بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110010 / تحميل: 5655
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

« و أحداث » من الدهر .

« تتابع عليهم » دفعة بعد دفعة ، قال أبو الطفيل :

و ما شاب رأسي من سنين تتابعت

عليّ و لكن شيّبتني الوقائع

و قال ابن المعتز :

قالت كبرت و شبت قلت لها

هذا غبار و قايع الدهر

و قال البحتري :

ما زال صرف الدهر يونس صفقتي

حتّى رهنت على المشيب شبابي

و فيه أيضا :

فهل الحادثات يابن عويف

تاركاتي و لبس هذا البياض

« و لم يخلّ » من ( خلي ) .

« سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( اللّه سبحانه ) ، كما في ( ابن أبي الحديد ، و ابن ميثم و الخطّيّة ) ١ .

« خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة » لا يمكنهم دفعها .

« أو محجّة » و هي جادة الطريق .

« قائمة » قال تعالى : . . . لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٢ .

و قال الصادق عليه السّلام : الحجّة قبل الخلق ، و مع الخلق ، و بعد الخلق ٣ .

و قال ابن بابويه في قوله تعالى : و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ٤ : فبدأ عزّ و جلّ بالخليفة قبل الخليفة ، فدلّ ذلك على أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « سبحانه » أيضا .

( ٢ ) النساء : ١٦٥ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٧ ح ٤ ، و الصفار في البصائر : ٥٠٧ ح ١ ، و الصدوق في كمال الدين : ٤ ، و قد مرّ في العنوان ٢ من الفصل الرابع .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

٤١

الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليفة ، فلذلك ابتدأ به لأنّه سبحانه حكيم ، و الحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم ١ .

« رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » قال تعالى : و اتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي و تذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم و شركاء كم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون . فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلاّ على اللّه و أمرت أن أكون من المسلمين . فكذّبوه فنجّيناه و من معه . . . ٢ ،

و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه . . . فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ حكاية عنه : و تاللّه لا كيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين . فجعلهم جذاذا إلاّ كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون ٤ .

قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : و كلّ واحد من الرسل و الأئمة عليهم السلام كان يقوم بالأمر و لا يردعه عن ذلك قلّة عدد أوليائه ، و لا كثرة عدد أعدائه .

فيقال له : هذا خلاف قولك في الأئمّة المعصومين ، فإنّك تجيز عليهم التقيّة و ترك القيام بالأمر إذا كثرت أعداؤهم ٥ .

قلت : الأئمّة عليهم السلام كالأنبياء صلوات اللّه عليهم كانوا يقومون بدعوة غير الجبابرة ، و أمّا الجبابرة فكانوا قد يقومون بدعوتهم ، و قد يتركونهم على حسب المصلحة و القيام الّذي قال الراوندي أعمّ من الخروج بالسيف ، و إلاّ لخرج أكثر الأنبياء عن ذلك ، و إلاّ فليس في الأنبياء من يكون مصداقا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كمال الدين لا بن بابويه : ٤ .

( ٢ ) يونس : ٧١ ٧٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٦ ٢٤ .

( ٤ ) الأنبياء : ٥٧ ٥٨ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٢

لقوله عليه السّلام : « لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم » مثل إمامنا الثالث أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ، فإنّه قام بالأمر و قال : لو لم يبق لي في الدّنيا ملجأ ما بايعت يزيد ١ . و لقد جاهد عليه السّلام مع اثنين و سبعين نفرا : ثلاثين ألفا ٢ ،

و قال بعد إتمام الحجّة عليهم : ألا و إنّي زاحف بهذه العصابة على قلّة العتاد ،

و خذلة الأصحاب ٣ .

« من سابق سمّي له من » ( من ) للموصول .

« بعده » حتّى يأخذ ذلك النبيّ السابق من أمّته العهد للنبيّ اللاحق ، قال تعالى : و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أ أقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ٤ ، و إذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّواراة و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٥ ، الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّي الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوارة و الإنجيل . . . ٦ .

« أو غابر » أي : باق .

« عرّفه » أي : عرّفه اللّه .

« من قبله » أي : النبيّ الّذي كان قبله ، فيجب على أمّة النبيّ الباقي أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذا المعنى ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ٨٨ ، و أبو مخنف في المقتل المنسوب إليه : ٨٦ .

( ٢ ) هذا من مشهورات التاريخ تدلّ عليه رواية الطبري في تاريخه ٤ : ٣٥٨ سنة ٦١ و غيرها .

( ٣ ) رواه ابن عساكر في ترجمة الحسين عليه السّلام : ٢١٦ ح ٢٧٣ ، و المسعودي في الإثبات : ١٤٢ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ٢٦١ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٣٠٠ ضمن خطبة بفرق يسير .

( ٤ ) آل عمران : ٨١ .

( ٥ ) الصف : ٦ .

( ٦ ) الأعراف : ١٥٧ .

٤٣

يؤمنوا بنبوّة النبيّ الماضي ، فإنّه لا فرق بين أن ينكروا نبوّة نبيّ عصرهم أو نبوّة من كان قبله ، فالكلّ من عند واحد : قل آمنّا باللّه و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و النّبيون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم و نحن له مسلمون ١ ،

مصدّقا لما بين يديّ . . . ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في تفسير قوله عليه السّلام : « من سابق سمّي له من بعده أو غابر عرّفه من قبله » : كان من ألطاف الأنبياء المتقدّمين و أوصيائهم أن يعرفوا الأنبياء المتأخّرين و أوصياءهم ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك . و كان لطف المتأخّرين و أوصيائهم أن يعرفوا أحوال المتقدّمين من الأنبياء و الأوصياء ، فعرّفهم اللّه تعالى ذلك ، فتمّ اللطف لجميعهم .

