• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105976 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

فجمع أبو طالب بني هاشم و بني عبد المطّلب في شعبه ، و كانوا أربعين رجلا مؤمنهم و كافرهم ما خلا أبا لهب ، و أبا سفيان ( الهاشمي فكانا مع قريش ) ثمّ قال : و كان أبو جهل و العاص بن وائل ، و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات ، فمن رأوا معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، و يحذّرونه من النهب . فأنفقت خديجة عليهما السّلام على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه مالا كثيرا . ثمّ قال : و كانوا لا يأمنون إلاّ في موسم العمرة في رجب ، و موسم الحجّ في ذي الحجّة ، فيشترون و يبيعون فيهما . ثمّ قال : فكان أبو العاص بن الربيع ، و هو ختن النبي صلى اللّه عليه و آله يجي‏ء بالعير بالليل عليها البرّ و التمر ١ .

« فعزم اللّه لنا على الذبّ عن حوزته و الرمي من وراء حرمته » روى السروي عن مقاتل : لمّا رأت قريش يعلو أمره صلى اللّه عليه و آله قالوا : لا نرى محمّدا يزداد إلاّ كبرا و تكبّرا ، و إن هو إلاّ ساحر أو مجنون . و توعّدوه ، و تعاقدوا : لئن مات أبو طالب ليجمعنّ قبائل قريش كلّها على قتله ، و بلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم و أحلافهم من قريش ، فوصّاهم بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ ابن أخي كما يقول :

أخبرنا بذلك آباؤونا و علماؤنا أنّ محمّدا نبيّ صادق ، و أمين ناطق ، و أنّ شأنه أعظم شأن ، و مكانه من ربّه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، و اجتمعوا على نصرته ، و راموا عدوّه من وراء حوزته ، فإنّه الشرف الباقي لكم الدهر ٢ .

فمكثوا بذلك أربع سنين ، و قال ابن سيرين ثلاث سنين .

و في كتاب ( شرف المصطفى ) : فبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحستها ، فنزل جبرئيل عليه السّلام فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بذلك ، فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب ، فدخل أبو طالب على قريش في المسجد فعظّموه و قالوا : أردت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦٣ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب السروي ١ : ٦١ .

٣٦١

مواصلتنا ، و أن تسلم ابن أخيك إلينا ؟ قال : و اللّه ما جئت لهذا ، و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني : إنّ اللّه تعالى قد أخبره بحال صحيفتكم ، فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقّا فاتّقوا اللّه ، و ارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم و قطيعة الرحم ، و إن كان باطلا دفعته إليكم . فأتوا بها و فكّوا الخواتيم ، فإذا فيها ( باسمك اللّهم ) و اسم ( محمّد ) فقط . فقال لهم أبو طالب : اتّقوا اللّه و كفّوا عمّا أنتم عليه . فسكتوا و تفرّقوا . فنزل : ادع إلى سبيل ربّك . . . ١ . قال : كيف أدعوهم و قد صالحوا على ترك الدعوة ؟ فنزل : يمحو اللّه ما يشاء و يثبت . . . ٢ . فسأل النبيّ صلى اللّه عليه و آله أبا طالب الخروج من الشعب ، فاجتمع سبعة نفر من قريش على نقضها ، و هم مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف الّذي أجار النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا انصرف من الطائف ، و زهير بن أميّة المخزومي ختن أبي طالب على ابنته عاتكة ، و هشام بن عمرو بن لؤي بن غالب و أبو البختري بن هاشم ، و زمعة بن الأسود بن المطلب ، و قال هؤلاء الخمسة : أخرقها اللّه ، و عزموا أن يقطعوا يمين كاتبها ، و هو منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ،

فوجدوها شلاّ قد قطعها اللّه ، فأخذ النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الدعوة ، و في ذلك يقول أبو طالب :

و قد كان من أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبّر غائب القوم يعجب

محا اللّه منها كفرهم و عقوقهم

و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب

و أصبح ما قالوا من الأمر باطلا

و من يختلق ما ليس بالحقّ يكذب

فأمسى ابن عبد اللّه فينا مصدّقا

على سخط من قومنا غير معتب

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٥ .

( ٢ ) الرعد : ٣٩ .

( ٣ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٦٥ .

٣٦٢

« مؤمننا يبغي » أي : يطلب .

« بذلك » أي : الجدّ في حفظ النبيّ صلى اللّه عليه و آله .

« الأجر » من اللّه تعالى .

« و كافرنا » من بني هاشم ، حتّى مثل أبي لهب .

« يحامي » بدفاعه .

« عن الأصل » أي : عشيرته ، روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ، قال :

لمّا أرادت قريش قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله قالت : كيف لنا بأبي لهب . فقالت أمّ جميل : أنا أكفيكموه ، أنا أقول له : إنّي أحبّ أن تقعد اليوم في البيت نصطبح . فلمّا أن كان من الغد ، و تهيّأ المشركون للنبيّ صلى اللّه عليه و آله قعد أبو لهب و امرأته يشربان ، فدعا أبو طالب عليّا عليه السّلام فقال له : يا بنيّ اذهب إلى عمّك أبي لهب فاستفتح عليه ، فإن فتح لك فادخل ، و إن لم يفتح لك فتحامل على الباب و اكسره و ادخل عليه ، فاذا دخلت عليه فقل له : يقول لك أبي : إنّ امرأ عمّه عين في القوم ، فليس بذليل .

