بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113423 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

الّذي ألفتموه ، و لتفهموا عنه مقالته و تفهموا خطابه و مراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك ، و أنّ ما يقوله حقّ بل إنّما بعث بشرا ، و أظهر على يده المعجزات الّتي ليست في طبائع البشر الّذين قد علمتم ؟ فتعلمون بعجزكم عمّا جاءكم به أنّه معجزة ، و أنّ ذلك شهادة من اللّه بالصدق ، و لو ظهر لكم ملك و ظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلّكم أنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه حتّى يصير ذلك معجزا ، ألا ترى أنّ الطيور تطير ، و ليس ذلك منها بمعجز لأنّ لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، و لو أنّ آدميّا طار كطيرانها أكان ذلك معجزا إلى أن قال :

و أمّا قولك : . . . لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ١ فإنّك اقترحت أشياء ، منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا ، و منها مالو جاءك به كان معه هلاكك ، و منها المحال الّذي لا يصحّ ، و لا يجوز كونه ، و منها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرّد .

فأمّا قولك : تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة هذه ، أرأيت لو فعلت هكذا أكنت من أجل هذا نبيّا ؟ قال : لا . قال : أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصّلتها و ذلّلتها و كسحتها و أجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى . قال : فكذلك لا يصير هذا حجّة لمحمّد لو فعله على نبوّته . فما هو إلاّ كقولك : لن نؤمن لك حتّى تقوم ، و تمشي على الأرض أو حتّى تأكل الطعام كما يأكل الناس .

و أمّا قولك : أو تكون لك جنّة من عنب فتأكل و تطعمنا ، و تفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، أو ليس لك و لأصحابك جنّات من نخيل ، و عنب بالطائف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٠ .

٤٦١

تأكلون و تطعمون منها ، و تفجّرون الأنهار خلالها تفجيرا ، أفصرتم أنبياء لهذا ؟ قال : لا . قال : و أمّا قولك : أو تسقط السماء . . . فإنّ في سقوط السماء عليكم هلاككم و موتكم ، و رسول ربّ العالمين أرحم من ذلك ، لا يهلك لكنّه يقيم حجج اللّه ، و ليس حججه على حسب اقتراح عباده ، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح ، و ما لا يجوز منه من الفساد ، و قد يختلف اقتراحهم و يتضادّ حتّى يستحيل و قوعه ، و هل رأيت طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ؟

و أمّا قولك : أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا ١ نقابلهم و نعاملهم ، فإنّ هذا من المحال الّذي لا خفاء به ، لأنّ ربّنا عزّ و جلّ ليس كالمخلوقين يجي‏ء ،

و يذهب ، و يتحرّك ، و يقابل شيئا حتّى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، و إنّما هذا الّذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع و لا تبصر ، و لا تغني عنكم شيئا . و قال له : أو ليس لك ضياع ، و جنان بالطائف ،

و عقار بمكّة ، و قوّام لك عليها ؟ قال : بلى . قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك و بين معامليك ؟ قال : بل بسفراء . قال : أرأيت لو قال لك معاملوك و أكرتك و خدمك لسفرائك : لا نصدّقكم في هذه السفارة إلاّ أن تأتونا بعبد اللّه بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها ، كنت تسوّغهم هذا أو كان يجوز لهم عند ذلك ؟ قال : لا . قال : فما الّذي يجب على سفرائك ؟

أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّ على صدقهم يجب عليهم أن يصدّقوهم ؟ قال : بلى . قال : أرأيت سفيرك لو عاد إليك ، و قال : قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي ، أليس يكون لك مخالفا ، و تقول له : إنّما أنت رسول لا مشير و آمر ؟ قال : بلى . قال : فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٢ .

٤٦٢

ما لا تسوّغ أكرتك و معامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟ و كيف أردت من رسول ربّ العالمين أن يستذمّ إلى ربّه بأن يأمر عليه ، و ينهى ، و أنت لا تسوّغ مثل هذا على رسولك و أكرتّك .

و أمّا قولك : أو يكون لك بيت من زخرف ١ أي : الذهب أما بلغك أنّ لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى . قال : أفصار بذلك نبيّا ؟ قال : لا . قال :

فكذلك لا يوجب لمحمّد لو كان له نبوّة .

و أمّا قولك : حتّى ترقى . . . فإنّك مقرّ بأنّك تعاند حجّة اللّه عليك ، فلا دواء لك إلاّ تأديبك على يد أوليائه البشر أو ملائكته الزبانية ، و قد أنزل تعالى عليّ حكمة جامعة لبطلان كلّ ما اقترحته ، فقال : قل يا محمّد : . . . سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشرا رسولا ٢ ما أبعد ربّي أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهّال بما يجوز و ما لا يجوز ، و هل كنت إلاّ بشرا لا تلزمني إلاّ إقامة حجّة اللّه التي أعطاني ، و ليس لي أن آمر على ربّي و لا أنهى ، و لا أشير ، فأكون كالرّسول الّذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه ، فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوا عليه إلى أن قال قيل : لأمير المؤمنين عليه السّلام : هل كان للنبيّ صلى اللّه عليه و آله آية مثل آية موسى عليه السّلام في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به ؟

فقال : أي و الّذي بعثه بالحقّ ، و ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمّد إلاّ و قد كان لمحمّد مثلها أو أفضل منها ٣ .

« و نحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه ، و أريتنا علمنا أنّك نبيّ و رسول ، و إن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب . فقال صلى اللّه عليه و آله : و ما تسألون ؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتّى تقلع بعروقها و تقف بين يديك » و نظير اقتراحهم دعوة الشجرة الواردة في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٢ ) الإسراء : ٩٣ .

( ٣ ) الاحتجاج للطبري : ٢٩ و تفسير العسكري : ٢٢٩ و النقل بتصرف يسير .

٤٦٣

هذه الخطبة اقتراحهم شقّ القمر الوارد في القرآن في قوله عزّ و جلّ : اقتربت الساعة و انشقّ القمر . و إنّ يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمرّ .

و كذّبوا اتّبعوا أهواءهم و كلّ أمر مستقرّ ١ قالوا : رواه ابن مسعود و ابن عبّاس و حذيفة ، و أنس ، و جبير بن مطعم و ابن عمر ٢ .

و روى القمي عن الصادق عليه السّلام قال : اجتمع أربعة عشر رجلا أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة من ذي الحجّة فقالوا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما من نبيّ إلاّ و له آية فما آيتك في ليلتك هذه ؟ فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما الّذي تريدون ؟ فقالوا : إن يكن لك عند ربّك قدر ، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين . فهبط جبرئيل و قال : يا محمّدا إنّ اللّه يقرئك السّلام و يقول لك : إنّي قد أمرت كلّ شي‏ء بطاعتك . فرفع رأسه ، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين ، فانقطع قطعتين ، فسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله شكرا للّه ، و سجد شيعتنا ، ثمّ رفع النبيّ صلى اللّه عليه و آله رأسه و رفعوا رؤوسهم ، ثمّ قالوا : يعود كما كان .

فعاد كما كان ، ثمّ قالوا : ينشق رأسه . فأمره فانشقّ ، فسجد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سجد شيعتنا ، فقالوا : يا محمّد حين يقدم سفّارنا من الشام و اليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة ، فإنّ يكونوا رأوا مثل ما رأينا علمنا أنّه من ربّك ، و إن لم يروا مثل ما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به ، فأنزل تعالى : اقتربت الساعة . . . ٣ إلى آخر السورة ٤ .

« فقال صلى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير فإن فعل اللّه لكم » هكذا في ( المصرية )

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القمر : ١ ٣ .

( ٢ ) حديث شقّ القمر كثير الطرق جمع بعضها السيوطي في الدر المنثور ٦ : ١٣٢ ١٣٤ بثلاث و عشرين طريقا عن ابن مسعود و ثلاث عشرة طريقا عن ابن عباس و ست طرق عن حذيفة بن ايمان و اثنتي عشرة طريقا عن أنس بن مالك و سبع طرق عن جبير بن مطعم و ثماني طرق عن ابن عمر ، و في الباب عن علي و الصادق عليهما السّلام .

( ٣ ) القمر : ١ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ٣٤١ .

٤٦٤

و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ : « بكم » .

« ذلك أتؤمنون و تشهدون بالحقّ ؟ قالوا : نعم . قال : فإنّي سأريكم ما تطلبون ،

و إنّي لأعلم أنّكم لا تفيئون » أي : لا ترجعون .

« إلى خير » و لا تكون لكم عاقبة حسنى ، فيقتل منهم طائفة ، و يطرحون في بئر بدر ، و طائفة تبقى ، و تحزّب الأحزاب عليه كما يأتي .

هو من معجزاته الإخباريّة ، أخبرهم أنّهم مع إراءته صلى اللّه عليه و آله لهم البيّنات لا يذعنون للإيمان ، و يقاتلون معه ، و هي كثيرة يعقد لها باب بل يصنّف لها كتاب ، و منها قوله صلى اللّه عليه و آله لمّا قال لعمّه العبّاس بعد أسره : افد نفسك و ابني أخويك ، يعني : عقيلا و نوفلا ، فقال : ليس لي مال : أين المال الّذي وضعته عند أمرأتك أمّ الفضل حين خرجت ، و ليس معكما أحد ، ثمّ قلت لها : إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ، و لعبد اللّه كذا ؟ فقال : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما علم بهذا أحد غيرها ، و إنّي لأعلم أنّك رسول اللّه . ففدى نفسه بمائة أوقية و كل واحد بمائة أوقية ٢ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) : قالت عائشة : خطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله امرأة من كلب ،

فبعثني أنظر إليها ، فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا . فقال : بل رأيت بخدّها خالا ، اقشعرّ منه كلّ شعرة منك على حده . فقلت : ما دونك ستر ٣ .

و من تلك الأخبار أخبار قطعية سمّوها أعلام النبوّة ، منها قوله صلى اللّه عليه و آله في أمر الجمل لعايشة : « تنبحك كلاب الحوأب » ٤ ، و للزبير : « تقاتل عليّا و أنت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٥ و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ « لكم » أيضا .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ١٠٧ و غيره .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ .

( ٤ ) حديث كلاب الحوأب رواه أحمد في مسنده ٦ : ٩٧ ، و الحاكم في المستدرك عنه منتخب كنز العمال ٥ : ٤٤٠ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٤٧٥ سنة ٣٦ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٥٧ ، و الاسكافي في المعيار و الموازنة : ٥٥ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ٦٣ ، و الخوارزمي في المناقبه : ١١٤ و غيرهم بفرق بين الألفاظ .

٤٦٥

ظالم » ١ ، و في أمر صفين لعمّار : « تقتلك الفئة الباغية » ٢ .

