بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110272 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

« و أحداث » من الدهر .

« تتابع عليهم » دفعة بعد دفعة ، قال أبو الطفيل :

و ما شاب رأسي من سنين تتابعت

عليّ و لكن شيّبتني الوقائع

و قال ابن المعتز :

قالت كبرت و شبت قلت لها

هذا غبار و قايع الدهر

و قال البحتري :

ما زال صرف الدهر يونس صفقتي

حتّى رهنت على المشيب شبابي

و فيه أيضا :

فهل الحادثات يابن عويف

تاركاتي و لبس هذا البياض

« و لم يخلّ » من ( خلي ) .

« سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( اللّه سبحانه ) ، كما في ( ابن أبي الحديد ، و ابن ميثم و الخطّيّة ) ١ .

« خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة » لا يمكنهم دفعها .

« أو محجّة » و هي جادة الطريق .

« قائمة » قال تعالى : . . . لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٢ .

و قال الصادق عليه السّلام : الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق ، و بعد الخلق ٣ .

و قال ابن بابويه في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : فبدأ عزّ و جلّ بالخليفة قبل الخليفة ، فدلّ ذلك على أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « سبحانه » أيضا .

( ٢ ) النساء : ١٦٥ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٥٠٧ ح ١ ، و الصدوق في كمال الدين : ٤ ، و قد مرّ في العنوان ٢ من الفصل الرابع .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٤١

الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ١ .

« رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » قال تعالى : و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم و شركاء كم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون . فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلاّ على اللّه و أمرت أن أكون من المسلمين . فكذّبوه فنجّيناه و من معه . . . ٢ ،

و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه . . . فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ حكاية عنه : و تاللّه لا كيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين . فجعلهم جذاذا إلاّ كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون ٤ .

قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : و كلّ واحد من الرسل و الأئمة عليهم السلام كان يقوم بالأمر و لا يردعه عن ذلك قلّة عدد أوليائه ، و لا كثرة عدد أعدائه .

فيقال له : هذا خلاف قولك في الأئمّة المعصومين ، فإنّك تجيز عليهم التقيّة و ترك القيام بالأمر إذا كثرت أعداؤهم ٥ .

قلت : الأئمّة عليهم السلام كالأنبياء صلوات اللّه عليهم كانوا يقومون بدعوة غير الجبابرة ، و أمّا الجبابرة فكانوا قد يقومون بدعوتهم ، و قد يتركونهم على حسب المصلحة و القيام الّذي قال الراوندي أعمّ من الخروج بالسيف ، و إلاّ لخرج أكثر الأنبياء عن ذلك ، و إلاّ فليس في الأنبياء من يكون مصداقا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين لا بن بابويه : ٤ .

( ٢ ) يونس : ٧١ ٧٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٦ ٢٤ .

( ٤ ) الأنبياء : ٥٧ ٥٨ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٢

لقوله عليه السّلام : « لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » مثل إمامنا الثالث أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ، فإنّه قام بالأمر و قال : لو لم يبق لي في الدّنيا ملجأ ما بايعت يزيد ١ . و لقد جاهد عليه السّلام مع اثنين و سبعين نفرا : ثلاثين ألفا ٢ ،

و قال بعد إتمام الحجّة عليهم : ألا و إنّي زاحف بهذه العصابة على قلّة العتاد ،

و خذلة الأصحاب ٣ .

« من سابق سمّي له من » ( من ) للموصول .

« بعده » حتّى يأخذ ذلك النبيّ السابق من أمّته العهد للنبيّ اللاحق ، قال تعالى : و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ٤ ، و إذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّواراة و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٥ ، الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوارة و الإنجيل . . . ٦ .

« أو غابر » أي : باق .

« عرّفه » أي : عرّفه اللّه .

« من قبله » أي : النبيّ الّذي كان قبله ، فيجب على أمّة النبيّ الباقي أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذا المعنى ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ٨٨ ، و أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه : ٨٦ .

( ٢ ) هذا من مشهورات التاريخ تدلّ عليه رواية الطبري في تاريخه ٤ : ٣٥٨ سنة ٦١ و غيرها .

( ٣ ) رواه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٢١٦ ح ٢٧٣ ، و المسعودي في الإثبات : ١٤٢ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ٢٦١ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٣٠٠ ضمن خطبة بفرق يسير .

( ٤ ) آل عمران : ٨١ .

( ٥ ) الصف : ٦ .

( ٦ ) الأعراف : ١٥٧ .

٤٣

يؤمنوا بنبوّة النبيّ الماضي ، فإنّه لا فرق بين أن ينكروا نبوّة نبيّ عصرهم أو نبوّة من كان قبله ، فالكلّ من عند واحد : قل آمنّا باللّه و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و النّبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم و نحن له مسلمون ١ ،

مصدّقا لما بين يديّ . . . ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في تفسير قوله عليه السّلام : « من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله » : كان من ألطاف الأنبياء المتقدّمين و أوصيائهم أن يعرفوا الأنبياء المتأخّرين و أوصياءهم ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك . و كان لطف المتأخّرين و أوصيائهم أن يعرفوا أحوال المتقدّمين من الأنبياء و الأوصياء ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك ، فتمّ اللطف لجميعهم .

قال ابن أبي الحديد : و لقائل أن يقول : لو كان عليه السّلام قال : ( أو غابر عرف من قبله ) لكان هذا التفسير مطابقا ، و لكنّه عليه السلام لم يقل ذلك ، و انّما قال : « عرفه من قبله » و ليس هذا التفسير مطابقة لقوله ( عرفه ) . و الصحيح : أنّ المراد به من نبيّ سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء ، أي : عرّفه اللّه تعالى ذلك ، أو نبيّ غابر نصّ عليه من قبله و بشّر به كبشارة الأنبياء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد توهم أنّ الفاعل في قوله عليه السّلام « عرّفه من قبله » ( من ) مع أنّ الفاعل فيه ضمير ( اللّه ) ، كما في قوله عليه السّلام ( سمّي ) و أمّا المعنى الّذي ذكر قبلا محصّل ، فأيّ معنى لما قاله من أنّ السابق إما عرف من بعده ، و إمّا نصّ على من بعده ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨٤ .

( ٢ ) الصف : ٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٤

و من الغريب أنّ من بعده تبعه على وهمه ، و أنّه لم يتعرّض أحد لدفع تعصباته على الرّاوندي ، و قد عرفت ممّا شرحنا أنّ الفقرتين إشارة إلى الآيات التي قلنا ، و أنّ المراد بالسابق و الغابر أممهما ، . . . و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ١ .

٢

من الخطبة ( ٨٩ ) وَ لَمْ يُخَلِّهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً . « و لم يخلّهم » بالتشديد .

« بعد أن قبضه » أي : آدم .

« ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته » فأرسل إليهم رسولا بعد رسول .

« و يصل بينهم و بين معرفته » . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« بل تعاهدهم بالحجج » . . . فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ .

« على ألسن الخيرة من أنبيائه » ثمّ أرسلنا رسلنا تترى . . . ٤ .

« و متحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا » في ( إثبات المسعودي ) بعد سرد الأنبياء إلى لمك : فلمّا مضى لما قام نوح بأمر اللّه تعالى ، و هو أوّل ذوي العزم من الرّسل و أظهر نبوّته ، و أمره اللّه تعالى بإظهار الدعوة ، فأقبل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ٤٤ .

