بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113555 / تحميل: 6106
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

اَلْأَعْلاَمِ وَ نَيِّرَاتِ اَلْأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ اَلْمَأْمُونُ وَ خَازِنُ عِلْمِكَ اَلْمَخْزُونِ وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ اَلدِّينِ وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَ رَسُولُكَ إِلَى اَلْخَلْقِ .

اَللَّهُمَّ اِفْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اَللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ اَلْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَ اِجْزِهِ مِنِ اِبْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ اَلشَّهَادَةِ وَ مَرْضِيَّ اَلْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطَّةٍ فَصْلٍ اَللَّهُمَّ اِجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ اَلْعَيْشِ وَ قَرَارِ اَلنِّعْمَةِ وَ مُنَى اَلشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اَللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ اَلدَّعَةِ وَ مُنْتَهَى اَلطُّمَأْنِينَةِ وَ تُحَفِ اَلْكَرَامَةِ . من الخطبة ( ١٠٤ ) منها في ذكر النبي صلى اللّه عليه و آله :

حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِسٍ وَ أَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ فَهُوَ أَمِينُكَ اَلْمَأْمُونُ وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ اَلدِّينِ وَ بَعِيثُكَ نِعْمَةً وَ رَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً .

اَللَّهُمَّ اِقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اَللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ اَلْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَ شَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ وَ آتِهِ اَلْوَسِيلَةَ وَ أَعْطِهِ اَلسَّنَاءَ وَ اَلْفَضِيلَةَ وَ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا وَ لاَ نَادِمِينَ وَ لاَ نَاكِبِينَ وَ لاَ نَاكِثِينَ وَ لاَ ضَالِّينَ وَ لاَ مُضِلِّينَ وَ لاَ مَفْتُونِينَ . قال الشريف : « و قد مضى هذا الكلام في ما تقدّم ، إلاّ أنّنا كرّرناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف » .

أقول : نقل الرواية الأولى كتاب ( تنبيه الكبري على أوهام القالي ) راويا له عن الحسن بن حصر عن أبيه عن بعض ولد عليّ عليه السلام عنه عليه السلام ١ ، و كتاب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) روى الخطبة أبو علي القالي نفسه بهذا الاسناد في ذيل الأمالي : ١٧٣ ، و الظاهر أنّ نسبته إلى البكري ناقد القالي سهو .

٣٢١

( غريب حديث ابن قتيبة ) نقله عنه ابن أبي الحديد في فصل غريب هذا الكتاب قائلا : إنّ سلامة الكندي قال : كان عليّ عليه السلام يعلّمنا الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ١ . و كتاب ( مناقب ابن الجوزي ) عن الحسن بن عرفة عن سعيد بن عمير عنه عليه السّلام كما نقل ( البحار ) عنه ٢ .

قول المصنّف في الاولى : « و من خطبة له عليه السلام علّم فيها الناس » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٣ ، و ليست كلمة « الناس » في ( ابن ميثم و الخطّية ) ٤ . و كيف كان ، فقد عرفت أنّ ( غريب ابن قتيبة ) نقل عن سلامة الكندي ، قال : كان علي عليه السلام يعلّمنا الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله هكذا .

« الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله » قد روي عن النبي نفسه تعليم الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله أيضا ، روى الخطيب في إسماعيل بن زكريا مسندا عنه من الأعمش و مسعر ابن كلام و مالك بن مغول ، كلّهم عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجر عن النبي صلى اللّه عليه و آله في الصلاة عليه : اللّهم صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم ، إنّك حميد مجيد . اللّهم بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ٥ .

و روى في يوسف بن نفس عن عليّ عليه السلام قال : قالوا : يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا : اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، و بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٦٤ شرح غريب ٩٠٠٠ .

( ٢ ) بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٧ ح ٥ ، و مناقب ابن الجوزي هذا ليس إلاّ تذكرة الخواص ، و الحديث يوجد بعينه في تذكرة الخواص : ١٢٧ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠ و شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٥ مثل المصرية أيضا .

( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠ و شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٥ مثل المصرية أيضا .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٦ : ٢١٦ ، و يأتي في العنوان ٣٠ من هذا الفصل تخريج حديث كعب بن عجرة من طرق اخرى .

٣٢٢

آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ١ .

و روى في الحسين بن نصر بأسناده عنه بأسناده عن بريدة الخزاعي ،

قال : قلنا : يا رسول اللّه قد علمنا كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال :

قولوا : اللّهم اجعل صلاتك و رحمتك على محمّد و آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ٢ .

و روى ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال : و من سرّ آل محمّد عليهم السلام في الصلاة على النبيّ و آله : اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد في الأوّلين ،

و صلّ على محمّد و آل محمّد في الاخرين ، و صلّ على محمّد و آل محمّد في الملأ الأعلى ، و صلّ على محمّد و آل محمّد في المرسلين . اللّهم اعط محمّدا الوسيلة و الشرف و الفضيلة ، و الدرجة الكبيرة . اللّهم إنّي آمنت بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و لم أره ٣ .

قوله عليه السلام : « اللّهم داحي المدحوات » مأخوذ من قوله تعالى : و الأرض بعد ذلك دحاها ٤ ، و في ( النهاية ) في حديث عليّ عليه السلام : اللّهم داحي المدحوّات .

المدحوات : الأرضون ، و روي : المدحيات . يقال : دحى يدحو و يدحي : أي بسط ، و وسّع . و الدحو : رمي اللاّعب بالجوز و الحجر و غيره ، و منه حديث ابن المسيب : سئل عن الدّحو بالحجارة ، فقال : لا بأس به . أي :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٤ : ٣٠٣ ، و صاحب مسند زيد فيه : ٤٢٩ أيضا ، و فرائد السمطين للجويني ١ : ٢٦ .

ح ٣ ، و ابن عدي و ابن مردويه عنهما الدر المنثور ٥ : ٢١٦ ، ٢١٧ ، و غيرهم عن عليّ عليه السلام .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٨ : ١٤٢ ، و أحمد أيضا في مسنده ٥ : ٣٥٣ ، و ابن منيع في مسنده عنه المطالب العالية ٣ : ٢٢٤ ح ٣٣٢٣ ، و عبد بن حميد و ابن مردويه عنهما الدر المنثور ٥ : ٢١٨ ، عن بريدة الخزاعي ، و في الباب عن أبي سعيد الخدري و أبي حميد الساعدي و أبي مسعود و غيرهم .

( ٣ ) ثواب الأعمال للصدوق : ١٨٧ ح ١ ضمن الحديث

( ٤ ) النازعات : ٣٠ .

٣٢٣

المراماة بها و المسابقة ١ .

و في ( الأساس ) خلق اللّه الأرض مجتمعة ، ثمّ دحاها ، أي : بسطها و مدّها و وسّعها كما يأخذ الخباز الفرزدقة فيدحوها . قال ابن الرومي :

يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر

ثم قال : و باضت النعامة في أدحيّها ، و هو مفرخها ، لأنها تدحوه أي :

تبسطه و توسعه ٢ .

« و داعم » أي : رافع .

« المسموكات » أي : المرتفعات ، و المراد بالمسموكات : السماوات ، كما أنّ المراد بالمدحوّات : الأرضون ، قال تعالى : أأنتم أشدّ خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسوّاها ٣ . و المراد بدعمها : رفعها بقوى هي كالعماد ، قال تعالى : . . . رفع السماوات بغير عمد ترونها . . . ٤ .

« و جابل » أي : خالق . « القلوب على فطرتها » أي : خلقتها .

« شقيّها و سعيدها » و نفس و ما سوّاها فألهمها فجورها و تقواها ٥ .

زاد الحسن بن عرفة في روايته على شقيّها و سعيدها : « و غويّها و رشيدها » ٦ .

« اجعل شرائف صلواتك » أي : عواليها .

« و نوامي بركاتك » أي : متزايداتها ، قال النابغة في المنذر بن المنذر بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ١٠٦ مادة ( دحو ) ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري ١٢٧ مادة ( دحو ) .

( ٣ ) النازعات : ٢٧ ٢٨ .

( ٤ ) الرعد : ٢ .

( ٥ ) الشمس : ٧ ٨ .

( ٦ ) انظر بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٧ ، و تذكرة الخواص : ١٢٧ .

٣٢٤

ماء السماء :

إلى صعب المقادة منذريّ

نماه في فروع المجد نام

١ « على محمّد عبدك » سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ٢ ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ٣ .

« و رسولك » و اللّه يعلم إنّك لرسوله ٤ .

« الخاتم لما سبق » من الأنبياء عليهم السلام .

« و الفاتح لما انغلق » من البلايا ، قال تعالى : و يحلّ لهم الطيّبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم ٥ .

« و المعلن الحقّ بالحقّ » زاد في رواية الحسن بن عرفة « الناطق بالصدق » ٦ .

« و الدافع جيشات الأباطيل » التي حصلت من الاجاهلية .

« و الدامغ » دمغ ، أي : شجّ حتّى بلغت الشجّة الدماغ .

« صولات الأضاليل » و في رواية ابن عرفة : « هيشات الأضاليل » ٧ . هاش هيشا ، أي : تحرّك و ماج ، و هو أقرب لفظا ، في الخبر : اختار اللّه تعالى من الأنبياء أربعة للسيف : إبراهيم ، و داود ، و موسى ، و محمّد عليهم السلام .

« كما حمّل » الرسالة .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة : ٤٧٤ مادة ( نما ) .

( ٢ ) الاسراء : ١ .

( ٣ ) النجم : ١٠ .

( ٤ ) المنافقون : ١ .

( ٥ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٦ ) انظر بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٧ ، و تذكرة الخواص : ١٢٧ .

( ٧ ) انظر بحار الأنوار ٧٧ : ٢٩٧ ، و تذكرة الخواص : ١٢٧ .

٣٢٥

« فاضطلع » أي : قوي على حمله .

« قائما بأمرك » و مجريا له .

« مستوفزا » قال الجوهري : الوفز : العجلة ، و استوفز في قعدته : إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن ١ .