فدخل عليه ، و قال له ذلك ، فقال : صدق أبوك ، فماذا يابن أخي ؟ فقال : يقتل ابن أخيك ، و أنت تأكل و تشرب ؟ فوثب و أخذ سيفه ، فتعلّقت به أمّ جميل ، فرفع يده و لطم و جهها لطمة ففقأ عينها ، فماتت و هي عوراء ، و خرج أبو لهب و معه السيف ، فلمّا رأته قريش عرفت الغضب في وجهه ، فقالت : مالك يا أبا لهب ؟

فقال : أبايعكم على ابن أخي ، ثمّ تريدون قتله ؟ و اللات و العزّى لقد هممت أن أسلم ، ثمّ تنظرون ما أصنع . فاعتذروا إليه و رجع ١ .

و في ( كامل الجزري ) : عمد عقبة بن أبي معيط و كان من أشدّ الناس أذى للنبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى مكتل فجعل فيه عذرة و جعله على باب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فبصر به طليب بن عمير بن وهب بن عبد مناف بن قصي و أمّه أروى بنت عبد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٧٦ ح ٤١٨ و النقل بتلخيص .

٣٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

المطلب و أخذ المكتل منه و ضرب به رأسه ، و أخذ بأذنيه ، فشكاه عقبة إلى أمّه . فقال : قد صار ابنك ينصر محمّدا . فقالت : و من أولى به منّا ، أموالنا و أنفسنا دون محمّد ١ .

« و من أسلم من قريش خلو ممّا نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن » في ( الكامل ) : بلغ من بالحبشة من المسلمين أنّ قريشا أسلمت ، فعاد منهم قوم و تخلّف قوم ، فلمّا قربوا من مكّة بلغهم أنّ إسلام أهل مكّة باطل ، فلم يدخل أحد منهم إلاّ بجوار أو مستخفيا ، فدخل عثمان في جوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أميّة فأمن بذلك ، و دخل أبو حذيفة بن عتبة ( بن ربيعة بن عبد شمس ) بجوار أبيه ٢ ، و كان الحصر في الشعب مختصا ببني هاشم و بني عبد المطلب .

« و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إذا أحمرّ البأس » أي : اشتدّ القتال .

« و أحجم الناس » جعل الجوهري ( أجحم ) بتقديم الجيم ( و أحجم ) بتقديم الحاء بمعنى واحد ، أي : كفّ الناس ٣ .

« قدّم أهل بيته » في الحرب .

« فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة و السيوف » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( حرّ السيوف و الأسنّة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، و إنّما قدّمهم ليظهر على العالم أنّهم السّابقون في كلّ خير ، و قد تأدّب بذلك من اللّه تعالى حيث قال له أوّلا : و أنذر عشيرتك الأقربين ٥ ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٧٤ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٧ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ١٨٨٣ مادة ( حجم ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٠٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٣٥٩ مثل المصرية أيضا .

( ٥ ) الشعراء : ٢١٤ .

٣٦٤

فجمع بني عبد المطّلب و أنذرهم باللّه ، و أنّه أرسله إليهم ، و قال له ثانيا : و أمر أهلك بالصّلاة و اصطبر عليها . . . ١ فكان يجي‏ء كلّ يوم على باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام و يقول : الصّلاة أهل البيت إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ .

كما أنّه صلى اللّه عليه و آله أخّر المدّعين في قبال أهل بيته للأمر عن سائر أصحابه ليعلم الناس تأخّرهم .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : كانت قريش يوم أحد في ثلاثة آلاف ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في سبعمائة ، فظاهر يومئذ بين در عين ، و أخذ سيفا فهزّه ، و قال :

من يأخذه بحقّه ؟ فقال عمر : أنا . فأعرض عنه ، و قال الزبير : أنا فأعرض عنه ،

فوجدا في أنفسهما . فقام أبو دجانة فأعطاه إيّاه ٣ مع أنّه لم يكن من المدعين جدّ باقي أصحابه .

و في ( كامل الجزري ) و انتهى أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك إلى عمر و طلحة ( يوم أحد ) في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يحبسكم ؟ قالوا : قد قتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا على ما مات عليه . ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل ، فوجد به سبعون ضربة و طعنة ، و ما عرفته إلاّ أخته ، عرفته بحسن بنانه ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١٣٢ .

( ٢ ) أمّا الأول فمن مسلمات التاريخ ، جمع كثيرا من طرقه السيوطي في الدر المنثور ٥ : ٩٥ ٩٨ ، و أمّا الثاني فأخرجه ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ١ : ٢٧٢ ح ٣٢٠ ، و تفسير القمي ٢ : ٦٧ ، و الحسكاني بثلاث طرق في شواهد التنزيل ١ : ٣٨١ ح ٥٢٦ ، و ٢ : ٢٨ ح ٦٦٧ ، ٦٦٨ ، و ابن مردويه و ابن النجار عنهما الدرّ المنثور ٤ : ٣١٣ و رواه الطبرسي بطرق في مجمع البيان ٧ : ٣٧ ، و غيرهم ، و الآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٩ .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

٣٦٥

و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين فيهم عثمان بن عفان و غيره إلى الأعوص ، فأقاموا به ثلاثا ، ثمّ أتوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال لهم حين رآهم : لقد ذهبتم فيها عريضة ١ .