٤٥

نوح عليه السّلام يدعو قومه ، و الملك في بني راسب و أهل مملكته و عوج بن عناق ، و كان دعاؤه إيّاهم في أوّل أمره سرّا فلم يجيبوه ، فلم يزل يدعوهم تسعمائة و خمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم ، و كان الّذي آمن به العقب من ولد هبة اللّه ، و الّذين كذّبوه العقب من ولد قابيل و عوج بن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم و سلطانهم في الأرض ، و كانوا إذا دعاهم يقولون له : . . . أنؤمن لك و اتّبعك الأرذلون ١ ، يعنون : العقب من ولد شيث ، يعيّرونهم بالفقر و الفاقة ، و أنّه لا مال لهم ، و لا عزّ و لا سلطان في الأرض ، و كانت شريعة نوح التّوحيد و خلع الأنداد ، و الفطرة ، و الصّيام ، و الصلاة ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أن قال في قيام سام بعده فآمن به شيعة نوح ، و أقام ولد قابيل ، و عوج بن عناق على كفرهم و طغيانهم ، و خالف حام و يافث على أخيهما سام و لم يؤمنا به ، و قام بعده أرفخشد بن سام ، فعند ذلك ملك آفريدون ، و هو ذو القرنين ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قومه ، فدعاهم إلى اللّه ، فكذّبوه و جحدوا نبوّته ، ثمّ أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته اللّه مائة عام ، ثمّ أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته ، و ضربوه على قرنه الأيسر . . . و روي أنّ الخضر بن أرفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته ٢ . . .

٣

من الخطبة ( ٩٢ ) منها في وصف الأنبياء :

فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَ أَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ

كَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اَللَّهِ خَلَفٌ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١١١ .

( ٢ ) إثبات الوصيّة : ٢٠ ٢٤ ، و النقل بتقطيع كثير . قول المصنّف : « منها في وصف الأنبياء » هكذا في ( المصرية ) ، و ليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ١ إلاّ كلمة « منها » فلا بدّ أنّ جملة ( في وصف الأنبياء ) كانت حاشية خلطت بالمتن في أصل ( المصرية ) .

٤٦

قوله عليه السّلام « فاستودعهم » الضمير راجع إلى الرّسل .

« في أفضل مستودع » أي : من الأصلاب .

« و أقرّهم في خير مستقرّ » أي : من الأرحام ، قال تعالى : و هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ و مستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ٢ .

« تناسختهم » أي : بدّلتهم .

« كرائم الأصلاب » من صلب إلى صلب .

« إلى مطهّرات الأرحام » من رحم إلى رحم ، روي أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ قوله تعالى : في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال ٣ فقيل له : أيّ بيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ٤ .

قال الصدوق في ( اعتقاداته ) : اعتقادنا في آباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح الخوئي ٣ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، مثل المصرية أيضا ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ ، خال من « منها » .

( ٢ ) الأنعام : ٩٨ .

( ٣ ) النور : ٣٦ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ، و الفرات الكوفي بطريقين في تفسيره : ١٠٣ ، و ابن مردويه عنه الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ١٤٤ ، و المجلسي عن كنز جامع الفوائد و الروضة في بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ٣٢٦ ح ٢ ، ٣ .

٤٧

مسلمون من آدم إلى أبيه عبد اللّه . ثمّ قال : و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أخرجت من نكاح ،

و لم أخرج من سفاح من لدن آدم ١ .

و أمّا ( آزر ) ففي ( الإثبات ) : روي عن العالم عليه السّلام أنّه كان جدّ إبراهيم عليه السّلام لأمّه ، و كان أبو إبراهيم توفّي و هو طفل ، و بقيت أمّه ، فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ إبراهيم عليه السّلام خشبة و أخذ الفأس ، و نجر منها صنما لم يروا مثله قط ، فقال آزر لأمّه : إنّي لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا . فأخذ إبراهيم الفأس فكسر الصنم ، فأنكر ذلك أبوه عليه ، فقال له إبراهيم عليه السّلام : و ما تصنعون به ؟ قال : نعبده . قال إبراهيم عليه السّلام : . . . أتعبدون ما تنحتون بأيديكم ٢ .

« كلّما مضى » أي : مات .

« منهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« سلف قام منهم بدين اللّه خلف » يدعو الناس إلى ربّهم و عبادته ، و في ( الإثبات ) لمّا حضرت وفاة إبراهيم عليه السّلام أمره اللّه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء عليهم السلام إسماعيل ابنه ، فدعاه و أوصى إليه و سلّم إليه جميع ما في يده فقام إسماعيل بالنبوّة و الأمر مقامه ، و لم يزل يدبّر أمر اللّه تعالى ، و هو أوّل من تكلّم بالعربيّة و أبو العرب ، فلمّا حضرت و فاته أوحى إليه أن يستودع الاسم و نور اللّه و حكمته أخاه إسحاق .

و روى أنّه شريكه في الوصيّة ، و تقدمه إسماعيل بالسن إلى أن قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ ، و أخرجه ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ : ق ١ ، ٣١ ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ و معناه روي كثيرا .

( ٢ ) رواه المسعودي في الإثبات : ٢٩ ٣٠ و النقل بتصرف و الآية ٩٥ من سورة الصافات .

( ٣ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ .

٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

إنّ يوسف قال لبني إسرائيل : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، و يفرّج اللّه عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران ، و لن يظهر حتّى يخرج قبله سبعون كذّابا . و روي أنّه كان إذا ولد في بني إسرائيل ولد يسمّى عمران ، ثمّ يأتي لعمران ولد فيسمّى موسى ، يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام ١ .

قلت : هو نظير أنّه لمّا أخبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام بقيام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الملقّب بالمهدي ، تصدّى جمع من الطالبين لذلك ، و تسمّوا بالمهدي ، كالملقّب بالنفس الزّكية ، و غيره .

و قال بعد ذكر شعيب : كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قوم نبيّا حين كبرت سنّه ، فدعاهم إلى التوحيد و الإقرار و الطاعة ، فلم يجيبوه ، فغاب عنهم ما شاء اللّه ، ثمّ عاد إليهم شابّا ، فدعاهم ، فقالوا : ما صدّقناك شيخا فكيف نصدّقك شابّا ؟

فروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث و يكرّره ، و يتمثّل به كثيرا إلى أن قال بعد ذكر موسى عليه السّلام ثمّ يوشع : و خرج يوشع و جمع أولاد بني إسرائيل الّذين ولدوا في التيه معه ، و هم لا يعرفون الجبّارين و لا العمالقة و لا يمتنعون من قتالهم ، و فتح بيت المقدس ، و جميع مدائن الشام حتّى انتهى إلى البلقاء ، فجعلوا يخرجون و يقاتلون ، و لا يقتل منهم أحد . فسأل يوشع عن ذلك ، فقيل له : إنّ في مدينته امرأة كاهنة تدّعي أنّها منجّمة تستقبل الشّمس بفرجها ، ثمّ تحسب و تعرض عليها الخيل و الرجال ، و لا يخرج يومئذ إلى الحرب رجل قد حضر أجله . فصلّى يوشع عليه السّلام ركعتين ، و دعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه ، و أخّرت الشمس ، فخرجت فاختلط عليها حسابها ، فقالت لباق ( يعني ملكهم ) : انظر ما يعرض عليك يوشع ، فاعطه ، فإنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصية : ٣٤ ٣٩ و النقل بتقطيع كثير .