قال ابن أبي الحديد : و لقائل أن يقول : لو كان عليه السّلام قال : ( أو غابر عرف من قبله ) لكان هذا التفسير مطابقا ، و لكنّه عليه السلام لم يقل ذلك ، و انّما قال : « عرفه من قبله » و ليس هذا التفسير مطابقة لقوله ( عرفه ) . و الصحيح : أنّ المراد به من نبيّ سابق عرف من يأتي بعده من الأنبياء ، أي : عرّفه اللّه تعالى ذلك ، أو نبيّ غابر نصّ عليه من قبله و بشّر به كبشارة الأنبياء بمحمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد توهم أنّ الفاعل في قوله عليه السّلام « عرّفه من قبله » ( من ) مع أنّ الفاعل فيه ضمير ( اللّه ) ، كما في قوله عليه السّلام ( سمّي ) و أمّا المعنى الّذي ذكر قبلا محصّل ، فأيّ معنى لما قاله من أنّ السابق إما عرف من بعده ، و إمّا نصّ على من بعده ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨٤ .

( ٢ ) الصف : ٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

٤٤

و من الغريب أنّ من بعده تبعه على وهمه ، و أنّه لم يتعرّض أحد لدفع تعصباته على الرّاوندي ، و قد عرفت ممّا شرحنا أنّ الفقرتين إشارة إلى الآيات التي قلنا ، و أنّ المراد بالسابق و الغابر أممهما ، . . . و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ١ .

٢

من الخطبة ( ٨٩ ) وَ لَمْ يُخَلِّهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً . « و لم يخلّهم » بالتشديد .

« بعد أن قبضه » أي : آدم .

« ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته » فأرسل إليهم رسولا بعد رسول .

« و يصل بينهم و بين معرفته » . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« بل تعاهدهم بالحجج » . . . فللّه الحجّة البالغة . . . ٣ .

« على ألسن الخيرة من أنبيائه » ثمّ أرسلنا رسلنا تترى . . . ٤ .

« و متحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا » في ( إثبات المسعودي ) بعد سرد الأنبياء إلى لمك : فلمّا مضى لما قام نوح بأمر اللّه تعالى ، و هو أوّل ذوي العزم من الرّسل و أظهر نبوّته ، و أمره اللّه تعالى بإظهار الدعوة ، فأقبل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ٤٤ .

٤٥

نوح عليه السّلام يدعو قومه ، و الملك في بني راسب و أهل مملكته و عوج بن عناق ، و كان دعاؤه إيّاهم في أوّل أمره سرّا فلم يجيبوه ، فلم يزل يدعوهم تسعمائة و خمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم ، و كان الّذي آمن به العقب من ولد هبة اللّه ، و الّذين كذّبوه العقب من ولد قابيل و عوج بن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم و سلطانهم في الأرض ، و كانوا إذا دعاهم يقولون له : . . . أنؤمن لك و اتّبعك الأرذلون ١ ، يعنون : العقب من ولد شيث ، يعيّرونهم بالفقر و الفاقة ، و أنّه لا مال لهم ، و لا عزّ و لا سلطان في الأرض ، و كانت شريعة نوح التّوحيد و خلع الأنداد ، و الفطرة ، و الصّيام ، و الصلاة ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أن قال في قيام سام بعده فآمن به شيعة نوح ، و أقام ولد قابيل ، و عوج بن عناق على كفرهم و طغيانهم ، و خالف حام و يافث على أخيهما سام و لم يؤمنا به ، و قام بعده أرفخشد بن سام ، فعند ذلك ملك آفريدون ، و هو ذو القرنين ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قومه ، فدعاهم إلى اللّه ، فكذّبوه و جحدوا نبوّته ، ثمّ أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته اللّه مائة عام ، ثمّ أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته ، و ضربوه على قرنه الأيسر . . . و روي أنّ الخضر بن أرفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته ٢ . . .

٣

من الخطبة ( ٩٢ ) منها في وصف الأنبياء :

فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَ أَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ

كَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اَللَّهِ خَلَفٌ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ١١١ .

( ٢ ) إثبات الوصيّة : ٢٠ ٢٤ ، و النقل بتقطيع كثير . قول المصنّف : « منها في وصف الأنبياء » هكذا في ( المصرية ) ، و ليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ١ إلاّ كلمة « منها » فلا بدّ أنّ جملة ( في وصف الأنبياء ) كانت حاشية خلطت بالمتن في أصل ( المصرية ) .

٤٦

قوله عليه السّلام « فاستودعهم » الضمير راجع إلى الرّسل .

« في أفضل مستودع » أي : من الأصلاب .

« و أقرّهم في خير مستقرّ » أي : من الأرحام ، قال تعالى : و هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ و مستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ٢ .

« تناسختهم » أي : بدّلتهم .

« كرائم الأصلاب » من صلب إلى صلب .

« إلى مطهّرات الأرحام » من رحم إلى رحم ، روي أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ قوله تعالى : في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال ٣ فقيل له : أيّ بيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ٤ .

قال الصدوق في ( اعتقاداته ) : اعتقادنا في آباء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح الخوئي ٣ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، مثل المصرية أيضا ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ ، خال من « منها » .

( ٢ ) الأنعام : ٩٨ .

( ٣ ) النور : ٣٦ .

( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ، و الفرات الكوفي بطريقين في تفسيره : ١٠٣ ، و ابن مردويه عنه الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ١٤٤ ، و المجلسي عن كنز جامع الفوائد و الروضة في بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٥ ٣٢٦ ح ٢ ، ٣ .

٤٧

مسلمون من آدم إلى أبيه عبد اللّه . ثمّ قال : و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أخرجت من نكاح ،

و لم أخرج من سفاح من لدن آدم ١ .

و أمّا ( آزر ) ففي ( الإثبات ) : روي عن العالم عليه السّلام أنّه كان جدّ إبراهيم عليه السّلام لأمّه ، و كان أبو إبراهيم توفّي و هو طفل ، و بقيت أمّه ، فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ إبراهيم عليه السّلام خشبة و أخذ الفأس ، و نجر منها صنما لم يروا مثله قط ، فقال آزر لأمّه : إنّي لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا . فأخذ إبراهيم الفأس فكسر الصنم ، فأنكر ذلك أبوه عليه ، فقال له إبراهيم عليه السّلام : و ما تصنعون به ؟ قال : نعبده . قال إبراهيم عليه السّلام : . . . أتعبدون ما تنحتون بأيديكم ٢ .