و خبر عمّار صار سببا لتزلزل أهل الشام و لا سيما لذي الكلاع الحميري عن رؤسائهم ، لأنّه سمعه من عمرو بن العاص في أيّام عمر بن الخطاب ، فزجر معاوية عمرا لروايته الخبر ، فقال له عمرو : أنا يوم رويت الخبر أيّام عمر لم أعلم بحدوث صفين ، و أنّ عمارا يقاتلنا . فاضطرّ معاوية إلى خدعة أهل الشام لخفّة عقولهم بأن قال لهم : إنّما قتل عمّارا عليّ حيث جاء به إلى حربنا ، و قال لذي الكلاع حيث جدّ في ذلك ، و جمع بين عمرو و عمّار : إنّ عمّارا يرجع إلينا أخيرا فقتل ذو الكلاع قبل عمّار ، فسرّ معاوية بذلك كثيرا ،

و قال : لو كان ذو الكلاع حيّا ، و يقتل عمّار لأفسد عليّ كثير من أهل الشام ٣ .

ثمّ من الغريب في هذا الخبر أنّ قاتل عمار أبا الغادية أيضا رواه فقال :

سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإنّ الحقّ يومئذ لمع عمّار . رواه لكلثوم بن جبير فتعجّب كلثوم من قتله له مع نقله ما نقل . فقال كلثوم : ما رأيت شيخا أضلّ منه ، قتله لأنّه سمعه يقع في عثمان مع سماعه من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ما سمع .

نقل ذلك ابن قتيبة في ( معارفه ) و ابن عبد البرّ في ( استيعابه )

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الطبري في تاريخه ٣ : ٥١٩ سنة ٣٦ ، و الحاكم في المستدرك عنه منتخب كنز العمال ٥ : ٤٤٠ ، و ابن راهويه بطريقين ، و ابن منيع ، و ابن أبي شيبة ، و أبو يعلى في مسانيدهم عنهم المطالب العالية ٤ : ٣٠١ ٣٠٣ ح ٤٤٦٨ ٤٤٧٦ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٧٢ ، و الخوارزمي في مناقبه : ١١٣ و غيرهم ، و أخرج نحوه في طلحة أبو سعيد الواعظ في شرف المصطفى عنه مناقب ابن شهر آشوب ١ : ١٠٩ ، و هو غريب .

( ٢ ) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة يحضرني منه أكثر من سبعين طريقا ، منه ما أخرجه بخمس طرق مسلم في صحيحه ٤ : ٢٢٣٥ ، ٢٢٣٦ ح ٧٠ ٧٣ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٦٦٩ ح ٣٨٠٠ ، و النسائي بثماني طرق في الخصائص : ١٣٢ ١٣٥ ، و الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٣٠ ح ٥٧ .

( ٣ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ٣٤١ ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٩٣ .

٤٦٦

و غيرهما ١ .

و العجب من عجبهم من تناقض مذهبهم و ثباتهم فيه ، فانّ لازم كون عثمان إمامهم الثالث ، و عدم إباحة دمه مع اعتقاد جمهور المسلمين غير الأموية يوم قتله إباحته وجوب قتل عمّار لنسبته عثمان إلى اليهودية ،

و تحريضه على قتله ، و إن كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال ما قال .

ثمّ إنّ عايشة و الزبير و إن كان علما بالفطرة الإنسانية بطلان أمرهما ،

و حقّية أمير المؤمنين عليه السّلام و سمعا ما لا يحصى من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فيه عليه السّلام من المناقب ، إلاّ أنّه لم يكن لهما اعتقاد قلبي بكلام النبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى رأيا هاتين الآيتين البينتين ، فتأثرا قهرا ، فأرادت عايشة الرجوع ، فمنعها ابن أختها ابن الزبير ، و رجع الزبير و لم يبال بتعنيفات ابنه ٢ .

« و إنّ فيكم من يطرح في القليب » أي : البئر ، و المراد بئر بدر ، قال أبو عبيد :

القليب : البئر العادية القديمة ٣ .

قال الجزري : لمّا ألقوا ( يوم بدر ) في القليب وقف عليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لنبيّكم ، كذّبتموني و صدّقني الناس . ثمّ قال : يا عتبة ، يا شيبة ، يا أمية بن خلف ، يا أبا جهل بن هشام و عدّد من كان في القليب هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا ، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّا ؟ فقال له أصحابه : أتكلّم قوما موتى ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن قتيبة في المعارف : ٢٥٧ ، و ابن عبد البر في الاستيعاب ٤ : ١٥١ ، و ابن سعد في الطبقات ٣ ق ١ : ١٨٦ ، و أبو يعلى في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٣٠٦ ح ٤٤٨٥ و غيرهم .

( ٢ ) ندم الزبير مشهور ، نقله الطبري في تاريخه ٣ : ٥٢١ سنة ٣٦ و المفيد في الجمل : ٢٠٧ و كثير من أهل الآثار . و أما ندم عائشة و كلام ابن الزبير معها فأخرجه الطبري في تاريخه ٣ : ٤٧٥ سنة ٣٦ و المسعودي في مروج الذهب ٢ :

٣٥٧ ، و الاسكافي في المعيار و الموازنة : ٥٥ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ٦٣ ، و الخوارزمي في مناقبه : ١١٤ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٢٠٦ مادة ( قلب ) و نقله عن الأزهري الفيومي في المصباح المنير ٢ : ١٩٦ .

٤٦٧

منهم ، و لكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني ١ .

ثمّ إنّ ابن ميثم ٢ لعدم علمه بالتاريخ خبط فعدّ في من طرح في القليب منهم أميّة بن عبد شمس و الوليد بن المغيرة ، و تبعه الخوئي ٣ ، مع أنّ الأوّل إنّما هو جدّ أبي سفيان ، و لم يكن في ذاك الوقت أبوه حرب بن أميّة حيّا ، فضلا عن جدّه أميّة بن عبد شمس ، و إنّما كان في القتلى أمّية بن خلف الجمحي ، و لم يطرح في القتلى هو فانّه انتفخ في درعه ، فملأها ، فذهبوا به ليخرجوه فتقطع ،

و طرحوا عليه من التراب و الحجارة ما غيّبه ، و باقي القتلى السبعين طرحوا فيه ٤ ، و أمّا الثاني فلم يكن يوم بدر حيّا فإنّه مات بمكّة بعد ثلاثة أشهر من هجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله ٥ و بدر كانت في السنة الثانية من هجرته ، و كان من المستهزئين الّذين كفى اللّه تعالى شرّهم عن رسوله ، كما وعده في قوله : إنّا كفيناك المستهزئين ٦ .

قال الجزري : مرّ الوليد برجل من خزاعة يريش نبلا له فوطى‏ء على سهم منها فخدشه ثمّ أومأ جبرئيل عليه السّلام إلى ذلك الخدش بيده فانتقض و مات منه ،

فأوصى إلى بنيه أن يأخذوا ديته من خزاعة ، فأعطت خزاعة ديته ٧ .

« و من يحزّب الأحزاب » و المراد أبو سفيان . و قال ابن ميثم ٨ و تبعه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ١٢٩ سنة ٢ و تاريخ الطبري ٢ : ١٥٦ سنة ٢ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٢٠ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٥ : ٣٣٠ .

( ٤ ) السيرة لابن هشام ٢ : ٢٠٤ ، و تاريخ الطبري ٢ : ١٥٥ سنة ٢ .

( ٥ ) نقله ابن الأثير الجزري في الكامل ٢ : ٧٢ .

( ٦ ) الحجر : ٩٥ .

( ٧ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٧٢ .

( ٨ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٢٠ .

٤٦٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الخوئي ١ : المراد ممّن يحزب الأحزاب أبو سفيان ، و عمرو بن عبدود ، و صفوان بن أمّية ، و عكرمة بن أبي جهل ، و سهيل بن عمرو ، مع أنّه ليس لصفوان ذكر في قائدي ذاك اليوم ، و لا في مبارزيهم ، و الباقون لم يكونوا من القائدين بل من المبارزين ، و لو كان المراد كلّ من بارز فلم لم يعدّ هبيرة المخزومي ، و مرداس الفهري ، و ضرارا ؟ و إنّما المحزّب المؤسس ، و لم يكن غير أبي سفيان ، قال ابن الزبعرى مفتخرا بأبي سفيان في الخندق :

جيش عيينة قاصد بلوائه

فيه و صخر قائد الأحزاب

و قال محمّد بن محمّد بن النعمان في ( إرشاده ) في سبب غزوة الأحزاب : أنّ جماعة من اليهود ، منهم : سلام بن أبي الحقيق النضيري ، و حيّ بن أخطب ، و كنانة بن الربيع ، و هوذة بن قيس الوابلي ، و أبو عمارة الوابلي في نفر من بني وابلة خرجوا حتّى قدموا مكّة فصاروا إلى أبي سفيان صخر بن حرب لعلمهم بعداوته للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و تسرّعه إلى قتاله ، فذكروا له ما نالهم منه ،

و سألوه المعونة لهم على قتاله . فقال لهم أبو سفيان : أنا لكم حيث تحبّون ،

فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى أن قال : و خرجت قريش ، و قائدها إذ ذاك أبو سفيان صخر بن حرب ، و خرجت غطفان ، و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، و الحرث بن عوف في بني مرة ، و وبرة بن طريف في قومه من أشجع إلى أن قال : فانتدبت فوارس من قريش للبراز ، منهم : عمرو بن عبدودّ بن أبي قبيس بن عامر بن لؤي بن غالب ، و عكرمة بن أبي جهل ، و هبيرة بن أبي وهب المخزوميان . . . ٢ .

« ثمّ قال صلى اللّه عليه و آله : يا أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين باللّه و اليوم الآخر و تعلمين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٥ : ٣٣٠ .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٥٠ .

٤٦٩

أنّي رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن اللّه » و روى ( إثبات المسعودي ) حديثا له صلى اللّه عليه و آله آخر في خفض الشجرة له صلى اللّه عليه و آله حتّى لقط من ثمارها ما أراد ، فقال : كانت في دار أبي طالب نخلة منعوتة بكثرة الحمل موصوفة بالرقة و عذوبة الطعم ، شهيّة المضغ ، يعقب طعمها رائحة طيّبة عطرية كرائحة الزعفران المذاب بالعسل ، كثيرة اللّحا ، قليلة السّحا ، دقيقة النّوى . فكان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يأتي إليها كلّ غداة مع أتراب له ، منهم : أبو سفيان ابن الحرث بن عبد المطلب ابن عمه ، و أبو سلمة بن عبد الأسد ، و مشروح بن ثويبة ،

فيلتقطون ما يتساقط تحتها من ثمرها بهبوب الرياح و وقوع الطير و نقره ،

و كانت فاطمة بنت أسد لا ترى النبيّ صلى اللّه عليه و آله يسابق أترابه على البسر و البلح و الرطب في أوانه ، و كان الغلمة يبادرون لذلك و هو يمشي بينهم و عليه السكينة و الوقار بتواضع و ابتسام ، و يتعجّب من حرصهم و عجلتهم ، فكان إن وجد شيئا ساقطا بعدهم أخذه ، و إلاّ انصرف بوجه منبسط طلق و بشر حسن .

