• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105935 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

« و ساور » من ساوره ، أي : وثب عليه .

« به المغالب » أي : من أراد الغلبة ، فصار عاليا على المغالب ، في ( الطبقات ) : لمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله فوقع إلى الأرض وقع على يديه رافعا رأسه إلى السّماء ، و قبض قبضة من التراب بيده ، فبلغ ذلك رجلا من لهب فقال لصاحب له : انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض ١ .

و عن ابن عبّاس : اجتمع قريش في الحجر ، فتعاقدوا باللاّت و العزّي و مناة لو رأينا محمّدا لقمنا مقام رجل واحد ، و النقتلنّه . فدخلت فاطمة عليهما السلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله باكية ، و حكمت مقالتهم ، فقال : يا بنيّة أدني وضوءا ، فتوّضأ و خرج إلى المسجد ، فلمّا رأوه قالوا : ها هو ذا ، و خفضت رؤوسهم ، و سقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يصل إليه رجل منهم ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قبضة من التراب فحصبهم بها و قال : شاهت الوجوه . فما أصاب رجلا منهم إلاّ قتل يوم بدر ٢ .

و روى الطّبري في ( ذيله ) عن يزيد بن عامر السوائي و كان مع المشركين يوم حنين ثمّ أسلم قال : لمّا كانت انكشافة المسلمين حين انكشفوا يوم حنين ، ضرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله يده إلى الأرض فأخذ منها قبضة من تراب ، فأقبل بها على المشركين و هم متبعون المسلمين ، فحثا بها في وجوههم ، و قال : ارجعوا شاهت الوجوه . قال : فانصرفنا ما يلقى منّا أحد أحدا إلاّ و هو يمسح القذى عن عينيه ٣ .

« و ذلّل به الصعوبة » . . . و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم . . . ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٩٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٧١ ، و غيره .

( ٣ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٦٧ ، و غيره .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

٢٦١

« و سهّل به الحزونة » و الحزونة : ضدّ السهولة ، و في ( الاستيعاب ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لحزن بن أبي وهب المخزومي جدّ سعيد بن المسيّب : ما اسمك ؟

قال : حزن . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أنت سهل . فقال : اسم سمّاني به أبي . و يروى أنّه قال له : إنّما السهولة للحمار . قال سعيد بن المسيّب : فما زالت تلك الحزونة تعرف فينا حتّى اليوم ، و قال أهل النسب : في ولده حزونة ، و سوء خلق ،

معروف ذلك فيهم ، لا تكاد تعدم منهم ١ .

« حتّى سرّح » أي : أرسل سريعا .

« الضلال عن يمين و شمال » أي : أزاله رأسا ، في ( طبقات كاتب الواقدي ) عن مجاهد : حجّ أبو بكر ، و نادى عليّ بالأذان في ذي القعدة ، قال : فكانت الجاهلية يحجّون في كلّ شهر من شهور السنة عامين ، فوافق حجّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في ذي الحجّة ، فقال [ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ] : هذا يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض ٢ .

و قال تعالى : هو الّذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٣ .

٢٣

الخطبة ( ٢٢٩ ) و من خطبة له عليه السّلام ، خطبها بذي قار و هو متوجّه إلى البصرة ، ذكرها الواقدي في كتاب ( الجمل ) :

فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اَللَّهُ بِهِ اَلصَّدْعَ وَ رَتَقَ بِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٣٨٦ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١٣٤ .

( ٣ ) الجمعة : ٢ .

٢٦٢

اَلْفَتْقَ وَ أَلَّفَ بِهِ اَلشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي اَلْأَرْحَامِ بَعْدَ اَلْعَدَاوَةِ اَلْوَاغِرَةِ فِي اَلصُّدُورِ وَ اَلضَّغَائِنِ اَلْقَادِحَةِ فِي اَلْقُلُوبِ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام خطبها بذي قار » في ( بلدان الحموي ) : ذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها و بين واسط ، و فيه كانت الواقعة المشهورة بينهم و بين الفرس ، و كسرت الفرس كسرة هائلة ،

و كانت الواقعة يوم ولادة النبيّ صلى اللّه عليه و آله . و قيل : عند منصرفه من بدر الكبرى ،

و كان أوّل يوم انتصف فيه العرب من العجم ، و بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم انتصفوا ، و هي من مفاخر بكر .