« كلّما مضى » أي : مات .

« منهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« سلف قام منهم بدين اللّه خلف » يدعو الناس إلى ربّهم و عبادته ، و في ( الإثبات ) لمّا حضرت وفاة إبراهيم عليه السّلام أمره اللّه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء عليهم السلام إسماعيل ابنه ، فدعاه و أوصى إليه و سلّم إليه جميع ما في يده فقام إسماعيل بالنبوّة و الأمر مقامه ، و لم يزل يدبّر أمر اللّه تعالى ، و هو أوّل من تكلّم بالعربيّة و أبو العرب ، فلمّا حضرت و فاته أوحى إليه أن يستودع الاسم و نور اللّه و حكمته أخاه إسحاق .

و روى أنّه شريكه في الوصيّة ، و تقدمه إسماعيل بالسن إلى أن قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ ، و أخرجه ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ : ق ١ ، ٣١ ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ و معناه روي كثيرا .

( ٢ ) رواه المسعودي في الإثبات : ٢٩ ٣٠ و النقل بتصرف و الآية ٩٥ من سورة الصافات .

( ٣ ) توجد الكلمة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ .

٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

إنّ يوسف قال لبني إسرائيل : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، و يفرّج اللّه عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران ، و لن يظهر حتّى يخرج قبله سبعون كذّابا . و روي أنّه كان إذا ولد في بني إسرائيل ولد يسمّى عمران ، ثمّ يأتي لعمران ولد فيسمّى موسى ، يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام ١ .

قلت : هو نظير أنّه لمّا أخبر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام بقيام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم الملقّب بالمهدي ، تصدّى جمع من الطالبين لذلك ، و تسمّوا بالمهدي ، كالملقّب بالنفس الزّكية ، و غيره .

و قال بعد ذكر شعيب : كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم ، و كان من قصّته أنّ اللّه تعالى بعثه إلى قوم نبيّا حين كبرت سنّه ، فدعاهم إلى التوحيد و الإقرار و الطاعة ، فلم يجيبوه ، فغاب عنهم ما شاء اللّه ، ثمّ عاد إليهم شابّا ، فدعاهم ، فقالوا : ما صدّقناك شيخا فكيف نصدّقك شابّا ؟

فروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث و يكرّره ، و يتمثّل به كثيرا إلى أن قال بعد ذكر موسى عليه السّلام ثمّ يوشع : و خرج يوشع و جمع أولاد بني إسرائيل الّذين ولدوا في التيه معه ، و هم لا يعرفون الجبّارين و لا العمالقة و لا يمتنعون من قتالهم ، و فتح بيت المقدس ، و جميع مدائن الشام حتّى انتهى إلى البلقاء ، فجعلوا يخرجون و يقاتلون ، و لا يقتل منهم أحد . فسأل يوشع عن ذلك ، فقيل له : إنّ في مدينته امرأة كاهنة تدّعي أنّها منجّمة تستقبل الشّمس بفرجها ، ثمّ تحسب و تعرض عليها الخيل و الرجال ، و لا يخرج يومئذ إلى الحرب رجل قد حضر أجله . فصلّى يوشع عليه السّلام ركعتين ، و دعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه ، و أخّرت الشمس ، فخرجت فاختلط عليها حسابها ، فقالت لباق ( يعني ملكهم ) : انظر ما يعرض عليك يوشع ، فاعطه ، فإنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصية : ٣٤ ٣٩ و النقل بتقطيع كثير .

٤٩

حسابي قد اختلط عليّ ١ .

٤

من الخطبة ( ١٤٢ ) و من كلام له عليه السّلام :

بَعَثَ اَللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلاَّ تَجِبَ اَلْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ اَلْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ اَلصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ أَلاَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ اَلْخَلْقَ كَشْفَةً لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَيَكُونَ اَلثَّوَابُ جَزَاءً وَ اَلْعِقَابُ بَوَاءً . قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصريّة ) ، و الصواب :

( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

قوله عليه السّلام : « بعث اللّه رسله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بعث رسله ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« بما خصّهم به من وحيه » من آدم إلى الخاتم ، قال تعالى : إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيّين من بعده و أوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و عيسى و أيّوب و يونس و هارون و سليمان و آتينا داود زبورا ٤ .

« و جعلهم حجّة له على خلقه » و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ٤٠ ٥١ و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٠١ ، لكن يوجد لفظ « اللّه » في شرح ابن ميثم ٣ : ١٨٦ .

( ٤ ) النساء : ١٦٣ .

٥٠

فجاؤهم بالبيّنات . . . ١ .

« لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم » قال تعالى : . . . و إن من أمّة إلاّ خلا فيها نذير ٢ ، و رسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلّم اللّه موسى تكليما . رسلا مبشّرين و منذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل . . . ٣ .

« فدعاهم » أي : اللّه .

« بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ » . . . و أنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه . . . ٤ ، لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط . . . ٥ .

« ألا إنّ اللّه كشف الخلق كشفة » ببعث الرّسل فيهم حتّى يظهر أمرهم للعالم .

« لا أنّه » تعالى .

« جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ، و مكنون ضمائرهم » فعلمه ببعث رسله ، . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنّة في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى ٦ .

« و لكن » بعث رسله .

« ليبلوهم » أي : يمتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الروم : ٤٧ .

( ٢ ) فاطر : ٢٤ .

( ٣ ) النساء : ١٦٤ ١٦٥ .

( ٤ ) البقرة : ٢١٣ .

( ٥ ) الحديد : ٢٥ .

( ٦ ) النجم : ٣٢ .

