• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105934 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

« و أحداث » من الدهر .

« تتابع عليهم » دفعة بعد دفعة ، قال أبو الطفيل :

و ما شاب رأسي من سنين تتابعت

عليّ و لكن شيّبتني الوقائع

و قال ابن المعتز :

قالت كبرت و شبت قلت لها

هذا غبار و قايع الدهر

و قال البحتري :

ما زال صرف الدهر يونس صفقتي

حتّى رهنت على المشيب شبابي

و فيه أيضا :

فهل الحادثات يابن عويف

تاركاتي و لبس هذا البياض

« و لم يخلّ » من ( خلي ) .

« سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( اللّه سبحانه ) ، كما في ( ابن أبي الحديد ، و ابن ميثم و الخطّيّة ) ١ .

« خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة » لا يمكنهم دفعها .

« أو محجّة » و هي جادة الطريق .

« قائمة » قال تعالى : . . . لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٢ .

و قال الصادق عليه السّلام : الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق ، و بعد الخلق ٣ .

و قال ابن بابويه في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : فبدأ عزّ و جلّ بالخليفة قبل الخليفة ، فدلّ ذلك على أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « سبحانه » أيضا .

( ٢ ) النساء : ١٦٥ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٥٠٧ ح ١ ، و الصدوق في كمال الدين : ٤ ، و قد مرّ في العنوان ٢ من الفصل الرابع .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٤١

الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ١ .

« رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » قال تعالى : و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم و شركاء كم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون . فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلاّ على اللّه و أمرت أن أكون من المسلمين . فكذّبوه فنجّيناه و من معه . . . ٢ ،

و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه . . . فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ حكاية عنه : و تاللّه لا كيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين . فجعلهم جذاذا إلاّ كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون ٤ .

قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : و كلّ واحد من الرسل و الأئمة عليهم السلام كان يقوم بالأمر و لا يردعه عن ذلك قلّة عدد أوليائه ، و لا كثرة عدد أعدائه .

فيقال له : هذا خلاف قولك في الأئمّة المعصومين ، فإنّك تجيز عليهم التقيّة و ترك القيام بالأمر إذا كثرت أعداؤهم ٥ .

قلت : الأئمّة عليهم السلام كالأنبياء صلوات اللّه عليهم كانوا يقومون بدعوة غير الجبابرة ، و أمّا الجبابرة فكانوا قد يقومون بدعوتهم ، و قد يتركونهم على حسب المصلحة و القيام الّذي قال الراوندي أعمّ من الخروج بالسيف ، و إلاّ لخرج أكثر الأنبياء عن ذلك ، و إلاّ فليس في الأنبياء من يكون مصداقا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين لا بن بابويه : ٤ .

( ٢ ) يونس : ٧١ ٧٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٦ ٢٤ .

( ٤ ) الأنبياء : ٥٧ ٥٨ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٢

لقوله عليه السّلام : « لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » مثل إمامنا الثالث أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ، فإنّه قام بالأمر و قال : لو لم يبق لي في الدّنيا ملجأ ما بايعت يزيد ١ . و لقد جاهد عليه السّلام مع اثنين و سبعين نفرا : ثلاثين ألفا ٢ ،

و قال بعد إتمام الحجّة عليهم : ألا و إنّي زاحف بهذه العصابة على قلّة العتاد ،

و خذلة الأصحاب ٣ .

« من سابق سمّي له من » ( من ) للموصول .

« بعده » حتّى يأخذ ذلك النبيّ السابق من أمّته العهد للنبيّ اللاحق ، قال تعالى : و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ٤ ، و إذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّواراة و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٥ ، الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوارة و الإنجيل . . . ٦ .

« أو غابر » أي : باق .

« عرّفه » أي : عرّفه اللّه .

« من قبله » أي : النبيّ الّذي كان قبله ، فيجب على أمّة النبيّ الباقي أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذا المعنى ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ٨٨ ، و أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه : ٨٦ .