قال أبو تمام في أبي دلف :

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم

عروش الّذين استرهنوا قوس حاجب

و قال في خالد بن يزيد الشيباني :

لهم يوم ذي قار مضى و هو مفرد

وحيد من الأشباه ليس له صحب

١ قلت : و قال العجيف في أمّه ذاكرا أنّها لا تروى و إن شربت ماء ذي قار ،

كما لا تشبع و إن أكلت نخيل هجر :

يا ليتنا أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنّة أيما إلى نار

ليست بشعبى و إن أسكنتها هجرا

و لا بريّا و إن حلّت بذي قار

« و هو متوجّه إلى البصرة » أي : لقتال طلحة و الزبير .

« ذكرها الواقدي في كتاب الجمل » الواقدي : هو محمّد بن عمر بن واقد صاحب ( المغازي ) .

قوله عليه السّلام : « فصدع » أي : جهر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٢٩٣ ، ٢٩٤ ، و المشترك و المفترق : ٣٣٧ أيضا .

٢٦٣

« بما أمر » في ( صحيح محمّد الحلبي ) عن الصادق عليه السّلام : اكتتم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بمكة مختفيا خائفا خمس سنين ، ليس يظهر أمره و عليّ عليه السّلام معه و خديجة ، ثمّ أمره تعالى أن يصدع بما امر به ، فظهر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أظهر أمره ١ .

و في خبر آخر : أنّه صلى اللّه عليه و آله كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين ٢ .

« و بلّغ رسالات » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( رسالة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

« ربّه » و آخر ما بلّغه من رسالة ربّه ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ، و هي الأصل في رسالته ، و لذا قال تعالى له : . . . و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته . . . ٤ ، و كان صلى اللّه عليه و آله و سلم في تبليغها خائفا من الناس حتّى قال تعالى له :

و اللّه يعصمك من النّاس . . . ٥ .

« فلمّ اللّه » أي : جمع و أصلح .

« به الصدع » أي : الشقّ .

« و رتق » أي : وصل .

« به الفتق » أي : الفصل ، قال السروي : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقي رهطا من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أحدّثكم . قالوا : بلى . فجلسوا إليه ، فدعاهم إلى اللّه تعالى ، و تلا عليهم القرآن ،

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا ، و اللّه إنّه النبي الّذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنّكم إليه أحد . فأجابوه ، و قالوا له : إنّا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشرّ مثل ما بينهم ، و عسى أن يجمع اللّه بينهم بك ، فتقدم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ ، و الغيبة للطوسي : ٢٠١ ، و قد مرّ في العنوان ١٨ من هذا الفصل .

( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٤ ح ٢٨ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨٣ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١٠٩ « رسالات » أيضا .

( ٤ ) المائدة : ٦٧ .

( ٥ ) المائدة : ٦٧ .

٢٦٤

عليهم ، و تدعوهم إلى أمرك . و كانوا ستّة نفر ، فلمّا قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر ، فما دار حول إلاّ و فيها حديث النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم . . . ١ .

« و ألّف به بين ذوي الأرحام » كالأوس و الخزرج ابني حارثة ، و يقال لهما :

ابني قيلة . نسبة إلى أمّهما .

« بعد العداوة الواغرة » أي : المتوقدة .

« في الصدور » قال شاعر :

دسّت رسولا بأنّ القوم ان قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير

٢ « و الضغائن » جمع الضغينة ، أي : الحقد .

« القادحة » أي : المشعلة .

« في القلوب » فكانت بين الأوس و الخزرج حروب كثيرة حصلت فيها قتلى كثيرة من الفريقين ، و كلّ منهما يجد في طلب ثاره ، فارتفع كلّ ذلك بسببه صلى اللّه عليه و آله و سلم ، قال تعالى : . . . و اذكروا نعمة اللّه عليهم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . . . ٣ ، و قال سبحانه : و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ٤ .

٢٤

من الخطبة ( ١٣١ ) منها :

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ تَنَازُعٍ مِنَ اَلْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ اَلرُّسُلَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٨١ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٥ : ٢٨٦ مادة ( و غر ) ، و البيت منسوب إلى الفرزدق .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) الأنفال : ٦٣ .

