بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110303 / تحميل: 5676
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

و على آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ١ .

و روى الطبري مسندا في ( ذيله ) عن فاطمة الصغرى ، عن فاطمة الكبرى ، قالت : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله في دخول المسجد : بسم اللّه ، اللّهم صلّ على محمّد و آله ، و اغفرلي ذنوبي ، و افتح لي أبواب رحمتك . و إذا خرج قال : بسم اللّه ،

اللّهم اغفرلي ذنوبي ، و افتح لي أبواب فضلك ٢ .

و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن أم سلمة ، قالت : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لفاطمة : إبنتي بزوجك و ابنيك . فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا . قال : ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللّهم إن هولاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك و بركاتك على محمّد و على آل محمّد إنّك حميد مجيد ٣ .

و روى ابن عبد البر في ( استيعابه ) في زيد بن حارثة مسندا عن زيد قال :

قلت : يا رسول اللّه ، قد علمناك كيف السّلام عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ قال : صلّوا عليّ و قولوا : اللّهم بارك على محمّد و على آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٣ : ١٧٨ ، و ٤ : ١٠٦ ، عن كعب بن عجرة ، و أبي سعيد الخدري ، و أبي حميد الساعدي ، و اللفظ لحديث كعب الذي أخرجه أيضا مسلم بثلاث طرق في صحيحه ١ : ٣٠٥ ح ٦٦ ٦٨ ، و سنن الترمذي ٢ :

٣٥٢ ح ٤٨٣ ، و النسائي بثلاث طرق في سننه ٣ : ٤٧ ٤٨ ، و ابن ماجه في سننه ١ : ٢٩٣ ح ٩٠٤ ، و الدارمي في سننه ١ : ٣٠٩ ، و أحمد بأربع طرق في مسنده ٤ : ٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، و الصدوق في أماليه : ٣١٥ ح ٥ المجلس ١٦ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ٢ : ٤٣ المجلس ١٥ ، و جمع كثير آخر . و في الباب عن أربعة عشر من أصحاب النبي غير كعب ، مرّ تخريج بعض آخر من الطرق في العنوان ٢٩ من هذا الفصل .

( ٢ ) منتخب ذيل المذيل للطبري ١٠٩ .

( ٣ ) أخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٢٣ ، و ابن عساكر بأربع طرق في ترجمة الحسن عليه السّلام : ٦٥ و ٦٦ ح ١١٦ ١١٨ و ١٢٠ ، و في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٦٤ ح ٩٣ ، و الحسكاني بخمس طرق في شواهد التنزيل ٢ : ٧٦ ٧٨ و ح ٧٤٧ ، ٧٥٠ ، ٧٥٢ ، و الطبراني في معجمه عنه الدر المنثور ٥ : ١٩٨ و غيرهم ، و للحديث ذيل .

( ٤ ) الاستيعاب لابن عبد البر ١ : ٥٥٦ .

٣٤١

و في ( تاريخ الطبري ) عن ليث المجاور بمكّة أربعين سنة ، عن بعض الحجبة قال : إنّ الرشيد لمّا حجّ دخل الكعبة ، و قام على أصابعه و قال : يا من يملك حوائج السائلين ، و يعلم ضمير الصامتين ، فإنّ لكلّ مسألة منك ردّا حاضرا ، وجوابا عتيدا ، و لكلّ صامت منك علم محيط ناطق بمواعيدك الصادقة ، و أياديك الفاضلة ، و رحمتك الواسعة ، صلّ على محمّد و على آل محمّد و اغفرلنا ذنوبنا . . . ١ .

و لا بدّ أنّه روي له ذلك .

هذا ، و فيه أيضا : و في سنة ( ١٨١ ) أحدث الرشيد عند نزوله الرّقة في صدور كتبه الصلاة على محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ٢ .

و في ( عيون ابن بابويه ) بعد نقل رواية عن أحمد بن الحسين الضبي :

و ما لقيت أنصب منه ، و بلغ من نصبه أنّه كان يقول : اللّهم صلّ على محمّد فردا . و يمتنع من الصلاة على آله ٣ .

قلت : الرجل كان كأعرابي ورد المدينة فعقل ناقته بفناء المسجد ، ثمّ دخل فصلّى مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثم قال : « اللّهم اغفر لي و لمحمّد حسب » ثمّ خرج فرجع ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم حاله حال ناقته .

و الرجل و إن كان ناصبيا ، و إلاّ أنّ أنصب منه ابن الزبير ، فكان لا يذكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم رأسا بغضا لأهل بيته ، ففي ( المروج ) : أنّ ابن الزبير خطب أربعين يوما لا يصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قال : لا يمنعني أن أصلّي عليه إلاّ أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥٣٦ سنة ١٩٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٦ : ٤٧٠ سنة ١٨١ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٢٨٤ ح ٣ ، و نقل الصدوق عنه حديثا آخر أيضا في علل الشرائع : ١٣٤ ح ١ ، و قال فيه : « ما لقيت أنصب منه » .

٣٤٢

تشمخ رجال بآنافها ١ .

و مراده من الرجال أهل بيته .

و مثله أبو حنيفة ، ففي ( تاريخ بغداد ) قال ابن المبارك ما مجلس ما رأيت ذكر فيه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قطّ ، و لا يصلّى عليه ، إلاّ مجلس أبي حنيفة ٢ .

و من النّاصبة التي لا تصلّي على أهل البيت عليهم السلام : إبراهيم بن المهدي العباسي ، قال المسعودي في ( مروجه ) : كان المأمون يظهر التشيّع و ابن شكلة ( إبراهيم بن المهدي ) التسنّن ، فقال المأمون :

إذا المرجيّ سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليّ

و صلّ على النبيّ و آل بيته

فأجابه إبراهيم رادّا عليه :

إذا الشيعيّ جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبيّ و صاحبيه

وزيريه و جاريه برمسه

٣ قلت : أمّا الصلاة على أهل بيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فرواه المرجئة أنفسهم ، كما عرفت في أخبار عديدة ، و أمّا على صاحبي رمسه فلم يروه شيعي حتّى يعارض ، بل روت المرجئة أنفسهم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : لعن اللّه من تخلّف عن جيش أسامة ٤ ، و كانا في جيشه ، فكيف يصلّى على من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ؟

و أمّا التمسّك بكونهما صاحبي رمسه ، فنكتفي في جوابه بما قاله الخزاعي دعبل بن عليّ في كون الرشيد صاحب رمس أبي الحسن الرضا عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٧٩ .

( ٢ ) نقله الخطيب في تاريخ بغداد ١ ق ١٣ : ٤٠٤ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٤١٧ .

( ٤ ) السقيفة للجوهري : ٧٥ .

٣٤٣

أربع بطوس على قبر الزّكيّ بها

إن كنت تربع من دين على وطر

ما ينفع الرجس من قرب الزّكيّ و لا

على الزّكيّ بقرب الرّجس من ضرر

هيهات كلّ امرى‏ء رهن بما كسبت

له يداه فخذ من ذاك أو فذر

قبران في طوس خير النّاس كلّهم

و قبر شرّهم هذا من العبر

ثمّ كونهما صاحبي رمس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، ككون الأوّل صاحب غاره ، عار و شنار عليهما ، ففي ( فصول علم الهدى ) : مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة ، و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه ،

فقال لصاحب كان معه : و اللّه لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة . فقال صاحبه : إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله و منزلته ، و ظهرت حجّته . فقال : مه ، هل رأيت حجّة كافر علت على مؤمن ؟ ثمّ دنا منه فسلّم عليه ، فردّ وردّ القوم بأجمعهم السلام .

فقال : يا أبا حنيفة ، رحمك اللّه ، إنّ لي أخا يقول : إنّ خير النّاس بعد النبيّ علي بن أبي طالب . و أنا أقول : إنّ أبا بكر خير الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و بعده عمر .

فما تقول أنت رحمك اللّه ؟ فأطرق مليّا ثم رفع رأسه ، فقال : كفى بمكانهما من رسول اللّه كرما و فخرا . أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره ؟ فأيّ حجّة أوضح لك من هذه ؟ فقال له فضال : إنّي قد قلت ذلك لأخي ، فقال : و اللّه لئن كان الموضع للنبيّ صلى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ ، و إن كان الموضع لهما فوهباه للنبيّ صلى اللّه عليه و آله لقد أساءا و ما أحسنا إليه ، إذا رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما . فأطرق أبو حنيفة ساعة ، ثم قال : قل له : لم يكن لهما و لا له خاصة ، و لكنّهما نظرا في حق عائشة و حفصة ، فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما . فقال له فضال : قد قلت له ذلك ( فقال لي : أما علمت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أعطى حقوق نسائه في حياته بأمر من اللّه سبحانه حيث يقول :

٣٤٤

يا أيّها النبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن . . . ١ ؟ فقال : نعم ،

و لكنّهما استحقا ذلك بميراث ابنتيهما من النبيّ صلى اللّه عليه و آله . فقال : قلت له ذلك ) ٢ فقال : أنت تعلم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله مات عن تسع حشايا ، فإذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر . فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك ؟ و بعد فما بال عايشة و حفصة ترثان النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و فاطمة ابنته تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة : يا قوم نحّوه عنّي ، فإنّه و اللّه رافضي خبيث ٣ .

