بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة19%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110220 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

هذا ، و قال لبيد في خيه لأمّه أربد :

فودّع بالسلام أبا حريز

و قل وداع أربد بالسلام

و قال البحتري في رثاء أبي سعيد :

نستقصر الأكباد و هي قريحة

و نذمّ فيض الدمع و هو سجام

« و لكنّه » أي : الموت .

« ما لا يملك ردّه ، و لا يستطاع دفعه » و عنه عليه السّلام :

الموت لا والدا يبقي و لا ولدا

هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا

كانّ النبيّ و لم يخلد لامتّه

لو خلّد اللّه خلقا قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة

من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

١ « بأبي أنت و أمّي اذكرنا عند ربّك ، و اجعلنا من بالك » أي : ممّن تبالي به و يكون عندك مهمّا ، أو ممّن يكون في خاطرك لا منسيّا ، و في ( تاريخ اليعقوبي ) : سمعوا صوتا من البيت ، يسمعون الصوت و لا يرون الشخص ، فقال : السّلام و رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور ٣ ، لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعنّ من الّدين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الّذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإنّ ذلك من عزم الأمور ٤ إنّ في اللّه خلفا من كلّ هالك ، و عزاء من كلّ مصيبة ، عظّم اللّه أجوركم ، و السّلام و رحمة اللّه . فقيل لجعفر بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل الأبيات صاحب ديوان علي عليه السّلام فيه : ٤٨ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٤ ) آل عمران : ١٨٦ .

٥٠١

محمّد عليه السّلام : من كنتم ترونه ؟ فقال : جبرئيل عليه السّلام ١ .

و مرّ في قوله عليه السّلام « خصصت حتّى صرت مسليا عن سواك » نظيره عن ( الكافي ) ٢ ، و يأتي في فصل الإمامة الخاصّة قوله عليه السّلام : لقد قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري ، و لقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ، و لقد وليت غسله ، و الملائكة أعواني فضجّت الدار و الأفنية ملأ يهبط ،

و ملأ يعرج ، و ما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه » ٣ .

و أمّا شرح وفاته صلى اللّه عليه و آله ففي ( المناقب ) : قال ابن عباس و السدي ، لمّا نزل قوله تعالى : إنّك ميّت و إنّهم ميّتون ٤ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ليتني أعلم متى يكون ذلك ؟ فنزلت سورة النصر ، فكان ( النبيّ صلى اللّه عليه و آله ) يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزولها فيقول : « سبحان اللّه ، و بحمده استغفر اللّه و أتوب إليه » فقيل له في ذلك ؟ فقال : أما إنّ نفسي نعت إليّ إلى أن قال ثمّ نزلت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم . . . ٥ ثمّ نزلت عليه بعرفة :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام . دينا . . . ٦ ثمّ نزلت عليه بعد أحد و ثمانين يوما آيات الربا ٧ ثمّ نزلت بعدها :

و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه . . . ٨ و هي آخر آية نزلت من السماء ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٤ .

( ٢ ) مرّ في أوائل هذا العنوان .

( ٣ ) يأتي في العنوان ٤ من الفصل الثامن .

( ٤ ) الزمر : ٣٠ .

( ٥ ) التوبة : ١٢٨ .

( ٦ ) المائدة : ٣ .

( ٧ ) انظر الآيات ٢٧٥ ٢٨١ من سورة البقرة .

( ٨ ) البقرة : ٢٨١ .

٥٠٢

فعاش بعدها أحد و عشرين يوما .

قال ابن جريح : تسع ليال . و قال ابن جبير و مقاتل : سبع ليال . و لمّا مرض مرضه الّذي توفي فيه ، و ذلك يوم السبت أو الأحد من صفر أخذ بيد علي عليه السّلام و تبعه جماعة من أصحابه ، و توجّه إلى البقيع ، ثمّ قال : السّلام عليكم أهل القبور و ليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، و قد عرضه العام عليّ مرّتين ، و لا أراه إلاّ لحضور أجلي ١ .