« في مرضاتك » أي : رضاك .

« غير ناكل » أي : غير ممتنع .

« عن قدم » أي : إقدام ، قال الجوهري : مضى قدما ، بعضم الدّال : لم يعرّج ،

و لم ينثن ٢ .

« و لا واه » من : و هي السقاء إذا تخرّق و انشقّ .

« في عزم » و كيف يكون واهيا في عزم و هو أشرف أولي العزم من الرسل ، و طلب منه قريش أن يصرف عن عزمه ، و يملّكوه عليهم ، فقال : لو قدروا أن يجعلوا الشمس في يميني و القمر في يساري ما صرفت عن عزمي .

« واعيا » أي : مستمعا ، و الأصل في الوعي جعل الأذن كالوعاء للمسموع .

« لوحيك » عاملا به .

« حافظا على عهدك » لا كادم عليه السلام ، حيث قال تعالى فيه : و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما ٣ .

« ماضيا على نفاذ أمرك » حتّى قال : أوّل ربا أضعه من ربا الجاهلية ربا عمّي العباس ، و أوّل دم أبطله دم ابن عمّي ربيعة ٤ .

و لمّا استشفع قريش إليه في ترك قطع يد مخزومية سرقت بأسامة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٩٨ مادة ( و فز ) .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠٠٧ مادة ( قدم ) .

( ٣ ) طه : ١١٥ .

( ٤ ) هذه قطعة من خطبة النبي صلى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع ، مرّ تخريجه في العنوان ٢٥ من هذا الفصل .

٣٢٦

لكونه حبّه ، قال له : أتشفع في حدّ من حدود اللّه ؟ لا شفاعة في حدّ ١ .

قوله عليه السلام فيهما : « حتّى أورى » من : أوريت الزند : أخرجت ناره .

قوله في الأوّل : « قبس القابس » ، و في الثاني : « قبسا لقابس » في ( النّهاية ) :

القبس : الشعلة من النار ، و القابس : طالب النار ، و منه حديث عليّ عليه السلام : حتّى أورى قبسا لقابس . أي : أظهر نورا من الحقّ لطالبه ٢ .

قوله عليه السلام في الأوّل : « و أضاء الطريق للخابط » في ( النهاية ) : الخابط الّذي يمشي في الليل بلا مصباح فيتحيّر و يضلّ ، و ربما تردّي في بئر ، أو سقط على سبع ٣ .

و في الثاني : « و أنار علما لحابس » قال ابن أبي الحديد : يعني نصب النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمن قد حبس ناقته ضلالا ، فهو يخبط لا يدري كيف يهتدي المنهج علما يهتدي به ٤ .

قلت : لم يقل أحد : إنّ معنى الحابس ما قال ، و الصواب : أنّ الحابس بمعنى الراجل الّذي تخلّف عن الركب فتحيّر ، ففي ( النهاية ) في حديث الفتح : أنّه بعث أبا عبيدة على الحبس : هم الرجّالة ، سمّوا بذلك لتحبّسهم عن الركبان ،

و تأخّرهم ، واحدهم حبيس ، فعيل ، بمعنى مفعول ، أو بمعنى فاعل ، كأنّه يروى :

الحبّس ، بتشديد الباء و فتحها ، فان صحّت الرواية ، فلا يكون واحدها إلاّ حابسا كشاهد و شهّد ٥ .

و في الأوّل : « و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن » هكذا في ( المصرية ) .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه مسلم بثلاث طرق في صحيحه ٣ : ١٣١٥ ح ٨ ١٠ و غيره ، مرّ تخريجه في العنوان ٢ من هذا الفصل .

( ٢ ) النهاية لابن الأثير ٤ : ٤ مادة ( قبس ) ، و النقل بتقديم و تأخير .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ٨ مادة ( خبط ) ، و لكنّه قاله في تفسير كلمة ( خبّاط ) بصيغة المبالغة .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢٠ .

( ٥ ) النهاية لابن الأثير ١ : ٣٢٩ مادة ( حبس ) .

٣٢٧

و فيها سقط ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) : بعد خوضات الفتن و الاثام : « كانوا يئدون البنات ، و كان شغلهم المحاربات و النهبات و الزنا و القمار و شرب المسكرات » .

« و أقام موضحات الأعلام » في كتابة الّذي جاء به من عند اللّه .

« و نيّرات الأحكام » في ما أتى به من السن ، و في باب صيام ثلاثة أيّام ( المقنعة ) روى عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : عرضت عليّ أعمال أمّتي فوجدت في أكثرها خللا و نقصانا ، فجعلت في كلّ فريضة مثليها نافلة ، ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة ، لأنّ اللّه تعالى يستحيي أن يعمل له العبد ، فلا يقبل منه الثلث ، ففرض اللّه تعالى الصلاة في كلّ يوم و ليلة سبع عشرة ركعة ، و سنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أربعا و ثلاثين ركعة ، و فرض اللّه صيام شهر رمضان في كلّ سنة ،

و سنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله صيام ستّين يوما في السنة . . . ١ و مراده من صوم ستّين : صوم شعبان ، و صيام ثلاثة في كلّ عشرة أشهر أخرى .

قوله عليه السلام فيهما : « فهو أمينك المأمون » قال تعالى فيه : و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ٢ ، كان صلى اللّه عليه و آله مشتهرا بمحمّد الأمين ، و لمّا تشاحّت قريش في وضع الحجر عند بنائهم البيت ، و كان عبد الدار ، و عدي من قريش ملؤوا جفنة دما و أدخلوا أيديهم في ذلك الدم و تعاقدوا على الموت فسمّوا : لعقة الدم ، و مكثورا أربع ليال على ذلك في التصدّي لوضع الحجر ،

فأصلح بينهم أبو أمية بن المغيرة بحكميّة أوّل داخل ، فكان النبيّ أول داخل ، فلمّا رأوه قالوا : قد رضينا بك يا محمّد الأمين . فأمر بثوب فبسط ، و وضع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المقنعة للمفيد : ٥٩ .

( ٢ ) النجم : ٣ ٤ .

٣٢٨

الحجر ، ثمّ أمر كلّ فخذ أن يأخذ جانبا ، فرفعوه ، و أخذه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وضعه ١ .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « و خازن علمك المخزون » و عن الصادق عليه السّلام : من مخزون علم اللّه الاتمام في أربعة مواطن : حرم اللّه ، و حرم رسوله ، و حرم أمير المؤمنين عليه السلام ، و حرم الحسين بن علي عليه السلام ٢ .

قوله عليه السلام فيهما : « و شهيدك يوم الدين » أي : يوم القيامة و يوم نبعث في كلّ أمّة شهيدا ٣ ، و جئنا بك على هؤلاء شهيدا ٤ .

و في الأوّل : « و بعيثك بالحقّ » ، و في الثاني : « و بعيثك نعمة » قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى : و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ٥ برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنقذوا ٦ .

و في الأوّل : « و رسولك إلى الخلق » ، و في الثاني : « و رسولك بالحقّ رحمة » و ما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيرا و نذير ٧ . و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ٨ .

و في الأوّل : « اللّهم افسح » أي : أوسع .

« له مفسحا في ظلّك » و المراد من ظلّه : لطفه بعباده .

و في الثاني : « اللّهم اقسم له مقسما من عدلك » الّذي لا تضيع أجر عامل لك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ١ : ١٨٢ ، و الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٩٤ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٤١ و غيرهم .

( ٢ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٣٤٠ ح ١٤٠ ، و الاستبصار ٢ : ٣٣ ح ١ ، و الخصال للصدوق : ٢٥٢ ح ١٢٣ ، و كامل الزيارات لابن قولويه : ٢٤٩ ح ٤ ، ٥ بروايتين .

( ٣ ) النحل : ٨٤ .

( ٤ ) النساء : ٤١ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٦ ) تفسير العياشي ١ : ١٩٤ ح ١٢٤ ، ١٢٦ بطريقين .

( ٧ ) سبأ : ٢٨ .

( ٨ ) الأنبياء : ١٠٧ .

٣٢٩

و الضحى و الليل إذا سجى ما ودّعك ربّك و ما قلى و للآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربّك فترضى ١ .

و قوله عليه السّلام فيهما : « و اجزه مضاعفات الخير من فضلك » إنّا أعطيناك الكوثر . فصلّ لربّك و انحر . إنّ شانئك هو الأبتر ٢ .

فيهما : « اللّهمّ أعل على بناء البانين بناءه » هو الّذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون ٣ .

و روى عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّما مثلي و مثل الأنبياء قبلي كرجل بني دارا فأكملها و أحسنها إلاّ موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلون و يعجبون بها ،

و يقولون : هلاّ وضعت هذه اللبنة . فأنا اللبنة ، و أنا خاتم النبييّن ٤ .

في الأوّل : « و أكرم لديك منزلته » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( منزله ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٥ .

و في الثاني : « و أكرم لديك منزلته » قال الجوهري : النزل : ما يهيّأ للنزيل ٦ .

« و شرّف عندك منزلته » هكذا في ( المصرية ) ٧ ، و الصواب : ( منزله ) ،

و في الدعاء : « وابعثه المقام المحمود » ٨ ، و عنه صلى اللّه عليه و آله : لواء الحمد بيدي » ٩ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الضحى : ١ ٥ .

( ٢ ) الكوثر : ١ ٣ .

( ٣ ) الصف : ٩ .

( ٤ ) صحيح مسلم ٤ : ١٧٩٠ ح ٢٠ ٢٣ ، و سنن الترمذي ٥ : ٥٨٦ ح ٣٦١٣ ، و غيرهما .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١ و شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٦ « منزلته » أيضا .

( ٦ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٨٢٨ مادة ( نزل ) .

( ٧ ) و كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٩ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣ كما في المصرية .

( ٨ ) نقله في ضمن زيارة ابن طاووس في جمال الأسبوع : ٢٩ بلفظ : « و ابعثه مقاما محمودا » .

