بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113402 / تحميل: 6083
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

و قالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين . فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدّم آيات مفصّلات فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين . و لمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك و لنرسلنّ معك بني إسرائيل .

فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون . فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم بأنّهم كذّبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين . و أورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها و تمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا و دمّرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون ١ .

« و في دون » أي : أقلّ .

« ما استقبلتم من عتب » أي : العتاب .

« و ما استدبرتم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و استدبرتم ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« من خطب » أي : الامور العظيمة .

« معتبر » مبتدأ لقوله : « و في دون » . يقال لك : في هذا الأمر عبرة و معتبر .

و مراده عليه السّلام أنّ في الأقلّ ممّا استقبلهم هو عليه السّلام و زوجته سيّدة النساء صلوات اللّه عليها و باقي بني هاشم ، من العبّاس و الفضل بن عبّاس و غيرهما ، و شيعته من سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و نظرائهم من عتابهم في ما فعلوا ، من تقديم الثلاثة عليه عليه السّلام و تركهم لمن هو بمنزلة نفس الرّسول صلى اللّه عليه و آله في العصمة و الطهارة و العلم بالكتاب و السنّة كما هو حقّه و الإرشاد إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٢٧ ١٣٧ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

٥٤١

أحكام الشريعة كما شرعها النّبيّ صلى اللّه عليه و آله من اللّه تعالى ، و رفعهم للأجانب الّذين بالضدّ من ذلك ، و ممّا استدبرهم من مفاسد تقديم أولئك ، لا سيّما في أيّام ثالثهم ما يوجب عبرتهم و اعترافهم بخطئهم و رجوعهم عن عملهم .

« و ما كلّ ذي قلب بلبيب » صاحب لبّ يميّز بين القشر و اللبّ ، و لذا قال تعالى : . . . قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب ١ .

« و لا كلّ ذي سمع بسميع » يعمل بما سمع ، قال تعالى : و منهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ و لو كانوا لا يعقلون ٢ ، أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا ٣ .

« و لا كلّ ناظر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لا كلّ ذي ناظر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« ببصير » يفرّق بين الحقائق و غيرها ، قال تعالى : . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصّدور ٥ . و مراده عليه السّلام أنّه و إن كان في دون ما استقبلوه و ما استدبروه ما يوجب اعتبارهم و فهمهم خطأهم ، في تركهم أهل بيت نبيّهم صلى اللّه عليه و آله إلاّ أنّه لمّا كان أكثر النّاس لا يعقلون و لا يميّزون بين الحقّ و الباطل كما قال تعالى : و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولنّ اللّه قال الحمد للّه بل أكثر هم لا يعلمون ٦ ، و قال عزّ و جلّ في موضع :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٩ .

( ٢ ) يونس : ٤٢ .

( ٣ ) الفرقان : ٤٤ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « لا كل ناظر » أيضا .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

( ٦ ) لقمان : ٢٥ .

٥٤٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لكنّ أكثرهم لا يعلمون ١ ، و في آخر : . . . و هم لا يشعرون ٢ بقي أكثرهم في تيههم و لم يهتدوا لسبيلهم ، و إنّما رجع إليه عليه السّلام جمع معدود .

قال الكشي : قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أبا الهيثم بن التيهان ، و أبا أيّوب ، و خزيمة بن ثابت ( أي : ذو الشهادتين ) و جابر بن عبد اللّه ، و زيد بن أرقم ، و أبا سعيد الخدري ، و سهل بن حنيف ، و البراء بن مالك ، و عثمان بن حنيف ، و عبادة بن الصامت . ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة ، و عدي بن حاتم ، و عمرو بن الحمق ، و عمران بن الحصين ، و بريدة الأسلمي ، و بشر كثير ٣ .

« فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون » قال الجوهري : قصّ أثره : أي تتبّعه ٤ .

قال تعالى : . . . فارتدّا على آثارهما قصصا ٥ . و كذلك : ( اقتص أثره ،

و تقصص أثره ) .

« أثر نبيّ و لا يقتدون بعمل وصيّ » بل يتّبعون أهواءهم و آراءهم ، روى الأصبغ عنه عليه السّلام قال : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عدلوا عن وصيّة ، لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثمّ تلا هذه الاية : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار . . . ٦ . ثمّ قال عليه السّلام : نحن النّعمة التي أنعم اللّه بها على عباده ، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ٣٧ .

( ٢ ) الزخرف : ٦٦ .

( ٣ ) معرفة الرجال للكشي اختياره : ٣٨ ح ٧٨ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٠٥١ مادة ( قصّ ) .

( ٥ ) الكهف : ٦٤ .

( ٦ ) إبراهيم : ٢٨ .

( ٧ ) الكافي للكليني ١ : ٢١٧ ح ١ .

٥٤٣

و روى أبو هارون عن أبي عقيل قال : كنّا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال : لتفترقنّ هذه الأمّة على ثلاث و سبعين فرقة ، و الّذي نفسي بيده ، إنّ الفرق كلّها ضالّة إلاّ من اتّبعني و كان من شيعتي ١ .

و عن الصادق عليه السّلام قال لأحد أصحابه : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟ قال : لا . قال : إنى عليّا عليه السّلام لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لابطال أمره ، و كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السّلام عن الشي‏ء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عند أنفسهم ليلبسوا على النّاس ٢ .

و عن الكاظم عليه السّلام قال : ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السّلام إلاّ الصلاة بعد العصر و بعد الغلاة في طواف الفريضة ٣ .

و عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال ابن عبّاس : و ايم اللّه ، أن لو قدّم من قدّم اللّه ، و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة ٤ .

و عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي : كنت مع ابن أبي ليلى مزامله حتّى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله إذ دخل جعفر بن محمّد ،

فقلت لابن أبي ليلى : أما تقوم بنا إليه ؟ فقال : و ما نصنع عنده ؟ قلت : نسائله و نحدّثه . فقال : نعم . فقمنا إليه فسألني عن نفسي و أهلي ، ثمّ قال : من هذا معك ؟

فقلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين . فقال له : تأخذ مال هذا فتعطيه هذا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأمالي للمفيد : ٢١٢ ح ٣ المجلس ٢٤ ، و الغارات للثقفي ٢ : ٥٨٥ ، و يأتي تخريجه من طرق أخرى في العنوان ١٧ من هذا الفصل .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٣١ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٢٤ ح ٥ ، و التهذيب للطوسي ٥ : ١٤٢ ح ١٤٤ ، و الاستبصار ٢ : ٢٣٦ ح ٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٧ : ٧٩ ح ٣ ، و الفقيه للصدوق ٤ : ١٨٧ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٥٦٨ ح ٤ ، و التهذيب للطوسي ٩ : ٢٤٨ ح ٦ ، و الفرائض لأبي الشيخ ، و سنن البيهقي عنهما منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٧ ضمن حديث طويل .

٥٤٤

و تقتل ، و تفرّق بين المرء و زوجه ، لا تخاف في ذلك أحدا ؟ قال : نعم . قال : فبأيّ شي‏ء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و عن عليّ ، و عن أبي بكر و عمر .

قال : فبلغك عن النّبي صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّ أقضاكم عليّ ؟ قال : نعم . قال : فكيف تقضي بغير قضاء علي ، و قد بلغك هذا ؟ فما تقول إذا جي‏ء بأرض من فضة و سماء من فضّة ، ثمّ أخذ النّبي صلى اللّه عليه و آله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك فقال : يا رب إنّ هذا قضى بغير ما قضيت . قال : فاصفرّ وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد مثل الزّعفران ، ثمّ قال لي : التمس لنفسك زميلا ، و اللّه لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا ١ .

و ورد أنّ سفيان الثوري مع قرشي مكّي ذهبا إلى الصادق عليه السّلام فوجداه ركب دابّته ، فقال سفيان : يا أبا عبد اللّه حدّثنا بحديث خطبة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف . قال : دعني حتّى أذهب في حاجتي ، فإنّي قد ركبت ، فإذا جئت حدّثتك . فقال : أسألك بقرابتك من النّبي صلى اللّه عليه و آله لما حدّثتني . فنزل ، فقال سفيان :

مرلي بدواة و قرطاس حتى أثبته . فدعا به ، ثمّ قال : اكتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف .

نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها ، و بلّغها من لم تبلغه . يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم : إخلاص العمل للّه ، و النصيحة لأئمّة المسلمين ، و اللزوم لجماعتهم ، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم المؤمنون إخوة تتكافا دماؤهم ، و هم يد على من سواهم ، و يسعى بذمّتهم أدناهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٥٣ .

٥٤٥

فكتبه سفيان و عرضه على أبي عبد اللّه عليه السّلام . قال القرشي : فركب أبو عبد اللّه ، و جئت أنا و سفيان ، فلمّا كنّا في بعض الطريق قال لي سفيان : كما أنت حتّى أنظر في هذا الحديث ، فقلت له : قد و اللّه ألزم أبو عبد اللّه رقبتك شيئا لا يذهب أبدا . فقال : و أيّ شي‏ء ذلك ؟ فقلت له : ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم . . . « إخلاص العمل للّه » قد عرفناه ، « و النصيحة لأئمّة المسلمين » من هؤلاء الأئمّة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان و يزيد بن معاوية و مروان بن الحكم ؟ و قوله « و اللزوم لجماعتهم » . فأي الجماعة ؟

مرجى‏ء يقول : من لم يصلّ ، و لم يصمّ ، و لم يغتسل من جنابة ، و هدم الكعبة و نكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل ، أو قدريّ يقول : لا يكون ما شاء اللّه تعالى و يكون ما شاء إبليس ، أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب و يشهد عليه بالكفر ، أو جهمي يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده ليس الإيمان شي‏ء غيرها ؟ قال سفيان : و يحك ، فأيّ شي‏ء يقولون ؟ قلت : يقولون : إنّ عليّ ابن أبي طالب و اللّه الإمام الذي يجب علينا نصيحته ، و يقولون : « و لزوم جماعتهم » أهل بيته . قال : فأخذ سفيان الكتاب فخرقه . قال : لا تخبر به أحدا ١ .

و عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد ، و واصل بن عطاء ، و حفص ابن سالم مولى ابن هبيرة ، و ناس من رؤسائهم ، و ذلك حدثان قتل الوليد و اختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا و أكثروا و خبطوا فأطالوا ، فقال أبو عبد اللّه : قد أكثرتم عليّ فأسندوا أمركم إلى رجل منكم يتكلّم بحجّتكم و يوجز .

