بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110310 / تحميل: 5677
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وبالرغم من أن الله فتح أمامهم أبواب الرحمة ، ولو أردوا اغتنام الفرصة لاستطاعوا حتما إصلاح ماضيهم وحاضرهم ، ولكن لم يغتنم الظالمين من بني إسرائيل هذه الفرصة فحسب ، بل بدّلوا أمر الله ، وقالوا خلاف ما أمروا أن يقولوه :( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ) .

وفي المآل نزل عليهم بسبب هذا الطغيان والظلم للنفس وللآخرين عذاب من السماء( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ ) .

ويجب الانتباه إلى أنّ مضمون هاتين الآيتين جاء أيضا ـ مع فارق بسيط ـ في سورة البقرة الآية (58) و (59) وقد أوردنا تفسيرا أكثرا تفصيلا هناك.

والفرق الوحيد بين هذه الآيات المبحوثة هنا ، وآيات سورة البقرة هو أنّه يقول هنا :( بِما كانُوا يَظْلِمُونَ ) ، وقال هناك :( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) ، ولعل الفارق بين هذين إنما هو لأجل أن الذنوب لها جانبان : أحدهما الجانب المرتبط بالله ، والجانب الآخر مرتبط بنفس الإنسان. وقد أشار القرآن إلى الجانب الأوّل في آية سورة البقرة بعبارة «الفسق» الذي مفهومه الخروج عن طاعة الله ، وإلى الثّاني في الآية الحاضرة بعبارة «الظلم».

ما هي «حطّة» وماذا تعني؟

الجدير بالذكر أن بني إسرائيل كانوا مكلّفين بأن يطهروا قلوبهم وأرواحهم عند دخولهم بيت المقدس من أدران الذنوب بتوبة خالصة وواقعية تتلخص في كلمة «حطّة» وأن يطلبوا من الله المغفرة لكل تلك الجرائم التي ارتكبوها ، وبخاصّة ما آذوا به نبيّهم العظيم موسى بن عمران قبل ورودهم بيت المقدس.

وكلمة «حطّة» التي كانت ـ في الحقيقة ـ شعارهم عند دخولهم بيت المقدس ، هي صورة اختصارية لعبارة «مسألتنا حطّة» يعني نطلب منك يا ربّ أن تحطّ عنّا ذنوبنا بإنزال شآبيب الرحمة والعفو علينا ، لأنّ «حطّة» معناها إنزال

٢٦١

الشيء من علو وهذا الشعار شأنه شأن جميع الشعارات الأخرى لا يكفي فيه أن يكون مجرّد لقلقة لسان ، بل يجب أن يكون اللسان ترجمان الروح ومرآة الوجدان ، ولكنّهم ـ كما سيأتي في الآية اللاحقة ـ مسخوا كثيرا من تلك الشعارات حتى هذا الشعار التربوي ، وجعلوه وسيلة للهو والاستهزاء والسخرية.

* * *

٢٦٢

الآيات

( وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) )

التّفسير

قصّة فيها عبرة :

في هذه الآيات يستعرض مشهدا آخر من تاريخ بني إسرائيل الزاخر بالحوادث ، وهو مشهد يرتبط بجماعة منهم كانوا يعيشون عند ساحل بحر. غاية ما في الأمر أن الخطاب موجه فيها إلى الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول له : اسأل يهود

٢٦٣

عصرك حول تلك الجماعة ، يعني جدّد هذه الخاطرة في أذهانهم عن طريق السؤال ليعتبروا بها ، ويجتنبوا المصير والعقاب الذي ينتظرهم بسبب طغيانهم وتعنتهم.

إنّ هذه القصّة ـ كما أشير إليها في الأحاديث الإسلامية ـ ترتبط بجماعة من بني إسرائيل كانوا يعيشون عند ساحل أحد البحار (والظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى بميناء «أيلة» (والذي يسمى الآن بميناء ايلات) وقد أمرهم الله تعالى على سبيل الاختبار والامتحان أن يعطّلوا صيد الأسماك في يوم السبت ، ولكنّهم خالفوا هذا التعليم ، فأصيبوا بعقوبة موجعة مؤلمة نقرأ شرحها في هذه الآيات.

في البداية تقول الآية :( وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ ) . أي اسأل يهود عصرك عن قضية القرية التي كانت تعيش على ساحل البحر.

ثمّ تقول : وذكّرهم كيف أنّهم تجاوزوا ـ في يوم السبت ـ القانون الإلهي( إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ) لأنّ يوم السبت كان يوم عطلتهم ، وكان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب ، وعن صيد السمك ويشتغلوا بالعبادة ، ولكنّهم تجاهلوا هذا الأمر.

ثمّ يشرح القرآن العدوان المذكور بالعبادة التالية :( إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ) فالأسماك كانت تظهر على سطح الماء في يوم السبت ، بينما كانت تختفي في غيره من الأيّام.

و «السبت» في اللغة تعني تعطيل العمل للاستراحة ، وما نقرؤه في سورة النبأ( وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) أشارة ـ كذلك ـ إلى هذا الموضوع ، وسمّى «يوم السبت» بهذا الاسم لأنّ الأعمال العادية والمشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم ، ثمّ بقي هذا الاسم لهذا اليوم علما له.

ومن البديهي أنّ صيد الأسماك يشكّل لدى سكنة ساحل البحر مورد كسبهم وتغذيتهم ، وكأنّ الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت

٢٦٤

تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين ، فكانت تظهر على سطح الماء أفواجا أفواجا ، بينما كانت تتوغل بعيدا في البحر في الأيّام الأخرى التي كان الصيّادون فيها يخرجون للصيد.

إنّ هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي وإلهي ، كان وسيلة لامتحان واختبار هذه الجماعة ، لهذا يقول القرآن الكريم : وهكذا اختبرناهم بشيء يخالفونه ويعصون الأمر فيه( كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) .

وجملة( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) إشارة إلى أنّ اختبارهم كان بما من شأنه أن يجذبهم ويدعوهم إلى نفسه ، وإلى المعصية والمخالفة ، وجميع الاختبارات كذلك ، لأن الاختبار يجب أن يبيّن مدى مقاومة الأشخاص أمام جاذبية المعاصي والذنوب.

عند ما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلا مع حياتهم تداخلا كاملا ، انقسموا إلى ثلاث فرق :

«الفريق الأوّل» وكانوا يشكّلون الأكثرية ، وهم الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي.

«الفريق الثّاني» وكانوا على القاعدة يشكلون الأقلية ، وهم الذين قاموا ـ تجاة الفريق الأوّل بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

«الفريق الثّالث» وهم الساكتون المحايدون الذين لم يوافقوا العصاة ، ولا قاموا بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي الآية الثّانية من الآيات المبحوثة هنا يشرح الحوار الذي دار بين العصاة ، وبين الذين نهوهم عن ارتكاب هذه المخالفة فيقول :( وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ

٢٦٥

مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً ) (1) .

فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر : بأنّنا ننهى عن المنكر لأنّنا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى ، وحتى لا نكون مسئولين تجاهه ، هذا مضافا إلى أنّنا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم ، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم( قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .

ويستفاد من الجملة الحاضرة أنّ هؤلاء الواعظين كانوا يفعلون ذلك بهدفين : الأوّل : أنّهم كانوا يعظون العصاة حتى يكونوا معذورين عند الله.

والآخر : عسى أن يؤثروا في نفوس العصاة ، ويفهم من هذا الكلام أنّهم حتى مع عدم احتمال التأثير ، فإنّهم كانوا لا يحجمون عن الوعظ والنصيحة في حين أن المعروف هو أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطين باحتمال التأثير.

ولكن لا بدّ من الانتباه إلى أنّه ربّما يجب بيان الحقائق والوظائف الإلهية حتى مع عدم احتمال التأثير ، وذلك عند ما يكون عدم بيان الأحكام الإلهية ، وعدم إنكار المنكر سببا لتناسي وتنامي البدع ، وحينما يعدّ السكوت دليلا على الرضا والموافقة. ففي هذه الموارد يجب إظهار الحكم الإلهي في مكان حتى مع عدم تأثيره في العصاة والمذنبين.

إنّ هذه النقطة جديرة بالالتفات ، وهي أنّ الناهين عن المنكر كانوا يقولون : نحن نريد أن نكون معذورين عند (ربّكم) وكأنّ هذا إشارة إلى أنّكم أيضا مسئولون أمام الله ، وإنّ هذه الوظيفة ليست وظيفتنا فقط ، بل هي وظيفتكم تجاه ربّكم في الوقت ذاته.

__________________

(1) التعبير بـ «أمّة منهم» يكشف عن أن الفريق الثّاني كانوا أقلّ من العصاة ، لأنّه عبّر عنهم بلفظة «قوما» بدون كلمة منهم) وتقرأ في بعض الآيات أنّ عدد نفوس هذه المدينة كان ثمانين ألف وبضعة آلاف ، وقد ارتكب 70 ألفا منهم هذه المعصية (راجع تفسير البرهان ، المجلد الثّاني ، الصفحة 42).

