بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113303 / تحميل: 6074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الدّعاء ) (1) « يعني النداء »(2) و قال تعالي علي لسان زكريا :( إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً ٭قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واستعل الرّاس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً ) (3) «أي بندائك»(4) .

وهنا يظهر أن لفظ الدعاء يفسر النداء والعكس يصح كذلك لهذا كان معني الدعاء ضمن وجوه النداء في القرآن(5) قال تعالي :( وأيّوب إذ نادي ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين ) (6) أي دعا ربه والله أعلم وقوله تعالي :( يوم يدع الدّأع إلي شيءٍ نكرٍ ) (7) « أي يوم ينادي المنادي »(8) (9) وعلي الرغم من تقارب دلالتي النداء والدعاء إلاّ أننا يمكن أن نرصد فرقاً بينهما وذلك « أن النداء : هو رفع الصوت بما له معني والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال : دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولايقال : نادية في نفسي »(10) . وبذلك يتضح إشراك الدعاء والنداء في جانب من دلالتهما في وضع أحدهما موضع الآخر واختلافهما من جانب آخر.

__________________

(1) سورة الأنبياء : 21 / 45.

(2) قاموس القرآن : 174.

(3) سورة مريم : 19 / 3 و 4.

(4) بصائر ذوي التمييز 601 : 2.

(5) ظ : قاموس القرآن : 450.

(6) سورة الأنبيا : 21 / 83.

(7) سورة القمر : 54 / 6.

(8) الأشباه والنظائر 286 : 2 ، الوجوه والنظار : 314.

(9) ظ : الآيات التالية في السياق نفسه : سورة الإسراء : 17 / 15 سورة الروم : 30 / 52 سورة فاطر : 35 / 14 ، سورة الأنبيا : 21 / 76 و 87 و 89.

(10) الفروق اللغوية / أبو هلال العسكري : 26.

٢١

الوجه الخامس ـ الدعاء بمعني السؤال :

ورد السؤال في القرآن الكريم علي عشرين وجهاً(1) والسؤال بمعني الدعاء يمكن أن يكون في بايين :

الأول : السؤال علي وجهة الاستفهام والاستعلام.

الثاني : السؤال علي جهة الطلب والرغبة في حصول المراد.

ومما جاء من آيات الذكر الكريم في الباب الأوّل قوله تعالي :( ويوم يقول نادوا شر كاثي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقاً ) (2) «يعني : فسألوهم أهم آلهة؟ (فلم يستجيبوالهم ) بأنهم آلهة »(3) وقال تعالي علي لسان بني إسرائيل في سؤالهم موسي :( قالوا ادع لنا ربّك . ) (4) أي سل لنا(5) أو استعلم لنا.

أما السؤال بمعني الرجاء في حصول الشيء فيأتي دائماً متعلقاً بطلب ظاهر في سياق الآية قال تعالي :( وقال الّذين في النّار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوماً من العذاب ) (6) « أي سلوا ربكم واطلبوا إليه »(7) (يخفّف عنّا يوماً من العذاب ). وقال تعالي في سورة الزخرف :( وقالوا

__________________

(1) ظ : بصائر ذوي التمييز 162 : 3.

(2) سورة الكهف : 18 / 52.

(3) الأشباه والنظائر 287 : 2.

(4) سورة البقرة : 2 / 68.

(5) ظ : الوجوه والنظائر : 315 ، التصاريف : 327 ، كذلك المفردات : 171 ، ظ : نزهة الأعين النواظر في علم

الوجوه والنظائر : 295.

(6) سورة غافر : 40 / 49.

(7) الأشباه والنظائر 287 : 2.

٢٢

يا أيّة السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون ) (1) أي سل لنا ربك(2) ومثلما أن معني السؤال وجه من وجوه الدعاء معني الدعاء وجه من وجوه السؤال(3) . قال تعالي :( سأل سائل بعذّاب واقع ) (4) « يعني دعا داع »(5) .

الوجه السادس ـ الدعاء بمعني العذاب والعقوبة والموت :

قال تعالي في وصف جهنم :( كلاّ إنّها لظي ٭نزّاعة للشّوي ٭تدعوا من أدبر وتولّي ) (6) أي « تعذّب »(7) ونقل عن بعض المفسرين قولهم « ليست كالدعاء تعال ولكن دعوتها إياهم ما نفعل لهم من الأفاعيل »(8) وهذا عين ما استخدمته العرب عند دعائها علي شخص ما فتقول : « دعاك الله أي أماتك قول الأعرابي : دعاك الله : أي عذّبك »(9) .

الوجه السابع ـ معان مختلفة :

هناك معانٍ جديدة للدعاء نلمحها من خلال اختلاف السياق الذي وردت فيه وهي كما يلي :

__________________

(1) سورة الزخرف : 43 / 49.

(2) ظ : التصاريف : 327.

(3) قاموس القرآن : 224.

(4) سورة المعارج : 70 / 1.

(5) ظ : في السياق نفسه : سورة غافر : 40 / 60 سورة الأعراف : 7 / 55 و 56.

(6) سورة المعارج : 70 / 15 ـ 17.

(7) بصائر ذوي التمييز 602 : 2 ، ظ : نزهة الأعين النواظ : 395 ، مجمع البحرين

/ الطريحي 139 : 1.

(8) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو).

(9) قاموس القرآن : 175.

٢٣

أ ـالدعاء بمعني الصلاة : الصلاة في أشهر معانيها الدعاء وجاءت في القرآن بهذا المعني في كثير من آياته قال تعالي :( واصبر نفسك مع الّذين يدّعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ) (1) قال مجاهد في تفسير هذه الآية «يصلّون الصلوات الخمس»(2) .

ب ـوالدعاء بمعني التمنّي : قال تعالي :( لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون ) (3) أي ما يتمنون(4) وقيل إنّه «راجع إلي معني الدعاء أي ما يدّعيه أهل الجنّة يأتيهم»(5) ، واستعمل العرب الدعاء بمعني التمنّي كما في قولهم «ادع عليّ ما شئت»(6) .

جـ ـالدعاء بمعني التسمية : والدعاء بهذا المعني آتٍ من معني النداء لأنّ النداء غالباً ما يكون بالاسم والدعاء يأتي بمعني النداء فاستعمل الدعاء « استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيداً : أي سميته »(7) ، وجاء في القرآن الكريم استعمال الدعاء بمعني التسمية في قوله تعالي :( لاتجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ) (8) أي تسمّوه باسمه كما هو بينكم بل كنّوه وعظّموه في تسميته ـ والله أعلم ـ.

__________________

(1) سورة الكهف : 18 / 28.

(2) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو)

(3) سورة يس : 36 / 57.

(4) مجمع البحرين 139 : 1.

(5) لسان العرب : مادة (دعو).

(6) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو).

(7) معجم مفردات القرآن : 172.

(8) سورة النور : 24 / 63.

٢٤

د ـوالدعاء بمعني اللسان : كما ورد في قوله تعالي :( لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) (1) ( علي لسان داود أي في دعائه )(2) .

هـ ـالدعاء بمعني النسب وإلحاق الشخص بنسبه : كما في قوله تعالي :( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) (3) أي انسبوهم(4) ، وقال تعالي :( ... أن دعوا للرّجمن ولدا ً) (5) نسبوا وجعلوا له أبناء تعالي الله عن ذلك علوّاً كبيراً(6) هذا ولم يفرّق بعضهم بين وجوه الدعاء ونظائره في القرآن وبين معانيه التفسيرية فالفيروز آبادي علي سبيل المثال أوصل وجوه الدعاء إلي سبعة عشر وجهاً(7) جمع بين نظائر الدعاء في القرآن وتفسيره ـ والرأي عندي ـ أن تفسير الآيات يمكن إرجاعها ضمن وجوه ونظائر الدعاء مثالنا في ذلك : دعوة نوح في قوله :( ربّ إنّي دعوت قومي ليلاً ونهاراً ) (8) يمكن أن توضع ضمن الوجه الخامس ـ السؤال الطلبي ـ بمعني أنه سألهم الهداية وطلب منهم ذلك.