٥١

« أيّهم أحسن عملا فيكون الثّواب » أي : الجزاء الحسن لمن آمن و أطاع .

« جزاء » لعمله : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ١ .

« و العقاب » و هو ما يعقّبه العمل السّوء .

« بواء » أي : مطابقا مساويا لعمله ، قالت ليلى الأخيلية في مقتل توبة :

فإن تكن القتلى بواء فإنّكم

فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

٢ قال تعالى : . . . ليجزي الّذين أساؤوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى ٣ .

٥

من الخطبة ( ١٨١ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ٦٥ : ٣ وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ٦٠

( ٢ ) لسان العرب ١ : ٣٧ مادة ( بوء ) .

( ٣ ) النجم : ٣١ .

٥٢

« الحمد للّه المعروف من غير رؤية » قال فمن ربّكما يا موسى . قال ربّنا الّذي أعطى كلّ شي‏ء خلقه ثمّ هدى ١ .

« الخالق من غير منصبة » أي : مشقّة و تعب ، قال تعالى : و لقد خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما في ستّة أيّام و ما مسّنا من لغوب ٢ .

هذا ، و في الخطبة ( ٨٨ ) : « الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة » ٣ ، و كلّ منهما صحيح ، فيخلق عزّ و جلّ بدون تفكّر ، كما يخلق بدون تعب ، بخلاف البشر : فلا يعمل شيئا إلاّ بتفكّر و رويّة ، و يحصل له التّعب و المنصبة .

« خلق الخلائق بقدرته » إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٤ .

« و استعبد الأرباب بعزّته » إن كلّ من في السماوات و الأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا ٥ .

« و ساد العظماء بجوده » . . . و يؤت كلّ ذي فضل فضله . . . ٦ .

« و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه » بعد هبوط آدم من الجنّة : . . . و لكم في الأرض مستقرّ و متاع إلى حين ٧ .

« و بعث إلى الجنّ و الأنس رسله » يا معشر الجنّ و الأنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي و ينذورنكم لقاء يومكم هذا قالوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٤٩ ٥٠ .

( ٢ ) ق : ٣٨ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١٥٨ .

( ٤ ) القمر : ٤٩ .

( ٥ ) مريم : ٩٣ .

( ٦ ) هود : ٣ .

( ٧ ) البقرة : ٣٦ .

٥٣

شهدنا على أنفسنا . . . ١ .

« ليكشفوا لهم عن غطائها » أي : حجابها .

« و ليحذّروهم من ضرّائها » كما حكى عزّ و جلّ عن نوح عليه السّلام في قوله لقومه : و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا . ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا ٢ ، و عن صالح عليه السّلام في قوله لقومه : أ تتركون في ما ههنا آمنين .

في جنّات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين ٣ .

« و ليضربوا لهم أمثالهم » كقوله تعالى على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم : . . . يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون . إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و أزّينت و ظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون ٤ ، و اضرب لهم مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح . . ٥ ، مثل الّذين اتّخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتا و إنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ٦ ، مثلهم كمثل الّذي استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم و تركهم في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٣٠ .

( ٢ ) نوح : ١٧ ١٨ .

( ٣ ) الشعراء : ١٤٦ ١٤٩ .

( ٤ ) يونس : ٢٣ ٢٤ .

( ٥ ) الكهف : ٤٥ .

( ٦ ) العنكبوت : ٤١ .

٥٤

ظلمات لا يبصرون . صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد و برق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت و اللّه محيط بالكافرين . يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمّا أضاء لهم مشوافيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللّه لذهب بسمعهم و أبصارهم إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير ١ ، ضرب اللّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتا هما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب اللّه مثلا للّذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين ٢ .

« و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و ليبصّروهم عيوبها و حلالها و حرامها » هكذا في ( المصرية ) ، و قد وقع فيها تقديم و تأخير ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٣ : « و ليبصّروهم عيوبها ،

و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و حلالها و حرامها » ،

فيعلم أنّ النهج كان كذلك ، لكن لا يبعد وقوع تصحيف فيه ، فإنّ عطف ( و حلالها و حرامها ) على ( مصاحّها و أسقامها ) كما فهمه ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٤ خلاف البلاغة ، و مشتمل على التكلّف .

و الظاهر كون ( و حلالها و حرامها ) محرّف ( و حياتها و حمامها ) لقربهما لفظا و خطّا ، و عليه فالمعنى في كمال المناسبة ، و يكون المراد أنّ أسباب العبر ،

و إن كانت في الدّنيا كثيرة ، إلاّ أنّ أهل الدّنيا لحرصهم عليها ، و حبّهم لها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧ ٢٠ .

( ٢ ) التحريم : ١٠ ١١ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٠ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية .

( ٤ ) يظهر هذا من شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٧ ، و شرح الخوئي ٥ : ١١٢ .

٥٥

غافلون عنها ، كما قال عليه السّلام في موضع آخر : « ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار » ١ ،

فبعث اللّه رسله ليبصّروهم عيوب الدّنيا ، و ينبّوهم على كثرة العبر في و قائعها حتّى كأنّ العبر هاجمة عليهم .

« و ما أعدّ اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و ما أعدّ اللّه سبحانه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطّية ) ٢ ، ثمّ إن ابن أبي الحديد احتمل كونه عطفا على ( عيوبها ) ، و هو باطل ، فكيف أمكن ذلك مع فصل ( و ليهجموا ) بينهما ، و لعلّه جعله من قبيل قول أهل نحلته في قوله تعالى :

و أرجلكم بعطفه على وجوهكم مع فصل و امسحوا ٣ بينهما تصحيحا لمذهبهم السخيف مع أنّه خلاف تكلّم العقلاء . و من الغريب أنّ الخوئي ٤ تبعه في احتماله .

« للمطيعين منهم و العصاة » منهم .

« من جنّة » للمطيعين .

« و نار » للعاصين .

« و كرامة » للأوّلين .