٤٩

حسابي قد اختلط عليّ ١ .

٤

من الخطبة ( ١٤٢ ) و من كلام له عليه السّلام :

بَعَثَ اَللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلاَّ تَجِبَ اَلْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ اَلصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ أَلاَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ اَلْخَلْقَ كَشْفَةً لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَيَكُونَ اَلثَّوَابُ جَزَاءً وَ اَلْعِقَابُ بَوَاءً . قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصريّة ) ، و الصواب :

( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

قوله عليه السّلام : « بعث اللّه رسله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بعث رسله ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« بما خصّهم به من وحيه » من آدم إلى الخاتم ، قال تعالى : إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيّين من بعده و أوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و عيسى و أيّوب و يونس و هارون و سليمان و آتينا داود زبورا ٤ .

« و جعلهم حجّة له على خلقه » و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ٤٠ ٥١ و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، لكن يوجد لفظ « اللّه » في شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦ .

( ٤ ) النساء : ١٦٣ .

٥٠

فجاؤهم بالبيّنات . . . ١ .

« لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم » قال تعالى : . . . و إن من أمّة إلاّ خلا فيها نذير ٢ ، و رسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلّم اللّه موسى تكليما . رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٣ .

« فدعاهم » أي : اللّه .

« بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ » . . . و أنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه . . . ٤ ، لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط . . . ٥ .

« ألا إنّ اللّه كشف الخلق كشفة » ببعث الرّسل فيهم حتّى يظهر أمرهم للعالم .

« لا أنّه » تعالى .

« جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ، و مكنون ضمائرهم » فعلمه ببعث رسله ، . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنّة في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى ٦ .

« و لكن » بعث رسله .

« ليبلوهم » أي : يمتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الروم : ٤٧ .

( ٢ ) فاطر : ٢٤ .

( ٣ ) النساء : ١٦٤ ١٦٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٥ ) الحديد : ٢٥ .

( ٦ ) النجم : ٣٢ .

٥١

« أيّهم أحسن عملا فيكون الثّواب » أي : الجزاء الحسن لمن آمن و أطاع .

« جزاء » لعمله : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ١ .

« و العقاب » و هو ما يعقّبه العمل السّوء .

« بواء » أي : مطابقا مساويا لعمله ، قالت ليلى الأخيلية في مقتل توبة :

فإن تكن القتلى بواء فإنّكم

فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

٢ قال تعالى : . . . ليجزي الّذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى ٣ .

٥

من الخطبة ( ١٨١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ٦٥ : ٣ وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٦٠

( ٢ ) لسان العرب ١ : ٣٧ مادة ( بوء ) .

( ٣ ) النجم : ٣١ .

٥٢

« الحمد للّه المعروف من غير رؤية » قال فمن ربّكما يا موسى . قال ربّنا الّذي أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدى ١ .

« الخالق من غير منصبة » أي : مشقّة و تعب ، قال تعالى : و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستّة أيّام و ما مسّنا من لغوب ٢ .

هذا ، و في الخطبة ( ٨٨ ) : « الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة » ٣ ، و كلّ منهما صحيح ، فيخلق عزّ و جلّ بدون تفكّر ، كما يخلق بدون تعب ، بخلاف البشر : فلا يعمل شيئا إلاّ بتفكّر و رويّة ، و يحصل له التّعب و المنصبة .

« خلق الخلائق بقدرته » إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٤ .

« و استعبد الأرباب بعزّته » إن كلّ من في السماوات و الأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا ٥ .

« و ساد العظماء بجوده » . . . و يؤت كلّ ذي فضل فضله . . . ٦ .

« و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه » بعد هبوط آدم من الجنّة : . . . و لكم في الأرض مستقرّ و متاع إلى حين ٧ .

« و بعث إلى الجنّ و الأنس رسله » يا معشر الجنّ و الأنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذورنكم لقاء يومكم هذا قالوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٤٩ ٥٠ .

( ٢ ) ق : ٣٨ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١٥٨ .

( ٤ ) القمر : ٤٩ .

( ٥ ) مريم : ٩٣ .

( ٦ ) هود : ٣ .

( ٧ ) البقرة : ٣٦ .

٥٣

شهدنا على أنفسنا . . . ١ .

« ليكشفوا لهم عن غطائها » أي : حجابها .

« و ليحذّروهم من ضرّائها » كما حكى عزّ و جلّ عن نوح عليه السّلام في قوله لقومه : و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا . ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا ٢ ، و عن صالح عليه السّلام في قوله لقومه : أ تتركون في ما ههنا آمنين .

في جنّات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ٣ .

« و ليضربوا لهم أمثالهم » كقوله تعالى على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون . إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و أزّينت و ظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون ٤ ، و اضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح . . ٥ ، مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ٦ ، مثلهم كمثل الّذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم و تركهم في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٣٠ .

( ٢ ) نوح : ١٧ ١٨ .

( ٣ ) الشعراء : ١٤٦ ١٤٩ .

( ٤ ) يونس : ٢٣ ٢٤ .

( ٥ ) الكهف : ٤٥ .

( ٦ ) العنكبوت : ٤١ .

٥٤

ظلمات لا يبصرون . صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد و برق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت و اللّه محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمّا أضاء لهم مشوافيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللّه لذهب بسمعهم و أبصارهم إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير ١ ، ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتا هما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب اللّه مثلا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين ٢ .

« و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و ليبصّروهم عيوبها و حلالها و حرامها » هكذا في ( المصرية ) ، و قد وقع فيها تقديم و تأخير ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٣ : « و ليبصّروهم عيوبها ،

و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و حلالها و حرامها » ،

فيعلم أنّ النهج كان كذلك ، لكن لا يبعد وقوع تصحيف فيه ، فإنّ عطف ( و حلالها و حرامها ) على ( مصاحّها و أسقامها ) كما فهمه ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٤ خلاف البلاغة ، و مشتمل على التكلّف .

و الظاهر كون ( و حلالها و حرامها ) محرّف ( و حياتها و حمامها ) لقربهما لفظا و خطّا ، و عليه فالمعنى في كمال المناسبة ، و يكون المراد أنّ أسباب العبر ،

و إن كانت في الدّنيا كثيرة ، إلاّ أنّ أهل الدّنيا لحرصهم عليها ، و حبّهم لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧ ٢٠ .

( ٢ ) التحريم : ١٠ ١١ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٠ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية .

( ٤ ) يظهر هذا من شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٧ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٢ .

٥٥

غافلون عنها ، كما قال عليه السّلام في موضع آخر : « ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار » ١ ،

فبعث اللّه رسله ليبصّروهم عيوب الدّنيا ، و ينبّوهم على كثرة العبر في و قائعها حتّى كأنّ العبر هاجمة عليهم .

« و ما أعدّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و ما أعدّ اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٢ ، ثمّ إن ابن أبي الحديد احتمل كونه عطفا على ( عيوبها ) ، و هو باطل ، فكيف أمكن ذلك مع فصل ( و ليهجموا ) بينهما ، و لعلّه جعله من قبيل قول أهل نحلته في قوله تعالى :

و أرجلكم بعطفه على وجوهكم مع فصل و امسحوا ٣ بينهما تصحيحا لمذهبهم السخيف مع أنّه خلاف تكلّم العقلاء . و من الغريب أنّ الخوئي ٤ تبعه في احتماله .