فكانت فاطمة تعجب من شدّة حيائه و طيب شأنه و رقّة قلبه و سرعة دمعته و كثرة رحمته ، فربّما جمعت له من ثمر النخلة قبل مجيئهم ، فإذا أقبل قدمته إليه ، فيحب أن يأكله معها . قالت فاطمة : و دخل عليّ أترابه يوما و أنا مضطجعة ، و لم أره معهم . فقلت : أين محمّد ؟ قالوا : مع عمّه أبي طالب و راءنا ،

فسكنت نفسي قليلا ، و لقط الغلمان ما كان تحت النخلة ، و جاء بعدهم محمّد صلى اللّه عليه و آله فلم يرتحتها شيئا ، فصار إليها و وقف تحتها و كانت باسقة فأومأ بيده إليها ، فانثنت بعراجينها حتّى كادت تلحق بثمارها الأرض ، فلقط منها ما أراد ، ثمّ رفع يده و أومأ إليها فرجعت ، و حسبني راقدة . قالت : و كنت مضطجعة . فلمّا رأيت ذلك استطير في روعي ، و لم أملك نفسي ، فأتيت أبا طالب فخلوت به ، فقلت له : كان من أمر محمّد كيت و كيت . فقال : مهلا يا فاطمة

٤٧٠

لا تذكري من هذا شيئا فإنّه حلم و أضغاث . فقلت : كلاّ و اللّه بل هو يقين في يقظة لا في نوم ١ .

« و الّذي » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فو الّذي ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها ، و جاءت و لها دويّ » في ( النهاية ) الدويّ :

صوت ليس بالعالي ، كصوت النحل و نحوه ٣ .

« شديد و قصف كقصف » أي : صوت كصوت .

« أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي » أي : قدّام .

« رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مرفوفة » قال الجوهري : رفرف الطائر : إذا حرّك جناحيه حول الشي‏ء يريد أن يقع عليه ٤ .

« و ألقت بغضنها الأعلى على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و بعض أغصانها على منكبي و كنت عن يمينه صلى اللّه عليه و آله » و كان ذلك شاهد إمامته عليه السّلام ، كما لنبوّته صلى اللّه عليه و آله ، و لمّا قال عليه السّلام : ما أحد من قريش جرت عليه المواسي إلاّ نزلت فيه آية . قيل له : فأيّ آية نزلت فيك ؟ قال : قوله تعالى : أفمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه . . . ٥ محمّد على بيّنة من ربّه ، و أنا شاهد منه تاليه ٦ .

و قد قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله له في المتواتر : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاثبات للمسعودي : ١١٤ .

( ٢ ) لا توجد ( الفاء ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ١٤٣ مادة ( دوا ) .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٤ : ١٣٦٧ مادة ( رفرف ) .

( ٥ ) هود : ١٧ .

( ٦ ) أخرجه ابن أبي خاتم و ابن مردويه و أبو نعيم في المعرفة عنهم الدّر المنثور ٣ : ٣٢٤ ، و الفرات الكوفي في تفسيره : ٦٤ ، و العياشي في تفسيره ٢ : ١٤٢ ح ١٣ ، و الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٢٨٠ ح ٣٨٤ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٣٨١ المجلس ١٣ ، و معناه روي كثيرا .

٤٧١

إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ١ . و قد حكى اللّه تعالى منازل هارون من موسى في قوله جلّ إسمه : هارون أخي . أشدد به أزري . و أشركه في أمري . كي نسبّحك كثيرا . و نذكرك كثيرا . إنّك كنت بنا بصيرا ٢ .

« فلمّا نظر القوم إلى ذلك » أي : مجي‏ء الشجرة إليه .

« قالوا علوّا و استكبارا » عن قبول الحقّ .

« فمرها فليأتك نصفها ، و يبقى نصفها » هكذا في النسخ ٣ ، و كأنّ فيها سقطا ، و أنّ الأصل : فمرها فلترجع إلى مكانها . فأمرها فرجعت ، فقالوا : فمرها فليأتك نصفها و يبقى نصفها . كما لا يخفى .

« فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال ، و أشدّه دوّيا » و صوتا ٤ .

« فقالوا كفرا و عتوا فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه » في مكانه الأوّل .

« كما كان » منضما بنصفه الآخر .

« فأمره صلى اللّه عليه و آله فرجع » كما كان ، و روى الجزري في ( كامله ) و في ( أسده ) ،

و البلاذري في ( أنسابه ) ، و الكراجكي في ( كنزه ) ٥ حديث الشجرة بطريق آخر أخصر ، و الظاهر كونه قضيّة أخرى ، قال الأوّل في ( كامله ) : و من المستهزئين بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، كان شديد العداوة ، لقي النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : يابن أخي ، بلغني عنك أمر ، و لست بكذاب ، فان صرعتني ،

علمت أنّك صادق ولم يكن يصرعه أحد فصرعه النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثلاث مرّات و دعاه النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى الإسلام ، فقال : لا أسلم حتّى تدعو هذه الشجرة . فقال لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا الحديث المتواتر المعروف بحديث المنزلة مرّ تخريجه في العنوان ١٣ من هذا الفصل .

( ٢ ) طه : ٣٠ ٣٥ .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٥٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٨ .

( ٤ ) أسقط الشارح هنا شرح فقرة « فكادت تلتّف برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » .

( ٥ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٥ ، و أسد الغابة ٢ : ١٨٨ ، و أنساب الأشراف الأشراف ١ : ١٥٥ ، و كنز الفوائد للكراجكي : ٩٤ .

٤٧٢

النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أقبلي ، فأقبلت تخدّ الأرض . فقال ركانة : ما رأيت سحرا أعظم من هذا ، مرها فلترجع فأمرها ، فعادت ، فقال : هذا سحر عظيم ١ .

و رواه البلاذري ، و الكراجكي مثله ، و زادا : فذهب ركانة إلى قوله فقال :

يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فو اللّه ما رأيت أسحر منه قط . ثمّ أخبرهم بالّذي رأى و الّذي صنع ٢ .

و قال في ( أسده ) : إنّ ركانة طلب من النبيّ صلى اللّه عليه و آله أن يريه آية ليسلم ،

و قريب منهما شجرة ذات فروع و أغصان ، فأشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال لها :

أقبلي بإذن اللّه . فإنشقت باثنتين ، فأقبلت على نصف شقّها و قضبانها حتّى كانت بين يديّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال له ركانة : أريتني عظيما ، فمرها فلترجع . فأخذ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله العهد لئن أمرها فرجعت ليسلمن . فأمرها ، فرجعت حتّى التأمت مع شقّها الآخر ، فلم يسلم ثمّ أسلم بعد . قال : و كان يقال لأبيه عبد يزيد :

المحض لا قذى فيه لأنّ أمّه الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف ، و أباه هاشم بن المطلب ٣ .

و لعترته عليهم السّلام أحاديث في الشجرة قريبة من حديثه صلى اللّه عليه و آله ، منها ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ ابن إبراهيم بن هاشم القمّي ، عن أبيه ، عن محمّد بن فلان الواقفي ، قال : كان لي إبن عمّ يقال له : الحسن بن عبد اللّه ، كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه ، و كان يتّقيه السلطان لجدّه في الدين و اجتهاده ، و ربّما استقبل السلطان بكلام صعب يعظه ، و يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ، و كان السلطان يحتمله لصلاحه ، و لم تزل هذه حالته حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧٥ .

( ٢ ) أنساب الأشراف ١ : ١٥٥ ، و كنز الفوائد : ٩٤ .

( ٣ ) أسد الغابة ٢ : ١٨٧ ، ١٨٨ .

٤٧٣

كان يوم من الأيّام ، إذ دخل عليه أبو الحسن موسى عليه السّلام و هو في المسجد ،

فرآه فأومأ إليه ، فأتاه ، فقال له : يا أبا عليّ ما أحبّ إليّ ما أنت فيه و أسرّني إلاّ أنّه ليست لك معرفة ، فاطلب المعرفة . قال : جعلت فداك ، و ما المعرفة ؟ قال : اذهب فتفقّه ، و اطلب الحديث . قال : عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث . قال : فذهب فكتب ، ثمّ جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه ، ثمّ قال له : اذهب فاعرف المعرفة . و كان الرجل معيّنا بدينه ، فلم يزل يترصّد أبا الحسن عليه السّلام حتّى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق ، فقال له : جعلت فداك إنّي أحتجّ عليك بين يدي اللّه فدلّني على المعرفة . فأخبره بأمر أمير المؤمنين عليه السّلام و ما كان بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخبره بأمر الرجلين ، فقبل منه ثم قال له : فمن كان بعد أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ قال : الحسن عليه السّلام ثمّ الحسين عليه السّلام حتّى انتهى إلى نفسه ، ثمّ سكت . قال : فقال له : جعلت فداك فمن هو اليوم ؟ قال : إن أخبرتك تقبل . قال : بلى جعلت فداك . قال : أنا هو . قال : فشي‏ء استدلّ به . قال : اذهب إلى تلك الشجرة و أشار بيده إلى أم غيلان فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي . قال :

فأتيتها فرأيتها و اللّه تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه . ثمّ أشار إليها ،

فرجعت . قال : فأقرّ به عليه السّلام ثمّ لزم الصمت و العبادة . فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك ١ .

و روي مسندا عن الصادق عليه السّلام : أنّ الحسن عليه السّلام خرج في بعض عمره ،

و معه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ، فنزلوا في منهل من تلك المناهل تحت نخل يابس قد يبس من العطش ، ففرش للحسن عليه السّلام تحت نخلة ، و فرش

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٥٢ ح ٧ و البصائر للصفار : ٢٧٤ ح ٦ ، و الإرشاد للمفيد : ٢٩٢ ، و اعلام الورى للطبرسي : ٣٠١ ، و رواية الأخيرين من طريق الكليني لكن اسناد الكليني علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد عن محمّد بن فلان الواقفي ، و محمّد الذي يروي إبراهيم عنه هو ابن أبي عمير . و روى الكليني الحديث من طريق آخر . قال محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن هاشم مثله .