( ٩ ) أخرجه الفرات الكوفي في تفسيره : ٢٠٦ ، و الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٥٨٦ ح ٣٦١٣ ، و غيرهما كثيرا لكن في الباب أحاديث قول علي : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله صاحب لواء الحمد ، و حامله علي عليه السّلام . جمع بعض طرقه المجلسي في البحار ٨ : ١ الباب ١٨ .

٣٣٠

يعني : في القيامة .

و في الأوّل : « و أتمم له نوره » الأصل فيه قوله تعالى : يوم لا يخزي اللّه النبيّ و الّذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا و اغفر لنا إنّك على كلّ شي‏ء قدير ١ .

« و اجزه من ابتعاثك له » بالرسالة .

« مقبول الشهادة » أي : بجعله مقبول الشهادة .

« و مرضي المقالة » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( مرضيّ المقالة ) بدون واو ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ .

« ذا منطق عدل و خطّة فصل » عن غيره ، يقال : هذه خطّة بني فلان ، إذا كانت محدودة ، و المراد : اجعل له امتيازا عن باقي الأنبياء ، عن الكاظم عليه السّلام كان ليهودي دنانير على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فتقاضاه ، فقال له : ما عندي ما أعطيك . فقال :

إنّي لا أفارقك حتّى تقضيني . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إذن أجلس معك . فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر و العصر ، و المغرب و العشاء الآخرة ،

و الغداة ، و كان أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله يتهدّدونه و يتوعّدونه ، فنظر اليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : ما الّذي تصنعون به ؟ فقالوا : يهودي يحبسك . فقال :

لم يبعثني ربّي بأن أظلم معاهدا و لا غيره . فلمّا علا النهار ، قال اليهودي :

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و أنّك رسوله ، و شطر مالي في سبيل اللّه ، ما فعلت الّذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة ، فإنّي قرأت فيها : محمّد بن عبد اللّه مولده بمكّة ، و مهاجره بطيبة ، ليس بفظّ و لا غليظ ، و لا صخّاب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التحريم : ٨ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ١٩٦ يوجد الواو أيضا .

٣٣١

و لا متزيّن بالفحش و قول الخنا ١ .

« اللّهم اجمع بيننا و بينه » في الآخرة .

« في برد العيش و قرار النعمة » بلا زوال .

« و منى الشهوات » المنى : جمع المنية .

« و أهواء اللذّات » و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين . . . ٢ .

« و رخاء الدعة » أي : الراحة جنّات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير . و قالوا الحمد للّه الذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور . الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب و لا يمسّنا فيها لغوب ٣ .

« و منتهى الطّمأنينة » بلا اضطراب قلب ، كما يحصل للناس في هذا العالم .

« و تحف الكرامة » منه تعالى للمقرّبين منه ، و عن الرضا عليه السّلام عن آبائه :

قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام : إنّي سألت ربّي فيك خمس خصال فأعطاني ، أمّا أوّلهنّ : فسألت ربّي أن تنشقّ عني الأرض و أنفض التراب عن رأسي و أنت معي ، فأعطاني ، و أمّا الثانية : فسألت ربّي أن يوقفني عند كفّة الميزان و أنت معي ، فأعطاني ، و أمّا الثالثة : فسألت ربّي أن يجعلك حامل اللواء ، و هو لواء اللّه الأكبر ، تحته المفلحون الفائزون في الجنّة ، فأعطاني ، و أمّا الرابعة : فسألت ربّي أن تسقي أمّتي من حوضي ، فأعطاني ، و أمّا الخامسة : فسألت ربّي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنّة ، فأعطاني ٤ ربي ، و الحمد للّه الّذي منّ عليّ بذلك .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٣٧٦ ح ٦ المجلس ٧١ عن الكاظم عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الزخرف : ٧١ .

( ٣ ) فاطر : ٣٣ ٣٥ .

( ٤ ) أخرجه صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٤٨ ح ٣٣ ، و الصدوق بطريقين في الخصال : ٣١٤ ح ٩٣ ، ٩٤ ، و الخوارزمي في مناقبه : ٢٠٨ ، و الجويني في فرائط السمطين ١ : ١٠٥ ح ٧٥ ، و له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري .

٣٣٢

و رواه الخطيب في [ أحمد بن غالب ] مع اختلاف ، و في خبره : و أعطاني أنّك وليّ المؤمنين من بعدي ١ .

قول المصنّف في الثاني : « منها في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( ابن أبي الحديد ) ٢ ، و لكن في ( ابن ميثم ) ٣ : « الرسول صلى اللّه عليه و آله » .

و قوله عليه السّلام : « و آته » أي : أعطه .

« الوسيلة » و في خبر : الوسيلة : درجته صلى اللّه عليه و آله في الجنّة ، و هي ألف مرقاة ٤ . و يأتي آخر .

« و أعطه السّناء » أي : الضياء .

« و الفضيلة » و في خطبة الوسيلة من خطبه عليه السّلام في غير النهج : أيّها الناس إنّ اللّه جلّ و عزّ و عد نبيّه محمّدا صلى اللّه عليه و آله الوسيلة ، و وعده الحقّ و لن يخلف اللّه وعده ألا و إنّ الوسيلة على درج الجنّة ، و ذروة ذوائب الزلفة ، و نهاية غاية الأمنيّة ، لها ألف مرقاة ، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام ، و هو ما بين مرقاة درّة إلى مرقاة جوهرة إلى مرقاة زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة إلى مرقاة ياقوتة إلى مرقاة زمرّدة إلى مرقاة مرجانة إلى مرقاة كافور إلى مرقاة عنبر إلى مرقاة يلنجوج إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة غمام إلى مرقاة هواء إلى مرقاة نور ، قد أنافت على كلّ الجنان . . . ٥.

« و احشرنا في زمرته » و في خطبة الوسيلة بعد ما مرّة : و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٤ : ٣٣٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٩ .

( ٣ ) لفظ ابن ميثم في شرحه ٣ : ٣٣ « النبيّ صلى اللّه عليه و آله » أيضا .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ٣٢٤ ، و البصائر للصفار : ٤٣٦ ح ١١ ، و معاني الأخبار للصفار : ١١٦ ح ١ ، و أماليه : ١٠٢ ح ٤ المجلس ٢٤ في صدر الحديث .

( ٥ ) نقله ضمن خطبة الوسيلة الكليني في الكافي ٨ : ٢٤ ، و لكن لا يوجد في رواية تحف العقول المختصرة فيه : ٩٩ .

٣٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

يومئذ قاعد عليها مرتد بريطتين : ريطة من رحمة اللّه ، و ريطة من نور اللّه ، عليه تاج النبوّة ، و إكليل الرسالة ، قد أشرق بنوره الموقف ، و أنا يومئذ على الدرجة الرفيعة ، و هي دون درجته ، و عليّ ريطتان : ريطة من أرجوان النور ، و ريطة من كافور ، و الرسل و الأنبياء قد وقفوا على المراقي ، و أعلام الأزمنة ، و حجج الدهور عن أيماننا ، و قد تجلّلهم حلل النور و الكرامة ، لا يرانا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل إلاّ بهت بأنوارنا ، و عجب من ضيائنا و جلالتنا ١ .

« غير خزايا » أي : غير ذليلين موهونين .

« و لا نادمين » لوقوع تفريط منّا في الدّنيا .

« و لا ناكبين » أي : و لا عادلين عن الطريق .

« و لا ناكثين » أي : و لا ناقضين لعهده .

« و لا ضالّين » عن سبيله .

« و لا مضلّين » هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لخلوّ ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ٢ عنها .

« و لا مفتونين » في الدين .

« قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ، و الجملة زائدة ليست من النهج ،

لخلوّ ( الخطّيّة ) عنها ، و إنّما قال : ابن أبي الحديد ٣ عن نفسه في الشّرح : « قال الرّضي » ، كما عن ( ابن ميثم ) ٤ قال : « قال السيّد » .

« و قد مضى هذا الكلام في ما تقدّم » على ما عرفت من موضعه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله في ضمن خطبة الوسيلة الكليني في الكافي ٨ : ٢٥ ، لكن لم يوجد في رواية تحف العقول المختصرة فيه : ٩٩ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٩ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣ توجد العبارة أيضا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٩ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣ « قال الشريف » .

٣٣٤

« إلاّ أنّنا » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( إلاّ أنّا ) كما في الثلاثة ١ .

« كرّرناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف » قد عرفت مجتمعهما و مختلفهما .

هذا ، و له عليه السّلام دعاء آخر في الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله نقله البحراني في ( الصحيفة العلوية ) ، و هو : الحمد للّه ربّ العالمين ، و صلّى اللّه على طيّب المرسلين محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب ، المنتجب الفاتق الراتق .

اللّهم فخصّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله بالذكر المحمود ، و المنهل المشهود ،

و الحوض المورود .

اللّهم فآت محمّدا صلى اللّه عليه و آله الوسيلة و الرفعة و الفضيلة ، و في المصطفين محبّته ، و في العليين درجته ، و في المقرّبين كرامته .

اللّهم أعط محمّدا صلواتك عليه و آله من كلّ كرامة أفضل تلك الكرامة ،

و من كلّ نعيم أوسع ذلك النعيم ، و من كلّ عطاء أجزل ذلك العطاء ، و من كلّ يسر أنصر ذلك اليسر ، و من كلّ قسم أو فر ذلك القسم ، حتّى لا يكون أحد من خلقك أقرب منه مجلسا ، و لا أرفع منه عندك ذكرا و منزلة ، و لا أعظم عليك حقّا ،

و لا أقرب وسيلة من محمّد صلواتك عليه و آله ، إمام الخير و قائده و الداعي إليه ، و البركة على جميع العباد و البلاد ، و رحمة للعالمين .

اللّهم اجمع بيننا و بين محمّد و آل محمّد صلواتك عليه و آله في برد العيش .

و برد الروح ، و قرار النعمة ، و شهوة الأنفس ، و منى الشهوات ، و نعم اللّذات ، و رخاء الفضيلة ، و شهود الطمأنينة ، و سؤدد الكرامة ، و قوّة العين ،

و نضرة النعيم ، و تمام النعمة ، و بهجة لا تشبه بهجات الدّنيا ، نشهد أنّه قد بلّغ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢٠ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣ « أننّا » أيضا .

