بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113289 / تحميل: 6069
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

و أسود و أصفر ، من كلّ كلب بما يشبهه ، و إنّما كان أبوك عبدا نزل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله من حصن الطائف ، ثمّ أقمتم البيّنة تدّعون : أنّ أبا سفيان زنى بأمّكم ، أما و اللّه لئن بقيت لأحقنّكم بنسبكم . ثمّ دعا بحمران فقال : يابن اليهودية ، إنّما أنت علج نبطي سبيت من عين التمر . ثمّ قال لحكم بن المنذر بن الجارود : يابن الخبث ، أ تدري من أنت ، و من الجارود ؟ إنّما كان الجارود علجا بجزيرة ابن كاوان فارسيا فقطع إلى ساحل البحر ، فانتمى إلى عبد القيس ، و لا و اللّه ما أعرف حيّا أكثر اشتمالا على سوأة منهم ، ثمّ أنكح أخته المكعبر الفارسي ، فلم يصب شرفا قطّ أعظم منه ، فهؤلاء ولدها يابن قباذ . ثمّ أتي بعبد اللّه بن فضالة الزهراني ، فقال : ألست من أهل هجر ؟ ثمّ من أهل سماهيج ؟ أما و اللّه لأردنّك إلى نسبك . ثمّ أتي عليّ بن أصمع ، فقال : أعبد لبني تميم مرة ،

و عزي من باهلة ؟ ثمّ أتي بعبد العزيز بن بشر بن حناط ، فقال : يابن المشتور ،

ألم يسرق عمّك عنزا في عهد عمر ، فأمر به . فسير ليقطعه ؟ أما و اللّه ما أعنت إلاّ من ينكح أختك كانت أخته تحت مقاتل بن مسمع ثمّ أتي بأبي حاضر الأسدي ، فقال : يابن الاصطخرية ، ما أنت و الأشراف ؟ و إنّما أنت من أهل قطر دعيّ في بني أسد ، ليس لك فيهم قريب ، و لا نسيب . ثمّ أتي بزياد بن عمرو ،

فقال : يابن الكرماني إنّما أنت علج من أهل كرمان قطعت إلى فارس فصرت ملاّحا ، مالك و الحرب ؟ لأنت بجرّ القلس أحذق . ثمّ أتي بعبد اللّه بن عثمان بن أبي العاص ، فقال له : أعليّ تكثر ، و أنت علج من أهل هجر ، لحق أبوك بالطائف و هم يضمّون من تأشّب إليهم يتعزّزون به ؟ أما و اللّه لأردنّك إلى أصلك . ثمّ أتي بشيخ بن النعمان ، فقال : يابن الخبيث ، إنّما أنت علج من أهل زندرود هربت أمّك ، و قتل أبوك ، فتزوج أخته رجل من بني يشكر ، فجاءت بغلامين ، فألحقاك بنسبهما ثمّ ضربهم مائة مائة ، و حلق رؤوسهم و لحاهم ، و هدم دورهم ،

٤٢١

و صهرهم في الشمس ثلاثا ، و حملهم على طلاق نسائهم ، و جمر أولادهم في البعوث ، و طاف بهم في أقطار البصرة ، و أحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر ١ .

٣٨

من الخطبة ( ٢٣٤ ) و من كلام له عليه السّلام اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثم لحاقه به :

فَجَعَلْتُ أَتَّبِعُ مَأْخَذَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى ؟ اَلْعَرَجِ ؟ « . . . في كلام طويل : قوله عليه السّلام : « فأطأ ذكره » من الكلام الّذي رمى به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة ، أراد عليه السّلام : أنّي كنت أعطي خبره صلى اللّه عليه و آله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع ، فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة » .

أقول : و هذا العنوان ممّا في ترتيبه في نسخنا اختلاف مع نسخة ابن أبي الحديد و الكيذري ، و تبعهما ابن ميثم ، كما مرّ في أوّل الكتاب ٢ ، و قد روى العنوان أئمّة غريب الحديث ، كما يفهم من ذكر الجزري له في النهاية ، لكن فيه ( ما أخذ ) بدل ( مأخذ ) ٣ .

قول المصنّف « بعد هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله » ذكر ( تنبيه المسعودي ) أسماء لسني هجرته صلى اللّه عليه و آله فقال : تعرف السنة الثانية بسنة الأمر لأنّه أمر فيها بالقتال ،

و الثالثة بسنة التمحيص ، و الرابعة بسنة الترفيه ، و الخامسة بسنة الأحزاب ،

و السادسة بسنة الاستئناس ، و السابعة بسنة الاستغلاب ، و الثامنة بسنة الفتح ، و العاشرة بسنة حجّة الوداع ، و الحادية عشرة بسنة الوفاة ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤ سنة ٧١ .

( ٢ ) قد مرّ في مقدّمة المؤلف .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير الجزري ٥ : ٢٠١ مادة ( وطأ ) و لفظه ( مآخذ ) .

( ٤ ) التنبيه و الإشراف : ٢٠٢ ٢٤٠ .

٤٢٢

« ثمّ لحاقه عليه السّلام به صلى اللّه عليه و آله » بعد ثلاث ليال ، كما في ( المناقب ) .

قوله عليه السّلام « فجعلت أتّبع مأخذ رسول اللّه عليه السّلام » أي : مكان أخذه من الطريق في هجرته ، و على نقل الجزري ، أي : مكانا أخذه . و أمّا لحوقه عليه السّلام به ، فروى الكليني مسندا عن سعيد بن المسيّب عن السجّاد عليه السّلام قال : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يصلّي مدّة عشر سنين ركعتين حتّى هاجر إلى المدينة ، و خلّف عليّا عليه السّلام في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره ، و كان خروجه من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأوّل ، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث ، و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، مع زوال الشمس ، فنزل بقبا فصلّى الظهر ركعتين ، و العصر ركعتين ، ثمّ لم يزل مقيما ينتظر عليّا عليه السّلام يصلّي الصلوات الخمس ركعتين ركعتين ، و كان نازلا على عمرو بن عوف ،

فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له : أتقيم عندنا فنتخذلك منزلا و مسجدا ؟ فيقول : لا ، إنّي أنتظر علي بن أبي طالب ، و قد أمرته أن يلحقني ،

و لست مستوطنا منزلا حتّى يقدم عليّ ، و ما أسرعه إن شاء اللّه . فقدم علي عليه السّلام ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ، ثمّ تحوّل النبيّ صلى اللّه عليه و آله من قبا إلى بني سالم بن عوف ، و عليّ عليه السّلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخطّ لهم مسجدا و نصب قبلته ، فصلّى بهم فيه الجمعة ركعتين ، و خطب خطبتين ، ثمّ راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها ، و عليّ عليه السّلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه ، و ليس يمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببطن من بطون الأنصار إلاّ قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم ، فيقول لهم : خلّوا سبيل الناقة ، فانّها مأمورة .

فانطلقت به ، و هو واضع لها زمامها حتّى انتهت إلى الموضع الذي ترى و أشار بيده إلى باب مسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله الذي يصلّي عنده بالجنائز فوقفت عنده و بركت ، و وضعت جرانها على الأرض ، فنزل ، و أقبل أبو أيّوب مبادرا

٤٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حتّى احتمل رحله ، فأدخله منزله ، و عليّ عليه السّلام معه حتّى بنيت له مساكن و بنى مسجده فتحولا .

قال سعيد : قلت لعليّ بن الحسين عليه السّلام : كان أبو بكر معه ، فأين فارقه ؟

قال : لمّا كان بقبا ينتظر قدوم عليّ عليه السّلام قال له أبو بكر : انهض بنا إلى المدينة فإنّ القوم فرحوا بقدومك ، و ما أظنّ عليّا يقدم عليك إلى شهر . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

كلاّ بل ما أسرع حتّى يقدم أخي ، و ابن عمّي ، و أحبّ أهل بيتي ، و قد وقاني بنفسه من المشركين . فغضب أبو بكر ، و اشمأزّ و داخله من ذلك حسد لعليّ عليه السّلام ، و كان ذلك أوّل عداوة بدت منه في عليّ عليه السّلام ، و أوّل خلافه على النبيّ صلى اللّه عليه و آله . فانطلق أبو بكر حتّى دخل المدينة ، و تخلّف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بقبا ينتظر عليّا عليه السّلام . . . ١ .

و في ( الكافي ) : ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة ، و مات أبو طالب بعدها .

فلمّا فقدهما سئم المقام بمكّة و دخله حزن شديد ، و أشفق على نفسه من كفّار قريش ، فشكا إلى جبرئيل ذلك ، فأوحى إليه : أن اخرج من القرية الظالم أهلها ،

و هاجر إلى المدينة ، فليس لك اليوم بمكّة ناصر ، و انصر للمشركين حربا .