( ٢ ) هذا من مشهورات التاريخ تدلّ عليه رواية الطبري في تاريخه ٤ : ٣٥٨ سنة ٦١ و غيرها .

( ٣ ) رواه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٢١٦ ح ٢٧٣ ، و المسعودي في الإثبات : ١٤٢ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ٢٦١ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٣٠٠ ضمن خطبة بفرق يسير .

( ٤ ) آل عمران : ٨١ .

( ٥ ) الصف : ٦ .

( ٦ ) الأعراف : ١٥٧ .

٤٣

يؤمنوا بنبوّة النبيّ الماضي ، فإنّه لا فرق بين أن ينكروا نبوّة نبيّ عصرهم أو نبوّة من كان قبله ، فالكلّ من عند واحد : قل آمنّا باللّه و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و النّبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم و نحن له مسلمون ١ ،

مصدّقا لما بين يديّ . . . ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في تفسير قوله عليه السّلام : « من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله » : كان من ألطاف الأنبياء المتقدّمين و أوصيائهم أن يعرفوا الأنبياء المتأخّرين و أوصياءهم ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك . و كان لطف المتأخّرين و أوصيائهم أن يعرفوا أحوال المتقدّمين من الأنبياء و الأوصياء ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك ، فتمّ اللطف لجميعهم .

قال ابن أبي الحديد : و لقائل أن يقول : لو كان عليه السّلام قال : ( أو غابر عرف من قبله ) لكان هذا التفسير مطابقا ، و لكنّه عليه السلام لم يقل ذلك ، و انّما قال : « عرفه من قبله » و ليس هذا التفسير مطابقة لقوله ( عرفه ) . و الصحيح : أنّ المراد به من نبيّ سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء ، أي : عرّفه اللّه تعالى ذلك ، أو نبيّ غابر نصّ عليه من قبله و بشّر به كبشارة الأنبياء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد توهم أنّ الفاعل في قوله عليه السّلام « عرّفه من قبله » ( من ) مع أنّ الفاعل فيه ضمير ( اللّه ) ، كما في قوله عليه السّلام ( سمّي ) و أمّا المعنى الّذي ذكر قبلا محصّل ، فأيّ معنى لما قاله من أنّ السابق إما عرف من بعده ، و إمّا نصّ على من بعده ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨٤ .

( ٢ ) الصف : ٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٤

و من الغريب أنّ من بعده تبعه على وهمه ، و أنّه لم يتعرّض أحد لدفع تعصباته على الرّاوندي ، و قد عرفت ممّا شرحنا أنّ الفقرتين إشارة إلى الآيات التي قلنا ، و أنّ المراد بالسابق و الغابر أممهما ، . . . و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ١ .

٢

من الخطبة ( ٨٩ ) وَ لَمْ يُخَلِّهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً . « و لم يخلّهم » بالتشديد .

« بعد أن قبضه » أي : آدم .

« ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته » فأرسل إليهم رسولا بعد رسول .

« و يصل بينهم و بين معرفته » . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« بل تعاهدهم بالحجج » . . . فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ .

« على ألسن الخيرة من أنبيائه » ثمّ أرسلنا رسلنا تترى . . . ٤ .

« و متحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا » في ( إثبات المسعودي ) بعد سرد الأنبياء إلى لمك : فلمّا مضى لما قام نوح بأمر اللّه تعالى ، و هو أوّل ذوي العزم من الرّسل و أظهر نبوّته ، و أمره اللّه تعالى بإظهار الدعوة ، فأقبل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ٤٤ .