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد ، فتكلّم فأبلغ و أطال ، فكان في ما قال : إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٠٣ ح ٢ ، و أخرج الخطبة بلا ذكر قصّة الكليني في الكافي ١ : ٤٠٣ ح ١ ، و القمي في تفسيره ٢ : ٤٤٧ ، و الصدوق في الخصال : ١٤٩ ح ١٨٢ باب الثلاثة ، و المفيد في أماليه : ١٨٦ ح ١٣ المجلس ٢٣ .

٥٤٦

أهل الشام قتلوا خليفتهم ، و ضرب اللّه بعضهم ببعض ، و شتّت أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاله دين و عقل و مروّة و موضع و معدن للخلافة ، و هو محمّد بن عبد اللّه بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثمّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا و كنّا معه ، و من اعتزلنا كففنا عنه ، و من نصب لنا جاهدناه ،

و نصبنا له على بغيه ، و ردّه إلى الحقّ و أهله ، و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا ، فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك و كثرة شيعتك .

قال : فلمّا فرغ عمرو قال أبو عبد اللّه لهم : أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟

قالوا : نعم . فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ، و صلّي على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي اللّه ، فأمّا إذا أطيع رضينا . أخبرني يا عمرو لو أنّ هذه الأمّة قلّدتك أمرها ، و ولّتكه بغير قتال و لا مؤونة ، و قيل لك : ولّها من شئت فمن كنت تولّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين . قال : بين كلّهم ؟ قال : نعم . قال :

بين فقهائهم و خيارهم ؟ قال : نعم . قال : قريش و غيرهم ؟ قال : نعم . قال :

و العرب و العجم ؟ قال : نعم . قال : اخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر و عمر أم تتبرأ منهما ؟ قال : أتولاّهما . قال : فقد خالفتهما ، فإن كنت تتبرّأ منهما فإنّه يجوز لك الخلاف عليهما ، و إن كنت تتولاّهما فقد خالفتهما ، قد عمد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة و أخرج منها جميع المهاجرين و الأنصار غير أولئك الستّة من قريش ، و أوصى فيهم شيئا لا أراك ترضى به أنت و لا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين . قال : و ما صنع ؟ قال : أمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ثلاثة أيّام ، و ان يشاور أولئك الستّة ليس معهم أحد إلاّ ابن عمر يشاورونه ، و ليس له من الأمر شي‏ء ، و أوصى من بحضرته من المهاجرين و الأنصار: إن مضت ثلاثة أيّام قبل أن يبايعوا رجلا منهم أن يضربوا أعناق أولئك الستّة جميعا ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام

٥٤٧

و خالف اثنان أن يضربوا أعناق الاثنين . أفترضون بهذا أنتم في ما تجعلون من الشورى في جماعة المسلمين ؟ قالوا : لا .

ثمّ قال : يا عمرو دع ذا . أرأيت لو بايعت صاحبك الّذي تدعوني إلى بيعته ، ثمّ اجتمعت لكم الامّة فلم يختلف عليكم رجلان ، فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون و لا يؤدّون الجزية ، أكان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في المشركين في حروبه ؟ قال :

نعم . قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الاسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية . قال : و إن كانوا مجوسا ليسوا بأهل كتاب ؟ قال : سواء . قال : و إن كانوا مشركي العرب و عبدة الأوثان ؟ قال : سواء .

قال : أخبرني عن القرآن هل تقرؤه ؟ قال : نعم . قال : اقرأ قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم اللّه و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ١ ، فاستثناء اللّه تعالى و اشتراطه من الذين أوتوا الكتاب ، فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم . قال : عمّن أخذت ذا . قال : سمعت النّاس يقولون .

قال : فدع ذا . فإنّ هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظفرت عليهم ، كيف تصنع بالغنيمة ؟ قال : أخرج الخمس ، و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه . قال :

فأخبرني عن الخمس من تعطيه ؟ فقرأ و اعلموا انّما غنمتم من شي‏ء فإنّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي و اليتامى و المساكين و ابن السبيل . . . ٢ . قال :

الّذي للرسول من تعطيه ؟ و من ذو القربى ؟ قال : قد اختلف فيه الفقهاء ، فقال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٢٩ .

( ٢ ) الأنفال : ٤١ .

٥٤٨

بعضهم : قرابة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته ، و قال بعضهم : الخليفة . و قال بعضهم :

قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين . قال : فأيّ ذلك تقول أنت ؟ قال : لا أدري .

قال : فأراك لا تدري ، فدع ذا . أرأيت الأربعة الأخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ، بيني و بينك فقهاء المدينة و مشيختهم ، فسلهم فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم و لا يهاجروا على أن دهمه من عدوّهم أن يستفزّهم فيقاتل بهم ، و ليس لهم في الغنيمة نصيب ، و أنت تقول : بين جميعهم . فقد خالفت النّبي صلى اللّه عليه و آله في كلّ ما قلت في سيرته من المشركين .

و مع هذا ما تقول في الصدقات ؟ فقرأ : إنّما الصّدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها . . . ١ إلى آخر الآية . قال : فكيف تقسّمها ؟ قال :

أقسّمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا . قال : و إن كان صنف منهم عشرة آلاف ، و صنف رجلا أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف ؟ قال : نعم . قال : و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ،

فكان يقسّم صدقة أهل البوادي ، في أهل البوادي ، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، و لا يقسّمه بينهم بالسّوية ، و إنّما يقسّمه على قدر ما يحضره منهم .

فإن كان في نفسك شي‏ء فالق فقهاء المدينة فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله كان كذا يفعل.

