بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110245 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

من تعاملهم مع الهنود الحمر في امريكا ، ولو تجاوزنا بعض المظالم والضغوطات التي قمنا بها في حروبنا غير المشروعة ضدهم ، فأن تعاملنا ( شعوب اوروبا ) مع شعوب الشرق يبقىٰ باعثاً علىٰ العداء والبغضاء ، فلو لم يستطع الاوروبيون الاستفادة مباشرة من الشرقيين كما حصل في الهند ، حيث كانوا لا يبقون لهم الّا ما يسدون به رمقهم ، بأسم الضرائب ، فقد كانوا يحصلون منهم الاموال من خلال تجارة غير مشروعة ومضاربات مالية ، ومن هنا يتّضح حجم الانحطاط الاخلاقي الذي وصل اليه الاوروبيون ، ولو اردنا محاكمة التجّار الاوروبيون علىٰ ضوء قانونهم التجاري لما نجىٰ إلّا القليلين منهم من اشد العقوبات ».

حرب الافيون في الصين

ثم يقول الدكتور لوبون :

« ومن الصفحات السوداء في تاريخ اوروبا ، تلك التي تختص بالعلاقة مع الصين في القرن التاسع عشر ، ولربما ينال احفادنا يوماً ما عقاب ما فعلناه هناك علىٰ يد الصينيين(1) ، فما هو تعليق الشعوب الاوروبية علىٰ الحرب المدمرة التي تعرف بحرب الافيون ، حيث قام الانجليز بادخال سمّ قاتل ( الترياق ) الىٰ الصين ، فعارضت الحكومة الصينية آنذاك هذا العمل لكن الانجليز اجبروهم علىٰ الاستسلام والقبول في النهاية بالقوة ومن خلال دوي ________________

(1) ونحن أيضاً ننتظر ذلك اليوم ، حيث تنتقم الشعوب المستضعفة ، وليس الشعب الصيني فقط ، منهم ان شاء الله.

٢٢١

المدافع ، وصحيح ان بريطانيا تجني حالياً مائة وخمسين مليون جنيه في السنة من تجاره ( الترياق ) ، لكنه وحسب الاحصائية التي قام بها حديثاً الدكتور كريستليب(1) فأن هذا الترياق ينتهي بستمائة الف صيني سنوياً الىٰ خشبة الاعدام ، وحرب الترياق المدمرة مثال يحتفظ به الصينيون علىٰ وحشية الاوروبيين وانحطاطهم الاخلاقي ، وهو ما سينقلونه لأجيالهم اللاحقة أيضاً(2) فعندما كان المبشرون الانجليز يدعون الصينيين الىٰ النصرانية ، كان جوابهم : سبجان الله ! انكم تسمّونا اولاً وتقتلوننا وبعد ذلك تعطونا دروساً في التقوىٰ والعفة.

وبعد ان ينقل الدكتور لوبون حديثاً عن السيد ششوار(3) في بعض الصينيين والهنود للاوروبيين ، يضيف :

« تعاملنا مع شعوب الشرق ، يعطيعم الحق في بعضنا والعداء لنا ، فكلما تصورت نفسي شرقياً لا اجد تردداً في اظهار ذلك البغض والعداء للاوروبيين ، فحتىٰ لو اظهرنا نحن الاوروبيين الامانة والصدق حالياً في جميع معاملاتنا مع شعوب الشرق ، يبقىٰ من مصلحة الشرق ان يقطع كل علاقة له بالقرب مع الغرب ويكمل الجدار القديم الذي بناه ذلك الملك العاقل علىٰ حدود الصين ».

________________

(1) Dr. Chritlieb

(2) يجب ان نشكر الشعب الصيني الذي وصفهم بالوحوش والبرابرة ، في حين ان بعض ابناء شعبنا ورغم المآسي التي لحقت بهم من الاوروبيين وهي اخطر مئات المرات من حرب الافيون ، لا يزالون يعبدونهم مثل الاصنام.

3 ـ Mr. Rochechouart

٢٢٢

كان ذلك اعترافاً من اشهر علماء اوروبا المنصف الدكتور لوبون ، ويظهر منه المستوىٰ الذي وصل اليه ظلم الغرب واعتداءاته علىٰ الشعوب والدول المستضعفة التي تطالب بأستقلالها وحقوقها ، اجل هؤلاء السارقون الدوليون والمدججون بالسلاح والتكنولوجيا والسباع الضارية ، هم انفسهم الذين يعتبرون قطع يد السارق عقاباً له عملاً وحشياً خلافاً للعواطف الانسانية !

سعادة الدكتور ، هذه بضع نماذج قدمتها لكم عن قوانين الاسلام العظيم ، واعتذر لضيق المجال عن ذكر جميع القوانين التي اتىٰ بها الاسلام ، ومقارنتها بالقوانين الوضعية التي تحكم عالمنا المعاصر.

فهذه القوانين السامية هي التي ادت الىٰ انتشار الاسلام بسرعة بين الناس في عالم الامس وعالم اليوم ، كما ان دقتها العلمية هي التي جعلت كبار علماء العالم يسلمون امام عظمة نبي الاسلام الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته.

٢٢٣

البحث في قوانين الاسلام العسكرية

العقيد : ما ارودتموه في اثبات قوة القوانين الاسلامية من الناحية العلمية وفي جميع شؤون الحياة المادية والمعنوية ، قياساً بقوانين عالم اليوم ، مقنع جداً ، لكن الجزء الذي ارأىٰ صعوبة في قبوله من كلامكم ، هو ان القوانين الاسلامية المحيّرة للعقول هي العامل الوحيد في التقدّم السريع الذي كان للاسلام في عالم الامس وانتشاره في عالم اليوم ، لأنه والحق يقال ، وكما اشار الىٰ ذلك الكثير من المبشرين المسيحيين فان الحروب الكثيرة التي خاضها المسلمون ، لعبت دوراً كبيراً وهاماً في تقدم الاسلام وانتشاره.

الشيخ : سيادة العقيد ! ان الذين يرون ان الاسلام انتشر بالسيف ، أمّا ان يكونوا من اعداء الاسلام أو أنَّهم ممن يجهلون البرنامج العسكري والحربي للاسلام ، ولا يدركون الهدف الاساسي الذي ينشده المسلمون من الحرب ، ولأثبات بطلان التهم التي تصدر من اعداء الاسلام وخاصة المبشرين المسيحيين الذين استفادوا من جهل المسلمين بتاريخهم وادعوا أن الاسلام انتشر بالسيف والقوة ، سوف أكون مضطراً لشرح البرنامج العسكري الاسلامي وهدف المسلمين من الحرب.

جوع وميدان معركة !

وفي هذه الاثناء ارتفع صوت عامل مطعم القطار في الممر :

٢٢٤

الغداء الغداء ايها السادة الغداء جاهز.

نظر الشيخ وبقية الاصدقاء الىٰ ساعاتهم فوجدوا الوقت ، اول الظهر.

الدكتور : سيادة العقيد ، الوقت اول الظهر ، ولن ادعك تجر هذا الشيخ الىٰ ساحة القتال وهو جائع ، فأنت عسكري وتستطيع تحمل الجوع ، لكن هذا العم يتحدث لنا منذ ساعات وبالتأكيد ليس بأستطاعته الآن شرح برنامج الاسلام العسكري ببطن فارغة.

العقيد : سعادة الدكتور ، اتصوّر انك اتّخذت الشيخ ذريعة ، والحقيقة انكم انتم الجائعون ، وهنا ضحك الاصدقاء.

الدكتور : بالتأكيد ، الجميع جياع ، والامر لا يختص بي سوىٰ انني تكلمت بصراحة ، لكنكم اضمرتم ذلك ، حسناً ، مع انني جائع جداً ، إلّا اني اوافق علىٰ الحديث عن البرنامج الحربي يطرحه الاسلام اولاً ، ثم نذهب للغداء من بعد.

العقيد : شكراً علىٰ ذلك.

الشيخ : قبل الدخول في بحث قوانين الاسلام العسكرية ، لابد من الاشارة إلى أن الاسلام دين كامل ومذهب مستقل ، ولو كان هذا الدين لا يملك برنامجاً ، واحكاماً فيما يتعلق بالامور العسكرية فانه بلا شك ناقص وغير تام.

ولا بدّ ان يكون لهذا الدين السماوي الكامل افضل واكمل القوانين أيضاً في المجال العسكري ، لأن الاسلام لا يواجه في مسيرة الكمال التي يدعو لها اهل العلم والمنطق أو الناس البسطاء غير المتعلمين فقط ، بل هناك الجبابرة

٢٢٥

والطواغيت الذين يُعد الاسلام خطراً مواجهاً لهم في استمرار سيطرتهم واستضعافهم للناس والمحرومين ، لذلك من الطبيعي ان يقفوا ضده ويضعوا العوائق في طريقه ، وهؤلاء الذين لم يتعاملوا مع المسلمين إلّا بمنطق القوة والسيف ، كان لابدّ للمسلمين أيضاً ان يواجهونهم بنفس المنطق الذي لا يفهمون غيره وان يزيلوهم عن طريق الدعوة الىٰ الاسلام الذي هو السبيل لكمال الانسان وسعادته ، والآن حيث اتّضحت الحاجة الىٰ برنامج ونظام حربي الاسلامي ، لابد من شرح قوانين الاسلام واحكامه العسكرية لمعرفة قوتها وقيمتها الحقيقية.

