلمّا رجع بنو إسرائيل إلى بلدهم ، ملّكوا عليهم زر بابل ، فبنى مدينة بيت المقدس و الهيكل ، و أقام على بنائه ستا و أربعين سنة ، و في زمانه مسخ اللّه بختنصر بهيمة أنثى ، فلميزل ينتقل في أجناس البهائم سبع سنين ،

ثمّ يقال : إنّه تاب إلى اللّه عزّ و جلّ فأحياه بشرا ثمّ مات ، و كان زر بابل الّذي أخرج التوراة و كتب الأنبياء من البئر التي دفنها بختنصر ، فوجدها بحالها لم تحترق ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٧٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٦٥ ، و النقل بتلخيص .

٢٩٣

« في بلاء » من هنا خصّ عليه السّلام الكلام ببني إسماعيل ، و لعلّ في الكلام سقطا .

« أزل » أي : ضيق .

« و أطباق » قال ابن ميثم : في خط الرضي كسر الهمزة ١ .

« جهل » أي : جهل مطبق ، كحمّى مطبقة ، لا تفارق ليلا و نهارا .

« من بنات موءودة » أي : مدفونة حيّة ، قال الجوهري : كانت كندة تئد البنات . قال الفرزدق :

و منّا الّذي منع الوائدات

فأحيا الوئيد فلم يؤاد

٢ و قال ابن أبي الحديد : كان قوم من العرب يئدون البنات ، قيل : إنّهم بنو تميم خاصّة ، و أنّه استفاض منهم في جيرانهم . و قيل : بل كان ذلك في بني تميم و قيس و أسد و هذيل و بكر بن وائل . قالوا : و ذلك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله دعا عليهم ،

فقال : « اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، و اجعل عليهم سنين كسني يوسف » ٣ .

فأجدبوا سبع سنين حتّى أكلوا الوبر بالدم ، و كانوا يسمّونه العلهز ، و أدوا البنات لإملاقهم و فقرهم ، و قد دلّ على ذلك بقوله : و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق . . . ٤ ، قال : . . . و لا يقتلن أولادهنّ ٥ . و قال قوم : بل و أدوا البنات أنفة ،

و زعموا أنّ تميما منعت النّعمان الأتاوة سنة من السّنين ، فوجّه إليهم أخاه الرّيان بن المنذر و جلّ من معه بكر بن وائل ، فاستاق النّعم ، و سبى الذّراري إلى أن قال : فوفدت بنو تميم إلى النّعمان و استعطفوه ، فرّق عليهم و أعاد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٥٤٣ مادة ( وعد ) .

( ٣ ) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ح ٢٩٤ ، و غيره .

( ٤ ) الإسراء : ٣١ .

( ٥ ) الممتحنة : ١٢ .

٢٩٤

عليهم السّبي ، و قال : كلّ امرأة اختارت أباها ردّت إليه ، و إن اختارت صاحبها تركت عليه ، فكلّهنّ اخترن آباءهنّ إلاّ ابنة قيس بن عاصم فإنّها اختارت من سباها ، و هو عمرو بن المشمرخ اليشكري ، فنذر قيس بن عاصم المنقري التّميمي أن لا يولد له بنت إلاّ و أدها و الوأد : أن يخنقها في التّراب ، و يثقل وجهها به حتّى تموت ثمّ اقتدى به كثير من بني تميم . قال سبحانه : و إذا الموءودة سئلت بأيّ ذنب قتلت ١ إلى أن قال : و في الحديث : أنّ صعصعة بن ناجية بن عقال لمّا وفد على النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : يا رسول اللّه : إنّي كنت أعمل في الجاهليّة عملا صالحا ، فهل ينفعني ذلك اليوم ؟ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

و ما عملت ؟ قال : أضللت ناقتين عشراوين فركبت جملا و مضيت في بغائهما ،

فرفع لي بيت جريد فقصدته ، فإذا شيخ جالس بفنائه ، و فسألته عن الناقتين ،

فقال : ما نارهما ؟ قلت : ميسم بني دارم . قال : هما عندي ، و قد أحيا اللّه بهما قوما من أهلك من مضر . فجلست معه ليخرجهما إليّ ، و فإذا عجوز خرجت من كسر البيت ، فقال لها : ما وضعت ؟ فإن كان سقبا شاركنا في أموالنا ، و إن كان حائلا و أدناها . فقالت العجوز : وضعت أنثى . فقلت له : أتبيعها ؟ قال : و هل تبيع العرب أولادها ؟ قلت : إنّما أشتري حياتها ، و لا أشتري رقّها . قال : فبكم ؟ قلت : احتكم .