٢٦٦

ثمّ إنّ الآية اللاحقة تقول : وفي المآل غلبت عبادة الدنيا عليهم ، وتناسوا الأمر الإلهي ، وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن المنكر ، وعاقبنا الظالمين بعقاب أليم منهم بسبب فسقهم وعصيانهم( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) (1) .

ولا شك أنّ هذا النسيان ليس نسيانا حقيقيا غير موجب للعذر ، بل هو نوع من عدم الاكتراث والاعتناء بأمر الله ، وكأنّه قد نسي بالمرّة.

ثمّ يشرح العقوبات هكذا :( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (2) .

وواضح أن أمر «كونوا» هنا أمر تكويني مثل :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (3) .

* * *

بحوث

وهنا نقاط عديدة يجب الالتفات إليها :

1 ـ كيف ارتكبوا هذه المعصية؟

وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإلهي؟ فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين.

__________________

(1) بئيس مشتقة من مادة «بأس» يعني الشديد.

(2) «عتوا» من مادة عتّو على وزن «غلوّ» بمعنى الامتناع عن طاعة أمر ، وما ذكره بعض المفسّرين من تفسيره بمعنى الامتناع فقط يخالف ما قاله أرباب اللغة.

(3) سورة يس ، 28.

٢٦٧

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّهم عمدوا في البداية إلى ما يسمى بالحيلة الشرعية ، فقد أحدثوا أحواضا إلى جانب البحر ، وفتحوا لها أبوابا إلى البحر ، فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها ، وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك فتحبس الأسماك في تلك الأحواض ، ثمّ يعمدون في يوم الأحد إلى صيدها ، وأخذها من الأحواض ، وكانوا يقولون : إنّ الله أمرنا أن لا نصيد السمك ، ونحن لم نصد الأسماك إنّما حاصرناها فقط(1) .

ويقول بعض المفسّرين : إنّهم كانوا يرسلون كلاليبهم وصناراتهم وشباكهم في البحر يوم السبت ، ثمّ يسحبونها يوم الأحد وقد علقت بها الأسماك ، وهكذا كانوا يصيدون السمك حتى في يوم السبت ولكن بصورة ما كرة.

ويظهر من بعض الرّوايات الأخرى أنّهم كانوا يصيدون السمك يوم السبت من دون مبالاة بالنهي الإلهي ، وليس بواسطة أية حيلة.

ولكن من الممكن أن تكون هذه الرّوايات صحيحة بأجمعها وذلك أنّهم في البداية استخدموا ما يسمى بالحيلة الشرعية ، وذلك بواسطة حفر أحواض إلى جانب البحر ، أو إلقاء الكلاليب والصنارات ، ثمّ لما صغرت هذه المعصية في نظرهم ، جرأهم ذلك على كسر احترام يوم السب وحرمته ، فأخذوا يصيدون السمك في يوم السبت تدريجا وعلنا ، واكتسبوا من هذا الطريق ثروة كبيرة جدا.

2 ـ من هم الذين نجوا؟

الظاهر من الآيات الحاضرة أنّ فريقا واحدا من الفرق الثلاثة (العصاة ، المتفرجون ، الناصحون) هو الذي نجى من العذاب الإلهي وهم افراد الفريق

__________________

(1) تفسير البرهان ، المجلد 2 ، الصفحة 22 ، وقد روي هذا الكلام عن ابن عباس في تفسير مجمع البيان في ذيل الآية.

٢٦٨

الثّالث.

وكما جاء في الرّوايات ، فإنّه عند ما رأى هذا الفريق أن عظاته ونصائحه لا تجدي مع العصاة انزعجوا وقالوا : سنخرج من المدينة ، فخرجوا إلى الصحراء ليلا ، واتفق أن أصاب العذاب الإلهي كلا الفريقين الآخرين.

وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ العصاة هم الذين أصيبوا بالعذاب فقط ، ونجى الساكتون أيضا ، فهو لا يتناسب مع ظاهر الآيات الحاضرة.

3 ـ هل أنّ كلا الفريقين عوقبوا بعقاب واحد

يظهر من الآيات الحاضرة أنّ عقوبة المسخ كانت مقتصرة على العصاة ، لأنّه تعالى يقول :( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْه ) ولكن من جانب آخر يستفاد من الآيات الحاضرة ـ أيضا ـ أنّ الناصحين الواعظين فقط هم الذين نجوا من العقاب ، لأنّه تعالى يقول :( أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ) .

من مجموع هاتين الآيتين يتبيّن أنّ العقوبة نالت كلا الفريقين ، ولكن عقوبة المسخ اختصت بالعصاة فقط ، وأمّا عقوبة الآخرين فمن المحتمل أنّها كانت الهلاك والفناء ، بالرغم من أن العصاة أيضا هلكوا بعد مدّة من المسخ حسب ما جاء في هذا الصدد من الرّوايات.(1)

4 ـ هل المسخ كان جسمانيا أو روحانيا؟

«المسخ» أو بتعبير آخر «تغيير الشكل الإنساني إلى الصورة الحيوانية» ومن المسلّم أنّه حدث على خلاف العادة والطبيعة.

على أنّه قد شوهدت حالات جزئية من (موتاسيون) والقفزة ، وتغيير الشكل

__________________

(1) وإذا كان يستفاد من بعض الرّوايات خلاف هذا الموضوع ، فإنّه مضافا إلى أنّه لا يمكن الاعتماد عليه في مقابل ظاهر الآيات فإنّما ضعيفة من حيث السند أيضا ، ويحتمل أن يكون الراوي قد أخطأ في نقل الرواية.

٢٦٩

والصورة في الحيوانات إلى أشكال وصور أخرى ، وقد شكّلت أسس فرضية التكامل في العلوم الطبيعية الحاضرة.

ولكنّ الموارد التي شوهدت فيها ال «موتاسيون» والقفزة إنّما هي في صفات الحيوانات الجزئية ، لا الصفات الكليّة ، يعني أنّه لم يشاهد إلى الآن نوعا من أنواع الحيوان تغيّر على أثر ال «موتاسيون» إلى نوع آخر ، بل يمكن أن تتغير خصوصيات معينة من الحيوان ، ناهيك عن أنّ هذه التغييرات إنّما تظهر في الأجيال التي توجد في المستقبل ، لا أن يحصل هذا التغيير في الحيوان يتولد من أمّه.

وعلى هذا الأساس ، يكون تغير صورة إنسان أو حيوان إلى صورة نوع آخر أمرا خارقا للعادة.

ولكن تقدم أنّ هناك أمورا تحدث على خلاف العادة والطبيعة ، وهذه الأمور ربّما تقع في صورة المعاجز التي يأتي بها الأنبياء ، وأحيانا تكون في صورة الأعمال الخارقة للعادة التي تصدر من بعض الأشخاص ، وإن لم يكونوا أنبياء (وهي تختلف عن معاجز الأنبياء طبعا).

وبناء على هذا ، وبعد القبول بإمكان وقوع المعاجز وخوارق العادة ، لا مانع من مسخ صورة إنسان إلى إنسان آخر. ولا يكون ذلك مستحيلا تأباه العقول.

ووجود مثل هذه الخوارق للعادة ـ كما قلنا في مبحث إعجاز الأنبياء ـ لا هو استثناء وخرق لقانون العلية ، ولا هو خلاف العقل ، بل هو مجرّد كسر قضية «عاديّة طبيعيّة» في مثل هذه الموارد ، ولها نظائر رأيناها في الأشخاص غير العاديين(1) .

__________________

(1) لقد جمع أحد الكتّاب المعاصرين نماذج كثيرة ـ من مصادر موثوقة ـ لأشخاص من البشر أو حيوانات استثنائيّة ، ملفتة للنظر ومثيرة للعجب ، ومن جملة ذلك : إنسان يستطيع قراءة السطور بأصابعه ، أو امرأة وضعت مرتين في خلال شهرين ، وفي كل مرة ولدت ولدا ، أو طفلا كان قلبه خارج صدره ، أو امرأة لم تكن تعرف أنّها حامل حتى لحظة وضعها لوليدها ، وما شابه ذلك.

٢٧٠

بناء على هذا لا مانع من قبول «المسخ» على ما هو عليه في معناه الظاهري الوارد في الآية الحاضرة وبعض الآيات القرآنية الأخرى ، وأكثر المفسّرين قبلوا هذا التّفسير أيضا.