فعند ذلك توجّه إلى المدينة ٢ .

و روى ( أمالي الشيخ ) مسندا عن هند بن أبي هالة ، و أبي رافع ، و عمّار جميعا يحدّثون عن هجرة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله بالمدينة ، و مبيته قبل ذلك على فراشه ، قالوا : ثمّ كتب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إليه عليه السّلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه ، و قلّة التلوم ، و كان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فتهيأ للخروج ،

فأذّن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسلّلوا إذا ملأ الليل بطن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٣٣٨ ح ٥٣٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤٠ و النقل بالمعنى .

٤٢٤

كلّ ذي واد إلى ذي طوى ، و خرج عليه السّلام بفاطمة بنت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بفاطمة أمّه ،

و بفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، و قيل : ضباعة ، و تبعهم أيمن بن أمّ أيمن ،

و أبو واقد فجعل يسوق بالرواحل ، فأعنف بهم . فقال عليه السّلام : ارفق بالنسوة ، أبا واقد ، إنّهنّ من الضعائف ، قال : أخاف أن يدركنا الطلب . فقال عليه السّلام : أربع عليك .

ثمّ جعل عليه السّلام يسوق بهنّ سوقا رفيقا و هو يقول :

ليس إلاّ اللّه فارفع ظنكا

يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا

فلمّا شارف ضجنان أدركه الطلب بسبع فوارس من قريش مستلئمين و ثامنهم جناح مولى الحرث بن أميّة ، فأقبل عليه السّلام على أيمن و أبي واقد ، و قد تراءى القوم . فقال لهما : أنيخا الابل ، و اعقلاها ، و تقدّم حتّى أنزل النسوة ، و دنا من القوم منتضيا سيفه ، فقالوا : ظننت يا غدّار أنّك ناج بالنسوة ؟ ارجع لا أبا لك . قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعنّ راغما . و دنوا من المطايا ليثوّروها فحال عليه السّلام بينهم و بينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ عليه السّلام عن ضربته ،

و ضربه على عاتقه مضيّا فيه حتّى مسّ كاثبة فرسه ، و كان عليه السّلام يشدّ على قدمه شدّ الفارس ، و هو يقول :

خلّو سبيل الجاده المجاهد

آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدعوا عنه ، فقال : من سرّه أن أفري لحمه ، و أهريق دمه ، فليتبعني .

ثمّ سار ظاهرا مظاهرا حتّى نزل ضجنان ، فتلوم بها قدر يومه و ليلته ، و لحق به نفر من المستضعفين ، و فيهم أمّ أيمن ، فصلّى ليلته تلك هو و الفواطم ،

و يذكرونه قياما و قعودا و على جنوبهم ١ . فلن يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه حتّى قدم المدينة ، و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم : الّذين يذكرون اللّه قياما و قعودا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩١ .

٤٢٥

و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا . . . فاستجاب لهم ربّهم إنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض . . . ١ الذكر : علي عليه السّلام و الانثى : فاطمة و بعضكم من بعض عليّ من الفواطم ، و هنّ من علي عليه السّلام . . . فالّذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ، و لأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند اللّه و اللّه عنده حسن الثواب ٢ .

و تلا : و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه و اللّه رؤوف بالعباد ٣ ، و قال له : يا علي أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا باللّه و رسوله ، و أوّلهم هجرة إلى اللّه و رسوله ، و آخرهم عهدا برسوله ٤ .

« فأطأ » أي : أضع قدمي ، قال تعالى : . . . و أرضا لم تطؤوها . . . ٥ و قال الجوهري : الوطأة : موضع القدم ، و هي أيضا كالضغطة ، و في الحديث : اللهمّ اشدد و طأتك على مضر ٦ .

قلت : ما ذكره و هم ، فموضع القدم : الموطى‏ء لا الوطاة ، كما أنّ الضغطة شدّة الوطأة ، لا مطلقها كما قال .

« ذكره » أي : النبيّ صلى اللّه عليه و آله لاشتهار أمره في الطريق أيضا .

« حتّى انتهيت إلى العرج » أحد المنازل الّتي كانت في الطريق .

و قد ذكر كاتب الواقدي في ( طبقاته ) منازل سلكها النبيّ صلى اللّه عليه و آله في هجرته

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩١ ١٩٥ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٠٧ .

( ٤ ) الأمالي لأبي علي الطوسي ٢ : ٨٤ الجزء ١٦ و الحديث طويل نقل بتصرف .

( ٥ ) الأحزاب : ٢٧ .

( ٦ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٨١ مادة ( وطا ) .

٤٢٦

قبل العرج و بعده ، فقال : و سلك النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الخرّار ثمّ جاز ثنيّة المرة ، ثمّ سلك لقفا ، ثمّ أجاز مدلجة لقف ، ثمّ استبطن مدلجة مجاج ، ثمّ سلك مرجح مجاج ، ثمّ بطن مرجح ، ثمّ بطن ذات كشد ، ثمّ على الحدائد ، ثمّ على الأذاخر ، ثمّ بطن ريغ فصلّى به المغرب ، ثمّ ذا سلم ، ثمّ أعدى مدلجة ، ثمّ العثانية ، ثمّ جاز بطن القاحة ثمّ هبط العرج ، ثمّ سلك في الجدوات ، ثمّ في الغابر عن يمين ركوبة ، ثمّ هبط بطن العقيق حتّى انتهى الى الجثجاثة ١ .

و أمّا وجه تسمية العرج بالعرج ، فقال ابن الكلبي : لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة رأى دوابّ تعرج ، فسمّاها العرج ٢ . و قال كثير : سمّي عرجا لأنّه يعرج به عن الطريق ٣ .

و العرج عرجان : عرج من نواحي الطائف ، و إليه ينسب العرجي ، الشاعر الّذي يقول :

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة و سداد ثغر

و عرج بين مكّة و المدينة الوارد في كلامه عليه السّلام ، قال الأصمعي ، في كتاب ( جزيرة العرب ) كما نقل عنه ( المعجم ) : إنّ في نواحي الطائف و اديا يقال له :

العرج ، و هو غير العرج الّذي بين مكّة و المدينة عقبة بينهما على جادة الحاج ،

و جبلها متّصل بجبل لبنان ٤ .

و من العرج الثاني كان سعد العرجي دليل النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى المدينة .

و في ( الأسد ) : قيل لسعد : العرجي ، لأنّه اجتمع مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله بالعرج .

روى عنه ابنه عبد اللّه أنّه قال : كنت دليل النبيّ من العرج إلى المدينة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٥٧ .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٩ و النقل بتقطيع .

٤٢٧

فرأيته يأكل متّكئا . . . ١ .

و وهم ابن أبي الحديد ، فقال : العرج منزل بين مكّة و المدينة ، و إليه ينسب العرجي الشاعر ، و هو عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ٢ .

فتراه توهم اتّحاد العرج ، و انحصاره بما بين مكّة و المدينة ، و نسبة العرجي الشاعر إليه مع أنّه لا ريب أنّه منسوب إلى عرج الطائف ، كما صرّح به ابن قتيبة ، و الحموي ، و الحصري ٣ ، و غيرهم ، و إنّما سعد العرجي الصحابي منسوب إليه .

كما أنّ قوله : « العرجي عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمرو » غلط آخر ٤ ، و إنّما هو عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ، كما صرّح بن القتيبي و الحموي ٥ و غيرهما .

و هجا العرجي هذا إبراهيم المخزومي فحبسه حتّى مات .

و غلط الجوهري و الفيروز آبادي فيه غلطا آخر فقالا : العرجي : عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان ٦ .

فإنّ من قالا : جدّا العرجي ، و يقال له : المطرف لا العرجي .

قول المصنّف « في كلام طويل » لم يذكره لخروجه عن موضوع كتابه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ٢٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٨٨ ، و فيه « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان » .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٢٤ و معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ ، و المشترك و المفترق : ٣٠٥ ، و زهر الآداب للحصري ١ : ٥٥٨ .

( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٨٨ « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان » كما ذكرنا ، و يوافقه قول الحموي في المشترك ، و الجوهري و الفيروز آبادي ، كما سنذكر .

( ٥ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٢٤ ، و معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ لكنّه قال في المشترك و المفترق : ٣٠٥ « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي الشاعر » و قال ابن قتيبة : « عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان » .

( ٦ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٣٢٥ مادة ( عرج ) و القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ١٩٩ مادة ( عرج ) .

٤٢٨

« قوله عليه السّلام : « فأطأ ذكره » من الكلام الّذي رمى به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة » أي : هو كلام جمع بينهما .

« أراد عليه السّلام أنّي كنت أعطي خبره صلى اللّه عليه و آله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنّى عن ذلك » المعني الطويل .