ثمّ أقبل عليه السّلام على عمرو فقال له : اتّق اللّه يا عمرو ، و أنتم أيّها الرّهط فاتّقوا اللّه ، فإنّ أبي حدّثني و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : من ضرب النّاس بسيفه ، و دعاهم إلى نفسه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٦٠ .

٥٤٩

و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف ١ .

و روى الخطيب في ليث بن الفرج عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : ليضربنّ النّاس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة . . . ٢ و مراده صلى اللّه عليه و آله بعالم المدينة الأئمّة من أهل بيته ، و الدّليل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله : « عالم المدينة » دون علماء المدينة ، و في كلّ زمان لم يكن أكثر من إمام .

و شاهد عدم اقتفائهم أثر النبي كما ذكره عليه السّلام ما قالوه في أبي الغادية الجهني قاتل عمّار ، قال ابن عبد البرّ في ( استيعابه ) : سمع من النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قوله :

لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض . و كان محبّا في عثمان ،

و هو قاتل عمّار بن ياسر . و كان إذا استأذن على معاوية و غيره يقول : قاتل عمّار بالباب و كان يصف قتله له إذا سئل عنه لا يباليه ، و في قصّته عجب عند أهل العلم ، روى عن النّبي صلى اللّه عليه و آله ما ذكرنا أنّه سمعه منه ، ثمّ قتل عمّارا ٣ .

قلت : و أعجب من أمر أبي الغادية أمر جميع هؤلاء المدّعين للدّين ،

و العلم و اليقين ، يجمعون بين القول بجلالة عمّار ، و ولاية عثمان ، فالرّجل و إن اتّبع هواه إلاّ أنّه حمله محبّته لعثمان على ترك قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله سلما من الجمع من التّضاد و القول بالمحال .

و كذلك من قدّم منهم فعل عمر على قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فرأى رجل منهم معاوية على منبر النّبي صلى اللّه عليه و آله يخطب فسلّ سيفه و ذهب إليه ليقتله ، فقيل له : لم ؟

قال : لأنّي سمعت النّبي صلى اللّه عليه و آله يقول : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » ٤ .

فقالوا له : أتدري من ولاّه ؟ قال : لا . قالوا : عمر . قال : سمعا و طاعة لعمر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٢٣ ح ١ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٣ : ١٦ .

( ٣ ) الاستيعاب ٤ : ١٥١ .

( ٤ ) حديث النّبي صلى اللّه عليه و آله أورده من عدّة طرق الفيروز آبادي في السبعة من السلف : ١٩٩ ٢٠١ .

٥٥٠

و إذا كانوا لا يتّبعون أثر نبيّهم ، فلا غرو أن لا يقتدوا بعمل وصيّه و كونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله و أوّل مؤمن باللّه أمر متواتر ، و حاجّ به ابنه الحسين عليه السّلام يوم الطّف ففي ( الطبري ) قال الحسين عليه السّلام لهم : ألست ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين باللّه و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه ؟ ١ .

و مع تواتره أنكرته أمّهم ، روى مسلم و البخاري أنّه ذكر عند عايشة أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ ، قالت : و متى أوصى ، و من يقول ذلك ؟ قيل : إنّهم يقولون . قالت : من يقوله ؟ لقد دعا بطست ليبول ، و أنّه بين سحري و نحري فمات و ما شعرت ٢ .

فتراها تدّعي موت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله مكشوف العورة حين البول لتنكر جعله له وصيّا و يقال لها : و قولك : « متى أوصى أنّه مات بين سحري و نحري » هل يلزم أن تكون الوصاية حين خروج الرّوح حتّى يستلزم ما ادّعيت عدم وصايته ؟ مع أنّ قولها بموت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بين سحرها و نحرها من أكاذيبها و بهتانها ، فكون رأسه صلى اللّه عليه و آله حين موته في حجر أمير المؤمنين عليه السّلام متواتر ٣ ،

و لقد صرّح ابن عبّاس بافتراء عايشة في ادّعائها ذلك ٤ .

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : لو استطاعوا أن ينكروا قرابتي من النّبي صلى اللّه عليه و آله لأنكروها إلاّ أنّهم لا يستطيعون ذلك ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٢ سنة ٦١ ضمن خطبة .

( ٢ ) صحيح البخاري بطريقين ٢ : ١٢٥ و ٣ : ٩٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ح ١٩ ، و سنن النسائي ٦ : ٢٤٠ ، و مسند أحمد ٦ : ٣٢ ، و طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٤٩ بطريقين .

( ٣ ) مسند أحمد ٦ : ٣٠٠ و خصائص النسائي : ١٣٠ بطريقين ، و أخرجه ابن عساكر بثلاث طرق في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٨ ، ١٩ ح ١٠٣٨ ٤٠ ه ١ عن أمّ سلمة ، و روى أيضا عن عائشة و علي عليه السّلام و ابن عباس و غيرهم .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .

( ٥ ) أخرجه الكليني في الرسائل عنه كشف المحجّة : ١٨٠ ضمن كتاب طويل له عليه السّلام ، و النقل بتصرف .

٥٥١

و أقول : إنّهم و إن لم يستطيعوا أن ينكروا ذلك تصريحا إلاّ أنّهم عبّروا عنه عليه السّلام و عن عترته بما جعلوهم كالأجنبي عنه صلى اللّه عليه و آله ، فقال أبو حمزة الخارجي و الخوارج إحدى الفرق التاركة للوصيّ تبعا للأوّل و الثاني في ذمّ شيعته و شيعة عترته في خطبته : « قد قلّدوا أهل بيت من العرب و زعموا أنّ موالاتهم تغنيهم » .