قال : بالناقتين و الجمل . قلت : ذاك لك ، على أن يبلغني الجمل و إيّاها . قال : قد بعتك فاستنقذتها منه بالجمل و الناقتين ، و آمنت بل يا رسول اللّه ، و قد صارت لي سنّة في العرب أن أشتري كلّ موءودة بناقتين عشراوين و جمل ، فعندي إى هذه الغاية ثمانون و مائتا موءودة قد أنقذتهنّ . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا ينفعك ذاك ، لأنّك لم تبتغ به وجه اللّه ، و إن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التكوير : ٨ ٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٢ .

٢٩٥

قلت : الأصل في ما قاله المبرد في ( كامله ) ١ إلاّ أنّه تخليط منه بين و أد البنات للأنفة ، و قتل الأولاد و لو كانوا بنين للفقر و الفاقة ، و في الأوّل : قوله تعالى : و إذا الموءودة سئلت . بأيّ ذنب قتلت ٢ ، و في الثاني : قوله تعالى :

و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم و إيّاكم . . . ٣ ، و أمّا قوله تعالى : . . . و لا يقتلن أولادهنّ . . . ٤ فليس في واحد منهما ، بل في زانيات يقتلن أولادهن .

قال ابن أبي الحديد : روى الزبير بن بكار في ( الموفقيات ) أنّ أبا بكر قال في الجاهليّة لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن و أدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك ٥ .

قلت : روى ( أغاني أبو الفرج ) أنّ أبا دلامة كنّي باسم جبل بمكّة يقال له :

أبو دلامة . كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهلية ، و هو بأعلى مكّة ٦ .

« و أصنام معبودة » قال ابن الكلبي في ( أصنامه ) : كانت مناة أقدم أصنامهم ، و كانت العرب تسمّي : عبد مناة ، و زيد مناة . و كان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة و مكّة ، و كانت العرب جميعا تعظّمه و تذبح حوله ، و لم يكن أحد أشدّ إعظاما له من الأوس و الخزرج ، فكانوا يحجّون و لا يحلقون حتّى يأتوه ، فيحلقوا عنده ، يرون ذلك تماما لحجّهم ، فلم يزل على ذلك حتّى خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله عام الفتح ، فلمّا سار أربع ليال أو خمسا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٤ : ٢٣٠ ٢٣٥ .

( ٢ ) التكوير : ٨ ٩ .

( ٣ ) الإسراء : ٣١ .

( ٤ ) الممتحنة : ١٢ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ .

( ٦ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ١٠ : ٢٣٧ .

٢٩٦

بعث عليّا عليه السّلام إليها فهدمها ، و أخذ ما كان لها ، فأقبل به إلي النبيّ صلى اللّه عليه و آله فكان في ما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك غسان أهداهما له يسمّى أحدهما : مخذما ، و الآخر : رسولا ، و ذكرهما علقمة :

مظاهر سربالي حديد عليهما

عقيلا سيوف مخذوم و رسوب .

فوهبهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام ، و يقال : إنّ ذا الفقار سيف عليّ عليه السّلام أحدهما ، و يقال : إنّ عليّا عليه السّلام وجد هذين السيفين في الفلس ، و هو صنم طي ،

حيث بعثه النبيّ صلى اللّه عليه و آله فهدمه إلى أن قال : و مرض أبو أحيحة ، و هو سعيد ابن العاص بن أميّة مرضه الّذي مات فيه ، فدخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال : أمن الموت تبكي و لا بدّ منه ؟ قال : لا ، و لكنّي أخاف ألاّ يعبد العزّى بعدي . قال أبو لهب : و اللّه ما عبدت في حياتك من أجلك ، و لا تترك عبادتها بعدك لموتك . فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة ، و أعجبه شدّته في عبادتها إلى أن قال : و كانت لقريش أصنام في جوف الكعبة و حولها ، و كان أعظمها عندهم هبل و كان في ما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان ، مكسور اليد اليمنى أدركته قريش كذلك ، فجعلوا له يدا من ذهب ، و له يقول أبو سفيان حين ظفر يوم أحد : اعل هبل . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اللّه أعلى و أجلّ ١ .

و روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام كانت قريش تلطخ الأصنام الّتي كانت حول الكعبة بالمسك و العنبر ، و كان يغوث قبال الباب ، و كان يعوق عن يمين الكعبة ، و كان نسر عن يسارها ، و كانوا إذا دخلوا خرّوا سجّدا ليغوث و لا ينحنون ثمّ يستديرون بحيالهم إلى يعوق ، ثمّ يستديرون بحيالهم إلى نسر ،

ثمّ يلبّون فيقولون : لبّيك اللّهم لبّيك لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تملكه و ما ملك . قال فبعث اللّه ذبابا أخضر له أربعة أجنحة ، فلم يبق من ذلك المسك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه الحموي في معجم البلدان ٤ : ١١٦ ، و ٥ : ٢٠٤ ، ٣٩١ متفرقا ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٢٩٧

و العنبر شيئا إلاّ أكله ، و أنزل اللّه تعالى : يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستعموا له إنّ الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ١ .