ولكن بعض المفسّرين ـ وهم الأقليّة ـ قالوا : إنّ المسخ هو «المسخ الروحاني» والانقلاب في الصفات الأخلاقية ، بمعنى ظهور صفات مثل صفات القرود أو الخنازير في الطغاة والمتعنتين ، مثل الإقبال على التقليد الأعمى والتوجه الشديد إلى البطنة والشهوة ، التي هي صفات بارزة لهذين الحيوانين. وهذا الاحتمال نقل عن أحد المفسّرين القدامى وهو مجاهد.

وما أخذه البعض على مسألة المسخ ، وأنّه خلاف التكامل ، وأنّه يوجب العودة والرجوع والتقهقر في الخلقة غير صحيح ، لأنّ قانون التكامل يرتبط بالذين يسيرون في طريق التكامل ، لا أولئك الذين انحرفوا عن مسيرة التكامل ، وخرجوا عن دائره هذا القانون.

فعلى سبيل المثال : الإنسان السليم ينمو نموا منتظما في أعوام الطفولة ، ولكنّه إذا حصلت في وجوده بعض النقائص ، فيمكن أن لا يتوقف الرشد والنمو فحسب ، بل يتقهقر ويفقد نموه الفكري والجسماني تدريجا.

ولكن يجب الانتباه على كل حال إلى أنّ المسخ والتبدل والتحول الجسماني يتناسب مع الأعمال التي قام بها الشخص ، يعني أنّ بعض العصاة يسلكون سبيل الطغيان تحت ضغط من دوافع الهوى والشهوة ، وجماعة أخرى تتلوث حياتهم بأدران الذنوب أثر التقليد الأعمى ، ولهذا يظهر المسخ في كل فريق من هذه الفرق بصورة متناسبة مع كيفية أعمالهم.

على أنّه قد جرى الحديث في الآيات الحاضرة فقط عن «القردة» ولم يجر أي حديث عن «الخنازير» ولكن في الآية (60) من سورة المائدة يدور الحديث حول جماعة مسخ بعضهم في صورتين (بعض قردة وبعض خنازير) وهذه الآية

٢٧١

حسبما قال بعض المفسّرين : نزلت حول أصحاب السبت ، فالكبار منهم الذين أطاعوا أمر الشهوة والبطن مسخوا خنازير ، والشباب المقلد لهم تقليدا أعمى وكانوا يشكلون الأكثرية مسخوا قردة.

ولكن على كل حال يجب الالتفات إلى أنّ الممسوخين ـ حسب الرّوايات ـ بقوا على هذه الحالة عدة أيّام ثمّ هلكوا ، ولم يتولد منهم نسل أبدا.

5 ـ المخالفة تحت غطاء الحيلة الشّرعية

إنّ الآيات الحاضرة وإن كانت لا تتضمّن الإشارة إلى تحايل أصحاب السبت في صعيد المعصية ، ولكن ـ كما أسلفنا ـ أشار كثير من المفسّرين في شرح هذه الآيات إلى قصّة حفر الأحواض ، أو نصب الصنارات في البحر في يوم السبت ، ويشاهد هذا الموضوع نفسه في الرّوايات الإسلامية ، وبناء على هذا تكون العقوبة الإلهية التي جرت على هذا الفريق ـ بشدة ـ تكشف عن أن الوجه الحقيقي للذنب لا يتغير أبدا بانقلاب ظاهره ، وباستخدام ما يسمى بالحيلة الشرعية ، فالحرام حرام سواء أتي به صريحا ، أو تحت لفافات كاذبة ، ومعاذير واهية.

إنّ الذين تصوروا أنّه يمكن بالتغيير الصوري تبديل عمل حرام إلى حلال يخدعون أنفسهم في الحقيقة ، ومن سوء الحظ أن هذا العمل رائج بين بعض الغفلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الدين وهذا هو الذي يشوّه وجه الدين في نظر الغرباء عن الدين ، ويكرّهه إليهم بشدّة.

إن العيب الأكبر الذي يتسم به هذا العمل ـ مضافا إلى تشويه صورة الدين ـ هو أن هذا العمل التحايلي يصغر الذنب في الأنظار ويقلّل من أهميته وخطورته وقبحه ، ويجرّئ الإنسان في مجال الذنب إلى درجة أنّه يتهيأ شيئا فشيئا لارتكاب الذنوب والمعاصي بصورة صريحة وعلينة. فنحن نقرأ في نهج البلاغة

٢٧٢

أنّ الإمام عليّاعليه‌السلام قال : «إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون بدينهم على ربّهم ، ويتمنون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنّبيذ(1) والسحت بالهدية ، والربا بالبيع» (الخطبة 156).

ويجب الانتباه إلى الدافع وراء أمثال هذه الحيل ، إمّا إلباس الباطن القبيح بلباس قشيب وإظهاره بمظهر حسن أمام الناس ، وإمّا خداع الضمير ، واكتساب طمأنينة نفسية كاذبة.

6 ـ أنواع الابتلاء الإلهي المختلفة

صحيح أنّ صيد السمك من البحر لسكان السواحل لم يكن مخالفة ، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقّتة ، وبهدف الاختبار والامتحان عن مثل هذا العمل ، ليرى مدى تفانيهم ، ويختبر مدى إخلاصهم ، وهذا هو أحد أشكال الامتحان الإلهي.

هذا مضافا إلى أنّ يوم السبت كان عند اليهود يوما مقدسا ، وكانوا قد كلّفوا ـ احتراما لهذا اليوم بالتفرغ للعبادة وممارسة البرامج الدينية ـ والكف ـ عن الكسب والإشتغال بالأعمال اليومية ، ولكن سكان ميناء «أيلة» تجاهلوا كلّ هذه الاعتبارات والمسائل ، فعوقبوا معاقبة شديدة جعلت منهم ومن حياتهم المأساوية ومصيرهم المشؤوم درس وعبرة للأجيال اللاحقة.

* * *

__________________

(1) كان النبيذ عبارة عن وضع مقدار من التمر أو الشعير أو الزبيب في الماء ، عدّة أيّام ، ثمّ شربه وهذا وإن لم يكن حراما شرعا ، ولكنّه على أثر سخونة الهواء تتبدل المواد السكرية فيه إلى مواد كحولية خفيفة.

٢٧٣

الآيتان

( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) )

التّفسير

تفرق اليهود وتشتتهم :

هذه الآيات إشارة إلى قسم من العقوبات الدنيوية التي أصابت جماعة من اليهود خالفت أمر الله تعالى ، وسحقت الحق والعدل والصدق.

فيقول في البداية : واذكروا يوم أخبركم الله بأنّه سيسلّط على هذه الجماعة العاصية المتمردة فريقا يجعلها حليفة العذاب والأذى إلى يوم القيامة( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ) .

و «تأذّن» و «أذّن» كلاهما بمعنى الإخبار والإعلام ، وكذا جاء بمعنى الحلف والقسم ، وفي هذه الصورة يكون معنى الآية أنّ الله تعالى أقسم بأن يكون مثل

٢٧٤

هؤلاء الأشخاص في العذاب إلى يوم القيامة.

ويستفاد من هذه الآية أنّ هذه الجماعة المتمردة الطاغية لن ترى وجه الاستقرار والطمأنينة أبدا ، وإن أسّست لنفسها حكومة وشيّدت دولة ، فإنّها مع ذلك ستعيش حالة اضطراب دائم وقلق مستمر ، إلّا أن تغيّر ـ بصدق ـ سلوكها ، وتكفّ عن الظلم والفساد.

وفي ختام الآية يضيف تعالى قائلا :( إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) فبالنسبة إلى الكفار سريع العقاب ، وبالنسبة للمذنبين التائبين التائبين غفور رحيم.

وهذه الجملة تكشف عن أنّ الله قد ترك الباب مفتوحا أمامهم حتى لا يظن أحد أنّه قد كتب عليهم المصير المحتوم والشقاء الابدي الذي لا خلاص منه.

وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى تفرق اليهود في العالم فيقول :( وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ ) فهم متفرقون منقسمون على أنفسهم بعضهم صالحون ، ولهذا عند ما سمعوا بنداء الإسلام وعرفوا دعوة النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنوا به ، وبعضهم لم يكونوا كذلك بل ألقوا الحق وراءهم ظهريا ، ولم يرتدعوا عن معصية في سبيل ضمان مصالحهم وحياتهم المادية.

ومرّة أخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإسلام لا يعادي العنصر اليهودي ، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن ، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن ، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم.

ثمّ يضيف تعالى قائلا :( وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

أي ربّما نكرمهم ونجعلهم في رفاه ونعمة حتى نثير فيهم روح الشكر ، ويعودوا إلى طريق الحق. وربّما نغرقهم في الشدائد والمصاعب والمصائب حتى ينزلوا عن مركب الغرور والأنانية والتكبر ، ويقفوا على عجزهم ، لعلهم يستيقظون

٢٧٥

ويعودون إلى الله ، والهدف في كلتا الحالتين هو التربية والهداية والعودة إلى الحق.