« و هوان » للآخرين ، قال تعالى : . . . و من يطع اللّه و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ٥ ، . . . و من يعص اللّه و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٧٢ الحكمة ( ٢٩٧ ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٢١ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣٩٦ ، مثل المصرية ، و لفظ شرح الخوئي ٥ : ١١٠ « و ما أعدّ سبحانه » .

( ٣ ) انظر قوله تعالى : . . . فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين . . . المائدة : ٦ .

٤ ) شرح الخوئي ٥ : ١١١ .

( ٥ ) الأحزاب : ٧١ .

( ٦ ) الأحزاب : ٣٦ .

٥٦

هذا ، و في ( تجريد المحقق الطوسي رحمه اللّه ) في فوائد بعثة الأنبياء :

كمعاضدة العقل في ما يدلّ عليه ، و استفادة الحكم في ما لا يدلّ ، و إزالة الخوف ، و استفادة الحسن و القبح ، و المنافع و المضارّ ، و حفظ النوع الانساني ،

و تكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة ، و تعليمهم الصنائع الخفية ،

و الأخلاق و السياسات ، و الأخبار بالعقاب و الثواب ١ .

« أحمده إلى نفسه كما استحمد إلى خلقه » رجع عليه السّلام إلى أوّل كلامه في حمده تعالى ، و إنّما ذكر عليه السّلام فوائد بعثة الرّسل لأنّها أيضا من موجبات حمده .

« و جعل لكلّ شي‏ء قدرا » أي : مقدارا معيّنا ، قال تعالى : إنّا كلّ شي‏ء خلقناه بقدر ٢ ، و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكنّاه في الأرض و إنّا على ذهاب به لقادرون ٣ ، و لو بسط اللّه الرزق لعباده لبغوا في الأرض و لكن ينزّل بقدر ما يشاء إنّه خبير بصير ٤ ، و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ٥ ، اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كلّ شي‏ء عنده بمقدار ٦ .

« و لكلّ قدر أجلا » . . . ثمّ قضى أجلا و أجل مسمّى عنده . . . ٧ .

« و لكلّ أجل كتابا » و كلّ شي‏ء أحصيناه كتابا ٨ ، و ما كان لنفس أن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧١ .

( ٢ ) القمر : ٤٩ .

( ٣ ) المؤمنون : ١٨ .

( ٤ ) الشورى : ٢٧ .

( ٥ ) الحجر : ٢١ .

( ٦ ) الرعد : ٨ .

( ٧ ) الأنعام : ٢ .

( ٨ ) النبأ : ٢٩ .

٥٧

تموت إلاّ بإذن اللّه كتابا مؤجّلا . . . ١ .

٦

من الخطبة ( ١٩٠ ) فَلَوْ رَخَّصَ اَللَّهُ فِي اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا أَقْوَاماً مُسْتَضْعَفِينَ وَ قَدِ اِخْتَبَرَهُمُ اَللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ اِبْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ اِمْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ .

فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِي مَوَاضِعِ اَلْغِنَى وَ اَلاِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ . نُسارِعُ لَهُمْ فِي اَلْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ٢٣ : ٥٥ ٥٦ ٢ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ ؟ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ؟ وَ مَعَهُ أَخُوهُ ؟ هَارُونُ ع ؟ عَلَى ؟ فِرْعَوْنَ ؟ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ اَلصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا اَلْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرُطَانِ لِي دَوَامَ اَلْعِزِّ وَ بَقَاءَ اَلْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ اَلْفَقْرِ وَ اَلذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ اِحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

٥٨

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ اَلذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ اَلْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ اَلْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طَيْرَ اَلسَّمَاءِ وَ وُحُوشَ اَلْأَرْضِ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ اَلْبَلاَءُ وَ بَطَلَ اَلْجَزَاءُ وَ اِضْمَحَلَّتِ اَلْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ اَلْمُبْتَلَيْنَ وَ لاَ اِسْتَحَقَّ اَلْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ اَلْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ اَلْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى اَلْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ اَلْقُلُوبَ وَ اَلْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ اَلْأَبْصَارَ وَ اَلْأَسْمَاعَ أَذًى .

وَ لَوْ كَانَتِ اَلْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لاَ تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لاَ تُضَامُ وَ مُلْكٍ تَمْتَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ اَلرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ اَلرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى اَلْخَلْقِ فِي اَلاِعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ فِي اَلاِسْتِكْبَارِ وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ اَلنِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ اَلْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ اَلاِتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ اَلْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ اَلاِسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لاَ يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ . « فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه » لأن الكبر يكون عن كونه ذا كمال ، و لا كمال أكمل من كمالهم ، و أمّا أهل الدّنيا فناقصون من جهات ، و إن كان فيهم بعض الكمالات .

« و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر » مع مقامهم ذاك ، و قربهم من مالك السماوات و الأرض ، و في الخبر مرّت امرأة بذية بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت له : إنّك تجلس جلسة العبيد . فقال : أيّ عبد أعبد منّي ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٢٧١ ح ٢ ، و الأهوازي في الزهد : ١١ ح ٢٢ ، و البرقي في المحاسن : ٤٥٧ ح ٣٨٨ ، و رواه الطبرسي

٥٩

« و رضي لهم التّواضع » في الخبر أنّه أتى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ملك لم يطأ الأرض قط ، و معه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول : إنّ هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فان شئت فكن نبيّا عبدا و إن شئت فكن نبيّا ملكا . فأشار إليه جبرئيل بالتواضع ، فقال : بل أكون نبيّا عبدا ١ .

و في ( الكافي ) عن عيسى عليه السّلام ، قال للحواريين : لي إليكم حاجة ، اقضوها لي . قالوا : قضيت حاجتك ، يا روح اللّه . فقام فقبّل عيسى عليه السّلام أقدامهم ، فقالوا : كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه . فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم ، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم . ثمّ قال عليه السّلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ٢ .