هذا ، و نظير كلامه عليه السّلام في هذا الكتاب كتاب أنشأه المعتضد الخليفة العبّاسي في لعن معاوية رواه الطبري ، فقال : قال المعتضد في كتابه : إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا ابتعث محمّدا صلى اللّه عليه و آله بدينه ، و أمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله و عشيرته ، فدعاهم إلى ربّه و أنذرهم و بشّرهم و نصح لهم و أرشدهم ، فكان من استجاب له و صدّق قوله و اتّبع أمره نفر يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربّه و بين ناصر له ، و إن لم يتّبع دينه إعزازا له و إشفاقا عليه ،

لماضي علم اللّه فيمن اختار منهم ، و نفذت مشيئته فيما يستودعه إيّاه من خلافته و إرث نبيّه ، فمؤمنهم مجاهد بنصرته و حميّته يدفعون من نابذه ،

و ينهرون من عازّه و عانده ، و يتوثقون له ممّن كانفه و عاضده ، و يبايعون له من سمح بنصرته ، و يتجسّسون له أخبار أعدائه ، و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين ، حتّى بلغ المدى و حان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين اللّه و طاعته و تصديق رسوله ، و الايمان به بأثبت بصيرة ، و أحسن هدى و رغبة ، فجعلهم اللّه أهل بيت الرّحمة ، و أهل البيت الذين أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ٢ .

« فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر » إنّما عدّ صلى اللّه عليه و آله عبيدة في أهل بيت النبيّ مع كونه مطّلبيا فإنّه عبيدة بن الحارث بن المطلب ، و اجتماعه مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله في عبد مناف ، كبني عبد شمس ، لأنّ بني المطّلب كانوا مع بني هاشم متّفقين ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٥٦ ، ١٥٨ سنة ٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٨ : ١٨٤ سنة ٢٨٤ .

٣٦٦

كبني نوفل مع بني عبد شمس ، و لأنّ الأصل في النسبة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الايمان و العمل ، فصار سلمان بذلك مع عجمته من أهل بيته ١ ، و صار أبو لهب مع كونه لبابا في الهاشمية أجنبيا عنه صلى اللّه عليه و آله .

و اختلفت الإمامية في جواز إعطائهم الخمس ، فالمشهور بينهم المنع ،

و اختصاص الخمس بالهاشمي . و ذهب الإسكافي ، و المفيد في الغريّة إلى الجواز ، استنادا إلى ما روي عن الصادق عليه السّلام : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة » ٢ .

و اختلف في قاتل عبيدة ، فقال المفيد ٣ و الواقدي ٤ و البلاذري ٥ : قاتله شيبة . و قال ابن إسحاق ٦ ، و ابن قتيبة ٧ ، و عليّ بن إبراهيم القمي ٨ : قاتله عتبة . فروى المفيد مسندا عن أبي رافع ، قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش ، و أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد ، فنادى عتبة : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجة لنا إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا إشارة إلى حديث النبي صلى اللّه عليه و آله : « سلمان منّا أهل البيت » ، و أخرجه الحاكم في المستدرك و الطبراني في معجمه الكبير عنهما الجامع الصغير ٢ : ٣٣ و أبو يعلي في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٨٣ ح ٤٠٢٥ و الواقدي في المغازي ١ : ٤٤٦ ، و ابن سعد بطريقين في الطبقات ٤ : ق ١ : ٥٩ و ٧ : ق ٢ : ٦٥ ، و غيرهم ، و أما سياق فلان منّا أهل البيت فقد جاء في أفراد آخرين ، منهم : أبو ذر و المقداد و عمار و جابر بن عبد اللّه و غيرهم .

( ٢ ) الاستبصار للطوسي ٢ : ٣٦ ح ٦ ، و التهذيب ٤ : ٥٩ ح ٦ و نقل هذه الأقوال العلاّمة الحلّي في المختلف ١ : ٢٠٥ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ٤١ .

( ٤ ) المغازي للواقدي ١ : ٦٩ .

( ٥ ) أنساب الاشراف للبلاذري ١ : ٢٩٧ .

( ٦ ) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٥١ ، و الظاهر انه نقل عن ابن اسحاق لكن لم يصرح به .

( ٧ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٧ .

( ٨ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ .

٣٦٧

مبارزتكم ، إنّما طلبنا بني عمّنا . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم . ثمّ قال : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقّكم الّذي بعث اللّه به نبيّكم ، إذا جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه ١ . فقاموا فصفّوا للقوم ، و كان عليهم البيض فلم يعرفوا ، فقال لهم عتبة : تكلّموا ، فإن كنتم أكفاء قاتلناكم . فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلّب أسد اللّه ، و أسد رسوله . فقال عتبة : كفو كريم . و قال أمير المؤمنين : أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب ،

و قال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب . فقال عتبة لابنه الوليد : قم .