و رواية تهنية النبيّ لموتى البقيع بعدم بقائم بعده حتّى يبتلوا بفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها بمعنى كون الفتن الأخرى نتيجة الفتن الأولى حين وفاته رواية قطعية رواها المؤالف و المخالف ، و هي دالّة على أنّ الباقين بعده لم يكونوا مذعنين لما يأمرهم بعده في أمر خلافته ، و كيف لا ،

و قد صدّوه عن وصيّته ، و قد أكّد في خروجهم في جيش أسامة مرّة بعد مرّة ،

و كلّما أفاق من الغشوة حتّى لعن المتخلّف عن ذلك ، و قد تخلّفوا ، و دالّة على أنّ ما فعلوه يوم السقيفة كان خطأ عظيما ، و خبطا جسيما لا تعدّ مفاسده ، و لا تنقضي و خاماته .

و مرّت رواية محمّد بن حبيب في ( أماليه ) في نجوى أمير المؤمنين عليه السّلام للنبيّ صلى اللّه عليه و آله وقت تغسيله ، و قوله له : أشكو إليك كمدا و إدبارا مخالفين ، و داء الفتنة فإنّها قد استعرت نارها ، و داؤها الداء الأعظم ٢ .

هذا ، و من المراثي الجيّدة رثاء أبي محمّد التميمي ليزيد بن مزيد الشيباني ابن أخي معن بن زائدة ، و كان هارون الرشيد يستجيدها ، و إذا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٣٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مرّ في بدء هذا العنوان .

٥٠٣

سمعها بكى ، و هي :

أحقا أنّه أودى يزيد

تبيّن أيّها الناعي المشيد

أ تدري من نعيت و كيف فاهت

به شفتاك كان بها الصعيد

أحامي المجد و الإسلام أودى

فما للأرض ويحك لا تميد

تأمّل هل ترى الإسلام مالت

دعائمه و هل شاب الوليد

و هل مالت سيوف بني نزار

و هل وضعت عن الخيل اللبود

و هل تسقى البلاد عشار مزن

بدرّتها و هل يخضّر عود

أما هدّت لمصرعه نزار

بلى و تقوّض المجد المشيد

و حلّ ضريحه إذ حلّ فيه

طريف المجد ذي حسب جمود

أبعد يزيد تختزن البواكي

دموعا أو تصان لها خدود

لتبكك قبّة الإسلام لمّا و هت أطنابها و وهى العمود

و يبك شاعر لم يبق دهر

له نسبا و قد كسد القصيد

فمن يدعو الإمام لكلّ خطب

ينوب و كلّ معضلة تؤود

و من يحمي الخميس إذا تعايا

بحيلة نفسه البطل النجيد

فإن يهلك يزيد فكلّ حيّ

فريس للمنية أو طريد

ألم يعجب له أنّ المنايا

فتكن به وهن له جنود

قصدن له و كنّ يحدن عنه

إذا ما الحرب شبّ له وقود

لقد عزّى ربيعة أنّ يوما

عليها مثل يومك لا يعود

إلاّ أنّها إغراقات و جزافات شعرية ، فالرجل إن كان شجاعا كان قاتلا للناس بغير الحقّ ، و إن كان جوادا كان باذلا للمال في غير الحقّ ، و إنّما الكلام الحقّ ما قاله عليه السّلام فيه صلى اللّه عليه و آله .

٥٠٤

٤٥

الحكمة ( ٢٩٢ ) و قال عليه السّلام على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ساعة دفن :

إِنَّ اَلصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلاَّ عَنْكَ وَ إِنَّ اَلْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلاَّ عَلَيْكَ وَ إِنَّ اَلْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَ إِنَّهُ قَبْلَكَ وَ بَعْدَكَ لَجَلَلٌ أقول : في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) قال الشعبي : بلغني أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام وقف على قبر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال : إنّ الجزع ليقبح إلاّ عليك ، و إنّ الصبر ليجمل إلاّ عنك ، ثمّ قال :

ما فاض دمعي عند نازلة

إلاّ جعلتك للبكا سببا

و إذا ذكرتك سامحتك به

مني الجفون ففاض و انسكبا

إنّي أجلّ ثرى حللت به

أن لا أرى بثراه مكتئبا

١ « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك » عنه عليه السّلام كما في ( المناقب ) في رثائه :