« و لا يؤمنون بغيب » في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : . . . هدى للمتّقين . الّذين يؤمنون بالغيب . . . ١ أي : بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد ٢ .

و روى يحيى بن أبي القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : الغيب هو الحجّة الغائب ٣ .

و شاهد ذلك قوله تعالى : و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربّه فقل إنّما الغيب للّه فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين ٤ .

« و لا يعفّون عن عيب » قال ابن أبي الحديد : روي « يعفون » من العفو ،

و « يعفّون » من العفّة ٥ .

قلت : الصواب الثاني ، فإنّ عدم العفو ترك فضل ، و هو عليه السّلام في مقام بيان أنّ كلّ عملهم رذل ، فلا بدّ أن يراد أنّهم لا يكفّون عن الفحص عن العيوب .

و روى محمّد بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ أبا بكر و عمر أتيا أمّ سلمة فقالا لها : إنّك قد كنت عند رجل قبل النّبي ، فكيف هو من ذلك في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢ ٣ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٠ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٤ ) يونس : ٢٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ .

٥٥٢

الخلوة ؟ فقالت : ما هو إلاّ كسائر الرّجال . ثمّ خرجا عنها ، فقامت إليه مبادرة فرقا أن ينزل أمر من السماء فأخبرته ، فغضب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى تربّد وجهه و التوى عرق الغضب بين عينيه ، و خرج و هو يجرّ رداءه حتى صعد المنبر ،

و بادرت الأنصار بالسّلاح ، و أمر بخيلهم أن تحضر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتّبعون عيبي ؟ و اللّه لأكرمكم حسبا ، و أطهركم مولدا ، لا يسألني أحد منكم عن أبيه إلاّ أخبرته . فقال إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : فلان الراعي . . . ١ .

« يعملون في الشّبهات » كما قال تعالى : . . . فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله . . . ٢ .

« و يسيرون في الشّهوات » روى ( الكافي ) أنّه عليه السّلام قال : إنّ الناس آلوا بعد النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة إلى أن قال : و جاهل مدّع للعلم لا علم له ، معجب بما عنده ، قد فتنته الدّنيا . . . ٣ .

و قال تعالى : . . . أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا ٤ .

« المعروف عندهم » و الصواب : ( فيهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٥ .

« ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا » عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال النّبي صلى اللّه عليه و آله :

كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، و فسق شبابكم ، و لم تأمروا بالمعروف ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٦٥ ح ٤١ .

( ٢ ) آل عمران : ٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣ ح ١ .

( ٤ ) مريم : ٥٩ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « عندهم » أيضا .

٥٥٣

و لم تنهوا عن المنكر ؟ فقيل له : و يكون ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف ؟ قيل : يا رسول اللّه و يكون ذلك ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا ؟ ١ .

« مفزعهم في المعضلات » أي : المشكلات .

« إلى أنفسهم ، و تعويلهم » أى : اعتمادهم .

« في المهمّات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( في المبهمات ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« إلى آرائهم » الباطلة ، و نظرياتهم الخاطئة ، و مع أنّهم رأوا فاروقهم يقول مرارا : « معضلة و لا أبا حسن لها » ٣ . حتّى صار كالمثل السائر ، و أقرّ عند وفاته بأنّه عليه السّلام لو ولّيها ليحملنّهم علي المحجّة البيضاء ٤ ، يعرضون عنه و يجعلون أنفسهم في قباله ، بل يسعون في اضمحلال أمره .

« كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه » كان عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام جماعة فيهم هشام بن الحكم و هو شاب ، فقال عليه السّلام : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته ؟ قال : جعلت فداك ، إنّي أجلّك و لا يعمل لساني بين يديك . فقال عليه السّلام : إذا أمرتكم بشي‏ء فافعلوه . قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة ، و عظم ذلك عليّ ، فخرجت إليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الحميري في قرب الاسناد : ٢٦ عن الصادق عن أبيه عن الباقر عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه رزين في الجمع عنه جامع الاصول ١٠ : ٤١٢ ح ٧٤٨٥ عن عليّ عليه السّلام عن النّبي صلى اللّه عليه و آله .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) هذا حديث مشهور أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٥١ ، و مقتل الحسين ١ : ٤٥ ، و جمع آخر بفرق بين الألفاظ مرّ تخريجه في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من خطبة الرضي .

( ٤ ) رواه ابن عساكر بطريقين في ترجمة عليّ عليه السّلام ٣ : ١٠٦ ح ١١٣٦ ، ١١٣٧ و غيره بفرق بين الألفاظ .