« بهذه الكناية العجيبة » المختصرة ، و نظير كلامه عليه السّلام قول علي بن خشرم لعليّ بن حجر :

و وافيت مشتاقا على بعد شقّة

يسايرني في كلّ ركب له ذكر

و ممّا يدخل في هذا الباب ما رواه ( عيون ابن قتيبة ) عن الأصمعي قال :

قال شيخ من قضاعة : ضللنا مرّة الطريق فاستر شدنا عجوزا ، فقالت : استبطن الوادي ، و كن سيلا حتّى تبلغ ١ .

و عن اعرابي قال : خرجت حيث انحدرت أيدي النجوم ، و شالت أرجلها .

فلم أزل أصدع الليل حتّى انصدع لي الفجر .

و عن آخر ذكر قوما اتّبعوا قوما أغاروا عليهم فقال : احتشوا كلّ جمالية عيرانة ، فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل حتّى أدركوهم بعد ثالثة ، فجعلوا المران أرشية الموت ، و استقوا بها أرواحهم.

و قال عبد العزيز بن زرارة لمعاوية : لم أزل أهزّ ذوائب الرحال إليك ، إذ لم أجد معوّلا إلاّ عليك ، امتطي الليل بعد النهار ، و أسمّ المجاهل بالآثار ، يقودني إليك أمل و تسوقني بلوى ، و المجتهد يلوي ، و إذا بلغتك فقطني .

٣٩

من الخطبة ( ١٥٨ ) وَ قَدْ كَانَ فِي ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ كَافٍ لَكَ فِي اَلْأُسْوَةِ وَ دَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢١٢ .

٤٢٩

اَلدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا وَ كَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَ مَسَاوِيهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا . . .

فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ اَلْأَطْهَرِ ص فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَ أَحَبُّ اَلْعِبَادِ إِلَى اَللَّهِ اَلْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ وَ اَلْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ اَلدُّنْيَا قَضْماً وَ لَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ اَلدُّنْيَا كَشْحاً وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَيْهِ اَلدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ .

وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ لَقَدْ كَانَ ص يَأْكُلُ عَلَى اَلْأَرْضِ وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ اَلْعَبْدِ وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَ يَرْكَبُ اَلْحِمَارَ اَلْعَارِيَ وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ وَ يَكُونُ اَلسِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ اَلتَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ يَا فُلاَنَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ اَلدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ اَلدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً وَ لاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لاَ يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ اَلنَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ اَلْقَلْبِ وَ غَيَّبَهَا عَنِ اَلْبَصَرِ .

وَ كَذَا مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ كَانَ فِي ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ اَلدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَكْرَمَ اَللَّهُ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَ أَتَى بِالْإِفْكِ اَلْعَظِيمِ وَ إِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ لَهُ اَلدُّنْيَا وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ اَلنَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ

٤٣٠

بِنَبِيِّهِ وَ اِقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ اَلْهَلَكَةَ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا خَمِيصاً وَ وَرَدَ اَلْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اَللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ « و قد كان » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لقد كان ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطيّة ) ١ .

« في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة » أي : التأسّي ، قال تعالى : لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه و اليوم الآخر و ذكر اللّه كثيرا ٢ .

« و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها » و ما الحياة الدّنيا إلاّ لعب و لهو و للدار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون ٣ ، إنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و إن تؤمنوا و تتّقوا يؤتكم أجوركم و لا يسألكم أموالكم ٤ ، اعلموا إنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد . . . و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٥ .

« و كثرة مخازيها » جمع المخزية : اسم الفاعل من أخزى ، أي : الخصلة القبيحة .

« و مساويها » أي : نقائصها و معائبها .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ ، و شرح الخوئي ٤ : ٢٤٩ لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٩ « و قد » أيضا .

( ٢ ) الأحزاب : ٢١ .

( ٣ ) الأنعام : ٣٢ .

( ٤ ) محمّد : ٣٦ .

( ٥ ) الحديد : ٢٠ .

٤٣١

« إذ قبضت عنه أطرافها » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما أعجب النبيّ صلى اللّه عليه و آله شي‏ء من الدّنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا ١ .

و عنه عليه السّلام خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو محزون فأتاه ملك ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، هذه مفاتيح خزائن الأرض ، يقول لك ربّك : افتح و خذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : الدّنيا دار من لا دار له ، و لها يجمع من لا عقل له . فقال الملك : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ، لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح ٢ .

« و وطئت » بالتشديد .

« لغيره أكنافها » أي : جوانبها .

« و فطم » أي : قطع .

« عن رضاعها » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّيّة ) ٣ : « من رضاعها » . و الفطيم بعد الفطم يبغض الثدي ،

فكان صلى اللّه عليه و آله يبغضها ، و أمّا أهل الدّنيا فيحبّونها حبّ الرضيع للثدي ، قال ابن همّام السلولي :

و ذمّوا لنا الدّنيا و هم يرضعونها

أفاويق حتّى ما يدرّ لها ثعل

« و زوي عن زخارفها » أي : عدل به عن زيناتها .

« فتأس بنبيّك الأطيب الأطهر » هكذا في ( المصرية و في ابن أبي الحديد ) ٤ و لكن في ( الخطية ) : « بنبيّك الأطهر الأطيب » و في ( ابن ميثم ) ٥ : « بنبيّك الأطهر »

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٩ ح ٧ ، ٨ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) كذا في شرح الخوئي ٤ : ٢٤٩ لكن في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٩ « عن » أيضا .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥١ .

( ٥ ) لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢٨٠ مثل المصرية ( أيضا ) .

٤٣٢

و حيث إنّ نسخته بخطّ المصنّف فما فيه هو الأظهر .

« فانّ فيه أسوة لمن تأسى » أي : حقيق لأن يتأسّى به .

« و عزاء » أي : أنّ فيه موضع انتساب .

« لمن تعزّى به » أي : أراد الانتساب إليه .

و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه » قالوا : الأصل فيه قوله تعالى : قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه . . ١ .

« و المقتصّ » أي : المتّبع .

« لأثره » فيفعل ما فعل صلى اللّه عليه و آله ، و يترك ما ترك صلى اللّه عليه و آله .

« قضم الدّنيا قضما » أي : قنع منها بقدر الضرورة ، فقالوا : الخضم الأكل بجميع الفم ، و القضم دونه ، قال أعرابي قدم على ابن عمّ له بمكة : هذه بلاد مقصم ، و ليست ببلاد مخضم .

قال ابن أبي الحديد : و روي : « قصم الدّنيا قصما » ٢ .

قلت : و هو الأنسب بقوله عليه السّلام بعد « و لم يعرها طرفا » . و قالوا : الفصم كسر غير بيّن ، و القسم كسر بيّن ، و تفسير ابن أبي الحديد ٣ له بمطلق الكسر في غير محلّه .

« و لم يعرها » أي : لم يعطها عارية .

« طرفا » أي : نظرا بمؤخّر العين ، فعلم أنّها ما تعدل عند اللّه جناح بعوضة ،

و إلاّ لما سقى الكافر منها شربة ماء .

« أهضم » أي : أحفض .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٣٣

« أهل الدّنيا كشحا » قال الجوهري : الكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ١ ، قال طرفة :

و أنّ له كشحا إذا قام أهضما

٢ « و أخمصهم » أي : أضمرهم ، و أرقّهم .

« من الدّنيا بطنا » قال :

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص

و في الخبر : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا تغدّى لا يتعشى ، و إذا تعشّى لا يتغدّى ،

و كان صلى اللّه عليه و آله ما شبع من خبز شعير قطّ ، و ما أكل خبز برّ قطّ ، و قد يلصق بطنه بظهره من شدّة الجوع ٣ .

و في ( عرائس الثعلبي ) بإسناده عن جابر الأنصاري : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أقام أيّاما لم يطعم طعاما حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئا ، فأتى فاطمة عليهما السّلام فقال : يا بنيّة هل عندك شي‏ء آكل فإنّي جائع ؟ فقالت : لا و اللّه بأبي أنت و أمّي فلمّا خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين ، و بضعة لحم . فأخذته منها و وضعته في جفنة ،

و غطّت عليه ، و قالت : لأوثرنّ بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على نفسي ، و من عندي .

و كانوا جميعا محتاجين إلى شبعة من طعام ، فبعثت حسنا و حسينا إلى جدّهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فرجع إليها ، فقالت : بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد أتانا اللّه بشي‏ء فخبأته لك . قال : فهلمّي به . فأتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا و لحما . فلمّا نظرت إليه بهتت ، و عرفت أنّها من بركة اللّه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٣٩٩ مادة ( كشح ) .