« فالصقوا بالأرض خدودهم » في السجود له تعالى ، و عن الصادق عليه السّلام :

أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : يا موسى بن عمران أتدري لم اصطفيتك لوحيي و كلامي دون خلقي ؟ فقال : لا علم لي يا ربّ . فقال : يا موسى إنّي إطّلعت إلى خلقي اطّلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك . . . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٣ .

« و عفّروا » أي : مرّغوا .

« في التّراب وجوههم » و هي أشرف أعضاء جسدهم .

في مكارم الأخلاق : ١٦ ، و النقل بالتلخيص .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٢٢ ح ٥ ، و رواه الورام في التنبيه ١ : ٢٠٠ ، و الطبرسي بطريقين في مشكاة الأنوار : ٢٢٤ ٢٢٥ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٧ ح ٦ ، و في بعض نسخ الكافي « فغسّل أقدامهم » .

( ٣ ) أخرجه الصدوق بروايتين في علل الشرائع : ٥٦ ح ١ و ٢ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ المجلس ٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه(١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج - لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة - كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه »(٢) .

قولهعليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(٣) .

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار واُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، و التمهيد - لابن عبد البر - ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦١

العَدْل ، خلافاً لأبي حنيفة في اُجرة الإصطبل والبيت(١) واُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق ، وما أشبه ذلك(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم بها من خالص ماله؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

والثاني : أنّه لا يُجبر عند الامتناع ، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة ، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل ، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويُجعل ثمنه رهناً(٢) .

قيل عليه : هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده ، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأوّل باطل ؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع ، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحقّقة. وإن كان الثاني ، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(٣) .

وعلى الأوّل - وهو الأصحّ عندهم - لو لم يكن للراهن شي‌ء أو لم يكن حاضراً ، باع الحاكم جزءاً من المرهون ، واكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(٤) .

وأمّا المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ و ١٣١ ،الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٧ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

٢٦٢

الجمّال وترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة ١٨١ : يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته ، وليس للمرتهن منعه منه ، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يُجبر عليها ، بخلاف النفقة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه ولا يُخاف غائلته ، جاز : وإن كان ممّا يخاف ، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه ، ويكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

وللشافعيّة وجهان ، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر ، فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سِلْعَة(٢) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. وإن كان الغالب فيه السلامة ، ففيه الخلاف(٣) .

وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل ؛ لأنّه أمر لا بُدَّ منه ، الغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان فيه نقص ، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

وللراهن تأبير النخل المرهونة.

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ؛ جاز تحويلها.

وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

وما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون ، بخلاف ما يحدث من السعف

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

(٢) السِّلْعة : الضواة ، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب‌ ٨ : ١٦٠ « سلع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

٢٦٣

ويجفّ ، فإنّ الراهن مختصّ به ، وينزّل منزلة النماء.

ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن ، وتؤوى ليلاً إلى يد المرتهن أو العَدْل.

ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها ، فللمرتهن المنع ، وإلّا فلا.

وتؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي ، لم يُمنع.

وكذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

ولو نَبا(١) بهما المكان وأرادا الانتقال ، فإن كان إلى أرضٍ واحدة ، فلا إشكال ، وإلّا جُعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلاً ، كما تقدّم.

____________________

(١) نبا به منزله وفراشه : لم يوافقْه. ونبَتْ بي تلك الأرض : لم أجد بها قراراً. لسان العرب ١٥ : ٣٠٢ « نبا ».

٢٦٤

٢٦٥

الفصل الخامس : في وضع الرهن على يد العَدْل‌

مسألة ١٨٢ : يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما‌ ، سواء تعدّد أو اتّحد ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض ، فمتى قبضه صحّ قبضه - وبه قال علماؤنا ، وجماعة الفقهاء ، منهم : عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبض في عقدٍ ، فجاز فيه التوكيل ، كسائر القبوض.

وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداوُد وابن أبي ليلى : لا يكون مقبوضاً بذلك ؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين ، كالإيجاب والقبول(٣) .

والفرق بينه وبين القبول : أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه ؛ لأنّه مخاطَب. ولو كلّ في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له ، صحّ.

وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) المغني ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٤ : ٤١٨ ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

٢٦٦

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز‌ توكيله ، وهو جائز التصرّف ، سواء مسلماً أو كافراً ، عَدْلاً أو فاسقاً ، ذكراً كان أو اُنثى.

ولا يجوز أن يكون صبيّاً ؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً ، فإن فعلا ذلك ، كان قبضه وعدم قبضه واحداً.

ولا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده ؛ لأنّ منافع العبد لسيّده ، ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ، فإن أذن مولاه ، جاز.

وأمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ ، جاز ؛ لأنّه مكتسب ، وهو سائغ له بغير إذن السيّد. وإن كان بغير جُعْلٍ ، لم يجز ؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة ١٨٣ : لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ وشرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ ، صحّ؛ لأنّ ذلك [ يكون ] توكيلاً(١) في البيع منجّزاً ، وإنّما الشرط في التصرّف. وصحّ بيعه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(٢) .

وإن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع ، قال الشيخرحمه‌الله : لا ينعزل ، ولا تنفسخ وكالته ، وكان له بيع الرهن(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن ، فلم يكن للراهن إسقاطها(٥) ، كسائر‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجرية : « ولأنّ ذلك توكيلاً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤١ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ - ٨٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إسقاطه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٧

حقوقه.

وقال الشافعي وأحمد : يصحّ العزل ، ولا يملك البيع ؛ لأنّ الوكالة عقد جائز ، فلم يلزم العاقد المقام عليها ، كسائر الوكالات.

قالوا : وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه ، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض ، فإن عزله عن البيع ، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه ، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(١) .

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن ، ولو شرطاها بعده ، انفسخت بعزل الموكّل والوكيل إجماعاً.