٥٥٤

و دخلت البصرة في يوم الجمعة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة ، و إذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متّزربها من صوف ، و شملة مرتديا بها ، و الناس يسألونه ،

فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثمّ قلت :

أيّها العالم أنا رجل غريب أتأذن لي أسألك عن مسألة ؟ فقال : نعم . قلت : ألك عين ؟ قال : أي شي‏ء هذا من السؤال ؟ فقلت : هكذا مسألتي . فقال : يا بني سل ،

و إن كانت مسألتك حمقاء . فقلت : أجبني فيها . فقال لي : سل . فقلت : ألك عين ؟

قال : نعم . قلت : فما ترى بها ؟ قال : الألوان و الأشخاص . فقلت : ألك أنف ؟ قال :

نعم . قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أشمّ بها الرائحة . قلت : ألك فم ؟ قال : نعم . قلت :

و ما تصنع به ؟ قال : أعرف به طعم الأشياء . قلت : ألك لسان ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أتكلّم به . قلت : ألك أذن ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال :

أسمع بها الأصوات . قلت : ألك يد ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال : أبطش بها . قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح . قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ قال : لا . قلت : و كيف ذلك ، و هي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني إنّ الجوارح إذا شكّكت في شي‏ء شمّمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردّته إلى القلب فيصحّح اليقين ،

و يبطل الشك . فقلت : إنّما أقام اللّه القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم . قلت : فلا بدّ من القلب ، و إلاّ لم تستقم الجوارح ؟ قال : نعم . فقلت : يا أبا مروان إنّ اللّه تعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح الصحيح ، و ييقن ما شك فيه ،

و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم ؟ قال : فسكت و لم يقل شيئا . ثمّ التفت إليّ ، فقال :

أنت هشام ؟ قلت : لا . قال : أجالسته ؟ قلت : لا . قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من الكوفة .

قال : فأنت إذن هو . ثمّ ضمّني إليه و أقعدني في مجلسه ، و ما نطق حتّى قمت .

فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال : من علّمك هذا ؟ فقال : شي‏ء جرى على لساني .

٥٥٥

فقال : هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى ١ .

و قال أبو الحسن الرّفا لابن رامين الفقيه : إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله لمّا خرج من المدينة ما استخلف عليها أحدا ؟ قال : بلى ، استخلف عليّا . قال : و كيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فإنّكم لا تجتمعون على الضلال ؟ قال : خاف عليهم الخلف و الفتنة . قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته ؟ قال : هذا أوثق .

قال : أفاستخلف أحدا بعد موته ؟ قال : لا . قال : فموته أعظم من سفره ، فكيف أمن على الأمّة بعد موته ما خافه في سفره و هو حيّ عليهم ؟ فقطعه ٢ .

و سأل بعض الإمامية يحيى بن أكثم عن قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حيث أخذ بيد علي عليه السّلام و أقامه للنّاس ، فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٣ أبأمر من اللّه تعالى ذلك أم برأيه ؟ فسكت عنه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن قلت : برأيه نصبه للناس خالفت قوله تعالى : و ما ينطق عن الهوى ٤ و إن قلت : بأمر اللّه تعالى ثبتت إقامته . قال : فلم خالفوه و اتّخذوا وليّا غيره ٥ .

و قال أبو عليّ المحمودي لأبي الهذيل : أليس من دينك أنّ العصمة و التوفيق لا يكونان لك من اللّه إلاّ بعمل تستحقه به ؟ قال : نعم . قال : فقوله تعالى : . . . اليوم أكملت لكم دينكم . . . ٦ ؟ قال : قد أكمل لنا الدّين . فقال : ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب و السنّة ، و قول الصحابة ، و حيلة الفقهاء ؟

قال : هات . قال : خبّرني عن عشيرة كلّهم عنّين و قعوا في طهر واحد بامرأة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ١٦٩ ح ٣ و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٨ .

( ٣ ) هذا حديث الغدير ، يأتي تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل.

( ٤ ) النجم : ٣ .

( ٥ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٢ ، و السائل هو حمران بن أعين .

( ٦ ) المائدة : ٣ .

٥٥٦

و هم مختلفو العنّة ، فمنهم من وصل إلى بعض حاجته ، و منهم من قارب بحسب الإمكان منه ، أفي خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم و مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحدّ في الدّنيا و يطهّره منه في الآخرة ؟ فأفحم ١ .

« قد أخذ منها بعرى ثقات و أسباب محكمات » الأصل فيه قوله تعالى :

فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . . . ٢ .

٣

من الخطبة ( ١٢٩ ) وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَ اَلدِّمَاءِ وَ اَلْمَغَانِمِ وَ اَلْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَ لاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ أقول : رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) و سمّاه الخطبة المنبريّة ، نقله البحار و في آخره : « و لا المعطّل للسّنن فيؤدّي ذلك إلى الفجور ، و لا الباغي فيدحض الحقّ ، و لا الفاسق فيشين الشّرع » ٣ . و كلامه عليه السّلام هذا دالّ على اشتراط العصمة في الإمام كما عليه الإماميّة ، قال المسعودي : قال أهل الإمامة : نعت الإمام في نفسه أن يكون معصوما من الذنوب ، لأنّه إن لم يكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٤٩ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٣ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٧ : ٢٩٤ ح ٣ .