٤٧٤

للزبيري بحذاه تحت نخلة أخرى . قال : فقال الزبيري ، و رفع رأسه : لو كان في هذه النخل رطب لأكلنا منه . فقال له الحسن عليه السّلام : و إنّك لتشتهي الرطب . فقال الزبيري : نعم . قال : فرفع عليه السّلام يده إلى السماء ، فدعا بكلام لم يفهمه ، فاخضرّت النخلة ثمّ صارت إلى حالها فأورقت و حملت رطبا . فقال الجمّال الّذي اكتروا منه : سحر و اللّه . قال : فقال الحسن عليه السّلام : و يلك ليس بسحر ، و لكن دعوة ابن نبي مستجابة . قال : فصعدوا إلى النخلة فصرموا ما كان فيه فكفاهم ١ .

و روى مسندا عن أبي هاشم الجعفري قال : صلّيت مع أبي جعفر الجواد عليه السّلام في مسجد المسيّب ، و صلّى بنا في موضع القبلة سواء ، و ذكر أنّ السدرة الّتي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق ، فدعا بماء ، و تهيأ تحت السدرة ، فعاشت السدرة و أورقت و حملت من عامها ٢ .

« فقلت أنا : لا إله إلاّ اللّه فانّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه ، و أوّل من أقرّ بأنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تعالى تصديقا بنبوّتك » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( لنبوّتك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّيّة ) ٣ .

« و إجلالا لكلمتك » يا أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين باللّه و اليوم الآخر فتعلمين أنّي رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يدي بإذن اللّه .

« فقال القوم كلّهم : بل ساحر كذّاب عجيب السحر خفيف فيه » يأتي بالسحر سريعا ، قال الكراجكي في ( كنزه ) : اعلم أنّ المتمحّلين من الكفّار في إبطال نبوّة نبيّنا قد أدّاهم الحرص في الإنكار إلى وجوب الإذعان و الإقرار ، و ساقهم الجبر و القضاء إلى لزوم التسليم و الرضا ، فلا خلاص لهم من ثبوت الحجّة عليهم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦٢ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٢٧٦ ح ١٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٩٧ ح ١٠ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٣٩٦ .

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٥٦ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٩ « بنبوتك » أيضا .

٤٧٥

و هم راغمون ، و لا محيص لهم من وجوب تصديقه و هم صاغرون ، و ذلك أنّهم لم يجدوا طريقا يسلكون في إنكار حقّه من النبوّة ، و الدفع لما أتى به من الرسالة إلاّ بأن أقرّوا له ببلوغه من كلّ درجة في الفضل منيفة ، و مرتبة في الكمال و العقل شريفة ، ما قد قصّر عنه جميع خلق اللّه ، و بدون ذلك تجب له الرياسة ، و التقدّم على الكافّة ، و لا يجوز أن تتوجّه التهمة لمنافاتها لما أقرّوا به في موجب العقل و الحكمة . و بيان ذلك : أنّهم إذا سمعوا القرآن الوارد على يده الّذي قد جعله علما على صدقه ، و رأوا قصور العرب عن معارضته و عجزهم من الإتيان بمثله ، قالوا : إنّه كان قد فاق جميع البلغاء في البلاغة ، و زاد على سائر الفصحاء في قصّر عن مساواته في ذلك الناس كافّة ، ففضّلوه بهذا على الخلق أجمعين و قدّموه على العالمين .

و إذا تأمّلوا ما في القرآن من أخبار الماضين ، و أعاجيب السالفين ، و ذكر شرائع الأنبياء المتقدّمين ، قالوا : قد كان أعرف الناس بأخبار الناس ، و أعلمهم بجميع ما حدث ، و كان في سالف الأزمان قد أحاط بنبأ الغابرين ، و حفظ جميع علوم الماضين . ففضّلوه بهذه الرتبة على الخلق أجمعين .

و إذا رأوا ما تضمّنه القرآن من عجيب الفقه و الدين ، و بديع عبادات المكلّفين ، و ترتيب الفرائض و انتظامها ، و حدود الشريعة و أحكامها ، قالوا : قد كان أحكم أهل زمانه ، و أفضلهم و أبصرهم بأنواع الحكمة ، و أعملهم ، و لم يكن خلق في ذلك يساويه ، و لا بشر يدانيه . ففضّلوه بذلك أيضا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و إذا علموا ما في القرآن من الأخبار بالغائبات و تقديم الأعلام بمستقبل الكائنات و سمعوا ما تواترت به الأخبار من إنبائه لكثير من الناس بما في نفوسهم و إظهاره في الأوقات لمغيّب مستورهم ، قالوا : قد كان أعرف الناس

٤٧٦

بأحكام النجوم ، و أبصرهم بما تدلّ عليه في مستأنف الأمور ، و إن لم يظهر معرفته بها لأمّته و نهاهم عن الاطلاع فيها لينتظم له حال نبوّته ، و إنّه كان معوّلا عليها ، مستندا في أموره إليها و قوله لا يخرم ، و إخباره بالشي‏ء لا يختلف ، يعلم الحوادث و الضمائر ، و يطّلع على الخبايا و السرائر ، و لا تخفى عنه أوقات المساعد و المناحس ، و لم يكن أحد يعثّره في ذلك ، ففضّلوه بهذا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

فإذا قيل لهم : ما تقولون في المأثور من معجزاته ، و المنقول من آياته الخارقة للعادة الّتي أقام بها الحجّة ؟ قال المسلمون منهم لذلك ، المتعاطون لإخراج معناه : كان أعرف الناس بخواصّ الموجودات و أسرار الطبائع ، الحيوان و الحوادث ، فينظهر من ذلك للناس ما يتحيّر له من رآه لقصوره عن إدراك سببه و معناه ، ففضّلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين ، و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و قد سمعنا في بعض الأحاديث : أنّ أحد السحرة قال لموسى عليه السّلام : إنّ هذه العصا من طبعها أن تسعى إذا ألقيت ، و تتشكل حيوانا إذا رميت خاصية لها بسبب فيها . فقال له موسى عليه السّلام : فخذها أنت وارمها ، فأخذها الساحر ، و رماها ، فما تغيّرت عن حالها ، فأخذها موسى و رماها ، فصارت حيّة تسعى .

فقال الساحر : ليس في العصا سرّ و إنّما السرّ في من ألقاها ، آمنت بإله موسى .

أفترى ، لو أخذ أحد من المشركين الحصى الّذي سبّح في كفّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله فتركه في يده أكان يسبّح أيضا فيها ؟ أترى أحدهم لو أشار بيده إلى الشجرة الّتي أشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأتت لكانت تأتيه أيضا إذا أومأ إليها ؟

و إنّ هذه الأشياء تفعل بالطبع كما يفعل حجر المغناطيس في الحديد الجذب ،

كلاّ ما يتصوّر هذا عاقل .

٤٧٧

و إذا نظروا إلى حسن تمام أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و انتظام مراده الّذي قصده ،

و أنّه نشأ بين قوم يتجاذبون العزّ و المنعة ، و يتنافسون في التقدمة و الرفعة ،

و يأنفون من العار و الشنعة ، و لا يعطون لأحد إمرة و طاعة ، فلم يزل بهم حتّى قادهم إلى أمره و ساقهم إلى طاعته ، و استعبدهم بما لم يكونوا عرفوه ،

و أمرهم بهجران ما ألفوه ، إلى أن صاروا يبذلون أنفسهم دون نفسه و يسلّمون لقوله ، و يأتمرون لأمره من غير أن كان له ملك خافوه ، و لا مال أمّلوه ، ففتح بهم البلاد ، و أذعن له ملوك العباد ، و نفذ أمره في الأنفس و الأموال ،

و الحائل و الأولاد .

قالوا : إنّما تمّ له ذلك لأنّه فاق العالمين بكمال عقله ، و حسن تدبيره و رأيه ، و لم يكن ذلك في أحد غيره ، ففضّلوه بهذا أيضا على الخلق أجمعين ،

و أوجبوا له التقدّم على العالمين .

و إذا سمعوا المشتهر من عدله و نصفته ، و حسن سيرته في أمّته و رعيّته ، و أنّه لا يكلّف أحدا شيئا في ماله ، و إذا حصلت المغانم فرّقها في أمّته ،

و قنع من عيشه بدون كفايته ، هذا مع سخاوته و كرمه ، و إيثاره على نفسه ،

و وفائه بوعده ، و صدق لهجته ، و اشتهاره منذكان بأمانته ، و شريف طريقته ،

و حسن عفوه و مسامحته ، و جميل صبره و حلمه ، قالوا : كان أزهد الناس ،

و أعلاهم قدرا في العدل و الإنصاف ، و لا طريق إلى انكار إحاطته بالفضائل الكرام ، و المناقب التوام ، ففضّلوه في جميع هذه الأمور على الخلق أجمعين ،

و أوجبوا له التقدم على العالمين .

فإذا قيل لهم : فهذه العلوم العظيمة متى أدركها ، و في أيّ زمان جمعها و تلقّطها ، و أيّ قلب يعيها و يحفظها ، و هل رئي بشر قط يحيط بجميع الفضائل ،

و يتقدّم العالمين كافة في سائر المناقب ، و يكون أوحد الخلق في كمال العقل

٤٧٨

و التميز ، و ثاقب الرأي و التدبير مع نزاهة النفس و جلالتها ، و شرفها و زهدها ،

و فضلها و جودها و بذلها ؟ قالوا : كانت له سعادات فلكية ، و عطايا نجومية ،

فأفاق بها على جميع البريّة . قيل لهم : فمن كان بهذا الوصف العظيم ، و المحلّ الجليل كيف يستجيز عاقل مخالفته أو يسوغ له مباينته ، و بمن يقتدى أفضل منه ، و متى يكون مصيبا في الانصراف عنه ، بل كيف لا يرضى بعقل أعقل الناس ، و يأخذ العلم من أعلم الناس ، و يقتبس الحكمة من أحكم الناس ؟ و ما الفرق بينكم في قولكم : إنّ هذه العطايا التي حصلت له إنّما كانت فلكية و نجومية و بيننا إذ قلنا : إلهية ربّانيتة ؟ و بعد فكيف يستجيز من يكون بهذا العقل الكامل ، و الفضل الشامل ، و الورع الظاهر ، و الزهد البارع ، و الشرف العريق ، و اللسان الصدوق أن يكذب على خالق السماوات و الأرضين ، فيقول للناس : أنا رسول ربّ العالمين ، و يدّعي هذا المقام الجليل ، و يكون الأمر بخلاف ما يقول ؟ و كيف تلائم صفاته التي سلّمتموها لهذه الحال التي ادّعيتموها ؟ فدعوا المناقضة و المكابرة ، و اثبتوا على ما أقررتم به في المناظرة ، فكلامكم لازم لكم ، و قولكم حجّة عليكم ، قد أقررتم بالحقّ و أنتم راغمون و التجأتم إلى ما هربتم منه و أنتم صاغرون .

و اعلموا أنّ من باين المسعود كان منحوسا ، و من خالف العاقل العالم كان جاهلا غبيا ، و من كذّب الصادق كان هو في الحقيقة كاذبا ، و الحمد للّه مقيم الحجّة على من أنكرها ، و موضع الحقّ لمن آثرها ١.