« للمطيعين منهم و العصاة » منهم .

« من جنّة » للمطيعين .

« و نار » للعاصين .

« و كرامة » للأوّلين .

« و هوان » للآخرين ، قال تعالى : . . . و من يطع اللّه و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ٥ ، . . . و من يعص اللّه و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٧٢ الحكمة ( ٢٩٧ ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية ، و لفظ شرح الخوئي ٥ : ١١٠ « و ما أعدّ سبحانه » .

( ٣ ) انظر قوله تعالى : . . . فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين . . . المائدة : ٦ .

٤ ) شرح الخوئي ٥ : ١١١ .

( ٥ ) الأحزاب : ٧١ .

( ٦ ) الأحزاب : ٣٦ .

٥٦

هذا ، و في ( تجريد المحقق الطوسي رحمه اللّه ) في فوائد بعثة الأنبياء :

كمعاضدة العقل في ما يدلّ عليه ، و استفادة الحكم في ما لا يدلّ ، و إزالة الخوف ، و استفادة الحسن و القبح ، و المنافع و المضارّ ، و حفظ النوع الانساني ،

و تكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة ، و تعليمهم الصنائع الخفية ،

و الأخلاق و السياسات ، و الأخبار بالعقاب و الثواب ١ .

« أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه » رجع عليه السّلام إلى أوّل كلامه في حمده تعالى ، و إنّما ذكر عليه السّلام فوائد بعثة الرّسل لأنّها أيضا من موجبات حمده .

« و جعل لكلّ شي‏ء قدرا » أي : مقدارا معيّنا ، قال تعالى : إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٢ ، و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنّاه في الأرض و إنّا على ذهاب به لقادرون ٣ ، و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء إنّه خبير بصير ٤ ، و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ٥ ، اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كلّ شي‏ء عنده بمقدار ٦ .

« و لكلّ قدر أجلا » . . . ثمّ قضى أجلا و أجل مسمّى عنده . . . ٧ .

« و لكلّ أجل كتابا » و كلّ شي‏ء أحصيناه كتابا ٨ ، و ما كان لنفس أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧١ .

( ٢ ) القمر : ٤٩ .

( ٣ ) المؤمنون : ١٨ .

( ٤ ) الشورى : ٢٧ .

( ٥ ) الحجر : ٢١ .

( ٦ ) الرعد : ٨ .

( ٧ ) الأنعام : ٢ .

( ٨ ) النبأ : ٢٩ .

٥٧

تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا . . . ١ .

٦

من الخطبة ( ١٩٠ ) فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا أَقْوَاماً مُسْتَضْعَفِينَ وَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ .

فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوَاضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ . نُسارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ٢٣ : ٥٥ ٥٦ ٢ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ ؟ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ؟ وَ مَعَهُ أَخُوهُ ؟ هَارُونُ ع ؟ عَلَى ؟ فِرْعَوْنَ ؟ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرُطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

٥٨

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طَيْرَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرْضِ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلَيْنَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى .

وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تَمْتَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ . « فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه » لأن الكبر يكون عن كونه ذا كمال ، و لا كمال أكمل من كمالهم ، و أمّا أهل الدّنيا فناقصون من جهات ، و إن كان فيهم بعض الكمالات .

« و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر » مع مقامهم ذاك ، و قربهم من مالك السماوات و الأرض ، و في الخبر مرّت امرأة بذية بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت له : إنّك تجلس جلسة العبيد . فقال : أيّ عبد أعبد منّي ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الأهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي

٥٩

« و رضي لهم التّواضع » في الخبر أنّه أتى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ملك لم يطأ الأرض قط ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول : إنّ هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فان شئت فكن نبيّا عبدا و إن شئت فكن نبيّا ملكا . فأشار إليه جبرئيل بالتواضع ، فقال : بل أكون نبيّا عبدا ١ .

و في ( الكافي ) عن عيسى عليه السّلام ، قال للحواريين : لي إليكم حاجة ، اقضوها لي . قالوا : قضيت حاجتك ، يا روح اللّه . فقام فقبّل عيسى عليه السّلام أقدامهم ، فقالوا : كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه . فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم ، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم . ثمّ قال عليه السّلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ٢ .

« فالصقوا بالأرض خدودهم » في السجود له تعالى ، و عن الصادق عليه السّلام :

أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : يا موسى بن عمران أتدري لم اصطفيتك لوحيي و كلامي دون خلقي ؟ فقال : لا علم لي يا ربّ . فقال : يا موسى إنّي إطّلعت إلى خلقي اطّلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك . . . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٣ .

« و عفّروا » أي : مرّغوا .

« في التّراب وجوههم » و هي أشرف أعضاء جسدهم .

في مكارم الأخلاق : ١٦ ، و النقل بالتلخيص .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٢ ح ٥ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ٢٠٠ ، و الطبرسي بطريقين في مشكاة الأنوار : ٢٢٤ ٢٢٥ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ ، و في بعض نسخ الكافي « فغسّل أقدامهم » .

( ٣ ) أخرجه الصدوق بروايتين في علل الشرائع : ٥٦ ح ١ و ٢ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ المجلس ٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

البروجردي ».

كانت هذهِ خلاصة ما نشر من لقاء الدكتور چهرازي مع السيد البروجردي.

٤٠١

القمار واضراره

الدكتور : ايها العمّ ، لا ننسىٰ ان القتل الذي حدث في القطار لم يكن سببه الوحيد المشروب ، بل كان للقمار ايضاً دوراً فيه. لذلك سنكون ممتنين لك لو حدثتنا عن القمار ومفاسده ايضاً.

الشيخ : القمار من المواضيع الواضح ضررها ومفاسدها علىٰ جميع الناس ، وقد قامت بعض الدول بمنعها تماماً. اما تلك الاضرار فهي كالتالي :

1 ـ الاضرار الاقتصادية :

يمكن ان يوجه القمار اكبر ضربة اقتصادية للشخص ، لانه كثيراً ما يحدث ان شخصاً يقوم بجمع ثروة علىٰ مدىٰ العمر من خلال النشاط والتعب. لكنه يفقدها خلال ليلة او ليالي متوالية في لعب القمار ، ويعود الىٰ بيته بيد خاوية إلّا من الندم.

فالمقامر المسكين وبعد اول لعبه يتصور انه سيربح في الدور الآخر وهكذا يلقي بنفسه في التهلكة ويبدأ باللعب. فلو ربح يسوقه طمعه الىٰ لعب اكثر وإذا خسر يحاول جبران ما فقده في الادوار التالية ، وهكذا يتورط في اللعبة للحد الذي يصبح من روادها الدائمين ، فأما ان يفقد ثروته ويتحول الىٰ فقير في ليلة واحدة او ليالي قليلة ، او انه يصبح من اولئك الذين يفرغون

٤٠٢

جيوب الآخرين ويحولون حياتهم الىٰ شقاء وتعاسة.