وعلى هذا الأساس تشمل «الحسنات» كل نعمة ورفاه واستقرار ، كما تشمل «السيئات» كل نقمة وشدة ، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل عليه.

* * *

٢٧٦

الآيتان

( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) )

التّفسير

في الآيات الماضية دار الحديث حول أسلاف اليهود ، ولكن في الآية الحاضرة دار الكلام حول أبنائهم وأخلافهم.

وفي البداية يقول تعالى :( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى ) إنّهم ورثوا التوراة عن أسلافهم ، وكان عليهم أن ينتفعوا بها ويهتدوا ، ولكنّهم رغم ذلك فتنوا بمتاع هذه الدنيا وحطامها الرخيص التافه ، واستبدلوا الحق والهدى بمنافعهم الماديّة.

و «خلف» على وزن «حرف» يأتي غالبا في الأولاد غير الصالحين ـ كما

٢٧٧

ذهب إلى ذلك بعض المفسّرين ، في حين أنّ «الخلف» على وزن «شرف» يأتي بمعنى الولد الصالح(1) .

ثمّ يضيف قائلا : وعند ما وقعوا بين مفترق طريقين : بين ضغط الوجدان من جهة ، والرغبات والمنافع المادية من جهة أخرى عمدوا إلى الأماني والآمال الكاذبة وقالوا : لنأخذ المنافع الدنيوية فعلا سواء من حلال أو حرام ، والله سيرحمنا ويغفر لنا( وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا ) .

إنّ هذه الجملة تكشف عن أنّهم كانوا بعد القيام بمثل هذا العمل يتخذون حالة من الندم العابر والتوبة الظاهرية ، ولكن هذه الندامة ـ كما يقول القرآن الكريم ـ لم تكن لها أية جذور في أعماق نفوسهم ، ولهذا يقول تعالى :( وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ) .

و «عرض» على وزن «غرض» يعني الشيء الذي لاثبات له ولا دوام ، ومن هذا المنطق يطلق على متاع العالم المادي اسم العرض ، لكونه زائلا غير ثابت في الغالب ، فهو يقصد الإنسان يوما ويقبل عليه بوفرة بحيث يضيع الإنسان حسابه ولا يعود قادرا على عده وإحصائه ويبتعد عنه وجمعه وحصره ، يوما آخر بالكلية بحيث لا يملك منه إلّا الحسرة والتذكر المؤلم ، هذا مضافا إلى أن جميع نعم هذه الدنيا هي أساسا غير دائمة ، وغير ثابته(2) .

وعلى كل حال ، فإنّ هذه الجملة إشارة إلى عمليات الارتشاء التي كان يقوم بها بعض اليهود لتحريف الآيات السماوية ، ونسيان أحكام الله لمضادتها لمصالحهم ومنافعهم المادية.

ولهذا قال تعالى في عقيب ذلك :( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا

__________________

(1) مجمع البيان ، وتفسير ابن الفتوح الرازي ، في ذيل الآية الحاضرة.

(2) يجب الانتباه ، إلى أن «عرض» على وزن «غرض» يختلف عن «عرض» على وزن (فرض) فالأول بمعنى كل رأس مال دنيوي ، والثاني بمعنى المال النقدي.

٢٧٨

يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ ) أي أنّهم أخذ عليهم الميثاق ـ بواسطة كتابهم السماوي التوراة ـ أن لا يفتروا على الله كذبا ، ولا يحرفوا كلماته ، ولا يقولوا إلّا الحق.

ثمّ يقول : لو كان هؤلاء الذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهية ، لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذارا ، ولكن المشكلة هي أنّهم رأوا التوراة مرارا وفهموا محتواها ومع ذلك ضيعوا أحكامها ، ونبذوا أمرها وراء ظهورهم( وَدَرَسُوا ما فِيهِ ) . و «الدرس» في اللغة يعني تكرار شيء ، وحيث أن الإنسان عند المطالعة ، وتلقي العلم من الأستاذ والمعلم يكرّر المواضيع ، لهذا أطلق عليه لفظ «الدرس» وإذا ما رأينا أنّهم يستعملون لفظة «درس والاندراس» على انمحاء أثر الشيء فإنّما هو لهذا السبب وبهذه العناية ، ولأنّ الأمطار والرياح والحوادث الأخرى تتوالى على الأبنية القديمة وتبليها.

وفي ختام الآية يقول : إنّ هؤلاء يخطئون في تقديرهم للأمور ، وإنّ هذه الأعمال لن تجديهم نفعا( وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) .

ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ؟؟

وفي مقابل الفريق المشار إليه سابقا يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم اقتراف جريمة تحريف الآيات الإلهية وكتمانها فحسب ، بل تمسكوا بحذافيرها وطبقوها في حياتهم حرفا بحرف ، والقرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم ، ويعترف لهم بأجر جزيل وثواب عظيم ، ويقول عنهم :( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) .

وقد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من «الكتاب» وهل أنّه التوراة أو القرآن الكريم؟ بعض ذهب إلى الأوّل ، وبعض إلى الثّاني. والظاهر أنّه إشارة إلى فريق من بني إسرائيل الذين انفصلوا عن الضالين الظالمين ، وعاكسوهم فى سلوكهم وموقفهم. ولا شك أن التمسك بالتوراة والإنجيل وما فيهما من بشائر

٢٧٩

بظهور نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ينفصل عن الإيمان بهذا النّبي.

إنّ في التعبير بـ «يمسّكون» الذي هو بمعنى الاعتصام والتمسك بشيء نكتة ملفتة للنظر ، لأنّ التمسك بمعنى الأخذ والالتصاق بشيء لحفظه وصيانته ، وهذه هي الصورة الحسيّة للكلمة ، وأمّا الصورة المعنوية لها فهي أن يلتزم الإنسان بالعقيدة بمنتهى الجدية والحرص ، ويسعى في حفظها وحراستها.

إنّ التمسك بالكتاب الإلهي ليس هو أن يمسك الإنسان بيده أوراقا من القرآن أو التوراة أو الإنجيل أو أي كتاب آخر ويشدّها عليه بقوة ، ويجتهد في حفظ غلافه وورقه من التلف ، بل التمسك الواقعي هو أن لا يسمح لنفسه بأن يرتكب أدنى مخالفة لتعاليم ذلك الكتاب ، وأن يجتهد في تحقيق وتطبيق مفاهيمه من الصميم.

إنّ الآيات الحاضرة تكشف لنا بوضوح عن أنّ الإصلاح الواقعي في الأرض لا يمكن من دون التمسك بالكتب السماوية ، ومن دون تطبيق الأوامر والتعاليم الإلهية ، وهذا التعبير يؤكّد ـ مرّة أخرى ـ هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدين ليس مجرّد برنامج يرتبط بعالم ما وراء الطبيعة ، وبدار الآخرة ، بل هو برنامج للحياة البشرية ، ويهدف إلى حفظ مصالح جميع أفراد البشر ، وإجراء مبادئ العدل والسلام والرفاه والاستقرار ، وبالتالي كل مفهوم تشمله كلمة «الإصلاح» الواسعة المعنى.

وما نراه من التركيز على خصوص «الصلاة» من بين الأوامر والتعاليم الإلهية ، فإنّما هو لأجل أن الصلاة الواقعية تقوّي علاقة الإنسان بالله الذي يراه حاضرا وناظرا لجميع أعماله وبرامجه ، ومراقبا لجميع أفعاله وأقواله ، وهذا هو الذي عبر عنه في آيات أخرى بتأثير الصلاة في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وارتباط هذا الموضوع بإصلاح المجتمع الإنساني أوضح من أن يحتاج إلى بيان.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ما في معدّ فتى تغني رباعته

إذا يهمّ بأمر صالح فعلا

١ « بهم » أي : بسببهم .

« في ظلّ سلطان قاهر » ببركة نبوّته صلى اللّه عليه و آله ، و في ( الطبري ) : حجّ عمر فلمّا كان بضجنان قال : لا إله إلاّ اللّه العظيم العلّي المعطي ما شاء من شاء ، كنت أرعى إبل الخطّاب بهذا الوادي في مدرعة صوف ، و كان فظّا يتعبني إذا عملت ،

و يضربني إذا قصّرت ، و هو أوّل من حمل الدرّة و ضرب بها ، و هو أوّل من دوّن للناس في الإسلام الدواوين ، و كتب الناس على قبائلهم ، و فرض لهم العطاء ، و كان عنده خيل موسومة في أفخاذها حبيس ٢ .

« و أوتهم » بالمدّ ، أي : أنزلتهم ، و لا يجوز القصر ، و قال ابن أبي الحديد :

آوتهم بالمدّ ، و يجوز بغير المد ، أفعلت و فعلت ، في هذا المعنى واحد عن أبي زيد ٣ .