« و هل يصدّقك في أمرك إلاّ مثل هذا ؟ يعنوني » أي : يقصدونني ، استخفافا به عليه السّلام ، و نظيره : ما رواه الطبري عن ابن عبّاس ، عنه عليه السّلام قال : لمّا نزلت هذه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٨٨ ٩١ و النقل بتصرف لفظي يسير .

٤٧٩

الآية : و انذر عشيرتك الأقربين ١ ، دعاني النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا عليّ إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، و عرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرمنهم ما أكره ، فصمتّ عليه حتّى جاءني جبرئيل ، فقال :

« يا محمّد الاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك » . فاصنع لنا صاعا من طعام ، و اجعل عليه رجل شاة ، و املأ لنا عسّا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى اكلمهم ، و أبلّغهم ما أمرت به . ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له ، و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا فيهم أو ينقصونه ، و فيهم أعمامه أبو طالب ،

و حمزة ، و العبّاس ، و أبو لهب . فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته تناول النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ،

ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : خذوا بسم اللّه . فأكل القوم حتّى مالهم بشي‏ء حاجة ، و ما أرى إلاّ موضع أيديهم ، و ايم اللّه الّذي نفس عليّ بيده ، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثمّ قال : اسق القوم . فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه حتّى رووا منه جميعا ، و ايم اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد النبيّ صلى اللّه عليه و آله أن يكلّمهم ، بدره أبو لهب إلى الكلام ،

فقال : لقد سحركم صاحبكم . فتفرّق القوم ، و لم يكلّمهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : الغد يا عليّ إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم ، فعدلنا بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم إليّ . ففعلت ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى مالهم بشي‏ء حاجة ،

ثمّ قال : اسقهم . فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه . ثمّ تكلّم النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : يا بني عبد المطلب إنّي و اللّه ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

٤٨٠

و خليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها جميعا ، و قلت أنا و أنا لأحدثهم سنّا و أرمصهم عينا ، و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا : أنا يا نبي اللّه أكون و زيرك عليه . فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي و وصيي ، و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوه . فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع ، و روى أيضا خبرا آخر عنه عليه السّلام بمعناه ١ .

و لو لم يكن لأمير المؤمنين عليه السّلام في استخلاف النبيّ صلى اللّه عليه و آله له إلاّ هذه القضيّة و هذه القصّة ، لكفى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .

ثمّ كما نقل عليه السّلام عنه صلى اللّه عليه و آله هذه الآية ، نقل أبوه أبو طالب عنه صلى اللّه عليه و آله آيتين أخريين ، و فرووا أنّ أبا جهل جاء مرّة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو ساجد ، و بيده حجر يريد أن يرضخ به رأسه ، فلصق الحجر بكفّه ، فلم يستطع ما أراد ٢ . فقال أبو طالب في ذلك :

أفيقوا بني عمّنا و انتهوا

عن الغيّ من بعض ذا المنطق

إلى أن قال :

و أعجب من ذاك في أمركم

عجائب في الحجر الملصق

بكفّ الّذي قام من خبثه

إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبته اللّه في كفّه

على رغمة الخائن الأحمق

و روى محمّد بن سعد في ( طبقاته ) : أنّ قريشا لمّا تكاتبت على بني هاشم ألاّ ينكحوهم و لا ينكحوا إليهم ، و لا يبيعوهم و لا يبتاعوا منهم ، و لا يخالطوهم في شي‏ء ، و لا يكلّموهم حين أبوا أن يدفعوا إليهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله مكثوا في شعبهم ثلاث سنين محصورين . ثمّ أطلع اللّه تعالى رسوله صلى اللّه عليه و آله على أمر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٦٢ ، ٦٣ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ٢١٢ و المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٧٥ و غيرهما .

٤٨١

صحيفتهم و أنّ الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور و ظلم ، و بقي ما كان فيها من ذكر اللّه ، فجاءهم أبو طالب فقال لهم : إنّ ابن أخي قد أخبرني و لم يكذّبني قط أنّ اللّه قد سلّط على صحيفتكم الأرضة ، فإن كان صادقا نزعتم عن سوء رأيكم ، و إن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه . قالوا : قد أنصفتنا . . . ففتحوها فإذا هي كمال قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله ( قد أكلت الأرضة كلّها إلاّ ما كان من ذكر اللّه فيها ) فسقط في أيديهم و نكسوا على رؤوسهم . . . ١ .

و رووا عن سراقة بن جعشم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لمّا خرج من مكّة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن ردّه عليهم و ذكر حديث طلبه و ما أصاب فرسه إلى أن قال : قال سراقة بعد رجوعه لأبي جهل :

أبا حكم و اللّه لو كنت شاهدا

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت و لم تشك بأنّ محمّدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه

عليك بكفّ القوم عنه فإنّني

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

بأمر يودّ الناس فيه بأسرهم

بأنّ جميع الناس طرّا يسالمه

٢ و من معجزاته المتعلّقة بقريش ممّا دعا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عليهم ما قاله البلاذري في ( فتوحه ) : إنّ معاوية لمّا كان يوم الفتح أسلم ، فكتب للنبيّ صلى اللّه عليه و آله فدعاه يوما و هو يأكل فأبطأ . فقال : لا أشبع اللّه بطنه . فكان يقول : لحقتني دعوته ٣ .

و ما قاله ابن قتيبة في ( معارفه ) : إنّ خالد بن أسيد الأموي أسلم يوم فتح مكّة و كان فيه تيه شديد فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اللّهمّ زده تيها ، فكان ذلك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ١٤٠ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب في ١ : ٧١ ، و إعلام الورى للطبرسي : ٢٤ .

( ٣ ) فتوح البلدان : ٤٥٩ .

٤٨٢

في ولده إلى اليوم ١ .

و ما قاله ابن قتيبة أيضا في ( معارفه ) : أنّ حزن بن أبي وهب جدّ سعيد بن المسيب المخزومي أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال له : أنت سهل . فقال : بل أنا حزن ثلاثا قال : فأنت حزن . قال سعيد : فما زلنا نعرف تلك الحزونة فينا ٢ .

و كانت معجزاته صلى اللّه عليه و آله تنقل لمسيلمة ، فطلبوا منه الإتيان بمثلها . فيأتي بضدّها ، ففي ( الطبري ) : أتت مسيلمة إمرأة من بني حنيفة تكنّى بامّ هيثم ،

فقالت : إنّ نخلنا لسحق ، و إنّ آبارنا لجرز ، فادع اللّه لمائنا و لنخلنا كما دعا محمّد لأهل هزمان . فقال ( مسيلمة لنهار و كان أتى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) : يا نهار ما تقول هذه ؟ فقال : إنّ أهل هزمان أتوا محمّدا صلى اللّه عليه و آله فشكوا بعد مائهم ، و كانت آبارهم جرزا ، و نخلهم أنّها سحق ، فدعا لهم فجاشت آبارهم و انحنت كلّ نخلة قد انتهت حتّى وضعت جرانها لانتهائها ، فحكّت به الأرض حتّى أنشبت عروقا ثمّ قطعت من دون ذلك فعادت فسيلا مكمّما ينمى صاعدا . قال : كيف صنع بالآبار ؟ قال : دعا بسجل فدعا لهم فيه ، ثمّ تمضمض بفم منه ثمّ مجّه فيه ،

فانطلقوا به حتّى فرّغوه في تلك الآبار ، ثمّ سقوه نخلهم ففعل المنتهي ما حدّثتك ، و بقي الآخر إلى انتهائه . فدعا مسيلمة بدلو من ماء ، فدعا لهم فيه ثمّ تمضمض منه ثمّ مجّ فيه ، فنقلوه فأفرغوه في آبارهم ، فغارت مياه تلك الآبار ،

و خوى نخلهم ، و إنّما استبان ذلك بعد مهلكة ٣ .

و فيه أنّه قال نهار لمسيلمة : برّك على مولودي بني حنيفة . فقال له : و ما التبريك ؟ قال : كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمّدا فحنّكه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٢٨٣ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٤٣٧ و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٦ سنة ١١ .

٤٨٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و مسح رأسه . فلم يؤت مسيلمة بصبي فحنّكه و مسح رأسه إلاّ قرع و لثغ ،

و استبان ذلك بعد مهلكه ١ .

و فيه : قالوا له : تتبّع حيطانهم كما كان محمّد يصنع ، فصلّ فيها . فدخل حائطا من حوائط اليمامة فتوضّأ ، فقال نهار لصاحب الحائط : ما يمنعك من وضوء الرحمن ، فتستقي به حائطك حتّى يروى و ينيل ، كما صنع بنو المهريّة .

أهل بيت من حنيفة ، كان رجل من المهريّة قدم على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخذ وضوءه ،

فنقله معه إلى اليمامة ، فأفرغه في بئره ثمّ نزع و سقاه ، و كانت أرضه تهوم ،

فرويت و جزأت ، فلم تلف إلاّ خضراء مهتزّة . ففعل ( صاحب الحائط ما وصف له نهار في وضوء مسيلمة ) فعادت يبابا لا ينبت مرعاها ٢ .

و فيه : و أتاه رجل فقال : ادع اللّه لأرضي فإنّها مسبخة ، كما دعا محمّد لسلمى على أرضه . فقال : ما يقول يا نهار ؟ فقال : قدم عليه سلمى ، و كانت أرضه سبخة فدعا له و أعطاه سجلاّ من ماء و مجّ له فيه ، فأفرغه في بئره ثمّ نزع فطابت و عذبت . ففعل مثل ذلك . فانطلق الرجل ففعل بالسجل كما فعل سلمى ، فغرقت أرضه ، فما جفّ ثراها و لا أدرك ثمرها ٣ .

٤٣

الحكمة ( ١٦ ) وَ سُئِلَ ع عَنْ قَوْلِ اَلرَّسُولِ ص :

غَيِّرُوا اَلشَّيْبَ وَ لاَ تَشَبَّهُوا ؟ بِالْيَهُودِ ؟ فَقَالَ ع إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ وَ اَلدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا اَلْآنَ وَ قَدِ اِتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٧ سنة ١١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٦ ، ٥٠٧ سنة ١١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٧ سنة ١١ .

٤٨٤

بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَ مَا اِخْتَارَ قول المصنّف « و سئل عن قول الرسول صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( و سئل عن قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ١ .

« غيّروا الشيب و لا تشبّهوا باليهود » في ( معارف ابن قتيبة ) : جاؤوا بأبي قحافة ( أبي أبي بكر ) يوم فتح مكّة إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو شيخ كبير ، رأسه كالثغامة البيضاء ، فأسلم ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : غيّروا شيبته ٢ .