٣٣٥

الرسالة و أدّى الأمانة و النصيحة ، و اجتهد للأمّة و أوذي في جنبك ، و اجتهد و جاهد في سبيلك ، و عبدك حتّى أتاه اليقين ، فصلّى اللّه عليه و آله الطيّبين .

اللّهم ربّ البلد الحرام ، و ربّ الركن و المقام ، و ربّ المشعر الحرام ، و ربّ الحلّ و الحرام بلّغ روح محمّد صلى اللّه عليه و آله عنّا السّلام .

الّلهم صلّ على ملائكتك المقرّبين ، و على أنبيائك و رسلك أجمعين ،

و صلّ على الحفظة الكرام الكاتبين ، و على أهل طاعتك من أهل السماوات السبع ، و أهل الأرضين السبع من المؤمنين أجمعين ١ .

هذا ، و في ( المناقب ) عن كتاب ( سحر البلاغة ) في الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله :

صلّى اللّه على خير مبعوث ، و أفضل وارث و موروث ، و خير مولود دعا إلى خير معبود ، بشير الرحمة و الثواب ، و مدبّر السطوة و العقاب ، ناسخ كلّ ملّة مشروعة ، و فاسخ كلّ نحلة متبوعة ، حاد بأمّته عن الظلمات إلى النور ،

و أو في بهم إلى الظلّ بعد الحرور ، قد أفرد بالزعامة وحده ، و ختم بأن لا نبيّ بعده أرسله اللّه قمرا منيرا ، و قدرا مبيرا ٢ .

٣٠

الحكمة ( ٣٦١ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ اَلصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ ص ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اَللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَ يَمْنَعَ اَلْأُخْرَى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله البحراني السماهيجي في الصحيفة العلوية : ٩٥ ، الدعاء ١١ ، و أخرجه أيضا الطوسي في التهذيب ٣ : ٨٢ ح ١١ ، و رواه المجلسي عن مجلد عتيق في بحار الأنوار ٩٨ : ١٢٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٥٨ .

٣٣٦

« إذا كانت لك إلى اللّه سبحانه حاجة ، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( على النبي صلى اللّه عليه و آله ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ١ ، قال ابن أبي الحديد : هذا الكلام على حسب الظاهر الّذي يتعارفه الناس بينهم ، و هو عليه السّلام يسلك هذا المسلك كثيرا ، و يخاطب الناس على قدر عقولهم ، و أمّا باطن الأمر فانّ اللّه تعالى لا يصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لأجل دعائنا إيّاه أن يصلّي عليه ، لأنّ معنى قولنا : « اللّهم صلّ على محمّد » : أكرمه و ارفع درجته . و اللّه سبحانه قد قضى له بالإكرام التّام ، و رفعة الدرجة من دون دعائنا ، و إنّما تعبّدنا نحن بأن نصلّي عليه ، لأنّ لنا ثوابا في ذلك ، لا لأنّ إكرام اللّه تعالى له أمر يستعقبه و يستتبعه دعاؤنا ٢ .

قلت : فعلى ما ذكره يكون دعاؤنا للنبي صلى اللّه عليه و آله لغوا و عبثا ، من حيث الدعاء نظير أن نقول : اللّهم اجعله نبيّا . و حصول ثواب لنا لا يخرجه عن اللغوية في القول ، و ما ذكره من أنّه تعالى قضى له بالإكرام التام ، و رفعة الدرجة مسلّم ،

لكن فوق كلّ إكرام إكرام ، و كلّ درجة درجة .

و في دعاء عرفة للسجّاد عليه السّلام : ربّ صلّ على محمّد و آل محمّد المنتجب المصطفى ، المكرّم المقرّب أفضل صلواتك ، و بارك عليه أتمّ بركاتك ، و ترحّم عليه أمتع رحماتك .

ربّ صلّ على محمّد و آله صلاة زاكية لا تكون صلاة أزكى منها ، و صلّ عليه صلاة نامية لا تكون صلاة أنمى منها ، و صلّ عليه صلاة راضية لا تكون صلاة فوقها .

رب صلّ على محمّد و آله صلاة ترضيه ، و تزيد على رضاه ، و صلّ عليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤١٨ « رسوله » أيضا .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٢ .

٣٣٧

صلاة ترضيك و تزيد على رضاك له ، و صلّ عليه صلاة لا ترضى له إلاّ بها ،

و لا ترى غيره لها أهلا .

ربّ صلّ على محمّد و آله صلاة تجاوز رضوانك ، و يتّصل اتّصالها ببقائك ، و لا تنفد كما لا تنفد كلماتك .

ربّ صلّ على محمّد و آله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك و أنبيائك و رسلك و أهل طاعتك ، و تشتمل على صلوات عبادك ، من جنّك و إنسك و أهل إجابتك ، و تجتمع على صلوات كلّ من ذرأت و برأت من أصناف خلقك .

ربّ صلّ عليه و آله صلاة تحيط بكلّ صلاة سالفة و مستأنفة ، و صل عليه و على آله صلاة مرضيّة لك و لمن دونك ، و تنشي‏ء مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات عندها ، و تزيدها على كرور الأيّام زيادة في تضاعيف لا يعدّها غيرك ١ .

فيلزم على ما قال أن يكون كلّ ذلك ألفاظا لا معاني تحتها .

و تحقيق الجواب : أنّ كلّ شي‏ء وقع و يقع في العالم كان قدرا من اللّه تعالى ، و لكن مع سببه ، و صلواتنا و أدعيتنا من أسباب إكرام اللّه التامّ له صلى اللّه عليه و آله .

و يشهد لما قلنا قول السجّاد عليه السّلام في الصلاة عليه على ما في الصحيفة الثالثة : فارفعه بسلامنا إلى حيث قدّرت في سابق علمك أن تبلّغه إيّاه و بصلاتنا عليه ٢ .

و أمّا ما روى ( مصباح الشيخ ) في الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله بعد عصر يوم الجمعة : « اللّهم إنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله كما وصفته في كتابك حيث تقول : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصحيفة السجادية : ٢٥١ الدعاء ٤٧ .

( ٢ ) نقله عن الصحيفة الثالثة السيد الأمين من الصحيفة الخامسة : ٣٣ الدعاء ٦ .

٣٣٨

رحيم ١ فاشهد أنّه كذلك ، و أنّك لم تأمر بالصلاة عليه إلاّ بعد أن صلّيت عليه أنت و ملائكتك ، و أنزلت في محكم كتابك : إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٢ لا لحاجة إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلاتك عليه ، و لا إلى تزكيتهم إيّاه بعد تزكيتك ، بل الخلق جميعا هم المحتاجون إلى ذلك ، لأنّك جعلته بابك الّذي لا تقبل لمن أتاك إلاّ منه ،

و جعلت الصلاة عليه قربة منك و وسيلة إليك و زلفة عندك ، و دللت المؤمنين عليه ، و أمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا بها أثرة لديك و كرامة عليك ، و وكّلت بالمصلّين عليه ملائكتك يصلّون عليه ، و يبلّغونه صلاتهم و تسليمهم . . . » ٣ فلا ينافي ما قلنا ، فإنّه لا يدلّ على أكثر من أنّه إذا لم نصلّ عليه لم يضرّه ، لكفاية صلوات اللّه تعالى عليه برفع درجته ، و إنّما حرمنا نحن من أجر كثير .

ثمّ ظاهر الأخبار وجوب الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله عند ذكر اسمه أو سماعه كوجوبها في الصلاة ، فعن الصادق عليه السّلام : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ دخل النار ، فأبعده اللّه ٤ . و قال صلى اللّه عليه و آله : من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطى‏ء به طريق الجنّة ٥ .

و ورد في ثواب الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله شي‏ء كثير من العامّة ، و الخاصّة ،

روى الطبري في ( ذيله ) عن عمير الأنصاري ، قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من صلّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١٢٨ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٦ .

( ٣ ) مصباح المتهجد للطوسي : ٣٤٥ عن الصادق عليه السّلام .

( ٤ ) أخرجهما معا الكليني في الكافي ٢ : ٤٩٥ ح ١٩ ، و الصدوق في عقاب الأعمال : ٢٤٦ ح ١ ، و أخرج الأول مستقلا الكليني في الكافي ٤ : ٦٧ ح ٥ ، و الصدوق في الفقيه ٢ : ٥٩ ح ٢ ، و أماليه : ٥٦ ح ٢ المجلس ١٤ ، و الطوسي في التهذيب ٤ : ١٩٢ ح ٤ ، و الثاني مستقلا الكليني في الكافي ٢ : ٤٩٥ ح ٤٠ ، و ابن الأشعث في الأشعثيات : ٢١٥ ، و غيرهم .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٣٣٩

عليّ من أمّتي صلاة مخلصا بها من نفسه صلّى اللّه عليه بها عشر صلوات ،

و رفعه بها عشر درجات ، و كتب له بها عشر حسنات ، و محا عنه بها عشر سيّئات ١ .

و عنهم عليهم السّلام : ما في الميزان شي‏ء أثقل من الصلاة على محمّد و آل محمّد ، و إنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به ، فيخرج صلى اللّه عليه و آله الصلاة عليه ، فيضعها في ميزانه ، فيرجح به ٢ .

و الصلاة عليه صلى اللّه عليه و آله في الجمعة آكد ، و في ( سنن أبي داود ) عن أوس بن أوس عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ . فقالوا : يا رسول اللّه و كيف تعرض صلاتنا عليك ، و قد أرمت ( أي : بليت ) ؟ قال : إنّ اللّه حرّم على الأرض أجساد الأنبياء ٣ .

و يكفيه صلى اللّه عليه و آله جلالة قوله تعالى : إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٤ ، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ الآية نزلت في الصلاة عليّ بعد قبض اللّه لي ٥ .

و الصّلاة عليه صلى اللّه عليه و آله وردت في الكتاب و على آله وردت في السنّة .