قلت : الأصل في كلامه ( الصحاح ) في نقل ما قال عن أبي زيد ٤ ، لكنّه غير صحيح ، فحرّف على أبي زيد ، قال ابن دريد في ( جمهرته ) : قال أبو زيد : تقول العرب : بتّ بهذا المنزل و بتّه ، و ظفرت بالرجل و ظفرته ، و أويت إلى الرجل و أويته أويّا : إذا نزلت به ٥ . و هو كما ترى إنّما يدلّ على أنّ ( أوى ) بدون المدّ بمعنى النزول به ، يتعدّى بالنفس ، فيقال : أويته ، و بإلى ، فيقال : أويت إليه ، و أين هو ممّا ادّعيا من كون أوى بلا مدّك ( آوى ) مع المدّ في كونه بمعنى الإنزال .

« الحال إلى كنف » أي : ناحية .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٨ : ١٠٨ مادة ( ربع ) .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ سنة ٢٣ متفرقا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٧٤ مادة ( أوى ) .

( ٥ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٤٩٤ .

٣٠١

« عزّ غالب » فصارت العرب ذاك اليوم أعزّ من الفرس و الروم .

« و تعطّفت الأمور عليهم » قال ابن دريد : تعطّف فلان على فلان : إذا أوى له ،

أو وصله ١ .

« في ذرى » بالفتح ، أي : كنف .

« ملك ثابت » لأنّ ملكهم كان ذاك اليوم أوّل ملك في الدّنيا .

« فهم حكّام على العالمين ، و ملوك في أطراف الأرضين » فتح المسلمون أفريقية في سنة ( ٢٧ ) و أخذوا منهم ثلاثمائة قنطار ذهب ، و وهبها عثمان لآل عمّه الحكم بن أبي العاص ٢ ، و فتحوا قبرس في تلك السنة أو سنة أخرى ،

و فتحوا فارس الأوّل و اصطخر الثاني في سنة ( ٢٨ ) و فتحوا طبرستان في سنة ( ٢٩ ) ٣ .

« يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم » من الفرس و الغاسنة و المناذرة و اليمن ، قالت بنت النّعمان بن المنذر :

فبينا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف

« و يمضون الأحكام في من كان يمضيها فيهم » في ( الطبري ) : قال جبير بن نفير : لمّا سبينا أهل قبرس ، نظرت إلى أبي الدّرداء يبكي ، فقلت : ما يبكيك في يوم أعزّ اللّه فيه الإسلام و أهله ، و أذلّ فيه الكفر و أهله ؟ فضرب بيده على منكبي ، و قال : ثكلتك أمّك يا جبير ، ما أهون الخلق على اللّه إذا تركوا أمره ، بينا هي أمّة ظاهرة قاهرة للنّاس لهم الملك ، إذ تركوا أمر اللّه فصاروا إلى ما ترى ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ١٠٤ .

( ٢ ) نقله الطبري في تاريخه ٣ : ٣١٢ ، ٣١٤ سنة ٢٧ ، و نقل بعضه البلاذري في فتوح البلدان : ٢٢٨.

( ٣ ) نقلها الطبري في تاريخه ٣ : ٣١٥ ، ٣٢٠ ، ٣٢٣ سنة ٢٨ ٣٠ ، و البلاذري في فتوح البلدان : ١٥٧ ، ٢٥١ ، ٣١١ ، ٣٣٠ ) ، باختلاف يسير .

٣٠٢

فسلّط اللّه عليهم السباء ، و إذا سلّط السباء على قوم فليس للّه فيهم حاجة ١ .

و فيه : أنّ في عهد أهل قبرس ألاّ يتزوّجوا في عدوّ المسلمين من الروم إلاّ بإذنهم ٢ .

و روى : أنّ أهل طبرستان سألوا المسلمين الأمان ، فأعطاهم سعيد بن العاص الأمان على ألاّ يقتل منهم رجلا واحدا ، ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إلاّ رجلا واحدا ، و حوى ما كان في الحصن ٣ .

« لا تغمز لهم قناة » عدم غمز قناة لهم كناية عن عدم استطاعة غيرهم لإيقاع ضرر عليهم ، و قد يجي‏ء للحقيقة ، قال الشاعر :

و كنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

٤ « و لا تقرع لهم صفاة » بالفتح : الصخرة الملساء ، يقال في المثل : ما تندى صفاته ٥ .

و قوله عليه السّلام : « لا تقرع لهم صفاة » أيضا كناية عن العزّ ، و قد يجي‏ء أيضا للحقيقة ، كقول الشاعر في وصف ذئب :

يستمخر الريح إذا لم يسمع

بمثل مقراع الصفا الموقّع

٦ و مثل المثلين في الكناية عن الاقتدار و المنعة قولهم : لا يقعقع له بالشنان ٧ . و قولهم : لا تقرع له العصا ، و لا تقلقل له الحصى ٨ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) و ( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣١٨ ٣١٩ سنة ٢٩ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٢٤ سنة ٣٠ .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٥ : ٣٨٩ مادة ( غمز ) .

( ٥ ) لسان العرب لابن منظور ١٤ : ٤٦٤ مادة ( صفا ) .

( ٦ ) لسان العرب لابن منظور ٨ : ٢٦٤ مادة ( قرع ) .

( ٧ ) المستقصى للزمخشري ٢ : ٢٧٤ .

( ٨ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٢٤١ .

٣٠٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« ألا و إنّكم قد نفضتم » أي : حرّكتم بالرفع و الخفض .

« أيديكم من حبل الطاعة » الّتي أمر اللّه تعالى بها في قوله : . . . و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرّقوا . . . ١ ، و قد روى الثعلبي في تفسير الآية بأسانيد عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال : يا أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض أو قال : إلى الأرض و عترتي أهل بيتي ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ٢ .

« و ثلمتم » بفتح اللام ، أي : جعلتم فيه ثلمة ، و الثلمة : الخلل في الحائط ،

و غيره .

« حصن اللّه المضروب عليكم » دون باقي الفرق .

« بأحكام » متعلّق بقوله : ثلمتم ، و الباء فيه للاستعانة .

« الجاهلية » التي أزالها الإسلام ، روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن أبي غادية قال : خطبنا صلى اللّه عليه و آله يوم العقبة فقال : يا أيّها الناس ألا إنّ دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألاّ هل بلّغت . فقلنا : نعم . فقال : اللّهمّ اشهد . ثمّ قال : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ٣ .

و روي الخبر عن ابن قتيبة في ( معارفة ) هكذا : قال أبو الغادية : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإنّ الحقّ يومئذ لمع عمّار . ثمّ قال ابن قتيبة : قال أبو الغادية : و سمعت عمّارا يذكر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٢ ) نقله عن الثعلبي في تفسيره ابن البطريق في العمدة : ٣٥ .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ٣ ق ١ : ١٨٦ .

٣٠٤

عثمان في المسجد ، قال : يدعى فينا جبانا ، و يقول : إنّ نعثلا هذا يفعل و يفعل ،

يعيبه ، فلو وجدت عليه أعوانا يومئذ لو طئته حتّى أقتله ، فبينما أنا يوم صفين ،

إذا به أوّل الكتيبة ، فطعنه رجل في ركبته فانكشف المغفر عن رأسه ، فضربت رأسه ، فإذا رأس عمّار قد ندر . ثمّ قال ابن قتيبة : قال كلثوم بن جبير أي :

الراوي عن أبي غادية ما مرّ فما رأيت شيخا أضلّ منه يروي أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول ما قال ، ثمّ ضرب عنق عمّار ١ .

قلت : ليس العجب من الضلال منحصرا بذاك الشيخ أبي غادية ، بل عامة مشائخ إخواننا مثله ، فرووا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال في حروبهم باسم عثمان : إنّ الحقّ يكون مع عمّار . و عمّار كان من قتلة عثمان عملا و قولا و سببا ، و مع ذلك يقولون : إنّ عثمان إمام حقّ ، إلاّ أنّهم رأوا أنّهم لو أنكروه كان عليهم إنكار شيخيهم كما أي أبو غادية للاتّحاد المبنى ، فرجّحوا أمر الأموية على أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قوله : فاضطروا عملا إلى مخالفة القاعدة العقلية من دلالة بطلان اللازم على بطلان الملزوم ، ثمّ من مصاديق قوله عليه السّلام : من ثلمهم حصن الإسلام بأحكام الجاهلية استلحاق معاوية زيادا به بزنا أبيه بأمّه ، مع أنّ الإسلام قال : الولد للفراش ، و للعاهر الحجر ، كما اعترف به ابن الأثير في ( كامله ) ٢ .

« و اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة في ما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلّها » قال تعالى ممتنّا عليهم : . . . و اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . . . ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤١ سنة ٤٤ .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

٣٠٥

« و يأوون إلى كنفها » أي : جانبها .

« بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة » لأنّهم بتلك الألفة ملكوا الأمم ،

و سخّروا العرب و العجم .