2 ـ الاضرار الاخلاقية ؟

يُعد القمار من آفات الاخلاق والفضائل النفسانية ، والقمار يسبب لصاحبه ( المقامر ) السهر وعدم النوم ( خاصة اذا كان المقامر خاسراً ) ، وتسلب الراحة من حياته ، ويكون عصبياً علىٰ الدواء وسيء الخلق ، وبشكل دائم يفكر بحلّ يعوض فيه ما فقده ، لذلك يصبح حساساً ، ولا يستطيع السيطرة علىٰ اعصابه ، يثور لأبسط شيء ، لهذا يشاهد المقامرون في حالة تفكير وقلق علىٰ الدوام ، تخلو وجوههم من اي نشاط وبسمة ، كما ان المقامرين غالباً ما يصابون بأمراض من قبيل : البخل والحسد والعصبية والتشاؤم والانكسار النفسي.

3 ـ تأثيرات القمار السيئة علىٰ الاسرة :

طبيعي ان المقامر الذي يصاب بانحرافات اخلاقية وبسبب السهر وعدم النوم والتفكير سيصاب بضعف عصبي ، وسيثور مقابل اقل تحريك او حادث وسيكون سيء الظن بالجميع.

ويديهي جداً ان اول من سيواجه هذه الحالة في المقامر هم اعضاء اسرته المسكينة من الزوجة والابناء ، وتكون تلك الاسرة المنكوبة والشقية مضطرة لمعاشرة انسان سيء الخلق عبوس عصبي المزاج ، لذلك كثيراً ما يحدث ان

٤٠٣

تنتهي مشاجرات بسيطة في مثل تلك الاسر الىٰ الطلاق والتشتت.

4 ـ القمار سبب في الجريمة

كثيراً ما يحدث ان يفقد شخصاً كل اتعاب حياته في ساعات معدودات من لعب القمار ، خاصة اذا كان شخصاً محترماً ووجيهاً ، فانه سيفكر بعدم استطاعته دخول مجال النشاط الاقتصادي والكسب بيد خاوية ، لانه فقد بهذه الاعمال الاثيمة ثروته وحيثياته الاجتماعية ، وسوف لن يجد طريقاً امامه إلّا الانتحار. وبتصوره انه سينجو من جميع تلك الآلام والافكار بهذا العمل.

فأحد الارجنتينيين فقد في مدة 16 ساعة جميع ثروته البالغة اربعة ملايين دولار ، وبعد ان اغلقت ابواب النادي ، اتجه مباشرة الىٰ احدىٰ الغابات وافرغ في رأسه طلقة من مسدسه.(1)

وتذكر احدىٰ المجلات الاسبوعية : « ان معدلات الانتحار بسبب القمار في تزايد مستمر ، ومن خلال احصائية نشرتها مؤسسة غالوب ، يتّضح أنه في سنة 1961 سُجل اعلىٰ معدل لانتحار المقامرين ، ففي باريس انتحر اثنا عشر مقامراً في السنة الماضية(2) .

وكثيرة مثل هذه الجرائم التي تنتج بسبب القمار ، فضلاً عن التشاجر

__________________

(1) مجلة المثقف 3 / 1 / 1362.

(2) مجلة المثقف ، العدد 7 سنة 1363.

٤٠٤

والتقاتل بالسكاكين الذي يحدث خلال العب ، لان تقابل مقامرين سيئي الخلق وحساسين يجعلهما مثل المادة المتفجرة مهيئين في كل لحظة للانفجار ويكفي لذلك شرارة بسيطة تنطلق من احد الطرفين. وهذا الخبر هو نموذج لمثل تلك الجرائم :

احد المقامرين الذين وجه لمقامر آخر ثلاث طعنات بالسكين في خاصرته ، اردته قتيلاً ، قال عند استجوابه من قبل الشرطة : « لقد غلبني اموال كثيرة في اللعب ، ولم يكن مستعداً ان يستمر في اللعب معي ، ورغم اصراري لم يقبل واراد ان يهرب ، فتبعته و ».

وفي بعض الاحيان يكون القمار لوحده سبباً في موت المقامر ، للتبعات السيئة التي يتركها ، وفي هذا الصدد ، استمعوا الىٰ هذا الخبر.

« توصل احد الاطباء الامريكيين بعد سنوات من الابحاث الىٰ هذه النتيجة ، وهي انه في امريكا يموت سنوياً اكثر من الفي شخص بسبب القمار ، واثبت الطبيب ان ضربات قلب المقامر ترتفع بشدّة اثناء اللعب ، وان قلب مقامر ماهر تزيد ضرباته علىٰ المائة في الدقيقة ، وهذا النبض غير الطبيعي يجعل المقامرين يموتون وهم خلف منضدة اللعب ، او انهم يهرمون قبل سنّ الهرم بعشرة او خمسة عشر سنة ».

5 ـ الاضرار الاقتصادية للقمار

القمار يوقف العجلة الاقتصادية لملجتمع ، وتعلل في النشاطات الانتاجية ، لأن المقامر يصر كل فكره في كيفية قضاء الوقت بهذه اللعبة

٤٠٥

واكتساب المهارة التامة فيها. ولانه يتصور انه سيربح في غضون ساعة ما يكفيه كل العمر ! ولهذا فقليلاً ما يفكر بالانتاج والتجارة والعمل.

وحتىٰ لو فكر بتلك الامور فلن يستطيع العمل كأي انسان عادي وذلك بسبب تأثير تلك الحالة السيئة التي تسيطر علىٰ كل عقله. وهذا من اكبر الاضرار التي يأتي بها القمار للمجتمع.

6 ـ تأثير القمار علىٰ شرف الانسان وناموسه

لربما يصل الامر بالمقامر ، بعد ان يفقد جميع ثروته ، ان يراهن علىٰ زوجته وابناءه وبناته.

اعتراض من قبل الجميع : ايّها الشيخ ! ما الذي تقوله. اي انسان عاقل وغيور يراهن علىٰ زوجته وابنائه وبناته ويغامر بهم ؟! فهذا العمل لم يحدث حتىٰ في القرون الوسطىٰ وبين المتوحشين.

الشيخ : لا تجهدوا انفسكم وتذهبوا بعيداً الىٰ القرون الوسطىٰ ، لان هذا الامر يحدث في عالمنا المتحضر ، العصر الذهبي ! وفي اكثر البلدان تحضراً علىٰ الكرة الارضية ، التي ما ان يسمع بها بعض مغفّلينا حتىٰ يسيل لعابهم عليها.

نعم في امريكا ، حدث ذلك وقد نقلته احدىٰ الصحف المهمة في اخبارها الخارجية ، واليكم خلاصة ما ذكرته الصحيفة : « في المكسيك كان احد الاثرياء يلعب القمار مع صديق له لكنه كان يخسر علىٰ الدوام ، حتىٰ

٤٠٦

خسر ثروته وبيته وسيارته ، وكل ما يملك دفعة واحدة.

ومع ذلك لم ييأس فبقي يلعب ولكن هذه المرّة كان الرهان زوجته ، لكنه هذه المرّة ايضاً خسر. فألتفت وبدون اي خجل الىٰ زوجته وقال لها : اصبحت الآن ملك هذا الرجل لانني فقدتك في القمار معه. لكن المرأة المسكينة امتنعت عن ذلك ، لكن زوجها كان مصرّاً علىٰ دفعها الىٰ الرجل ، وكلما زاد اصراره زادت مقاومة المرأة ايضاً ، الىٰ ان هجم عليها واخذ في ضربها بقسوة. مما اضطرت الشرطة الىٰ التدخل ونقل المرأة الىٰ المستشفىٰ لعلاج الجراحات التي اصابتها علىٰ يد زوجها »(1) .