٥٥٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

معصوما لم يؤمن أن يدخل في ما يدخل فيه غيره من الذّنوب ، فيحتاج إلى أن يقام عليه الحدّ كما يقيمه هو على غيره ، فيحتاج الإمام إلى إمام إلى غير نهاية ،

و لم يؤمن عليه أيضا أن يكون في الباطن فاسقا فاجرا كافرا . و أن يكون أعلم الخليفة ، لأنّه إن لم يكن عالما لم يؤمن عليه أن يقلب شرائع اللّه و أحكامه ،

فيقطع من يجب عليه الحدّ و يحدّ من يجب عليه القطع ، و يضع الأحكام في غير المواضع التي وضعها اللّه تعالى . و أن يكون أشجع الخلق ، لأنّهم يرجعون إليه في الحرب ، فإن جبن و هرب يكون قد باء بغضب من اللّه . و أن يكون أسخى الخلق ، لأنّه خازن المسلمين و أمينهم ، فان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم و شرهت إلى ما في أيديهم ، و في ذلك الوعيد الشديد بالنار . و ذكروا خصالا كثيرة ينال بها أعلى درجات الفضل لا يشاركه فيها أحد ، و أنّ ذلك كلّه وجد في عليّ بن أبي طالب و ولده ، في السّبق إلى الايمان و الهجرة و القرابة و الحكم بالعدل و الجهاد في سبيل اللّه و الورع و الزّهد ، و أنّ اللّه قد أخبر عن بواطنهم و موافقتها لظواهرهم بقوله عزّ و جلّ و وصفه لهم في ما صنعوه من الإطعام للمسكين و اليتيم و الأسير ، و إنّ ذلك لوجهه خالصا لا أنّهم أبدوه بألسنتهم فقط ، و أخبر عن أمرهم في المنقلب و حسن الموئل في المحشر ، ثمّ في إخباره عزّ و جلّ عمّا أذهب عنهم من الرّجس و فعل بهم من التطهير . . . ١ .

و قال هشام بن الحكم لمحمّد بن أبي عمير لمّا سأله عن وجه اشتراط عصمة الإمام : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة ، فهذه منفيّة عنه لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدّنيا و هي تحت خاتمه ، لأنّه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ؟ و لا يجوز أن يكون حسودا ، لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه ، و ليس فوقه أحد ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودى ٣ : ٢٢٤ .

٥٥٨

فكيف يحسد من هو دونه ؟ و لا يجوز أن يغضب لشي‏ء من أمور الدّنيا إلاّ أن يكون غضبه للّه عزّ و جلّ ، فإنّ اللّه تعالى قد فرض عليه إقامة الحدود و أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، و لا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود اللّه تعالى . و لا يجوز أن يتّبع الشهوات و يؤثر الدّنيا على الآخرة ، لأنّ اللّه عزّ و جلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدّنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدّنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح ، و طعاما طيّبا لطعام مرّ ، و ثوبا ليّنا لثوب خشن ،

و نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية ؟ ١ « و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل » إنّما قال عليه السّلام : قد علمتم أنّه لا ينبغي ما ذكر مع كون أكثر أصحابه غير مستبصر ، و غير متعبّد بطريقته و طريقة أهل بيته ،

من كون الإمام كالنّبيّ ، إحالة لهم على الفطرة التي فطر الناس عليها ، فقد كانوا قد يقرّون بمقتضى الفطرة اضطرارا ، ففي ( الأغاني ) عن حبيب المهلّبي عن عمر بن شبّة عن خلاّد الأرقط قال : كان الشّراة و المسلمون يتوافقون و يتساءلون بينهم عن أمر الدين و غير ذلك على أمان و سكون ، فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكري و أبو حزابة التّميمي و هما في الحرب ، فقال عبيدة : يا أبا حزابة إنّي سائلك عن أشياء ، أفتصدّقني في الجواب عنها ؟ قال : نعم ، إن تضمّنت لي مثل ذلك . قال : قد فعلت . قال : سل عمّا بدا لك . قال : ما تقول في أئمّتكم ؟ قال : يبيحون الدّم الحرام و الفرج الحرام . قال : فكيف فعلهم في المال ؟

قال : يجبونه من غير حلّه و ينفقونه في غير حقّه . قال : فكيف فعلهم في اليتيم ؟

قال : يظلمونه ماله و ينيكون أمّه . قال : و يلك يا أبا حزابة ، أفمثل هؤلاء تتّبع ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في الخصال : ٢١٥ ح ٣٦ باب الأربعة ، و معاني الأخبار : ١٣٣ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٢٠٤ ح ٢ و الأمالي : ٥٠٥ ح ٥ المجلس ٩٢ .

٥٥٩

قال : قد أجبت ، فاسمع سؤالي و دع عنك عتابي على رأيي . قال : قل . قال : أيّ الخمر أطيب ، خمر السّهل أم الجبل ؟ قال : ويلك أ تسأل مثلي عن هذا ؟ قال :

أوجبت على نفسك أن تجيب . . . ١ .

و قال المبرّد في ( كامله ) بعد ذكر قتال المهلّب للخوارج من قبل ابن الزّبير و قتل عبد الملك لمصعب بن الزبير : ثمّ أتى الخوارج خبر قتله بمسكن ،

و لم يأتى المهلّب و أصحابه ، فتوافقوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا :

ضالّ مضلّ . فلمّا كان بعد يومين أتى المهلّب قتل مصعب ، و أنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلمّا توافقوا ناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : يا أعداء اللّه ، بالأمس ضالّ مضلّ و اليوم مام هدى يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللّه . . . ٢ .

فيقال للخوارج : إنّ ما فعله أصحاب المهلّب و إن كان خلاف الفطرة التي فطر النّاس عليها إلاّ أنّه لازم تولّيكم صدّيقكم و فاروقكم ، فأنتم السفهاء حيث تجمعون بين ولايتهما و إنكار مثل ذلك .

و في ( كامل المبرّد ) كتب نافع إلى عبد اللّه بن الزّبير يدعوه إلى أمره : أمّا بعد ، فإنّي أحذّرك من اللّه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه . . . ٣ .