روى البخاري في صحيحه مسندا عن كعب بن عجرة ، و عن أبي سعيد الخدري ، و عن غيرهما ، قالوا : قال النبي صلى اللّه عليه و آله : قولوا : اللّهم صلّ على محمّد ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٧٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٩٤ ح ١٥ ، عن الباقر أو الصادق عليهما السّلام .

( ٣ ) سنن أبي داود ٢ : ٨٨ ح ١٥٣١ ، و سنن النسائي ٣ : ٩١ ، و سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٥ ح ١٠٨٥ ، و سنن الدارمي ١ : ٣٦٩ ، و مسند أحمد ٤ : ٨ و غيرها .

( ٤ ) الأحزاب : ٥٦ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٥١ ح ٣٨ .

٣٤٠

و على آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ١ .

و روى الطبري مسندا في ( ذيله ) عن فاطمة الصغرى ، عن فاطمة الكبرى ، قالت : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله في دخول المسجد : بسم اللّه ، اللّهم صلّ على محمّد و آله ، و اغفرلي ذنوبي ، و افتح لي أبواب رحمتك . و إذا خرج قال : بسم اللّه ،

اللّهم اغفرلي ذنوبي ، و افتح لي أبواب فضلك ٢ .

و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن أم سلمة ، قالت : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لفاطمة : إبنتي بزوجك و ابنيك . فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا . قال : ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إن هولاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك و بركاتك على محمّد و على آل محمّد إنّك حميد مجيد ٣ .

و روى ابن عبد البر في ( استيعابه ) في زيد بن حارثة مسندا عن زيد قال :

قلت : يا رسول اللّه ، قد علمناك كيف السّلام عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ قال : صلّوا عليّ و قولوا : اللّهم بارك على محمّد و على آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٣ : ١٧٨ ، و ٤ : ١٠٦ ، عن كعب بن عجرة ، و أبي سعيد الخدري ، و أبي حميد الساعدي ، و اللفظ لحديث كعب الذي أخرجه أيضا مسلم بثلاث طرق في صحيحه ١ : ٣٠٥ ح ٦٦ ٦٨ ، و سنن الترمذي ٢ :

٣٥٢ ح ٤٨٣ ، و النسائي بثلاث طرق في سننه ٣ : ٤٧ ٤٨ ، و ابن ماجه في سننه ١ : ٢٩٣ ح ٩٠٤ ، و الدارمي في سننه ١ : ٣٠٩ ، و أحمد بأربع طرق في مسنده ٤ : ٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، و الصدوق في أماليه : ٣١٥ ح ٥ المجلس ١٦ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ٢ : ٤٣ المجلس ١٥ ، و جمع كثير آخر . و في الباب عن أربعة عشر من أصحاب النبي غير كعب ، مرّ تخريج بعض آخر من الطرق في العنوان ٢٩ من هذا الفصل .

( ٢ ) منتخب ذيل المذيل للطبري ١٠٩ .

( ٣ ) أخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٢٣ ، و ابن عساكر بأربع طرق في ترجمة الحسن عليه السّلام : ٦٥ و ٦٦ ح ١١٦ ١١٨ و ١٢٠ ، و في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٦٤ ح ٩٣ ، و الحسكاني بخمس طرق في شواهد التنزيل ٢ : ٧٦ ٧٨ و ح ٧٤٧ ، ٧٥٠ ، ٧٥٢ ، و الطبراني في معجمه عنه الدر المنثور ٥ : ١٩٨ و غيرهم ، و للحديث ذيل .

( ٤ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٥٥٦ .

٣٤١

و في ( تاريخ الطبري ) عن ليث المجاور بمكّة أربعين سنة ، عن بعض الحجبة قال : إنّ الرشيد لمّا حجّ دخل الكعبة ، و قام على أصابعه و قال : يا من يملك حوائج السائلين ، و يعلم ضمير الصامتين ، فإنّ لكلّ مسألة منك ردّا حاضرا ، وجوابا عتيدا ، و لكلّ صامت منك علم محيط ناطق بمواعيدك الصادقة ، و أياديك الفاضلة ، و رحمتك الواسعة ، صلّ على محمّد و على آل محمّد و اغفرلنا ذنوبنا . . . ١ .

و لا بدّ أنّه روي له ذلك .

هذا ، و فيه أيضا : و في سنة ( ١٨١ ) أحدث الرشيد عند نزوله الرّقة في صدور كتبه الصلاة على محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ٢ .

و في ( عيون ابن بابويه ) بعد نقل رواية عن أحمد بن الحسين الضبي :

و ما لقيت أنصب منه ، و بلغ من نصبه أنّه كان يقول : اللّهم صلّ على محمّد فردا . و يمتنع من الصلاة على آله ٣ .

قلت : الرجل كان كأعرابي ورد المدينة فعقل ناقته بفناء المسجد ، ثمّ دخل فصلّى مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثم قال : « اللّهم اغفر لي و لمحمّد حسب » ثمّ خرج فرجع ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم حاله حال ناقته .

و الرجل و إن كان ناصبيا ، و إلاّ أنّ أنصب منه ابن الزبير ، فكان لا يذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم رأسا بغضا لأهل بيته ، ففي ( المروج ) : أنّ ابن الزبير خطب أربعين يوما لا يصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قال : لا يمنعني أن أصلّي عليه إلاّ أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥٣٦ سنة ١٩٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٦ : ٤٧٠ سنة ١٨١ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٢٨٤ ح ٣ ، و نقل الصدوق عنه حديثا آخر أيضا في علل الشرائع : ١٣٤ ح ١ ، و قال فيه : « ما لقيت أنصب منه » .

٣٤٢

تشمخ رجال بآنافها ١ .

و مراده من الرجال أهل بيته .

و مثله أبو حنيفة ، ففي ( تاريخ بغداد ) قال ابن المبارك ما مجلس ما رأيت ذكر فيه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قطّ ، و لا يصلّى عليه ، إلاّ مجلس أبي حنيفة ٢ .

و من النّاصبة التي لا تصلّي على أهل البيت عليهم السلام : إبراهيم بن المهدي العباسي ، قال المسعودي في ( مروجه ) : كان المأمون يظهر التشيّع و ابن شكلة ( إبراهيم بن المهدي ) التسنّن ، فقال المأمون :

إذا المرجيّ سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليّ

و صلّ على النبيّ و آل بيته

فأجابه إبراهيم رادّا عليه :

إذا الشيعيّ جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبيّ و صاحبيه

وزيريه و جاريه برمسه

٣ قلت : أمّا الصلاة على أهل بيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فرواه المرجئة أنفسهم ، كما عرفت في أخبار عديدة ، و أمّا على صاحبي رمسه فلم يروه شيعي حتّى يعارض ، بل روت المرجئة أنفسهم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : لعن اللّه من تخلّف عن جيش أسامة ٤ ، و كانا في جيشه ، فكيف يصلّى على من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ؟

و أمّا التمسّك بكونهما صاحبي رمسه ، فنكتفي في جوابه بما قاله الخزاعي دعبل بن عليّ في كون الرشيد صاحب رمس أبي الحسن الرضا عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٧٩ .

( ٢ ) نقله الخطيب في تاريخ بغداد ١ ق ١٣ : ٤٠٤ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤١٧ .

( ٤ ) السقيفة للجوهري : ٧٥ .

٣٤٣

أربع بطوس على قبر الزّكيّ بها

إن كنت تربع من دين على وطر

ما ينفع الرجس من قرب الزّكيّ و لا

على الزّكيّ بقرب الرّجس من ضرر

هيهات كلّ امرى‏ء رهن بما كسبت

له يداه فخذ من ذاك أو فذر

قبران في طوس خير النّاس كلّهم

و قبر شرّهم هذا من العبر

ثمّ كونهما صاحبي رمس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، ككون الأوّل صاحب غاره ، عار و شنار عليهما ، ففي ( فصول علم الهدى ) : مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة ، و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه ،

فقال لصاحب كان معه : و اللّه لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة . فقال صاحبه : إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله و منزلته ، و ظهرت حجّته . فقال : مه ، هل رأيت حجّة كافر علت على مؤمن ؟ ثمّ دنا منه فسلّم عليه ، فردّ وردّ القوم بأجمعهم السلام .

فقال : يا أبا حنيفة ، رحمك اللّه ، إنّ لي أخا يقول : إنّ خير النّاس بعد النبيّ علي بن أبي طالب . و أنا أقول : إنّ أبا بكر خير الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و بعده عمر .

فما تقول أنت رحمك اللّه ؟ فأطرق مليّا ثم رفع رأسه ، فقال : كفى بمكانهما من رسول اللّه كرما و فخرا . أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره ؟ فأيّ حجّة أوضح لك من هذه ؟ فقال له فضال : إنّي قد قلت ذلك لأخي ، فقال : و اللّه لئن كان الموضع للنبيّ صلى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ ، و إن كان الموضع لهما فوهباه للنبيّ صلى اللّه عليه و آله لقد أساءا و ما أحسنا إليه ، إذا رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما . فأطرق أبو حنيفة ساعة ، ثم قال : قل له : لم يكن لهما و لا له خاصة ، و لكنّهما نظرا في حق عائشة و حفصة ، فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما . فقال له فضال : قد قلت له ذلك ( فقال لي : أما علمت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أعطى حقوق نسائه في حياته بأمر من اللّه سبحانه حيث يقول :

٣٤٤

يا أيّها النبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن . . . ١ ؟ فقال : نعم ،

و لكنّهما استحقا ذلك بميراث ابنتيهما من النبيّ صلى اللّه عليه و آله . فقال : قلت له ذلك ) ٢ فقال : أنت تعلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله مات عن تسع حشايا ، فإذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر . فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك ؟ و بعد فما بال عايشة و حفصة ترثان النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و فاطمة ابنته تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة : يا قوم نحّوه عنّي ، فإنّه و اللّه رافضي خبيث ٣ .