هذا ، و روى ( الكافي ) عن يزيد بن خليفة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : إنّي رجل من بني الحارث بن كعب ، و قد هداني اللّه تعالى إلى محبّتكم و مودّتكم أهل البيت . فقال لي : و كيف ، فو اللّه إنّ محبّتنا في بني الحارث قليل ؟ قلت : إنّ لي غلاما خراسانيا و هو يعمل القصارة ، و له همشهريجون أربعة و هم يتداعون كلّ جمعة لتقع الدعوة على رجل منهم ، فيصيب غلامي كلّ خمس جمع جمعة ،

فيجعل لهم النبيذ و اللحم ، فإذا فرغوا من الطعام جاء بإجّانة فملأها نبيذا ، ثمّ جاء بمطهرة ، فاذا ناول إنسانا منهم قال : لا تشرب حتّى تصلّي على محمّد و آل محمّد ، فاهتديت إلى مودّتكم بهذا الغلام . فقال لي : استوص به خيرا ، و اقرئه منّي السلام ، و قل له : يقول لك جعفر بن محمّد : انظر شرابك هذا الّذي تشربه ،

فإن كان كثيره يسكر ، فلا تقربنّ قليله . قال : فأتيت الكوفة و أبلغته سلامه ،

فبكى ، ثمّ قال : اهتمّ بي جعفر بن محمّد عليه السّلام حتّى يقرئني السلام ؟ قلت : نعم ،

و قد قال : انظر شرابك هذا الّذي تشربه فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ،

و قد أوصاني بك ، فاذهب فأنت حرّ لوجه اللّه . فقال : و اللّه ما يدخل جوفي ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) ما كان بين القوسين لم يوجد في الفصول المختارة المطبوعة ، و لا في نقل المجلسي في بحار الأنوار ١٠ : ٢٣١ ح ٢ ،

عن هذا الكتاب ، و لا في رواية الكراجكي و الطبرسي ، لعل الشارح رواه عن نسخة خطيّة أو مرجع آخر بالواسطة .

( ٣ ) الفصول المختارة للمرتضى : ٤٤ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ١٣٥ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٨٢.

٣٤٥

بقيت في الدّنيا ١ .

هذا ، و عن ( تاريخ مدينة الدهلوي ) : من أسباب رؤية النبيّ صلى اللّه عليه و آله في المنام المداومة على قول : « اللّهم صلّ على محمّد و آله و سلّم كما تحبّ و ترضى » ٢ .

هذا ، و في ( الأدباء ) : خاصم أبو العيناء قلت : و كان شيعيّا يوما علويا ،

فقال له العلوي : تخاصمني ، و قد أمرت أن تقول : اللّهم صلّ على محمّد و على آل محمّد ؟ فقال : لكنّي أقول : الطيبين الطاهرين ، فتخرج أنت ٣ .

« ثم سلّ حاجتك » و ورد الختم أيضا بمسألة الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ففي ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : من كانت له إلى اللّه حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد و آله ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد و آل محمّد ، فإنّ اللّه تعالى أكرم من أن يقبل الطرفين ، و يدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمّد و آل محمّد لا تحجب عنه ٤ .

و لا تنافي بينهما ، فالزيادة في الآخر تجعل القبول أقرب .

بل ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم زيادة الوسط أيضا ، ففي ( الكافي ) أيضا :

عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : لا تجعلوني كقدح الراكب ، فإنّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء . اجعلوني في أوّل الدعاء ، و في آخره ، و في وسطه ٥ .

و رواه ( النهاية ) هكذا : « لا تجعلوني كغمر الراكب . صلّوا عليّ في أوّل الدعاء و أوسطه و آخره » . و قال : الغمر بضمّ الغين و فتح الميم : القدح الصغير .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤١١ ح ١٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) جاء قريب منه في ملحقات إحقاق الحق ٩ : ٦٣٣ ح ١٢ .

( ٣ ) معجم الأدباء للحموي ١٨ : ٢٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٩٤ ح ١٦ ، و قريبا منه رواه الراوندي في لب اللباب عنه المستدرك ١ : ٣٧١ ح ١١ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٩٢ ح ٥ .

٣٤٦

أراد أنّ الراكب يحمل رحله و أزواده على راحلته ، و يترك قعبه إلى آخر ترحاله ، ثمّ يعلّقه على رحله كالعلاوة ، فليس عنده بمهمّ ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الّذي لا يقدّم في المهامّ و يجعل تبعا ١ .

« فإن اللّه تعالى أكرم أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما و يمنع الأخرى » قد عرفت نظيره عن الصادق عليه السّلام ، و أنّه قال : إذا صلّى أوّلا و أخيرا فإنّ اللّه تعالى أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط ، إذ كانت الصلاة عليه عليه السّلام لا تحجب ٢ .

و قال ابن أبي الحديد كالمنكر للكلام : أيّ غضاضة على الكريم إذا سئل حاجتين فقضى إحداهما دون الأخرى ؟ إن كان عليه في ذلك غضاضة فعليه في ردّ الحاجة الواحدة غضاضة أيضا ٣ .

قلت : هذه أمور ذوقية و جدانية ، فالإنسان قد لا يدع الدنيّ أن يدخل بيته فضلا عن أن يكرمه ، أمّا لو أضاف شريفا و تنوق له أنواع الأطعمة ، و دخل الدنيّ تبعا لذاك السرّي يطعمه ممّا أطعمه ، و أنّ ردّ الحاجة كلّية لعدم لياقة في صاحبها لا غضاضة فيه ، و أمّا من قضى حاجة و لم يقض الأخرى مع تمكّنه ،

تذهب قضاء حاجته الأولى هدرا .

و في ( المروج ) في أحوال السفّاح : كان أبو العباس ( السفّاح ) إذا حضر طعامه أبسط ما يكون وجها ، فكان إبراهيم بن مخرمة الكندي إذا أراد أن يسأله حاجة أخّرها حتّى يحضر طعامه ثمّ يسأله ، فقال له يوما : يا إبراهيم ما دعاك أن تشغلني عن طعامي بحوائجك ؟ قال : يدعوني إلى ذلك التماس النجح

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٨٥ مادة ( غمر ) .

( ٢ ) هذا تلخيص حديث الكافي و الراوندي الذي مرّ آنفا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٣ .

٣٤٧

لما أسأل . قال أبو العباس : إنّك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة ١ .

هذا ، و في العنوان ( ١٤٤ ) من ( المستجاد ) : لقي أبو دلامة أبا دلف في مصادله و هو والي العراق ، فأخذ بعنان فرسه ، و أنشد :

إنّي حلفت لئن رأيتك سالما

بقرى العراق و أنت ذو وفر

لتصلينّ على النبيّ محمّد

و لتملأنّ دراهما حجري

فقال : أمّا الصلاة على النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله فصلّى اللّه عليه و سلّم ، و أمّا الدراهم فلا . قال له : جعلت فداك : لا تفرّق بينهما بالّذي أسأله أن لا يفرّق بينك و بين النبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال : فاستسلفها أبو دلف ، و صبّت في حجره حتّى أثقلته ٢ .

٣١

من الخطبة ( ١٩٢ ) و من خطبة له عليه السّلام يصف بها المنافقين :

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ اَلطَّاعَةِ وَ ذَادَ عَنْهُ مِنَ اَلْمَعْصِيَةِ وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ بِحَبْلِهِ اِعْتِصَاماً وَ نَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اَللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ اَلْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَيْهِ اَلْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ إِلَيْهِ اَلْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ لِمُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عُدْوَانَهَا مِنْ أَبْعَدِ اَلدَّارِ وَ أَسْحَقِ اَلْمَزَارِ « نحمده على ما وفّق له » الضمير راجع إلى ( ما ) .

« من الطاعة » ( من ) بيانية ل ( ما وفّق ) .

« و ذاد » أي : طرد و دفع .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٤ .

( ٢ ) المستجاد للتنوخي : ٢٣٥ .

٣٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« عنه » الضمير أيضا راجع إلى ( ما ) .

« من المعصية » و فعل الطاعة و ترك المعصية ، و إن كانا من العبد إلاّ أنّ التوفيق لهما منه تعالى ، فيجب حمده عليه ، و في ( توبة الكافي ) : عن أبي جعفر عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن ائت عبدي دانيال ، فقل له : إنّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك . فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك . فأتاه داود عليه السّلام فقال : يا دانيال إنّني رسول اللّه إليك ، و هو يقول لك : إنّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ،

و عصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك . فقال له دانيال : قد أبلغت يا نبيّ اللّه . فلمّا كان في السحر قام دانيال فناجي ربّه ، فقال : يا ربّ إنّ داود نبيّك أخبرني عنك أننّي قد عصيتك فغفرت لي ، و عصيتك فغفرت لي ،

و عصيتك فغفرت لي ، و أخبرني عنك إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي ، فوعزّتك لئن لم تعصمني لأعصينّك ثمّ لأعصينّك ثمّ لأعصينّك ١ .

« و نسأله لمنّته » علينا بالتوفيق و الذود .

« تماما » بادامتهما .

« و بحبله اعتصاما » أي : تمسكا كما أمرنا ، فقال عزّ و جلّ : و اعتصموا بحبل اللّه جميعا . . . ٢ .

« و نشهد أنّ محمّدا عبده » الّذي قبل عزّ اسمه عبودّيته .

« و رسوله » الّذي ارتضاه لخلقه .

« خاض » أي : ورد ، و الأصل فيه : الغمس .

« إلى » تحصيل .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٥ ح ١١ ، و الزهد للأهوازي : ٧٤ ح ٢٠٠ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

٣٤٩

« رضوان اللّه كلّ غمرة » أي : شدّة ، و الأصل فيها اللجّة ، ذكروا أنّ قريشا اجتمعت إلى أبي طالب و النبيّ صلى اللّه عليه و آله عنده ، فقالوا : نسألك من ابن أخيك النصف . قال : و ما النصف منه ؟ قالوا : يكفّ عنّا و نكفّ عنه ، فلا يكلّمنا و لا نكلّمه ، و لا يقاتلنا و لا نقاتله ، ألا إنّ هذه الدعوة قد باعدت بين القلوب ، و زرعت الشحناء ، و أنبتت البغضاء . فقال : يا ابن أخي أ سمعت ؟ قال : يا عمّ لو أنصفني بنو عمي لأجابوا دعوتي و قبلوا نصيحتي ، إنّ اللّه تعالى أمرني أن أدعو إلى دين الحنيفية ملّة إبراهيم ، فمن أجابني فله عند اللّه الرضوان و الخلود في الجنان ، و من عصاني قاتلته حتّى يحكم اللّه بيننا ، و هو خير الحاكمين . فقالوا :

قل له يكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا يذكرها بسوء . فنزل : قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد . . . ١ قالوا : إن كان صادقا فليخبرنا من يؤمن منّا ، و من يكفر ؟ فان وجدناه صادقا آمنّا به فنزل : ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيّب و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب . . . ٢ . قالوا : و اللّه لنشتمنّك و إلهك . فنزل : و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا على آلهتكم . . . ٣ . قالوا : قل له : فليعبد ما نعبد ، و نعبد ما يعبد . فنزلت سورة الكافرين . فقالوا : قل له : أرسله اللّه إلينا خاصّة أم إلى الناس كافّة ؟ قال : بل إلى الناس أرسلت كافّة ، إلى الأبيض و الأسود ، و من على رؤوس الجبال ، و من في لجج البحار ، و لأدعونّ ألسنة فارس و الروم : . . . يا أيها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا . . . ٤ .