٢٦٥

وَ خَتَمَ بِهِ اَلْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اَللَّهِ اَلْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ اَلْعَادِلِينَ بِهِ « أرسله على حين فترة من الرّسل » في الخبر : أنّ أهل السماوات لم يسمعوا و حيا في ما بين أن بعث عيسى إلى أن بعث محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فلمّا بعث اللّه جبرئيل إليه فسمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا علموا أنّ اللّه بعث نبيّا ١ .

« و تنازع من الألسن » قال ابن أبي الحديد : معنى تنازع من الألسن : أنّ قوما في الجاهلية كانوا يعبدون الصنم ، و قوما يعبدون الشمس ، و قوما يعبدون الشيطان ، و قوما يعبدون المسيح ، فكلّ طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها ٢ .

قلت : الأظهر أنّ معناه : أنّ الناس كانوا قبل رسالته يتنازعون في ملل و نحل ، لم يكن لها معنى في القلوب ، بل مجرد ألفاظ على الألسن ، فيكون قوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » نظير قول يوسف عليه السّلام في ما حكى اللّه تعالى عنه : ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٣ ، أو المراد أنّهم كانوا يتنازعون في أنواع الكلام من القصائد و الخطب و الأراجيز هل هذه أحسن أو تلك ، فكانوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه و آله يباهون بذلك ، و قصّة المعلّقات السبع معروفة ، قال امرؤ القيس لمّا احتضر في أنقرة في آخر شي‏ء تكلّم به : ربّ خطبة محبّرة ، و طعنة مسحنفرة ، و جفنة مثعنجرة ،

تبقى غدا بأنقرة .

و من السبع المعلّقات قصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي ، التي كان قام بها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم له شاهد أخرجه الصدوق في كمال الدين : ١٦١ ح ٢٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٦٢ .

( ٣ ) يوسف : ٤٠ .

٢٦٦

خطيبا في ما كان بينه و بن عمرو بن هند ملك الحيرة ، و كان لقومه بها شغف كثير حتّى قالوا فيهم :

ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أوّلهم

يا للرجال لشعر غير مسؤوم

و من السبع قصيدة عبيد بن الأبرص الّتي أوّلها :

أقفر من أهلها ملحوب

و لمّا لقيه ملك الحيرة في يوم بؤسه و أراد قتله ، استنشده القصيدة إعجابا بها ، فغيّر البيت و قال :

أقفر من أهلها عبيد

فاليوم لا يبدي و لا يعيد

و الكلّ مجرد ألفاظ .

و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد من مجادلتهم بألسنتهم ، فبارد ، فالمجادلة لا تكون بغير اللسان . و كيف كان ، فقال الجوهري : قد يكنى بها عن الكلمة فتؤنث حينئذ . قال أعشى باهلة :

إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها

من علو لا عجب منها و لا سخر

فمن ذكّره قال في الجمع : ثلاثة ألسنة ، مثل حمار و أحمرة ، و من أنّثه قال : ثلاث ألسن ١ .

قلت : الظاهر أنّ اللسان إذا كان بمعنى اللغة يكون مذكّرا ، لقوله تعالى :

و هذا كتاب مصدّق لسانا عربيّا . . ٢ ، و قوله تعالى : . . . و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم . . . ٣ ، و إذا كان بمعنى التكلّم يكون مؤنثا كقوله :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢١٥٩ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) الأحقاف : ١٢ .

( ٣ ) الروم : ٢٢ .

٢٦٧

أتتني لسان بني عامر

أحاديثها بعد قول نكر

١ و كقول طرفة :

و إذا تلسنني ألسنها

إنّني لست بموهون فقر

٢ و كقوله عليه السّلام : « و تنازع من الألسن » لكن ينقضه قول ابن الزبعرى المتقدّم ٣ .

« فقفّى به الرّسل » قال الجوهري : قفّيت على أثره بفلان ، أي : أتبعته إيّاه .

و منه قوله تعالى : ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا . . . ٤ .

« و ختم به الوحي » فلا يوحى إلاّ إلى النبيّ ، و لا نبيّ بعده ، و أمّا الإمام فإنّما يلهم .

« فجاهد في اللّه المدبرين عنه » و أمّا قوله تعالى : فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ٥ فلا ينافيه .