« و أرحام مقطوعة » فبكر و تغلب كانوا بني عمّ و جدّهما وائل ، و الأوس و الخزرج كانوا بني عم و جدّهما حارثة ، و قد ذكر التاريخ حروب كلّ منهما ،

و الأيّام الّتي كانت بينهما .

« و غارات مشنونة » أي : متفرقة من كلّ جانب ، قالت ليلى الأخيلية :

شننّا عليهم كلّ جرداء شطبة

لجوج تباري كلّ أجرد شرحب

٢ و كان أحدهم يغير على آخر فيرجع ، فيرى أنّ آخر أغار عليه .

و قال الخوئي : قد ألّف إبراهيم بن مسعود الثقفي كتابا سمّاه ( كتاب الغارات ) جمع فيه غارات العرب و حروبهم ٣ .

قلت : كتاب إبراهيم الثقفي إنّما هو في غارات معاوية بعد صفّين على البلاد الّتي كانت في يد أمير المؤمنين عليه السّلام ٤ ، و أمّا غارات العرب قبل الاسلام كما هو مورد كلامه عليه السّلام فقد جمعها مع حروبهم ابن عبد ربّه في ( عقده ) ٥ ،

و الجزري في ( كاملة ) ٦ بعنوان أيّام العرب .

« فانظروا إلى مواقع نعم اللّه عليهم حين بعث إليهم رسولا » قال عزّ و جلّ :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٢ ح ١١ ، و الآية ٧٣ من سورة الحج .

( ٢ ) أورده في لسان العرب ١٣ : ٢٤٢ مادة ( شنن ) .

( ٣ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٨٧ .

( ٤ ) طبع أخيرا كتاب الغارات لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي باهتمام السيد جلال الدين المحدث الارموي و تحقيقه في مجلدين بطهران .

( ٥ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٢ .

( ٦ ) الكامل لابن الأثير ١ : ٥٠٢ .

٢٩٨

هو الّذي بعث في الأمّيين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ١ .

قال الشاعر :

أ تذكر إذ لحافك جلد شاة

و إذ نعلاك من جلد البعير

و في ( العقد ) : كانت آخر وقائع العرب وقعة ذي قال ، و قد بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخبر أصحابه بها ، و قال : اليوم انتصفت العرب من العجم ، و بي نصروا ٢ .

« فعقد بملّته طاعتهم » فكان المؤمنون يطيعونه أكثر من طاعة السوقة للملوك ، و في ( الطبري ) : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا غضب احمارّ و جنتاه ، فأتاه المقداد على تلك الحال لمّا أراد غزوة بدر فقال : أبشر يا رسول اللّه ، فو اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : . . . اذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ٣ و لكن و الّذي بعثك بالحقّ لنكونّن من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك ، أو يفتح اللّه لك ، لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله خيرا ، و دعا له بخير ، ثمّ قال : أشيروا عليّ أيّها الناس ، و إنّما يريد الأنصار إلى أن قال : قال له سعد بن معاذ : و اللّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه . قال : أجلّ . قال : فقد آمنّا بك و صدّقناك و شهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ ، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة ٤ .

« و جمع على دعوته ألفتهم » قال تعالى : و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الجمعة : ٢ .

( ٢ ) نقله ابن عبد ربه في العقد الفريد ٦ : ٩٦ و النقل بالمعنى .

( ٣ ) المائدة : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٤٠ سنة ٢ ، و خلط الشارح في النقل بين حديث البراء بن عازب و عبد اللّه بن مسعود .

٢٩٩

في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ١ .

و إذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون ٢ .

« كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها » و جعلتهم تحت حضانتها .

« و أسالت لهم جداول » أي : أنهارا .

« نعيمها » فمتّعتهم بثمارها ، و في ( تاريخ بغداد ) عن عتبة بن غزوان : لقد رأيتني مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله سابع سبعة ، قد قرحت أشداقنا من أكل ورق الشجر ،

حتّى وجدت بردة فاقتسمتها بيني و بين سعد ، و ما منّا اليوم إلاّ أمير على مصر ٣ .

« و التفّت الملّة بهم في عوائد بركتها » قال ابن أبي الحديد : أي جمعتهم الملّة كائنة في عوائد بركتها ٤ .

قلت : بل المعنى لصقتهم الملّة ، أي : ملّت الاسلام ، و احاطت بهم من حيث عوائد بركتها .

« فأصبحوا في نعمته » أي : نعمة ملّة الإسلام .

« غرقين » إلى رؤوسهم .

« و في خضرة عيشها فكهين » أي : مسرورين و أشرين و بطرين .

« قد تربّعت الأمور » أي : صلحت و استقامت ، قال شاعر :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦٣ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١ : ١٥٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605