( ٢ ) لسان العرب ١٢ : ٦١٤ مادة ( هضم ) و صدره : و لا خير فيه غير انّ له غنى .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ١١٣ ، و التهذيب للنووي ١ ق ١ : ٣٢ و مكارم الأخلاق للطبرسي : ٢٨ .

٤٣٤

فحمدت اللّه تعالى وصلّت على نبيّه . فقال صلى اللّه عليه و آله : من أين لك هذا يا بنيّة ؟ قالت :

هو من عند انّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ١ ، فحمد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : الحمد للّه الذي جعلك شبيهة بسيّدة نساء بني إسرائيل ، فإنّها كانت إذا رزقها اللّه رزقا حسنا ، فسئلت عنه قالت هو من عند اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ٢ .

« عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها » قال الرضا عليه السّلام : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

أتاني ملك ، فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول لك : إن شئت جعلت لك بطحاء مكّة ذهبا . فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا ربّ أشبع يوما فأحمدك ،

و أجوع يوما فأسألك ٣ .

« و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه » في ( الكافي ) : عن الصادق عليه السّلام في مناجاته تعالى لموسى عليه السّلام : إنّ الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، و جعلتها ملعونة ، ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي . . . ٤ .

« و حقّر شيئا فحقّره و صغّر شيئا فصغّره » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام :

مرّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بجدي أسكّ ( أي مقطوع الأذنين ) ملقى على مزبلة ميتا ، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا ، فقالوا : لعلّه لو كان حيّا لم يساو درهما . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : و الّذي نفسي بيده للدّنيا أهون على اللّه من هذا الجدي على أهله ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣٧ .

( ٢ ) العرائس للثعلبي : ٣٧٣ .

( ٣ ) أخرجه صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٥ ، و الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٩ ح ٣٦ ، و المفيد في أماليه :

١٢٤ ح ١ المجلس ( ١٥ ) عن الرضا عن آبائه عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه الترمذي في سننه ٤ : ٥٧٥ ح ٢٣٤٧ ، و أحمد في مسنده ٥ : ٢٥٤ عن أبي أمامة عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و في الباب عن الحسن و الصادق عليهما السّلام .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٧ ح ٩ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ ، و مشكاة الأنوار للطبرسي : ٢٧٠ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٩ ح ٩ ، و قريبا منه التنبيه للورام ١ : ١٢٨ .

٤٣٥

« و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و ليس في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ كلمة ( و رسوله ) في الموضعين ، و هو الأصح .

« لكفى شقاقا » أي : خلافا ، و في كوننا في غير شقه تعالى .

« للّه و محادّة » أي : مخالفة ، و كوننا في حدّ آخر .

« عن أمر اللّه » و ما يريده منّا ، و في الخبر : مرّ موسى عليه السّلام برجل يبكي ،

فقال : إلهي عبدك يبكي من مخافتك ، فقال : يا موسى لو نزل دماغه مع دموع عينيه لم أغفر له ، و هو يحبّ الدّنيا ٣ .

و عنهم عليهم السّلام : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك . فكفى بما قال اللّه تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و آله : فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم . . . ٥ ، و قال : و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا . . . ٦ فإن دخلك من ذلك شي‏ء فاذكر عيش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فإنّما كان قوته الشعير ، و حلوه التمر ، و وقوده السعف إذا وجده ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥١ ، و لكن توجد الكلمة في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٨٠ أيضا .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) التنبيه للورام ١ : ١٣٤ و غيره ، و النقل بالتلخيص .

( ٤ ) حديث مشهور أخرجه البيهقي في الشعب عنه الجامع الصغير ١ : ١٤٦ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ١٢٨ عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣١٥ ح ١ ، و الصدوق في الخصال : ٢٩ ح ٨٧ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٧٥ المجلس ١٧ و غيرهم عن الصادق عليه السّلام .

( ٥ ) التوبة : ٥٥ .

( ٦ ) طه : ١٣١ .

( ٧ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ١٣٧ ح ١ عن الباقر عليه السّلام ، و القمي في تفسيره ٢ : ٦٦ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٩٤ المجلس ٢٠ و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٣٦ عن الصادق عليه السّلام و الطبرسي في المصدر موقوفا عن أبي بن كعب .

٤٣٦

و قالوا : وقف صوفي على إبراهيم بن أدهم فقال : يا أبا إسحاق لم حجبت القلوب عن اللّه عزّ و جلّ ؟ قال : لأنّها أحبّت ما أبغض اللّه ، أحبّت الدّنيا ، و مالت إلى دار الغرور ، و تركت العمل لدار فيها حياة الأبد .

« و لقد كان صلى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض و يجلس جلسة العبد » في ( عيون القتيبي ) :

عن قيس بن أبي حازم : جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأصابته رعدة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هوّن عليك فإنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ١ .

و في الخبر : مرّت امرأة بذيّة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و كان جالسا جلسة العبيد ،

فقالت : يا محمّد إنّك تجلس جلسة العبيد ؟ فقال : و أيّ عبد أعبد منّي ٢ .

و في ( الأسد ) عن أبي أمامة ، قال : بينما نحن مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار و رداء ، و قد أسبل ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله يأخذ بحاشية ثوبه ، و يتواضع للّه عزّ و جلّ و يقول : اللّهمّ عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ، حتّى سمعها عمرو بن زرارة فالتفت إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا رسول اللّه إنّي حمش الساقين . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه قد أحسن كلّ شي‏ء خلقه ٣ يا عمرو بن زرارة ، إنّ اللّه لا يحبّ المسبلين ٤ .

قلت : الظاهر أنّ مراد عمرو في قوله : إنّي حمش الساقين : إنّي أسلبت لأستر حمشهما .

و في الخبر : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يجيب دعوة العبد ، و يدعى إلى خبز الشعير

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٦٥ .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الاهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦ و النقل بتلخيص و قد مرّ الحديث في العنوان ٦ من الفصل الخامس .

( ٣ ) السجدة : ٧ .

( ٤ ) أسد الغابة لابن الأثير ٤ : ١٠٣ .

٤٣٧

و الاهالة السنخة ، فيجيب ١ .

و في ( السيرة ) في حديث قدوم عدي بن حاتم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لإسلامه قال عدي : فانطلق بي النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى بيته ، إذا لقيته إمرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلّمه في حاجتها . فقلت في نفسي : ما هذا بملك . ثمّ مضى بي حتّى دخل بيته تناول و سادة محشوّة ليفا ، فقذفها إليّ ،

و قال : اجلس على هذه . قلت : بل أنت . قال : بل أنت . فجلست عليها ، و جلس بالأرض . فقلت في نفسي : و اللّه ما هذا بأمر ملك . ثمّ قال : أيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا ؟ قيل : الركوسي دين بين النصاري و الصابئين قلت : بلى . قال :

أولم تك تسير في قومك بالمرباع قلت : بلى . قال : فإنّ ذلك لا يحلّ لك في دينك .

قلت : أجل ، و عرفت أنّه نبيّ مرسل يعلم ما يجهل . . . ٢ .

« و يخصف بيده نعله و يرقع بيده ثوبه » و قد يكل ذلك إليه عليه السّلام ، و حديث خاصف النعل معروف ٣ .

« و يركب الحمار العاري » في ( تفسير القمي ) في غزوة الخندق في مجي‏ء حي بن أخطب إلى كعب بن أسيد ، رئيس بني قريظة ، ليحمله على نقض العهد بينه و بين النبيّ صلى اللّه عليه و آله لتجمع أحزاب قريش و غيرهم عليه فقال كعب لبني

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ١ : ٨٤ مادة ( أهل ) بفرق يسير ، و المعنى روي كثيرا .

( ٢ ) السيرة لابن هشام ٤ : ١٦٨ و غيره ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) لحديث خاصف النعل روايتان : الأولى أخرجها الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٤ ح ٣٧١ ، و النسائي في الخصائص : ٦٨ ، و ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ٢ : ٣٦٦ ح ٨٧٣ ، و غيرهم عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و اللفظ للترمذي : « يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدّين ، قد امتحن اللّه قلبه على الايمان . . . قال : هو خاصف النعل . و كان أعطى عليّا نعله يخصفها » ، و الثانية أخرجها أحمد بطريقين في مسنده ٣ : ٣٣ ، ٨٢ ، و النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و ابن عساكر بطرق في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٦٣ ١٧٢ ح ١١٧٨ ١١٩١ و غيرهم عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و اللفظ لأحمد : « إنّ منكم من يقاتل على تأويله ( أي القرآن ) كما قاتلت على تنزيله ، قال : فقام أبو بكر و عمر . فقال : لا و لكن خاصف النعل ، و علي يخصف نعله » .