فبرز إليه أمير المؤمنين و كانا إذ ذاك أصغر الجماعة سنّأ فأختلفا ضربتين ،

أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السّلام ، و اتّقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأبانتها فروي أنّه عليه السّلام كان يذكر بدرا و قتله الوليد ، فقال :

« كأنّي إلى وميض خاتمه في شماله ثمّ ضربته ضربة أخرى فصرعته ،

و سلبته ، فرأيت به درعا من خلوق ، فعلمت أنّه قريب عهد بعرس » ثم بارز عتبة حمزة فقتله حمزة ، و مشى عبيدة و كان أسنّ القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة ، فمات بالصفراء ، و في قتل عتبة و شيبة و الوليد تقول هند بنت عتبة :

أيا عين جودي بدمع سرب

على خير خندف لم ينقلب

تداعي له رهطه غدوة

بنو هاشم و بنو المطلب

يذيقونه حدّ أسيافهم

يعرّونه بعد ما قد شجب

٢ و قال القمّي : نظر عتبة إلى أخيه شيبة و إلى ابنه الوليد ، فقال : قم يا بنيّ .

و طلبوا له بيضة تسع رأسه فلم يجدوها لعظم هامته ، فاعتجر بعمامته ، ثمّ أخذ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الصف : ٨ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٤٠ و النقل بتصرف يسير .

٣٦٨

سيفه ، و تقدّم هو و أخوه و ابنه ، و نادي : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش . . .

قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : يا عبيدة ، عليك بعتبة . و قال لحمزة : عليك بشيبة . و قال لعليّ عليه السّلام : عليك بالوليد . فمرّوا حتّى انتهوا إلى القوم ، فقال عتبة : من أنتم ؟ قال عبيدة : أنا عبيدة . قال : كفو كريم . فمن هذان ؟ قال : حمزة و عليّ . فقال : كفوان كريمان ، لعن اللّه من أوقفنا و إيّاكم هذا الموقف قال الشارح : و مراده أبو جهل فقال شيبة لحمزة : من أنت ؟ قال : حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله . فقال له شيبة : لقد لقيت أسد الحلفاء ، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد اللّه ؟ فحمل عبيدة على عتبة ، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته ، و ضرب عتبة عبيدة على ساقه ، فقطعها و سقطا جميعا . و حمل حمزة على شيبة ،

فتضاربا بالسيفين حتّى تثلما ، و كلّ واحد يتقي بدرقته ، و حمل أمير المؤمنين على الوليد ، فضربه على حبل عاتقه ، فأخرج السيف من أبطه . ثمّ اعتنق حمزة و شيبة ، فقال المسلمون لأمير المؤمنين عليه السّلام : أمّا ترى الكلب قد بهر عمّك ؟ .

فحمل عليه عليّ عليه السّلام ثمّ قال : يا عمّ طأطي‏ء رأسك . و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره ، فضربه على رأسه فطنّ نصفه . ثمّ جاء إلى عتبة ، و به رمق فأجهز عليه ، و حمل علي عليه السّلام و حمزة عبيدة حتّى أتيا به النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فنظر إليه و استعبر ، فقال عبيدة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : بأبي أنت و أمي ألست شهيدا ؟ قال : بلى ، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي . فقال : لو أنّ عمّك كان حيّا لعلم أنّي أولى بما قال منه . قال : و أيّ أعمامي تعني ؟ قال : أبو طالب حيث يقول :

كذبتم و بيت اللّه نبزي محمّدا

و لمّا نطاعن دونه و نناضل

و ننصره حتى نصرّع حوله

و نذهل عن أبنائنا و الحائل

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أما ترى ابنه عليّا كالليث العادي بين يدي اللّه و رسوله ،

و ابنه الآخر جعفر في جهاد اللّه بأرض الحبشة ؟ فقال : أسخطت عليّ يا رسول

٣٦٩

اللّه في هذه الحالة ؟ قال : لا ، و لكن ذكرت عمّي فانقبضت لذلك ١ .

و الصحيح القول الأخير ، لبيت هند بنت عتبة في قتل أبيها ( بنو هاشم و بنو المطلب ) على ما مر في أبياتها ، فإنّه لا ينطبق إلاّ على القول الأخير المشتمل على أنّ عبيدة صرع عتبة و عبيدة من بني المطلب و أجهز عليه أمير المؤمنين عليه السلام و هو من بني هاشم .

و يشهد له قول هند بنت أثاثة المطلبية في جواب هند بنت عتبة ، كما في ( سيرة ابن هشام ) :

حمزة ليثي و عليّ صقري

إذ رام شيب و أبوك غدري

فخضّبا منه ضواحي النحر

٢ و يشهد له قول أمير المؤمنين عليه السّلام إلى معاوية : « أنا قاتل جدّك » ، ففي ( النهج ) في العاشر من باب كتبه : « فأنا أبو حسن قاتل جدّك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر » ٣ ، و في ( ٢٨ ) منها : « و سيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك » ٤ ، و في ( ٦٤ ) منها : « و عندي السيف الّذي أعضضته بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد » ٥ .

و ممّا ذكرنا من اختلاف روايات الشيعة في قاتل عبيدة كروايات العامّة ، يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد : إنّ الشيعة رووا كون قرن عبيدة شيبة ٦ ، فالقمي من قدماء الشيعة ، و قد روى أنّ قرنه عتبة كما عرفت .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٤ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٧ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١١ .