هذا ، و روى ( الكافي ) عن يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : إنّي رجل من بني الحارث بن كعب ، و قد هداني اللّه تعالى إلى محبّتكم و مودّتكم أهل البيت . فقال لي : و كيف ، فو اللّه إنّ محبّتنا في بني الحارث قليل ؟ قلت : إنّ لي غلاما خراسانيا و هو يعمل القصارة ، و له همشهريجون أربعة و هم يتداعون كلّ جمعة لتقع الدعوة على رجل منهم ، فيصيب غلامي كلّ خمس جمع جمعة ،

فيجعل لهم النبيذ و اللحم ، فإذا فرغوا من الطعام جاء بإجّانة فملأها نبيذا ، ثمّ جاء بمطهرة ، فاذا ناول إنسانا منهم قال : لا تشرب حتّى تصلّي على محمّد و آل محمّد ، فاهتديت إلى مودّتكم بهذا الغلام . فقال لي : استوص به خيرا ، و اقرئه منّي السلام ، و قل له : يقول لك جعفر بن محمّد : انظر شرابك هذا الّذي تشربه ،

فإن كان كثيره يسكر ، فلا تقربنّ قليله . قال : فأتيت الكوفة و أبلغته سلامه ،

فبكى ، ثمّ قال : اهتمّ بي جعفر بن محمّد عليه السّلام حتّى يقرئني السلام ؟ قلت : نعم ،

و قد قال : انظر شرابك هذا الّذي تشربه فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ،

و قد أوصاني بك ، فاذهب فأنت حرّ لوجه اللّه . فقال : و اللّه ما يدخل جوفي ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) ما كان بين القوسين لم يوجد في الفصول المختارة المطبوعة ، و لا في نقل المجلسي في بحار الأنوار ١٠ : ٢٣١ ح ٢ ،

عن هذا الكتاب ، و لا في رواية الكراجكي و الطبرسي ، لعل الشارح رواه عن نسخة خطيّة أو مرجع آخر بالواسطة .

( ٣ ) الفصول المختارة للمرتضى : ٤٤ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ١٣٥ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٨٢.

٣٤٥

بقيت في الدّنيا ١ .

هذا ، و عن ( تاريخ مدينة الدهلوي ) : من أسباب رؤية النبيّ صلى اللّه عليه و آله في المنام المداومة على قول : « اللّهم صلّ على محمّد و آله و سلّم كما تحبّ و ترضى » ٢ .

هذا ، و في ( الأدباء ) : خاصم أبو العيناء قلت : و كان شيعيّا يوما علويا ،

فقال له العلوي : تخاصمني ، و قد أمرت أن تقول : اللّهم صلّ على محمّد و على آل محمّد ؟ فقال : لكنّي أقول : الطيبين الطاهرين ، فتخرج أنت ٣ .

« ثم سلّ حاجتك » و ورد الختم أيضا بمسألة الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ففي ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : من كانت له إلى اللّه حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد و آله ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد و آل محمّد ، فإنّ اللّه تعالى أكرم من أن يقبل الطرفين ، و يدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمّد و آل محمّد لا تحجب عنه ٤ .

و لا تنافي بينهما ، فالزيادة في الآخر تجعل القبول أقرب .

بل ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم زيادة الوسط أيضا ، ففي ( الكافي ) أيضا :

عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : لا تجعلوني كقدح الراكب ، فإنّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء . اجعلوني في أوّل الدعاء ، و في آخره ، و في وسطه ٥ .

و رواه ( النهاية ) هكذا : « لا تجعلوني كغمر الراكب . صلّوا عليّ في أوّل الدعاء و أوسطه و آخره » . و قال : الغمر بضمّ الغين و فتح الميم : القدح الصغير .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤١١ ح ١٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) جاء قريب منه في ملحقات إحقاق الحق ٩ : ٦٣٣ ح ١٢ .

( ٣ ) معجم الأدباء للحموي ١٨ : ٢٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٩٤ ح ١٦ ، و قريبا منه رواه الراوندي في لب اللباب عنه المستدرك ١ : ٣٧١ ح ١١ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٩٢ ح ٥ .

٣٤٦

أراد أنّ الراكب يحمل رحله و أزواده على راحلته ، و يترك قعبه إلى آخر ترحاله ، ثمّ يعلّقه على رحله كالعلاوة ، فليس عنده بمهمّ ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الّذي لا يقدّم في المهامّ و يجعل تبعا ١ .

« فإن اللّه تعالى أكرم أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما و يمنع الأخرى » قد عرفت نظيره عن الصادق عليه السّلام ، و أنّه قال : إذا صلّى أوّلا و أخيرا فإنّ اللّه تعالى أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط ، إذ كانت الصلاة عليه عليه السّلام لا تحجب ٢ .

و قال ابن أبي الحديد كالمنكر للكلام : أيّ غضاضة على الكريم إذا سئل حاجتين فقضى إحداهما دون الأخرى ؟ إن كان عليه في ذلك غضاضة فعليه في ردّ الحاجة الواحدة غضاضة أيضا ٣ .

قلت : هذه أمور ذوقية و جدانية ، فالإنسان قد لا يدع الدنيّ أن يدخل بيته فضلا عن أن يكرمه ، أمّا لو أضاف شريفا و تنوق له أنواع الأطعمة ، و دخل الدنيّ تبعا لذاك السرّي يطعمه ممّا أطعمه ، و أنّ ردّ الحاجة كلّية لعدم لياقة في صاحبها لا غضاضة فيه ، و أمّا من قضى حاجة و لم يقض الأخرى مع تمكّنه ،

تذهب قضاء حاجته الأولى هدرا .

و في ( المروج ) في أحوال السفّاح : كان أبو العباس ( السفّاح ) إذا حضر طعامه أبسط ما يكون وجها ، فكان إبراهيم بن مخرمة الكندي إذا أراد أن يسأله حاجة أخّرها حتّى يحضر طعامه ثمّ يسأله ، فقال له يوما : يا إبراهيم ما دعاك أن تشغلني عن طعامي بحوائجك ؟ قال : يدعوني إلى ذلك التماس النجح

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٨٥ مادة ( غمر ) .

( ٢ ) هذا تلخيص حديث الكافي و الراوندي الذي مرّ آنفا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٣ .

٣٤٧

لما أسأل . قال أبو العباس : إنّك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة ١ .

هذا ، و في العنوان ( ١٤٤ ) من ( المستجاد ) : لقي أبو دلامة أبا دلف في مصادله و هو والي العراق ، فأخذ بعنان فرسه ، و أنشد :

إنّي حلفت لئن رأيتك سالما

بقرى العراق و أنت ذو وفر

لتصلينّ على النبيّ محمّد

و لتملأنّ دراهما حجري

فقال : أمّا الصلاة على النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله فصلّى اللّه عليه و سلّم ، و أمّا الدراهم فلا . قال له : جعلت فداك : لا تفرّق بينهما بالّذي أسأله أن لا يفرّق بينك و بين النبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال : فاستسلفها أبو دلف ، و صبّت في حجره حتّى أثقلته ٢ .

٣١

من الخطبة ( ١٩٢ ) و من خطبة له عليه السّلام يصف بها المنافقين :

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ اَلطَّاعَةِ وَ ذَادَ عَنْهُ مِنَ اَلْمَعْصِيَةِ وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ بِحَبْلِهِ اِعْتِصَاماً وَ نَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اَللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ اَلْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَيْهِ اَلْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ إِلَيْهِ اَلْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ لِمُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عُدْوَانَهَا مِنْ أَبْعَدِ اَلدَّارِ وَ أَسْحَقِ اَلْمَزَارِ « نحمده على ما وفّق له » الضمير راجع إلى ( ما ) .

« من الطاعة » ( من ) بيانية ل ( ما وفّق ) .

« و ذاد » أي : طرد و دفع .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٤ .

( ٢ ) المستجاد للتنوخي : ٢٣٥ .

٣٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« عنه » الضمير أيضا راجع إلى ( ما ) .

« من المعصية » و فعل الطاعة و ترك المعصية ، و إن كانا من العبد إلاّ أنّ التوفيق لهما منه تعالى ، فيجب حمده عليه ، و في ( توبة الكافي ) : عن أبي جعفر عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن ائت عبدي دانيال ، فقل له : إنّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك . فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك . فأتاه داود عليه السّلام فقال : يا دانيال إنّني رسول اللّه إليك ، و هو يقول لك : إنّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ،

و عصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك . فقال له دانيال : قد أبلغت يا نبيّ اللّه . فلمّا كان في السحر قام دانيال فناجي ربّه ، فقال : يا ربّ إنّ داود نبيّك أخبرني عنك أننّي قد عصيتك فغفرت لي ، و عصيتك فغفرت لي ،

و عصيتك فغفرت لي ، و أخبرني عنك إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزّتك لئن لم تعصمني لأعصينّك ثمّ لأعصينّك ثمّ لأعصينّك ١ .

« و نسأله لمنّته » علينا بالتوفيق و الذود .

« تماما » بادامتهما .

« و بحبله اعتصاما » أي : تمسكا كما أمرنا ، فقال عزّ و جلّ : و اعتصموا بحبل اللّه جميعا . . . ٢ .

« و نشهد أنّ محمّدا عبده » الّذي قبل عزّ اسمه عبودّيته .

« و رسوله » الّذي ارتضاه لخلقه .

« خاض » أي : ورد ، و الأصل فيه : الغمس .