٤٥

نوح عليه السّلام يدعو قومه ، و الملك في بني راسب و أهل مملكته و عوج بن عناق ، و كان دعاؤه إيّاهم في أوّل أمره سرّا فلم يجيبوه ، فلم يزل يدعوهم تسعمائة و خمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم ، و كان الّذي آمن به العقب من ولد هبة اللّه ، و الّذين كذّبوه العقب من ولد قابيل و عوج بن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم و سلطانهم في الأرض ، و كانوا إذا دعاهم يقولون له : . . . أنؤمن لك و اتّبعك الأرذلون ١ ، يعنون : العقب من ولد شيث ، يعيّرونهم بالفقر و الفاقة ، و أنّه لا مال لهم ، و لا عزّ و لا سلطان في الأرض ، و كانت شريعة نوح التّوحيد و خلع الأنداد ، و الفطرة ، و الصّيام ، و الصلاة ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أن قال في قيام سام بعده فآمن به شيعة نوح ، و أقام ولد قابيل ، و عوج بن عناق على كفرهم و طغيانهم ، و خالف حام و يافث على أخيهما سام و لم يؤمنا به ، و قام بعده أرفخشد بن سام ، فعند ذلك ملك آفريدون ، و هو ذو القرنين ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قومه ، فدعاهم إلى اللّه ، فكذّبوه و جحدوا نبوّته ، ثمّ أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته اللّه مائة عام ، ثمّ أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته ، و ضربوه على قرنه الأيسر . . . و روي أنّ الخضر بن أرفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته ٢ . . .

٣

من الخطبة ( ٩٢ ) منها في وصف الأنبياء :

فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَ أَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ

كَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اَللَّهِ خَلَفٌ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١١١ .

( ٢ ) إثبات الوصيّة : ٢٠ ٢٤ ، و النقل بتقطيع كثير . قول المصنّف : « منها في وصف الأنبياء » هكذا في ( المصرية ) ، و ليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ١ إلاّ كلمة « منها » فلا بدّ أنّ جملة ( في وصف الأنبياء ) كانت حاشية خلطت بالمتن في أصل ( المصرية ) .

٤٦

قوله عليه السّلام « فاستودعهم » الضمير راجع إلى الرّسل .

« في أفضل مستودع » أي : من الأصلاب .

« و أقرّهم في خير مستقرّ » أي : من الأرحام ، قال تعالى : و هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ و مستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ٢ .

« تناسختهم » أي : بدّلتهم .

« كرائم الأصلاب » من صلب إلى صلب .

« إلى مطهّرات الأرحام » من رحم إلى رحم ، روي أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ قوله تعالى : في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال ٣ فقيل له : أيّ بيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ٤ .

قال الصدوق في ( اعتقاداته ) : اعتقادنا في آباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح الخوئي ٣ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، مثل المصرية أيضا ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ ، خال من « منها » .

( ٢ ) الأنعام : ٩٨ .

( ٣ ) النور : ٣٦ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ، و الفرات الكوفي بطريقين في تفسيره : ١٠٣ ، و ابن مردويه عنه الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ١٤٤ ، و المجلسي عن كنز جامع الفوائد و الروضة في بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ٣٢٦ ح ٢ ، ٣ .

٤٧

مسلمون من آدم إلى أبيه عبد اللّه . ثمّ قال : و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أخرجت من نكاح ،

و لم أخرج من سفاح من لدن آدم ١ .

و أمّا ( آزر ) ففي ( الإثبات ) : روي عن العالم عليه السّلام أنّه كان جدّ إبراهيم عليه السّلام لأمّه ، و كان أبو إبراهيم توفّي و هو طفل ، و بقيت أمّه ، فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ إبراهيم عليه السّلام خشبة و أخذ الفأس ، و نجر منها صنما لم يروا مثله قط ، فقال آزر لأمّه : إنّي لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا . فأخذ إبراهيم الفأس فكسر الصنم ، فأنكر ذلك أبوه عليه ، فقال له إبراهيم عليه السّلام : و ما تصنعون به ؟ قال : نعبده . قال إبراهيم عليه السّلام : . . . أتعبدون ما تنحتون بأيديكم ٢ .

« كلّما مضى » أي : مات .

« منهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« سلف قام منهم بدين اللّه خلف » يدعو الناس إلى ربّهم و عبادته ، و في ( الإثبات ) لمّا حضرت وفاة إبراهيم عليه السّلام أمره اللّه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء عليهم السلام إسماعيل ابنه ، فدعاه و أوصى إليه و سلّم إليه جميع ما في يده فقام إسماعيل بالنبوّة و الأمر مقامه ، و لم يزل يدبّر أمر اللّه تعالى ، و هو أوّل من تكلّم بالعربيّة و أبو العرب ، فلمّا حضرت و فاته أوحى إليه أن يستودع الاسم و نور اللّه و حكمته أخاه إسحاق .

و روى أنّه شريكه في الوصيّة ، و تقدمه إسماعيل بالسن إلى أن قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ ، و أخرجه ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ : ق ١ ، ٣١ ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ و معناه روي كثيرا .

( ٢ ) رواه المسعودي في الإثبات : ٢٩ ٣٠ و النقل بتصرف و الآية ٩٥ من سورة الصافات .

( ٣ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ .

٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

إنّ يوسف قال لبني إسرائيل : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، و يفرّج اللّه عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران ، و لن يظهر حتّى يخرج قبله سبعون كذّابا . و روي أنّه كان إذا ولد في بني إسرائيل ولد يسمّى عمران ، ثمّ يأتي لعمران ولد فيسمّى موسى ، يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام ١ .

قلت : هو نظير أنّه لمّا أخبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام بقيام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الملقّب بالمهدي ، تصدّى جمع من الطالبين لذلك ، و تسمّوا بالمهدي ، كالملقّب بالنفس الزّكية ، و غيره .

و قال بعد ذكر شعيب : كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قوم نبيّا حين كبرت سنّه ، فدعاهم إلى التوحيد و الإقرار و الطاعة ، فلم يجيبوه ، فغاب عنهم ما شاء اللّه ، ثمّ عاد إليهم شابّا ، فدعاهم ، فقالوا : ما صدّقناك شيخا فكيف نصدّقك شابّا ؟

فروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث و يكرّره ، و يتمثّل به كثيرا إلى أن قال بعد ذكر موسى عليه السّلام ثمّ يوشع : و خرج يوشع و جمع أولاد بني إسرائيل الّذين ولدوا في التيه معه ، و هم لا يعرفون الجبّارين و لا العمالقة و لا يمتنعون من قتالهم ، و فتح بيت المقدس ، و جميع مدائن الشام حتّى انتهى إلى البلقاء ، فجعلوا يخرجون و يقاتلون ، و لا يقتل منهم أحد . فسأل يوشع عن ذلك ، فقيل له : إنّ في مدينته امرأة كاهنة تدّعي أنّها منجّمة تستقبل الشّمس بفرجها ، ثمّ تحسب و تعرض عليها الخيل و الرجال ، و لا يخرج يومئذ إلى الحرب رجل قد حضر أجله . فصلّى يوشع عليه السّلام ركعتين ، و دعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه ، و أخّرت الشمس ، فخرجت فاختلط عليها حسابها ، فقالت لباق ( يعني ملكهم ) : انظر ما يعرض عليك يوشع ، فاعطه ، فإنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصية : ٣٤ ٣٩ و النقل بتقطيع كثير .

٤٩

حسابي قد اختلط عليّ ١ .

٤

من الخطبة ( ١٤٢ ) و من كلام له عليه السّلام :

بَعَثَ اَللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلاَّ تَجِبَ اَلْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ اَلصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ أَلاَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ اَلْخَلْقَ كَشْفَةً لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَيَكُونَ اَلثَّوَابُ جَزَاءً وَ اَلْعِقَابُ بَوَاءً . قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصريّة ) ، و الصواب :

( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

قوله عليه السّلام : « بعث اللّه رسله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بعث رسله ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« بما خصّهم به من وحيه » من آدم إلى الخاتم ، قال تعالى : إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيّين من بعده و أوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و عيسى و أيّوب و يونس و هارون و سليمان و آتينا داود زبورا ٤ .