وكذلك دعوة إسرافيل( ثمّ إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم

__________________

(1) سورة المائدة : 5 / 78.

(2) قاموس القرآن : 415.

(3) سورة الأحزاب : 33 / 5.

(4) ظ : تهذيب اللغة : باب العين والدال ( دعو ) ، ظ : مجمع البحرين 140 : 1.

(5) سورة مريم : 19 / 91.

(6) ظ : تهذيب اللغة : باب العين والدال ( دعو ).

(7) انظر بصائر ذوي التمييز 601 : 2 ـ 603.

(8) سورة نوح : 71 / 5.

٢٥

تخرجون ) (1) هي ضمن الوجه الرابع ـ بمعني النداء ـ أي ناداكم مكما فعل ذلك مقاتل البلخي عندما جمع بين وجه الدعاء وتفسيره ضمن وجه النداء في قوله تعالي :( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) (2) يقول : «يوم يناديكم إسرافيل»(3) ومثل هذا في قوله تعالي في يونس :( دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ ) (4) وهو دعاء أهل الجنة «يعني قولهم إذا اشتهوا الطعام( سبحانك اللّهم ) » (5) وضع ضمن اوجه الثاني معني القول لذا فليس من المناسب أن نضع لكل سياق وجهاً جديداً لأنّ أغلب وجوه الدعاء لاتخرج عما ذكرناه آنفاً ـ والله أعلم ـ ويتضح مما تقدّم أن معاني الدعاء متعددة الوجوه وكثيرة النظائر وأن هناك ألفاظاً حملت معني الدعاء في دلالتها سواء أكان ذلك في صيغها أم كان في مضمونها وهذا ما سيتكفل بطرحه المبحث الآتي.

المبحث الثاني

الألفاظ المستعملة في معني الدعاء

إذ كانت أهمية الدعاء ـ في جانبمنها ـ متأتيةً من كثرة ألفاظه واستخدامها علي صعيد النص القرآني ، فإن مضامين الدعاء ودلالته في ألفاظ أخري لا تقل أهمية وسعة واستعمالاً في القرآن الكريم ولهذا تجد ألفاظاً

__________________

(1) سورة الروم : 30 / 25.

(2) سورة الإسراء : 17 / 52.

(3) الأشباه والنظائر 286 : 2 ، التصاريف : 326.

(4) سورة يونس : 10 / 10.

(5) قاموس القرآن : 173.

٢٦

كثيرة تتحقق فيها مظاهر الدعاء وأركانه في مضامينها وسياقها مما جعلنا نعدّها دعاء فضلاً عن أصلها اللغوي ومعناها الاصطلاحي الذي سوّغ لنا ذلك وهدانا إلي استكشاف أبعادها الدلالية التي أسمهت ـ إلي حد بعيد ـ في إظهار ما ندهب إليه من تقارب روافدها مع الدعاء بل واشتراك استعمالها قرآنياً بمعاني الدعاء الأمر الذي حدا بالبحث إلي أن يلتمس بذائقته بعضاً من تلك الألفاظ ويتتبعها كي تتكامل الظاهرة الدعائية ـ كما نرى ـ وترتسم معالمها لفظاً ومعني علي مستوي النص القرآني وأول هذه الألفاظ :

الصلاة :

تنقسم معاني الصلاة في أصلها اللغوي علي معانٍ أربعة نستعرضها بإيجاز ونبيّن ما ذهبنا إليه.

المعني الأوّل : أن الصلاة مأخوذه من الصلا «وهو مغرز الذنب من الفرس والاثنان صلوان»(1) والصلا في الإنسان «العظم الذي عليه الإليتان وهو آخر ما يبلي من الإنسان في القبر»(2) وأطلقت الصلاة علي حركة رفع الصلا في الركوع والسجود لدي المصلي.نقل هذا المعني الزمخشري في كشافه(3) إلاّ أن الرازي أنكر هذا المعني وعابه في قوله : « إن الاشتقاق الذي ذكره صاحب الكشاف يفضي إلي طعن عظيم في كون القرآن حجة وذلك لأن لفظ الصلاة من أشد الألفاظ شهرة وأكثرها دوراناً علي ألسنة المسلمين ، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء واشتهاراً بين أهل النقل»(4) .

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 88 : 3.

(2) جمهرة اللغة : مادة ( صلي ).

(3) الكشاف / الزمخشري 1000 : 1.

(4) مفاتيح الغيب 33 : 2.

٢٧

و قد فض هذا الأصل في الصلاة الشريف الجرجاني(1) أيضاً ويغنينا عن القول في استبعاد معني الصلاة من ( الصلا ) ما تقدّم من كلام الرازي فقد بيّن عدم اشتهار هذا الأصل بالنسبة للمسلمين فضلاً عن قلّة شواهده الجاهلية التي تؤيد استعمال العرب للصلاة من هذا المعني.

المعنى الثاني : أصل الصلاة من صلي «وصليت القناة : قوّمتها بالنار»(2) ثم استعير تقويم العصا بالنار وتلينها إلي تقويم النفس ظاهراً وباطناً بمعني أن وقوف العبد أمام خالقه و «قبالة عظمته وجلاله ورأفته ورحمته فوصل إليه من هذه الأشياء كما وصل إليه من حرّ النار حتي صلي بها»(3) وهذا الأصل وإن حمل بعضاً من روح الصلاة إلاّ أنّه يقصر عن أن يكون أصلاً للصلاة.

المعنى الثالث : يقارب المعني الثاني وهو أن أصل الصلاة : اللزوم أو الملازمة ، « يقال : صلي واُصطلى : إذا لزم ومن هذا يصلى في النار أي يلزم »(4) وتبنّي الأزهري هذا الرأي في أصل الصلاة حيث قال : « والقول عندي إنما الصلاة لزوم ما فرض الله والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزمه »(5) .

وأري أن هذا المعني جزء من المعني السابق من الصلي بالنار ولاينهض كأصل للصلاة كذلك وإن حمل تأويلاً لطيفاً في التزام الصلاة كفرض لايتهاون فيه.

المعنى الرابع : وهو أن أصل الصلاة : الدعاء « مأخوذ من صلى يصلي إذا

__________________

(1) حاشية السيد الجرجاني علي الكشاف 100 : 1 طبعة البابي الحلبي ، مصر ، 1984.

(2) أساس البلاغة : 539.

(3) تحصيل نظائر القرآن / الحكيم الترمذي : 71.

(4) تهذيب اللغة : باب الصاد واللاّم ( صلى ).

(5) المصدر نفسه : باب الصاد واللاّم ( صلى ).

٢٨

دعا »(1) وهو المعنيى الأكثر شهرة وإليه يذهب أغلب أهل اللغة وجمهورها حيث تؤكده الشواهد الشعرية الجاهلية ، جاء في جامع البيان : « أما الصلاة في كلام العرب فإنّها الدعاء »(2) .

قال الأعشى(3) .

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا

يا رب جنّب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا

مثل الذي صليت بمعني مثل الذي دعيت لي.

وقال كذلك :

وقابلها الريح في دنّها

نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا(4)

« ارتسم الرجل : كبر ودعا »(5) .

ويمكن أن نقول : إن الصلاة « حقيقة في الدعاء مجاز لغوي في الهيئات المخصوصة المشتملة عليه »(6) والمقصود بالهيئات المخصوصة المعاني الأخري للصلاة ومثل هذا الرأي ـ ولاريب ـ معقول ومقبول وذلك « لورود الصلاة بمعني الدعاء قبل تشريع الصلاة المشتملة علي الركوع والسجود ولورودها في كلام من لا يعرف بالهيأة المخصوصة »(7) ثم إنّ تواتر استعمال

__________________

(1) الجامع 168 : 1.