ان اغلب الحروب ، تحدث للتوسع وفتح البلدان واستعمارها واستثمارها ، وفي هذه الحروب تهاجم دولة ، دولة اخرىٰ وتحاول الانتصار عليها بأية وسيلة حتىٰ تسيطر علىٰ ذلك البلد وتوسع من دائرة سلطتها وحكومتها ، لذلك نشاهد الجرائم والمآسي التي تأتي بها تلك الحروب في الماضي والحاضر وتلك الاعمال الدنيئة التي يخجل الانسان من ذكرها.

أمّا الاسلام فلا يهدف من حروبه فتح البلدان أو استثمار الشعوب ، لأنه اساساً يقف في حروبه امام الطغاة الذين قاموا بأستثمار الناس وعملوا على تخلفهم.

وللاسلام أهداف مقدّسة وانسانية سامية في الحروب والمعارك التي يخوضها ، لذلك فالبرنامج العسكري الوحيد المليء بالمفاخر والاعتزاز هو البرنامج العسكري الاسلامي ، لأن حروب الاسلام هي حروب تحريرية ، وعلىٰ هذا الاساس ، فالقوانين العسكرية والحربية الاسلامية بمستوىٰ من الشرف والنخوة ، استطيع ان ادعي معه بصراحة انه لا يوجد مثيل لها في جميع

٢٢٦

القوانين العسكرية والحربية في العالم ، وهذه بعض المواد الاساسية للنظام العسكري والحربي في الاسلام :

1 ـ علىٰ الجندي المسلم عندما يواجه العدو ، ان يدعوه في البدء الىٰ الاسلام ، وفيما لو قبل الدعوة واصبح مسلماً فلا يحق لأحد من جيش المسلمين الاعتداء عليه أو علىٰ ماله وبلده ، بل لو اعتدىٰ أحد الجنود المسلمين علىٰ ذلك الشخص الحديث الاسلام وقتله ، لابدّ من معاقبة ذلك الجندي المسلم ، والاقتصاص منه علىٰ اساس قانون القصاص.

2 ـ فيما لم يقبل الاعداء غير المسلمين الدعوة الىٰ الاسلام ، لايحق للجنود المسلمين ايضاً مهاجمتهم والاقتتال معهم ، بل يجب ان يدعوهم لأعطاء الجزية(1) ولو قبلوا بذلك لايحق للجيش الاسلامي الاعتداء عليهم ومهاجمتهم.

3 ـ بعد ان يمتنع الاعداء غير المسلمين من دفع الجزية ، عند ذاك تكون دور الحرب معهم ، لكن الحرب تكون مع الجنود غير المسلمين الذين جاؤا الىٰ ساحة المعركة بهدف القتال ، ولو فرّوا من ساحة القتال لا يحق للمسلمين مطاردتهم ، ولو اندحر جيش الكفار ودخل المسلمون بلاد الاعداء ، لا يحق لهم التعرّض الىٰ الشيوخ والعجائز وقتلهم ، أو ايذاء الاطفال والنساء والضعفاء ، وحتىٰ الحيوانات ، كما يجب عليهم ان لا يدمروا المزارع والبساتين ، ولا يخربوا الانهار والقنوات ، ولا يحق لهم تخريب الابنية أو قطع الاشجار المثمرة

________________

(1) ضريبة خاصة تؤخذ من المشركين ( اهل الكتاب ) حسب قدراتهم المالية ، وفي المقابل تتعهد الدولة الاسلامية بضمان امنهم.

٢٢٧

والخضراء.

عندما أراد جيش المسلمين التحرك نحو مؤته ، خطب فيهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :

« ستجدون فيها رجالاً معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم ، لاتقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً ولا كبيراً فانياً ولا تقطعن نخلاً ولا شجراً ولا تهدمن بناء »(1) .

وفي خطبة لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام لجيشه قبل قتال جيش معاوية ، يقول :

« فاذا كانت الهزيمة باذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تصيبوا معوراً ولا تجهزوا علىٰ جريح ولا تهيجوا النساء بأذىٰ »(2) .

أصدقائي الاعزاء !

هذه بعض مواد القانون الحربي في الاسلام ، وكما تلاحظون ، مع ان هدف المسلمين هو احتلال البلدان غير الاسلامية ، ( من اجل غاية مقدسة سنشرحها لاحقاً ) ، لكنهم يراعون جميع جوانب الفضيلة والانسانية ، والقوانين الحربية في الاسلام لا تسمح بأي عمل غير اخلاقي أو مما يخدش بالرجولة والضمير.

________________

(1) نواسخ التواريخ.

(2) نهج البلاغة : 16 ، طبعة مصر.

٢٢٨

لنكتشف مجرىٰ الماء

في احدىٰ معارك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع اليهود ، كان اليهود قد لجأوا الىٰ حصن منيع لا يطاله المسلمون ، فبقي المسلمون محاصرين للحصن اياماً ، وهم يفكرون بحلّ لفتح الحصن والانتصار علىٰ اليهود ، وفي مثل تلك اللحظات الحساسة جاء أحد قادة الجيش الاسلامي الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال ان ماء شرب اهالي الحصن يأتي من خارجها ، ونستطيع نحن من خلال اكتشاف مجرىٰ الماء ان نسيطر عليه ، ونمنع عنهم الماء فنضطرهم الىٰ الاستسلام ، فهل تسمح لنا القيام بذلك ؟ فأجابه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لن اسمح لكم بذلك ، ففي الحصن اشخاص كبار في السن طاعنين ومرضىٰ وفيها نساء واطفال وحيوانات ، فلماذا نمنع الماء وهم لا يقاتلوننا(1) .

لن اسمح بمنع الماء

حدث في معركة صفين ان جيش معاوية استولىٰ علىٰ أطراف نهر الفرات قبل وصول جيش الامام عليعليه‌السلام ، ولم يسمح لجيش الامام عليعليه‌السلام ان يأخذ من ماء النهر ، فأشتد العطش بجيش الامام عليعليه‌السلام فطلبوا الاذن من الامام بالهجوم علىٰ قوات معاوية التي تحول دون وصولهم للنهر ، فسمح لهم الامام بذلك ، وبعد هجوم سريع استطاع جيش الامام علي ان يخرج الفرات من قبضة جيش معاوية.

________________

(1) ناسخ التواريخ.

٢٢٩

ورداً لما قام به معاوية وجيشه من دناءة ، اقترحوا علىٰ الامام عليعليه‌السلام ان لا يسمح هو أيضاً لجيش معاوية الاستفادة من ماء الفرات ، وبذلك سيفقد الجيش قدرته علىٰ الصمود من شدة العطش ، فينهار ويستسلم دفعة واحدة ، فأجابهم الامامعليه‌السلام علىٰ اقتراحهم : لا اكافيهم ، بمثل ما فعلوا ، افسحوا لهم عن الشريعة(1) .

اصدقائي الاعزاء !

يتّضح من المثالين التاريخيين اللذين سقتهما ، كيف ان انتصار الجنود المسلمين علىٰ الاعداء ممزوج بالرجولة والفضيلة.

هدف الاسلام الاساسي من الحرب مع غير المسلمين

الطالب الجامعي ، حسن : القوانين الحربية والعسكرية الاسلامية التي نقلتها ـ والخطاب للشيخ ـ رجولية وعطوفة جداً ، وصحيح انه لا يوجد مثل هذه القوانين الفاضلة المشرّعة لساحة القتال حيث يصل الغضب والحقد ذروته ، في جميع قوانين العالم الحربية ، لكنه يبقىٰ هناك سؤال وهو هدف الاسلام من الحرب والانتصار علىٰ الدول غير الاسلامية ؟

الشيخ : لم يكن هدف المسلمين من الانتصار علىٰ الدول غير الاسلامية ، هو ادخالهم الىٰ الاسلام بالسيف ، بل الهدف الاساسي والمهم من

________________

(1)المصدر نفسه.

٢٣٠

ذلك هو ايجاد حالة من الترابط والاختلاط التام بين المسلمين وغير المسلمين ، كي يطلعوا علىٰ قوانين الاسلام السامية عن قرب ، ويشاهدوها عملياً من خلال تصرفات المسلمين ، وبالنتيجة سيدخلون الاسلام بأرادتهم ورغبتهم ، لأنه ليس هناك شك من ان القوانين الاسلامية فطرية وطبيعية وجذابة بشكل لو شوهد تطبيقها من قبل المسلمين ، ستكسب إليها كل انسان سليم القلب ، لذلك كان الناس يدخلون الاسلام افواجاً في البلدان التي فتحها المسلمون والتي شاهدوا فيها وفعة وسموّ القوانين الاسلامية وافضليتها ، من خلال سلوكيات المسلمين ، وهكذا ينتشر الاسلام بالمنطق والاستدلال ودون اي اكراه أو الزام.

لم ينتشر الاسلام بالسيف

الآن وقد تحدثنا عن برنامج الاسلام الحربي وقوانينه وكذلك الهدف الاساسي من الحرب بالنسبة للمسلمين ، سنجيب عن التهم الباطلة التي يرمي بها المبشرون والقساوسة المشركين الاسلام ، من انه دين انتشر بحد السيف ومن خلال الحروب التي خاضها المسلمون وفتحوا بها البلدان.