« و جعلهم حجّة له على خلقه » و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ٤٠ ٥١ و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، لكن يوجد لفظ « اللّه » في شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦ .

( ٤ ) النساء : ١٦٣ .

٥٠

فجاؤهم بالبيّنات . . . ١ .

« لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم » قال تعالى : . . . و إن من أمّة إلاّ خلا فيها نذير ٢ ، و رسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلّم اللّه موسى تكليما . رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٣ .

« فدعاهم » أي : اللّه .

« بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ » . . . و أنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه . . . ٤ ، لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط . . . ٥ .

« ألا إنّ اللّه كشف الخلق كشفة » ببعث الرّسل فيهم حتّى يظهر أمرهم للعالم .

« لا أنّه » تعالى .

« جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ، و مكنون ضمائرهم » فعلمه ببعث رسله ، . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنّة في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى ٦ .

« و لكن » بعث رسله .

« ليبلوهم » أي : يمتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الروم : ٤٧ .

( ٢ ) فاطر : ٢٤ .

( ٣ ) النساء : ١٦٤ ١٦٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٥ ) الحديد : ٢٥ .

( ٦ ) النجم : ٣٢ .

٥١

« أيّهم أحسن عملا فيكون الثّواب » أي : الجزاء الحسن لمن آمن و أطاع .

« جزاء » لعمله : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ١ .

« و العقاب » و هو ما يعقّبه العمل السّوء .

« بواء » أي : مطابقا مساويا لعمله ، قالت ليلى الأخيلية في مقتل توبة :

فإن تكن القتلى بواء فإنّكم

فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

٢ قال تعالى : . . . ليجزي الّذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى ٣ .

٥

من الخطبة ( ١٨١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ٦٥ : ٣ وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٦٠

( ٢ ) لسان العرب ١ : ٣٧ مادة ( بوء ) .

( ٣ ) النجم : ٣١ .

٥٢

« الحمد للّه المعروف من غير رؤية » قال فمن ربّكما يا موسى . قال ربّنا الّذي أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدى ١ .

« الخالق من غير منصبة » أي : مشقّة و تعب ، قال تعالى : و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستّة أيّام و ما مسّنا من لغوب ٢ .

هذا ، و في الخطبة ( ٨٨ ) : « الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة » ٣ ، و كلّ منهما صحيح ، فيخلق عزّ و جلّ بدون تفكّر ، كما يخلق بدون تعب ، بخلاف البشر : فلا يعمل شيئا إلاّ بتفكّر و رويّة ، و يحصل له التّعب و المنصبة .

« خلق الخلائق بقدرته » إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٤ .

« و استعبد الأرباب بعزّته » إن كلّ من في السماوات و الأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا ٥ .

« و ساد العظماء بجوده » . . . و يؤت كلّ ذي فضل فضله . . . ٦ .

« و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه » بعد هبوط آدم من الجنّة : . . . و لكم في الأرض مستقرّ و متاع إلى حين ٧ .

« و بعث إلى الجنّ و الأنس رسله » يا معشر الجنّ و الأنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذورنكم لقاء يومكم هذا قالوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٤٩ ٥٠ .

( ٢ ) ق : ٣٨ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١٥٨ .

( ٤ ) القمر : ٤٩ .

( ٥ ) مريم : ٩٣ .

( ٦ ) هود : ٣ .

( ٧ ) البقرة : ٣٦ .

٥٣

شهدنا على أنفسنا . . . ١ .

« ليكشفوا لهم عن غطائها » أي : حجابها .

« و ليحذّروهم من ضرّائها » كما حكى عزّ و جلّ عن نوح عليه السّلام في قوله لقومه : و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا . ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا ٢ ، و عن صالح عليه السّلام في قوله لقومه : أ تتركون في ما ههنا آمنين .

في جنّات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ٣ .