(2) جامع البيان / الطبري 104 : 1.

(3) ديوان الأعشى / ميمون بن قيس : 101.

(4) ديوان الأعشى : 35. والبيت الذي قبله :

وصهباء طاف بها يهوديها

وأبرزها وعليها ختم

(5) الجامع 168 : 1.

(6) حاشية السيد الشريف الجرجاني علي تفسير الكشاف 100 : 1.

(7) كشاف الفنون / التهانوي859 : 4.

٢٩

الصلاة بمعني الدعاء يؤيد ذلك كما جاء عن الرسول « إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب فإن كان مضطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصلّ »(1) .

« قال أبو عبيدة : قوله فليصلّ يعني فليدع لهم بالبركة والخير ، وكل داعٍ فهو مصلّ »(2) .

وفضّل الرازي الدعاء كأصل للصلاة بوصفه الأقرب إليها من المعاني الأخري(3) وعلّل إطلاق الدعاء عليها مجازاً لغوياً مشهوراً في « إطلاق اسم الجزء علي الكل ولما كانت الصلاة الشرعية مشتملة علي الدعاء لاجرم أطلق اسم الدعاء عليها على سبيل المجاز »(4) بمعنى إن تسمية الصلاة بالدعاء « كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه »(5) وإذا دقّقنا النظر في فعاليات الصلاة علمنا أن الدعاء في كل حركاتها لأنّ معنى الطلب مع الخضوع والتذلّل واضح في جانب ومعنى التعظيم والإجلال للخالق ظاهر في جانب آخر كما في القراءة والقنوت والركوع والسجود فضلاً عما يجب علي الفرد من آدابها القلبية التي هي مظهر آخر من الطلب والدعاء.

والصلاة في القرآن جاءت علي أكثر من وجه أوصلها أحدهم إلي عشرين وجهاً(6) من بينها وجه الدعاء وفي ذلك إثبات على نزول القرآن بلغة العرب واستعماله للألفاظ والمعاني من جنس ما استعملوا كما في قوله تعالي :( إنّ

__________________

(1) سنن أبي داود / سليمان بن الأشعث 306 : 2.

(2) تهذيب اللغة : باب الصاد واللاّم (صلى).

(3) ظ : مفاتيح الغيب 47 : 3.

(4) مفاتيح الغيب 47 : 3.

(5) معجم مفردات ألفاظ القرآن : 293.

(6) ظ : منتخب قرة العيون النواظر / ابن الجوزي : 161.

٣٠

الله وملائكته يصلّون علي النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ) (1) .

يقول الطبري في معرض حديثه عن هذه الآية « أن يصلّي على النبي ، ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجّله لأعظم التبجيل وملائكته يصلّون ويثنون بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء »(2) .

وقال تعالي :( .. وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ) (3) فمعنى( وصلّ عليهم ) « واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحّم »(4) .

وفرّق العلماء بين صلاة الله تعالي وصلاة المخلوقين ـ الملائكة والإنس ـ فالصلاة منه ـ عزّ ذكره ـ الرحمة(5) ومن المخلوقين ـ الدعاء والاستغفار(6) وفي هذا لمحة عظيمة دالّة علي التوحيد والعطف في آن واحد علي التوحيد لأنّه تعالي يفيض برحمته ولا يفاض عليه ويدعي ولا يدعو ولمن يدعو؟ ولا شيء قبله بعده غني مطلق الغنى عن كل شيء.

أما على العطف فهو عالم سبحانه بافتقار خلقه إليه فرحمته لهم عطف منه تعالى وفضل سابق وجاء معنى الرحمة في صلاة الله تعالي قول الراعي(7) :

__________________

(1) سورة الأحزاب : 33 / 56.

(2) مجمع البيان / الطبرسي 369 : 8 ظ : الكشاف 307 : 2.

(3) سورة التوبة : 9 / 103.

(4) الكشاف 307 : 2 ، ظ : التبيان في إعجاز القرآن / ابن الزملكاني : 90.

(5) ظ : تهذيب اللغة باب الصاد واللاّم ( صلى ) ظ : مفاتيح الغيب 215 : 25.

(6) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : 293 ، كشاف الفنون 859 : 4.

(7) لسان العرب : مادة صلى : ولم أجد هذا الشاهد في كتاب شعرالراعي وأخباره لناصر الحاني بل وليس له وجود في كتاب شعر الراعي النميري : د.نوري حمودي القيسي.

٣١

صلّى على عزّة الرحمن وابنتها

ليلى وصلّى علي جاراتها الاُخر

ونخلص من الحديث عن الصلاة بجلاء مفهوم الدعاء سواء كأصل لغوي أو استعمال قرآني أو ركن تشريعي.

الابتهال :

« أصل البهل : اللعن »(1) وتباهل القوم « إذا تلاعنوا »(2) أي طلب كل منهما اللعن لغيره.

والتبهّل « العناء بالطلب »(3) ويقال كذلك « ابتهل إلي الله بالدعاء : تضرّع واجتهد »(4) وأخلص في الدعاء.

قال لبيد في هذا المعنى :

في كهول سادة من قومه

نظر الدهر إليهم فابتهل(5)

أي اجتهد في إهلاكهم.

ونجد في الابتهال في القرآن بصيغة واحدة كما في آية المباهلة ، قال تعالي :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ويساءنا ويساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (6) .

ووجود اللفظ في هذه الآية بالذات يحمل دلالة لطيفة لا يوديها عنه لفظ آخر وإن ماثله في معناه كلفظ « ندعو » لأنّ الابتهال هنا ليس مجرد الدعاء بل

__________________

(1) جمهرةاللغة : مادة ( بهل ).

(2) تهذيب اللغة باب الهاء واللاّم ( بهل )

(3) لسان العرب : مادة ( بهل )

(4) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : 61 ، أساس البلاغة : 71 ، الجامع 104 : 4.

(5) ديوان لبيد : 148.

(6) سورة آل عمران : 3 / 61.

٣٢

هو الاجتهاد في التضرع والإخلاص في الدعاء وفرّق بين ما يحمل « نبتهل » عن « ندعو » من معنى لذلك « لا يقال ابتهل في الدعاء إلاّ إذا كان هناك اجتهاد »(1) وإذا وضعنا أمامنا حساسية الموقف فالرسول قد كذّبته النصاري وفي الابتهال إقامة الحجّة علي النبوة إذ ليس هناك موقف أعظم من هذا يتوجه فيه بالدعاء الصادق المخلص فضلاً عما يحمل الابتهال من معنى اللعن والاهلاك للكاذب لذلك فما أن استيقن النصاري من صدق الرسول من جانب وعزمه علي الابتهال من جانب آخر حتي سالموه وقبلوا مرغمين على دفع الجزية(2) .

ونري من ذلك أن الابتهال أدل علي الضراعة والإلحاح في الدعاء وقد مثّل مظهراً من مظاهرا الدعاء في القرآن.

القنوت :

تتعدّد دلالات لفظ القنوت ومعانيها إلي أكثر من معنى وهي « الطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والقيام ، وطول القيام ، والسكون ، فيصرف كل واحد من هذه المعاني إلي ما يحمله لفظ الحديث الوارد فيه »(3) .

وكل هذه المعاني تلتقي في أصل واحد وهو الطاعة(4) حتى السكوت أو الإمساك عن الكلام يرد في معنى الطاعة وهو من قبل الانقطاع إليه تعالى

__________________

(1) مفاتيح الغيب 87 : 8 ظ : الكشاف 368 : 1.

(2) ظ : أسباب النزول / الواحدي النيسابوري : 58 ـ 59.

(3) لسان العرب : مادة ( قنت ).

(4) ظ : مقاييس اللغة : باب القاف والنون وما يثلثهما ( قنت ) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : 428.