٤٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قريظة : ما تريدون ؟ قالوا : أنت سيّدنا و المطاع فينا و أنت صاحب عهدنا ، فإن نقضت نقضنا ، و إن أقمت أقمنا معك ، و إن خرجت خرجنا معك . فقال الزبير بن ياطا و كان شيخا كبيرا مجرّبا قد ذهب بصره قد قرأت التوراة الّتي أنزلها اللّه في سفرنا بأنّه يبعث نبيّا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكّة ، و مهاجرته بالمدينة إلى البحيرة ، يركب الحمار العريّ ، و يلبس الشملة ، و يجتزي بالكسيرات و التميرات ، و هو الضحوك القتّال ، في عينيه الحمرة ، و بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقاه ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر . فإن كان هذا هو فلا يهولنّه هؤلاء و جمعهم ، و لو ناوته هذه الجبال الرواسي لغلبها . فقال حي : ليس هذا ذلك ، و ذلك النبيّ من بني إسرائيل ،

و هذا من العرب من ولد إسماعيل ، و لا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا ١ .

و فيه أيضا بعد ذكر ظفر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببني قريظة : فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه ، و كان جميلا و سيما ، فلمّا نظر إليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال له : يا كعب أما نفعتك وصيّة ابن الحوّاس الحبر الذكي الّذي قدم عليكم من الشام فقال : تركت الخمر و الخنزير ، و جئت إلى البؤس و التمور لنبي يبعث ،

مخرجه بمكّة ، و مهاجرته في هذه البحيرة ، يجتزي بالكسيرات و التمرات ،

و يركب الحمار العريّ ، في عينيه حمرة ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقي منكم ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر ؟ فقال :

قد كان ذلك يا محمّد ، و لو لا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لآمنت بك و صدّقتك ، و لكنّي على دين اليهود عليه أحيى ، و عليه أموت ٢ .

« و يردف خلفه » روى الواحدي عن عروة بن الزبير أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٨٠ .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١٩١ .

٤٣٩

يعود سعد بن عبادة ، فركب حمارا على قطيفة فدكيّة ، و أردف أسامة خلفه ١ .

و في ( أنساب البلاذري ) : وقف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعرفات و هو مردف أسامة بن زيد ، و كان أسامة يدعى الردف ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان يردفه كثيرا ٢ .

و عن ( الصحيحين ) : أردف النبيّ صلى اللّه عليه و آله الفضل بن العبّاس من مزدلفة إلى منى ٣ .

و عن ابن مندة : عدّ من أردفه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة و ثلاثين نفرا ٤ .

« و يكون الستر على باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانه لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي » روى الخطيب في محمّد بن حمويه عن عايشة أنّها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلمّا رآها النبيّ صلى اللّه عليه و آله قام بالباب و لم يدخل ،

فعرفت عائشة و أنكرت وجهه ، فقالت : يا رسول اللّه تبت إلى اللّه ، ماذا أذنبت ؟

فقال : ما هذه النمرقة ؟ قالت : اشتريتها لك تجلس عليها و توسّدها . فقال : إنّ أصحاب هذه الصور يعذّبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، و إنّ البيت الّذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ٥ .

و روى ( سنن أبي داود ) عن عايشة قالت : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خرج في بعض مغازيه . فأخذت نمطا كان لنا فسترته على العرض ، فلمّا جاء أتى النمط حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ٩٠ و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٥ : ٢٠٣ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤٧٠ ، ٤٦٩ .

( ٣ ) أخرجه البخاري في صحيحه ١ : ٢٩٢ ، و مسلم في صحيحه ٢ : ٩٣١ ح ٢٦٧ ، و الترمذي في سننه ٣ : ٢٦٠ ح ٩١٨ ، و النسائي في سننه ٥ : ٢٦٧ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٠٢٢ ح ٣٠٧٤ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٤٥ ، و أحمد في مسنده ١ :

٢١٦ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٢٩ ، و رواه القاضي الصعدي في درر الأحاديث : ٨٧ بعضهم عن طرق كثيرة ، و حول الحديث بحث عن الباقر عليه السّلام أخرجه في بعض نسخ فقه الرضا عنه المستدرك ٢ : ١١٧ ح ٤ .

( ٤ ) لم أظفر بمرجع نقله .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٢ : ٢٩٣ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٩ ح ٩٦ بفرق يسير ، و الموطا لمالك : ٧٢٦ ، و مسند أحمد ٦ : ٢٤٦ ، و روي معناه كثيرا .

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

منها : الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء ، حيث جلّلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله به حصراً.

ومنها : إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.

ومنها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بأهل بيته للمباهلة ، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.

ومنها : إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة الله بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين ، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.

ومنها : إنّ الأزواج لم يدعين دخولهن فيها ، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.

ومنها : الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة ، كدلالة تغيير الضمير ، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد ، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس ، وإنّ اختلاف المخاطب لا يقدح بورود السياق ، وقد ورد كثيراً في القرآن ، وإنّ الالتزام بوحدة السياق اجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة ، وعدم الالتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه ، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود ، وأنّه هو المنزل ، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة ، وغيرها.

٣ ـ المهمّ إنّ الذين اختاروا اختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق ، وقد عرفت الردّ عليه ، ولكن عندما جوبهوا باختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر ، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله معهن ، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ ، وهو الاختصاص بالنساء ، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف ، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.

مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيتعليهم‌السلام خاصة وجعل الآية واردة في نساء النبيّ ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وذلك لنفس السبب ، وهو تذكير الضمير ، فراجع أقوالهم ، كابن كثير ، وابن روزبهان ،

٤٦١

بل وابن تيمية ، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع النساء فقط.

وبعبارة أُخرى : إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ فقط بمقتضى السياق ، وكان قولهم تخلّص وتملّص من ورود الإشكال عليهم ، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال ، سوى هذا الادعاء ، ولم يستندوا فيه إلى حديث ، أو قول لغويّ ، أو دليل عقليّ ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ فقط ، ورددناه فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ وحده فقط معهن؟

ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا لماذا أدخل الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هنا في هذه الآية بالخصوص ، ولم يدخله في الآيات الأُخر ، التي جاء فيها الضمير مؤنّث ، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا ، لما فيها من ظاهر الضمير ، وظاهر التهديد والوعيد ، المبرأ عنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.

٤ ـ فإذا قالوا : أدخله في هذه الآية فقط ، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.

قلنا : إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط ، وإنّما دخل معهن غيرهن ، بمقتضى تذكير الضمير ، وأنّ الاعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.

فإذا كنّا نحن والآية فقط ، نضيف : أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر ، فما هو دليلكم على دخول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط ، فلعلّ معه غيره.

وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء ، وهذا عود من البدء ، وهو دور صريح.

٤٦٢

فلا يبقى إلاّ الاعتماد على قرينة من داخل الآية ، وهو المعنى المراد من أهل البيتعليهم‌السلام ، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً ، ومنها مدّعاكم ، وقد رددناه بما لا مزيد عليه ، بل إنّ القرينة في الآية تخرج النساء أصلاً ، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد ، واحتمال صدور المعصية منهن ، أو قرينة من خارج الآية من سنّة أو لغة ، وهي معنا كما عرفت سابقاً.

( محمّد علي معلى ـ سورية ـ ٣٨ سنة ـ طالب متوسطة )

قبولهم توبة الغالي :

س : ورد عن أحد الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام : أنّه بنا يلحق القالي وإلينا يرجع الغالي ، وتوجد تتمّة للحديث ، أنّه لا يقبل الله رجوع الغالي ولا لحوق القالي ، أفيدونا رحمكم الله.

ج : إنّ جميع الروايات التي وردت تنصّ على أنّهمعليهم‌السلام إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي بالتاء ، وليس هناك في تلك الروايات أية إشارة إلى عدم قبولهم رجوع الغالي ، أو لحوق التالي ، ما عدا رواية واحدة وردت في أمالي الشيخ الطوسيّ ( قدس سره ) ، تشير إلى عدم قبول رجوع الغالي فقط.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله » ، وقد علّل الإمامعليه‌السلام ذلك بقوله : «لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة ، والصيام والحجّ ، فلا يقدر على ترك عادته ، وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجلّ أبداً ، وأنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع »(١) .

ومعنى كلام الإمامعليه‌السلام : إنّ الغالي إذا أراد أن يرجع ويتوب فإنّنا نقبل توبته ، لكن عليه أن يرجع إلى أداء الصلاة ، ودفع الزكاة ، والإتيان بالحجّ ، وصيام

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٥٠.