نفسي على زفراتها محبوسة

ياليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة و إنّما

أخشى مخافة أن تطول حياتي

٢ و عن عمّته عاتكة فيه :

أعينيّ من ذا بعد ما فجعتما به

تبكّيان الدهر من ولد آدم

« و إن الجزع لقبيح إلاّ عليك » قال السروي : روي أنّ الصديقة عليها السّلام ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، و تقول لولديها : أين أبوكما الّذي كان يكرمكما ، و يحملكما مرّة بعد مرّة ؟ أين أبو كما الّذي كان أشدّ الناس شفقة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٦٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٤٠ ، و صاحب ديوان علي عليه السّلام فيه : ٤٠ .

٥٠٥

عليكما ، فلا يدعكما تمشيان على الأرض ؟ و لا أراه يفتح هذا الباب أبدا و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما . ثمّ مرضت . . . ١ .

و في الخبر : أنّها بكت حتّى تأذّي بها أهل المدينة ، فقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك . فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء ، فتبكي حتّى تقضي حاجتها ، ثمّ تنصرف ٢ .

و مثله الحسين عليه السلام ، الصبر جميل إلاّ عنه ، و الجزع قبيح ، إلاّ عليه ، بل في الخبر : و على مثل الحسين عليه السّلام فلتلطم الخدود ، و لتشقّ الجيوب ، فإنّ الفاطميات لطمن عليه ، و شققن عليه ٣ .

و روي أنّ السجاد عليه السّلام بكى عليه حتّى خيف على عينيه ، و كان إذا أخذ إناء ماء ليشرب بكى حتّى يملأها دما ، و قال : و كيف لا أبكي ، و قد منع أبي من الماء الّذي كان مطلقا للسباع و الوحوش ٤ .

و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال حين نظر إلى الحسين عليه السّلام : يا عبرة كلّ مؤمن ٥ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : لمّا قتل الحسين عليه السّلام أقامت إمرأته الكلبية عليه مأتما ، و بكت و بكت النساء حتّى جفّت دموعهن و ذهبت ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل ، فسألتها عن ذلك ،

فقالت : شربت شربة سويق . قال فأمرت بالطعام و الأسوقة ، و قالت : إنّما نريد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٣٦٢ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٢٧٢ ح ١٥ باب الخمسة .

( ٣ ) التهذيب للطوسي ٨ : ٣٢٥ ح ٢٣ ، و النقل بتصرف .

( ٤ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٦٦ .

( ٥ ) كامل الزيارات لابن قولويه : ١٠٨ ح ١ .

٥٠٦

بذلك أن نتقوّى على البكاء ١ .

« و إنّ المصاب بك لجليل » عنه صلى اللّه عليه و آله : من أصيب بمصيبة ، فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب .

هذا ، و في ( عيون ابن قتيبة ) قال ابن الكلبي : لمّا قبض النبيّ صلى اللّه عليه و آله سمع بموته نساء من كندة و حضر موت ، فخضبن أيديهن و ضربن بالدفوف ، فقال رجل منهم لأبي بكر في أيّامه :

أبلغ أبا بكر إذا ما جئته

إنّ البغايا رمن أي مرام

أظهرن من موت النبي شماتة

و خضبن أيديهنّ بالعلام

فاقطع هديت أكفهن بصارم

كالبرق أومض من متون غمام

فكتب أبو بكر إلى عامله ثمّة فأخذهن ، و قطّع أيديهن ٢ .

هذا ، و مما يدخل في الباب قول بعض الأدباء نثرا : لقد رزئنا من فلان عالما في شخص ، و أمّة في نفس ، مضى و المحاسن تبكيه ، و المناقب تعزّى فيه ، و العيون لما قرّت به أسخنها ريب المنون ، و الصدور لمّا شرحت به قبضها فقد المقدور . فاح فتيت المسك من مآثره ، كما يفوح العبير من محابره .

هذه المكارم تبدي شجوها لفقده ، و تلبس حدادها من بعده ، و هذه المحاسن قامت نوادبها مع نوادبه ، و اقترنت مصائبها بمصائبه .