وأمّا إن عزله المرتهن ، فلا ينعزل ، قاله الشيخ(٢) - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ العدل وكيل الراهن ؛ إذ المرهون ملكه ، ولو انفرد بتوكيله صحّ ، فلم ينعزل بعزل غيره.

والثاني : له عزله(٤) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع ؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع ، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته ، فإذا لم يطالب بالبيع ومنعه منه ، لم يجز ، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة ١٨٤ : إذا وضعا الرهن عند عَدْلٍ وشرطا أن يبيعه عند المحلّ ، جاز.

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للعَدْل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٦٨

مجدَّد(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّ البيع لحقه ، فإذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

والثاني : أنّه لا يراجع ؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(٣) .

وأمّا الراهن فقال الشيخعليه‌السلام : لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانياً عند البيع(٤) - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

والثاني : أنّه يشترط تجديد إذنه ؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحقّ من غيره وإبقاء الرهن لنفسه(٦) .

ولو مات الراهن أو المرتهن ، بطلت الوكالة.

وإذا قلنا : إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن ، فلو عاد إلى الإذن ، جاز البيع ، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة : مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد ووكّل ، افتقر إلى إذنٍ جديد للمرتهن ، ويلزم عليه أن يقال : لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(٧) .

ولو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات ، فإنّ اتّفق الراهن والمرتهن‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥ و ٦ ) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٧) الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

٢٦٩

على كونه في يد عَدْلٍ آخَر أو في يد أحدهما ، كان لهما. وان اختلفا ، كان للحاكم أن يضعه عند عَدْلٍ يرتضيه.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات ، فالرهن بحاله ، فإن رضي الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن ، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى ذلك ، لم يُجبر على تركه في أيديهم ؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته ، ويضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة ١٨٥ : يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه ، فلو اتّفقا على نقله من يده ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما. وان اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل وامتنع الآخَر ، لم ينقل ؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه ، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد وإخراجه من يده.

ولو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن ، كان له ذلك ، وعليهما قبوله منه ؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه ، فلا يلزمه المقام على ذلك ، فإذا قبضاه فقد بري‌ء العدْل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه ، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [ تسلّمه ](١) فإن امتنعا أو استترا ، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما ؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

ولو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما وقبل امتناعهما من قبضه ، لم يكن له ذلك ، وكان ضامناً ، وكان الحاكم ضامناً أيضاً ؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

وليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان الإيصال إليهما ، وكذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « تسليمه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٠

فإنّه يضمن ، ويضمن القابض أيضاً ؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى‌ غير المتراهنين ، وليس للعَدْل القابض قبضه ، فضمنه ؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ ، فلزمه الضمان.

ولو دفعه إلى أحد المتراهنين ، فإنّهما يضمنان أيضاً ؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه ، فإذا سلّمه ، ضمن ، وضمن القابض ؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ ، جاز ولا ضمان.

ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر ، ضمن.

والفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما ، فإذا دفعه إلى أحدهما ، كان ماسكاً لنفسه ، فلم يجز.

ولو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده - كسفرٍ عزم عليه ، أو مرضٍ خاف منه ، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم ، وقبضه الحاكم عنهما ، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكماً ، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ ، ولا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

وللشافعيّة وجهان(١) .

وإن لم يكن له عذرٌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يجز له تسليمه إلى

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ و ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦ ، و ٥ : ٢٩.

٢٧١

الحاكم(١) . وهو جيّد.

وفصّل الشافعي فقال : إن كانت غيبتهما طويلةً - وهو السفر الذي يقصر فيه الصلاة - فإنّ الحاكم يقبضه عنهما ، ولا يلجئه إلى حفظه ، وإن لم يجد حاكماً ، أودعه عند ثقة أو أمين : وإن كانت المسافة قصيرةً ، فهو كما لو كانا حاضرَين(٢) .

وإن كان أحدهما غائباً والآخَر حاضراً ، لم يجز تسليمه إلى الحاضر ، وكان كما لو كانا غائبين.

وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه ، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ وغاب أحدهما الآخَر فطالَب ، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه وبين الغائب ؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً ؛ لثبوت يدهما معاً عليها ، فقسّمها الحاكم ، وهنا الملك لأحدهما وللآخَر حقّ الوثيقة ، وذلك لا يمكن قسمته ، فاختلفا.

مسألة ١٨٦ : لو جعلا الرهن على يد عَدْلين ، جاز إجماعاً ، ولهما إمساكه ، ولا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر ، ضمن النصف ؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. ولأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما ، وإنّما رضي بأمانتهما جميعاً ، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

ويحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر ، مثل الطعام والزيت ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٧ ، المسألة ٤٩ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢١.

(٢) راجع : المغني ٤ : ٤٢٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٠.

٢٧٢

وفي الآخَر : يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما ويتعذّر ، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما‌ الحفظ(١) .

وهو ممنوع ؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

وقال أبو حنيفة : إن كان ممّا لا ينقسم ، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. وإن كان ممّا يمكن قسمته ، لم يجز ، بل يقتسمانه(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(٣) .

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخَر ؛ لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل ، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما ، بخلاف البيع ، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه ، لم يُسلّم إلى غيره.

وعلى القول الثاني للشافعيّة - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخَر - لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما ، جاز ، وانفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده ، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه لمـّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

(٢ و ٣ ) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

٢٧٣

ما ينفرد(١) بحفظه ، فلم يكن له ردّه إلى غيره. ولأنّ قبل القسمة جاز ذلك ؛ لحصول المشقّة ، وبعد القسمة زالت المشقّة(٢) .