فتجبّرت قريش و استكبرت و قالت : و اللّه لو سمعت بهذا فارس و الرّوم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٦٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٩ .

( ٣ ) ص : ٦ .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٨ .

٣٥٠

لاختطفتنا من أرضنا ، و لقلعت الكعبة حجرا حجرا . فنزل : و قالوا إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا . . . ١ ، و قوله : أ لم تر كيف فعل ربك . . . ٢ .

فقال مطعم بن عدي : و اللّه يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، و جهدوا على أن يتخلّصوا ممّا تكرهه ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا . فقال أبو طالب :

و اللّه ما أنصفوني ، و لكنّك قد اجتمعت على خذلاني ، و مظاهرة القوم عليّ ،

فاصنع ما بدالك . فوثب كلّ قبيلة على ما فيها من المسلمين يعذّبونهم ،

و يفتنونهم عن دينهم ، و الاستهزاء بالنبي صلى اللّه عليه و آله . و منع اللّه رسوله بعمّه أبي طالب منهم ، و قد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم ،

فدعاهم إلى ما هو عليه من منع النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و القيام دونه إلاّ أبا لهب ، كما قال اللّه : . . . و لينصرنّ اللّه من ينصره . . . ٣ . و قدم قوم من قريش من الطائف و أنكروا ذلك ، و وقعت فتنة فأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ٤ .

« و تجرّع فيه » أي : في رضوانه تعالى .

« كلّ غصّة » عن الزهري : لما توفّي أبو طالب ، و اشتدّ على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم البلاء ، عمد إلى ثقيف بالطائف رجاء أن يأويه سادتها : عبد نائل ، و مسعود ،

و حبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي ، فلم يقبلوه ، و تبعه سفهاؤهم بالأحجار ،

و دمّوا رجليه ، فخلص منهم . و استظل في ظلّة حبلة منه . و قال : اللّهم إنّي أشكو إليك من ضعف قوّتي ، و قلّة حيلتي و ناصري ، و هواني على الناس ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٥٧ .

( ٢ ) هذا صدر آيتين الأولى : ألم تركيف فعل ربك بعاد الفجر : ٦ ، و الثانية : ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل الفيل : ١ .

( ٣ ) الحج : ٤٠ .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥٩ .

٣٥١

يا أرحم الراحمين ١ .

و روى الطبري في ( ذيله ) عن منيب بن مدرك الأزدي ، عن أبيه ، عن جدّه قال : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الجاهلية ، و هو يقول للناس : « قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » فمنهم من تفل في وجهه ، و منهم من حثا عليه التراب ، و منهم من سبّه حتّى انتصف النهار ، فجاءت جارية بعسّ من ماء ، فغسل وجهه ، ثمّ قال : يا بنيّة ابشري و لا تحزني ، و لا تخشي على أبيك غلبة و لا ذلاّ . فقلت : من هذه ؟ فقالوا :

زينب ابنته ، و هي يومئذ وصيفة ٢ .

هذا ، و في ( الكافي ) عنهم عليهم السّلام : لمّا أمر اللّه تعالى رسوله صلى اللّه عليه و آله بإظهار الإسلام ، و ظهر الوحي رأى قلّة من المسلمين ، و كثرة من المشركين ، فاهتمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله همّا شديدا ، فبعث اللّه تعالى إليه جبرئيل عليه السّلام بسدر من سدرة المنتهى ، فغسل به رأسه ، فجلا به همّه ٣ .

« و قد تلوّن له الأدنون » و منهم أبو لهب عمّه ، و في ( نسب الزبيري ) عن طارق المحاربي : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سويقة ذي المجاز عليه حلّة حمراء ،

و هو يقول : يا أيّها الناس قولوا : « لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » ، و أبو لهب يتبعه ، و يرميه بالحجارة ، و قد أدمى كعبيه و عرقوبيه و هو يقول : أيّها الناس لا تطيعوه ، فإنّه كذّاب ٤ .

و عن أبي أيوب الأنصاري : وقف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بسوق ذي المجاز ، فدعاهم إلى اللّه تعالى ، و العبّاس قائم يستمع الكلام ، فقال : أشهد أنّك كذّاب . و مضى إلى أبي لهب ، و ذكر ذلك ، فأقبلا يناديان : إنّ ابن أخينا هذا كذّاب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٨ .

( ٢ ) منتخب ذيل المذيل : ٨٠ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٥٠٥ ح ٧ .

( ٤ ) لم أجده في نسب قريش لمصعب الزبيري .

٣٥٢

فلا يغرنّكم عن دينكم .

و ذكروا أنّه كان إذا قدم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و فد ليعلموا علمه انطلقوا بأبي لهب إليهم ، و قالوا له : أخبر عن ابن أخيك . فكان يطعن في النبيّ صلى اللّه عليه و آله و يتقوّل الباطل ، و يقول : إنّا لم نزل نعالجه من الجنون . فيرجع القوم ، و لا يلقونه ١ .

و في ( العقد ) : قال معاوية يوما : أيّها الناس إنّ اللّه فضّل قريشا بثلاث ،

فقال لنبيّه عليه السّلام و أنذر عشيرتك الأقربين ٢ فنحن عشيرته ، و قال : و إنّه لذكر لك و لقومك . . . ٣ فنحن قومه ، و قال : لإيلاف قريش . . . و آمنهم من خوف ٤ ، و نحن قريش . فأجابه رجل من الأنصار فقال : على رسلك يا معاوية ، فانّ اللّه تعالى يقول : و كذّب به قومك . . . ٥ و أنتم قومه ، و قال :

و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون ٦ و أنت قومه ، و قال الرسول عليه السّلام : يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٧ و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة ، و لو زدتنا زدناك . فأفحمه ٨ .

و فيه : قال معاوية لرجل من اليمن : ما كان أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة . فقال : أجهل من قومي قومك الّذين قالوا حين دعاهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في نسب قريش لمصعب الزبيري .

( ٢ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٣ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٤ ) قريش : ١ ٤ .

( ٥ ) الأنعام : ٦٦ .

( ٦ ) الزخرف : ٥٧ .

( ٧ ) الفرقان : ٣٠ .

( ٨ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٩٧ .

٣٥٣

ائتنا بعذاب أليم ١ و لم يقولوا : اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فاهدنا إليه ٢ .

« و تألّب » أي : تجمّع .

« عليه الأقصون » أي : الأبعدون منه في النسب ، قالوا : نهى أبو جهل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الصلاة ، و قال : إن رأيت محمّدا يصلّي لأطأنّ عنقه ٣ . و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يطوف فشتمه عقبة بن أبي معيط ، و ألقى عمامته في عنقه ، و جرّه من المسجد ، فأخذوه من يده ٤ . و قالوا : لمّا نزلت تبّت يدا أبي لهب . . . ٥ جاءت أم جميل عمّة معاوية ( و هي حمّالة الحطب ) إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بيدها فهر ،

و لها ولولة ، و هي تقول :

مذمما أبينا

و دينه قلينا

و أمره عصينا

٦ و كان الحكم بن أبي العاص يمشي وراء النبي صلى اللّه عليه و آله يحكي مشيته ، فدعا النبيّ صلى اللّه عليه و آله عليه ، فبقي متخالج المنكبين ، و أخرجه إلى الطائف ٧ .

قال عبد الملك لثابت بن عبد اللّه بن الزبير : أبوك ما كان أعلم بك حيث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٤ : ٩٧ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٩٧ ، و أخرجه عبد الرزاق ، و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عنهم الدرّ المنثور ٦ : ٣٠٢ .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٩٧ .

( ٥ ) المسد : ١ .

( ٦ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٧ .

( ٧ ) أما استهزاؤه و دعاء النبي صلى اللّه عليه و آله فرواه ابن عبد البر في الاستيعاب ١ : ٣١٧ ، و المفيد في الجمل : ٩٦ و ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٨١ ، و أما نفي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و إعادة عثمان فرواه المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٨٠ ، و المفيد في الجمل : ٩٧ ، و النووي في التهذيب ٢ : ٨٧ ق ١ ، و الأمران من مشهورات التاريخ .

٣٥٤

كان يشتمك . قال : إنّما كان يشتمني لأني كنت أنهاه أن يقاتل بأهل مكّة ، و أهل المدينة ، فإنّ اللّه لا ينصر بهما . أمّا أهل مكّة ، فأخرجوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخافوه ، ثمّ جاؤوا إلى المدينة حتّى سيّرهم . عرّض بجدّه الحكم .