و في ( الأساس ) : كأنّ رأسه ثغامة ، و هي شجرة بيضاء الزهر و الثمر كأنّ جمّاعتها هامة شيخ ٣ .

« فقال عليه السّلام : إنّما قال ذلك و الدّين قلّ » قلّ بالضمّ و الكسر القلّة ، يقال : الحمد للّه على القلّ و الكثر . و القل و الكثر ، و قال الشاعر :

و قد يقصر القلّ الفتى دون همّه

و قد كان لو لا القلّ طلاّع أنجد

٤ و نظيره ما في الخبر عن الباقر و الصادق عليهما السّلام : سئلا عن رمل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في الطواف ، فقالا : إنّه فعل ذلك في غزوة الحديبية ليرى قريش تجلّده ، و تجلّد أصحابه . قال الباقر عليه السّلام : و من أجل ذلك يرمل الناس أي العامّة غفلة عن أنّ فعله صلى اللّه عليه و آله و سلم كان موقّتا . قال عليه السّلام : و إنّي لأمشي مشيا ،

و كان أبي يمشي مشيا ٥ .

و كذا في ( الروضة ) ما عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله الفرق بين المسلمين و المشركين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٤٩ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٤٧ « الرسول » أيضا .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ١٦٧ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٥ مادة ( ثغم ) .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٨ : ٢٣٧ مادة ( طلع ) .

( ٥ ) علل الشرائع للصدوق : ٤١٢ ح ١ ، ٢ عن الباقر و الصادق عليهما السّلام ، و في الباب عن ابن عباس .

٤٨٥

التلحي بالعمائم ، إنّما قال ذلك في أوّل الإسلام ١ .

و روي أنّ الباقر عليه السّلام سئل عن أكل لحم الحمر الأهلية ، فقال : إنّما نهى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عنها و عن أكلها يوم خيبر ، و إنّما نهى عن أكلها في ذلك الوقت لأنّها كانت حمولة الناس ، و إنّما الحرام ما حرّم اللّه في القرآن ٢ .

« فأمّا الآن و قد اتّسع نطاقه » النطاق : ما يشدّ على الوسط .

« و ضرب بجرانه » قال الجوهري : جران البعير : مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره ٣ .

و اتساع نطاق الدين و الإسلام كناية عن فسحته . و ضرب الجران : كناية عن استقراره و عدم تزلزله .

« فامرؤ و ما اختار » من تغيير الشيب و عدمه ، قال ابن أبي الحديد : فصار الخضاب مباحا غير مندوب ٤ .

قلت : غاية ما يدلّ عليه كلامه عليه السّلام : رفع الإيجاب ، و أمّا عدم الاستحباب فلا .

و عن الصادق عليه السّلام : نفقة درهم في الخضاب أفضل من نفقة درهم في سبيل اللّه . إنّ فيه أربع عشرة خصلة : يطرد الريح من الأذنين ، و يجلو الغشاء من البصر ، و يلين الخياشيم ، و يطيب النكهة ، و يشدّ اللثة ، و يذهب بالغشيان ،

و يقلّ وسوسة الشيطان ، و تفرح به الملائكة ، و يستبشر به المؤمن ، و يغيظ به

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفقيه للصدوق ١ : ١٧٣ ح ٦٨ و قول الشارح في الروضة خطأ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٤٥ ح ١٠ ، و علل الشرائع للصدوق : ٥٦٣ ح ١ ، ٣ بطريقين ، و التهذيب للطوسي ٩ : ٤١ ح ١٧١ .

و الاستبصار ٤ : ٧٣ ح ١ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢٠٩١ مادة ( جرن ) .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٤٩ .

٤٨٦

الكافر ، و هو زينة ، و هو طيب ، و براءة في قبره ، و يستحيي منه منكر و نكير ١ .

و يمكن الاستدلال لبقاء استحبابه بما روي أنّ قوما دخلوا على الحسين عليه السّلام فرأوه مختضبا بالسواد ، فسألوه عن ذلك ، فمدّ يده إلى لحيته ثمّ قال : أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ، ليقووا به على المشركين ٢ .

هذا ، و قالوا : أوّل من اختضب بالسواد من أهل مكّة عبد المطلب بن هاشم ، كان رجل من حمير خصّه بذلك من اليمن و زوّده بالوسمة ٣ .

٤٤

من الخطبة ( ٢٣٣ ) و من كلام له عليه السّلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و تجهيزه:

بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي لَقَدِ اِنْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ اَلنُّبُوَّةِ وَ اَلْإِنْبَاءِ وَ أَخْبَارِ اَلسَّمَاءِ خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَ عَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ اَلنَّاسُ فِيكَ سَوَاءً وَ لَوْ لاَ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَ نَهَيْتَ عَنِ اَلْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ اَلشُّئُونِ وَ لَكَانَ اَلدَّاءُ مُمَاطِلاً وَ اَلْكَمَدُ مُحَالِفاً وَ قَلاَّ لَكَ وَ لَكِنَّهُ مَا لاَ يُمْلَكُ رَدُّهُ وَ لاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي اُذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ وَ اِجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ أقول : قال ابن أبي الحديد : قال محمّد بن حبيب في ( أماليه ) : لمّا كشف عليه السّلام الإزار عن وجهه صلى اللّه عليه و آله بعد غسله ، انحنى عليه فقبّله مرارا ، و بكى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في الخصال : ٤٩٧ ح ٢ عن الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السّلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه بطريق آخر عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله الكليني في الكافي ٦ : ٤٨٢ ح ١٢ ، و الصدوق في الفقيه ١ : ٧٠ ح ٦١ ، و ٤ : ٢٦٧ ، و الخصال : ٤٩٧ ح ١ ، و ثواب الأعمال : ٣٨ ح ٣ ، و اللفظ للكليني .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٨١ ح ٤ .

( ٣ ) رواه شاذان بن جبرئيل ضمن حديث سيف بن ذي يزن في الفضائل : ٤٣ .

٤٨٧

طويلا ، و قال : بأبي أنت و أمّي ، طبت حيّا ، و طبت ميّتا ، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد سواك من النبوّة و الإنباء و أخبار السماء إلى قوله ماء الشؤون . و بعده ، و لكن أتى ما لا يدفع ، أشكو إليك كمدا و إدبارا مخالفين ، و داء الفتنة ،

فإنّها قد استعرت نارها ، و داؤها الداء الأعظم . بأبي أنت و أمّي اذكرنا عند ربّك ،

و اجعلنا من بالك و همك .

و قال : ثمّ نظر عليه السّلام إلى قذاة في عينه ، فلفظها بلسانه . ثمّ ردّ الإزار على وجهه ، و كان عليّ عليه السّلام يقول بعد ذلك : ما شممت أطيب من ريحه ، و لا رأيت أضوأ من وجهه حينئذ ، و لم أره يعتاد فاه ما يعتاد أفواه الموتى ١ .

قلت : و في ( أمالي المفيد ) : أبو نصر المقري البصير ، عن عبد اللّه بن يحيى القطان ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد القرشي ، عن أبيه ، عن الحسين بن مخارق ، عن عبد الصمد بن علي ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس قال : لمّا توفّي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم تولّى غسله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و العبّاس معه ، و الفضل بن العبّاس . فلمّا فرغ عليّ عليه السّلام من غسله كشف الإزار عن وجهه ، ثمّ قال : بأبي أنت و أمّي طبت حيّا ، و طبت ميّتا ، و انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوّة و الإنباء إلى أن قال ثمّ أكبّ عليه فقبّل وجهه ، و مدّ الإزار عليه ٢ .

و روى في ( الروضة ) خطبته عليه السّلام المعروفة بالوسيلة ، و فيها : و ما من رسول سلف ، و لا نبيّ مضى ، إلاّ و قد كان مخبرا أمّته بالمرسل الوارد من بعده ، و مبشّرا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و موصيا قومه باتّباعه و محلّه عند قومه ليعرفوه بصفته ، و ليتّبعوه على شريعته ، و لئلاّ يضلّوا فيه من بعده ، فيكون من هلك ، و ضلّ بعد وقوع الإعذار و الإنذار عن بيّنة ، و تعيين حجّته ، فكانت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٤ و النقل بتقديم و تأخير .

( ٢ ) أخرجه المفيد في أماليه : ١٠٢ ح ٤ المجلس ( ١٢ ) .

٤٨٨

الأمم في رجاء من الرسل ، و ورود من الأنبياء ، و لئن أصيبت بفقد نبيّ بعد نبيّ علم عظم مصائبهم ، و فجائعها بهم ، فقد كانت على سعة من الأمل ، و لا مصيبة عظمت ، و لا رزية جلّت كالمصيبة برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأنّ اللّه ختم به الإنذار و الإعذار ، و قطع به الاحتجاج و العذر بينه و بين خلقه ، و جعله بابه الّذي بينه و بين عباده ، و مهيمنه الّذي لا يقبل إلاّ به ، و لا قربة إليه إلاّ بطاعته ، و قال في محكم كتابه : من يطع الرسول فقد أطاع اللّه و من تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا ١ ، فقرن طاعته بطاعته ، و معصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلا على ما فوّض إليه ، و شاهدا له على من اتّبعه و عصاه ٢ .

قول المصنّف « و هو يلي غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و تجهيزه » هكذا في ( المصريّة و ابن أبي الحديد ) ٣ و ليست كلمة ( و تجهيزه ) في ( ابن ميثم ،

و الخطّة ) ٤ .

قوله عليه السّلام : « بأبي أنت و أمّي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك » حيث كان خاتم الأنبياء ، و أشرف ولد آدم .

بمن نضرب الأمثال أم من نقيسه

إليك و أهل الدهر دونك و الدهر

هذا ، و لبعضهم في الصاحب إسماعيل بن عباد :

مضى نجل عباد المرتجى

فمات جميع بني آدم

أواري بقبرك أهل زمان

فيرجح قبرك بالعالم

و لأخر في أبي تمّام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المعروف :

و غدا القريض ضئيل شخص باكيا

يشكو رزيّته إلى الأقلام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ٨٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥ ح ٤ كتاب ( الروضة ) .

( ٣ ) توجد هذه الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٨٧ ، و أيضا في شرح ابن ميثم ٤ : ١١٨ .

( ٤ ) المصدر نفسه .

٤٨٩

و تأوّهت غرر القوافي بعده

و رمى الزمان صحيحها بسقام

أودى مثقّفها و رائد صعبها

و غدير روضتها أبو تمّام

أيضا :

فجع القريض بخاتم الشعراء

و غدير روضتها حبيب الطائي

ماتا معا فتجاورا في حفرة

و كذاك كانا قبل في الأحياء

« من النبوّة و الانباء و أخبار السماء » روى ( المناقب ) : عن الصادق عليه السّلام : إنّ جبرئيل عليه السّلام قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله وقت وفاته : يا محمّد هذا آخر نزولي إلى الدّنيا ،

إنّما كنت أنت حاجتي منها ١ .