( ٤ ) نهج البلاغة ٣ : ٣٥ .

( ٥ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٣ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٣٨ نقلا عن إرشاد المفيد .

٣٧٠

هذا ، و روى ( طبقات ابن سعد ) أنّ قوله تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربّهم . . . ١ نزل في عليّ و حمزة و عبيدة ، و في عتبة و شيبة و الوليد ٢ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : بدر : كان اسم رجل من غفار رهط أبي ذر من بطن يقال لهم : بنو النار ٣ .

« و قتل حمزة يوم أحد » قال القمّي : كان حمزة يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد ، و كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا : لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعتقنّك . و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا ، فقال : أمّا محمّد فلا أقدر عليه ، و أمّا عليّ فرأيته رجلا كثير الالتفات حذرا . فكمن لحمزة ، فرآه يهذّ الناس هذّا ، فمرّ به ، فوطأ على حرف نهر ، فسقط ،

فأخذ وحشي حربته ، فهزّها و رماها ، فوقعت في خاصرته ، و خرجت من مثانته منغمسة بالدم ، فسقط فأتاه ، فشقّ بطنه و أخذ كبده و أتى إلى هند ، فقال لها : كبد حمزة . فأخذتها في فيها فلاكتها . فجعلها اللّه في فيها مثل الفضة .

فلفظتها ، و رمت بها . فبعث اللّه تعالى ملكا فردّها إلى موضعها ، أبي اللّه أن يدخل شيئا من حمزة النار . فجاءت إليه هند ، فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه و جعلتهما خرصين ، و شدّتهما في عنقها ، و قطعت يديه و رجليه . . . قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : من له علم بعمّي حمزة ؟ فقال الحرث بن الصمّة : أنا أعرف موضعه . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره أن يرجع إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيخبره بذلك .

فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام : أطلب عمّك . فجاء حتّى وقف عليه ، فكره

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحج : ١٩ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ١١ و ٣ ق ١ : ١٠ .

( ٣ ) المعارف لابن قتيبة : ١٥٢ .

٣٧١

أن يرجع ، فجاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فلمّا رأى ما فعل به بكى ، ثمّ قال : ما وقفت موقفا قطّ أغيظ عليّ من هذا المكان ، لئن أمكنني اللّه من قريش لأمثّلن بسبعين رجلا منهم . فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام بهذا : و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين ١ . فقال : بل أصبر ٢ .

« و قتل جعفر يوم مؤتة » قال الجوهري : مؤتة بالهمزة : اسم أرض قتل بها جعفر ابن أبي طالب رضى اللّه عنه ، و أمّا موتة بالضمّ : فجنس من الجنون و الصّرع يعتري الإنسان ، فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله ، كالنائم و السكران ٣ .

و في ( البلدان ) : مؤتة من قرى البقاء في حدود الشام ، و قيل : من مشارف الشام الّتي تنسب إليها المشرفيه من السيوف ، كما فسّر به ابن السكّيت قول كثير :

أبى اللّه للشمّ الأنوف كأنّهم

صوارم يجلوها بمؤتة صيقل

٤ و في ( كامل الجزري ) : كانت غزوة مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان ، تجهز الناس و هم ثلاثة آلاف حتّى نزلوا ( معان ) ، فبلغهم أنّ هرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ، و مائة ألف من المستعربة من لخم و جذام و بلقين و بلى ، عليهم رجل من بلى يقال له : مالك بن رافلة ، و نزلوا ( مآب ) من أرض البلقاء . فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم ، و قالوا : نكتب إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله نخبره الخبر و ننتظر أمره ، فشجّعهم عبد اللّه بن رواحة و قال : يا قوم و اللّه إنّ الذي تكرهون للّذي خرجتم تطلبون الشهادة ، و ما نقاتل الناس بعدد و لا قوّة ، و لا نقاتلهم إلاّ بهذا الدين ، فانطلقوا فما هي إلاّ إحدى الحسنيين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١٢٦ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ١١٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٢٦٨ مادة ( مأت ) .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٥ : ٢٢٠ و النقل بالمعنى .

٣٧٢

( إمّا ظهور ، و إمّا شهادة ) . فالتقتهم جموع الروم و العرب بقرية من البلقاء يقال لها : مشارف ، و انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة . فالتقى الناس عندها ،

و كان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري ، و على ميسرتهم عباية بن مالك الأنصاري ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقاتل زيد بن حارثة براية النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى شاط في رماح القوم ، ثمّ أخذها جعفر بن أبي طالب ، فقاتل و هو يقول :

يا حبذا الجنّة و اقترابها

طيّبة و باردا شرابها

و الروم روم قد دنا عذابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

فلما اشتدّ القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل ، و كان جعفر أوّل من عقر فرسه في الاسلام ، فوجدوا به بضعا و ثمانين بين رمية و ضربة و طعنة ، فلمّا قتل أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة . . . ١ قال ابن أبي الحديد : اتّفق المحدّثون على أنّ زيد بن حارثة هو كان الأمير الأوّل ، و أنكرت الشيعة ذلك ، و قالوا : كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأوّل ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة . و رووا في ذلك روايات ، و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمّد بن إسحاق في كتاب ( المغازي ) ما يشهد لقولهم ، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو :

و لا يبعدنّ اللّه قتلي تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

و زيد و عبد اللّه حين تتابعوا

جميعا و أسياف المنيّة تخطر

رأيت خيار المؤمنين تواردوا

شعوب و خلق بعدهم يتأخّر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغرّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتّى مال غير موسّد

بمعترك فيه القنا متكسر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٢٣٤ سنة ٨ و النقل بتقطيع .