« و خلعت إليه العرب أعنّتها » و المراد : إجماعهم علي حربه ، كقول الشماخ :

أتتني سليم قضّها بقضيضها

١ و في ( تفسير القمّي ) : أنّ قريشا تجمّعت في سنة خمس من الهجرة و ساروا في العرب ، و جلبوا و استفزّوهم لحرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فوافوا في عشرة آلاف ، و معهم كنانة و سليم و فزارة ، و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم حين أجلى بني النضير ، و هم بطن من اليهود من المدينة ، و كان رئيسهم حيّ بن أخطب ، و هم يهود من بني هارون عليه السّلام ، فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر ، و خرج حيّ ابن أخطب ، و همّ إلى قريش بمكّة ، و قال لهم : إنّ محمّدا قد و تركم و وترنا ،

و أجلانا من المدينة من ديارنا و أموالنا ، و أجلى بني عمّنا بني قينقاع ، فسيروا في الأرض و اجمعوا حلفاءكم و غيرهم حتّى نسير إليهم ، فإنّه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل و هم بنو قريظة ، و بينهم و بين محمّد عهد و ميثاق ، و أنا أحملهم على نقض العهد بينهم و بين محمّد ، و يكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق ، و هم من أسفل . و كان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين ، و هو الموضع الّذي يسمّي بئر المطلّب ، فلم يزل يسير معهم حيّ بن أخطب في قبائل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش و كنانة ، و الأقرع بن حابس في قومه ، و عباس بن مرداس في بني سليم ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ٧ : ٢٢١ مادة ( قضض ) ، و صدره : تمسح حولي بالبقيع سبالها .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١٧٦ .

٣٥٥

و في ( إرشاد المفيد ) : خرجت قريش في الأحزاب ، و قائدها إذ ذاك أبو سفيان ، و خرجت غطفان ، و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، و الحرث بن عوف في بني مرة ، و وبرة بن طريف في قومه من أشجع ١ .

« و ضربت لمحاربته » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( إلى محاربته ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« بطون رواحلها » رواحل جمع راحلة : الناقة التي تصلح لأن ترحل ، و في الخبر : « تجدون الناس كابل مائة ليس فيها راحلة » ٣ . أي : الرجل الكامل في الناس قليل ، كقلّة الراحلة في الآبال . ( و ضرب بطون الرواحل إلى محاربته ) :

كناية أيضا كخلع الأعنّة عن الاتفاق على حربه صلى اللّه عليه و آله ، إلاّ أنّ الأعنّة للأفراس ،

و عرفت أنّ الرواحل النوق .

و قال جرير في هزيمة جيش إبرويز في ذي قار :

هو المشهد الفرد الّذي ما نجا به

لكسرى بن كسرى لا سنام و لا صلب

السنام كناية عن الآبال ، و الصلب عن الأفراس .

« حتّى أنزلت بساحته عدوانها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عداوتها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« من أبعد الدار و أسحق » أي : أطول .

« المزار » و لمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ضعف قلوب أصحابه في الأحزاب بعث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ٥١ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٢٦ ، مثل المصرية .

( ٣ ) صحيح مسلم ٤ : ١٩٧٣ ح ٢٣٢ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٣٢١ ح ٣٩٩٠ ، و غيرهما ، لكن اللفظ لابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٠٩ مادة ( رحل ) .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣٦ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٤٢٦ « عدوانها » أيضا .

٣٥٦

إلى عيينة و الحارث قائديّ غطفان : يرجعان بقومهما على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة ، و استشار سعد بن عبادة ، و سعد بن معاذ . فقالا : إن لم يكن ذاك عن وحي فلا نقبله . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : لم يأتني وحي في ذلك ، و لكنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، و جاؤوكم من كلّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم . فقالا : إنّنا لم نعط في الجاهليّة من ثمارنا أحدا ، فكيف في الإسلام ١ ؟

٣٢

الكتاب ( ٩ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية :

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اِجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا اَلْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا اَلْأَفَاعِيلَ وَ مَنَعُونَا اَلْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا اَلْخَوْفَ وَ اِضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ وَ أَوْقَدُوا لَنَا نَارَ اَلْحَرْبِ فَعَزَمَ اَللَّهُ لَنَا عَلَى اَلذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ اَلرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ اَلْأَجْرَ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ اَلْأَصْلِ وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ ؟ قُرَيْشٍ ؟ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ اَلْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ وَ كَانَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟

إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ وَ أَحْجَمَ اَلنَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ اَلْأَسِنَّةِ وَ اَلسُّيُوفِ فَقُتِلَ ؟ عُبَيْدَةُ بْنُ اَلْحَارِثِ ؟ ؟ يَوْمَ بَدْرٍ ؟ وَ قُتِلَ ؟ حَمْزَةُ ؟ ؟ يَوْمَ أُحُدٍ ؟ وَ قُتِلَ ؟ جَعْفَرٌ ؟ ؟ يَوْمَ مُؤْتَةَ ؟ أقول : رواه نصر بن مزاحم ، مع زيادة و اختلاف ، ففي ( صفّينه ) : قال عليّ عليه السّلام : و لعمر اللّه إنّي لأرجو إذا أعطى اللّه الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ، و نصيحتهم للّه و رسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٣٣ و النقل بتصرف يسير .

٣٥٧

محمّدا صلى اللّه عليه و آله لمّا دعا إلى الايمان باللّه و التوحيد كنّا أهل البيت أوّل من آمن به ،

و صدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرّمة و ما يعبد اللّه في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا و اجتياح أصلنا ، و همّوا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، و أمسكوا عنّا العذب ، و أحلسونا الخوف ، و جعلوا علينا الارصاد و العيون ، و اضطرّونا إلى جبل و عر ، و أو قدوا لنا نار الحرب ، و كتبوا علينا بينهم كتابا : لا يؤاكلونا ، و لا يشاربونا ، و لا يناكحونا ، و لا يبايعونا ، و لا نأمن فيهم حتّى ندفع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيقتلوه ، و يمثّلوا به . فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم ، فعزم اللّه لنا على منعه ، و الذبّ عن حوزته ، و الرمي من وراء حرمته ، و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف ، بالليل و النهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، و كافرنا يحامي به عن الأصل ، فأمّا من أسلم من قريش بعد ، فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياؤ ، فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه ، فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة و أمن . فكان ذلك ما شاء اللّه أن يكون ، ثمّ أمر اللّه رسوله صلى اللّه عليه و آله بالهجرة ، و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمّر البأس ، و دعيت نزال أقام أهل بيته ، فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة و السيوف ، فقتل عبيدة يوم بدر ، و حمزة يوم أحد ، و جعفر و زيد يوم مؤتة . . . ١ قول المصنّف « و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية » أقول : جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه عليه السّلام مع أبي مسلم الخولاني ، و فيه : « إنّ اللّه اصطفى محمّدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه ، و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده اللّه بهم ، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام ، فكان أفضلهم في إسلامه و أنصحهم للّه و لرسوله الخليفة من بعده ، و خليفة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن مزاحم أيضا في ضمن كتاب له عليه السّلام إلى معاوية في وقعة صفين : ٨٩ .

٣٥٨

خليفته ، و الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلّهم حسدت ، و على كلّهم بغيت ،

عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفّسك الصعداء ، و في إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كلّ منهم ، كما يقال الفحل المخشوش حتّى تبايع ،

و أنت كاره . . . ١ .

قوله عليه السّلام : « فأراد قومنا » أي : قريش ، قال تعالى : و كذّب به قومك و هو الحقّ . . . ٢ .

معة « قتل نبيّنا » في ( السير ) : لمّا علمت قريش أنّ أبا طالب لا يخذل النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أنّه تجمع لعداوتهم مشوا عمارة بن الوليد إليه ، فقالوا : يا أبا طالب هذا فتى قريش ، و أجملهم فخذه ، فلك عقله و نصرته ، فاتّخذه ولدا ، و أسلم لنا ابن أخيك هذا الّذي سفّه أحلامنا ، و خالف دينك ، و دين آبائك ، و فرّق جماعة قومك نقتله ، فإنّما رجل برجل . فقال : و اللّه لبئس ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه ؟ هذا ، و اللّه لا يكون أبدا . أما تعلمون أنّ الناقة إذا فقدت ولدها لا تحنّ إلى غيره ، ثمّ نهرهم ، فاشتدّ عند ذلك الأمر و اشتدّت قريش على من في القبائل من الصحابة الّذين أسلموا ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يعذّبونهم ٣ .

و في ( المناقب ) : بعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّدا حتّى نقتله ،

و نملّك علينا . فأنشأ أبو طالب اللامية التي يقول فيها :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة لأرامل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٨٦ .

( ٢ ) الأنعام : ٦٦ .

( ٣ ) المناقب شهر آشوب ١ : ٦٠ ، و ابن هشام في السيرة ١ : ٢٤٠ ، و ابن سعد في الطبقات ١ : ق ١ : ١٣٤ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٧ و النقل بتصرف يسير .

٣٥٩

فلمّا سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه ١ .

« اجتياح » أي : استيصال .

« أصلنا » و المراد : جميعنا .

« و همّوا بنا الهموم » أي : أرادوا لنا إرادات .

« و فعلوا بنا الأفاعيل » العجيبة من قسوة البشر و طغيانه ، قال الشماخ :

إذا استهلاّ بشؤبوب فقد فعلت

بما أصابا من الأرض الأفاعيل

٢ و قالوا : الرشى تفعل الأفاعيل ، و تنسّي إبراهيم و إسماعيل .

« و منعونا العذب » أي : الماء الطيب .

« و أحلسونا الخوف » أي : جعلوا الخوف كحلس لنا ، و الحلس مسح يكون مبسوطا دائما ، و الحلس للبعير كساء رقيق تحت البرذعة ، و المراد : إخافتهم دائما .

« و اضطرّونا إلى جبل وعر » بالتسكين ، أي : الصعب .

« و أوقدوا لنا نار الحرب » لإهلاكنا ، روى السروي عن عكرمة ، و عروة بن الزبير ، قالا : رأت قريش أنّه صلى اللّه عليه و آله يفشو أمره في القبائل ، و أنّ حمزة أسلم ، و أنّ عمرو بن العاص ردّ في حاجته عند النجاشي ، فأجمعوا أمرهم و مكرهم على أن يقتلوا رسول اللّه علانية ، فلمّا رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب ،

و أجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله شعبهم . فاجتمع قريش في دار الندوة ، و كتبوا صحيفة على بني هاشم : ألاّ يكلّموهم و لا يزوّجوهم و لا يتزوّجوا إليهم و لا يبايعوهم ، أو يسلموا إليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و ختم عليها أربعون خاتما ، و علّقوها في جوف الكعبة و في رواية عند زمعة بن الأسود .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٥ .