« و إنّه قبلك و بعدك لجلل » أي : هيّن ، قال امرؤ القيس لمّا قتل أبوه :

ألا كلّ شي‏ء سواه جلل ٣ .

قالوا : نعي في أحد إلى امرأة من الأنصار أخوها و أبوها و زوجها ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٦٦ ح ٩ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ١١٦ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ١١ : ١١٧ مادة ( جلل ) و صدره : بقتل بني أسد ربّهم .

٥٠٧

فسألت عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقالوا : كما تحبّين . قالت : أرونيه . فلمّا نظرت إليه قالت :

كلّ مصيبة بعدك جلل ١ .

و يأتي جلل بمعني : الجليل أيضا ، قال ابن و علة الجرمي :

فلئن عفوت لأعفون جللا

و لئن سطوت لأوهنن عظمي

و في معنى كلامه عليه السّلام « و إنّه قبلك و بعدك لجلل » قول حسّان أيضا في رثاء النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

و ما فقد الماضون مثل محمّد

و لا مثله حتّى القيامة يفقد

هذا ، و قالت الخنساء في أخيها صخر :

فلست أرزى بعده برزية

فأذكره إلاّ سلّت و تجلّت

و قال متمّم في أخيه مالك الّذي قيل فيه : فتى و لا كمالك .

لعمري و ما دهري بتأبين هالك

و لا جزع مما أصاب فأوجعا

قال في شواهد ( الكتاب ) لسيبويه ، أي : لا أرثي ، و لا أبكي بعده هالكا ، و لا أجزع بعده من شي‏ء ٢ .

و قال اعرابي : إنّها و اللّه مصيبة جعلت سواد الرؤوس بيضا ، و بياض الوجوه سودا ، و هوّنت المصائب ، و شيّبت الذوائب .

و لبعضهم :

ألا ليمت من شاء بعدك إنّما

عليك من الأقدار كنت أحاذر

أيضا :

و كنت عليه أحذر الموت وحده

فلم يبق لي شي‏ء عليه أحاذر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ٣ : ٤٣ و المغازي للواقدي ١ : ٣١٥ و تاريخ الطبري ٢ : ٢١٠ سنة ٣ و المرأة : أمّ عامر الأشهلية .

( ٢ ) المعروف أنّ كتاب شرح شواهد الكتاب تأليف أبي جعفر النحاس ، و لم أجد البيت فيه .

٥٠٨

٤٦

الحكمة ( ٤٧٣ ) و قيل له عليه السّلام : لو غيّرت شيبتك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السّلام :

اَلْخِضَابُ زِينَةٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله .

قول المصنّف : « و قيل له عليه السّلام : لو غيّرت شيبتك يا أمير المؤمنين » و كأنّه عليه السّلام لم يغيّر شيبته إلى آخر عمره ابتداء لما ذكر هنا ، و أخيرا لما روى عبد اللّه بن سنان أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خضب و الحسين عليه السّلام قد خضب ، و أبو جعفر عليه السّلام ، و لم يمنع عليّا عليه السّلام إلاّ قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : تخضب هذه من هذه ١ .

و ممّا قيل في الاعتذار عن ترك الخضاب قول شاعر :

و قائلة أتخضب فالغواني

تطير من ملاحظة القتير

فقلت لها المشيب نذير عمري

و لست مسودّا وجه النذير

و قيل لحكيم : شبت و أنت شاب ، فلم لا تعالجه بالخضاب ؟ فقال : إنّ الثكلي لا تحتاج إلى الماشطة ( أراد ثكله بعمره ) .