٣٧٣

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان و ملتفّ الحديقة أخضر

و كنّا نرى في جعفر من محمّد

وقارا و أمرا حازما حين يأمر

و منها قول كعب بن مالك الأنصاري :

نام العيون و دمع عينك يهمل

سحّا كما و كف الرباب المسبل

وجدا على النفر الّذين تتابعوا

قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ساروا أمام المسلمين كأنّهم

طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر و لوائه

قدام ، أوّلهم و نعم الأوّل

حتّى تقوّضت الصفوف و جعفر

حيث التقى جمع الغواة مجدّل

فتغيّر القمر المنير لفقده

و الشمس قد كسفت و كادت تأفل

١ قلت : لم يختصّ كون جعفر أمير الكل و الأمير الأوّل روايته بالشيعة ، فقد روى ذلك كاتب الواقدي في ( طبقاته ) مع كونه ناصبيا شديد النصب ، فقال :

أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة ، قال : أخبرنا عيسى بن المختار عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر قال : بعثني النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى الشام ، فلمّا رجعت مررت على أصحابي و هم يقاتلون المشركين بمؤتة قلت : و اللّه لا أبرح اليوم حتّى انظر إلى ما يصير إليه أمرهم . فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ، و لبس السلاح ثمّ حمل جعفر حتّى إذا همّ أن يخالط العدو رجع ، فوحش بالسلاح ثمّ حمل على العدو و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء زيد بن حارثة ، و طاعن حتّى قتل ، ثمّ أخذ اللواء عبد اللّه ابن رواحة و طاعن حتى قتل ، ثمّ انهزم المسلمون أسوأ هزيمة ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن ابن اسحاق ابن هشام في السيرة ٤ : ١٨ بتفاوت في ترتيب الأبيات ، و قاله ابن ابي الحديد في شرحه ٣ : ٤١١ و النقل بإسقاط بعض الأبيات .

( ٢ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ٩٤ ، و فيه بعد قوله في جعفر « و ليس السلاح » ما لفظه : « و قال غيره أخذ زيد اللواء ، و كان رأس القوم » .

٣٧٤

فظهر أنّ ما قاله من كون الأمير الأوّل زيد مشهوري بين محدّثيهم لا اتّفاقي ، و كأنّهم شهّروا تقدّم زيد على جعفر دفعا لعار تأمير النبيّ صلى اللّه عليه و آله زيدا ،

و ذاك على صدّيقهم و فاروقهم في سرايا قبل ذلك ، و تأمير ابنه أسامة في مرض وفاته صلى اللّه عليه و آله أيضا على الصدّيق و الفاروق ، و قد طعنا في النبيّ صلى اللّه عليه و آله في تأميرهما عليهما ، حتّى خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في مرض وفاته لمّا أمّر أسامة عليهما ، و حثّ على شخوصهما في جيشه حتّى لعن المتخلّف عن جيشه ، كما رواه ( سقيفة الجوهري ) ١ ،

و صرّح به ( ملل الشهرستاني ) ٢ . فقال صلى اللّه عليه و آله لهم ،

كما في ( طبقات كاتب الواقدي ) : إن طعنتم في أسامة بن زيد فقد طعنتم قبل على أبيه زيد بن حارثة ، و حقّ لهما الإمارة ٣ .

و من الطرائف أنّ الجزريّ قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أخبر عن تلك الواقعة ،

فقال : فقتل زيد شهيدا فاستغفر له ، ثمّ أخذ اللواء جعفر ، فشدّ على القوم حتّى قتل شهيدا فاستغفر له . . . قال : ثمّ أخذ الراية سيف من سيوف اللّه خالد بن الوليد ، فعاد بالناس . فمن يومئذ سمّي خالد سيف اللّه . . . فلمّا رجع الجيش لقيهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخذ عبد اللّه بن جعفر فحمله بين يديه ، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ، و يقولون : يا فرّار يا فرّار . . . ٤ .

فإذا كان خالد من سيوف اللّه ، كيف يحثو المسلمون التراب عليه ، و على

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة للجوهري : ٧٤ .

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ١ : ٢٩ .

( ٣ ) أخرجه ابن سعد بسبع طرق في الطبقات ٢ ق ١ : ١٣٦ ، و ٢ ق ٢ : ٤١ ، و ٤ ق ١ : ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ ، و أخرجه أيضا مسلم بطريقين في صحيحة ٤ : ١٨٨٤ ح ٦٣ و ٦٤ ، و الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٧٦ ح ٣٨١٦ ، و أحمد بطرق في مسنده ٢ : ٨٩ ، و غيره ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١٩ ، و الطبري بطريقين في تاريخه ٢ : ٤٢٩ ، و ٤٣١ سنة ١١ بفرق يسير لفظي .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٣٧ سنة ٨ ، و سيأتي حديث ابي سعيد الخدري في الباب و ذيل الحديث .