( ٢ ) أساس البلاغة : ٣٤٤ مادة ( فعل ) .

٣٦٠

فجمع أبو طالب بني هاشم و بني عبد المطّلب في شعبه ، و كانوا أربعين رجلا مؤمنهم و كافرهم ما خلا أبا لهب ، و أبا سفيان ( الهاشمي فكانا مع قريش ) ثمّ قال : و كان أبو جهل و العاص بن وائل ، و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات ، فمن رأوا معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، و يحذّرونه من النهب . فأنفقت خديجة عليهما السّلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه مالا كثيرا . ثمّ قال : و كانوا لا يأمنون إلاّ في موسم العمرة في رجب ، و موسم الحجّ في ذي الحجّة ، فيشترون و يبيعون فيهما . ثمّ قال : فكان أبو العاص بن الربيع ، و هو ختن النبي صلى اللّه عليه و آله يجي‏ء بالعير بالليل عليها البرّ و التمر ١ .

« فعزم اللّه لنا على الذبّ عن حوزته و الرمي من وراء حرمته » روى السروي عن مقاتل : لمّا رأت قريش يعلو أمره صلى اللّه عليه و آله قالوا : لا نرى محمّدا يزداد إلاّ كبرا و تكبّرا ، و إن هو إلاّ ساحر أو مجنون . و توعّدوه ، و تعاقدوا : لئن مات أبو طالب ليجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله ، و بلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم و أحلافهم من قريش ، فوصّاهم بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ ابن أخي كما يقول :

أخبرنا بذلك آباؤونا و علماؤنا أنّ محمّدا نبيّ صادق ، و أمين ناطق ، و أنّ شأنه أعظم شأن ، و مكانه من ربّه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، و اجتمعوا على نصرته ، و راموا عدوّه من وراء حوزته ، فإنّه الشرف الباقي لكم الدهر ٢ .

فمكثوا بذلك أربع سنين ، و قال ابن سيرين ثلاث سنين .

و في كتاب ( شرف المصطفى ) : فبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحستها ، فنزل جبرئيل عليه السّلام فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بذلك ، فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب ، فدخل أبو طالب على قريش في المسجد فعظّموه و قالوا : أردت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦٣ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦١ .

٣٦١

مواصلتنا ، و أن تسلم ابن أخيك إلينا ؟ قال : و اللّه ما جئت لهذا ، و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني : إنّ اللّه تعالى قد أخبره بحال صحيفتكم ، فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقّا فاتّقوا اللّه ، و ارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم ، و إن كان باطلا دفعته إليكم . فأتوا بها و فكّوا الخواتيم ، فإذا فيها ( باسمك اللّهم ) و اسم ( محمّد ) فقط . فقال لهم أبو طالب : اتّقوا اللّه و كفّوا عمّا أنتم عليه . فسكتوا و تفرّقوا . فنزل : ادع إلى سبيل ربّك . . . ١ . قال : كيف أدعوهم و قد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل : يمحو اللّه ما يشاء و يثبت . . . ٢ . فسأل النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب الخروج من الشعب ، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها ، و هم مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف الّذي أجار النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا انصرف من الطائف ، و زهير بن أميّة المخزومي ختن أبي طالب على ابنته عاتكة ، و هشام بن عمرو بن لؤي بن غالب و أبو البختري بن هاشم ، و زمعة بن الأسود بن المطلب ، و قال هؤلاء الخمسة : أخرقها اللّه ، و عزموا أن يقطعوا يمين كاتبها ، و هو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ،

فوجدوها شلاّ قد قطعها اللّه ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الدعوة ، و في ذلك يقول أبو طالب :

و قد كان من أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبّر غائب القوم يعجب

محا اللّه منها كفرهم و عقوقهم

و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب

و أصبح ما قالوا من الأمر باطلا

و من يختلق ما ليس بالحقّ يكذب

فأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا

على سخط من قومنا غير معتب

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٥ .

( ٢ ) الرعد : ٣٩ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٥ .

٣٦٢

« مؤمننا يبغي » أي : يطلب .

« بذلك » أي : الجدّ في حفظ النبيّ صلى اللّه عليه و آله .

« الأجر » من اللّه تعالى .

« و كافرنا » من بني هاشم ، حتّى مثل أبي لهب .

« يحامي » بدفاعه .

« عن الأصل » أي : عشيرته ، روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ، قال :

لمّا أرادت قريش قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله قالت : كيف لنا بأبي لهب . فقالت أمّ جميل : أنا أكفيكموه ، أنا أقول له : إنّي أحبّ أن تقعد اليوم في البيت نصطبح . فلمّا أن كان من الغد ، و تهيّأ المشركون للنبيّ صلى اللّه عليه و آله قعد أبو لهب و امرأته يشربان ، فدعا أبو طالب عليّا عليه السّلام فقال له : يا بنيّ اذهب إلى عمّك أبي لهب فاستفتح عليه ، فإن فتح لك فادخل ، و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه ، فاذا دخلت عليه فقل له : يقول لك أبي : إنّ امرأ عمّه عين في القوم ، فليس بذليل .

فدخل عليه ، و قال له ذلك ، فقال : صدق أبوك ، فماذا يابن أخي ؟ فقال : يقتل ابن أخيك ، و أنت تأكل و تشرب ؟ فوثب و أخذ سيفه ، فتعلّقت به أمّ جميل ، فرفع يده و لطم و جهها لطمة ففقأ عينها ، فماتت و هي عوراء ، و خرج أبو لهب و معه السيف ، فلمّا رأته قريش عرفت الغضب في وجهه ، فقالت : مالك يا أبا لهب ؟

فقال : أبايعكم على ابن أخي ، ثمّ تريدون قتله ؟ و اللات و العزّى لقد هممت أن أسلم ، ثمّ تنظرون ما أصنع . فاعتذروا إليه و رجع ١ .

و في ( كامل الجزري ) : عمد عقبة بن أبي معيط و كان من أشدّ الناس أذى للنبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى مكتل فجعل فيه عذرة و جعله على باب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فبصر به طليب بن عمير بن وهب بن عبد مناف بن قصي و أمّه أروى بنت عبد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٧٦ ح ٤١٨ و النقل بتلخيص .

٣٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

المطلب و أخذ المكتل منه و ضرب به رأسه ، و أخذ بأذنيه ، فشكاه عقبة إلى أمّه . فقال : قد صار ابنك ينصر محمّدا . فقالت : و من أولى به منّا ، أموالنا و أنفسنا دون محمّد ١ .

« و من أسلم من قريش خلو ممّا نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن » في ( الكامل ) : بلغ من بالحبشة من المسلمين أنّ قريشا أسلمت ، فعاد منهم قوم و تخلّف قوم ، فلمّا قربوا من مكّة بلغهم أنّ إسلام أهل مكّة باطل ، فلم يدخل أحد منهم إلاّ بجوار أو مستخفيا ، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أميّة فأمن بذلك ، و دخل أبو حذيفة بن عتبة ( بن ربيعة بن عبد شمس ) بجوار أبيه ٢ ، و كان الحصر في الشعب مختصا ببني هاشم و بني عبد المطلب .

« و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أحمرّ البأس » أي : اشتدّ القتال .

« و أحجم الناس » جعل الجوهري ( أجحم ) بتقديم الجيم ( و أحجم ) بتقديم الحاء بمعنى واحد ، أي : كفّ الناس ٣ .

« قدّم أهل بيته » في الحرب .

« فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة و السيوف » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( حرّ السيوف و الأسنّة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، و إنّما قدّمهم ليظهر على العالم أنّهم السّابقون في كلّ خير ، و قد تأدّب بذلك من اللّه تعالى حيث قال له أوّلا : و أنذر عشيرتك الأقربين ٥ ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٧٤ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٧ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٨٨٣ مادة ( حجم ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٠٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٣٥٩ مثل المصرية أيضا .

( ٥ ) الشعراء : ٢١٤ .

٣٦٤

فجمع بني عبد المطّلب و أنذرهم باللّه ، و أنّه أرسله إليهم ، و قال له ثانيا : و أمر أهلك بالصّلاة و اصطبر عليها . . . ١ فكان يجي‏ء كلّ يوم على باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام و يقول : الصّلاة أهل البيت إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ .

كما أنّه صلى اللّه عليه و آله أخّر المدّعين في قبال أهل بيته للأمر عن سائر أصحابه ليعلم الناس تأخّرهم .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كانت قريش يوم أحد في ثلاثة آلاف ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سبعمائة ، فظاهر يومئذ بين در عين ، و أخذ سيفا فهزّه ، و قال :

من يأخذه بحقّه ؟ فقال عمر : أنا . فأعرض عنه ، و قال الزبير : أنا فأعرض عنه ،

فوجدا في أنفسهما . فقام أبو دجانة فأعطاه إيّاه ٣ مع أنّه لم يكن من المدعين جدّ باقي أصحابه .

و في ( كامل الجزري ) و انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر و طلحة ( يوم أحد ) في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يحبسكم ؟ قالوا : قد قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا على ما مات عليه . ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل ، فوجد به سبعون ضربة و طعنة ، و ما عرفته إلاّ أخته ، عرفته بحسن بنانه ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١٣٢ .