٣٣

بالكلام دون غيره من الخلق لذلك يقال « للمصلي قانت »(1) أي المتوجه بالكلام إلي خالقه إلاّ أنّ أشهر المعاني السابقة للقنوت عند أهل اللغة الدعاء فما نقل عن الزجاج إذ يقول : « والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء وحقيقة القانت أنّه القائم بأمرالله فالداعي إذا كان قائماً خص بأن يقال له قانت لأنّه ذاكرالله تعالى وهو قائم على رجليه فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله عزّوجلّ في حال القيام ويجوز أن يقع في سائر الطاعة لأن إن لم يكن قيام بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنيّة »(2) .

وقد يقال إن القنوت مصطلح قرآني لم يرد « هو أو إحدى مشتقاته في الشعر الجاهلي والمجموعات الكثيرة التي ألّفت فيه »(3) .

إلاّ أننا رأينا استعمال اللفظ باجاهلية ـ بمعني الدعاء ـ مما يؤيد ما ذهب إليه الزجاج من ناحية وإلي أن العرب قد عرفته واستخدمته ويظهر ذلك من مسائل ابن الأزرق لعبد الله بن عباس حين سأله عن معني قوله تعالى :( كلّ له قانتون ) (4) « فقال ابن عباس : مقرون. واستشهد بقول عدي بن زيد(5) :

قانتاًلله يرجو عفوه

يوم لا يكفر عبد ما ادّخر

وفي القرآن الكريم جاءت مادة ( قنت ) في ثلاثة عشر موضعاً يمكن

__________________

(1) تهذيب اللغة : باب القاف والتاء ( قنت ).

(2) المصدر السابق : باب القاف والتاء ( قنت ).

(3) ظ : التطور الدلالي / عودة خليل أبو عودة : 210.

(4) سورة البقرة : 2 / 116.

(5) « عدي بن زيد بن حماد بن زيد العبادي ، التميمي ، شاعر من دهاة الجاهلين ت نحو 35 ق ه ـ 590م » ظ : الأعلام / خير الدين الزركلي 9 : 5 ، ظ : ترجمته : خزانة الأدب / البغدادي 184 : 1 ، والأغاني 97 : 2 الشعر والشعراء : 63.

٣٤

حملها علي المعاني السابقة الذكر علي الرغم من أن بعضهم جعل لها وجهين فقط هما الإقرارلله تعالي بالعبودية ، والثاني الطاعة(1) وتفرّق بنت الشاطئ بين معني الإقرار والقنوت من خلال السياق القرآني وتصل إلي أن « تفسير القنوت بالإقرار ، لا يكون إلاّ علي وجه الإلزام وقد يكون عن تقية وخوف ولايكون القنوت إلاّ عن خشوع صادق »(2) .

والمعني الذي نميل إليه في القنوت هو الدعاء وقد امتدحه سبحانه وتعالي ووصف به إبراهيم وأولياء(3) كما في قوله تعالي :( إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله حنيفًا ولم يك من المشركين ) (4) .

وقال جلّ شأنه :( يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين ) (5) .

وجعله صفة للمؤمنين والمؤمنات بقوله سبحانه :( إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدقّات والصّائمين والصّائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين الله كثيراً والذّاكرات أعدّالله لهم مغفرةً وأجرًا عظيماً ) (6)

__________________

(1) الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق / د. بنت الشاطئ : 350.

(2) ظ : التعاريف : 210.

(3) الإعجاز البياني للقرآن / بنت الشاطئ : 352.

(4) سورة النحل : 16 / 120.

(5) سورة آل عمران : 3 / 43.

(6) سورة الأحزاب : 33 / 35.

٣٥

التضرّع :

وفي هذا اللفظ معني الدعاء على الرغم من كونه حالة من حالات الداعي إلاّ أنّنا يمكن أن نلحظ في التضرّع دعاء من خلال أصله اللغوي واستعماله القرآني.

فالتضرّع لغة : يأتي لمعان كثيرة هي : التذلّل والخشوع ، والابتهال ، والتلوي ، والاستغاثة(1) وفي هذا المعني قال الأحوص :

كفرت الذي أسدوا إليك ووسّدوا

من الحسن إنعاماً وجنبك ضارع(2)

و يمكن حمل ضارع في قوله علي المعاني السابقة.

والتضرّع بآياته الست التي ورد فيها في القرآن الكريم اقترن أربع منها بالتعريض بالأقوام التي لم تنهج طريق الدعاء ولم تقر بالذلة لله تعالى ، والتي ترجع بعد البأساء والضراء إلي الإشراك والعنت ولا ينفعها ـ حينذاك ـ تضرّعها ودعاءها قال تعالى :( ولقد أرسلنا إلي أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون ٭فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون ) (3) يقول القرطبي في حديثه حول الآية الكريمة « وهذا عتاب على ترك الدعاء وإخبار عنهم أنّهم لم يتضرّعوا حين نزول العذاب ، ويجوز أن يكونوا تضرّعوا تضرّع من لم يخلص أو تضرّعوا حين لابسهم العذاب والتضرّع علي هذه الوجوه غير نافع ، والدعاء مأمور به حال الرخاء والشدّة »(4) .

__________________

(1) ظ : لسان اعرب : مادة ( ضرع ).

(2) ديوان الأحوص : 130.

(3) سورة الأنعام : 6 / 42 و 43.

(4) الجامع لأحكام القرآن 425 : 6 ظ : مجمع البيان67 : 4 مفاتيح الغيب 22 :

٣٦

ويظهر من كلام القرطبي حمل التضرّع على الدعاء ، أما الآيتان الأخريان فقد حثّتا على التضرّع والدعاء حيث قرنتا الدعاء بالتضرّع والخليفة مما يدل على سبحانه :( ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً أنّه لا يحب المعتدين ) (1) .

وقال تعالى :( واذكر ربّك في نفسك تضرّعاً وخفيةً ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن من الغافلينن ) (2) .

السلام :

الأصل في السلام لغة : « التعري من الآفات الظاهرة ، والباطنة »(3) وذهب الأزهري إلي أن السلام « دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه »(4) .

وورد السلام في القرآن ـ على تعدّد معانيه ـ منسوباً لله تعالى حيناً وللخلق من الملائكة والناس حيناً آخر ، فيكون السلام منه تعالى لأنبيائه وعباده الصالحين على جهة الثناء الجميل(5) .

ـ قال تعالى :( سلام على إبراهيم ) (6) ، وقال سبحانه :( سلام علي إل ياسين ) (7) ،(8) .

__________________

37.

(1) سورة الأعراف : 7 / 55.

(2) سورة الأعراف : 7 / 205.

(3) معجم مفردات القرآن : 245 ، ظ : الجامع 297 : 5.

(4) تهذيب اللغة : باب السين واللاّم (سلم).

(5) ظ : منتخب قرة العيون النواظر : 145.

(6) سورة الصافات : 37 / 109.

(7) سورة الصافات : 37 / 130.

(8) ظ : الآيات الأخرى في السياق نفسه : (سورة الصافات : 37 / 120 و 181 و

٣٧

أما ما ورد من السلام منسوباً لخلقه فهو دعاء لبعضهم البعض كما ورد علي لسان الملائكة في دعائهم لأهل الجنة قال تعالى شأنه :( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدّار ) (1) .

وقال عزّ ذكره :( الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ) (2) .(3)

ومما يجدر ذكره هنا أن الإسلام قد شرع التحيّة وأكدها بقوله سبحانه :( وإذا حييتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كلّ شيءٍ حسيباً ) (4) .

« وأصل التحية : الدعاء بالحياة »(5) وتحية الإسلام المعروفة « السلام عليكم » بمعني « السلامة عليكم ولكم »(6) ومن خلال ذلك يظهر الدعاء حتى في تشريع السلام ، ونستطيع حينئذٍ أن نضع السلام ـ بنحو ما ـ ضمن مظاهر الله تعالى هو المطلوب منه »(7) والمجيب لدعاء عباده.