واجاباتنا علىٰ تلك التهم ، نحددها في عدة مواضيع :

1 ـ علىٰ مدىٰ ثلاثة عشر عاماً من البعثة ، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذروة ضعفه العسكري وهو بين اعدائه الاقواياء الذين يسيطرون علىٰ كل شيء في مكة ، وفي تلك الفترة اعتنق الكثيرين الاسلام دون ان يرهبهم سيف ، لأنه فضلاً عن عدم وجود سيف وقوة للمسلمين ، فقد كانوا اقلية تخاف ان يتخطفها الناس

٢٣١

علىٰ حد تعبير القرآن الكريم ، وكانوا يضطرون احياناً للهجرة من ديارهم وترك اموالهم الىٰ بلدان اجنبية لكي يحفظوا اسلامهم.

اذن في الصدر الاول بحيث بدأ انتشار الاسلام لم يكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يمتلك قوة يرهب بها الناس لدخول الاسلام ، بل ان هؤلاء الناس ذوو النفوس النقية ، دخلوا الاسلام ونبذوا الكفر في ذروة قوته ، وبأختصار ، فلاسلام انتشر في البداية علىٰ اساس الاستدال والمنطق والايمان ، وبعد ذلك بدأ بفتح البلدان للهدف الذي ذكرناه مسبقاً.

2 ـ وكما قلنا سابقاً ، كان المسلمون وقبل بدأ القتال يدعون المشركين من الكفار الىٰ دفع الجزية ، وفيما لو دفعوا الجزية ، كان لهم الحق ان يبقوا علىٰ دينهم للأبد وتحت ظل الحكومة الاسلامية ، وهذا اكبر دليل علىٰ ان المسلمين لم يهدفوا في فتحهم البلدان الىٰ اجبار الناس علىٰ دخول الاسلام ، لانهم كان بأستطاعتهم ان لا يأخذوا الجزية من غير المسلمين ، ويجبروهم علىٰ دخول الاسلام.

3 ـ يحقُّ للذين يدفعون الجزية للمسلمين ليس فقط البقاء علىٰ دينهم ، بل اقامة شعائرهم الدينية الخاصة والذهاب الىٰ الكنائس والمعابد بشكل علني ، في ظل حماية المسلمين.

في حين لو كان المسلمون يريدون اجبار الكفار علىٰ دخول الاسلام ، لما اجازوا لهم اقامة شعائرهم بشكل علني في محافلهم ومعابدهم.

4 ـ الدليلان الرابع والخامس اللذان نسوقهما علىٰ ان هدف الاسلام من الحروب التي قام بها بعد انتشاره وقوته ، لم يكن ارغام الناس علىٰ الدخول فيه

٢٣٢

بالقوة ، هذان النموذجان عن تعامل نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله مع غير المسلمين :

وثيقة صلح الحديبية

في وثيقة صلح الحديبية ( وهي منطقة قريبة من المدينة ) التي وقّعت بين المسلمين والكفار ، تعهد المسلمون بأرجاع اي شخص من كفار مكة يدخل الاسلام ويلجأ الىٰ المدينة. فقال أحد المسلمين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خذ منهم عهداً بأعادة أي شخص يرتد عن الاسلام ويذهب الى مكة.

فقال نبي الاسلام : لا آخذ مثل هذا العهد من اهالي مكة(1) لان المسلم الذي يرتد عن الدين ويلجأ الىٰ الكفار ، لن يفيدنا اذا اعادوه لنا ، لأن القلب هو مركز الايمان ، والشخص الذي لا يدخل الاسلام عن قناعة ورغبة ، لن يكون مسلماً حقيقياً.

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي اربعة اشهر مهلة

بعد ان نقض اهل مكة مفاد صلح الحديبية ، تحرك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لفتح مكة ، فدخل جيش الاسلام مكة دون مقاومة تذكر ـ كما مرّ سابقاً ـ سوىٰ مقاومة صغيرة لبعض شباب مكة بزعامة صفوان بن اُمية وعكرمة بن أبي جهل ، وبعد قتال محدود ، اندحرت مجاميع الكفار ، وسيطر المسلمون علىٰ مكة كلها ، فهرب صفوان بن اُمية وعكرمة بن أبي جهل من مكة بنية مغادرة

________________

(1) ناسخ التواريخ.

٢٣٣

الحجاز تماماً ، إلّا ان عمير بن وهب ، جاء الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وشفع لصفوان بن اُمية ، فقبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعة عمير ، وعفىٰ عن صفوان ، فذهب عمير بن وهب الىٰ خارج مكة ، وأبلغ صفوان عفو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له ، وطلب منه ان يعود مطمئناً الىٰ مكة ، فقال له صفوان : أخاف أن يمكر بي نبيكم ويقتلني عند دخولي مكة ، فطمأنه عمير بأن ليس في الاسلام مكراً وخديعة ، عند ذلك اطمئن صفوان إلى كلام عمير بن وهب ورجع إلى مكة ، وعندما قابل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا محمد عمير بن وهب يدعي انك أعطيتني الامان.

فقال الرسول : يصدق عمير.

فطلب صفوان مهلة شهرين من الرسول كي يطلع علىٰ الاسلام ، ومن ثمّ يسلم ، فقال له الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : لك اربعة اشهر مهلة.

لكن صفوان اسلم عن قناعة قبل انقضاء المهله(1) .

ومن خلال هذه القصة يتّضح ، انه لو كان هدف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو اجبار الناس علىٰ الاسلام بقوة السيف لما أمهل صفوان يوماً واحداً فضلاً عن اعطائه اربعة اشهر ، أو لاكتفىٰ بالشهرين اللذين طلبهما صفوان منه كمهلة.

اصدقائي الاعزاء !

هذه دلائل لا تقبل الشك ، يتضح خلالها هدف المسلمين من الحرب ، وهو غير اجبار الناس علىٰ الاسلام بالقوة ، بل ان اهم هدف من وراء ذلك هو

________________

1 ـ حياة محمد (ص).

٢٣٤

مدّ جسر وثيق من العلاقة والارتباط بين المسلمين وغير المسلمين لكي تطلع شعوب الدول غير الاسلامية علىٰ قوانين الاسلام العظيم ، ولكي لا يحول طواغيت الارض ، ولا تقف الانظمة الكافرة امام تعالي الانسان وخلاصة وتحرره من رجسها وذل عبودية غير الله.

لذلك فمن حقنا القول ان كلام المبشرين في ان الاسلام انتصر وانتشر بحد السيف ما هي الّا تهم باطلة ودنيئة تصدر عن اعداء الاسلام والحاقدين عليه.

اعتراف كبار العلماء بأن الاسلام لم ينتشر بالسيف

ولكي يعرف اصدقائي الاعزاء مقاصد المبشرين المسيحيين أكثر من التهم التي يسوقونها ضد الاسلام ، سننقل هنا بعض ما قاله كبار علماء اوروبا المسيحيين حول سرعة انتشار الاسلام :

يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه حضارة الاسلام والعرب :

« ينتشر الاسلام بطريق بسيط وسهل ، جعل الجميع يحتارون في امره ، ولا بدّ ان نعتبر ذلك من خصوصيات الاسلام التي ينفرد بها دون غيره من الاديان ، ففي كل مكان وضع المسلمين اقدامهم ترسخ الاسلام في قلوب الناس ، في الصين وفي افريقيا الوسطىٰ وروسيا ، ولم يكن ذلك عن طريق الحرب وبواسطة الجيوش ، بل عن طريق التجار والتجارة ، واليوم نشاهد ملايين المسلمين في تلك البلدان ، فهؤلاء لم يدخلوا الاسلام بالترغيب أو القوة بل عن قناعة ورغبة ورضىٰ ، ولم نسمع لحد الآن عن قوة عسكرية

٢٣٥

كانت تدعم اولئك التجار ، والاغرب من ذلك هو نمو الاسلام وانتشاره السريع اين ما وصل التجار ودعوا الناس إليه ، فعلىٰ سبيل المثال منذ قرون والاسلام في روسيا ينتشر ، وفي الهند التي يعيش فيها الآن ملايين المسلمين ، صرف المبشرين والقساوسة البروتستانت مبالغ طائلة لنشر المسيحية دون نتيجة ، وفي الصين التي تعتبر من المناطق التي تفتخر بتراثها القومي لم يستطع المبشرون المسيحيون رغم الوسائل الكثيرة التي استخدموها هناك أن ينشروا المسيحية واعترفوا بكل صراحة عن عجزهم ، لكن الاسلام انتشر وينتشر هناك يومياً علىٰ الرغم من عدم وجود دعم خارجي ، بحيث يصل مجموع المسلمين اليوم هناك اكثر من اربعين مليون مسلم في كل انحاء الصين ، وفي بكين وحدها هناك اليوم ما يزيد علىٰ مائة الف مسلم ».

ثم يضيف الدكتور لوبون حول كيفية معاملة المسلمين مع شعوب الدول التي يفتحونها والحرية التي كانت للنصارىٰ في ظل الحكم الاسلامي ، فيقول :

« لقد عامل العرب الاندلسيين ( الاسبان ) الذين فتحت بلادهم علىٰ ايدي المسلمين ، كما كانوا يعاملون اهل مصر والشام ، وقد تركوا لهم حرية التصرف بأموالهم ومعابدهم وخيرّوهم في البقاء تحت حكم وقضاء اشخاص من نفس دينهم بشرط ان يدفعوا جزية سنوية ، ولقد كانت الشروط بسيطة وسهلة بحيث قبل بها الجميع مباشرة ، وكان تعامل المسلمين مع الشعوب التي فتحت بلادها حسناً بحيث كان يجوز للأساقفة ان يعقدوا لأنفسهم مجالس دينية ».