« لأنّها أرجح من كلّ ثمن » قيل : إنّه إشارة إلى قوله تعالى : . . . لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم . . . ١ .

« و أجلّ من كلّ خطر » أي : شي‏ء ذي قيمة .

« و اعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا » لأنّ في محلّ الأعراب لا تقام شرائع الإسلام كما تقام في محلّ الهجرة ، فإذا لا تقام في محلّ الهجرة يصيرون كالأعراب ، و قال ابن أبي الحديد : صارت هذه الكلمة جارية مجرى المثل ، أنشد الحجاج على منبر الكوفة :

قد لفّها اللّيل بعصلبيّ

أروع خرّاج من الدّويّ

مهاجر ليس بأعرابي

و قال عثمان لأبي ذرّ : أخشى أن تصير بعد الهجرة أعرابيا ٢ .

قلت : قد عرفت الأصل في الهجرة و الأعرابية ، و لم يكن للكلام ربط بالمثل ، و أمّا حديثه الشريف ، فمن موضوعات سيف الّذي ما استحيى ، و قال في ضدّ متواتر التاريخ : إنّ عثمان ما نفى أباذر إلى الربذة ، بل أبو ذر نفسه أراد الإعراض عن المدينة و الإقامة في الربذة ، فقال له عثمان ذلك . و الاستناد إلى غير معلوم الصدق شين ، فكيف إلى معلوم الكذب .

« و بعد الموالاة أحزابا » أي : صرتم بعد كونكم من أولياء الاسلام من أعداء الإسلام الّذين حزّبوا أحزابا لاستيصال بيضته ، فجاؤوهم من فوقهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ .

٣٠٦

و من أسفل منهم ، و الأصل في الأحزاب أنّ جمعا من اليهود خرجوا إلى قريش ،

فدعوهم إلى حرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ خرجوا إلى غطفان فدعوهم إلى حربه فأجابتا لهم ، فأقبل أولئك الأحزاب إليه في غزوة الخندق ١ .

« ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه » دون مسمّاه ، فإنّ المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه .

« و لا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه » بإقامة الصّلوات الخمس في أوقاتها دون حقيقته إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه و جلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربّهم يتوكّلون . الّذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون ٢ ، قد أفلح المؤمنون . الّذين هم في صلاتهم خاشعون . و الّذين هم عن اللغو معرضون . . . أولئك هم الوارثون . الّذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ٣ .

« تقولون النار و لا العار » و الأصل في الكلام تقولون : نختار النار و لا نختار العار ٤ . كما أنّ الأصل في قول الكلمة أوس بن حارثة ، و قال : ابن أبي الحديد هي كلمة جارية مجرى المثل أيضا ، يقولها أرباب الحميّة و الإباء ، فإذا قيلت في حقّ كانت صوابا ، و إذا قيلت في باطل كانت خطأ ٥ . و تبعه الخوئي ٦ .

قلت : هو كلام مضحك ، فاختيار النار ، أي : نار جهنم كيف يمكن أن يكون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله بتفصيل ابن هشام في السيرة ٣ : ١٢٧ ، و الواقدي في المغازي ١ : ٤٤١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ٤٧ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٢٣٣ سنة ٥ ، و القمي في تفسيره ٢ : ١٧٧ ، و الطبرسي في أعلام الورى : ٩٠ .

( ٢ ) الأنفال : ٢ ٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ١ ١١ .

( ٤ ) المستقصى للزمخشري ١ : ٣٥١ و فيه : النار و لا العار .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٦ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٤ ، ٢٩٥ .

٣٠٧

حقّا ، و لا يقول الكلمة إلاّ أهل الباطل ؟ و أمّا أهل الحقّ ، فإنّما يقولون ما قاله عليه السّلام في موضع آخر : « المنية و لا الدنية » ١ ، و ما قاله الحسين عليه السّلام يوم الطّف :

الموت خير من ركوب العار

و العار أولى من دخول النار

و اللّه ما هذا و هذا جاري

٢ « كأنّكم تريدون أنّ تكفئوا » من : كفأت الإناء : كببته و قلبته .

« الإسلام على وجهه » .

« إنتهاكا » افتعال من ( نهك ) ، و ليس بانفعال ، فإنّه لو كان لكان من ( تهك ) و ليس لنا تهك .

« لحريمه » قال الجوهري : انتهاك الحرمة : تناولها بما لا يحل ٣ .

« و نقضا لميثاقه » قال تعالى في بني إسرائيل : فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية . . . ٤ .

« الّذي » وصف للإسلام ، و جعله ابن ميثم ٥ و صفا لميثاق ، و مع كونه خلاف الظاهر لعدم الإتيان بوصف لحريم يمنع منه قوله بعد : « و أنّكم إن لجأتم إلى غيره » .

« وضعه اللّه لكم حرما في أرضه » فكما أنّ الحرم صيده و شجره حرام ،

المسلم ماله و دمه حرام ، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فإذا قالوا : لا إله إلاّ اللّه عصموا منّي دماءهم ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٤ : ٩٤ الحكمة ٣٩٦ ، و ذكره بعنوان المثل الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٣٠٣ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٦٨ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٦١٣ مادة ( نهك ) .

( ٤ ) المائدة : ١٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٣ .

( ٦ ) أخرجه مسلم في صحيحه ١ : ٥٢ ح ٣٥ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٤٣٩ ح ٣٣٤١ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٢٩٥.

٣٠٨

و قال الخوئي في شرح الفقرة : لمنعه الآخذين به و المواظبين له من الرفث و الفسوق و الجدال ١ .

قلت : أيّ ربط لما قال هنا ؟ فإنّ ما قاله محرّمات الإحرام و لو كان في غير الحرم ، و الرفث مطلق المقاربة و لو بالحلال ، كما أنّ الجدال مطلق اليمين و لو صدقا لا الحرم ، و قد قال عليه السّلام : وضعه لكم حرما ، و لم يقل : إحراما .

« و أمنا بين خلقه » فكما أنّ الحرم من دخله كان آمنا ، و لو كان قاتلا في غيره ، كذلك الإسلام من دخله كان آمنا ، ولو كان قبل إسلامه قاتلا ، و قال عزّ و جلّ : . . . و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا . . . كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم . . . ٢ .

« و إنّكم إن لجأتم إلى غيره » أي : غير الإسلام .

« حاربكم أهل الكفر » كما حاربوكم حين كنتم متمسّكين به .

« ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم » كما كانوا ينصرونكم زمن النبيّ صلى اللّه عليه و آله حيث كنتم معتصمين به ، قال تعالى : لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة و يوم حنين . . . ٣ ، إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين ٤ ، إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الذّين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كلّ بنان ٥ .

ح ٣٩٢٨ ، و أحمد بأربع طرق في مسنده ٣ : ٢٩٥ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٣٩ ، و ابن سعد في الطبقات ١ ق ١ : ١٢٨ ، و غيرهم عن جابر بن عبد اللّه ، و في الباب عن علي و الصادق عليهما السلام و ابن هريرة و ابن عمر و أوس .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٤ ، ٢٩٥ .

( ٢ ) النساء : ٩٤ .

( ٣ ) التوبة : ٢٥ .

( ٤ ) الأنفال : ٩ .

( ٥ ) الأنفال : ١٢ .

٣٠٩

و في ( تفسير القمي ) : و جاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنّا جاركم ادفعوا إليّ رايتكم فدفعوها إليه ، و جاء بشياطينه يهوّل بهم على أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و يخيّل اليهم و يفزعهم ، و أقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية ، فنظر إليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : عضّوا أبصاركم و عضّوا على النواجذ ، و لا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم . ثمّ رفع يده إلى السّماء ، و قال : يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، و إن شئت أن لا تعبد لا تعبد ، ثمّ أصابه الغشي فسري عنه ، و يسلت العرق عن وجهه ، و يقول : هذا جبرئيل قد آتاكم في ألف من الملائكة مردفين . قال : فنظرنا فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قائل يقول : أقدم حيزوم أقدم حيزوم ، و سمعنا قعقعة السلاح من الجوّ و نظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع ، و رمى باللواء ، فأخذ منبه بن الحجّاج بمجامع ثوبه ، ثمّ قال : ويلك يا سراقة تفتّ في أعضاد الناس ، فركله إبليس ركلة في صدره ، و قال : إنّي أرى ما لا ترون ، إنّي أخاف اللّه و هو قول اللّه تعالى : و إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و إنّي جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إنّي بري‏ء منكم إنّي أرى ما لا ترون . . . ١ و أسر أبو بشر الأنصاري العبّاس بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب ، و جاء بهما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال له : هل أعانك عليهما أحد ؟ قال : نعم ، رجل عليه ثياب بيض . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ذاك من الملائكة ٢ .

و فيه أيضا : نزل قوله تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها . . . ٣ في قصّة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٤٨ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٦ .

( ٣ ) الاحزاب : ٩ .