٣٧٥

جيشه ، و يقولون لهم : يا فرّار يا فرّار ؟ فهذا يدلّ على أنّه كان من البائين بغضب اللّه حسب قوله تعالى : و من يولّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه . . . ١ لا من سيوف اللّه .

و قد روى الواقديّ عن ثعلبة بن أبي مالك ، قال : انكشف خالد بن الوليد يومئذ حتّى عيّروا بالفرار ، و تشاءم الناس به ٢ .

و روى عن أبي سعيد الخدري ، قال : أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزما ،

فلمّا سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم بالجرف ، فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب ، و يقولون : يا فرّار أفررتم في سبيل اللّه ٣ ؟

إنّ إخواننا يدّعون الكمال و يأتون بالتناقض ، و أغلب تواريخهم هكذا مختلطة بأحاديثهم الموضوعة ، فهل صار خالد بن الوليد بانهزامه يوم مؤتة بالمسلمين أو بهزيمة أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله في أحد حتّى قتل منهم سبعون ،

و منهم حمزة سيّد الشهداء عمّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو بإرادة قتله لأمير المؤمنين عليه السّلام للأوّل ، أو بغدره ببني جذيمة بعد فتح مكّة بعد أمانهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله رفع يديه إلى السماء ، كما في الطبري ٤ ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد . ثمّ بعث أمير المؤمنين عليه السّلام فأعطاهم الدية ، و عوض أموالهم حتّى ميلغة كلابهم ، و أعطاهم زيادة على ما عيّنوا احتياطا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ١٦ .

( ٢ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ .

( ٣ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ ، و عن أبي سعيد الخدري ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ١٦ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٣٢٣ سنة ٨ ، و رواه الطبرسي في اعلام الورى : ١٠٤ ، عن عروة بن الزبير و أخرجه رزين عنه جامع الأصول ٩ : ٢٥٢ ح ٦١٢٩ ، عن النعمان بن بشير ، و للحديث ذيل نصفه : « فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليسوا بفرّار و لكنهم كرّار ان شاء اللّه » .

( ٤ ) أخرجه الطبري في تاريخه ٢ : ٣٤١ سنة ٨ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ٥٤ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ٨٨١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٠٦ ، و النسائي في سننه ٨ : ٢٣٧ ، و أحمد في مسنده ٢ : ١٥٠ .

٣٧٦

ثمّ رجع و أخبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله بما فعل . فقال : أصبت و أحسنت ، ثمّ قام و استقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتّى أنّه ليرى بياض ما تحت منكبيه ، و هو يقول :

« اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد » ثلاث مرّات ، أو بغدره بمالك بن نويرة و قتله له بغير حقّ و زناه بإمرأته ، حتّى أنكر ذلك عمر على أبي بكر و على خالد غاية الإنكار من سيوف اللّه ؟ فلو كانوا لقّبوه لأعماله سيف الشيطان كان لعمر اللّه أصدق و أقرب إلى الحقّ و الحقيقة . و لم لم يقتد أبو بكر بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله في تبرّئه من خالد مع قتله لطائفة من المشركين كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله آمنهم ، و نفسه كان آمنهم حتّى وضعوا أسلحتهم ، فكيف لم يتبرأ منه أبو بكر مع قتله لمؤمن آمنه ؟ و لعمر اللّه ما لقّبه سيف اللّه إلاّ صدّيقهم لمّا طلب عمر منه أن يقيد من خالد لقتله مسلما ، و يجري عليه الحدّ لزناه بامرأته ،

فقال : ما كانت لأغمد سيفا سلّه اللّه ١ .

فإن كان إخواننا و ضعوا أحاديث لتصحيح عمل صدّيقهم ، فما يفعلون باستهزاء فاروقهم لصدّيقهم بتسميته لخالد : سيف اللّه ، بأنّ في سيف اللّه هذا رهقا و طغيانا ٢ ؟

سبحان اللّه من تناقضاتهم ، و الحمد للّه على فضحه للكاذب . فقالوا : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمّاه سيف اللّه في انهزامه بالمسلمين ، مع أنّ المسلمين تشأموا به و كانوا يحثون التراب في وجهه لمّا رجع ، كما مرّ من الواقدي .

و من العجب أنّهم سمّوا خالدا مع أعماله تلك : سيف اللّه ، و لا يسمّون الأشتر به ، مع مقاماته في الجمل و صفّين و النهروان و جهاده مع الناكثين و القاسطين و المارقين ، و عدم كون أحد أظهر آثارا منه حتّى مثل عمّار ، مع أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « يا عمر لم أكن لأشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين » .

( ٢ ) تأريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ بلفظ : « قال عمر لأبي بكر : انّ في سيف خالد رهقا » .