٢٣٦

اعتراف الدكتور لورا فاكسيا واغليري

يقول الدكتور فاغليري استاذ جامعة نابل :

« كانت حياة الشعوب المغلوبة وحقوقها المدنية وثرواتها الوطنية مصانة من قبل الدولة الاسلامية بشكل يتساوىٰ تقريباً مع ما كان للمسلمين انفسهم ».

ويضيف في مكان آخر :

« كان العرب الفاتحون مستعدون وفي ذروة قوتهم وانتصاراتهم ، لأن يقولوا لأعداءهم : كفّوا عن الحرب وادفعوا ضريبة مالية معتدلة ، ولكم ان تعيشوا تحت حمايتنا بشكل كامل ، ولكم من الحقوق مالنا ، ولو نظرنا جيداً الىٰ اقوال النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أوالىٰ فتوحات المسلمين ، في صدر الاسلام ، سنشاهد بسهولة كذب تهمة ادخال الناس بقوة السيف الىٰ الاسلام. فالقرآن الكريم يقول :

( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (1) .

ثم يضيف الدكتور واغليري :

« في التاريخ الاسلامي نماذج عديدة علىٰ مداراة الاسلام مع اتباع الاديان الالهية الاخرىٰ ، كما تعهد الرسول بنفسه حماية معابد مسيحيوا نجران ، وكذلك امر احد قادة الجيش الذي ارسله الىٰ اليمن ان لا يتعرض لأي شخص

________________

(1) سورة البقرة : 258.

٢٣٧

من اليهود في اماكنهم ومساكنهم ، وكان هذا تعامل المسلمين مع اتباع الديانات الاخرىٰ ، فهم احرار في العمل حسب آرائهم وشعائرهم الدينية ، بشرط ان يدفعوا ضريبة جزئية تسمىٰ الجزية ، وهذه الجزية عادة اقل من الضريبة التي يدفعها المسلمون انفسهم للدولة الاسلامية ، وفي مقابل تلك الجزية ، ولأتباع الديانات الاخرىٰ الحق في حرية العمل حسب مذاهبهم ولا يجبرون علىٰ تركها ، كما ان الدولة الاسلامية توفر لهم الحماية التامة ».

اصدقائي الاعزاء !

كان ذلك موجزاً عن برنامج الاسلام الحربي وهدف المسلمين من الحروب وكيفية تعامل المسلمين مع شعوب البلدان التي يسيطرون عليها واستشهدنا في ذلك بنماذج من تاريخ الاسلام ، واقوال علماء اوروبا ، واثبتنا ان المسلمين لوحدهم لم يجبروا الآخرين علىٰ اعتناق دينهم بالقوة والسيف ، بل منحوا الآخرين حرية دينية تامة في ظل حكمهم.

لكن لننظر ماذا فعل هؤلاء المسيحيون والاوروبيون عندما دارت الامور واستولوا هم علىٰ بلاد المسلمين ، لقد قاموا بجرائم ومجازر ومآسي سوّدت وجه التاريخ ويخجل الانسان من مجرد ذكرها !

تاريخ الحروب الصليبية الاسود

ولكي لا يتصور اصدقائي ان حديثي عن توحش وجرائم الشعوب الاوروبية مصدره التعصب الديني ، سأنقل لكم بعض الجرائم التي قام بها

٢٣٨

الصليبوين في الحروب الدموية والمعروفة بالحروب الصليبية ، وذلك ايضاً علىٰ حدّ ما جاء في كلام وكتابات العلماء والمؤرخين القساوسة الاوروبيين المسيحيين.

يتحدث الدكتور غوستاف لوبون في البداية عن الحرب التي شنها المسيحيين والاوروبيين ضد المسلمين ، فيقول :

« الكلام حول القتال الذي دار بين العالم الاوروبي المتوحش ، واسمىٰ الحضارات التي نشاهد آثارها في التاريخ ».

ثم يضيف :

« لقد قامت المسيحية الاوروبية بارتكاب اعمال وحشية في الحروب الصليبية ، لا يمكن ان اعبر عنها بشيء سوىٰ انهم ( المسيحيين ) كانوا قد جنوا ، فعندما انتصر الصليبيون علىٰ المسلمين الاتراك ، قاموا بقطع رؤوس المجروحين المسلمين وحملوها معهم علىٰ خيلولهم الىٰ معسكرهم وهم يفتخرون بما قاموا به ، ثم قاموا برمي تلك الرؤوس من فوق حصار كانوا يضربونه حول احدىٰ المدن المسلمين ، بأتجاه اهالي المدينة ، ان تصرفات المسيحيين الاوروبيين المشينة في جميع تلك الحروب جعلتهم بمستوىٰ اكثر الناس توحشاً وبربرية علىٰ وجه الارض ، وكانوا في تعاملهم السيء ذلك لا يفرقون بين اتباع دينهم واعدائهم أو الناس العاديين من النساء والاطفال والشيوخ والشبان والعسكر الذي يواجهونه ، في المدن التي يهاجمونها ، اي انهم كانوا يقتلون وينهبون الجميع دون استثناء ».

٢٣٩

تقول انكومن(1) ابنة امبراطور القسطنطنية :

« من جملة ماكان الاوروبيون يرفهون عن انفسهم فيه في تلك الحروب ، هو انهم كانوا يقتلون كل طفل يمرّ من امامهم ويلقون به في النار ! ».

ويقول الراهب روبرت(2) وهو من القساوسة المسيح حول المجازر التي ارتكبها المسيحيين الاوروبيين بحق المسلمين في مدينة مارا(3) :

« كان الجيش المسيحي يتحرك في انحاء المدينة مثل اللبوة التي سرقوا اطفالها ، وكانوا يتلذّون بالمجازر التي يرتكبونها بحق الناس ، فكانوا يقطعون أيدي الاطفال ويضربون اعناق الشيوخ والشبان ، ومن اجل ان يسرعوا في عملهم ، كانوا يشنقون عدة اشخاص في حبل واحد !

وكان المسيحيون في تلك الحروب ينهبون كل مايجدون عند الحيّ والميت من نقود ومجوهرات ، وكانت ازقة مدينة « مارا » تحولت الىٰ بركة من الدماء ، تسبح فيها جثث القتلىٰ المنتشرة في جميع ارجاء المدينة ، وكان المسيحيون يعبرون من فوقها !

في وصفه لدخول المسيحيين الاوروبيين الىٰ القدس ، يقول العالم الاوروبي المعروف ، رايموند داجلس(4) :

« عندما احتل المسيحيون الاوروبيون سور المدينة وقلاعها ، ظهرت

________________

(1) Aonicomnen

(2) Robert

(3) Marrat

(4) Rayimond Dagiles

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

و أسود و أصفر ، من كلّ كلب بما يشبهه ، و إنّما كان أبوك عبدا نزل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله من حصن الطائف ، ثمّ أقمتم البيّنة تدّعون : أنّ أبا سفيان زنى بأمّكم ، أما و اللّه لئن بقيت لأحقنّكم بنسبكم . ثمّ دعا بحمران فقال : يابن اليهودية ، إنّما أنت علج نبطي سبيت من عين التمر . ثمّ قال لحكم بن المنذر بن الجارود : يابن الخبث ، أ تدري من أنت ، و من الجارود ؟ إنّما كان الجارود علجا بجزيرة ابن كاوان فارسيا فقطع إلى ساحل البحر ، فانتمى إلى عبد القيس ، و لا و اللّه ما أعرف حيّا أكثر اشتمالا على سوأة منهم ، ثمّ أنكح أخته المكعبر الفارسي ، فلم يصب شرفا قطّ أعظم منه ، فهؤلاء ولدها يابن قباذ . ثمّ أتي بعبد اللّه بن فضالة الزهراني ، فقال : ألست من أهل هجر ؟ ثمّ من أهل سماهيج ؟ أما و اللّه لأردنّك إلى نسبك . ثمّ أتي عليّ بن أصمع ، فقال : أعبد لبني تميم مرة ،

و عزي من باهلة ؟ ثمّ أتي بعبد العزيز بن بشر بن حناط ، فقال : يابن المشتور ،

ألم يسرق عمّك عنزا في عهد عمر ، فأمر به . فسير ليقطعه ؟ أما و اللّه ما أعنت إلاّ من ينكح أختك كانت أخته تحت مقاتل بن مسمع ثمّ أتي بأبي حاضر الأسدي ، فقال : يابن الاصطخرية ، ما أنت و الأشراف ؟ و إنّما أنت من أهل قطر دعيّ في بني أسد ، ليس لك فيهم قريب ، و لا نسيب . ثمّ أتي بزياد بن عمرو ،

فقال : يابن الكرماني إنّما أنت علج من أهل كرمان قطعت إلى فارس فصرت ملاّحا ، مالك و الحرب ؟ لأنت بجرّ القلس أحذق . ثمّ أتي بعبد اللّه بن عثمان بن أبي العاص ، فقال له : أعليّ تكثر ، و أنت علج من أهل هجر ، لحق أبوك بالطائف و هم يضمّون من تأشّب إليهم يتعزّزون به ؟ أما و اللّه لأردنّك إلى أصلك . ثمّ أتي بشيخ بن النعمان ، فقال : يابن الخبيث ، إنّما أنت علج من أهل زندرود هربت أمّك ، و قتل أبوك ، فتزوج أخته رجل من بني يشكر ، فجاءت بغلامين ، فألحقاك بنسبهما ثمّ ضربهم مائة مائة ، و حلق رؤوسهم و لحاهم ، و هدم دورهم ،

٤٢١

و صهرهم في الشمس ثلاثا ، و حملهم على طلاق نسائهم ، و جمر أولادهم في البعوث ، و طاف بهم في أقطار البصرة ، و أحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر ١ .