الحمد ـ الشكر :

وفي هذين اللفظين نلحظ تضمّ ، اًللدعاء « فالحمد في كلام العرب معناه

__________________

79 ، سورة هود : 11 / 48 ).

(1) سورة الرعد : 13 / 24.

(2) سورة النحل : 16 / 32.

(3) ظ : في السياق نفسه : ( سورة الزمر : 39 / 73 ).

(4) سورة النساء : 4 / 86.

(5) الجامع 297 : 5.

(6) الزينة / أبوبكر الرازي 63 : 2 ، ظ : مجمع البيان 176 : 5.

(7) بدائع الفوائد 140 : 2.

٣٨

الثناء الكامل »(1) والحمد كذلك « نقيض الذم »(2) بمعنى أن قولنا « الحمد لله » إخلاصاً في تنزيهه تعالى وإقراراً بكماله لذلك فقد « عبّر بعض الصوفية عن إظهار الصفات الكمالية بالحمد »(3) .

وقول الحمد لله بمنزلة الدعاء فيستلزم الإجابة ، ومن الشواهد القرآنية يتضّح ذلك.

قال تعالى على لسان أهل الجنة في دعائهم :( دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين ) (4) .(5)

والحمد كذلك دعاء الأنبياء قال تعالى على لسان نوح :( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الّذي نجّاما من القوم الظّالمين ) (6) .(7)

وفي السنّة النبوية نجد التأكيد على ىعاء الحمد كما روي عن الرسول الكريم قوله : « أفضل الدعاء الحمد لله »(8) ودعاء الحمد في القرآن « صار مصطلحاً خاصّاً معروفاً في حياة المسلمين لا يتوجه به المسلم إلاّ لله

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن 133 : 1.

(2) لسان العرب مادة (حمد).

(3) كشاف الفنون 389 : 1.

(4) سورة يونس : 10 / 10.

(5) ظ : الآيات في السياق نفسه : (سورة الأعراف : 7 / 43 سورة الزمر : 39 / 74 ، سورة فاطر : 35 / 34).

(6) سورة المؤمنون : 23 / 28.

(7) ظ : الآيات في السياق نفسه : (سورة النمل : 27 / 59 و 93 ، سورة الإسراء : 17

(8) سنن المصطفى / ابن ماجه 420 : 2.

٣٩

عزّوجلّ »(1) والحمد المتعارف بين الناس هو قبل شكر الخالق عن طريق خلقه لأنّ الحمد في حقيقة يطلق ويراد به النعم الأوّل والآخر جلّ وعلا.

ومن ألطف اللطائف القرآنية بدء القرآن بالحمد ولم يبدأ بكلمة التوحيد ـ لاإله إلاّ الله ـ مثلاً لأنّ في قولنا( الحمد لله ربّ العالمين ) (2) « توحيد وحمد وفي قول لا إله إلاّ الله توحيد فقط »(3) وفيه أيضاً إقرار بالوحدانية وعرفان بالنعمة الأبدية التي لا تنفد. وفي دعاء الحمد شمول للمحامد كلها وشمول للأوقات أجمعها.

أما شموله للمحامد كلها فبد لالة دخول الألف واللاّم « الاستغراق الجنسي من المحامد »(4) ولأنّ في اتصالها في الحمد « معنى لا يؤديه قول القائل حمداً بإسقاط الألف ، ولذك أن دخولها منبئ عن أن معناه جميع المحامد والشكر الكامل لله ، ولو أسقطنا عنه لما دلّ إلاّ على أن حمد قائل ذلك دون المحمد كلها »(5) .

ويعلل هذا القول مجيء أكثر مواضع الحمد بالألف واللاّم إذ جاء في ثمانية وعشرين موضعاً.

أما شموله الأوقات كلها ، ففي الحمد « تعلّق بالماضي ، وتعلّق بالمستقبل. أما تعلّقه بالماضي : فهو أن يقع شكراً على النعم المقدمة وأما تعلقه

__________________

(1) التطور الدلالي : 307.

(2) سورة الفاتحة : ½.

(3) الجامع لأحكام القرآن 132 : 1.

(4) الجامع لأحكام القرآن 134 : 1.

(5) الإسلام ومشكلات الفكر / فتحي رضوان : 68.

٤٠

« و أحداث » من الدهر .

« تتابع عليهم » دفعة بعد دفعة ، قال أبو الطفيل :

و ما شاب رأسي من سنين تتابعت

عليّ و لكن شيّبتني الوقائع

و قال ابن المعتز :

قالت كبرت و شبت قلت لها

هذا غبار و قايع الدهر

و قال البحتري :

ما زال صرف الدهر يونس صفقتي

حتّى رهنت على المشيب شبابي

و فيه أيضا :

فهل الحادثات يابن عويف

تاركاتي و لبس هذا البياض

« و لم يخلّ » من ( خلي ) .

« سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( اللّه سبحانه ) ، كما في ( ابن أبي الحديد ، و ابن ميثم و الخطّيّة ) ١ .

« خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة » لا يمكنهم دفعها .

« أو محجّة » و هي جادة الطريق .

« قائمة » قال تعالى : . . . لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٢ .

و قال الصادق عليه السّلام : الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق ، و بعد الخلق ٣ .

و قال ابن بابويه في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : فبدأ عزّ و جلّ بالخليفة قبل الخليفة ، فدلّ ذلك على أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « سبحانه » أيضا .

( ٢ ) النساء : ١٦٥ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٥٠٧ ح ١ ، و الصدوق في كمال الدين : ٤ ، و قد مرّ في العنوان ٢ من الفصل الرابع .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٤١

الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ١ .

« رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » قال تعالى : و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم و شركاء كم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون . فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلاّ على اللّه و أمرت أن أكون من المسلمين . فكذّبوه فنجّيناه و من معه . . . ٢ ،

و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه . . . فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ حكاية عنه : و تاللّه لا كيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين . فجعلهم جذاذا إلاّ كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون ٤ .

قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : و كلّ واحد من الرسل و الأئمة عليهم السلام كان يقوم بالأمر و لا يردعه عن ذلك قلّة عدد أوليائه ، و لا كثرة عدد أعدائه .

فيقال له : هذا خلاف قولك في الأئمّة المعصومين ، فإنّك تجيز عليهم التقيّة و ترك القيام بالأمر إذا كثرت أعداؤهم ٥ .

قلت : الأئمّة عليهم السلام كالأنبياء صلوات اللّه عليهم كانوا يقومون بدعوة غير الجبابرة ، و أمّا الجبابرة فكانوا قد يقومون بدعوتهم ، و قد يتركونهم على حسب المصلحة و القيام الّذي قال الراوندي أعمّ من الخروج بالسيف ، و إلاّ لخرج أكثر الأنبياء عن ذلك ، و إلاّ فليس في الأنبياء من يكون مصداقا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين لا بن بابويه : ٤ .

( ٢ ) يونس : ٧١ ٧٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٦ ٢٤ .

( ٤ ) الأنبياء : ٥٧ ٥٨ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٢

لقوله عليه السّلام : « لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » مثل إمامنا الثالث أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ، فإنّه قام بالأمر و قال : لو لم يبق لي في الدّنيا ملجأ ما بايعت يزيد ١ . و لقد جاهد عليه السّلام مع اثنين و سبعين نفرا : ثلاثين ألفا ٢ ،

و قال بعد إتمام الحجّة عليهم : ألا و إنّي زاحف بهذه العصابة على قلّة العتاد ،

و خذلة الأصحاب ٣ .

« من سابق سمّي له من » ( من ) للموصول .

« بعده » حتّى يأخذ ذلك النبيّ السابق من أمّته العهد للنبيّ اللاحق ، قال تعالى : و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ٤ ، و إذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّواراة و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٥ ، الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوارة و الإنجيل . . . ٦ .

« أو غابر » أي : باق .