« فقال عليه السّلام : الخضاب زينة و نحن قوم في مصيبة » و في الخبر : أنّ الحسين عليه السّلام لمّا وضع الحسن عليه السّلام في اللحد قال :

أ أدهن رأسي أم أطيب محاسني

و رأسك معفور و أنت سليب

٢ و لا بدّ أنّ السجاد عليه السّلام ترك الخضاب دائما ، لأنّه كان في مصيبة أبيه إلى آخر عمره .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٨١ ح ٨ و له شاهد أخرجه الصدوق في علل الشرائع : ١٧٣ ح ١ و قوله « تخضب هذه من هذه » إخبار النبيّ صلى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام بشهادته ، و هو حديث مشهور مرّ تخريجه في العنوان ٨ من الفصل الخامس .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥ ، و في النسخ

« أ أدهن رأسي أم أطيب محاسني »

٥٠٩

« يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ١ بدل الجملة « برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و في ( ابن ميثم ) ٢ « يعني برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و في ( الخطّية ) « يريد برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » و على نقل ابن أبي الحديد يكون « برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » جزء كلامه عليه السّلام ، و على نقل الآخرين من كلام الرواة الرضي رضوان اللّه عليه أو غيره ، و كأنّ نقل ابن ابي الحديد أصحّ ، و يكون تنكير ( مصيبة ) للتعظيم ، و على نقل ( ابن ميثم و الخطّية ) الصفة مقدّرة ، و كيف كان فما في المصرية ليس بصحيح لأنّه كخلاف الإجماع المركّب .

٤٧

الحكمة ( ٨٨ ) و حكى عنه أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام أنّه قال :

كَانَ فِي اَلْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ وَ قَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ اَلْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلَّذِي رُفِعَ فَهُوَ ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ وَ أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فَالاِسْتِغْفَارُ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى وَ ما كانَ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٨ : ٣٣ ٣ و هذا من محاسن الاستخراج و لطائف الاستنباط .

قول المصنف : « و حكى عنه أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام » و قريب ممّا حكى عنه عليه السّلام الباقر عليه السّلام ما حكى الصادق عليه السّلام لكن عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّ لكم في حياتي خيرا ، و في مماتي خيرا ، أمّا في حياتي فقد قال تعالى : و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم ٤ و أمّا في مماتي فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٢٢ لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٤٦٦ مثل المصريّة .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٥٢٢ لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٤٦٦ مثل المصريّة .

( ٣ ) الأنفال : ٣٣ .

( ٤ ) الأنفال : ٣٣ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٤ ح ٣٦١ عن الصادق عليه السّلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و تفسير العياشي ٢ : ٥٤ ح ٤٥ و تفسير القمي : ٢٧٧ عن الباقر عليه السّلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله .

٥١٠

« أنّه قال كان في الأرض أمانان . . . فهو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله » عن أبي سعيد الخدري أنّ عمارا قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : وددت أنّك عمّرت فينا عمر نوح عليه السّلام .

فقال صلى اللّه عليه و آله : يا عمّار حياتي خير لكم ، و وفاتي ليس بشرّ لكم ، أمّا في حياتي فتحدّثون و أستغفر اللّه لكم ، و أمّا بعد وفاتي فاتّقوا اللّه و أحسنوا الصلاة عليّ و على أهل بيتي فإنّكم تعرضون عليّ بأسمائكم و أسماء آبائكم و قبائلكم ، و إن يكن خيرا حمدت اللّه تعالى ، و إن يكن سوءا أستغفر اللّه لذنوبكم . فقال المنافقون و الشكّاك و الّذين في قلوبهم مرض : يزعم أنّ الأعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال ، و أسماء آبائهم و أنسابهم إلى قبائلهم ، إنّ هذا لهو الافك . فأنزل اللّه تعالى : و قل اعملوا فسيرى اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون ١ فقيل له : و من المؤمنون ؟ فقال : عامة و خاصّة ، أمّا الّذين قال اللّه تعالى و المؤمنون فهم آل محمّد صلى اللّه عليه و آله و الأئمة منهم عليهم السّلام ٢ .

و روى ابن ديزيل عن الحسن بن الربيع البجلي ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك في قوله تعالى : فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون . أو نرينّك الّذي و عدناهم فإنّا عليهم مقتدرون ٣ قال :

أكرم اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله أن يريه في أمّته ما يكره ، رفعه إليه و بقيت النقمة ٤ .

« و أمّا الأمان الباقي فالاستغفار » قال تعالى : و لو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّابا رحيما ٥ ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١٠٥ .

( ٢ ) محاسبة النفس لابن طاووس : ١٨ .