( ٢ ) أمّا الأول فمن مسلمات التاريخ ، جمع كثيرا من طرقه السيوطي في الدر المنثور ٥ : ٩٥ ٩٨ ، و أمّا الثاني فأخرجه ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ٢٧٢ ح ٣٢٠ ، و تفسير القمي ٢ : ٦٧ ، و الحسكاني بثلاث طرق في شواهد التنزيل ١ : ٣٨١ ح ٥٢٦ ، و ٢ : ٢٨ ح ٦٦٧ ، ٦٦٨ ، و ابن مردويه و ابن النجار عنهما الدرّ المنثور ٤ : ٣١٣ و رواه الطبرسي بطرق في مجمع البيان ٧ : ٣٧ ، و غيرهم ، و الآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٩ .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

٣٦٥

و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين فيهم عثمان بن عفان و غيره إلى الأعوص ، فأقاموا به ثلاثا ، ثمّ أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال لهم حين رآهم : لقد ذهبتم فيها عريضة ١ .

هذا ، و نظير كلامه عليه السّلام في هذا الكتاب كتاب أنشأه المعتضد الخليفة العبّاسي في لعن معاوية رواه الطبري ، فقال : قال المعتضد في كتابه : إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا ابتعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بدينه ، و أمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله و عشيرته ، فدعاهم إلى ربّه و أنذرهم و بشّرهم و نصح لهم و أرشدهم ، فكان من استجاب له و صدّق قوله و اتّبع أمره نفر يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربّه و بين ناصر له ، و إن لم يتّبع دينه إعزازا له و إشفاقا عليه ،

لماضي علم اللّه فيمن اختار منهم ، و نفذت مشيئته فيما يستودعه إيّاه من خلافته و إرث نبيّه ، فمؤمنهم مجاهد بنصرته و حميّته يدفعون من نابذه ،

و ينهرون من عازّه و عانده ، و يتوثقون له ممّن كانفه و عاضده ، و يبايعون له من سمح بنصرته ، و يتجسّسون له أخبار أعدائه ، و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين ، حتّى بلغ المدى و حان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين اللّه و طاعته و تصديق رسوله ، و الايمان به بأثبت بصيرة ، و أحسن هدى و رغبة ، فجعلهم اللّه أهل بيت الرّحمة ، و أهل البيت الذين أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ٢ .

« فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر » إنّما عدّ صلى اللّه عليه و آله عبيدة في أهل بيت النبيّ مع كونه مطّلبيا فإنّه عبيدة بن الحارث بن المطلب ، و اجتماعه مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله في عبد مناف ، كبني عبد شمس ، لأنّ بني المطّلب كانوا مع بني هاشم متّفقين ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٨٤ سنة ٢٨٤ .

٣٦٦

كبني نوفل مع بني عبد شمس ، و لأنّ الأصل في النسبة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الايمان و العمل ، فصار سلمان بذلك مع عجمته من أهل بيته ١ ، و صار أبو لهب مع كونه لبابا في الهاشمية أجنبيا عنه صلى اللّه عليه و آله .

و اختلفت الإمامية في جواز إعطائهم الخمس ، فالمشهور بينهم المنع ،

و اختصاص الخمس بالهاشمي . و ذهب الإسكافي ، و المفيد في الغريّة إلى الجواز ، استنادا إلى ما روي عن الصادق عليه السّلام : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة » ٢ .

و اختلف في قاتل عبيدة ، فقال المفيد ٣ و الواقدي ٤ و البلاذري ٥ : قاتله شيبة . و قال ابن إسحاق ٦ ، و ابن قتيبة ٧ ، و عليّ بن إبراهيم القمي ٨ : قاتله عتبة . فروى المفيد مسندا عن أبي رافع ، قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش ، و أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد ، فنادى عتبة : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجة لنا إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا إشارة إلى حديث النبي صلى اللّه عليه و آله : « سلمان منّا أهل البيت » ، و أخرجه الحاكم في المستدرك و الطبراني في معجمه الكبير عنهما الجامع الصغير ٢ : ٣٣ و أبو يعلي في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٨٣ ح ٤٠٢٥ و الواقدي في المغازي ١ : ٤٤٦ ، و ابن سعد بطريقين في الطبقات ٤ : ق ١ : ٥٩ و ٧ : ق ٢ : ٦٥ ، و غيرهم ، و أما سياق فلان منّا أهل البيت فقد جاء في أفراد آخرين ، منهم : أبو ذر و المقداد و عمار و جابر بن عبد اللّه و غيرهم .

( ٢ ) الاستبصار للطوسي ٢ : ٣٦ ح ٦ ، و التهذيب ٤ : ٥٩ ح ٦ و نقل هذه الأقوال العلاّمة الحلّي في المختلف ١ : ٢٠٥ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ٤١ .

( ٤ ) المغازي للواقدي ١ : ٦٩ .

( ٥ ) أنساب الاشراف للبلاذري ١ : ٢٩٧ .

( ٦ ) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥١ ، و الظاهر انه نقل عن ابن اسحاق لكن لم يصرح به .

( ٧ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٧ .

( ٨ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ .

٣٦٧

مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم . ثمّ قال : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الّذي بعث اللّه به نبيّكم ، إذا جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه ١ . فقاموا فصفّوا للقوم ، و كان عليهم البيض فلم يعرفوا ، فقال لهم عتبة : تكلّموا ، فإن كنتم أكفاء قاتلناكم . فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلّب أسد اللّه ، و أسد رسوله . فقال عتبة : كفو كريم . و قال أمير المؤمنين : أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ،

و قال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب . فقال عتبة لابنه الوليد : قم .

فبرز إليه أمير المؤمنين و كانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّأ فأختلفا ضربتين ،

أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السّلام ، و اتّقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأبانتها فروي أنّه عليه السّلام كان يذكر بدرا و قتله الوليد ، فقال :

« كأنّي إلى وميض خاتمه في شماله ثمّ ضربته ضربة أخرى فصرعته ،

و سلبته ، فرأيت به درعا من خلوق ، فعلمت أنّه قريب عهد بعرس » ثم بارز عتبة حمزة فقتله حمزة ، و مشى عبيدة و كان أسنّ القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة ، فمات بالصفراء ، و في قتل عتبة و شيبة و الوليد تقول هند بنت عتبة :

أيا عين جودي بدمع سرب

على خير خندف لم ينقلب

تداعي له رهطه غدوة

بنو هاشم و بنو المطلب

يذيقونه حدّ أسيافهم

يعرّونه بعد ما قد شجب

٢ و قال القمّي : نظر عتبة إلى أخيه شيبة و إلى ابنه الوليد ، فقال : قم يا بنيّ .

و طلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتجر بعمامته ، ثمّ أخذ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصف : ٨ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٤٠ و النقل بتصرف يسير .

٣٦٨

سيفه ، و تقدّم هو و أخوه و ابنه ، و نادي : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . . .

قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : يا عبيدة ، عليك بعتبة . و قال لحمزة : عليك بشيبة . و قال لعليّ عليه السّلام : عليك بالوليد . فمرّوا حتّى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة : من أنتم ؟ قال عبيدة : أنا عبيدة . قال : كفو كريم . فمن هذان ؟ قال : حمزة و عليّ . فقال : كفوان كريمان ، لعن اللّه من أوقفنا و إيّاكم هذا الموقف قال الشارح : و مراده أبو جهل فقال شيبة لحمزة : من أنت ؟ قال : حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله . فقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد اللّه ؟ فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، و ضرب عتبة عبيدة على ساقه ، فقطعها و سقطا جميعا . و حمل حمزة على شيبة ،

فتضاربا بالسيفين حتّى تثلما ، و كلّ واحد يتقي بدرقته ، و حمل أمير المؤمنين على الوليد ، فضربه على حبل عاتقه ، فأخرج السيف من أبطه . ثمّ اعتنق حمزة و شيبة ، فقال المسلمون لأمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا ترى الكلب قد بهر عمّك ؟ .

فحمل عليه عليّ عليه السّلام ثمّ قال : يا عمّ طأطي‏ء رأسك . و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه على رأسه فطنّ نصفه . ثمّ جاء إلى عتبة ، و به رمق فأجهز عليه ، و حمل علي عليه السّلام و حمزة عبيدة حتّى أتيا به النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فنظر إليه و استعبر ، فقال عبيدة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : بأبي أنت و أمي ألست شهيدا ؟ قال : بلى ، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي . فقال : لو أنّ عمّك كان حيّا لعلم أنّي أولى بما قال منه . قال : و أيّ أعمامي تعني ؟ قال : أبو طالب حيث يقول :

كذبتم و بيت اللّه نبزي محمّدا

و لمّا نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرّع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحائل

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أما ترى ابنه عليّا كالليث العادي بين يدي اللّه و رسوله ،

و ابنه الآخر جعفر في جهاد اللّه بأرض الحبشة ؟ فقال : أسخطت عليّ يا رسول

٣٦٩

اللّه في هذه الحالة ؟ قال : لا ، و لكن ذكرت عمّي فانقبضت لذلك ١ .

و الصحيح القول الأخير ، لبيت هند بنت عتبة في قتل أبيها ( بنو هاشم و بنو المطلب ) على ما مر في أبياتها ، فإنّه لا ينطبق إلاّ على القول الأخير المشتمل على أنّ عبيدة صرع عتبة و عبيدة من بني المطلب و أجهز عليه أمير المؤمنين عليه السلام و هو من بني هاشم .

و يشهد له قول هند بنت أثاثة المطلبية في جواب هند بنت عتبة ، كما في ( سيرة ابن هشام ) :

حمزة ليثي و عليّ صقري

إذ رام شيب و أبوك غدري

فخضّبا منه ضواحي النحر

٢ و يشهد له قول أمير المؤمنين عليه السّلام إلى معاوية : « أنا قاتل جدّك » ، ففي ( النهج ) في العاشر من باب كتبه : « فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر » ٣ ، و في ( ٢٨ ) منها : « و سيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك » ٤ ، و في ( ٦٤ ) منها : « و عندي السيف الّذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد » ٥ .

و ممّا ذكرنا من اختلاف روايات الشيعة في قاتل عبيدة كروايات العامّة ، يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد : إنّ الشيعة رووا كون قرن عبيدة شيبة ٦ ، فالقمي من قدماء الشيعة ، و قد روى أنّ قرنه عتبة كما عرفت .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٧ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١١ .