٣١٠

الأحزاب من قريش و العرب الّذين تحزّبوا على النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى أن قال بعد ذكر هزيمة الأحزاب و بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذيفة لتجسّس أخبارهم ، قال حذيفة :

فمضيت و أنا انتفض من البرد ، فو اللّه ما كان إلاّ بقدر ما جزت الخندق ، حتّى كأنّي في حمّام ، فقصدت خباء عظيما ، فإذا نار تخبو و توقد ، و إذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار ، و هو ينتفض من شدّة البرد ، و يقول : يا معشر قريش إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد ، فلا طاقة لنا بأهل السماء ،

و إن كنّا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم إلى أن قال فلمّا دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله المدينة ، و اللواء معقود ، أراد أن يغتسل من الغبار ، فناداه جبرئيل : عذيرك من محارب ، و اللّه ما وضعت الملائكة لأمتها ، فكيف تضع لأمتك ؟ إنّ اللّه يأمرك ألاّ تصلّي العصر إلاّ ببني قريظة ، فإنّي متقدّمك و مزلزل بهم حصنهم ، إنّا كنّا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتّى بلغوا حمراء الأسد ١ .

و روى أبو الفرج في ( مقاتله ) بأسانيد عن جمع قالوا : خطب الحسن عليه السّلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ، و لا يدركه الآخرون بعمل ، و لقد كان يجاهد مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيقيه بنفسه ، و لقد كان يوجّهه برايته ، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، و ميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السّلام : « ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرين » الرواية المشهورة هكذا بالنصب ، و هو جائز على التشبيه بالنكرة ،

كقولهم : معضلة و لا أبا حسن و لها . و قال الراجز :

لا هيثم الليلة للمطيّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٧٦ .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي فرج الاصفهاني : ٣٢ .

٣١١

و قد روي بالرفع في الجميع ١ .

قلت : بل قوله عليه السلام « و لا مهاجرون و لا أنصار » بلا لام ، دون أن يقول : و لا المهاجرون و لا الأنصار ، دليل على إرادة العموم بجبرئيل و ميكائيل ، كقولهم :

و لا أبا حسن ، دون أن يقولوا : و لا أبا الحسن ، و لا فرق بين رواية الرفع و النصب في المعنى مع تكرار لا ، مع أنّ الرواية المشهورة الرفع ، كما في ( ابن ميثم ) ٢ الّذي نسخته بخطّ المصنّف ، و كذا ( ابن أبي الحديد ) ٣ نفسه في عنوانه على ما في نسخته .

« إلاّ المقارعة بالسيف » قال ابن أبي الحديد : المقارعة منصوبة على المصدر . و قال الراوندي : هي استثناء منقطع ٤ . و قال الخوئي : مراد ابن أبي الحديد أنّه خبر ، و أنّه نظير : ما زيد إلاّ سيرا ، و أصله : ما زيد إلاّ يسير سيرا ، و هنا الأصل : لا أنصار ينصرونكم إلاّ تقارعوا المقارعة بالسيف . و ما قاله يقتضيه النظر الدقيق ٥ .

قلت : بل الواضع الّذي لا غبار عليه هو قول الراوندي ، فانّ ( ينصرونكم ) هو الخبر ، فعنده يتمّ معنى الكلام ، يوضحه : إنّا نسقط الاستثناء و نقول : ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم ، و يكون كلاما تامّا ،

و إنّما توهّما كون ( ينصرونكم ) و صفا ، فوقعا في ما وقعا ، ثمّ لو كان نظير ( ما زيد إلاّ سيرا ) ما هذه اللازم في ( المقارعة ) ؟ و لم لم يقل ( إلاّ مقارعة ) ؟

و قال الخوئي : يروى برفع ( المقارعة ) و نصبها ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٤٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٥ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٢ و النقل بالمعنى .

( ٦ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٣ و النقل بالمعنى .

٣١٢

قلت : بل اتّفقوا على نصبها إمّا على المصدرية كما قال ابن أبي الحديد .

أو الاستثناء الانقطاعي كما قال الراوندي ، فانّه في غيره لغة تميم واجب النصب و لو في النفي .

« حتى يحكم اللّه بينكم » بالغلبة لأحد الفريقين .

« و إنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه » أي : عذابه ، و ضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ١ .

« و قوارعه » أي : شدائده على الناس بسبب أعمالهم ، قال تعالى : . . . و لا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحلّ قريبا من دارهم حتّى يأتي و عد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد ٢ .

« و أيّامه » قال تعالى : . . . و ذكرهم بأيّام اللّه . . . ٣ ، و في ( تفسير القمي ) :

أيّام اللّه ثلاثة : يوم القائم ، و يوم الموت ، و يوم القيامة ٤ .

« و وقائعه » أي : إيقاعاته بالمجرمين ، قال تعالى بعد ذكر قوم عاد و قوم ثمود و قارون و فرعون و هامان : فكّلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصّيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا و ما كان اللّه ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون ٥ .

« فلا تستبطئوا وعيده » أي : لا تعدّوا إخباره بانتقامه من المجرومين بطئيا .

« جهلا بأخذه » أي : لجهلكم بموقع أخذه ، قال تعالى : و لقد استهزئ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١١٢ .

( ٢ ) الرعد : ٣١ .

( ٣ ) ابراهيم : ٥ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٣٦٧ .

( ٥ ) العنكبوت : ٤٠ .

٣١٣

برسل من قبلك فأمليت للّذين كفروا ثمّ أخذتهم فكيف كان عقاب ١ .

« و تهاونا ببطشه » أي : سطوته ، قال تعالى : و لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضرّاء لعلّهم يتضرّعون فلو لا إذا جاءهم بأسنا تضرّعوا و لكن قست قلوبهم و زيّن له الشيطان ما كانوا يعملون ٢ .

« و يأسا من بأسه » و عقابه للمخالف ، قال تعالى : حتّى إذا استيأس الرّسل و ظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء و لا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ٣ .

« فانّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتراكهم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر » يعني عليه السلام : و الحكم في الباقية كالماضية ، قال الخوئي : قال الطبرسي في تفسير آية لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ٤ : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، و على لسان عيسى فصاروا خنازير ٥ .

قلت : روى ( الكافي و تفسير القمي و تفسير العياشي ) : أنّهم صاروا خنازير على لسان داود ، و القردة على لسان عيسى عليه السلام ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٣٢ .

( ٢ ) الأنعام : ٤٢ ٤٣ .

( ٣ ) يوسف : ١١٠ .

( ٤ ) المائدة : ٧٨ ٧٩ .

( ٥ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٦ ، و مجمع البيان للطبرسي ٣ : ٢٣١ .

( ٦ ) هذا المعنى أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٠٠ ح ٢٤٠ ، و العياشى في تفسيره ١ : ٣٣٥ ح ١٦٠ عن الصادق عليه السلام ، و أخرجه أبو عبيد و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن أبي مالك ، و عبد بن حميد و أبو الشيخ عن قتادة ، و ابن جرير عن مجاهد عنهم الدر المنثور ٢ : ٣٠١ ، و أخرجه بالعكس القمي في تفسيره ١ :

١٧٦ ، و الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٤ : ٥٤ ح ٧ ، و الظاهر ان الأخير خطأ كما يشهد له الاية ٦٥ من البقرة و الاية ١٦٦ من الأعراف .

٣١٤

و روى القمي عن مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ، و يعملون لهم و يجبون لهم و يوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ، و لكنهم من أولئك . ثمّ قرأ أبو عبد اللّه عليه السلام هذه الاية : لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم . . . و لكن كثيرا منهم فاسقون ١ .

« فلعن اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فلعن ) بدون لفظة الجلالة لتقدم ذكرها ، و لخلو ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ عنها .

« السفهاء لركوب المعاصي » في ( تفسير القمي ) : كانوا يأكلون لحم الخنزير ، و يشربون الخمر ، و يأتون النساء في أيام حيضهنّ ٣ .

« و الحلماء لترك التناهي » أي : ترك نهيهم للمرتكبين ، و ترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم و العدوان و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لو لا ينهاهم الربّانيون و الأحبار عن قولهم الا إثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ٤ .

« ألا و قد قطعتم قيد الاسلام و عطّلتم حدوده ، و أمتّم أحكامه » إنّ الاسلام قد قيّد الناس عن ارتكاب المنكرات ، و تناول الخبائث ، و حدث في ذلك حدودا ، و حكّم أحكاما ، فاذا لم يراعوا ذلك ، فقد قطعوا قيده و عطّلوا حدوده ، و أماتوا أحكامه ،

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : إنّ أبا بصير أعشى قيس أدرك الاسلام في آخر عمره ، و رحل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله في صلح الحديبية ، فسأله أبو سفيان عن وجهه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ١٧٦ ، و الايات ( ٧٨ ٨١ ) من سورة المائدة .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩١ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١٧٦ .