هذا ، و في ( زيادات حجّ التهذيب ) عن عمر بن يزيد : ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ صاحبتي حاضت ، و لم تقرب القبر ، و لا المسجد و لا المنبر ،

و ميقات جمّا لنا قبل أن تطهر . قال : مرها لتغتسل ثمّ لتأت مقام جبرئيل عليه السّلام ،

فان جبرئيل عليه السّلام كان يجي‏ء فيستأذن على النّبي صلى اللّه عليه و آله فإن كان على حال لا ينبغي له أن يأذن له قام في مكانه حتّى يخرج إليه ، و إن أذن له دخل عليه . قال :

قلت له : و أين المكان ؟ قال : كان بحيال الميزاب الّذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له ( باب فاطمة عليها السّلام ) بحذاء القبر . . . ٢ في دعائها ثمة لطهارتها كما علّمها فصارت طاهرة ، و زارت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم .

« خصصت حتّى صرت مسليا عمّن سواك » في ( الكافي ) : عن عمرو بن سعيد الثقفي قال : قال الباقر عليه السّلام : إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ ٣ . و عنه عليه السّلام :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٣٧ ، و الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ٤٨ .

( ٢ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٤٥ ح ١٩٩ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٢٠ ح ٢ ، و قد جمع أحاديث هذا الباب الشيخ الحر في وسائل الشيعة ٢ : ٩١١ الباب ٧٩ و المحدث النوري في مستدرك الوسائل ١ : ١٤٢ الباب ٦٧ .

٤٩٠

أمن بعد تكفين النبيّ و دفنه

بأثوابه آسى على هالك ثوى

رزينا رسول اللّه فينا فلن نرى

لذلك عدلا ما حيينا من الورى

و كان لنا كالحصن من دون أهله

لهم معقل حرز حريز من العدى

و كنّا به شمّ الأنوف بنجوة

على موضع لا يستطاع و لا يرى

فيا خير من ضمّ الجوانح و الحشى

و يا خير ميت ضمّه الترب و الثرى

كأنّ أمور الناس بعدك ضمّنت

سفينة موج البحر و البحر قد طما

و ضاق فضاء الأرض عنهم برحبه

لفقد رسول اللّه إذ قيل قد قضى

فيا حزنا إنّا فقدنا نبيّنا

على حين ثمّ الدين و اشتدّت القوى

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة

كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقل الناس تلك مصيبة

و لن يجبر العظم الّذي منهم وهي

١ و عن سيّدة النساء صلوات اللّه عليها فيه صلى اللّه عليه و آله :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أورد الأبيات باختلاف يسير صاحب ديوان على عليه السّلام فيه : ١٠ .

٤٩١

كنت السواد لمقلتي

تبكي عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت أحاذر

١ و حيث إنّه صلى اللّه عليه و آله كان مسليا عن سواه لعظم مصيبته و صغر باقي المصائب في جنب مصيبته ، كان السلوّ عنه مشكلا لأهل بيته ، و لذا جاءهم التسلية من اللّه تعالى ، روى ( الكافي ) في ( باب التعزية ) : عن الحسين بن المختار ، و عن الصادق عليه السّلام قال : لمّا قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله جاءهم جبرئيل عليه السّلام ،

و النبيّ صلى اللّه عليه و آله مسجّى ، و في البيت عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ، فقال :

السّلام عليكم يا أهل بيت الرحمة كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٢ ، إنّ في اللّه تعالى عزاء من كلّ مصيبة ، و خلفا من كلّ هالك ، و دركا لما فات ، فبا اللّه فثقوا ، و إيّاه فارجوا ، فإنّ المصاب من حرم الثواب ،

هذا آخر وطئي من الدّنيا . قالوا : فسمعنا الصوت و لم نر الشخص .

و روي قريبا منه عن هشام بن سالم عنه عليه السّلام أيضا ، و عن عبد اللّه بن الوليد عن الباقر عليه السّلام ٣ : جاءت التسلية من اللّه تعالى لأهل بيته لأمرين :

أحدهما : عظم مصيبته ، و ثانيهما : خوف انتقام الأعداء من أفعال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم منهم بعد فقده ، و من أبيات ذاك الرجس النجس يزيد بن معاوية في ذلك :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أورد البيتين ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٢٤٢ .

( ٢ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٣ ) أخرج الأحاديث الثلاثة الكليني في الكافي ٣ : ٢٢١ ، ٢٢٢ ح ٥ ، ٤ ، ٨ ، و أخرج هذا المعنى ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٥٩ ، و العياشي بثلاث روايات في تفسيره ١ : ٢٠٩ ، ٢١٠ ح ١٦٦ ١٦٨ ، و الصدوق بروايتين في كمال الدين : ٣٩١ ، ٣٩٢ ح ٥ ، ٧ و أماليه : ٢٢٦ ح ١١ المجلس ٤٦ و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٢٧٣ المجلس ١٧ و في بعضها تصريح بكون المنادي جبرئيل عليه السّلام ، و في بعضها الخضر عليه السّلام ، و في بعضها لم يصرّح باسمه .

٤٩٢

روى ( الكافي ) في [ باب مولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ] عن الباقر عليه السّلام قال : لمّا قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بات آل محمّد عليهم السّلام بأطول ليلة حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم ، و لا أرض تقلّهم ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و تر الأقربين و الأبعدين في اللّه ، فبينا هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ، و يسمعون كلامه ، فقال : السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته ، إنّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، و نجاة من كلّ هلكة ، و دركا لما فات كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ١ إنّ اللّه اختاركم ، و فضّلكم و طهّركم ، و جعلكم أهل بيت نبيّه ، و استودعكم علمه ، و أورثكم كتابه ، و جعلكم تابوت علمه ، و عصا عزّه ، و ضرب لكم مثلا من نوره ، و عصمكم من الزلل ، و آمنكم من الفتن ، فتعزوا بعزاء اللّه ، فإنّ اللّه لم ينزع منكم رحمته ، و لن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل اللّه عزّ و جلّ الّذين بهم تمت النعمة ، و اجتمعت الفرقة ، و ائتلفت الكلمة ، و أنتم أولياؤه ، فمن تولاّكم فاز ، و من ظلم حقّكم زهق ، مودّتكم من اللّه واجبة في كتابه على عباده المؤمنين ، ثمّ اللّه على نصركم إذا يشاء قدير ، فاصبروا لعواقب الأمور فإنّها إلى اللّه تصير ، قد قبلكم اللّه من نبيّه وديعة ، و استودعكم ولياءه المؤمنين في الأرض ، فمن أدّى أمانته آتاه اللّه صدقه . فأنتم الأمانة المستودعة ، و لكم المودّة الواجبة ، و الطاعة المفروضة ، و قد قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قد أكمل لكم الدين ، و بيّن لكم سبيل المخرج فلم يترك لجاهل حجّة . فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى اللّه حسابه ، و اللّه من وراء حوائجكم و استودعكم اللّه ، و السّلام عليكم . فسئل عليه السّلام ممّن أتاهم التعزية ؟ فقال : من اللّه تبارك و تعالى ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٤٥ ح ١٩ .

٤٩٣

و يأتي نظيره عند قوله عليه السّلام : « بأبي أنت » ١ .

و مرّ في رواية ( أمالي محمّد بن حبيب ) في نقل ابن أبي الحديد أنّه عليه السّلام خاطب النبيّ صلى اللّه عليه و آله بعد تغسيله قائلا : أشكو إليك كمدا و إدبارا مخالفين وداء الفتنة ، فإنّها قد استعرت نارها ، و داؤها الداء الأعظم ٢ .

هذا ، و عزّى البحتري أبا الحسن عبد الملك بن صالح العبّاسي في ابنه بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و أقاربه ، فقال :

إذا شئت أن تستصغر الخطب فالتفت

إلى سلف بالقاع أهمل نائمه

و فيه المصطفى و عليّه

و عبّاسه و جعفراه و قاسمه

و مراده بجعفريه : حمزة و جعفر .

« و عممت حتّى صار الناس فيك سواء » في وصول المصيبة إليهم ، و لا اختصاص فيها بأقاربه ، فبنو هاشم أصيبوا بسيّدهم ، و باقيهم بنبيّهم .

عمّت مصيبته فعمّ هلاكه

فالناس فيه كلّهم مأجور

و مثله أهل بيته الأئمّة المعصومون عليهم السّلام مصيبتهم ليست مختصة بأقاربهم ، بل تعمّ جميع المؤمنين و الشيعة ، و عن الصادق عليه السّلام قال : ليس لكم أن تعزّونا ، و لنا أن نعزّيكم ، إنّما لكم أن تهنّونا يعني بنيل الإمامة لأنّكم تشاركوننا في المصيبة ٣ .

و للحسين عليه السّلام خصوصية من باقي الأئمة عليهم السّلام ، و كما انقطعت بوفاة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يأتي في تكملة هذا العنوان .

( ٢ ) نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ١٩٤ ، و قد مرّ في بدء هذا العنوان .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ١ : ١١٨ ح ٥ .

٤٩٤

جدّه أخبار السماء من الأرض ، انقطع بوفاته الأثر من خمسة أصحاب الكساء .

فكانت وفاته كوفاة جميعهم كما أفصحت عن ذلك أخته ليلة وفاته ١ ، و قد سئل الصادق عليه السّلام : لم يكون يوم وفاة الحسين عليه السّلام يوم بكاء دون يوم وفاة جدّه و أبيه و أمّه و أخيه ؟ قال عليه السّلام : لأنّه كان خلف جميعهم ٢ .

ثمّ هذه العامية في وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا كانت من خصوصياته ،

ككونه مسلّيا عمّن سواه ، و من خصائصه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه لم يكن لأحد غير أمير المؤمنين تغسيله ، و لو كان غيره نظر إليه عمي ، و لذا عصب عليه السّلام عيني افضل بن العباس الّذي كان يعاونه في مناولة الماء ٣ .

و من خصائصه صلى اللّه عليه و آله و سلم وجوب دفنه في مكانه الّذي قبض فيه ، و عدم جواز الصلاة على جنازته جماعة ، بل فرادي بدون إمام ، فروى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : أتى العبّاس أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : يا علي إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله في البقيع المصلّى ، و أن يؤمّهم رجل منهم .

فخرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الناس فقال : يا أيّها الناس إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم إمام حيّا و ميّتا ، و قال : إنّي أدفن في البقعة التي أقبض فيها . . . ٤ .