« و العادلين به » أي : الجاعلين غير اللّه عديلا له تعالى ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : يا أيّها النبيّ جاهد الكفّار و المنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنّم و بئس المصير ٦ . ذكرت الآية في التحريم و التوبة ، و أمّا عدم جهاده المنافقين ، و إنّما جاهدهم أمير المؤمنين بعده صلى اللّه عليه و آله و سلم حيث إنّه كان كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بنصّ قوله تعالى : . . . و أنفسنا و أنفسكم . . . ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٢ ) لسان العرب للجوهري ١٣ : ٣٨٥ ، ٣٨٦ مادة ( لسن ) .

( ٣ ) مرّ في العنوان ٢٢ من هذا الفصل ، و البيت :

يا رسول الإله إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٤٦٦ مادة ( قفى ) ، و الآية ٢٧ من سورة الحديد .

( ٥ ) النجم : ٢٩ .

( ٦ ) التوبة : ٧٣ .

( ٧ ) آل عمران : ٦١ .

٢٦٨

٢٥

من الخطبة ( ١١٤ ) و من خطبة له عليه السّلام :

أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى اَلْحَقِّ وَ شَاهِداً عَلَى اَلْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ وَ لاَ مُقَصِّرٍ وَ جَاهَدَ فِي اَللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَ لاَ مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اِهْتَدَى « أرسله داعيا إلى الحقّ و شاهدا على الخلق » يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشّرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه بإذنه و سراجا منيرا ١ ، فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يودّ الّذين كفروا و عصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض و لا يكتمون اللّه حديثا ٢ .

« فبلّغ رسالات ربّه غير وان » من : ونى يني ، أي : ضعف .

« و لا مقصّر » في التبليغ ، حتّى إنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حضر يوم وفاته مع شدّة مرضه كما روي المسجد و قال : و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ٣ أيّها الناس لا يدّعي مدّع و لا يتمنّى متمنّ أنّه ينجو إلاّ بعمل و رحمة ، و لو عصيت هويت ، اللّهم هل بلّغت ٤ .

و قالوا : خطب صلى اللّه عليه و آله و سلم بمنى في حجّة الوداع ، و قال في جملة ما قال : و كلّ مأترة أو بدع كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال فهو تحت قدميّ هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلاّ بالتقوى ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و كلّ ربا في الجاهلية موضوع ، و أوّل موضوع منه ربا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٥ ٤٦ .

( ٢ ) النساء : ٤١ ٤٢ .

( ٣ ) البقرة : ٢٨١ .

( ٤ ) ذكره بفرق يسير المفيد في الإرشاد : ٩٧ ، و الطبرسي في اعلام الورى : ١٣٤ .

٢٦٩

العبّاس بن عبد المطلب ، ألا و كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، و أوّل دم موضوع دم ربيعة ، ألا هل بلّغت . قالوا : نعم . قال : اللّهم اشهد .

ثمّ قال : ألا و إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، و لكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، إلاّ أنّه إذا أطيع فقد عبد ، ألا أيّها الناس إنّ المسلم أخو المسلم حقّا ، لا يحلّ لامرى‏ء مسلم ، و ماله إلاّ ما أعطاه بطيبة نفس منه ، و إنّي أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه . فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها ، و حسابهم على اللّه ، ألا هل بلّغت .

قالوا : نعم . قال اللّهم اشهد .

ثمّ قال : أيّها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي ، و افهموه تنعشوا ، ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدّنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك و لتفعلنّ لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل و ميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف قال : ثمّ التفت عن يمينه ، فسكت ثمّ قال : إن شاء اللّه أو عليّ بن أبي طالب ١ .

« و جاهد في اللّه أعداءه غير واهن » أي : ضعيف .

« و لا معذّر » و المعذّر بالتشديد : من يأتي بالعذر باطلا . و ضبطته ( المصرية ) بدون التشديد و هو غلط ، لأنّ المعذر بدونه من له عذر صحيح ،

و إنّما ينفى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم التعذير لا الإعذار ، قال تعالى : و جاء المعذّرون من الأعراب . . . ٢ .

قالوا : وصف أحد أحبار أهل الكتاب لكعب بن أسد اليهودي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج هذه الخطبة باختلاف يسير بين الروايات ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨٥ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١٠٣ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٠٢ سنة ١٠ ، و الصدوق في الخصال : ٤٨٦ ح ٦٣ ، و غيرهم .

( ٢ ) التوبة : ٩٠ .