٤٦٣

شهر رمضان ، وإذا لم يقدر على ذلك ـ لأنّه اعتاد على خلافها ـ فإنّا لا نقبله ، لأنّه لم يحقّق شروط التوبة ، فعدم قبولهمعليهم‌السلام لرجوع الغالي ، لأنّه لا يقدر على تحقيق شروط التوبة ، وهذا بخلاف المقصّر ، فإنّ تركه لبعض الأعمال لعدم معرفته بها ، وإذا عرف فإنّه يعمل ويطيع.

( هاشم. الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

اختصاص بعض الآيات بهم :

س : وفّقكم الله وأطال في عمركم في خدمة أهل البيتعليهم‌السلام .

هناك آيات قرآنية عديدة فسّرها الأئمّةعليهم‌السلام بهم ، كأن يقولوا مثلاً : فينا نزلت ، أو في أمير المؤمنين من هذه الآيات ، قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وقوله تعالى :( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وقوله تعالى :( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

فهل نستفيد من هذه الروايات اختصاص هذه الآيات وغيرها بهم؟ أم في كونهم مصداق أعلى لهذه الآيات ، ولكنّها تشمل غيرهم أيضاً؟ وما هو الدليل؟ وفّقكم الله بحقّ محمّد وآل محمّد.

ج : إذا أخذ قوله تعالى :( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ) (١) نفسه مع قطع النظر عن المورد ، ومن شأن القرآن ذلك ـ ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصصّ بنفسه ـ كان القول عامّاً ، من حيث السائل والمسؤول عنه ، والمسؤول منه ظاهراً ، فالسائل كلّ من يمكن أن يجهل شيئاً من المعارف الحقيقيّة والمسائل من المكلّفين ، والمسؤول عنه جميع المعارف والمسائل التي يمكن أن يجهله جاهل.

وأمّا المسؤول منه ، فإنّه وإن كان بحسب المفهوم عامّاً ، فهو بحسب المصداق خاصّ ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك أنّ المراد بالذكر إن كان هو

__________________

١ ـ النحل : ٤٣.

٤٦٤

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر ، وإن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقومه ، فأهل البيت خاصة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قارنهمصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن ، وأمر الناس بالتمسّك بهم في حديث الثقلين المتواتر(١) .

وقد وردت من الأحاديث عنهمعليهم‌السلام توضّح أنّهم هم أهل الذكر ، وهم قومه ، وهم المسؤولون ، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر ) ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر »(٢) .

وقوله عزّ وجلّ :( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (٣) ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : « نحن قومه ، ونحن المسؤولون »(٤) .

وأمّا قوله تعالى :( أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) (٥) ، فالمراد بأُولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّدعليهم‌السلام ، لأنّ الله أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن من الغلط ، وليس ذلك بحاصل للأمراء والعلماء ، كما قيل : جلّ الله أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والعمل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه(٦) .

أمّا قوله تعالى :( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٧) ، فالآية تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلى الحقّ ، إمّا نبيّ منذر ، وإمّا غيره ، يهدي بأمر الله ،

__________________

١ ـ أُنظر : الميزان في تفسير القرآن ١٢ / ٢٨٤.

٢ ـ الكافي ١ / ٢١٠.

٣ ـ الزخرف : ٤٣.

٤ ـ الكافي ١ / ٢١٠.

٥ ـ النساء : ٥٩.

٦ ـ أُنظر : مجمع البيان ٣ / ١١٤.

٧ ـ الرعد : ٧.

٤٦٥

وقد وردت روايات تشير إلى أنّ المنذر هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي هو عليعليه‌السلام ، ومعنى ذلك أنّ مصداق المنذر هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصداق الهادي هو عليعليه‌السلام أو الإمام(١) .

وأمّا قوله تعالى :( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) ، فالمراد من مفهوم الصادقين كما وضّحه القرآن في سورة الحشر الآية الثامنة ، بأنّهم المؤمنون المحرومون ، الذين استقاموا وثبتوا رغم كلّ المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى الله ، ونصرة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا المفهوم واسع.

إلاّ أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة : أنّ المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط ، ففي رواية : أنّ سلمان سأل عن تلك الآية فقال : يا رسول الله عامّة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال : «أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة »(٣) .

( تركي عبد الله سعيد ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٣ سنة ـ بكالوريوس )

لا تعارض في أفعالهم ومواقفهم :

س : سؤالي هو إلى العلماء المحترمين : علي اتّقى ظلم أبي بكر وعمر وعثمان على حسب كلامكم ، ولكنّه تقاتل مع معاوية ، والحسن رجع واتّقى معاوية ، والحسين لم يرض بحكم يزيد؟

أنا كمسلم عادي ، ومأمور باتباع أهل البيت ، وهم حجّة عليّ ، كيف أفهم مواقفهم بحيث لا يكون فيها تعارض ، لأنّ في ظاهرها تعارض كامل؟

ج : لا يوجد تعارض في أفعال أهل البيتعليهم‌السلام ، لما ثبت عندنا من عصمتهم

__________________

١ ـ أُنظر : الميزان في تفسير القرآن ١١ / ٣٢٧.

٢ ـ التوبة : ١١٩.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٧٨.

٤٦٦

وتكامل علمهم ، ولكن فهم مواقف أهل البيتعليهم‌السلام يحتاج إلى اطلاع شامل ، وموضوعيّ للمرحلة التي عاشها كلّ إمام منهم.

فالظرف الذي قاتل فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام معاوية يختلف عن الظرف الذي صالح فيه الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية ، وكذلك محاربة الحسينعليه‌السلام ليزيد واتباعه ، فللظروف دخلها الكبير في هذه المواقف ، وهذا يحتاج إلى مراجعة كتب العلماء والمحقّقين الذين تناولوا تلك الفترات.

أمّا الموقف الشرعيّ لأهل البيتعليهم‌السلام تجاه هؤلاء الأشخاص الذين حاربوهم أو صالحوهم فهو واحد لا يتغيّر ، وقد نطق بمضمونه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثه : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية »(١) .

وقد علمنا وقف هذا السياق أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل المشركين ، ثمّ صالحهم ، ثمّ دخل عليهم شاهراً سيفه في فتحه لمكّة ، ولا يعني هذا أنّ هناك تناقضاً في أفعال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حاشاه ـ إنّما لكلّ ظرف خصوصياته ودوافعه.

( نوفل ـ المغرب ـ ٢٦ سنة )

الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم :

س : ما هو أوثق مرجع تاريخي لمدرسة أهل البيت؟ وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ كان من حيث سيرة وتاريخ الأئمّةعليهم‌السلام ، فبالإمكان مراجعة كتاب « الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد » للشيخ المفيد ، و « إعلام الورى بأعلام الهدى » للشيخ الطبرسيّ.

أمّا إذا كان المراد من كتب التاريخ التي تعنى بالتاريخ العامّ ، فإنّها كما تعرف كانت تكتب تقرّباً إلى الملوك والسلاطين ، فتذهب بمذاهبهم ، وتورد ما يوافق أفكارهم وغاياتهم ، ولم يكن للشيعة يوماً حكومة إلاّ في فترات قصيرة

__________________

١ ـ ينابيع المودة ٣ / ٣٧٢.

٤٦٧

لم يتسنّ كتابة هكذا تاريخ فيها ، وإن كان هناك بعض الكتب فإنها ذهبت مع ما ذهب من كتب الشيعة نتيجة القمع والملاحقة ، تستطيع أن تعرفها لو راجعت كتب التراجم.

نعم كتب اليعقوبيّ والمسعوديّ اللذين يعتبران من الشيعة كتب في التاريخ العامّ للدول والملوك ، ولكن كتبوا في زمن تسلّط مخالفيهم ، فشابها الكثير من التقية وعدم التصريح ، والاكتفاء بالأحداث العامّة وتواريخ الوقائع.

( أبو جعفر ـ الكويت ـ )

معناه اللغويّ :

س : وفّقكم الله ، إخواني الكرام القائمين على هذا الموقع العظيم ، وجعله في ميزان أعمالكم ، ورزقنا الله وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام .

أمّا بعد ، من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم ، لاحظت أمراً يتعلّق بآية التطهير : أنّه هل يمكن أن نستفيد من نفس الآية حصراً بغضّ النظر عن الأدلّة الأُخرى ، وهو اختلاف المراد من( بيوتكن ) و( أهل البيت ) ، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : في مقام التعليق على ما ذكرت ، نقدّم أُموراً :

١ ـ يحدّد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها ، فأهل القرى : سكّانها ، وأهل الكتاب : أتباعه ، وأهل الرجل : عشيرته وذوو قرباه(١) ، أخصّ الناس به(٢) ، من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين(٣) .

وأهل بيت الرجل : ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيمعليه‌السلام وأولاد أولاده ، قال تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ

__________________

١ ـ القاموس المحيط ٣ / ٤٥٣.

٢ ـ لسان العرب ١١ / ٢٩.