( ٤ ) نهج البلاغة ٣ : ٣٥ .

( ٥ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٣ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٣٨ نقلا عن إرشاد المفيد .

٣٧٠

هذا ، و روى ( طبقات ابن سعد ) أنّ قوله تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربّهم . . . ١ نزل في عليّ و حمزة و عبيدة ، و في عتبة و شيبة و الوليد ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : بدر : كان اسم رجل من غفار رهط أبي ذر من بطن يقال لهم : بنو النار ٣ .

« و قتل حمزة يوم أحد » قال القمّي : كان حمزة يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد ، و كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا : لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعتقنّك . و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا ، فقال : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، و أمّا عليّ فرأيته رجلا كثير الالتفات حذرا . فكمن لحمزة ، فرآه يهذّ الناس هذّا ، فمرّ به ، فوطأ على حرف نهر ، فسقط ،

فأخذ وحشي حربته ، فهزّها و رماها ، فوقعت في خاصرته ، و خرجت من مثانته منغمسة بالدم ، فسقط فأتاه ، فشقّ بطنه و أخذ كبده و أتى إلى هند ، فقال لها : كبد حمزة . فأخذتها في فيها فلاكتها . فجعلها اللّه في فيها مثل الفضة .

فلفظتها ، و رمت بها . فبعث اللّه تعالى ملكا فردّها إلى موضعها ، أبي اللّه أن يدخل شيئا من حمزة النار . فجاءت إليه هند ، فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه و جعلتهما خرصين ، و شدّتهما في عنقها ، و قطعت يديه و رجليه . . . قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من له علم بعمّي حمزة ؟ فقال الحرث بن الصمّة : أنا أعرف موضعه . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره أن يرجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيخبره بذلك .

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : أطلب عمّك . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ١٩ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١١ و ٣ ق ١ : ١٠ .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٢ .

٣٧١

أن يرجع ، فجاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فلمّا رأى ما فعل به بكى ، ثمّ قال : ما وقفت موقفا قطّ أغيظ عليّ من هذا المكان ، لئن أمكنني اللّه من قريش لأمثّلن بسبعين رجلا منهم . فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام بهذا : و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين ١ . فقال : بل أصبر ٢ .

« و قتل جعفر يوم مؤتة » قال الجوهري : مؤتة بالهمزة : اسم أرض قتل بها جعفر ابن أبي طالب رضى اللّه عنه ، و أمّا موتة بالضمّ : فجنس من الجنون و الصّرع يعتري الإنسان ، فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله ، كالنائم و السكران ٣ .

و في ( البلدان ) : مؤتة من قرى البقاء في حدود الشام ، و قيل : من مشارف الشام الّتي تنسب إليها المشرفيه من السيوف ، كما فسّر به ابن السكّيت قول كثير :

أبى اللّه للشمّ الأنوف كأنّهم

صوارم يجلوها بمؤتة صيقل

٤ و في ( كامل الجزري ) : كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان ، تجهز الناس و هم ثلاثة آلاف حتّى نزلوا ( معان ) ، فبلغهم أنّ هرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ، و مائة ألف من المستعربة من لخم و جذام و بلقين و بلى ، عليهم رجل من بلى يقال له : مالك بن رافلة ، و نزلوا ( مآب ) من أرض البلقاء . فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، و قالوا : نكتب إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله نخبره الخبر و ننتظر أمره ، فشجّعهم عبد اللّه بن رواحة و قال : يا قوم و اللّه إنّ الذي تكرهون للّذي خرجتم تطلبون الشهادة ، و ما نقاتل الناس بعدد و لا قوّة ، و لا نقاتلهم إلاّ بهذا الدين ، فانطلقوا فما هي إلاّ إحدى الحسنيين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٦ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ١١٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٢٦٨ مادة ( مأت ) .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٥ : ٢٢٠ و النقل بالمعنى .

٣٧٢

( إمّا ظهور ، و إمّا شهادة ) . فالتقتهم جموع الروم و العرب بقرية من البلقاء يقال لها : مشارف ، و انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة . فالتقى الناس عندها ،

و كان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري ، و على ميسرتهم عباية بن مالك الأنصاري ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقاتل زيد بن حارثة براية النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى شاط في رماح القوم ، ثمّ أخذها جعفر بن أبي طالب ، فقاتل و هو يقول :

يا حبذا الجنّة و اقترابها

طيّبة و باردا شرابها

و الروم روم قد دنا عذابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

فلما اشتدّ القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل ، و كان جعفر أوّل من عقر فرسه في الاسلام ، فوجدوا به بضعا و ثمانين بين رمية و ضربة و طعنة ، فلمّا قتل أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة . . . ١ قال ابن أبي الحديد : اتّفق المحدّثون على أنّ زيد بن حارثة هو كان الأمير الأوّل ، و أنكرت الشيعة ذلك ، و قالوا : كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأوّل ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة . و رووا في ذلك روايات ، و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمّد بن إسحاق في كتاب ( المغازي ) ما يشهد لقولهم ، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو :

و لا يبعدنّ اللّه قتلي تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

و زيد و عبد اللّه حين تتابعوا

جميعا و أسياف المنيّة تخطر

رأيت خيار المؤمنين تواردوا

شعوب و خلق بعدهم يتأخّر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغرّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتّى مال غير موسّد

بمعترك فيه القنا متكسر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٢٣٤ سنة ٨ و النقل بتقطيع .

٣٧٣

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان و ملتفّ الحديقة أخضر

و كنّا نرى في جعفر من محمّد

وقارا و أمرا حازما حين يأمر

و منها قول كعب بن مالك الأنصاري :

نام العيون و دمع عينك يهمل

سحّا كما و كف الرباب المسبل

وجدا على النفر الّذين تتابعوا

قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ساروا أمام المسلمين كأنّهم

طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر و لوائه

قدام ، أوّلهم و نعم الأوّل

حتّى تقوّضت الصفوف و جعفر

حيث التقى جمع الغواة مجدّل

فتغيّر القمر المنير لفقده

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل

١ قلت : لم يختصّ كون جعفر أمير الكل و الأمير الأوّل روايته بالشيعة ، فقد روى ذلك كاتب الواقدي في ( طبقاته ) مع كونه ناصبيا شديد النصب ، فقال :

أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة ، قال : أخبرنا عيسى بن المختار عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : بعثني النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى الشام ، فلمّا رجعت مررت على أصحابي و هم يقاتلون المشركين بمؤتة قلت : و اللّه لا أبرح اليوم حتّى انظر إلى ما يصير إليه أمرهم . فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ، و لبس السلاح ثمّ حمل جعفر حتّى إذا همّ أن يخالط العدو رجع ، فوحش بالسلاح ثمّ حمل على العدو و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء زيد بن حارثة ، و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء عبد اللّه ابن رواحة و طاعن حتى قتل ، ثمّ انهزم المسلمون أسوأ هزيمة ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن ابن اسحاق ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨ بتفاوت في ترتيب الأبيات ، و قاله ابن ابي الحديد في شرحه ٣ : ٤١١ و النقل بإسقاط بعض الأبيات .

( ٢ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ٩٤ ، و فيه بعد قوله في جعفر « و ليس السلاح » ما لفظه : « و قال غيره أخذ زيد اللواء ، و كان رأس القوم » .

٣٧٤

فظهر أنّ ما قاله من كون الأمير الأوّل زيد مشهوري بين محدّثيهم لا اتّفاقي ، و كأنّهم شهّروا تقدّم زيد على جعفر دفعا لعار تأمير النبيّ صلى اللّه عليه و آله زيدا ،

و ذاك على صدّيقهم و فاروقهم في سرايا قبل ذلك ، و تأمير ابنه أسامة في مرض وفاته صلى اللّه عليه و آله أيضا على الصدّيق و الفاروق ، و قد طعنا في النبيّ صلى اللّه عليه و آله في تأميرهما عليهما ، حتّى خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في مرض وفاته لمّا أمّر أسامة عليهما ، و حثّ على شخوصهما في جيشه حتّى لعن المتخلّف عن جيشه ، كما رواه ( سقيفة الجوهري ) ١ ،

و صرّح به ( ملل الشهرستاني ) ٢ . فقال صلى اللّه عليه و آله لهم ،

كما في ( طبقات كاتب الواقدي ) : إن طعنتم في أسامة بن زيد فقد طعنتم قبل على أبيه زيد بن حارثة ، و حقّ لهما الإمارة ٣ .

و من الطرائف أنّ الجزريّ قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أخبر عن تلك الواقعة ،

فقال : فقتل زيد شهيدا فاستغفر له ، ثمّ أخذ اللواء جعفر ، فشدّ على القوم حتّى قتل شهيدا فاستغفر له . . . قال : ثمّ أخذ الراية سيف من سيوف اللّه خالد بن الوليد ، فعاد بالناس . فمن يومئذ سمّي خالد سيف اللّه . . . فلمّا رجع الجيش لقيهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخذ عبد اللّه بن جعفر فحمله بين يديه ، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ، و يقولون : يا فرّار يا فرّار . . . ٤ .

فإذا كان خالد من سيوف اللّه ، كيف يحثو المسلمون التراب عليه ، و على

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة للجوهري : ٧٤ .

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ١ : ٢٩ .

( ٣ ) أخرجه ابن سعد بسبع طرق في الطبقات ٢ ق ١ : ١٣٦ ، و ٢ ق ٢ : ٤١ ، و ٤ ق ١ : ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ ، و أخرجه أيضا مسلم بطريقين في صحيحة ٤ : ١٨٨٤ ح ٦٣ و ٦٤ ، و الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٧٦ ح ٣٨١٦ ، و أحمد بطرق في مسنده ٢ : ٨٩ ، و غيره ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١٩ ، و الطبري بطريقين في تاريخه ٢ : ٤٢٩ ، و ٤٣١ سنة ١١ بفرق يسير لفظي .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٣٧ سنة ٨ ، و سيأتي حديث ابي سعيد الخدري في الباب و ذيل الحديث .