٢٧٠

النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بأنّه يضع سيفه على عاتقه ، و لا يبالي من لاقى ، و لمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قتل كعب في أسراء بني النضير ذكّره قول ذاك الحبر ، فأقرّ به ،

و لكن قال : لا أسلم لئلاّ يقول الناس : إنّه جزع عند الموت ١ .

« إمام من اتّقى و بصر من اهتدى » مرّت الجملتان في طيّ الخطبة ( ٩٢ ) ٢ لكن ثمة : « و بصيرة من اهتدى » .

٢٦

من الخطبة ( ٩٨ ) و من خطبة له عليه السّلام أخرى :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلنَّاشِرِ فِي اَلْخَلْقِ فَضْلَهُ وَ اَلْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً من الخطبة ( ٨٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ من الخطبة ( ٨٩ ) بعد ذكر آدم و الأنبياء :

حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟ حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ اَلْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام أخرى » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين للصدوق : ١٩٨ ح ٤ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) مرّ في العنوان ٥ من هذا الفصل .

٢٧١

و الخطّية ) ١ . و أيضا لا معنى لقوله : أخرى هنا .

قوله عليه السّلام في الأول : « الحمد للّه الناشر في الخلق فضله » قال تعالى :

و أنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٢ ، . . . قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه واسع عليهم . يختصّ برحمته من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم ٣ .

« و الباسط فيهم بالجود يده » قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء . . . ٤ .

« نحمده في جميع أموره » لكن كلّها على وفق الحكمة و نهاية المصلحة .

« و نستعينه على رعاية حقوقه » فلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه .

« و نشهد إلاّ إله غيره » لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا . . . ٥ .

« و أنّ محمّدا عبده و رسوله » إلى خلقه كافّة .

« أرسله بأمره صادعا » أي : مجاهرا ، كما أمره عزّ و جلّ في قوله : فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين ٦ .

« و بذكره ناطقا » و لمّا رأت قريش ذلك منه قالوا له مرّتين : تعبد آلهتنا سنة ، و نعبد إلهك سنة . فأجابهم بما أمره تعالى به بمثل قولهم في قوله : قل يا أيّها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . و لا أنتم عابدون ما أعبد . و لا أنا عابد ما عبدتم . و لا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم و لي دين ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٦ .

( ٢ ) الحديد : ٢٩ .

( ٣ ) آل عمران : ٧٣ ٧٤ .

( ٤ ) المائدة : ٦٤ .

( ٥ ) الأنبياء : ٢٢ .

( ٦ ) الحجر : ٩٤ .

( ٧ ) رواه الواحدي في أسباب النزول : ٣٠٧ ، و الطوسي في التبيان ١٠ : ٤٢٠ ، و الزمخشري في الكشاف ٤ : ٨٠٨ ، و عدة أخرى ، جمع بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٠٤ ، و الآيات ( ١ ٦ ) من سورة ( الكافرون ) .

٢٧٢

« فأدّى أمينا » و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ١ .

« و مضى رشيدا » حيث أدّى ما كان عليه من قبل اللّه تعالى ، و نزل عليه أخيرا : إذا جاء نصر اللّه و الفتح . و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه أفواجا .

فسبّح بحمد ربّك و استغفره إنّه كان توّابا ٢ .

قوله عليه السّلام في الثاني : « أرسله لإنفاذ أمره » كما قال تعالى : يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك . . . ٣ .

« و إنهاء » أي : إبلاغ .

« عذره » و لو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسول فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ و نخزى ٤ .

« و تقديم نذره » قال لا تختصموا لديّ و قد قدّمت إليكم بالوعيد ٥ .

كلّما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا و قلنا ما نزّل اللّه من شي‏ء إن أنتم إلاّ في ضلال كبير ٦ .

و في ( الأسد ) عن ابن أمّ مكتوم قال : خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما ارتفعت الشمس و ناس عند الحجرات ، فقال : يا أهل الحجرات سعّرت النار ، و جاءت الفتن كقطع الليل ، و لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا ٧ .

قوله عليه السّلام في الثالث : « حتى تمّت بنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم حجّته » . . . و لكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٢ ) النصر : ١ ٤ .

( ٣ ) المائدة : ٦٧ .

( ٤ ) طه : ١٣٤ .

( ٥ ) ق : ٢٨ .