٣٨

من الخطبة ( ٢٣٤ ) و من كلام له عليه السّلام اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثم لحاقه به :

فَجَعَلْتُ أَتَّبِعُ مَأْخَذَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى ؟ اَلْعَرَجِ ؟ « . . . في كلام طويل : قوله عليه السّلام : « فأطأ ذكره » من الكلام الّذي رمى به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة ، أراد عليه السّلام : أنّي كنت أعطي خبره صلى اللّه عليه و آله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع ، فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة » .

أقول : و هذا العنوان ممّا في ترتيبه في نسخنا اختلاف مع نسخة ابن أبي الحديد و الكيذري ، و تبعهما ابن ميثم ، كما مرّ في أوّل الكتاب ٢ ، و قد روى العنوان أئمّة غريب الحديث ، كما يفهم من ذكر الجزري له في النهاية ، لكن فيه ( ما أخذ ) بدل ( مأخذ ) ٣ .

قول المصنّف « بعد هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله » ذكر ( تنبيه المسعودي ) أسماء لسني هجرته صلى اللّه عليه و آله فقال : تعرف السنة الثانية بسنة الأمر لأنّه أمر فيها بالقتال ،

و الثالثة بسنة التمحيص ، و الرابعة بسنة الترفيه ، و الخامسة بسنة الأحزاب ،

و السادسة بسنة الاستئناس ، و السابعة بسنة الاستغلاب ، و الثامنة بسنة الفتح ، و العاشرة بسنة حجّة الوداع ، و الحادية عشرة بسنة الوفاة ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٤ سنة ٧١ .

( ٢ ) قد مرّ في مقدّمة المؤلف .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير الجزري ٥ : ٢٠١ مادة ( وطأ ) و لفظه ( مآخذ ) .

( ٤ ) التنبيه و الإشراف : ٢٠٢ ٢٤٠ .

٤٢٢

« ثمّ لحاقه عليه السّلام به صلى اللّه عليه و آله » بعد ثلاث ليال ، كما في ( المناقب ) .

قوله عليه السّلام « فجعلت أتّبع مأخذ رسول اللّه عليه السّلام » أي : مكان أخذه من الطريق في هجرته ، و على نقل الجزري ، أي : مكانا أخذه . و أمّا لحوقه عليه السّلام به ، فروى الكليني مسندا عن سعيد بن المسيّب عن السجّاد عليه السّلام قال : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يصلّي مدّة عشر سنين ركعتين حتّى هاجر إلى المدينة ، و خلّف عليّا عليه السّلام في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره ، و كان خروجه من مكّة في أوّل يوم من ربيع الأوّل ، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث ، و قدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، مع زوال الشمس ، فنزل بقبا فصلّى الظهر ركعتين ، و العصر ركعتين ، ثمّ لم يزل مقيما ينتظر عليّا عليه السّلام يصلّي الصلوات الخمس ركعتين ركعتين ، و كان نازلا على عمرو بن عوف ،

فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له : أتقيم عندنا فنتخذلك منزلا و مسجدا ؟ فيقول : لا ، إنّي أنتظر علي بن أبي طالب ، و قد أمرته أن يلحقني ،

و لست مستوطنا منزلا حتّى يقدم عليّ ، و ما أسرعه إن شاء اللّه . فقدم علي عليه السّلام ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ، ثمّ تحوّل النبيّ صلى اللّه عليه و آله من قبا إلى بني سالم بن عوف ، و عليّ عليه السّلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخطّ لهم مسجدا و نصب قبلته ، فصلّى بهم فيه الجمعة ركعتين ، و خطب خطبتين ، ثمّ راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها ، و عليّ عليه السّلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه ، و ليس يمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببطن من بطون الأنصار إلاّ قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم ، فيقول لهم : خلّوا سبيل الناقة ، فانّها مأمورة .

فانطلقت به ، و هو واضع لها زمامها حتّى انتهت إلى الموضع الذي ترى و أشار بيده إلى باب مسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله الذي يصلّي عنده بالجنائز فوقفت عنده و بركت ، و وضعت جرانها على الأرض ، فنزل ، و أقبل أبو أيّوب مبادرا

٤٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

حتّى احتمل رحله ، فأدخله منزله ، و عليّ عليه السّلام معه حتّى بنيت له مساكن و بنى مسجده فتحولا .

قال سعيد : قلت لعليّ بن الحسين عليه السّلام : كان أبو بكر معه ، فأين فارقه ؟

قال : لمّا كان بقبا ينتظر قدوم عليّ عليه السّلام قال له أبو بكر : انهض بنا إلى المدينة فإنّ القوم فرحوا بقدومك ، و ما أظنّ عليّا يقدم عليك إلى شهر . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

كلاّ بل ما أسرع حتّى يقدم أخي ، و ابن عمّي ، و أحبّ أهل بيتي ، و قد وقاني بنفسه من المشركين . فغضب أبو بكر ، و اشمأزّ و داخله من ذلك حسد لعليّ عليه السّلام ، و كان ذلك أوّل عداوة بدت منه في عليّ عليه السّلام ، و أوّل خلافه على النبيّ صلى اللّه عليه و آله . فانطلق أبو بكر حتّى دخل المدينة ، و تخلّف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بقبا ينتظر عليّا عليه السّلام . . . ١ .

و في ( الكافي ) : ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة ، و مات أبو طالب بعدها .

فلمّا فقدهما سئم المقام بمكّة و دخله حزن شديد ، و أشفق على نفسه من كفّار قريش ، فشكا إلى جبرئيل ذلك ، فأوحى إليه : أن اخرج من القرية الظالم أهلها ،

و هاجر إلى المدينة ، فليس لك اليوم بمكّة ناصر ، و انصر للمشركين حربا .

فعند ذلك توجّه إلى المدينة ٢ .

و روى ( أمالي الشيخ ) مسندا عن هند بن أبي هالة ، و أبي رافع ، و عمّار جميعا يحدّثون عن هجرة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله بالمدينة ، و مبيته قبل ذلك على فراشه ، قالوا : ثمّ كتب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إليه عليه السّلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه ، و قلّة التلوم ، و كان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فتهيأ للخروج ،

فأذّن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسلّلوا إذا ملأ الليل بطن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٣٣٨ ح ٥٣٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤٠ و النقل بالمعنى .

٤٢٤

كلّ ذي واد إلى ذي طوى ، و خرج عليه السّلام بفاطمة بنت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و بفاطمة أمّه ،

و بفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ، و قيل : ضباعة ، و تبعهم أيمن بن أمّ أيمن ،

و أبو واقد فجعل يسوق بالرواحل ، فأعنف بهم . فقال عليه السّلام : ارفق بالنسوة ، أبا واقد ، إنّهنّ من الضعائف ، قال : أخاف أن يدركنا الطلب . فقال عليه السّلام : أربع عليك .

ثمّ جعل عليه السّلام يسوق بهنّ سوقا رفيقا و هو يقول :

ليس إلاّ اللّه فارفع ظنكا

يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا

فلمّا شارف ضجنان أدركه الطلب بسبع فوارس من قريش مستلئمين و ثامنهم جناح مولى الحرث بن أميّة ، فأقبل عليه السّلام على أيمن و أبي واقد ، و قد تراءى القوم . فقال لهما : أنيخا الابل ، و اعقلاها ، و تقدّم حتّى أنزل النسوة ، و دنا من القوم منتضيا سيفه ، فقالوا : ظننت يا غدّار أنّك ناج بالنسوة ؟ ارجع لا أبا لك . قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعنّ راغما . و دنوا من المطايا ليثوّروها فحال عليه السّلام بينهم و بينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ عليه السّلام عن ضربته ،

و ضربه على عاتقه مضيّا فيه حتّى مسّ كاثبة فرسه ، و كان عليه السّلام يشدّ على قدمه شدّ الفارس ، و هو يقول :

خلّو سبيل الجاده المجاهد

آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدعوا عنه ، فقال : من سرّه أن أفري لحمه ، و أهريق دمه ، فليتبعني .

ثمّ سار ظاهرا مظاهرا حتّى نزل ضجنان ، فتلوم بها قدر يومه و ليلته ، و لحق به نفر من المستضعفين ، و فيهم أمّ أيمن ، فصلّى ليلته تلك هو و الفواطم ،

و يذكرونه قياما و قعودا و على جنوبهم ١ . فلن يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه حتّى قدم المدينة ، و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم : الّذين يذكرون اللّه قياما و قعودا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩١ .

٤٢٥

و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا . . . فاستجاب لهم ربّهم إنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض . . . ١ الذكر : علي عليه السّلام و الانثى : فاطمة و بعضكم من بعض عليّ من الفواطم ، و هنّ من علي عليه السّلام . . . فالّذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ، و لأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند اللّه و اللّه عنده حسن الثواب ٢ .

و تلا : و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه و اللّه رؤوف بالعباد ٣ ، و قال له : يا علي أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا باللّه و رسوله ، و أوّلهم هجرة إلى اللّه و رسوله ، و آخرهم عهدا برسوله ٤ .

« فأطأ » أي : أضع قدمي ، قال تعالى : . . . و أرضا لم تطؤوها . . . ٥ و قال الجوهري : الوطأة : موضع القدم ، و هي أيضا كالضغطة ، و في الحديث : اللهمّ اشدد و طأتك على مضر ٦ .

قلت : ما ذكره و هم ، فموضع القدم : الموطى‏ء لا الوطاة ، كما أنّ الضغطة شدّة الوطأة ، لا مطلقها كما قال .

« ذكره » أي : النبيّ صلى اللّه عليه و آله لاشتهار أمره في الطريق أيضا .

« حتّى انتهيت إلى العرج » أحد المنازل الّتي كانت في الطريق .

و قد ذكر كاتب الواقدي في ( طبقاته ) منازل سلكها النبيّ صلى اللّه عليه و آله في هجرته

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩١ ١٩٥ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩٥ .

( ٣ ) البقرة : ٢٠٧ .

( ٤ ) الأمالي لأبي علي الطوسي ٢ : ٨٤ الجزء ١٦ و الحديث طويل نقل بتصرف .

( ٥ ) الأحزاب : ٢٧ .

( ٦ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٨١ مادة ( وطا ) .

٤٢٦

قبل العرج و بعده ، فقال : و سلك النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الخرّار ثمّ جاز ثنيّة المرة ، ثمّ سلك لقفا ، ثمّ أجاز مدلجة لقف ، ثمّ استبطن مدلجة مجاج ، ثمّ سلك مرجح مجاج ، ثمّ بطن مرجح ، ثمّ بطن ذات كشد ، ثمّ على الحدائد ، ثمّ على الأذاخر ، ثمّ بطن ريغ فصلّى به المغرب ، ثمّ ذا سلم ، ثمّ أعدى مدلجة ، ثمّ العثانية ، ثمّ جاز بطن القاحة ثمّ هبط العرج ، ثمّ سلك في الجدوات ، ثمّ في الغابر عن يمين ركوبة ، ثمّ هبط بطن العقيق حتّى انتهى الى الجثجاثة ١ .

و أمّا وجه تسمية العرج بالعرج ، فقال ابن الكلبي : لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة رأى دوابّ تعرج ، فسمّاها العرج ٢ . و قال كثير : سمّي عرجا لأنّه يعرج به عن الطريق ٣ .

و العرج عرجان : عرج من نواحي الطائف ، و إليه ينسب العرجي ، الشاعر الّذي يقول :

أضاعوني و أيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة و سداد ثغر

و عرج بين مكّة و المدينة الوارد في كلامه عليه السّلام ، قال الأصمعي ، في كتاب ( جزيرة العرب ) كما نقل عنه ( المعجم ) : إنّ في نواحي الطائف و اديا يقال له :

العرج ، و هو غير العرج الّذي بين مكّة و المدينة عقبة بينهما على جادة الحاج ،

و جبلها متّصل بجبل لبنان ٤ .

و من العرج الثاني كان سعد العرجي دليل النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى المدينة .

و في ( الأسد ) : قيل لسعد : العرجي ، لأنّه اجتمع مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله بالعرج .

روى عنه ابنه عبد اللّه أنّه قال : كنت دليل النبيّ من العرج إلى المدينة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٥٧ .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٩ و النقل بتقطيع .

٤٢٧

فرأيته يأكل متّكئا . . . ١ .

و وهم ابن أبي الحديد ، فقال : العرج منزل بين مكّة و المدينة ، و إليه ينسب العرجي الشاعر ، و هو عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ٢ .

فتراه توهم اتّحاد العرج ، و انحصاره بما بين مكّة و المدينة ، و نسبة العرجي الشاعر إليه مع أنّه لا ريب أنّه منسوب إلى عرج الطائف ، كما صرّح به ابن قتيبة ، و الحموي ، و الحصري ٣ ، و غيرهم ، و إنّما سعد العرجي الصحابي منسوب إليه .

كما أنّ قوله : « العرجي عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمرو » غلط آخر ٤ ، و إنّما هو عبد اللّه بن عمر بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ، كما صرّح بن القتيبي و الحموي ٥ و غيرهما .

و هجا العرجي هذا إبراهيم المخزومي فحبسه حتّى مات .

و غلط الجوهري و الفيروز آبادي فيه غلطا آخر فقالا : العرجي : عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان ٦ .

فإنّ من قالا : جدّا العرجي ، و يقال له : المطرف لا العرجي .

قول المصنّف « في كلام طويل » لم يذكره لخروجه عن موضوع كتابه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أسد الغابة لابن الأثير ٢ : ٢٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٨٨ ، و فيه « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان » .

( ٣ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٢٤ و معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ ، و المشترك و المفترق : ٣٠٥ ، و زهر الآداب للحصري ١ : ٥٥٨ .

( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٨٨ « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان » كما ذكرنا ، و يوافقه قول الحموي في المشترك ، و الجوهري و الفيروز آبادي ، كما سنذكر .

( ٥ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٢٤ ، و معجم البلدان للحموي ٤ : ٩٨ لكنّه قال في المشترك و المفترق : ٣٠٥ « عبد اللّه بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي الشاعر » و قال ابن قتيبة : « عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان » .

( ٦ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٣٢٥ مادة ( عرج ) و القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ١٩٩ مادة ( عرج ) .

٤٢٨

« قوله عليه السّلام : « فأطأ ذكره » من الكلام الّذي رمى به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة » أي : هو كلام جمع بينهما .

« أراد عليه السّلام أنّي كنت أعطي خبره صلى اللّه عليه و آله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنّى عن ذلك » المعني الطويل .

« بهذه الكناية العجيبة » المختصرة ، و نظير كلامه عليه السّلام قول علي بن خشرم لعليّ بن حجر :

و وافيت مشتاقا على بعد شقّة

يسايرني في كلّ ركب له ذكر

و ممّا يدخل في هذا الباب ما رواه ( عيون ابن قتيبة ) عن الأصمعي قال :

قال شيخ من قضاعة : ضللنا مرّة الطريق فاستر شدنا عجوزا ، فقالت : استبطن الوادي ، و كن سيلا حتّى تبلغ ١ .

و عن اعرابي قال : خرجت حيث انحدرت أيدي النجوم ، و شالت أرجلها .

فلم أزل أصدع الليل حتّى انصدع لي الفجر .

و عن آخر ذكر قوما اتّبعوا قوما أغاروا عليهم فقال : احتشوا كلّ جمالية عيرانة ، فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل حتّى أدركوهم بعد ثالثة ، فجعلوا المران أرشية الموت ، و استقوا بها أرواحهم.

و قال عبد العزيز بن زرارة لمعاوية : لم أزل أهزّ ذوائب الرحال إليك ، إذ لم أجد معوّلا إلاّ عليك ، امتطي الليل بعد النهار ، و أسمّ المجاهل بالآثار ، يقودني إليك أمل و تسوقني بلوى ، و المجتهد يلوي ، و إذا بلغتك فقطني .

٣٩

من الخطبة ( ١٥٨ ) وَ قَدْ كَانَ فِي ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ كَافٍ لَكَ فِي اَلْأُسْوَةِ وَ دَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢١٢ .

٤٢٩

اَلدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا وَ كَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَ مَسَاوِيهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا . . .

فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ اَلْأَطْهَرِ ص فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَ أَحَبُّ اَلْعِبَادِ إِلَى اَللَّهِ اَلْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ وَ اَلْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ اَلدُّنْيَا قَضْماً وَ لَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ اَلدُّنْيَا كَشْحاً وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَيْهِ اَلدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ .

وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ لَقَدْ كَانَ ص يَأْكُلُ عَلَى اَلْأَرْضِ وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ اَلْعَبْدِ وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَ يَرْكَبُ اَلْحِمَارَ اَلْعَارِيَ وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ وَ يَكُونُ اَلسِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ اَلتَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ يَا فُلاَنَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ اَلدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ اَلدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً وَ لاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لاَ يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ اَلنَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ اَلْقَلْبِ وَ غَيَّبَهَا عَنِ اَلْبَصَرِ .

وَ كَذَا مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ كَانَ فِي ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ اَلدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَكْرَمَ اَللَّهُ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَ أَتَى بِالْإِفْكِ اَلْعَظِيمِ وَ إِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ لَهُ اَلدُّنْيَا وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ اَلنَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ

٤٣٠

بِنَبِيِّهِ وَ اِقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ اَلْهَلَكَةَ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَ ؟ مُحَمَّداً ص ؟ عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا خَمِيصاً وَ وَرَدَ اَلْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اَللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ « و قد كان » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لقد كان ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطيّة ) ١ .

« في رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة » أي : التأسّي ، قال تعالى : لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه و اليوم الآخر و ذكر اللّه كثيرا ٢ .