وتقول احدىٰ المجلات الاسبوعية : من اقبح اعمال المقامرين في النوادي الخاصة ـ حيث يشاهد فيها رجال ونساء اوروبا المتحضرين ـ هو انهم يقامرون علىٰ نسائهم ، وقد شوهدت نماذج عديدة من ذلك بين المقامرين من الداخل والخارج ، كما ان اغلب هذه الرهانات تنتهي بالانتحار(2) .

سعادة الدكتور ! هذه نماذج من السلوكيات الوحشية والمنحطة لعصر الذرة ودنيا الحضارة الجديدة ، ولم يشاهد لها مثل إلّا في عصر الجاهلية اي قبل الف واربعمائة عام وفي مورد واحد فقط ، لان التاريخ ينقل لنا : قبل اشراقة شمس الاسلام ، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي يوماً في سوق مكة ، فرأىٰ رجلين يلعبان القمار ، وشاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان احدهما فقد جميع ثروته ، فراهن علىٰ غلمان وجواريه ، وخسرها ايضاً ، حتىٰ وصل الامر به أن يراهن علىٰ ان

________________

(1) مجلة اطلاعات الاسبوعية ، العدد 1060.

(2) المصدر نفسه.

٤٠٧

يستعبد لفترة عشر سنوات ، وخسر ايضاً !

فتأثر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك كثيراً وخرج مباشرة الىٰ خارج مكة ، فتوجه بالدعاء الىٰ الله : اللّهمَّ عجّل بعثتي وأمرني بهداية هذه الاُمة ، حتىٰ اخرجهم واخلصهم من هذه الحياة المهينة ، وهذا الوضع المنحط ، وهذه الرذائل الاخلاقية.

هذه القصة حدثت قبل خمسة عشر قرناً ، وبعد اهل الجاهلية ، كررها علىٰ ابشع صورها اهل عصرنا ، عصر الحضارة والمدنية الاوروبية والامريكية ، وتبعهم في ذلك بعض ممن يُسمون بالمسلمين والاسوء من كل ذلك ، هو ان الكثير من الاعمال التي كانت تعتبر قبيحة وسيئة حتىٰ في العصر الجاهلي المظلم آنذاك ، اصبحت اليوم من علامات الحضارة والمدنية الغربية الحالية !!

الىٰ هنا ، اوضحت لكم جوانب عديدة من مضار القمار ، لكن الذي يؤسف له هو شيوع هذا العمل السيء في بلادنا بكامل الحرية ، فالعديد من ابناء شعبنا يمارسون هذه اللعبة في النوادي الليلة واماكن القمار ، خاصة طبقة الكبار والاشراف الاثرياء ، ولا يعلم إلّا الله حجم الخسائر الارباح التي يفقدها او يكسبها رجال الطراز الاول في الدول والاثرياء في النوادي والفنادق الكبرىٰ والخاصة ، واتصور انني قرأت في احدىٰ المجلات قبل ثمان سنوات ، انه في مصيف آب علي لوحده يتداول مبلغ 14 مليون تومان سنوياً بين الخاسرين والرابحين ، وجاء أيضاً في تلك المجلة انه في ليلة واحدة خسرت احدىٰ النساء الثريّات مبلغ 16 الف تومان من مالها الحلال !

٤٠٨

وجاء في احصائية نشرت قبل ثمان سنوات أيضاً وجود خمسمائة محل قمار في طهران وحدها يرتادها الاشراف والاثرياء ورجال الدولة في الغالب.

القمار من منظار قوانين العالم والبلاد

اغلب دول العالم منعت لعب القمار نظراً لمضاره ومفاسده العديدة ، علىٰ الرغم من ان تلك القوانين لها طابع رسمي وتشريفاتي ، ففي بريطانيا منع القمار منذ سنة 1853 ، وفي امريكا سنة 1855 ، وفي روسيا سنة 1854 ، وفي المانيا سنة 1852 ، والقوانين الايرانية ايضاً تمنع ادارة دور القمار بشكل او بآخر ، وبعض الاحيان أيضاً يتم القاء القبض علىٰ بعض المقامرين ، ولكن يجب الاعتراف وللأسف الشديد انه يتم القاء القبض علىٰ مقامري الارصفة الذين يتراهنون علىٰ خمسة وعشرة ريالات ! فهؤلاء يجب ان تلقي عليهم الشرطة القبض ، في حين ان كبار المقامرين الذين يمارسون اللعبة بمبالغ طائلة وفي افخم الفنادق والنوادي الليلية لا احد يستطيع مطاردتهم او مجرد التعرض لهم والاستفسار منهم.

٤٠٩

الصحافة

وعندما وصل الحديث الىٰ هنا ، فتح باب الغرفة فجأة ودخل بائع الصحف وهو يحمل مجموعة من الصحف والمجلات ، وينادي بصوته الجهوري وبلحن خاص : صحف مجلّات اسبوعية شهرية

التفت الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : تسمح بشراء مجلة ؟ فأجابه الشيخ بحزم : لا.

فأنصرف الدكتور من شراء مجلة لمعارضة الشيخ ، اما بائع الصحف فقد ترك الغرفة هو غير راضٍ.

حسن الطالب الجامعي : ايّها الشيخ تعتبر الصحافة الدعامة الرابعة للديمقراطية ، وهدفها مستوىٰ الوعي عند الشعب ، فلماذا تعارضها ؟!

الشيخ : كان من الافضل للديمقراطية(1) ان لا يكون لها اكثر من ثلاثة دعامات ( نظراً للحالة التي عليها بلدنا ). لانه وعلىٰ الرغم من جيمع هذه الصحف والمجلات التي تصدر في بلادنا ـ بأستثناء عدد قليل منها ـ لم تأتي بنتيجة سوىٰ فساد الاخلاق ، وتعليم شبابنا وشاباتنا الرذيلة ، فأغلب صحفنا

________________

(1) ذكر المؤلف في النص بدل كلمة الديمقراطية ، كلمة المشروطة وهو تعبير عن الملكية الدستورية ، وقد انتشر هذا المصطلح بعد ثورة الدستور التي قامت في ايران سنة 1906 م. ( المترجم )

٤١٠

ومجلاتنا اليوم خصّصت أفضل صفحاتها لراقصات وفنانات هوليود(1) ، واكثر مسؤولي الصحف والمجلات في البلاد يرتزقون من عرض سيقان وعيون وصدور ، وبشكل عام مفاتن النساء الساقطات ونجوم السينما ، ممّا قلّل الحياء والعفّة والفضيلة في المجتمع.

ان صفحات الصحف والمجلات مليئة بمقالات تدعو للأباحية وقصص شهوانية وتعليمات جنسية للشباب والشابات ، والتعريف بملكات الجمال ، وصور عارية او نصف عارية ودعوات للشباب بالحرية المطلقة ونبذ ما يسمىٰ بالحياء والعفّة !

لقد نشرت احدىٰ الصحف الكبرىٰ في البلاد(2) مسابقة وطلبت من القراء المشاركة في الحلّ ، وكان موضوع المسابقة ، ان امرأة متزوجة ولها اطفال عشقت شاباً آخراً ، فما هو الحلّ المقترح لمشكلتها ؟!