( ٣ ) الزخرف : ٤١ ٤٢ .

( ٤ ) أخرجه ابن ديزيل عنه شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٥٥ و ابن مردويه و البيهقي في الشعب عنهما الدر المنثور ٦ : ١٨ عن حميد عن أنس .

( ٥ ) النساء : ٦٤ .

٥١١

و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما ١ .

« قال اللّه تعالى » في الأنفال في الآية ( ٣٣ ) .

و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون و قبل الآية : و إذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٢ و بعد الآية : و ما لهم الاّ يعذّبهم اللّه و هم يصدّون عن المسجد الحرام ٣ .

و في تفسير الآية روايات ، إحداها : ما أشار إليه المصنّف ، و الثانية : ما في ( تفسير القميّ ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال لقريش : إنّ اللّه بعثني أن أقتل جميع ملوك الدّنيا ، و أجرّ الملك اليم ، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب و تدين لكم بها العجم ، و تكونوا ملوكا في الجنّة . فقال أبو جهل : اللّهمّ إن كان هذا الّذي يقوله محمّد هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٤ حسدا للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : كنّا و بنو هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا ، و نطعن إذا طعنوا ، و نوقد إذا أوقدوا . فلمّا استوى بنا و بهم الركب قال قائل منهم : منّا نبيّ ، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم ، و لا يكون في بني مخزوم . ثمّ قال : غفرانك اللّهم . فأنزل اللّه تعالى في ذلك : و ما كان اللّه . . .

و هم يستغفرون ٥ حين قال : « غفرانك اللّهمّ » فلّما همّوا بقتل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و أخرجوه من مكّة قال اللّه تعالى : و ما لهم ألاّ يعذّبهم اللّه و هم يصدّون عن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١١٠ .

( ٢ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٣ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٤ ) الأنفال : ٣٢ .

( ٥ ) الأنفال : ٣٣ .

٥١٢

المسجد الحرام و ما كانوا أولياءه . . . ١ يعني قريشا ما كانوا أولياء مكّة إن أولياؤه إلاّ المتّقون ٢ أنت و أصحابك يا محمّد . فعذّبهم اللّه بالسيف يوم بدر فقتلوا ٣ .

و الثالثة : ما رواه ( الكافي ) في خبر مضمونه : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا بيّن مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام غضب الحارث الفهري ، و قال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فأنزل تعالى مقالته ، و أنزل آية : و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون ( فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : و إمّا تبت و إمّا رحلت ؟ فقال : بل أرحل . فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة ، فرضت هامته ، ثمّ أنزل : سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع ٤ .

و روى قريبا منه الثعلبي في ( تفسيره ) كما نقله عنه سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) إلاّ أنّه روى أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا قال يوم الغدير للناس : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال الحارث : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا . . . إلى آخره مثله ٥ .

هذا ، و روى ( الكافي ) في خطب التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اصطفاه بالتّفضيل ، و هدى به من التّضليل ، اختصّه لنفسه ،

و بعثه إلى خلقه برسالاته و بكلامه ، يدعوهم إلى عبادته و توحيده ، و الإقرار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٢ ) الأنفال : ٣٤ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٢٧٦ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٨ : ٥٨ ح ١٨ ، و الآيتان ( ١ ٢ ) من سورة المعارج .

( ٥ ) أخرجه الثعلبي في تفسيره عنه تذكرة الخواص : ٣٠ و فرات الكوفي بثلاث طرق في تفسيره : ١٨٩ ، ١٩٠ و الحسكاني بثلاث طرق في شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٦ ، ٢٨٨ ح ١٠٣٠ ، ١٠٣٣ ، ١٠٣٤ و رواه الطبرسي في مجمع البيان ١٠ : ٣٥٢ .

٥١٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بربوبيّته ، و التّصديق بنبيّه ، بعثه على حين فترة من الرسل ، و صدف عن الحقّ ، و جهالة بالربّ ، و كفر بالبعث و الوعيد ، فبلّغ رسالاته ، و جاهد في سبيله ،

و نصح لامّته ، و عبده حتّى أتاه اليقين ١ .