« و ليضربوا لهم أمثالهم » كقوله تعالى على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون . إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و أزّينت و ظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون ٤ ، و اضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح . . ٥ ، مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ٦ ، مثلهم كمثل الّذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم و تركهم في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٣٠ .

( ٢ ) نوح : ١٧ ١٨ .

( ٣ ) الشعراء : ١٤٦ ١٤٩ .

( ٤ ) يونس : ٢٣ ٢٤ .

( ٥ ) الكهف : ٤٥ .

( ٦ ) العنكبوت : ٤١ .

٥٤

ظلمات لا يبصرون . صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد و برق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت و اللّه محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمّا أضاء لهم مشوافيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللّه لذهب بسمعهم و أبصارهم إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير ١ ، ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتا هما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب اللّه مثلا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين ٢ .

« و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و ليبصّروهم عيوبها و حلالها و حرامها » هكذا في ( المصرية ) ، و قد وقع فيها تقديم و تأخير ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٣ : « و ليبصّروهم عيوبها ،

و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و حلالها و حرامها » ،

فيعلم أنّ النهج كان كذلك ، لكن لا يبعد وقوع تصحيف فيه ، فإنّ عطف ( و حلالها و حرامها ) على ( مصاحّها و أسقامها ) كما فهمه ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٤ خلاف البلاغة ، و مشتمل على التكلّف .

و الظاهر كون ( و حلالها و حرامها ) محرّف ( و حياتها و حمامها ) لقربهما لفظا و خطّا ، و عليه فالمعنى في كمال المناسبة ، و يكون المراد أنّ أسباب العبر ،

و إن كانت في الدّنيا كثيرة ، إلاّ أنّ أهل الدّنيا لحرصهم عليها ، و حبّهم لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧ ٢٠ .

( ٢ ) التحريم : ١٠ ١١ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٠ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية .

( ٤ ) يظهر هذا من شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٧ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٢ .

٥٥

غافلون عنها ، كما قال عليه السّلام في موضع آخر : « ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار » ١ ،

فبعث اللّه رسله ليبصّروهم عيوب الدّنيا ، و ينبّوهم على كثرة العبر في و قائعها حتّى كأنّ العبر هاجمة عليهم .

« و ما أعدّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و ما أعدّ اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٢ ، ثمّ إن ابن أبي الحديد احتمل كونه عطفا على ( عيوبها ) ، و هو باطل ، فكيف أمكن ذلك مع فصل ( و ليهجموا ) بينهما ، و لعلّه جعله من قبيل قول أهل نحلته في قوله تعالى :

و أرجلكم بعطفه على وجوهكم مع فصل و امسحوا ٣ بينهما تصحيحا لمذهبهم السخيف مع أنّه خلاف تكلّم العقلاء . و من الغريب أنّ الخوئي ٤ تبعه في احتماله .

« للمطيعين منهم و العصاة » منهم .

« من جنّة » للمطيعين .

« و نار » للعاصين .

« و كرامة » للأوّلين .

« و هوان » للآخرين ، قال تعالى : . . . و من يطع اللّه و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ٥ ، . . . و من يعص اللّه و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٧٢ الحكمة ( ٢٩٧ ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية ، و لفظ شرح الخوئي ٥ : ١١٠ « و ما أعدّ سبحانه » .

( ٣ ) انظر قوله تعالى : . . . فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين . . . المائدة : ٦ .

٤ ) شرح الخوئي ٥ : ١١١ .

( ٥ ) الأحزاب : ٧١ .

( ٦ ) الأحزاب : ٣٦ .

٥٦

هذا ، و في ( تجريد المحقق الطوسي رحمه اللّه ) في فوائد بعثة الأنبياء :

كمعاضدة العقل في ما يدلّ عليه ، و استفادة الحكم في ما لا يدلّ ، و إزالة الخوف ، و استفادة الحسن و القبح ، و المنافع و المضارّ ، و حفظ النوع الانساني ،

و تكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة ، و تعليمهم الصنائع الخفية ،

و الأخلاق و السياسات ، و الأخبار بالعقاب و الثواب ١ .

« أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه » رجع عليه السّلام إلى أوّل كلامه في حمده تعالى ، و إنّما ذكر عليه السّلام فوائد بعثة الرّسل لأنّها أيضا من موجبات حمده .

« و جعل لكلّ شي‏ء قدرا » أي : مقدارا معيّنا ، قال تعالى : إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٢ ، و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنّاه في الأرض و إنّا على ذهاب به لقادرون ٣ ، و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء إنّه خبير بصير ٤ ، و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ٥ ، اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كلّ شي‏ء عنده بمقدار ٦ .

« و لكلّ قدر أجلا » . . . ثمّ قضى أجلا و أجل مسمّى عنده . . . ٧ .

« و لكلّ أجل كتابا » و كلّ شي‏ء أحصيناه كتابا ٨ ، و ما كان لنفس أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧١ .

( ٢ ) القمر : ٤٩ .

( ٣ ) المؤمنون : ١٨ .

( ٤ ) الشورى : ٢٧ .

( ٥ ) الحجر : ٢١ .

( ٦ ) الرعد : ٨ .

( ٧ ) الأنعام : ٢ .

( ٨ ) النبأ : ٢٩ .

٥٧

تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا . . . ١ .

٦

من الخطبة ( ١٩٠ ) فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا أَقْوَاماً مُسْتَضْعَفِينَ وَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ .

فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوَاضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ . نُسارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ٢٣ : ٥٥ ٥٦ ٢ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ ؟ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ؟ وَ مَعَهُ أَخُوهُ ؟ هَارُونُ ع ؟ عَلَى ؟ فِرْعَوْنَ ؟ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرُطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

٥٨

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طَيْرَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرْضِ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلَيْنَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى .

وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تَمْتَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ . « فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه » لأن الكبر يكون عن كونه ذا كمال ، و لا كمال أكمل من كمالهم ، و أمّا أهل الدّنيا فناقصون من جهات ، و إن كان فيهم بعض الكمالات .

« و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر » مع مقامهم ذاك ، و قربهم من مالك السماوات و الأرض ، و في الخبر مرّت امرأة بذية بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت له : إنّك تجلس جلسة العبيد . فقال : أيّ عبد أعبد منّي ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الأهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي

٥٩

« و رضي لهم التّواضع » في الخبر أنّه أتى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ملك لم يطأ الأرض قط ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول : إنّ هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فان شئت فكن نبيّا عبدا و إن شئت فكن نبيّا ملكا . فأشار إليه جبرئيل بالتواضع ، فقال : بل أكون نبيّا عبدا ١ .

و في ( الكافي ) عن عيسى عليه السّلام ، قال للحواريين : لي إليكم حاجة ، اقضوها لي . قالوا : قضيت حاجتك ، يا روح اللّه . فقام فقبّل عيسى عليه السّلام أقدامهم ، فقالوا : كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه . فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم ، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم . ثمّ قال عليه السّلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ٢ .

« فالصقوا بالأرض خدودهم » في السجود له تعالى ، و عن الصادق عليه السّلام :

أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : يا موسى بن عمران أتدري لم اصطفيتك لوحيي و كلامي دون خلقي ؟ فقال : لا علم لي يا ربّ . فقال : يا موسى إنّي إطّلعت إلى خلقي اطّلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك . . . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٣ .

« و عفّروا » أي : مرّغوا .

« في التّراب وجوههم » و هي أشرف أعضاء جسدهم .

في مكارم الأخلاق : ١٦ ، و النقل بالتلخيص .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٢ ح ٥ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ٢٠٠ ، و الطبرسي بطريقين في مشكاة الأنوار : ٢٢٤ ٢٢٥ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ ، و في بعض نسخ الكافي « فغسّل أقدامهم » .

( ٣ ) أخرجه الصدوق بروايتين في علل الشرائع : ٥٦ ح ١ و ٢ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ المجلس ٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

٦٠