« عرّفه » أي : عرّفه اللّه .

« من قبله » أي : النبيّ الّذي كان قبله ، فيجب على أمّة النبيّ الباقي أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذا المعنى ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ٨٨ ، و أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه : ٨٦ .

( ٢ ) هذا من مشهورات التاريخ تدلّ عليه رواية الطبري في تاريخه ٤ : ٣٥٨ سنة ٦١ و غيرها .

( ٣ ) رواه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٢١٦ ح ٢٧٣ ، و المسعودي في الإثبات : ١٤٢ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ٢٦١ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٣٠٠ ضمن خطبة بفرق يسير .

( ٤ ) آل عمران : ٨١ .

( ٥ ) الصف : ٦ .

( ٦ ) الأعراف : ١٥٧ .

٤٣

يؤمنوا بنبوّة النبيّ الماضي ، فإنّه لا فرق بين أن ينكروا نبوّة نبيّ عصرهم أو نبوّة من كان قبله ، فالكلّ من عند واحد : قل آمنّا باللّه و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و النّبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم و نحن له مسلمون ١ ،

مصدّقا لما بين يديّ . . . ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في تفسير قوله عليه السّلام : « من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله » : كان من ألطاف الأنبياء المتقدّمين و أوصيائهم أن يعرفوا الأنبياء المتأخّرين و أوصياءهم ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك . و كان لطف المتأخّرين و أوصيائهم أن يعرفوا أحوال المتقدّمين من الأنبياء و الأوصياء ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك ، فتمّ اللطف لجميعهم .

قال ابن أبي الحديد : و لقائل أن يقول : لو كان عليه السّلام قال : ( أو غابر عرف من قبله ) لكان هذا التفسير مطابقا ، و لكنّه عليه السلام لم يقل ذلك ، و انّما قال : « عرفه من قبله » و ليس هذا التفسير مطابقة لقوله ( عرفه ) . و الصحيح : أنّ المراد به من نبيّ سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء ، أي : عرّفه اللّه تعالى ذلك ، أو نبيّ غابر نصّ عليه من قبله و بشّر به كبشارة الأنبياء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد توهم أنّ الفاعل في قوله عليه السّلام « عرّفه من قبله » ( من ) مع أنّ الفاعل فيه ضمير ( اللّه ) ، كما في قوله عليه السّلام ( سمّي ) و أمّا المعنى الّذي ذكر قبلا محصّل ، فأيّ معنى لما قاله من أنّ السابق إما عرف من بعده ، و إمّا نصّ على من بعده ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨٤ .

( ٢ ) الصف : ٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٤

و من الغريب أنّ من بعده تبعه على وهمه ، و أنّه لم يتعرّض أحد لدفع تعصباته على الرّاوندي ، و قد عرفت ممّا شرحنا أنّ الفقرتين إشارة إلى الآيات التي قلنا ، و أنّ المراد بالسابق و الغابر أممهما ، . . . و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ١ .

٢

من الخطبة ( ٨٩ ) وَ لَمْ يُخَلِّهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً . « و لم يخلّهم » بالتشديد .

« بعد أن قبضه » أي : آدم .

« ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته » فأرسل إليهم رسولا بعد رسول .

« و يصل بينهم و بين معرفته » . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« بل تعاهدهم بالحجج » . . . فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ .

« على ألسن الخيرة من أنبيائه » ثمّ أرسلنا رسلنا تترى . . . ٤ .

« و متحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا » في ( إثبات المسعودي ) بعد سرد الأنبياء إلى لمك : فلمّا مضى لما قام نوح بأمر اللّه تعالى ، و هو أوّل ذوي العزم من الرّسل و أظهر نبوّته ، و أمره اللّه تعالى بإظهار الدعوة ، فأقبل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ٤٤ .

٤٥

نوح عليه السّلام يدعو قومه ، و الملك في بني راسب و أهل مملكته و عوج بن عناق ، و كان دعاؤه إيّاهم في أوّل أمره سرّا فلم يجيبوه ، فلم يزل يدعوهم تسعمائة و خمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم ، و كان الّذي آمن به العقب من ولد هبة اللّه ، و الّذين كذّبوه العقب من ولد قابيل و عوج بن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم و سلطانهم في الأرض ، و كانوا إذا دعاهم يقولون له : . . . أنؤمن لك و اتّبعك الأرذلون ١ ، يعنون : العقب من ولد شيث ، يعيّرونهم بالفقر و الفاقة ، و أنّه لا مال لهم ، و لا عزّ و لا سلطان في الأرض ، و كانت شريعة نوح التّوحيد و خلع الأنداد ، و الفطرة ، و الصّيام ، و الصلاة ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أن قال في قيام سام بعده فآمن به شيعة نوح ، و أقام ولد قابيل ، و عوج بن عناق على كفرهم و طغيانهم ، و خالف حام و يافث على أخيهما سام و لم يؤمنا به ، و قام بعده أرفخشد بن سام ، فعند ذلك ملك آفريدون ، و هو ذو القرنين ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قومه ، فدعاهم إلى اللّه ، فكذّبوه و جحدوا نبوّته ، ثمّ أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته اللّه مائة عام ، ثمّ أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته ، و ضربوه على قرنه الأيسر . . . و روي أنّ الخضر بن أرفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته ٢ . . .

٣

من الخطبة ( ٩٢ ) منها في وصف الأنبياء :

فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَ أَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ

كَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اَللَّهِ خَلَفٌ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١١١ .

( ٢ ) إثبات الوصيّة : ٢٠ ٢٤ ، و النقل بتقطيع كثير . قول المصنّف : « منها في وصف الأنبياء » هكذا في ( المصرية ) ، و ليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ١ إلاّ كلمة « منها » فلا بدّ أنّ جملة ( في وصف الأنبياء ) كانت حاشية خلطت بالمتن في أصل ( المصرية ) .

٤٦

قوله عليه السّلام « فاستودعهم » الضمير راجع إلى الرّسل .

« في أفضل مستودع » أي : من الأصلاب .

« و أقرّهم في خير مستقرّ » أي : من الأرحام ، قال تعالى : و هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ و مستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ٢ .

« تناسختهم » أي : بدّلتهم .

« كرائم الأصلاب » من صلب إلى صلب .

« إلى مطهّرات الأرحام » من رحم إلى رحم ، روي أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ قوله تعالى : في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال ٣ فقيل له : أيّ بيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ٤ .

قال الصدوق في ( اعتقاداته ) : اعتقادنا في آباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح الخوئي ٣ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، مثل المصرية أيضا ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ ، خال من « منها » .

( ٢ ) الأنعام : ٩٨ .

( ٣ ) النور : ٣٦ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ، و الفرات الكوفي بطريقين في تفسيره : ١٠٣ ، و ابن مردويه عنه الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ١٤٤ ، و المجلسي عن كنز جامع الفوائد و الروضة في بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ٣٢٦ ح ٢ ، ٣ .

٤٧

مسلمون من آدم إلى أبيه عبد اللّه . ثمّ قال : و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أخرجت من نكاح ،

و لم أخرج من سفاح من لدن آدم ١ .

و أمّا ( آزر ) ففي ( الإثبات ) : روي عن العالم عليه السّلام أنّه كان جدّ إبراهيم عليه السّلام لأمّه ، و كان أبو إبراهيم توفّي و هو طفل ، و بقيت أمّه ، فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ إبراهيم عليه السّلام خشبة و أخذ الفأس ، و نجر منها صنما لم يروا مثله قط ، فقال آزر لأمّه : إنّي لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا . فأخذ إبراهيم الفأس فكسر الصنم ، فأنكر ذلك أبوه عليه ، فقال له إبراهيم عليه السّلام : و ما تصنعون به ؟ قال : نعبده . قال إبراهيم عليه السّلام : . . . أتعبدون ما تنحتون بأيديكم ٢ .

« كلّما مضى » أي : مات .

« منهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« سلف قام منهم بدين اللّه خلف » يدعو الناس إلى ربّهم و عبادته ، و في ( الإثبات ) لمّا حضرت وفاة إبراهيم عليه السّلام أمره اللّه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء عليهم السلام إسماعيل ابنه ، فدعاه و أوصى إليه و سلّم إليه جميع ما في يده فقام إسماعيل بالنبوّة و الأمر مقامه ، و لم يزل يدبّر أمر اللّه تعالى ، و هو أوّل من تكلّم بالعربيّة و أبو العرب ، فلمّا حضرت و فاته أوحى إليه أن يستودع الاسم و نور اللّه و حكمته أخاه إسحاق .

و روى أنّه شريكه في الوصيّة ، و تقدمه إسماعيل بالسن إلى أن قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ ، و أخرجه ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ : ق ١ ، ٣١ ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ و معناه روي كثيرا .

( ٢ ) رواه المسعودي في الإثبات : ٢٩ ٣٠ و النقل بتصرف و الآية ٩٥ من سورة الصافات .

( ٣ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ .

٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

إنّ يوسف قال لبني إسرائيل : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، و يفرّج اللّه عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران ، و لن يظهر حتّى يخرج قبله سبعون كذّابا . و روي أنّه كان إذا ولد في بني إسرائيل ولد يسمّى عمران ، ثمّ يأتي لعمران ولد فيسمّى موسى ، يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام ١ .

قلت : هو نظير أنّه لمّا أخبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام بقيام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الملقّب بالمهدي ، تصدّى جمع من الطالبين لذلك ، و تسمّوا بالمهدي ، كالملقّب بالنفس الزّكية ، و غيره .

و قال بعد ذكر شعيب : كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قوم نبيّا حين كبرت سنّه ، فدعاهم إلى التوحيد و الإقرار و الطاعة ، فلم يجيبوه ، فغاب عنهم ما شاء اللّه ، ثمّ عاد إليهم شابّا ، فدعاهم ، فقالوا : ما صدّقناك شيخا فكيف نصدّقك شابّا ؟

فروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث و يكرّره ، و يتمثّل به كثيرا إلى أن قال بعد ذكر موسى عليه السّلام ثمّ يوشع : و خرج يوشع و جمع أولاد بني إسرائيل الّذين ولدوا في التيه معه ، و هم لا يعرفون الجبّارين و لا العمالقة و لا يمتنعون من قتالهم ، و فتح بيت المقدس ، و جميع مدائن الشام حتّى انتهى إلى البلقاء ، فجعلوا يخرجون و يقاتلون ، و لا يقتل منهم أحد . فسأل يوشع عن ذلك ، فقيل له : إنّ في مدينته امرأة كاهنة تدّعي أنّها منجّمة تستقبل الشّمس بفرجها ، ثمّ تحسب و تعرض عليها الخيل و الرجال ، و لا يخرج يومئذ إلى الحرب رجل قد حضر أجله . فصلّى يوشع عليه السّلام ركعتين ، و دعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه ، و أخّرت الشمس ، فخرجت فاختلط عليها حسابها ، فقالت لباق ( يعني ملكهم ) : انظر ما يعرض عليك يوشع ، فاعطه ، فإنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصية : ٣٤ ٣٩ و النقل بتقطيع كثير .

٤٩

حسابي قد اختلط عليّ ١ .

٤

من الخطبة ( ١٤٢ ) و من كلام له عليه السّلام :

بَعَثَ اَللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلاَّ تَجِبَ اَلْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ اَلصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ أَلاَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ اَلْخَلْقَ كَشْفَةً لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَيَكُونَ اَلثَّوَابُ جَزَاءً وَ اَلْعِقَابُ بَوَاءً . قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصريّة ) ، و الصواب :

( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

قوله عليه السّلام : « بعث اللّه رسله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بعث رسله ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« بما خصّهم به من وحيه » من آدم إلى الخاتم ، قال تعالى : إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيّين من بعده و أوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و عيسى و أيّوب و يونس و هارون و سليمان و آتينا داود زبورا ٤ .

« و جعلهم حجّة له على خلقه » و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ٤٠ ٥١ و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، لكن يوجد لفظ « اللّه » في شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦ .

( ٤ ) النساء : ١٦٣ .

٥٠

فجاؤهم بالبيّنات . . . ١ .

« لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم » قال تعالى : . . . و إن من أمّة إلاّ خلا فيها نذير ٢ ، و رسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلّم اللّه موسى تكليما . رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٣ .

« فدعاهم » أي : اللّه .

« بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ » . . . و أنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه . . . ٤ ، لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط . . . ٥ .

« ألا إنّ اللّه كشف الخلق كشفة » ببعث الرّسل فيهم حتّى يظهر أمرهم للعالم .

« لا أنّه » تعالى .

« جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ، و مكنون ضمائرهم » فعلمه ببعث رسله ، . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنّة في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى ٦ .

« و لكن » بعث رسله .

« ليبلوهم » أي : يمتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الروم : ٤٧ .

( ٢ ) فاطر : ٢٤ .

( ٣ ) النساء : ١٦٤ ١٦٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٥ ) الحديد : ٢٥ .

( ٦ ) النجم : ٣٢ .

٥١

« أيّهم أحسن عملا فيكون الثّواب » أي : الجزاء الحسن لمن آمن و أطاع .

« جزاء » لعمله : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ١ .

« و العقاب » و هو ما يعقّبه العمل السّوء .

« بواء » أي : مطابقا مساويا لعمله ، قالت ليلى الأخيلية في مقتل توبة :

فإن تكن القتلى بواء فإنّكم

فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

٢ قال تعالى : . . . ليجزي الّذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى ٣ .

٥

من الخطبة ( ١٨١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ٦٥ : ٣ وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٦٠

( ٢ ) لسان العرب ١ : ٣٧ مادة ( بوء ) .

( ٣ ) النجم : ٣١ .

٥٢

« الحمد للّه المعروف من غير رؤية » قال فمن ربّكما يا موسى . قال ربّنا الّذي أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدى ١ .

« الخالق من غير منصبة » أي : مشقّة و تعب ، قال تعالى : و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستّة أيّام و ما مسّنا من لغوب ٢ .

هذا ، و في الخطبة ( ٨٨ ) : « الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة » ٣ ، و كلّ منهما صحيح ، فيخلق عزّ و جلّ بدون تفكّر ، كما يخلق بدون تعب ، بخلاف البشر : فلا يعمل شيئا إلاّ بتفكّر و رويّة ، و يحصل له التّعب و المنصبة .

« خلق الخلائق بقدرته » إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٤ .

« و استعبد الأرباب بعزّته » إن كلّ من في السماوات و الأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا ٥ .

« و ساد العظماء بجوده » . . . و يؤت كلّ ذي فضل فضله . . . ٦ .

« و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه » بعد هبوط آدم من الجنّة : . . . و لكم في الأرض مستقرّ و متاع إلى حين ٧ .

« و بعث إلى الجنّ و الأنس رسله » يا معشر الجنّ و الأنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذورنكم لقاء يومكم هذا قالوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٤٩ ٥٠ .

( ٢ ) ق : ٣٨ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١٥٨ .

( ٤ ) القمر : ٤٩ .

( ٥ ) مريم : ٩٣ .

( ٦ ) هود : ٣ .

( ٧ ) البقرة : ٣٦ .

٥٣

شهدنا على أنفسنا . . . ١ .

« ليكشفوا لهم عن غطائها » أي : حجابها .

« و ليحذّروهم من ضرّائها » كما حكى عزّ و جلّ عن نوح عليه السّلام في قوله لقومه : و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا . ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا ٢ ، و عن صالح عليه السّلام في قوله لقومه : أ تتركون في ما ههنا آمنين .

في جنّات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ٣ .