( ٤ ) المائدة : ٦٢ ٦٣ .

٣١٥

الذي يريد ، فقال : أردت محمّدا ، قال : إنّه يحرّم عليكم الخمر و الزنا و القمار . قال :

أمّا الزنا فقد تركني و لم أتركه ، و أمّا الخمر فقد قضيت منها و طرا و أمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا ، قال : فهل لك إلى خير ؟ قال : و ما هو ؟ قال : بيننا و بينه هدنة ، فترجع عامك هذا ، و تأخذ مائة ناقة حمراء ، فان ظفر بعد ذلك أتيته ، و إن ظفرنا كنت أصبت من رحلتك عوضا . فقال : لا أبالي . فأخذه أبو سفيان إلى منزله و جمع عليه أصحابه ، و قال : يا معاشر قريش هذا أعشى قيس ، و لئن و صل إلى محمّد ليضر منّ عليكم العرب قاطبة . فجمعوا مائة ناقة حمراء ،

فانصرف ، فلمّا صار بناحية اليمامة القاه بعير فقتله ١ .

هذا ، و قال الجوهري في قول الشاعر :

فليس كعهد الدار يا أمّ مالك

و لكن أحاطت بالرقاب السلاسل

أي : ليس الأمر كما عهدت ، و لكن جاء الاسلام فهدم ذلك ٢ .

٢٨

من الخطبة ( ٨٤ ) وَ عَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَ لَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ اَلَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ أَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ اَلْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ وَ نَوَاهِيَهُ وَ أَوَامِرَهُ وَ أَلْقَى إِلَيْكُمُ اَلْمَعْذِرَةَ وَ اِتَّخَذَ عَلَيْكُمُ اَلْحُجَّةَ وَ قَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٥٠ : ٢٨ وَ أَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ٣٤ : ٤٦ « و عمّر فيكم نبيّه أزمانا » قال المسعودي : بعث اللّه تعالى رسوله بعد بنيان الكعبة بخمس سنين ، و هو ابن أربعين سنة كاملة ، فأقام بمكّة ثلاث عشرة سنة ، و أخفى أمره ثلاث سنين ، و أنزل عليه بمكّة من القرآن اثنتين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٧٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٥١٣ مادة ( عهد ) .

٣١٦

و ثمانين سورة ، و نزل تمام بعضها بالمدينة ، و كان دخوله إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل ، فأقام بها عشر سنين كوامل ١ .

« حتى أكمل » عزّ و جلّ .

« له و لكم في ما أنزل من كتابه دينه » . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي . . . ٢ .

« الّذي رضي لنفسه » هكذا في النسخ ٣ ، و الظاهر أنّ الأصل : رضيه لكم نفسه ، فالأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى : . . . و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ٤ .

روى المصنّف في ( مناقبه ) عن محمّد بن إسحاق عن أبي جعفر عن جدّه عليه السلام قال : لمّا انصرف النبيّ صلى اللّه عليه و آله من حجّة الوداع نزل أرضا يقال لها :

ضجنان ، فنزلت : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللّه يعصمك من الناس . . . ٥ ، فلما نزلت : يعصمك من الناس نادى : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس إليه ، فقال : من أولى منكم بأنفسكم ؟ فضجّوا بأجمعهم : اللّه و رسوله . فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ،

و قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم و ال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ، فانّه منّي و أنا منه ، و هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي . و كان آخر فريضة فرضها اللّه تعالى على أمّة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٥ ٢٧٩ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المائدة : ٣ .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ١٥٠ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٢٢ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٨١ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) المائدة : ٦٧ .

٣١٧

محمّد صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ أنزل تعالى على نبيّه صلى اللّه عليه و آله : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ، فقبلوا من النبيّ صلى اللّه عليه و آله كلّ ما أمرهم من الفرائض في الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ ، و صدّقوه على ذلك . . . و في ذيله عدم تصديقهم له في فريضة الولاية الّتي هي أعظم الفرائض ،

و بها إكمال الدين ١ .

و في ( طرائف ابن طاووس ) قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين و ما أعطي أمير المؤمنين عليه السلام حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس يعني الغدير ٢ . إنّ هذا الضلال عن الحقّ المبين . . . فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنّى تصرفون كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا إنّهم لا يؤمنون ٣ .

و روى سعد بن عبد اللّه القمي بأسناده عن زيد الشحام قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده رجل من المغيريّة ، فسأله عن شي‏ء من السنن ، فقال :

ما من شي‏ء يحتاج إليه ابن آدم إلاّ و خرجت فيه السنّة من اللّه تعالى و من رسوله صلى اللّه عليه و آله ، و لو لا ذلك ما احتجّ الله علينا بما احتجّ . فقال المغيري : و بم احتجّ اللّه ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : بقوله : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ٤ حتّى تمّم الاية فلو لم يكمل سنّته و فرائضه ما احتجّ به ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن كتاب المناقب الفاخرة البحراني في البرهان ١ : ٤٣٦ ح ٨ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٦ ، و قول الشارح : طرائف ابن طاووس خطا .

( ٣ ) يونس : ٣٢ ٣٣ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) أخرجه سعد بن عبد اللّه في البصائر ، مختصره : ٦٦ ، و الصفار في البصائر : ٥٣٧ ح ٥٠ عن زيد الشحام ، و أخرجه بفرق في الذيل الكليني في الكافي ٣ : ٦٩ ح ٣ ، و البرقي في المحاسن : ٢٧٨ ح ٤٠٠ أيضا عن زيد الشحام ، و أمّا أصل كتاب بصائر الدرجات لسعد بن عبد اللّه فمفقود ، و يوجد اليوم مختصره فقط ، تأليف الحسن بن سليمان الحلي .

٣١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و أنهى » أي : أبلغ .

« إليكم على لسانه » أي : نبيّه صلى اللّه عليه و آله .

« محابّه » جمع محبوب ، أي : ما يحبّه .

« من الأعمال و مكارهه » جمع مكروه ، أي : ما يكرهه منها .

« و نواهيه » و زواجره .

« و أوامره » و واجباته ، روى ( إرشاد المفيد ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خرج في مرض وفاته معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين عليه السلام بيمنى يديه ، و على الفضل بن العبّاس باليد الاخرى حتّى صعد المنبر ، فجلس عليه ثمّ قال :

معاشر الناس قد حان منّي خفوق من بين أظهركم إلى أن قال ليس بين اللّه و بين أحد شي‏ء يعطيه به خيرا ، أو يصرف عنه به شرّا إلاّ العمل . أيّها الناس لا يدع مدّع ، و لا يتمنّ متمنّ ، و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا لا ينجي إلاّ عمل مع رحمة ،

و لو عصيت لهويت ، اللّهم هل بلّغت . . . ١ .

و روى ( طبقات ابن سعد ) عن أبي غادية قال : خطبنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوم العقبة فقال : يا أيّها الناس ألا إنّ دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم ، كحرمة يومكم هذا في شركم هذا في بلدكم هذا ، ألاهل بلّغت ؟ فقلنا :

نعم . فقال : اللّهمّ اشهد . ثم قال : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ٢ .

« فألقى » تعالى بعد أن عمّر نبيّه حتّى أكمل دينه ، و أنهى محابّه و كارهه على لسانه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٩٧ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٣ : ق ١ : ١٨٦ .

٣١٩

« إليكم المعذرة » فلا يمكنكم الاعتذار مع المخالفة بالجهالة .

« و اتّخذ عليكم الحجّة » قل فللّه الحجّة البالغة . . . ١ ، . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« و قدّم إليكم بالوعيد » الأصل فيه قوله تعالى : قال لا تختصموا لديّ و قد قدّمت إليكم بالوعيد ٣ .

« و أنذركم بين يدي » أي : قدام .

« عذاب شديد » تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم فافلون ٤ .

٢٩

الخطبة ( ٧٠ ) و من خطبة له عليه السلام علّم فيها النّاس الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اَللَّهُمَّ دَاحِيَ اَلْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ اَلْمَسْمُوكَاتِ وَ جَابِلَ اَلْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى ؟ مُحَمَّدٍ ؟ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ اَلْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَ اَلْفَاتِحِ لِمَا اِنْغَلَقَ وَ اَلْمُعْلِنِ اَلْحَقَّ بِالْحَقِّ وَ اَلدَّافِعِ جَيْشَاتِ اَلْأَبَاطِيلِ وَ اَلدَّامِغِ صَوْلاَتِ اَلْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَ لاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً عَلَى عَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ اَلْقَابِسِ وَ أَضَاءَ اَلطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَ هُدِيَتْ بِهِ اَلْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ اَلْفِتَنِ وَ اَلْآثَامِ وَ أَقَامَ مُوضِحَاتِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) ق : ٢٨ .

( ٤ ) يس : ٥ ٦ .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605