و روى الخطيب في عبد الوهاب كاتب عيسى بن المقتدر مسندا عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : لم يكن بالطّويل الممعط و لا القصير المتردد ، و كان ربعة و لم يكن بالجعد القطط ، و لا السبط ، كان جعدا رجلا و لم يكن بالمطهمّ ، و لا المكلثم كأنّ في الوجه تدويرا ، أبيض مشربا ،

أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش و الكتد ، ذا مسربة ، شثن الكفّين و القدمين ، إذا مشى تقلّع كأنّما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت جميعا ، بين كتفيه خاتم النبوّة ، و هو خاتم النّبيين ، أجرأ الناس صدرا ، و أصدق الناس لهجة ، و أوفاهم بذمة ، و ألينهم عريكة ، من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبّه ، يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلى اللّه عليه و آله ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أعثر عليها في كتاب التوحيد من الكافي ، و قريب منه ضمن خطبة في الكافي ٨ : ١٧٤ كتاب الروضة .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١١ : ٣٠ و مرّ تخريجه من طرق أخرى في العنوان ٥ من هذا الفصل .

٥١٤

٥١٥

الفصل السابع في الامامة العامّة

٥١٦

١

من الحكمة ( ١٤٧ ) في جزء كلامه عليه السّلام لكميل :

اَللَّهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو اَلْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اَللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ .

وَ كَمْ ذَا وَ أَيْنَ أُولَئِكَ وَ اَللَّهِ اَلْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ اَلْأَعْظَمُونَ قَدْراً يَحْفَظُ اَللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَ يَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ اَلْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ اَلْبَصِيرَةِ وَ بَاشَرُوا رُوحَ اَلْيَقِينِ وَ اِسْتَلاَنُوا مَا اِسْتَوْعَرَهُ اَلْمُتْرَفُونَ وَ أَنِسُوا بِمَا اِسْتَوْحَشَ مِنْهُ اَلْجَاهِلُونَ وَ صَحِبُوا اَلدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ اَلْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ اَلدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ .

اِنْصَرِفْ يَا ؟ كُمَيْلُ ؟ إِذَا شِئْتَ . أقول : كلامه عليه السّلام هذا لكميل متواتر ، رواه من العامّة ابن عبد ربّه في

٥١٧

( عقده ) عن أيّوب بن سليمان ، عن عامر بن معاوية ، عن أحمد بن عمران الأخفش ، عن الوليد بن صالح الهاشمي ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الكوفي ،

عن أبي مخنف ، عن كميل عنه عليه السّلام ١ ، و أبو هلال العسكري في ( ديوان معانيه ) ، عن أبي أحمد العسكري ، عن الهيثم بن أحمد ، عن علي بن حكيم الآذري ، عن الرّبيع بن عبد اللّه المدني ، عن عبد اللّه بن الحسن ، عن محمّد بن علي ، عن آبائه ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٢ ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) مسندا عن أبي حمزة ، عن عبد الرحمن بن محمّد ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٣ .

و من الخاصّة الكليني ، و الصدوق ، و ابن أبي شعبة الحلبي ، و الشيخان ،

و النعماني ، روى الأوّل من ( الكافي ) بإسنادين عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أسامة و هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق عمّن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّه عليه السّلام قال : اللهمّ إنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ٤ .

و روى مسندا عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق ، عن الثقة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام سمعوه يقول في خطبة له : اللهمّ و إنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ، و لا ينقطع موادّه ، و أنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع ، أو خائف مغفور كيلا تبطل حججك ، و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، بل أين هم و كم أولئك الأقلّون عددا ، و الأعظمون عند اللّه جلّ ذكره قدرا ، المتّبعون لقادة الدّين الأئمّة الهادين ، الذين يتأدّبون بآدابهم ، و ينهجون نهجهم ؟ فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الايمان ، فتستجيب أرواحهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ٦٩ .

( ٢ ) ديوان المعاني للعسكري ١ : ١٤٦ .

( ٣ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ١٧٨ ح ٧ .