« و ليضربوا لهم أمثالهم » كقوله تعالى على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون . إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و أزّينت و ظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون ٤ ، و اضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح . . ٥ ، مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ٦ ، مثلهم كمثل الّذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم و تركهم في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٣٠ .

( ٢ ) نوح : ١٧ ١٨ .

( ٣ ) الشعراء : ١٤٦ ١٤٩ .

( ٤ ) يونس : ٢٣ ٢٤ .

( ٥ ) الكهف : ٤٥ .

( ٦ ) العنكبوت : ٤١ .

٥٤

ظلمات لا يبصرون . صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد و برق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت و اللّه محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمّا أضاء لهم مشوافيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللّه لذهب بسمعهم و أبصارهم إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير ١ ، ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتا هما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب اللّه مثلا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين ٢ .

« و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و ليبصّروهم عيوبها و حلالها و حرامها » هكذا في ( المصرية ) ، و قد وقع فيها تقديم و تأخير ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٣ : « و ليبصّروهم عيوبها ،

و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و حلالها و حرامها » ،

فيعلم أنّ النهج كان كذلك ، لكن لا يبعد وقوع تصحيف فيه ، فإنّ عطف ( و حلالها و حرامها ) على ( مصاحّها و أسقامها ) كما فهمه ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٤ خلاف البلاغة ، و مشتمل على التكلّف .

و الظاهر كون ( و حلالها و حرامها ) محرّف ( و حياتها و حمامها ) لقربهما لفظا و خطّا ، و عليه فالمعنى في كمال المناسبة ، و يكون المراد أنّ أسباب العبر ،

و إن كانت في الدّنيا كثيرة ، إلاّ أنّ أهل الدّنيا لحرصهم عليها ، و حبّهم لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧ ٢٠ .

( ٢ ) التحريم : ١٠ ١١ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٠ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية .

( ٤ ) يظهر هذا من شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٧ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٢ .

٥٥

غافلون عنها ، كما قال عليه السّلام في موضع آخر : « ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار » ١ ،

فبعث اللّه رسله ليبصّروهم عيوب الدّنيا ، و ينبّوهم على كثرة العبر في و قائعها حتّى كأنّ العبر هاجمة عليهم .

« و ما أعدّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و ما أعدّ اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٢ ، ثمّ إن ابن أبي الحديد احتمل كونه عطفا على ( عيوبها ) ، و هو باطل ، فكيف أمكن ذلك مع فصل ( و ليهجموا ) بينهما ، و لعلّه جعله من قبيل قول أهل نحلته في قوله تعالى :

و أرجلكم بعطفه على وجوهكم مع فصل و امسحوا ٣ بينهما تصحيحا لمذهبهم السخيف مع أنّه خلاف تكلّم العقلاء . و من الغريب أنّ الخوئي ٤ تبعه في احتماله .

« للمطيعين منهم و العصاة » منهم .

« من جنّة » للمطيعين .

« و نار » للعاصين .

« و كرامة » للأوّلين .

« و هوان » للآخرين ، قال تعالى : . . . و من يطع اللّه و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ٥ ، . . . و من يعص اللّه و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٧٢ الحكمة ( ٢٩٧ ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية ، و لفظ شرح الخوئي ٥ : ١١٠ « و ما أعدّ سبحانه » .

( ٣ ) انظر قوله تعالى : . . . فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين . . . المائدة : ٦ .

٤ ) شرح الخوئي ٥ : ١١١ .

( ٥ ) الأحزاب : ٧١ .

( ٦ ) الأحزاب : ٣٦ .

٥٦

هذا ، و في ( تجريد المحقق الطوسي رحمه اللّه ) في فوائد بعثة الأنبياء :

كمعاضدة العقل في ما يدلّ عليه ، و استفادة الحكم في ما لا يدلّ ، و إزالة الخوف ، و استفادة الحسن و القبح ، و المنافع و المضارّ ، و حفظ النوع الانساني ،

و تكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة ، و تعليمهم الصنائع الخفية ،

و الأخلاق و السياسات ، و الأخبار بالعقاب و الثواب ١ .

« أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه » رجع عليه السّلام إلى أوّل كلامه في حمده تعالى ، و إنّما ذكر عليه السّلام فوائد بعثة الرّسل لأنّها أيضا من موجبات حمده .

« و جعل لكلّ شي‏ء قدرا » أي : مقدارا معيّنا ، قال تعالى : إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٢ ، و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنّاه في الأرض و إنّا على ذهاب به لقادرون ٣ ، و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء إنّه خبير بصير ٤ ، و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ٥ ، اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كلّ شي‏ء عنده بمقدار ٦ .

« و لكلّ قدر أجلا » . . . ثمّ قضى أجلا و أجل مسمّى عنده . . . ٧ .

« و لكلّ أجل كتابا » و كلّ شي‏ء أحصيناه كتابا ٨ ، و ما كان لنفس أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧١ .

( ٢ ) القمر : ٤٩ .

( ٣ ) المؤمنون : ١٨ .

( ٤ ) الشورى : ٢٧ .

( ٥ ) الحجر : ٢١ .

( ٦ ) الرعد : ٨ .

( ٧ ) الأنعام : ٢ .

( ٨ ) النبأ : ٢٩ .

٥٧

تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا . . . ١ .

٦

من الخطبة ( ١٩٠ ) فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا أَقْوَاماً مُسْتَضْعَفِينَ وَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ .

فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوَاضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ . نُسارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ٢٣ : ٥٥ ٥٦ ٢ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ ؟ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ؟ وَ مَعَهُ أَخُوهُ ؟ هَارُونُ ع ؟ عَلَى ؟ فِرْعَوْنَ ؟ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرُطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

٥٨

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طَيْرَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرْضِ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلَيْنَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى .

وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تَمْتَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ . « فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه » لأن الكبر يكون عن كونه ذا كمال ، و لا كمال أكمل من كمالهم ، و أمّا أهل الدّنيا فناقصون من جهات ، و إن كان فيهم بعض الكمالات .

« و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر » مع مقامهم ذاك ، و قربهم من مالك السماوات و الأرض ، و في الخبر مرّت امرأة بذية بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت له : إنّك تجلس جلسة العبيد . فقال : أيّ عبد أعبد منّي ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الأهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي

٥٩

« و رضي لهم التّواضع » في الخبر أنّه أتى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ملك لم يطأ الأرض قط ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول : إنّ هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فان شئت فكن نبيّا عبدا و إن شئت فكن نبيّا ملكا . فأشار إليه جبرئيل بالتواضع ، فقال : بل أكون نبيّا عبدا ١ .

و في ( الكافي ) عن عيسى عليه السّلام ، قال للحواريين : لي إليكم حاجة ، اقضوها لي . قالوا : قضيت حاجتك ، يا روح اللّه . فقام فقبّل عيسى عليه السّلام أقدامهم ، فقالوا : كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه . فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم ، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم . ثمّ قال عليه السّلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ٢ .

« فالصقوا بالأرض خدودهم » في السجود له تعالى ، و عن الصادق عليه السّلام :

أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : يا موسى بن عمران أتدري لم اصطفيتك لوحيي و كلامي دون خلقي ؟ فقال : لا علم لي يا ربّ . فقال : يا موسى إنّي إطّلعت إلى خلقي اطّلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك . . . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٣ .

« و عفّروا » أي : مرّغوا .

« في التّراب وجوههم » و هي أشرف أعضاء جسدهم .

في مكارم الأخلاق : ١٦ ، و النقل بالتلخيص .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٢ ح ٥ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ٢٠٠ ، و الطبرسي بطريقين في مشكاة الأنوار : ٢٢٤ ٢٢٥ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ ، و في بعض نسخ الكافي « فغسّل أقدامهم » .

( ٣ ) أخرجه الصدوق بروايتين في علل الشرائع : ٥٦ ح ١ و ٢ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ المجلس ٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605