٣٧٥

جيشه ، و يقولون لهم : يا فرّار يا فرّار ؟ فهذا يدلّ على أنّه كان من البائين بغضب اللّه حسب قوله تعالى : و من يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه . . . ١ لا من سيوف اللّه .

و قد روى الواقديّ عن ثعلبة بن أبي مالك ، قال : انكشف خالد بن الوليد يومئذ حتّى عيّروا بالفرار ، و تشاءم الناس به ٢ .

و روى عن أبي سعيد الخدري ، قال : أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزما ،

فلمّا سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف ، فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب ، و يقولون : يا فرّار أفررتم في سبيل اللّه ٣ ؟

إنّ إخواننا يدّعون الكمال و يأتون بالتناقض ، و أغلب تواريخهم هكذا مختلطة بأحاديثهم الموضوعة ، فهل صار خالد بن الوليد بانهزامه يوم مؤتة بالمسلمين أو بهزيمة أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أحد حتّى قتل منهم سبعون ،

و منهم حمزة سيّد الشهداء عمّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو بإرادة قتله لأمير المؤمنين عليه السّلام للأوّل ، أو بغدره ببني جذيمة بعد فتح مكّة بعد أمانهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله رفع يديه إلى السماء ، كما في الطبري ٤ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد . ثمّ بعث أمير المؤمنين عليه السّلام فأعطاهم الدية ، و عوض أموالهم حتّى ميلغة كلابهم ، و أعطاهم زيادة على ما عيّنوا احتياطا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ١٦ .

( ٢ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ .

( ٣ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ ، و عن أبي سعيد الخدري ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ١٦ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٣٢٣ سنة ٨ ، و رواه الطبرسي في اعلام الورى : ١٠٤ ، عن عروة بن الزبير و أخرجه رزين عنه جامع الأصول ٩ : ٢٥٢ ح ٦١٢٩ ، عن النعمان بن بشير ، و للحديث ذيل نصفه : « فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليسوا بفرّار و لكنهم كرّار ان شاء اللّه » .

( ٤ ) أخرجه الطبري في تاريخه ٢ : ٣٤١ سنة ٨ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ٥٤ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ٨٨١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٠٦ ، و النسائي في سننه ٨ : ٢٣٧ ، و أحمد في مسنده ٢ : ١٥٠ .

٣٧٦

ثمّ رجع و أخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بما فعل . فقال : أصبت و أحسنت ، ثمّ قام و استقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتّى أنّه ليرى بياض ما تحت منكبيه ، و هو يقول :

« اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد » ثلاث مرّات ، أو بغدره بمالك بن نويرة و قتله له بغير حقّ و زناه بإمرأته ، حتّى أنكر ذلك عمر على أبي بكر و على خالد غاية الإنكار من سيوف اللّه ؟ فلو كانوا لقّبوه لأعماله سيف الشيطان كان لعمر اللّه أصدق و أقرب إلى الحقّ و الحقيقة . و لم لم يقتد أبو بكر بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله في تبرّئه من خالد مع قتله لطائفة من المشركين كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله آمنهم ، و نفسه كان آمنهم حتّى وضعوا أسلحتهم ، فكيف لم يتبرأ منه أبو بكر مع قتله لمؤمن آمنه ؟ و لعمر اللّه ما لقّبه سيف اللّه إلاّ صدّيقهم لمّا طلب عمر منه أن يقيد من خالد لقتله مسلما ، و يجري عليه الحدّ لزناه بامرأته ،

فقال : ما كانت لأغمد سيفا سلّه اللّه ١ .

فإن كان إخواننا و ضعوا أحاديث لتصحيح عمل صدّيقهم ، فما يفعلون باستهزاء فاروقهم لصدّيقهم بتسميته لخالد : سيف اللّه ، بأنّ في سيف اللّه هذا رهقا و طغيانا ٢ ؟

سبحان اللّه من تناقضاتهم ، و الحمد للّه على فضحه للكاذب . فقالوا : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمّاه سيف اللّه في انهزامه بالمسلمين ، مع أنّ المسلمين تشأموا به و كانوا يحثون التراب في وجهه لمّا رجع ، كما مرّ من الواقدي .

و من العجب أنّهم سمّوا خالدا مع أعماله تلك : سيف اللّه ، و لا يسمّون الأشتر به ، مع مقاماته في الجمل و صفّين و النهروان و جهاده مع الناكثين و القاسطين و المارقين ، و عدم كون أحد أظهر آثارا منه حتّى مثل عمّار ، مع أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « يا عمر لم أكن لأشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين » .

( ٢ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « قال عمر لأبي بكر : انّ في سيف خالد رهقا » .

٣٧٧

أمير المؤمنين عليه السّلام وصفه به محقّقا ، فكتب إلى أهل مصر لمّا بعثه إليهم : « فإنّه سيف من سيوف اللّه لا كليل الظبّة ، و لا نابي الضريبة » ١ مع كون أمير المؤمنين عليه السّلام كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله بنص القرآن ٢ ، و بالوجدان و العيان ؟ و هل كلّ ذلك إلاّ لعداوتهم مع أهل بيت نبيّهم عليهم السّلام ؟ ثمّ لم يختص أشعار ( مغازي محمّد بن إسحاق ) الدالة على كون جعفر الأمير الأوّل بما قال ابن أبي الحديد ، فيدلّ عليه أيضا ما نقله عنه ابن هشام في ( سيرته ) عمّن رجع من غزوة مؤتة :

كفى حزنا أنّي رجعت و جعفر

و زيد و عبد اللّه في رمس أقبر

قضوا نحبهم لمّا مضوا لسبيلهم

و خلّفت للبلوى مع المتغير

ثلاثة رهط قدّموا فتقدّموا

إلى ورد مكروه من الموت أحمر

٣ و أيضا فلا ريب أنّ جعفرا كان أفضل من زيد ، فكيف يقدّم النبي صلى اللّه عليه و آله عليه المفضول ؟ هل كان دين النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو عمل النبيّ صلى اللّه عليه و آله على خلاف مقتضى العقول ؟

هذا ، و كما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقدّم أهل بيته في اشتداد الحروب ، كذلك أهل بيته كانوا هم الباقين معه صلى اللّه عليه و آله وقت انهزام الناس عنه صلى اللّه عليه و آله . ففي ( معارف ابن قتيبة ) : كان الّذين ثبتوا يوم حنين مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد هزيمة الناس عليّ عليه السّلام و العبّاس و هو آخذ بحكمة بغلته و ابنه الفضل ، و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و أيمن بن أمّ أيمن مولاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قتل يومئذ و ربيعة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦٣ الكتاب ( ٣٨ ) .

( ٢ ) انظر آية المباهلة ٦١ من سورة آل عمران : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ، فمع الرجوع إلى سبب النزول يظهر أن المراد بأنفسنا : علي عليه السّلام .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٢١ .

٣٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حارث بن عبد المطلب ، و أسامة بن زيد مولى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو و أخوه لأمّه أيمن ، و إن لم يكونا من نفس بني هاشم ، بل من مواليهم ، إلاّ أنّ مولى القوم منهم ، قال العباس :

نصرنا رسول اللّه في الحرب سبعة

و قد فرّ من فرّ منهم فأقشعوا

و ثامننا لاقى الحمام بسيفه

بما مسّه في اللّه لا يتوجع

١ و أمّا هو عليه السّلام ، فمواساته مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وقايته له بنفسه لا يحتاج إلى بيان ، ففي أحد لمّا انهزم المسلمون ، و قصد المشركون لقتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال الطبري : أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعليّ عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جمعهم ، و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ، ثمّ أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جماعتهم ، و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي . فقال جبرئيل : يا رسول اللّه إنّ هذه للمواساة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه .

فقال جبرئيل : و أنا منكما . فسمعوا صوتا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

و لا فتى إلاّ عليّ

٢

٣٣

في آخر فصل اختيار غريب كلامه عليه السّلام من الباب الثّالث ) و في حديثه عليه السّلام :

كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ اِتَّقَيْنَا ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ؟ ص فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى اَلْعَدُوِّ مِنْهُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ١٦٤ و النقل بتصرف .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ ، و أما حديث « لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي » فقد مرّ تخريجه عن طرق كثيرة في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من شرح خطبة الرضي .

٣٧٩

« و معنى ذلك انّه اذا عظم الخوف من العدو ، و اشتد عضاض الحرب ،

فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، و يأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه ، و قوله عليه السّلام : إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و الحرب ، و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها : إنّه عليه السّلام شبّه حمي الحرب بالنّار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها ، و مما يقوي ذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قد رأى مجتلف الناس يوم حنين ، و هي حرب هوازن : « الآن حمي الوطيس » و الوطيس : مستوقد النار . فشبّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار ، و شدّة التهابها . انقضى هذا الفصل ، و رجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب » .

أقول : رواه الطبري مع اختلاف يسير ، فروى عن جعفر بن محمّد البزوري ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي اسحاق ، عن حارثة ،

عن علي عليه السّلام ، قال : لمّا أن كان يوم بدر ، و حضر الناس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فكان من أشدّ الناس بأسا ، و ما كان منّا أحد أقرب إلى العدوّ منه ١ .

و رواه أبو عبيد مثل نقل المصنّف ، فنقله كتاب ( لسان العرب ) عنه ،

هكذا : كنّا إذا احمرّ البأس اتّقيناه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلم يكن أحد أقرب إليه منه ٢ .

« كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » في ( تفسير القمي ) : لمّا رأى النبيّ انهزم أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ( يوم أحد ) هزيمة قبيحة ، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كلّ وجه فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال : إنّي أنا رسول اللّه . إلى أين تفرّون عن اللّه و عن رسوله ؟ ٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٣٥ سنة ٢ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٢١٠ ، ٢١١ مادة ( حمر ) .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١١٤ .

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605