٣٧٧

أمير المؤمنين عليه السّلام وصفه به محقّقا ، فكتب إلى أهل مصر لمّا بعثه إليهم : « فإنّه سيف من سيوف اللّه لا كليل الظبّة ، و لا نابي الضريبة » ١ مع كون أمير المؤمنين عليه السّلام كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله بنص القرآن ٢ ، و بالوجدان و العيان ؟ و هل كلّ ذلك إلاّ لعداوتهم مع أهل بيت نبيّهم عليهم السّلام ؟ ثمّ لم يختص أشعار ( مغازي محمّد بن إسحاق ) الدالة على كون جعفر الأمير الأوّل بما قال ابن أبي الحديد ، فيدلّ عليه أيضا ما نقله عنه ابن هشام في ( سيرته ) عمّن رجع من غزوة مؤتة :

كفى حزنا أنّي رجعت و جعفر

و زيد و عبد اللّه في رمس أقبر

قضوا نحبهم لمّا مضوا لسبيلهم

و خلّفت للبلوى مع المتغير

ثلاثة رهط قدّموا فتقدّموا

إلى ورد مكروه من الموت أحمر

٣ و أيضا فلا ريب أنّ جعفرا كان أفضل من زيد ، فكيف يقدّم النبي صلى اللّه عليه و آله عليه المفضول ؟ هل كان دين النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، أو عمل النبيّ صلى اللّه عليه و آله على خلاف مقتضى العقول ؟

هذا ، و كما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقدّم أهل بيته في اشتداد الحروب ، كذلك أهل بيته كانوا هم الباقين معه صلى اللّه عليه و آله وقت انهزام الناس عنه صلى اللّه عليه و آله . ففي ( معارف ابن قتيبة ) : كان الّذين ثبتوا يوم حنين مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد هزيمة الناس عليّ عليه السّلام و العبّاس و هو آخذ بحكمة بغلته و ابنه الفضل ، و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و أيمن بن أمّ أيمن مولاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قتل يومئذ و ربيعة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦٣ الكتاب ( ٣٨ ) .

( ٢ ) انظر آية المباهلة ٦١ من سورة آل عمران : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ، فمع الرجوع إلى سبب النزول يظهر أن المراد بأنفسنا : علي عليه السّلام .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٢١ .

٣٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حارث بن عبد المطلب ، و أسامة بن زيد مولى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو و أخوه لأمّه أيمن ، و إن لم يكونا من نفس بني هاشم ، بل من مواليهم ، إلاّ أنّ مولى القوم منهم ، قال العباس :

نصرنا رسول اللّه في الحرب سبعة

و قد فرّ من فرّ منهم فأقشعوا

و ثامننا لاقى الحمام بسيفه

بما مسّه في اللّه لا يتوجع

١ و أمّا هو عليه السّلام ، فمواساته مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و وقايته له بنفسه لا يحتاج إلى بيان ، ففي أحد لمّا انهزم المسلمون ، و قصد المشركون لقتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال الطبري : أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعليّ عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جمعهم ، و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ، ثمّ أبصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي عليه السّلام : احمل عليهم . فحمل عليهم ففرّق جماعتهم ، و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي . فقال جبرئيل : يا رسول اللّه إنّ هذه للمواساة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه .

فقال جبرئيل : و أنا منكما . فسمعوا صوتا :

لا سيف إلاّ ذو الفقار

و لا فتى إلاّ عليّ

٢

٣٣

في آخر فصل اختيار غريب كلامه عليه السّلام من الباب الثّالث ) و في حديثه عليه السّلام :

كُنَّا إِذَا اِحْمَرَّ اَلْبَأْسُ اِتَّقَيْنَا ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ؟ ص فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى اَلْعَدُوِّ مِنْهُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ١٦٤ و النقل بتصرف .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ ، و أما حديث « لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي » فقد مرّ تخريجه عن طرق كثيرة في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من شرح خطبة الرضي .

٣٧٩

« و معنى ذلك انّه اذا عظم الخوف من العدو ، و اشتد عضاض الحرب ،

فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، و يأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه ، و قوله عليه السّلام : إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر و الحرب ، و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها : إنّه عليه السّلام شبّه حمي الحرب بالنّار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها ، و مما يقوي ذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و قد رأى مجتلف الناس يوم حنين ، و هي حرب هوازن : « الآن حمي الوطيس » و الوطيس : مستوقد النار . فشبّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار ، و شدّة التهابها . انقضى هذا الفصل ، و رجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب » .

أقول : رواه الطبري مع اختلاف يسير ، فروى عن جعفر بن محمّد البزوري ، عن عبيد اللّه بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي اسحاق ، عن حارثة ،

عن علي عليه السّلام ، قال : لمّا أن كان يوم بدر ، و حضر الناس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فكان من أشدّ الناس بأسا ، و ما كان منّا أحد أقرب إلى العدوّ منه ١ .

و رواه أبو عبيد مثل نقل المصنّف ، فنقله كتاب ( لسان العرب ) عنه ،

هكذا : كنّا إذا احمرّ البأس اتّقيناه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلم يكن أحد أقرب إليه منه ٢ .

« كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » في ( تفسير القمي ) : لمّا رأى النبيّ انهزم أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ( يوم أحد ) هزيمة قبيحة ، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كلّ وجه فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه و آله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه و قال : إنّي أنا رسول اللّه . إلى أين تفرّون عن اللّه و عن رسوله ؟ ٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٣٥ سنة ٢ .

( ٢ ) لسان العرب لابن منظور ٤ : ٢١٠ ، ٢١١ مادة ( حمر ) .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١١٤ .

٣٨٠