٣ ـ المفردات في غريب القرآن : ٢٩.

٤٦٨

وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (١) .

وهناك فرق بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل ، فقد عُبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته ، قال الزبيدي : « ومن المجاز : الأهل للرجل زوجته »(٢) .

أمّا أهل بيت الرجل : فهم من يجمعه وإيّاهم نسب ، وتعورف في أسرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ من الواضح أنّ أهل البيت متكوّنة من لفظتين هي : « أهل » التي ذكروا أنّها ولفظة « آل » بمعنى واحد ، وذكروا لهما معان متعدّدة بين الضيق والسعة ، يرجع إليها في البحث المتعلّق بمعنى « الآل » ، وهل هم أقرباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أتباعه أو غير ذلك؟

واللفظة الأُخرى فهي « البيت » ، فهل المراد منها المعنى الموضوع لها ـ وهو مكان السكن المتكوّن من الطين والخشب ، أي البيت المادّي ـ أو المراد منها هنا المعنى الاستعمالي ـ وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة ـ أي بيت النبوّة؟

مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة ما هو المعنى المراد من استعمال أهل البيت إذا جاءا معاً عند العرب ، وبالتالي لا فرق بين تعيين أيّ من المعنيين ، ولكن المعنيين المذكورين أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية.

٣ ـ من الواضح أنّ المقصود من البيوت في قوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٤) هي البيوت

__________________

١ ـ هود : ٧٣.

٢ ـ تاج العروس ٧ / ٢١٧.

٣ ـ الأحزاب : ٣٣.

٤ ـ الأحزاب : ٣٤.

٤٦٩

المبنية من الطين والخشب ، وكذا في قوله تعالى :( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) (١) ، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي « أهل البيت » ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة ، سواء قلنا إنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب ، أو بيت الذروة والشرف ، وذلك واضح من الآية( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) .

أمّا إذا قلنا : إنّ المراد من « البيت » فيها هو بيت الطين والخشب ، فلأنّه قد أضاف جمع البيوت في( فِي بُيُوتِكُنَّ ) إلى النساء ، وفي( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) إلى النبيّ ، وهنا عرّف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الاستغراقية كما هو واضح ، فإنّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت.

فتحصّل : أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء ، وإلاّ فما هو المرجّح بينها ، وإنّما هو بيت آخر غيرها معهوداً بين المتكلّم والمخاطبصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد يكون بيت عليعليه‌السلام ، كما ذكر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما أشار إليه أبو بكر ، وقال : هل هذا البيت منها؟ أي من البيوت التي أذن الله أن ترفع كما جاء في الآية ، فأجابهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم من أفضلها »(٣) ، وبيت علي هو بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا إشكال.

وهذا فيما لو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى ، أي المصنوع من الطين والخشب ، وهو مورد الشبهة التي جاءت عند العامّة ، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سقفه ، فالأزواج من أهله ، وقد عرفت الجواب مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين : « أهل » و « البيت » هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة فلاحظ.

وأمّا إذا أُريد من البيت هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة ، وأنّ المراد منه

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣ ـ الصراط المستقيم ١ / ٢٩٣.

٤٧٠

كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل الله ، فعند ذلك لا يصحّ الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والاستعداد الكامل ، الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل الله تعالى ، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة ، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب ، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه ، فجاءها الجواب بالنفي ، وهذا البيت هو المراد منه( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ) (١) ، كما تقدّم سابقاً في جواب النبيّ لأبي بكر.

وورد أيضاً : أنّ قتادة لمّا جلس أمام الإمام الباقرعليه‌السلام قال : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : « ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي( بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ) فأنت ثمّ ونحن أولئك » ، فقال قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين(٢) .

ولعلّ هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه « أهل البيت » كما نقلنا عن أصحاب اللغة.

٤ ـ وبعد كلّ ما تقدّم ، فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي « أهل البيت » فيما إذا وردتا معاً ، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ فافترق المسلمون إلى أقوال ، ونحن نستدلّ بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ، إضافة إلى ما تقدّم كلّه.

__________________

١ ـ النور : ٣٦.

٢ ـ خصائص الوحي المبيّن : ١٨.

٤٧١

فإذا تقرّر ذلك : نرجع إلى سؤالك فنقول : من الواضح أنّ المراد في( بُيُوتِكُنَّ ) هو بيت الطين والخشب ، وهو يجمع إذ لو كان لشخص معيّن عدّة زوجات ، وكلّ منها اسكنها في بيت ، فيقال : هذه بيوت هذا الرجل ، أو بيوت زوجاته ، وأنّ المراد من « أهل البيت » معنى آخر هو ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، ولا تجمع لفظة « البيت » فيه بهذا المعنى ، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا « أهل بيوت النبيّ » ، ويراد به هذا المعنى المتقدّم ، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة ، فإنّهم يقال لكلّ أولاده : أهل بيت الرجل ، نعم قد يستعمل أهل بيوت الرجل ، لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته ، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل.

فإذا نظرنا إلى الآية ، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء ، وأنّها جاءت مفرداً عندما عرّفت بالألف واللام ، وتعلّقت بالأهل ، فتعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا ، فيمكن أنّ تكون إشارة لطيفة بلاغية على الاختلاف ، نظراً لإبدال التعبير من الجمع إلى المفرد ، ثمّ إلى الجمع في نفس الآيات ، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً ، وذلك لأنّا قلنا : إنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم أهل البيت ، سواء من اللغة أو القرآن أو السنّة.

فاختلاف المعاني المرادة من البيت لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في أهل البيت ، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أنّ النساء داخلات في « أهل البيت ».

نعم ، نعود ونقول إنّه مؤيّد ، وإشارة لطيفة تتمّ إذا ادعى مدعٍ أنّ المراد من البيت في « أهل البيت » في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب ، وتتأكّد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا ، إذا لاحظنا العودة إلى جمع البيوت مرّة أُخرى في آية( واذكرن ) بعد آية التطهير ، فكأنّها تؤكّد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت ، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع ، والإضافة إليهن بعد الإفراد والتعريف بالألف واللام العهدية.

٤٧٢

( أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

ما يتعلّق بخبائثهم :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع.

ليس في بول الأئمّة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة ، بل هما كالمسك الأذفر ، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرّم الله عليه النار ، واستوجب دخول الجنّة ، « أنوار الولاية للآخوند ملاّ زين العابدين الكلبايكاني : ٤٤٠ ».

وروي عن أبي جعفر : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من إمامه ، ونجوه كريح المسك » ، الكافي ١ / ٣١٩ كتاب الحجّة ـ باب مواليد الأئمّة ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : وردت رواية مرسلة في الكافي بهذا المعنى في بيان أنّ للإمام علامات عشر ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً ، مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه »(١) .

قال المازندراني في شرح أُصول الكافي : « قوله : «ونجوه كرائحة المسك » هذه علامة سابعة ، وفيه حذف أي رائحة نجوه ، والنجو ما يخرج من ريح أو غائط ، وذلك لأنّ باطنه كظاهره طاهر مطهّر ، ممّا يوجب التأذّي والتنفّر منه.

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٣٨٨.

٤٧٣

قوله : «والأرض موكّلة بستره وابتلاعه » هذه علامة ثامنة ، وذلك إمّا لتشرّفها به ، كما شرب الحجّام دمهصلى‌الله‌عليه‌وآله للتشرّف والتبرّك ، أو لأنّه وإن لم يكن له رائحة إلاّ أنّ صورته كصورة نجو غيره ، ومشاهدة ذلك يوجب التنفّر منه في الجملة ، فأمرت الأرض بابتلاعه إكراماً لهعليه‌السلام »(١) .

ونحن بغضّ النظر عن سند الرواية نقول : إنّ متن الرواية لا منافاة فيه ، لما دلّ الدليل عليه من الأدلّة العقليّة من وجوب اتصاف الإمام المنصوب من قبل الله سبحانه بأفضل الصفات وأعلاها ، وأن لا يكون فيه ما هو منفرّاً للناس ، سواء كان ذلك بالطباع أو بالتكوين ، لأنّه يعدّ نقضاً لغرض تنصيبه من قبل الله سبحانه.

وأيضاً قد دلّت الأدلّة المتضافرة في كتب الفريقين : أنّ الأئمّةعليهم‌السلام قد خُلقوا من طينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النورانية ، وأنّ طباعهم طباعه ، وسنخهم سنخه.

روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا ذات يوم ، فقال : أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، ثمّ بكى.

فقلت : يا رسول الله ، ما يبكيك؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضبت منها لحيتك.

فقلت : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك.

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني في النبوّة

__________________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٦ / ٣٩٢.

٤٧٤

واختارك في الإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي »(١) .