مسألة ١٨٧ : لو جني على الرهن في يد العَدْل ، وجبت قيمته على الجاني ، وكانت رهناً. وللعَدْل حفظها ؛ لأنّها بدل الرهن ، وله إمساك الرهن وحفظه ، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها ، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة ، بل تبطل ؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها ، وبطلت الوكالة ؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن ، وإنّما هي باقية على جوازها ، ولهذا للراهن الرجوعُ ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

ولو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن ، وجب عليه ردّه إليه ؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه ، فإذا ردّه إلى العَدْل ، زال عنه الضمان.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه ، لم يزل عنه الضمان ؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك ، فلم يعتد بفعله ، ولا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

ولو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل ، ضمنه ، فإن ردّه إليه ، زال الضمان ؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

ولو اقترض ذمّيّ من مسلمٍ مالاً ورهن عنده خمراً وجعله على يد ذمّيّ ، لم يصح الرهن ، فإذا حلّ الحقّ وباعها الذمّي العَدْل وجاء بالثمن ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٧٤

قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أخذه ، ولا يُجبر عليه(١) .

وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان : أحدهما : لا يُجبر ؛لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر ، وذلك غير مملوك. والثاني : يُجبر ؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة ، فيقال : إمّا أن تقبض ، وإمّا أن تبرئ(٢) .

وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن ؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه ، ولا حكم له.

مسألة ١٨٨ : إذا أذن الراهن والمرتهن للعَدْل في بيع الرهن ، فإن عيّنا له قدراً أو جنساً ، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شي‌ء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع ، جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فإنّه جوّز أن يبيعه ولو بدرهمٍ واحد ؛ لإطلاق الأوّل(٤) .

ليس جيّداً ؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس ، وهو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل ، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس ، فالأقوى : الجواز ؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس ، لم يصح ، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٨ ، المسألة ٥٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٠.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٥

فيه بخمسة دراهم ، فباعه العَدْل بثمانين ، بطل ، ورجع الراهن في العين إن كانت باقيةً ، وإن كانت تالفةً ، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري ، رجع بقيمتها ، ولا يردّ المشتري على‌العَدْل. وإن رجع على العَدْل ، رجع بجميع القيمة ؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له ، فضمن جميع قيمتها ، وصار كما لو أتلفها ، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس ، فيرجع بالباقي على المشتري ؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه ، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله ، نفذ بيعه ، ويلزم عليه المشتري ؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(١) لم يرجع عليه بشي‌ء ، ومع هذا يجب عليه جميع القيمة(٢) .

وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاةَ وحرّم بعضاً ، فكم يضمن؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز ؛ لأنّ التفضيل جائز.

والثاني : يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(٣) . وكذا لو قالوا(٤) في الاُضحية(٥) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بمثله » بدل « عليه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) كذا ، والظاهر : « وكذا قالوا ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، =

٢٧٦

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله ، صحّ البيع.

وإن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجَّل ، لم يصحّ البيع ، ويجب ردّ العين ، فإن كانت باقيةً ، استرجعها ، وإن كانت تالفةً ، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على العَدْل ، رجع العَدْل على المشتري ؛ لأنّ التلف كان في يده ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على العَدْل.

مسألة ١٨٩ : إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس ، صحّ البيع ؛ لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه ، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ، لم يعتد بهذه الزيادة ؛ لأنّه لا يجوز له قبولها ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

وإن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز له قبول الزيادة ، وفسخ العقد ، فإن لم يقبل الزيادة ، لم ينفسخ العقد ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله ؛ لأنّ العقد قد صحّ ، وهذه الزيادة مظنونة ، فلا ينفسخ بها العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال في الآخَر : إنّه ينفسخ ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط ، وحالة الخيار بمنزلة حال العقد ، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل ، فكذا هنا(٢) .

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٤١٩.

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٥ ، المسألة ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

٢٧٧

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه ، فالبيع الأوّل بحاله. وإن كان بعده ، فقد ارتفع ذلك البيع ، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا بدا له ، كان البيع بحاله ، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ وجعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده ، عرفنا عدم الوجوب(١) .

ولو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل وباع من الراغب ، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

ولهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّةً اُخرى؟(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما ، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً ، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن ، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع ، والثمن ملكه ، وهو أمين له في قبضه ، فإذا تلف ، كان من ضمانه ، كسائر الأُمناء.

وقال أبو حنيفة ومالك : يكون من ضمان المرتهن(٤) .

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن والثمن بدله ، فيكون مضموناً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٨

وليس بجيّد ؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

وأمّا مالك فإنّه يقول : البيع حقّ للمرتهن ، وهو تابع لحقّه ، والثمن‌ يكون للمرتهن ، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.

وقوله : « الثمن يكون للمرتهن » ليس بصحيح ؛ لأنّه بدل الرهن ، وإنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه ؛ لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الرهن من راهنه »(١) بمعنى من ضمان راهنه ، وهذه عادة العرب في حذف المضاف.

ولو باع العَدْل وتلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً ، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن ، فإنّ العهدة على الراهن ، وكذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره وبه قال الشافعي وأحمد(٢) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره ، فلم يلزمه الضمان ، كأمين الحاكم وسائر الوكلاء.

ولا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ لأنّه نائب الحاكم ، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

والثاني : يكون طريقاً ، كالوكيل والوصي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل ، ويرجع على الراهن. وبنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق - عنده - بالوكيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

(٢) المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٩

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

وقال مالك : لا عهدة على العَدْل ، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ، ويعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان ؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن‌ بمطالبته واستحقاقه ، وكانت العهدة عليه ، كالموكّل(١) .

وقد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

ولو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن ، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : يرجع على العَدْل ويرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(٤) .

وإن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن ؛ لأنّه قبضه بحقٍّ ، وإنّما يرجع على الراهن.

وإن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل ، كان للمشتري الرجوعُ عليه ، ويرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة ، وإن أنكر ذلك ، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه ، فإن نكل عن اليمين ، حلف المشتري ، ويرجع عليه ، ولم يرجع هو على الراهن ؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة ١٩١ : لو باع العَدْل وقبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ ، فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك ؛ لأنّه أمين ، ويتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك ، فإن كلّفناه البيّنة ، شقّ عليه ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٢.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « المرتهن » بدل « الراهن ».

(٣) المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605