ومن بين الاجوبة التي وصلت من قراء الصحيفة ، كتب احدهم حلّا بعنوان « حافظي علىٰ كلاهما » ، ويقترح عليها البقاء مع زوجها من جهة والحفاظ علىٰ علاقة غير شرعية مع عشيقها ! وبمنتهىٰ الوقاحة نشرت الصحيفة ذلك الجواب بين الاجوبة التي وصلتها.

اجل هذا هو معنى توجيه الرأي العام الذي تتبناه صحافتنا.

________________

(1) Hollywood مدينة صغيرة في ولاية كاليفورنيا في جنوب غربي امريكا ، وهي من اهم مراكز الانتاج السينمائي في العالم.

(2) صحيفة كيهان.

٤١١

اصدقائي الاعزاء !

للأسف الشديد ليس في هذا البلد يد قوية تنتقم من اصحاب الاقلام الخونة والعملاء علىٰ ما يقومون به من افساد لأفكار واخلاق المجتمع.

والصحف والمجلات التي اغلبها ترتزق من خزانة الحكومة وجيوب المسؤولين والناشرين تقوم بنشر سياستهم ومقاصدهم ، وهذه الصور الفاضحة التي تنشر في صحافتنا ما هي إلّا افيون لتخدير الناس واغفالهم عما يقوم به اصحاب السلطة والمال من جرائم ومفاسد.

الصحافة وقوانين الدولة

العقيد : من اجل الحيلولة دون حدوث مثل تلك المفاسد وضعت الدولة وضمن قانون الصحافة عقوبات شديدة علىٰ انحرافات المجلات والصحف الاخلاقية.

الشيخ : لا يوجد في قانون الصحافة سوىٰ مادتين لمعاقبة المقالات المنافية للعفة والاخلاق العامة ، وهاتان المادتان ، هما :

الاُولى : المادة 19 من قانون الصحافة ، تقول : « يحكم بغرامة من الف ريال الىٰ عشرة آلاف ريال علىٰ الجرائم التالية :

أ ـ نشر مقالات مضرّة بالعفّة العامة والاخلاق الحسنة.

ب ـ نشر صور سيئة.

ج ـ نشر اعلانات او صور تخالف الاخلاق الحسنة والآداب والتقاليد

٤١٢

القومية.(1)

الثانية : المادة الثانية من قانون عقوبات الصحافة : « المادة 38 من قانون الصحافة » : يمكن ايقاف الصحيفة التي تنش مقالات تضر بالعفّة العامة او صور سيئة منافية للعفّة ، قبل صدور حكم من قبل المحكمة(2) .

كما ان هناك مادة ثالثة ، هي ضمن قانون العقوبات العام والخاصة بالاخلاق والعفّة العامة ، لكنه يمكن الاستفادة منها في الصحافة ، وقد جاء فيها ـ وهي المادة 211 من قانون العقوبات :

« يحكم علىٰ الاشخاص التالين بالسجن التأديبي من ستّة اشهر الىٰ ثلاث سنوات وبدفع غرامة من 250 ريال الىٰ5000 ريال :

الاشخاص الذين يسهلون افساد الاخلاق الشباب الذين يقل عمرهم عن 18 سنة سواءً كانوا ذكوراً أم اناث(3) .

سيادة العقيد ! هذه المواد القانونية الثلاث هي قمّة الضغط الذي توجهه الدولة علىٰ مديري الصحف والمجلات فيما لو نشروا مقالات او صور منافية للعفّة والاخلاق ، لكنه ليس هناك من يسأل هؤلاء المشرعين المهمتين جداً بالعفّة والاخلاق ! هل ان اخلاق وعفة شعب هذا البلد لا تساوي قيمتها عندكم اكثر من مئة تومان ؟! وهل ان جزاء من يعتدي علىٰ عفّة شباب وشابات هذا البلد ، هو دفع مئة تومان فقط ؟! ومن هنا يمكن معرفة قيمة العفّة والاخلاق

________________

(1) كتاب قوانين العقوبات.

(2) م. ن.

(3) م. ن.

٤١٣

العامة عند مشرعي قوانين هذا البلد.

نعم ، لو كانت العفّة والاخلاق تساوي عند حكام هذه البلاد اكثر من مئة تومان ، لما بلغت الصحافة هذه الدرجة من الحرية والوقاحة التهتّك ، ولما اصبحت بعض الصحف والمجلات دور نشر للفساد والرذيلة بين شبابنا وشاباتنا ، ولما تطاوت في ترغيب النساء والمتزوجات علىٰ اقامة علاقات غير شرعية مع الشباب المستهتر.

ان الاساليب المنحطة التي تتبعها صحافتنا تذكرنا بقول الدكتور الكسيس كارل ، حيث يقول في بحث له :

« لقد جعل انتشار الصحف ودور السينما والاذاعات المستوىٰ الفكري في ادنىٰ مراتبه »(1) .

سيادة العقيد ! وبغض النظر عن كل ذلك ، نقول : لماذا لا تطبق الدولة هذه المواد القانونية الناقصة التي ذكرناها ايضاً بحق بعض مديري ورؤساء تحرير الصحف الخونة ، والجواب واضح فإنَّ الدولة تتصور أنه في حال تطبيق هذه القوانين الناقصة ، فإنَّ عليها اغلاق جميع الصحف والمجلات ، باستثناء عدد قليل منها ، ( مع ان المسبب الرئيس في ايجاد مثل هذا الوضع هو الدولة نفسها ).

لانه ، أية مجلة او صحيفة تنشر مقالاً او قصة منافية للأخلاق والعفّة ؟! واية نشرة تصدر في هذا البلد ولا تجد علىٰ صفحاتها صور قبيحة ( علىٰ حد

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٤١٤

قولهم ) او صور خلاعية فاضحة ؟ واية صحيفة او مجلة تخلو من دعوات مجون او تعليمات جنسية للشباب ( ذكوراً واناث ) ؟!

هل يلام الشعب علىٰ ما تفعله الصحافة

الدكتور : ارىٰ ان الناس يتحمّلون لحدّ ما ما تقوم به الصحافة من تصرفات.

الشيخ : صحيح ، فهذا شيء لا يمكن انكاره ، لان صحافة كل بلد هي المعبّر عن افكار شعبه ، فلو كان الناس غير راغبين بتلك المقالات الفاضحة والصور الخليعة والمهيّجة ، لما عملت الصحافة بهذا الانفلات غير المحدود.

ففي بلدنا تجد المجلة او الصحيفة التي تتفنن في عرض اجساد ومفاتن النساء الفاحشات ، والراقصات ونجوم السينما ، هي المجلة او الصحيفة الاكثر مبيعاً من غيرها ، علىٰ العكس من الصحف والمجلات الدينية التي ينحصر قراءها بأقلية من الناس.

يذكر احد علماء طهران : كانت هناك صحيفة اسبوعية تصدر في طهران ، وكان صحيفة وقورة وعلمية ومفيدة ، وفي احد الاسابيع رأيت علىٰ الصفحة الاولىٰ منها صورة لاحدىٰ نجمات هوليود ودون اية مناسبة ، فأتصلت هاتفياً برئيس تحريرها وقلت له ان صحيفتكم كانت لها حالة خاصة ومكانة علمية ، لكنها في هذا العدد غيّرت مسارها ، واصبحت تضع علىٰ صفحتها الاولىٰ صور الراقصات وفواحش اوروبا وامريكا ، فأجابني رئيس التحرير : ما العمل يا

٤١٥

سيدي ! لقد اجبرنا الناس علىٰ الانحراف ! لاننا بعنا من هذا العدد وبسبب الصورة التي نشرناها ، اضعاف الاسابيع الماضية ، وقد تلاقفها الناس من البائعين.