و روى محمّد بن سعد كاتب الواقدي في ( طبقاته ) قال : لمّا وضع النبيّ صلى اللّه عليه و آله على السرير قال عليّ عليه السّلام : ألاّ يقوم عليه أحد لعلّه يؤمّ ، هو إمامكم حيّا و ميّتا . فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلون عليه صفّا صفّا ليس لهم إمام ، و يكبّرون و عليّ عليه السّلام قائم بحيال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول : سلام عليك أيّها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) انظر خطبة زينب عليها السّلام المشهورة . رواها ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ١١٥ ، و ابن طاووس في اللهوف : ٦٤ .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٢٢٥ ح ١ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ٦١ ، و المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٣٩ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٤٥١ ح ٣٧ ، و الخزاز في كفاية الأثر : ١٢٥ ، و المفيد في الإرشاد : ١٠٠ ، و رواه ابن شهر آشوب في مناقبه ١ : ٢٣٩ ، و قريبا منه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٧٠ .

٤٩٥

النبيّ و رحمة اللّه و بركاته ، اللّهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزل إليه ، و نصح لامّته ،

و جاهد في سبيل اللّه حتّى أعزّ اللّه دينه ، و تمّت كلمته ، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل اللّه إليه ، و ثبّتنا بعده ، و اجمع بيننا و بينه ، فيقول الناس : آمين آمين .

حتّى صلّى عليه الرجال ثمّ الناس ثمّ الصبيان ١ .

و من المضحك أنّ العامة رووا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله اقتدى في حياته بأبي بكر ،

و برجال آخرين ٢ فمع عدم جواز الإمامة على جنازته كيف يجوز الإمامة على شخصه في حياته ، و قد صرّح عليه السّلام بأنّه إمام النّاس حيّا و ميّتا ؟ و من خصائصه صلى اللّه عليه و آله كيفية صلاة جنازته . فروى ( الكافي ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول في صحّته و سلامته : إنّما أنزلت هذه الآية : إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٣ في الصلاة عليّ بعد قبض اللّه لي ٤ .

و روي عن الباقر عليه السّلام : صلّت عليه الملائكة و المهاجرون و الأنصار ،

فوجا فوجا ٥ .

و لا يبعد اختصاصه صلى اللّه عليه و آله في الصلاة عليه بكونه قبلة من أي جانب قاموا ، و توجّهوا إليه كالكعبة في المسجد الحرام ، فروى ( الكافي ) عن أبي مريم الأنصاري قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : كيف كانت الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لمّا غسّله أمير المؤمنين عليه السّلام و كفّنه ، سجّاه ثمّ أدخل عليه عشرة فداروا حوله ، ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السّلام في وسطهم ، فقال : إنّ اللّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٧٠ .

( ٢ ) سنن الترمذي ٢ : ١٩٦ ، ١٩٧ ح ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، و سنن النسائي ٢ : ٧٩ و غيرهما .

( ٣ ) الأحزاب : ٥٦ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٤٥١ ح ٣٨ ، و النقل بتصرّف .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ٤٥١ ح ٣٨ .

٤٩٦

و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ١ فيقول القوم كما يقول ، حتّى صلّى عليه أهل المدينة و أهل العوالي ٢ .

و ما رواه كاتب الواقدي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في ما مرّ من دعائه عليه السّلام و تأمين الناس لدعائه ، الظاهر كونه زائدا على أصل الصلاة عليه ، و إنّما أصلها تلاوة الآية كما عرفته في خبرين .

و له صلى اللّه عليه و آله و سلم خصائص أخرى ذكرها العامّة و الخاصّة . و قد ذكر القرآن حرمة نكاح أزواجه ٣ ، و إباحة هبة المؤمنات أنفسهنّ له ٤ ، و غيرها في نكاحه و طلاقه .

و في ( نوادر صيام الفقيه ) : و نهى النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن الوصال في الصيام ،

و كان صلى اللّه عليه و آله يواصل ، فقيل له في ذلك . فقال صلى اللّه عليه و آله : إنّي لست كأحدكم ، إنّي أظلّ عند ربي فيطعمني و يسقيني ، و روى مثله في صحاح العامّة ٥ .

و في ( السيرة و الطبري و الكتب الصحابية ) : إنّ أبا شريح الخزاعي قال لعمرو بن سعيد أو عمرو بن الزبير : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إن أحد ترخّص للقتال في مكّة بقتال النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقولوا له : إنّ اللّه أذن لرسوله ، و لم يأذن لك ، و إنّما أذن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٥٦ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٥٠ ح ٣٥ ، و مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٢٣٩ و قريبا منه أمالي المفيد : ٣١ ح ٥ المجلس ٤ .

( ٣ ) انظر قوله تعالى : . . . و ما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند اللّه عظيما الأحزاب : ٥٣ .

( ٤ ) انظر قوله تعالى : و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين الأحزاب : ٥٠ .

( ٥ ) أخرجه الصدوق في الفقيه ٢ : ١١١ ح ٨ ، و أخرجه أصحاب الصحاح البخاري ، و مسلم ، و الترمذي ، و أبو داود ، عن عبد اللّه بن عمر و أنس بن مالك و عائشة و أبي هريرة و أبي سعيد الخدرى، جمع طرقهم و اختلاف ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ٧ : ٢٤٩ ، ٢٥٠ ح ٤٥٦٠ ٤٥٦٤ .

٤٩٧

لي ساعة من نهار ، و قد عادت كحرمتها بالأمس ١ .

و في ( الطبري ) أيضا : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يكره في أحد الخروج من المدينة ، و قال رجال : اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنّا جبنّا ، فدعا بدرعه فلبسها فندموا ، و قالوا : نشير عليه ، و الوحي يأتيه . فقالوا : اصنع ما رأيت ؟ فقال : ما ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته فيضعها حتّى يقاتل ٢ .

و في ( الطبري ) أيضا : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمر في فتح مكّة بقتل نفر سمّاهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح لأنّه كان أسلم فارتدّ مشركا ، ففرّ إلى عثمان و كان أخاه من الرضاعة فغيّبه حتّى أتى به النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فاستأ من عثمان له النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فذكر أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله صمت طويلا ثمّ قال : نعم . فلمّا انصرف به عثمان قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لمن حوله من أصحابه : أما و اللّه لقد صمتّ طويلا ليقوم إليه بعضكم ، فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : هلاّ أو مأت ؟ فقال صلى اللّه عليه و آله : إنّ النبيّ لا يقتل بالإشارة ٣ .

« و لو لا أنّك أمرت بالصبر » في المصائب .

« و نهيت عن الجزع » في الرزايا ، و في الخبر كلّ جزع و بكاء مكروه إلاّ على الحسين عليه السّلام ٤.

« لأنفدنا » أي : أفنينا .

« عليك ماء الشؤون » قال الجوهري : الشؤون و هي مواصل قبائل الرأس و ملتقاها ، منها تجي‏ء الدموع ، واحدها الشأن ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ٤ : ٤٣ ، و تاريخ الطبري الطبري ٤ : ٢٥٧ سنة ٦٠ ، و اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٢٢٦ ، و الاصابة لابن حجر ٤ : ١٠٢ ، و المغازي للواقدي ٢ : ٨٤٥ ، و غيرهم .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٨٩ سنة ٣ و غيره ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٣٥ سنة ٨ و غيره ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) الأمالي للطوسي ١ : ١٦٣ المجلس ٦ .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٥ : ٢١٤١ مادة ( شأن ) .

٤٩٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

عن سيّدة النساء عليها السّلام فيه صلى اللّه عليه و آله :

فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت

لنا العيون بتهمال له سكب

و لدعبل كما في المقاتل في الرضا عليه السّلام :

و لو لا التأسي بالنبيّ و أهله

لأسبل من عيني عليه شؤون

و مما قيل في المعني :

سأبكيك ما تنفد العين ماؤها

و يشفى مني الدمع ما أتوجع

أيضا :

فكيف أبقى على ماء الشؤون و ما

أبقى العزام على صبري و لا جلدي

« و لكان الداء مماطلا » أي : مديدا ، قال في ( الأساس ) مطل حديدة البيضة :

مدّها ، قال العجّاج :

بمرهفات مطلت سبائكا

تقضّ أمّ الهام و الترائكا

١ « و الكمد » أي : الحزن المكتوم .

« محالفا » أي : حليفا ، و أليفا ، و في السير : إنّ إلياس بن مضر أحد أجداد النبيّ صلى اللّه عليه و آله توفّي يوم خميس ، فكانت امرأته خندف تبكي عليه كلّ يوم خميس غدوة إلى الليل ، و لم تقم حيث مات أبدا ، و لم تظلها سقف حتّى هلكت ٢ .

و في اليعقوبي : لمّا مات ( خندف ) خرجت سائحة في الأرض ، حتّى هلكت حزنا ٣ ، و قيل في بكائها من الطلوع إلى الغروب في يوم الخميس :

إذا مونس لاحت خراطيم شمسه

بكت غدوة حتّى ترى الشمس تغرب

٤ و مونس اسم الخميس .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٣٢ مادة ( مطل ) .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢٢٨ .

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢٢٨ .

( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢٢٨ .

٤٩٩

و قال متمّم بن نويرة في أخيه مالك الذي قتله خالد بن الوليد غدرا من قبل أبي بكر طمعا في امرأته مراث كثيرة ١ ، و كان متمّم من الباكين كثيرا على أخيه سأله عمر عن بكائه ، فقال : بكيت أخي حولا و كان إحدى عينيه ذاهبة حتّى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة ٢ ، و قال لعمر : ما رأيت نارا قط إلاّ كدت أنقطع أسفا على أخي ، لأنّه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضعيف ، و لا يعرف مكانه . و قال لعمر : كان وجه أخي كأنّه فلقة قمر ٣ .

و قالت الخنساء في أخيها صخر و هي كمتمم و مهلهل أخي كليب من الراثين المعروفين في إخوتهم :

فلو لا كثرة الباكين حولي

على إخوانهم لقتلت نفسي

و ما يبكون مثل أخي و لكن

أعزّ النفس عنه بالتأسّي

يذكّرني طلوع الشمس صخرا

و أذكره لكلّ غروب شمس

كان تذكرها له عند الطلوع لغارته ، و عند الغروب لضيافته .

« و قلاّ » أي : مطال الداء ، و محالفة الكمد .

« لك » قال ابن دريد في ( جمهرته ) : أخبرني الغنوي باسناده قال : مرّ أعرابيّ بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و هو يدفن ، فقال :

ألاّ جعلتم رسول اللّه في سفط

من الألوّة أصدى ملبسا ذهبا

٤ و قال : الألوة : العود الّذي يتبخّر منه ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل قتل مالك بن نويرة و كيفيته الطبري في تاريخه ٢ : ٥٠٢ ، ٥٠٣ سنة ١١ و اليعقوبي في تاريخه ١ : ١٣٠ ، و أبو القاسم الكوفي في الاستغاثة : ٩ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٣ ق ١ : ٢٧٥ ، و الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٥٩ سنة ١١ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٥٩ سنة ١١ .

( ٤ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ١٨٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605