« إلى » تحصيل .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٥ ح ١١ ، و الزهد للأهوازي : ٧٤ ح ٢٠٠ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

٣٤٩

« رضوان اللّه كلّ غمرة » أي : شدّة ، و الأصل فيها اللجّة ، ذكروا أنّ قريشا اجتمعت إلى أبي طالب و النبيّ صلى اللّه عليه و آله عنده ، فقالوا : نسألك من ابن أخيك النصف . قال : و ما النصف منه ؟ قالوا : يكفّ عنّا و نكفّ عنه ، فلا يكلّمنا و لا نكلّمه ، و لا يقاتلنا و لا نقاتله ، ألا إنّ هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ، و زرعت الشحناء ، و أنبتت البغضاء . فقال : يا ابن أخي أ سمعت ؟ قال : يا عمّ لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي و قبلوا نصيحتي ، إنّ اللّه تعالى أمرني أن أدعو إلى دين الحنيفية ملّة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند اللّه الرضوان و الخلود في الجنان ، و من عصاني قاتلته حتّى يحكم اللّه بيننا ، و هو خير الحاكمين . فقالوا :

قل له يكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا يذكرها بسوء . فنزل : قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد . . . ١ قالوا : إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منّا ، و من يكفر ؟ فان وجدناه صادقا آمنّا به فنزل : ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيّب و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب . . . ٢ . قالوا : و اللّه لنشتمنّك و إلهك . فنزل : و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا على آلهتكم . . . ٣ . قالوا : قل له : فليعبد ما نعبد ، و نعبد ما يعبد . فنزلت سورة الكافرين . فقالوا : قل له : أرسله اللّه إلينا خاصّة أم إلى الناس كافّة ؟ قال : بل إلى الناس أرسلت كافّة ، إلى الأبيض و الأسود ، و من على رؤوس الجبال ، و من في لجج البحار ، و لأدعونّ ألسنة فارس و الروم : . . . يا أيها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا . . . ٤ .

فتجبّرت قريش و استكبرت و قالت : و اللّه لو سمعت بهذا فارس و الرّوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٦٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٩ .

( ٣ ) ص : ٦ .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٨ .

٣٥٠

لاختطفتنا من أرضنا ، و لقلعت الكعبة حجرا حجرا . فنزل : و قالوا إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا . . . ١ ، و قوله : أ لم تر كيف فعل ربك . . . ٢ .

فقال مطعم بن عدي : و اللّه يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، و جهدوا على أن يتخلّصوا ممّا تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا . فقال أبو طالب :

و اللّه ما أنصفوني ، و لكنّك قد اجتمعت على خذلاني ، و مظاهرة القوم عليّ ،

فاصنع ما بدالك . فوثب كلّ قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذّبونهم ،

و يفتنونهم عن دينهم ، و الاستهزاء بالنبي صلى اللّه عليه و آله . و منع اللّه رسوله بعمّه أبي طالب منهم ، و قد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم ،

فدعاهم إلى ما هو عليه من منع النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و القيام دونه إلاّ أبا لهب ، كما قال اللّه : . . . و لينصرنّ اللّه من ينصره . . . ٣ . و قدم قوم من قريش من الطائف و أنكروا ذلك ، و وقعت فتنة فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ٤ .

« و تجرّع فيه » أي : في رضوانه تعالى .

« كلّ غصّة » عن الزهري : لما توفّي أبو طالب ، و اشتدّ على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم البلاء ، عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يأويه سادتها : عبد نائل ، و مسعود ،

و حبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، و تبعه سفهاؤهم بالأحجار ،

و دمّوا رجليه ، فخلص منهم . و استظل في ظلّة حبلة منه . و قال : اللّهم إنّي أشكو إليك من ضعف قوّتي ، و قلّة حيلتي و ناصري ، و هواني على الناس ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٥٧ .

( ٢ ) هذا صدر آيتين الأولى : ألم تركيف فعل ربك بعاد الفجر : ٦ ، و الثانية : ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل الفيل : ١ .

( ٣ ) الحج : ٤٠ .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥٩ .

٣٥١

يا أرحم الراحمين ١ .

و روى الطبري في ( ذيله ) عن منيب بن مدرك الأزدي ، عن أبيه ، عن جدّه قال : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الجاهلية ، و هو يقول للناس : « قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » فمنهم من تفل في وجهه ، و منهم من حثا عليه التراب ، و منهم من سبّه حتّى انتصف النهار ، فجاءت جارية بعسّ من ماء ، فغسل وجهه ، ثمّ قال : يا بنيّة ابشري و لا تحزني ، و لا تخشي على أبيك غلبة و لا ذلاّ . فقلت : من هذه ؟ فقالوا :

زينب ابنته ، و هي يومئذ وصيفة ٢ .

هذا ، و في ( الكافي ) عنهم عليهم السّلام : لمّا أمر اللّه تعالى رسوله صلى اللّه عليه و آله بإظهار الإسلام ، و ظهر الوحي رأى قلّة من المسلمين ، و كثرة من المشركين ، فاهتمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله همّا شديدا ، فبعث اللّه تعالى إليه جبرئيل عليه السّلام بسدر من سدرة المنتهى ، فغسل به رأسه ، فجلا به همّه ٣ .

« و قد تلوّن له الأدنون » و منهم أبو لهب عمّه ، و في ( نسب الزبيري ) عن طارق المحاربي : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سويقة ذي المجاز عليه حلّة حمراء ،

و هو يقول : يا أيّها الناس قولوا : « لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » ، و أبو لهب يتبعه ، و يرميه بالحجارة ، و قد أدمى كعبيه و عرقوبيه و هو يقول : أيّها الناس لا تطيعوه ، فإنّه كذّاب ٤ .

و عن أبي أيوب الأنصاري : وقف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بسوق ذي المجاز ، فدعاهم إلى اللّه تعالى ، و العبّاس قائم يستمع الكلام ، فقال : أشهد أنّك كذّاب . و مضى إلى أبي لهب ، و ذكر ذلك ، فأقبلا يناديان : إنّ ابن أخينا هذا كذّاب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٨ .

( ٢ ) منتخب ذيل المذيل : ٨٠ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٥٠٥ ح ٧ .

( ٤ ) لم أجده في نسب قريش لمصعب الزبيري .

٣٥٢

فلا يغرنّكم عن دينكم .

و ذكروا أنّه كان إذا قدم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و فد ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم ، و قالوا له : أخبر عن ابن أخيك . فكان يطعن في النبيّ صلى اللّه عليه و آله و يتقوّل الباطل ، و يقول : إنّا لم نزل نعالجه من الجنون . فيرجع القوم ، و لا يلقونه ١ .

و في ( العقد ) : قال معاوية يوما : أيّها الناس إنّ اللّه فضّل قريشا بثلاث ،

فقال لنبيّه عليه السّلام و أنذر عشيرتك الأقربين ٢ فنحن عشيرته ، و قال : و إنّه لذكر لك و لقومك . . . ٣ فنحن قومه ، و قال : لإيلاف قريش . . . و آمنهم من خوف ٤ ، و نحن قريش . فأجابه رجل من الأنصار فقال : على رسلك يا معاوية ، فانّ اللّه تعالى يقول : و كذّب به قومك . . . ٥ و أنتم قومه ، و قال :

و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون ٦ و أنت قومه ، و قال الرسول عليه السّلام : يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٧ و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة ، و لو زدتنا زدناك . فأفحمه ٨ .

و فيه : قال معاوية لرجل من اليمن : ما كان أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة . فقال : أجهل من قومي قومك الّذين قالوا حين دعاهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في نسب قريش لمصعب الزبيري .

( ٢ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٣ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٤ ) قريش : ١ ٤ .

( ٥ ) الأنعام : ٦٦ .

( ٦ ) الزخرف : ٥٧ .

( ٧ ) الفرقان : ٣٠ .

( ٨ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٩٧ .

٣٥٣

ائتنا بعذاب أليم ١ و لم يقولوا : اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فاهدنا إليه ٢ .

« و تألّب » أي : تجمّع .

« عليه الأقصون » أي : الأبعدون منه في النسب ، قالوا : نهى أبو جهل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الصلاة ، و قال : إن رأيت محمّدا يصلّي لأطأنّ عنقه ٣ . و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط ، و ألقى عمامته في عنقه ، و جرّه من المسجد ، فأخذوه من يده ٤ . و قالوا : لمّا نزلت تبّت يدا أبي لهب . . . ٥ جاءت أم جميل عمّة معاوية ( و هي حمّالة الحطب ) إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بيدها فهر ،

و لها ولولة ، و هي تقول :

مذمما أبينا

و دينه قلينا

و أمره عصينا

٦ و كان الحكم بن أبي العاص يمشي وراء النبي صلى اللّه عليه و آله يحكي مشيته ، فدعا النبيّ صلى اللّه عليه و آله عليه ، فبقي متخالج المنكبين ، و أخرجه إلى الطائف ٧ .

قال عبد الملك لثابت بن عبد اللّه بن الزبير : أبوك ما كان أعلم بك حيث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٩٧ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٩٧ ، و أخرجه عبد الرزاق ، و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عنهم الدرّ المنثور ٦ : ٣٠٢ .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٩٧ .

( ٥ ) المسد : ١ .

( ٦ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٧ .

( ٧ ) أما استهزاؤه و دعاء النبي صلى اللّه عليه و آله فرواه ابن عبد البر في الاستيعاب ١ : ٣١٧ ، و المفيد في الجمل : ٩٦ و ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٨١ ، و أما نفي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و إعادة عثمان فرواه المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٨٠ ، و المفيد في الجمل : ٩٧ ، و النووي في التهذيب ٢ : ٨٧ ق ١ ، و الأمران من مشهورات التاريخ .

٣٥٤

كان يشتمك . قال : إنّما كان يشتمني لأني كنت أنهاه أن يقاتل بأهل مكّة ، و أهل المدينة ، فإنّ اللّه لا ينصر بهما . أمّا أهل مكّة ، فأخرجوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخافوه ، ثمّ جاؤوا إلى المدينة حتّى سيّرهم . عرّض بجدّه الحكم .