اجل يا سعادة الدكتور ! لا يمكن انكار هذه الحقيقة ، وهي ان قسم كبير من التقصير والذنب في هذا المجال يقع علىٰ عاتق فئة غير ملتزمة من الشعب ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ، ان المجلات والصحف ليست مسؤولة عن تنفيذ كل ما يريده القراء ، ذلك لان الصحافة وكما قلتم الدعامة الاساسية للديمقراطية ، وهي مسؤولة عن ارشاد الناس وتوجيه افكارهم ، فلو فرضنا حدوث انحراف اخلاقي عند الشعب ، فيجب علىٰ قادتهم الفكريين ان يصححوا هذا الاعوجاج ويقوّموا هذا الانحراف بكل طاقاتهم وقدراتهم.

والأهم من كل ذلك ، هو ان الذنب في ذلك يقع علىٰ الحكومة ، لانه لو كانت هناك متابعة ومحاسبة لما اجازت الدولة للصحافة العمل علىٰ هواها دون قيد او رادع ، لكن حقيقة الامر هو ان الدولة فسحت لهم المجال ( كما هو الحال في السينما وسائر وسائل الاعلام ) لنشر هدة الفضائح والصور والكلمات اللاخلاقية ، لان الهدف ، من جهة ، هو اغفال القوىٰ الشابة من خلال افسادها عما يحدث في البلد والمجتمع من نهب وفساد ، ولكي لا يشخصوا السبب والعامل الاساسي في ما يعانيه المجتمع من مشاكل ومآسي ، ولكي لا يفكروا بحلّ لذلك ، ومن جهة اخرىٰ ، اليست الصحافة هي مذياع للحكومة نوعاً ما ، وانها لاتتحدث إلّا بمطالبها وتوقعاتها ، اذن ففي هذه الحالة تكون المعاملة ذات طرفين ، وعلىٰ الدولة ايضاً ان تفسح لهم المجال تماماً ( إلّا في نشر الحقائق والدفاع عن المحرومين والمظلومين ) ؟!

٤١٦

اجل ، قبل اربعة عشر قرناً ، أقسم القرآن الكريم بـ « القلم » فقال :( ن ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ، لكن يجب ان نعرف ان قدسية القلم تكون ما دام في خدمة المستضعفين والمحرومين والكادحين ، لا في دفاعه عن الجبابرة والمستثمرين ومصالحهم.

٤١٧

علماء الدين وتأثيرهم في المجتمع

وفي تلك اللحظة مرّ بجانب الغرفة اثنان من علماء الدين ، فنهض الشيخ لرؤيتهم وفتح باب الغرفة وسلّم عليهم ، وما ان رآه الرجلان حتىٰ ابتسما وهم يردان عليه جواب سلامه ويقولان : السيد رستگار ! ما الذي يفعله هنا ! فقال الشيخ : كنت ذاهباً الىٰ بندر شاه لشراء القطن وها انا عائد الىٰ طهران ، ومن هناك الىٰ همدان ، ثم اخذ الثلاثة يتكلمون في امور مختلفة وبعد دقائق ودّع العالمان الشيخ وذهبا ، فعاد الشيخ الىٰ الغرفة وجلس في مكانه.

الدكتور : ايّه الشيخ ! هذان الرجلان من اقربائك ؟

الشيخ : لا ، لكنهم من اصدقائي وابناء مدينتي همدان وانا احبهم كثيراً.

العقيد : بالعكس ، اني لست فقط لا احب هؤلاء المعممين ، بل لا استطع ان اعرف الىٰ الآن ما هو عملهم في المجتمع وما هي مكانتهم فيه ؟

الشيخ : سيادة العقيد ، استمح لي بمزحة معك شرط ان لا تتأثر ؟

العقيد : تفضّل ايّها العم ، واطمئن انني لن اتأثر او انزعج.

الشيخ : قولك انني لا احب المعممين ، يذكرني بقول الدكتور علي شريعتي ، في احدىٰ خطاباته : كما ذكرت سابقاً ، سنة 1960 عقدنا جلسة في اتحاد الطلبة في فرنسا ، وكان هناك شخص بارز تعرفونه جميعكم ( وهو من اسرة مرموقة أيضاً ). كان يتكلّم ، فقال في بعض كلامه : « انا لا احب

٤١٨

الاسلام وكلما رأيت معمماً شعرت بحالة تقيء ! وهكذا كلما رأيت منبراً او مجلساً دينياً لان الدين من عوامل الاستعمار و الملالي كانوا علىٰ الدوام عملاء الاستعمار واساساً انا لا احب الدين ». وكلام آخر من هذا القبيل.

وفي تلك اللحظة نهضت وقلت : « صاحب الفخامة ! انت تتكلم مثل امرأة تتوحم بطفلها الاول ، فتدلّل علىٰ زوجها وتقول : احب الطرشي ، لا احب الحلويات احب ان آكل كذا ولو انني اتقيء من الاكل الفلاني لقد جعلت من الدين والأيديولوجية مجرد اكلة ! تحب بضها وتكره البعض الآخر فماذا تتصور الدين حتىٰ تحبه أو لا تحبه ؟ ان نفي او اثبات الدين يحتاج الىٰ دليل عقلي وعلمي لا شعور واحاسيس شخصية !(1)

والآن يا سيادة العقيد ، هل انك أيضاً تشعر بحالة من ( الوحم ) بالنسبة للمعممين ؟!

ـ هناك ضحك الجميع بصوت عالي.

العقيد : كانت مزحة لطيفة ، لكني اطمئنك انني لا اعيش حالة ( الوهم ) بالنسبة للمعممين ، لكني اود ـ حقيقة ـ ان احصل علىٰ معلومات عنهم وان اعرف لماذا تسمىٰ هذه الفئة بالروحانيين ؟

الشيخ : فلسفة ظهور فئة معيّنة في المجتمع الاسلامي بأسم « العلماء » او الروحانيون فواضحة من بعديها الاسلامي والاجتماعي. لكنه يمكن الحصول

________________

(1) كتاب « القاسطين والمارقين والناكثين » : 241.

٤١٩

علىٰ هذه الحقائق من منظار الاسلام ، ومنها :

أ ـ مايعبّر عنه القرآن الكريم بـ :

( فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (1) ، ففي هذه الآية يأمر الله عزّ وجلّ أن تقوم فئة من كل قوم بتعلم المسائل الدينية والنفقة فيها ، وطبيعي ان يشكل هؤلاء فئة معيّنة في المجتمع تمتاز عن الباقين بوعيها وتخصصها في المسائل الاسلامية.

وفي موضع آخر ، يقول القرآن :

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (2) .

ويقول أيضاً :

( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (3) . وفي هذه الآية أيضاً يتحدّث القرآن عن فئة معيّنة وهم « اهل الذكر » الذين يجب رجوع الآخرين اليهم :

ب ـ هناك العديد من الآيات القرآنية. تحدثت في مناسبات مختلفة عن « العلماء » ، واعتبرتهم فئة خاصة تقع عليها مسؤوليات مهمة وحساسة في

________________

(1) سورة التوبة : 122.

(2) سورة آل عمران : 104.

(3) سورة النحل : 43.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605