« و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها » و ما الحياة الدّنيا إلاّ لعب و لهو و للدار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون ٣ ، إنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و إن تؤمنوا و تتّقوا يؤتكم أجوركم و لا يسألكم أموالكم ٤ ، اعلموا إنّما الحياة الدّنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد . . . و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٥ .

« و كثرة مخازيها » جمع المخزية : اسم الفاعل من أخزى ، أي : الخصلة القبيحة .

« و مساويها » أي : نقائصها و معائبها .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ ، و شرح الخوئي ٤ : ٢٤٩ لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٩ « و قد » أيضا .

( ٢ ) الأحزاب : ٢١ .

( ٣ ) الأنعام : ٣٢ .

( ٤ ) محمّد : ٣٦ .

( ٥ ) الحديد : ٢٠ .

٤٣١

« إذ قبضت عنه أطرافها » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما أعجب النبيّ صلى اللّه عليه و آله شي‏ء من الدّنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا ١ .

و عنه عليه السّلام خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو محزون فأتاه ملك ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، هذه مفاتيح خزائن الأرض ، يقول لك ربّك : افتح و خذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : الدّنيا دار من لا دار له ، و لها يجمع من لا عقل له . فقال الملك : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ، لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح ٢ .

« و وطئت » بالتشديد .

« لغيره أكنافها » أي : جوانبها .

« و فطم » أي : قطع .

« عن رضاعها » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّيّة ) ٣ : « من رضاعها » . و الفطيم بعد الفطم يبغض الثدي ،

فكان صلى اللّه عليه و آله يبغضها ، و أمّا أهل الدّنيا فيحبّونها حبّ الرضيع للثدي ، قال ابن همّام السلولي :

و ذمّوا لنا الدّنيا و هم يرضعونها

أفاويق حتّى ما يدرّ لها ثعل

« و زوي عن زخارفها » أي : عدل به عن زيناتها .

« فتأس بنبيّك الأطيب الأطهر » هكذا في ( المصرية و في ابن أبي الحديد ) ٤ و لكن في ( الخطية ) : « بنبيّك الأطهر الأطيب » و في ( ابن ميثم ) ٥ : « بنبيّك الأطهر »

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٩ ح ٧ ، ٨ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) كذا في شرح الخوئي ٤ : ٢٤٩ لكن في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٩ « عن » أيضا .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥١ .

( ٥ ) لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢٨٠ مثل المصرية ( أيضا ) .

٤٣٢

و حيث إنّ نسخته بخطّ المصنّف فما فيه هو الأظهر .

« فانّ فيه أسوة لمن تأسى » أي : حقيق لأن يتأسّى به .

« و عزاء » أي : أنّ فيه موضع انتساب .

« لمن تعزّى به » أي : أراد الانتساب إليه .

و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه » قالوا : الأصل فيه قوله تعالى : قل إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه . . ١ .

« و المقتصّ » أي : المتّبع .

« لأثره » فيفعل ما فعل صلى اللّه عليه و آله ، و يترك ما ترك صلى اللّه عليه و آله .

« قضم الدّنيا قضما » أي : قنع منها بقدر الضرورة ، فقالوا : الخضم الأكل بجميع الفم ، و القضم دونه ، قال أعرابي قدم على ابن عمّ له بمكة : هذه بلاد مقصم ، و ليست ببلاد مخضم .

قال ابن أبي الحديد : و روي : « قصم الدّنيا قصما » ٢ .

قلت : و هو الأنسب بقوله عليه السّلام بعد « و لم يعرها طرفا » . و قالوا : الفصم كسر غير بيّن ، و القسم كسر بيّن ، و تفسير ابن أبي الحديد ٣ له بمطلق الكسر في غير محلّه .

« و لم يعرها » أي : لم يعطها عارية .

« طرفا » أي : نظرا بمؤخّر العين ، فعلم أنّها ما تعدل عند اللّه جناح بعوضة ،

و إلاّ لما سقى الكافر منها شربة ماء .

« أهضم » أي : أحفض .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٣٣

« أهل الدّنيا كشحا » قال الجوهري : الكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ١ ، قال طرفة :

و أنّ له كشحا إذا قام أهضما

٢ « و أخمصهم » أي : أضمرهم ، و أرقّهم .

« من الدّنيا بطنا » قال :

كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فإنّ زمانكم زمن خميص

و في الخبر : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا تغدّى لا يتعشى ، و إذا تعشّى لا يتغدّى ،

و كان صلى اللّه عليه و آله ما شبع من خبز شعير قطّ ، و ما أكل خبز برّ قطّ ، و قد يلصق بطنه بظهره من شدّة الجوع ٣ .

و في ( عرائس الثعلبي ) بإسناده عن جابر الأنصاري : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أقام أيّاما لم يطعم طعاما حتّى شقّ ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئا ، فأتى فاطمة عليهما السّلام فقال : يا بنيّة هل عندك شي‏ء آكل فإنّي جائع ؟ فقالت : لا و اللّه بأبي أنت و أمّي فلمّا خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين ، و بضعة لحم . فأخذته منها و وضعته في جفنة ،

و غطّت عليه ، و قالت : لأوثرنّ بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على نفسي ، و من عندي .

و كانوا جميعا محتاجين إلى شبعة من طعام ، فبعثت حسنا و حسينا إلى جدّهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فرجع إليها ، فقالت : بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد أتانا اللّه بشي‏ء فخبأته لك . قال : فهلمّي به . فأتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا و لحما . فلمّا نظرت إليه بهتت ، و عرفت أنّها من بركة اللّه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٣٩٩ مادة ( كشح ) .

( ٢ ) لسان العرب ١٢ : ٦١٤ مادة ( هضم ) و صدره : و لا خير فيه غير انّ له غنى .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ٢ : ١١٣ ، و التهذيب للنووي ١ ق ١ : ٣٢ و مكارم الأخلاق للطبرسي : ٢٨ .

٤٣٤

فحمدت اللّه تعالى وصلّت على نبيّه . فقال صلى اللّه عليه و آله : من أين لك هذا يا بنيّة ؟ قالت :

هو من عند انّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ١ ، فحمد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : الحمد للّه الذي جعلك شبيهة بسيّدة نساء بني إسرائيل ، فإنّها كانت إذا رزقها اللّه رزقا حسنا ، فسئلت عنه قالت هو من عند اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ٢ .

« عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها » قال الرضا عليه السّلام : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

أتاني ملك ، فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول لك : إن شئت جعلت لك بطحاء مكّة ذهبا . فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا ربّ أشبع يوما فأحمدك ،

و أجوع يوما فأسألك ٣ .

« و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه » في ( الكافي ) : عن الصادق عليه السّلام في مناجاته تعالى لموسى عليه السّلام : إنّ الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، و جعلتها ملعونة ، ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي . . . ٤ .

« و حقّر شيئا فحقّره و صغّر شيئا فصغّره » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام :

مرّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بجدي أسكّ ( أي مقطوع الأذنين ) ملقى على مزبلة ميتا ، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا ، فقالوا : لعلّه لو كان حيّا لم يساو درهما . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : و الّذي نفسي بيده للدّنيا أهون على اللّه من هذا الجدي على أهله ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣٧ .

( ٢ ) العرائس للثعلبي : ٣٧٣ .

( ٣ ) أخرجه صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٥ ، و الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٩ ح ٣٦ ، و المفيد في أماليه :

١٢٤ ح ١ المجلس ( ١٥ ) عن الرضا عن آبائه عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه الترمذي في سننه ٤ : ٥٧٥ ح ٢٣٤٧ ، و أحمد في مسنده ٥ : ٢٥٤ عن أبي أمامة عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و في الباب عن الحسن و الصادق عليهما السّلام .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٧ ح ٩ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ ، و مشكاة الأنوار للطبرسي : ٢٧٠ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٩ ح ٩ ، و قريبا منه التنبيه للورام ١ : ١٢٨ .

٤٣٥

« و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و ليس في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ كلمة ( و رسوله ) في الموضعين ، و هو الأصح .

« لكفى شقاقا » أي : خلافا ، و في كوننا في غير شقه تعالى .

« للّه و محادّة » أي : مخالفة ، و كوننا في حدّ آخر .

« عن أمر اللّه » و ما يريده منّا ، و في الخبر : مرّ موسى عليه السّلام برجل يبكي ،

فقال : إلهي عبدك يبكي من مخافتك ، فقال : يا موسى لو نزل دماغه مع دموع عينيه لم أغفر له ، و هو يحبّ الدّنيا ٣ .

و عنهم عليهم السّلام : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك . فكفى بما قال اللّه تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و آله : فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم . . . ٥ ، و قال : و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا . . . ٦ فإن دخلك من ذلك شي‏ء فاذكر عيش رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فإنّما كان قوته الشعير ، و حلوه التمر ، و وقوده السعف إذا وجده ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٥١ ، و لكن توجد الكلمة في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٨٠ أيضا .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) التنبيه للورام ١ : ١٣٤ و غيره ، و النقل بالتلخيص .

( ٤ ) حديث مشهور أخرجه البيهقي في الشعب عنه الجامع الصغير ١ : ١٤٦ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ١٢٨ عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣١٥ ح ١ ، و الصدوق في الخصال : ٢٩ ح ٨٧ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٧٥ المجلس ١٧ و غيرهم عن الصادق عليه السّلام .

( ٥ ) التوبة : ٥٥ .