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهمي وعلمي ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي »(٢) .

وإذا علمنا هذا ، أي أنّ الأئمّةعليهم‌السلام خُلقوا من طينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي طينة نورانية ذات سنخ ملكوتيّ خاصّ ، كما أثبتت ذلك الروايات المتقدّمة وغيرها.

وعلمنا من الحوادث أنّ هناك من شرب دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تمسّك النار »(٣) .

وبعضهم شرب بول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال لشاربه ـ وكانت امرأة تخدم أُمّ حبيبة جاءت معها من الحبشة ـ : « صحّة يا أُمّ يوسف »(٤) .

وأيضاً أخرج سعيد بن منصور من طريق عمر بن السائب : أنّه بلغه أنّ مالكاً والد أبي سعيد الخدريّ لمّا جرح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مصّ جرحه حتّى أنقاه ولاح أبيض ، فقيل له : مجّه ، فقال : لا والله لا أمجّه أبداً ، ثمّ أدبر فقاتل.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا » ، فاستشهد(٥) .

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٥٥.

٢ ـ كنز العمّال ١٢ / ١٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٢٨.

٣ ـ سنن الدارقطنيّ ١ / ٢٣٤ ، كنز العمّال ١٣ / ٤٦٩ و ٤٧٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٠ / ٢٣٣ و ٢٨ / ١٦٢ ، الإصابة ٤ / ٨١ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٦٨ و ٣٧٧ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٥٥.

٤ ـ نيل الأوطار ١ / ١٠٦ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٥٥ ، تلخيص الحبير ١ / ١٨٢.

٥ ـ تلخيص الحبير ١ / ١٨١.

٤٧٥

نقول : فأيّ ضير بمن يكون من طينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تكون له تلك المزايا والصفات في فضلات جسمه ، كما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن كانت الإمامة بالجعل الإلهيّ هي الامتداد الطبيعي للرسالة شكلاً ومضموناً من حيث صيانة التبليغ والحفاظ عليه ، كما يشير إليه الحديث الشريف الوارد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا من تفدون »(١) .

____________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٤٤١.

٤٧٦

أهل السنّة :

( أبو يحيى درويش ـ اليمن ـ ٢٤ سنة. طالب كليّة الشريعة )

وجه تسميتهم بهذا الاسم :

س : هل من طريق إلى معرفة السرّ في تسمية أهل السنّة والجماعة بهذا الاسم؟ وما الدليل؟

ج : هي تسمية أطلقتها المذاهب الإسلامية الأُخرى على نفسها ، تمييزاً عن شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، فالحديث المروي والمتواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فيه دلالة صريحة على وجوب تبعية أهل البيتعليهم‌السلام ، فهم مع كونهم يروون الحديث متواتراً ، إلاّ أنّهم حرّفوه إلى سنّتي بدل عترتي ، وقالوا : نحن أتباع سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولسنا اتباع أحدٍ من عترته ، وبذلك عرفوا بأهل السنّة والجماعة ، تمييزاً عن أتباع العترة ـ وهم شيعة أهل البيت ومواليهم ـ وهكذا صار هذا المصطلح متعارفاً في أدب المذاهب الإسلامية الأُخرى.

( ـ ـ )

هم مسلمون :

س : لدي استفسارات مهمّة أرجو أن تجيبوا عليها إجابة واضحة شافية.

أوّلاً : أخبرنا الشريف عمر بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي ، وأبو غالب

٤٧٧

سعيد بن محمّد بن أحمد الثقفي الكوفي بها ، قالا : أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي قال : أخبرنا زيد بن جعفر بن محمّد ابن حاجب قال : حدّثنا أبو العباس محمّد بن الحسين بن هارون قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الحسني قال : حدّثنا محمّد بن مروان الغزال قال : حدّثنا عامر بن كثير السراج ، عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له بمكّة ، أو بمنى : يا بن رسول الله ما أكثر الحاجّ ؟

قال : « ما أقلّ الحاجّ ، ما يغفر إلاّ لك ولأصحابك ، ولا يتقبّل إلاّ منك ومن أصحابك »(١) .

س : هل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟

وهل ما جاء فيه ينطبق فقط على الزمن الذي كان فيه الإمام أبو جعفرعليه‌السلام ؟ أم أنّه كذلك لا يقبل الحجّ حتّى في زماننا هذا إلاّ من الشيعة الإمامية؟ وما قول العلماء المعاصرين في هذه المسألة؟

ثانياً : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري الحسيني قال : حدّثنا محمّد بن الفضل بن حاتم المعروف بأبي بكر النجار الطبري الفقيه قال : حدّثنا محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا داهر بن محمّد بن يحيى الأحمري قال : حدّثنا المنذر بن الزبير ، عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تضادّوا بعلي أحداً فتكفروا ، ولا تفضّلوا عليه أحداً فترتدّوا » (٢) .

س : عن صحّة هذا الحديث أيضاً؟ وما المقصود بـ « لا تضادّوا »؟ وإذا كان صحيحاً ، هل يعني هذا أنّ العامّة من أهل السنّة حين يفضّلون الشيخين على علي أنّهم مرتدّون؟ وهل يعني الارتداد هنا عن الإسلام؟ أي أنّهم كفّار وغير مسلمين مهما فعلوا؟

أرجو أن يكون الجواب مدعماً كذلك بقول العلماء المعاصرين.

____________

١ ـ بشارة المصطفى : ١٢٣.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٣.

٤٧٨

ج : إنّ الحديث الأوّل ليس نقي السند بالشكل الذي يؤخذ به ، ففيه من المهملين والمجهولين ، أو غير الموثقين بحيث لا يمكن الاعتماد عليه ، والأمر فيه موكول إلى علم الرجال.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالرواية في مجال بيان شرطية موضوع الولاية في قبول الأعمال ، وقد وردت أحاديث كثيرة تصرّح بأنّ الفاقد للولاية ومنكرها لا يقبل الله عزّ وجلّ منه أعماله يوم القيامة ، وإن صلّى وصام وحجّ و ، فالولاية شرط في صحّة العمل.

نعم ، ينبغي أن نتعامل مع غيرنا بالظواهر ، فنحكم بإسلام كلّ من اعتقد بأُصول الدين ، وعمل بالأركان ، حتّى وإن كان اعتقادنا بأنّ منكر الولاية سوف تذهب أعماله هباءً يوم القيامة.

والحديث الثاني يشتمل على رواة مجهولين أو مهملين وضعفاء ، فلا يمكن الركون إليه ، ولا تتمّ به الحجّة.

ثمّ على فرض حجّية السند لا أشكال في جانب دلالته ، إذ إنّ الكفر والارتداد المذكورين هنا بمعنى الانحراف ، والعدول عن الخطّ المستقيم الذي رسمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للأُمّة.

وعليه ، فلا سبيل لتكفير الآخرين ، بمعنى الحكم عليهم بخروجهم عن الإسلام ، وإن كان المنكر لإمامة عليعليه‌السلام سيحاسب على عقيدته ـ إن لم يكن مستضعفاً ـ.

وهذا هو رأي علماء الشيعة ، حيث يفتون بإسلام أهل السنّة ، وإن كانوا يرونهم منحرفين عن خطّ الإمامة والولاية.

( عبد الله ـ ـ )

إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة :

س : من الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟

٤٧٩

ج : قال الدكتور التيجاني السماوي في كتابه : « لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتفقوا على تسمية العامّ الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة ، وذلك أنّ الأُمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي ، وأتباع معاوية.

ولما استشهد الإمام عليعليه‌السلام ، واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح ، الذي أبرمه مع الإمام الحسنعليه‌السلام ، وأصبح معاوية أمير المؤمنين ، سمّي ذلك العام بعامّ الجماعة.

إذاً ، فالتسمية بأهل السنّة والجماعة دالّة على اتباع سنّة معاوية ، والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنّة رسول الله ، فالأئمّة من ذرّيته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأهل مكّة أدرى بشعابها ، ولكننا خالفنا الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتبعنا أعداءهم.

ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول الله اثني عشر خليفة كلّهم من قريش ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة ، ولعلّ معاوية الذي سمّانا بأهل السنّة والجماعة ، كان يقصد الاجتماع على السنّة التي سنّها في سبّ علي ، وأهل البيت التي استمرت ستين عاماً ، ولم يقدر على إزالتها إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وقد يحدّثنا بعض المؤرّخين : أنّ الأمويّين تآمروا على قتل عمر بن عبد العزيز ـ وهو منهم ـ لأنّه أمات السنّة ، وهي لعن علي بن أبي طالب »(١) .

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

ليسوا أولاد بغايا :

س : ورد عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا

____________

١ ـ ثمّ اهتديت : ٢٠٣.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605