( ٦ ) الملك : ٨ ٩ .

( ٧ ) أسد الغابة لابن الأثير ٤ : ١٠٣ .

٢٧٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

رسول اللّه و خاتم النبييّن . . . ١ .

« و بلغ المقطع » بالكسر ، قال الجوهري : أي : ما يقطع به الشي‏ء ٢ .

« عذره و نذره » قل فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ ، رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل و كان اللّه عزيزا حكيما ٤ .

٢٧

من الخطبة ( ١٩٠ ) في القاصعة فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ ؟ إِسْمَاعِيلَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْحَاقَ ؟ وَ ؟ بَنِي إِسْرَائِيلَ ع ؟ فَمَا أَشَدَّ اِعْتِدَالَ اَلْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ اَلْأَمْثَالِ .

تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ اَلْأَكَاسِرَةُ وَ اَلْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ اَلْآفَاقِ وَ ؟ بَحْرِ اَلْعِرَاقِ ؟

وَ خُضْرَةِ اَلدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ اَلشِّيحِ وَ مَهَافِي اَلرِّيحِ وَ نَكَدِ اَلْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ اَلْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ اَلْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ اَلْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلاَءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ .

فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ اَلنِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٢٦٧ مادة ( قطع ) .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) النساء : ١٦٥ .

٢٧٤

كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ اَلْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهِ غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ اَلْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ اَلْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ اَلْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى اَلْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ اَلْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ اَلْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لاَ تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لاَ تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ .

أَلاَ وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ اَلطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اَللَّهِ اَلْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِ اِمْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ اَلْأُلْفَةِ اَلَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ اَلْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ .

وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ اَلْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ اَلْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ بِاسْمِهِ وَ لاَ تَعْرِفُونَ مِنَ اَلْإِيمَانِ إِلاَّ رَسْمَهُ تَقُولُونَ اَلنَّارَ وَ لاَ اَلْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا اَلْإِسْلاَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِنْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ اَلْكُفْرِ ثُمَّ لاَ ؟ جَبْرَئِيلُ ؟ وَ لاَ ؟ مِيكَائِيلَ ؟ وَ لاَ وَ لاَ مُهَاجِرُونَ وَ لاَ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلاَّ اَلْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَكُمْ وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ اَلْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اَللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلاً بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ اَلْقَرْنَ اَلْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلاَّ لِتَرْكِهِمُ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ

٢٧٥

فَلَعَنَ اَللَّهُ اَلسُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ اَلْمَعَاصِي وَ اَلْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ اَلتَّنَاهِي .

أَلاَ وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ اَلْإِسْلاَمِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ « و اعتبروا بحال ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل عليهم السلام » قال ابن أبي الحديد : إنّه ذكر عليه السّلام في هذه الكلمات المقهورين و القاهرين جميعا . أما المقهورون فبنو إسماعيل ، و أمّا القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائيل ، لأنّ الأكاسرة من بني إسحاق ، ذكر كثير من أهل العلم أنّ فارس من ولد إسحاق و القياصرة من ولد إسحاق أيضا ، لأنّ الروم بنو العيص بن إسحاق ، و على هذا يكون الضمير في أمرهم و تشتتهم و تفريقهم يرجع إلى بني إسماعيل خاصة ،

فإن قلت : فبنو إسرائيل أيّ مدخل لهم هاهنا ؟ قلت : لأنّ بني إسرائيل لمّا كانوا ملوكا بالشام في أيّام أجاب الملك و غيره ، حاربوا العرب من بني إسماعيل غير مرّة و طردوهم عن الشام ، و ألجؤوهم على المقام ببادية الحجاز ، و يصير تقدير الكلام : فاعتبروا بحال ولد إسماعيل مع بني إسحاق و بني إسرائيل ١ .

قلت : ما ذكره خارج عن طريق المحاورة ، فإنّ مقتضى السّياق كون الأكاسرة و القياصرة مسلّطين على ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل ، و يفعلون بهم ما شاؤوا ، و كون الأكاسرة و القياصرة غير ولد إسماعيل ، و غير بني إسحاق و بني إسرائيل ، و كيف جعل بني إسرائيل من القاهرين ، و القرآن ناطق بمقهوريتهم مثل بني إسماعيل ، بل أشدّ ؟ و كيف لا و قد قال عزّ و جلّ فيهم : . . . و ضربت عليهم الذلّة و المسكنة و باؤوا بغضب من اللّه . . . ٢ ، و قال تعالى : و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين و لتعلنّ علوّا كبيرا . فاذا جاء و عد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤١ .

( ٢ ) البقرة : ٦١ .

٢٧٦

أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا . . . . فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة و ليتبّروا ما علوا تتبيرا ١ ؟ و الأكاسرة جعلهم ابن قتيبة و الدينوري و الطبري من غير ولد إسحاق ،

بل من ولد الملوك الأوّلين قبل ملوك الطوائف ، قال الأوّل : كتب أردشير إلى ملوك الطوائف : من أردشير المستأثر دونه بحقّه ، المغلوب على تراث آبائه ٢ .

و قال الأخير : وثب أردشير بفارس طالبا بزعمه بدم ابن عمّه دارا بن دارا بن بهمن بن إسفنديار الذي حارب الإسكندر فقتله حاجباه مريدا في ما يقول : ردّ الملك إلى أهله ، و إلى ما لم يزل عليه أيّام سلفه ، و آبائه الّذين مضوا قبل ملوك الطوائف ، و جمعه لرئيس واحد و ملك واحد ٣ .

و قريبا منه قال الثاني رافعا نسبه إلى إسفنديار بن بشتاسف ٤ .

و إنّما نقل المسعودي أقوالا ضعيفة في كون الأكاسرة من ولد إسحاق ،

فقال : تنازع الناس في الفرس و أنسابهم ، فقال قوم : إنّ فارس بن ياسور بن سام بن نوح ، و كذلك النبط ، و هذا قول هشام بن محمّد في ما حكاه عن أبيه و غيره ، و منهم من زعم أنّه من ولد يوسف بن يعقوب ، و منهم من ذكر أنّه من ولد إرم بن ارفخش بن سام بن نوح ، و أنّه ولد له بضعة عشر رجلا كلّهم كان فارسا شجاعا فسمّوا الفرس بالفروسية ، و في ذلك يقول حطّان الفارسي :

و بنا سمّي الفوارس فرسا

نا و منّا مناجب الفرسان

و كهول طواهم الركض و الكرّ

كمثل الكرّات يوم الطّعان

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٤ ٧ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٥٣ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٤١ .

( ٤ ) الأخبار الطوال للدينوري : ٤٤ .

٢٧٧

قال : و قد زعم قوم أنّ الفرس من ولد لوط من ابنتيه ، و ذكر آخرون أنّهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح الّذي ينسب إليه شعب بوّان ،

و منهم من رأى أنّ الفرس من ولد إيران بن أفريدون ، و لا تناكر بين الفرس جميعا في أنّها من ولد إيرج جميعا ، و إيرج هو إيران بن أفريدون . و من الناس من ذهب إلى أنّ سائر أجناس الفرس ، و أهل كور الأهواز من ولد عيلام ، و لا خلاف بين الفرس في أنّ الجميع منهم من ولد كيومرث ، و من الناس من ذهب إلى أنّ الفرس السّاسانية دون من سلف من الفرس الاولى من ولد منوشهر بن إيرج بن أفريدون ، و منهم من ذهب إلى أنّ منوشهر هو ابن مشجر بن فريقس بن ويرك ، و ويرك هو إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام ، و سار مشجر إلى أرض فارس ، و كان بها امرأة متملّكة يقال لها : كورك ابنة إيرج ، فتزوّجها ،

فولدت له منوشهر الملك ، و كثر ولده فملكوا الأرض ، و غلبوا عليها و هابتهم الملوك ، و دثرت الفرس الأولى كدثور الأمم الماضية ، و العرب العاربة ، و أكثر حكماء العرب من نزار بن معد . يقول هذا ، و يعمل عليه في بدء النسب ، و ينقاد إليه كثير من الفرس ، و قد ذكرته شعراء العرب من نزار ، و افتخرت على اليمن من قحطان بالفرس ، و أنّها من ولد إسحاق ، قال إسحاق بن سويد العدوي عدي قريش :

إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد

أتى فخرنا أعلى عليها و أسودا

ملكناهم بدءا بإسحاق عمّنا

و صاروا لنا غرما على الدهر أعبدا

فإن كان منهم تبّع و ابن تبّع

فأملاكهم كانوا لأملاكنا يدا

و يجمعنا و الغرّ أبناء سارة

أب لا يبالي بعده من تفرّدا

هم ملكوا شرقا و غربا ملوكهم

و هم منحوهم بعد ذلك سؤددا

و في ذلك يقول جرير بن الخطفي التميمي يفخر على قحطان بأنّ

٢٧٨

الفرس و الروم من أولاد إسحاق ، و الأنبياء من ولد يعقوب بن إسحاق من كلمة طويلة يقول فيها :

و أبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا

حمائل موت لا بسين السّنوّرا

إذا افتخروا عدّوا الصبهبذ منهم

و كسرى و عدّوا الهرمزان و قيصرا

و كان كتاب اللّه فيهم و نوره

و كانوا باصطخر الملوك و تسترا

و منهم سليمان النبيّ الّذي دعا

فأعطي بنيانا و ملكا مقدّرا

أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا

آب كان مهديّا نبيّا مطهّرا

بني قبلة اللّه التي يهتدي بها

فأورثنا عزّا و ملكا معمّرا

و موسى و عيسى و الّذي خرّ ساجدا

و أنبت زرعا دمع عينيه أخضرا

و يعقوب منهم زاده اللّه حكمة

و كان ابن يعقوب نبيّا مطهّرا

و يجمعا و الغرّ أبناء فارس

أب لا يبالي بعده من تأخّرا

أبونا خليل اللّه و اللّه ربّنا

رضينا بما أعطى الإله و قدّرا

و في ذلك يقول بشار بن برد :

نمتني الكرام بنو فارس

قريش و قومي قريش العجم

و قال أحد شعراء الفرس يذكر أنّه من ولد إسحاق ، و أنّ إسحاق هو المسمّى و يرك :

أبونا ويرك و به أسامي

إذا فخر المفاخر بالولاده

أبونا و يرك عبد رسول

له شرف الرّسالة و الزّهاده

فمن مثلي إذا افتخرت قرون

و بيتي مثل واسطة القلاده

قال : و قد افتخر بعض أبناء الفرس بعد التسعين و المائتين بجدّه إسحاق على ولد إسماعيل ، بأنّ الذبيح كان إسحاق ، فقال :

قل لبني هاجر أبيت لكم

ما هذه الكبرياء و العظمه

٢٧٩

ألم تكن في القديم أمّكم

لأمّنا سارة الجمال أمه

و الملك فينا و الأنبياء لنا

إن تنكروا ذلك توجدوا ظلمه

إسحاق كان الذّبيح قد أجمع ال

ناس عليه إلاّ ادّعاء لمه

و قد أجابه ابن المعتز ، فمن ذلك قوله :

أسمع صوتا و لا أرى أحدا

من ذا الشّقي الّذي أباح دمه

حاشا لإسحاق أن يكون لكم

أبا و إن كنتم بنيه فمه

و الفرس لا تنقاد إلى القول : بأنّ الملك كان فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار في ما سلف و خلف ، إلى أن زال عنهم الملك ، إلاّ أن يكون دخل عليهم داخل على طريق الغصب بغير حقّ .

قال : و قد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام ، و تطوف به تعظيما له ، و لجدّها إبراهيم عليه السّلام ، و تمسّكا بهديه و حفظا لأنسابها ، و كان آخر من حجّ منهم ساسان جدّ أردشير ، فكان إذا أتى البيت طاف به و زمزم على بئر إسماعيل .

فقيل : إنّما سمّيت زمزم لزمزمته عليها هو و غيره من فارس ، و هذا يدلّ على ترادف كثرة هذا الفعل منهم على هذا البئر ، و في ذلك يقول الشاعر في قديم الزمان :

زمزمت الفرس على زمزم

و ذاك من سالفها الأقدم

و قد افتخر بعض شعراء الفرس بعد ظهور الإسلام بذلك ، فقال :

و ما زلنا نحج البيت قدما

و نلفى بالأباطح آمنينا

و ساسان بن بابك سار حتّى

أتى البيت العتيق يطوف دينا

فطاف به و زمزم عند بئر

لإسماعيل تروى الشاربينا

و كانت الفرس تهدي إلى الكعبة أموالا في صدر الزمان و جواهر ، و قد

٢٨٠