« و خلعت إليه العرب أعنّتها » و المراد : إجماعهم علي حربه ، كقول الشماخ :

أتتني سليم قضّها بقضيضها

١ و في ( تفسير القمّي ) : أنّ قريشا تجمّعت في سنة خمس من الهجرة و ساروا في العرب ، و جلبوا و استفزّوهم لحرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فوافوا في عشرة آلاف ، و معهم كنانة و سليم و فزارة ، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم حين أجلى بني النضير ، و هم بطن من اليهود من المدينة ، و كان رئيسهم حيّ بن أخطب ، و هم يهود من بني هارون عليه السّلام ، فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر ، و خرج حيّ ابن أخطب ، و همّ إلى قريش بمكّة ، و قال لهم : إنّ محمّدا قد و تركم و وترنا ،

و أجلانا من المدينة من ديارنا و أموالنا ، و أجلى بني عمّنا بني قينقاع ، فسيروا في الأرض و اجمعوا حلفاءكم و غيرهم حتّى نسير إليهم ، فإنّه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل و هم بنو قريظة ، و بينهم و بين محمّد عهد و ميثاق ، و أنا أحملهم على نقض العهد بينهم و بين محمّد ، و يكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق ، و هم من أسفل . و كان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين ، و هو الموضع الّذي يسمّي بئر المطلّب ، فلم يزل يسير معهم حيّ بن أخطب في قبائل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش و كنانة ، و الأقرع بن حابس في قومه ، و عباس بن مرداس في بني سليم ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ٧ : ٢٢١ مادة ( قضض ) ، و صدره : تمسح حولي بالبقيع سبالها .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١٧٦ .

٣٥٥

و في ( إرشاد المفيد ) : خرجت قريش في الأحزاب ، و قائدها إذ ذاك أبو سفيان ، و خرجت غطفان ، و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، و الحرث بن عوف في بني مرة ، و وبرة بن طريف في قومه من أشجع ١ .

« و ضربت لمحاربته » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( إلى محاربته ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« بطون رواحلها » رواحل جمع راحلة : الناقة التي تصلح لأن ترحل ، و في الخبر : « تجدون الناس كابل مائة ليس فيها راحلة » ٣ . أي : الرجل الكامل في الناس قليل ، كقلّة الراحلة في الآبال . ( و ضرب بطون الرواحل إلى محاربته ) :

كناية أيضا كخلع الأعنّة عن الاتفاق على حربه صلى اللّه عليه و آله ، إلاّ أنّ الأعنّة للأفراس ،

و عرفت أنّ الرواحل النوق .

و قال جرير في هزيمة جيش إبرويز في ذي قار :

هو المشهد الفرد الّذي ما نجا به

لكسرى بن كسرى لا سنام و لا صلب

السنام كناية عن الآبال ، و الصلب عن الأفراس .

« حتّى أنزلت بساحته عدوانها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عداوتها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« من أبعد الدار و أسحق » أي : أطول .

« المزار » و لمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ضعف قلوب أصحابه في الأحزاب بعث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٥١ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٢٦ ، مثل المصرية .

( ٣ ) صحيح مسلم ٤ : ١٩٧٣ ح ٢٣٢ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٣٢١ ح ٣٩٩٠ ، و غيرهما ، لكن اللفظ لابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٠٩ مادة ( رحل ) .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٢٦ « عدوانها » أيضا .

٣٥٦

إلى عيينة و الحارث قائديّ غطفان : يرجعان بقومهما على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة ، و استشار سعد بن عبادة ، و سعد بن معاذ . فقالا : إن لم يكن ذاك عن وحي فلا نقبله . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : لم يأتني وحي في ذلك ، و لكنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، و جاؤوكم من كلّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم . فقالا : إنّنا لم نعط في الجاهليّة من ثمارنا أحدا ، فكيف في الإسلام ١ ؟

٣٢

الكتاب ( ٩ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية :

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اِجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا اَلْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا اَلْأَفَاعِيلَ وَ مَنَعُونَا اَلْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا اَلْخَوْفَ وَ اِضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ اَلْحَرْبِ فَعَزَمَ اَللَّهُ لَنَا عَلَى اَلذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ اَلرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ اَلْأَجْرَ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ اَلْأَصْلِ وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ ؟ قُرَيْشٍ ؟ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ اَلْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ وَ كَانَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟

إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ وَ أَحْجَمَ اَلنَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ اَلْأَسِنَّةِ وَ اَلسُّيُوفِ فَقُتِلَ ؟ عُبَيْدَةُ بْنُ اَلْحَارِثِ ؟ ؟ يَوْمَ بَدْرٍ ؟ وَ قُتِلَ ؟ حَمْزَةُ ؟ ؟ يَوْمَ أُحُدٍ ؟ وَ قُتِلَ ؟ جَعْفَرٌ ؟ ؟ يَوْمَ مُؤْتَةَ ؟ أقول : رواه نصر بن مزاحم ، مع زيادة و اختلاف ، ففي ( صفّينه ) : قال عليّ عليه السّلام : و لعمر اللّه إنّي لأرجو إذا أعطى اللّه الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ، و نصيحتهم للّه و رسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٣٣ و النقل بتصرف يسير .

٣٥٧

محمّدا صلى اللّه عليه و آله لمّا دعا إلى الايمان باللّه و التوحيد كنّا أهل البيت أوّل من آمن به ،

و صدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرّمة و ما يعبد اللّه في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا و اجتياح أصلنا ، و همّوا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، و أمسكوا عنّا العذب ، و أحلسونا الخوف ، و جعلوا علينا الارصاد و العيون ، و اضطرّونا إلى جبل و عر ، و أو قدوا لنا نار الحرب ، و كتبوا علينا بينهم كتابا : لا يؤاكلونا ، و لا يشاربونا ، و لا يناكحونا ، و لا يبايعونا ، و لا نأمن فيهم حتّى ندفع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيقتلوه ، و يمثّلوا به . فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم ، فعزم اللّه لنا على منعه ، و الذبّ عن حوزته ، و الرمي من وراء حرمته ، و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف ، بالليل و النهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، و كافرنا يحامي به عن الأصل ، فأمّا من أسلم من قريش بعد ، فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياؤ ، فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه ، فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة و أمن . فكان ذلك ما شاء اللّه أن يكون ، ثمّ أمر اللّه رسوله صلى اللّه عليه و آله بالهجرة ، و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمّر البأس ، و دعيت نزال أقام أهل بيته ، فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة و السيوف ، فقتل عبيدة يوم بدر ، و حمزة يوم أحد ، و جعفر و زيد يوم مؤتة . . . ١ قول المصنّف « و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية » أقول : جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه عليه السّلام مع أبي مسلم الخولاني ، و فيه : « إنّ اللّه اصطفى محمّدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه ، و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده اللّه بهم ، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام ، فكان أفضلهم في إسلامه و أنصحهم للّه و لرسوله الخليفة من بعده ، و خليفة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن مزاحم أيضا في ضمن كتاب له عليه السّلام إلى معاوية في وقعة صفين : ٨٩ .

٣٥٨

خليفته ، و الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلّهم حسدت ، و على كلّهم بغيت ،

عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفّسك الصعداء ، و في إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كلّ منهم ، كما يقال الفحل المخشوش حتّى تبايع ،

و أنت كاره . . . ١ .

قوله عليه السّلام : « فأراد قومنا » أي : قريش ، قال تعالى : و كذّب به قومك و هو الحقّ . . . ٢ .

معة « قتل نبيّنا » في ( السير ) : لمّا علمت قريش أنّ أبا طالب لا يخذل النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أنّه تجمع لعداوتهم مشوا عمارة بن الوليد إليه ، فقالوا : يا أبا طالب هذا فتى قريش ، و أجملهم فخذه ، فلك عقله و نصرته ، فاتّخذه ولدا ، و أسلم لنا ابن أخيك هذا الّذي سفّه أحلامنا ، و خالف دينك ، و دين آبائك ، و فرّق جماعة قومك نقتله ، فإنّما رجل برجل . فقال : و اللّه لبئس ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه ؟ هذا ، و اللّه لا يكون أبدا . أما تعلمون أنّ الناقة إذا فقدت ولدها لا تحنّ إلى غيره ، ثمّ نهرهم ، فاشتدّ عند ذلك الأمر و اشتدّت قريش على من في القبائل من الصحابة الّذين أسلموا ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ٣ .

و في ( المناقب ) : بعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّدا حتّى نقتله ،

و نملّك علينا . فأنشأ أبو طالب اللامية التي يقول فيها :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة لأرامل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٨٦ .

( ٢ ) الأنعام : ٦٦ .

( ٣ ) المناقب شهر آشوب ١ : ٦٠ ، و ابن هشام في السيرة ١ : ٢٤٠ ، و ابن سعد في الطبقات ١ : ق ١ : ١٣٤ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٧ و النقل بتصرف يسير .

٣٥٩

فلمّا سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه ١ .

« اجتياح » أي : استيصال .

« أصلنا » و المراد : جميعنا .

« و همّوا بنا الهموم » أي : أرادوا لنا إرادات .

« و فعلوا بنا الأفاعيل » العجيبة من قسوة البشر و طغيانه ، قال الشماخ :

إذا استهلاّ بشؤبوب فقد فعلت

بما أصابا من الأرض الأفاعيل

٢ و قالوا : الرشى تفعل الأفاعيل ، و تنسّي إبراهيم و إسماعيل .

« و منعونا العذب » أي : الماء الطيب .

« و أحلسونا الخوف » أي : جعلوا الخوف كحلس لنا ، و الحلس مسح يكون مبسوطا دائما ، و الحلس للبعير كساء رقيق تحت البرذعة ، و المراد : إخافتهم دائما .

« و اضطرّونا إلى جبل وعر » بالتسكين ، أي : الصعب .

« و أوقدوا لنا نار الحرب » لإهلاكنا ، روى السروي عن عكرمة ، و عروة بن الزبير ، قالا : رأت قريش أنّه صلى اللّه عليه و آله يفشو أمره في القبائل ، و أنّ حمزة أسلم ، و أنّ عمرو بن العاص ردّ في حاجته عند النجاشي ، فأجمعوا أمرهم و مكرهم على أن يقتلوا رسول اللّه علانية ، فلمّا رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب ،

و أجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله شعبهم . فاجتمع قريش في دار الندوة ، و كتبوا صحيفة على بني هاشم : ألاّ يكلّموهم و لا يزوّجوهم و لا يتزوّجوا إليهم و لا يبايعوهم ، أو يسلموا إليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و ختم عليها أربعون خاتما ، و علّقوها في جوف الكعبة و في رواية عند زمعة بن الأسود .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٥ .

( ٢ ) أساس البلاغة : ٣٤٤ مادة ( فعل ) .

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605