( ٦ ) طه : ١٣١ .

( ٧ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ١٣٧ ح ١ عن الباقر عليه السّلام ، و القمي في تفسيره ٢ : ٦٦ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٩٤ المجلس ٢٠ و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٣٦ عن الصادق عليه السّلام و الطبرسي في المصدر موقوفا عن أبي بن كعب .

٤٣٦

و قالوا : وقف صوفي على إبراهيم بن أدهم فقال : يا أبا إسحاق لم حجبت القلوب عن اللّه عزّ و جلّ ؟ قال : لأنّها أحبّت ما أبغض اللّه ، أحبّت الدّنيا ، و مالت إلى دار الغرور ، و تركت العمل لدار فيها حياة الأبد .

« و لقد كان صلى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض و يجلس جلسة العبد » في ( عيون القتيبي ) :

عن قيس بن أبي حازم : جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأصابته رعدة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : هوّن عليك فإنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ١ .

و في الخبر : مرّت امرأة بذيّة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و كان جالسا جلسة العبيد ،

فقالت : يا محمّد إنّك تجلس جلسة العبيد ؟ فقال : و أيّ عبد أعبد منّي ٢ .

و في ( الأسد ) عن أبي أمامة ، قال : بينما نحن مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار و رداء ، و قد أسبل ، فجعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله يأخذ بحاشية ثوبه ، و يتواضع للّه عزّ و جلّ و يقول : اللّهمّ عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ، حتّى سمعها عمرو بن زرارة فالتفت إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا رسول اللّه إنّي حمش الساقين . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه قد أحسن كلّ شي‏ء خلقه ٣ يا عمرو بن زرارة ، إنّ اللّه لا يحبّ المسبلين ٤ .

قلت : الظاهر أنّ مراد عمرو في قوله : إنّي حمش الساقين : إنّي أسلبت لأستر حمشهما .

و في الخبر : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يجيب دعوة العبد ، و يدعى إلى خبز الشعير

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٦٥ .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الاهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦ و النقل بتلخيص و قد مرّ الحديث في العنوان ٦ من الفصل الخامس .

( ٣ ) السجدة : ٧ .

( ٤ ) أسد الغابة لابن الأثير ٤ : ١٠٣ .

٤٣٧

و الاهالة السنخة ، فيجيب ١ .

و في ( السيرة ) في حديث قدوم عدي بن حاتم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لإسلامه قال عدي : فانطلق بي النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى بيته ، إذا لقيته إمرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلا تكلّمه في حاجتها . فقلت في نفسي : ما هذا بملك . ثمّ مضى بي حتّى دخل بيته تناول و سادة محشوّة ليفا ، فقذفها إليّ ،

و قال : اجلس على هذه . قلت : بل أنت . قال : بل أنت . فجلست عليها ، و جلس بالأرض . فقلت في نفسي : و اللّه ما هذا بأمر ملك . ثمّ قال : أيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا ؟ قيل : الركوسي دين بين النصاري و الصابئين قلت : بلى . قال :

أولم تك تسير في قومك بالمرباع قلت : بلى . قال : فإنّ ذلك لا يحلّ لك في دينك .

قلت : أجل ، و عرفت أنّه نبيّ مرسل يعلم ما يجهل . . . ٢ .

« و يخصف بيده نعله و يرقع بيده ثوبه » و قد يكل ذلك إليه عليه السّلام ، و حديث خاصف النعل معروف ٣ .

« و يركب الحمار العاري » في ( تفسير القمي ) في غزوة الخندق في مجي‏ء حي بن أخطب إلى كعب بن أسيد ، رئيس بني قريظة ، ليحمله على نقض العهد بينه و بين النبيّ صلى اللّه عليه و آله لتجمع أحزاب قريش و غيرهم عليه فقال كعب لبني

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية لابن الأثير ١ : ٨٤ مادة ( أهل ) بفرق يسير ، و المعنى روي كثيرا .

( ٢ ) السيرة لابن هشام ٤ : ١٦٨ و غيره ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) لحديث خاصف النعل روايتان : الأولى أخرجها الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٤ ح ٣٧١ ، و النسائي في الخصائص : ٦٨ ، و ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ٢ : ٣٦٦ ح ٨٧٣ ، و غيرهم عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و اللفظ للترمذي : « يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدّين ، قد امتحن اللّه قلبه على الايمان . . . قال : هو خاصف النعل . و كان أعطى عليّا نعله يخصفها » ، و الثانية أخرجها أحمد بطريقين في مسنده ٣ : ٣٣ ، ٨٢ ، و النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و ابن عساكر بطرق في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٦٣ ١٧٢ ح ١١٧٨ ١١٩١ و غيرهم عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و اللفظ لأحمد : « إنّ منكم من يقاتل على تأويله ( أي القرآن ) كما قاتلت على تنزيله ، قال : فقام أبو بكر و عمر . فقال : لا و لكن خاصف النعل ، و علي يخصف نعله » .

٤٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قريظة : ما تريدون ؟ قالوا : أنت سيّدنا و المطاع فينا و أنت صاحب عهدنا ، فإن نقضت نقضنا ، و إن أقمت أقمنا معك ، و إن خرجت خرجنا معك . فقال الزبير بن ياطا و كان شيخا كبيرا مجرّبا قد ذهب بصره قد قرأت التوراة الّتي أنزلها اللّه في سفرنا بأنّه يبعث نبيّا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكّة ، و مهاجرته بالمدينة إلى البحيرة ، يركب الحمار العريّ ، و يلبس الشملة ، و يجتزي بالكسيرات و التميرات ، و هو الضحوك القتّال ، في عينيه الحمرة ، و بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقاه ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر . فإن كان هذا هو فلا يهولنّه هؤلاء و جمعهم ، و لو ناوته هذه الجبال الرواسي لغلبها . فقال حي : ليس هذا ذلك ، و ذلك النبيّ من بني إسرائيل ،

و هذا من العرب من ولد إسماعيل ، و لا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا ١ .

و فيه أيضا بعد ذكر ظفر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببني قريظة : فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه ، و كان جميلا و سيما ، فلمّا نظر إليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال له : يا كعب أما نفعتك وصيّة ابن الحوّاس الحبر الذكي الّذي قدم عليكم من الشام فقال : تركت الخمر و الخنزير ، و جئت إلى البؤس و التمور لنبي يبعث ،

مخرجه بمكّة ، و مهاجرته في هذه البحيرة ، يجتزي بالكسيرات و التمرات ،

و يركب الحمار العريّ ، في عينيه حمرة ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقي منكم ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر ؟ فقال :

قد كان ذلك يا محمّد ، و لو لا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لآمنت بك و صدّقتك ، و لكنّي على دين اليهود عليه أحيى ، و عليه أموت ٢ .

« و يردف خلفه » روى الواحدي عن عروة بن الزبير أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله سار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٨٠ .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١٩١ .

٤٣٩

يعود سعد بن عبادة ، فركب حمارا على قطيفة فدكيّة ، و أردف أسامة خلفه ١ .

و في ( أنساب البلاذري ) : وقف النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعرفات و هو مردف أسامة بن زيد ، و كان أسامة يدعى الردف ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان يردفه كثيرا ٢ .

و عن ( الصحيحين ) : أردف النبيّ صلى اللّه عليه و آله الفضل بن العبّاس من مزدلفة إلى منى ٣ .

و عن ابن مندة : عدّ من أردفه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة و ثلاثين نفرا ٤ .

« و يكون الستر على باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانه لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي » روى الخطيب في محمّد بن حمويه عن عايشة أنّها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلمّا رآها النبيّ صلى اللّه عليه و آله قام بالباب و لم يدخل ،

فعرفت عائشة و أنكرت وجهه ، فقالت : يا رسول اللّه تبت إلى اللّه ، ماذا أذنبت ؟

فقال : ما هذه النمرقة ؟ قالت : اشتريتها لك تجلس عليها و توسّدها . فقال : إنّ أصحاب هذه الصور يعذّبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، و إنّ البيت الّذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ٥ .

و روى ( سنن أبي داود ) عن عايشة قالت : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خرج في بعض مغازيه . فأخذت نمطا كان لنا فسترته على العرض ، فلمّا جاء أتى النمط حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ٩٠ و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٥ : ٢٠٣ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤٧٠ ، ٤٦٩ .

( ٣ ) أخرجه البخاري في صحيحه ١ : ٢٩٢ ، و مسلم في صحيحه ٢ : ٩٣١ ح ٢٦٧ ، و الترمذي في سننه ٣ : ٢٦٠ ح ٩١٨ ، و النسائي في سننه ٥ : ٢٦٧ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٠٢٢ ح ٣٠٧٤ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٤٥ ، و أحمد في مسنده ١ :

٢١٦ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ١٢٩ ، و رواه القاضي الصعدي في درر الأحاديث : ٨٧ بعضهم عن طرق كثيرة ، و حول الحديث بحث عن الباقر عليه السّلام أخرجه في بعض نسخ فقه الرضا عنه المستدرك ٢ : ١١٧ ح ٤ .

( ٤ ) لم أظفر بمرجع نقله .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٢ : ٢٩٣ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٦٦٩ ح ٩٦ بفرق يسير ، و الموطا لمالك : ٧٢٦ ، و مسند أحمد ٦ : ٢٤٦ ، و روي معناه كثيرا .

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605