٥١٨

لقادة العلم ، و يستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ، يأنسون بما استوحش منه المكذّبون ، و أباه المسرفون . أولئك أتباع العلماء ، صحبوا أهل الدّنيا بطاعة اللّه تبارك و تعالى ، أولياؤه ، و دانوا بالتّقية عن دينهم و الخوف من عدوّهم ، فأرواحهم معلّقة بالمحل الأعلى ، فعلماؤهم و أتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ، منتظرون لدولة الحقّ ، و سيحقّ اللّه الحقّ بكلماته و يمحق الباطل . هاها طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم ، و يا شوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم ، و سيجمعنا اللّه و إيّاهم في جنّات عدن ،

و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذريّاتهم ١ .

و روى أيضا بالأسناد أنّه عليه السّلام خطب على منبر الكوفة ، و حفظ عنه فقال :

اللهمّ إنّه لا بدّلك من حجج في أرضك ، حجّة بعد حجّة على خلقك ، يهدونهم إلى دينك و يعلّمونهم علمك ، كيلا يتفرّق أتباع أوليائك ، ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقّب ، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم ، و آدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون .

و يقول عليه السّلام في هذه الخطبة في موضع آخر : في من هذا ولهذا يأرز العلم ، إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ، و يروونه كما سمعوه من العلماء و يصدّقون عليهم فيه ، اللهمّ فإنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ، و لا ينقطع موادّه ، و أنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حججك و لا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، بل أين هم ، و كم هم أولئك الأقلّون عددا الأعظمون عند اللّه قدرا ٢ ؟

و رواه الثاني في ( إكماله ) بأحد عشر إسنادا عن عبد الرّحمن بن جندب ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٥ ح ٣ ، و الآية ٢٣ من سورة الرعد .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣٩ ح ١٣ .

٥١٩

عن كميل ، عنه عليه السّلام ، و بإسنادين عن فضيل بن خديج ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ،

و بإسناد عن أبي صالح ، عن كميل ، عنه ، و بآخر عن أبي إسحاق عن الثقة ،

عنه صلى اللّه عليه و آله ، و قال : و لهذا الحديث طرق كثيرة ١ .

و رواه الثّالث في ( تحفه ) ، و الرابع في ( إرشاده ) ، و الخامس في ( أماليه ) ،

و إسناده عن المفيد ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن ماجيلويه ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن فضيل بن خديج ، عن كميل ، عنه عليه السّلام ٢ .

و رواه الأخير في ( غيبته ) مثل خبر شيخه الكليني ، و زاد قبل قوله : « فمن هذا و لهذا يأرز العلم ، إذا لم يوجد له حملة . . . » يأنسون بما يستوحش منه المكذّبون ، و يأباه المسرفون باللّه . كلام يكال بلا ثمن ، من كان يسمعه بعقله فيعرفه و يؤمن به و يتّبعه و ينهج نهجه فيصلح به . ثمّ يقول . . . ٣ « اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة » قال البحتري :

و هل خلا الدّهر أولاه و آخره

من قائم بهدى مذكوّن البشر

في ( الأغاني ) قال خالد بن صفوان : أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك إلى أن قال : قال خالد بن صفوان لهشام : إنّ ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق و السدير في عام قد بكر و سميّه و تتابع وليّه ، و أخذت الأرض زينتها على اختلاف ألوان نبتها في ربيع مونق ، فهو في أحسن محضر ، و أحسن مختبر ، بصعيد كأنّ ترابه قطع ، و قد كان أعطى فتاء السنّ ، مع الكثرة و الغلبة و القهر ، فنظر فأبعد النّظر ، ثمّ قال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق بأحد عشر طريقا عن عبد الرحمن ، و بطريقين عن فضيل ، و بطريق واحد عن أبي صالح ، و بطريق واحد عن أبي إسحاق عن ثقة من أصحابنا في كمال الدين : ٢٨٩ ح ٢ ، و : ٣٠٢ ح ١٠ .

( ٢ ) تحف العقول لابن شعبة : ١٧٠ ، و الارشاد للمفيد : ١٢٢ ، و الأمالي لأبي علي الطوسي : ٢٠ .

( ٣ ) الغيبة للنعماني : ٨٧ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605