إلى أن قال : و قد حضرت عثمان يوم قتل ، فلعمري لئن كان قتل مظلوما فقد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكامل للمبرد ٨ : ٥٢ .

( ٣ ) آل عمران : ٣٠ .

٥٦٠

كفر قاتلوه و خاذلوه ، و لئن كان قاتلوه مهتدين و إنّهم لمهتدون لقد كفر من يتولاّه و ينصره و يعضده ، و لقد علمت أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشدّ النّاس عليه ، و كانوا في أمره من بين قاتل و خاذل ، و أنت تتولّي أباك و طلحة و عثمان ،

و كيف و لاية قاتل متعمّد و مقتول في دين واحد ؟ و لقد ملك عليّ بعده فنفى الشّبهات و أقام الحدود و أجرى الأحكام مجاريها و أعطى الأمور حقائقها في ما عليه و له ، فبايعه أبوك و طلحة ثمّ خلعاه ظالمين له ، و إنّ القول فيك و فيهما لكما قال ابن عبّاس : إن يكن عليّ في وقت معصيتكم و محاربتكم له كان مؤمنا لقد كفرتم بقتال المؤمنين و أئمّة العدل ، و لئن كان كافرا كما زعمتم و في الحكم جائرا لقد بؤتم بغضب من اللّه لفراركم من الزّحف . . . ١ .

فيقال لنافع : إنّ الجمع بين هذه الأضداد لازم تولّي صدّيقكم و فاروقكم و من فروعه ، فكيف تقول أنت بالملزوم و الأصل ، و لا تقول بالّلازم و الفرع ؟

و ممّا يشهد لاشتراط العصمة في الإمامة أنّه لو لم يشترط لزم تعطّل حدود اللّه لاشتراك الامام مع المأموم في الارتكاب ، و لمّا بعث الرّشيد هرثمة بن أعين واليا على خراسان ، على أن يأخذ عليّ بن عيسى الذي كان واليا قبله بما ظلم الناس وردّ حقوقهم إليهم ، قام رجل إلى هرثمة و قال له : إنّ هذا الفاجر أخذ منّي درقة ثمينة لم يملك أحد مثلها ، فاشتراها على كره منّي و لم أرد بيعها بثلاثة آلاف درهم ، و لم آخذ لها ثمنا إلى هذه الغاية ، فقذف أمّي ، فخذلي بحقّي من مالي و قذفه أمّي . فقال : لك بيّنة ؟ قال : نعم ، جماعة حضروا كلامه .

فأحضرهم فأشهدهم على دعواه ، فقال هرثمة ( لعليّ بن عيسى ) : وجب عليك الحدّ . قال : و لم ؟ قال : لقذفك أمّ هذا . قال : من هذا فقّهك ؟ قال : هذا دين المسلمين .

قال : فأشهد أنّ أمير المؤمنين ( أي الرشيد ) قد قذفك غير مرّة ، و أشهد أنّك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٧ : ٢٣٨ .

٥٦١

قذفت بنيك ما لا أحصي مرّة ، فمن يأخذ هؤلاء منك و من يأخذ لك من مولاك ؟

فالتفت هرثمة إلى صاحب الدّرقة . فقال : أرى لك أن تطالب هذا الشيطان بدرقتك أو ثمنها ، و تترك مطالبته بقذفه أمّك . ذكر ذلك في ( الطبري ) ١ .

و فيه أيضا : أنّ هارون كتب بخطّ يده إلى عليّ بن عيسى : هذا يابن الزّانية رفعت من قدرك . . . ٢ .

و لو لم تكن الإمامة من قبل اللّه تعالى كالنبوّة كما عليه الإمامية لزم أن تكون ملعبة بيد النّاس ، و تكون أئمّة النّاس مثل آلهة بني حنيفة الّذين كانوا يصنعون إلها من تمر و سمن ، و يأكلونها عام المجاعة .

و لمّا قطع الرّاشد العبّاسي الخطبة في بغداد لمسعود السلطان الغزنوي و أراد محاربته ، و سار مسعود إلى بغداد ، و انهزم الرّاشد و فرّ إلى الموصل ،

جمع مسعود القضاة و الفقهاء ، و تقدّم إليهم لعمل محضر في خلع الرّاشد ،

فعملوا محضرا ذكروا ما ارتكبه من أخذ الأموال و أشياء أخر ، فأفتوا أن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماما ، فخلعوه و بايعوا المقتفي .

فهل الرّاشد حسب لم يكن أمره برشيد ؟ فكلّهم كانوا كذلك ، لا سيّما ذو نوريهم حتّى اضطرّوا إلى قتله .

و ذكروا أنّ هشام بن عبد الملك قال لغيلان : أنت الذي تزعم أنّ اللّه لم يولّني و لم يرض ما أنا فيه ؟ فقال له غيلان : و هل رأيت أمينا يولّي الخائنين أمانته ، أم رأيت مصلحا يولّي المفسدين ، أم رأيت كريما يدعو إلى أمر ثمّ يصدّ عنه ، أم رأيت حكيما يقضي بما يعيب أم يعيب بما يقضي ، أم رأيت حكيما يكلّف فوق الطاقة ؟

قوله عليه السّلام « على الفروج و الدّماء » لما غدر خالد بن الوليد بمالك بن نويرة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥١٨ سنة ١٩١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥١٤ سنة ١٩١ .

٥٦٢

و قتله و زنى بامرأته ، قال عمر لأبي بكر : إنّ سيف خالد فيه رهق و أكثر عليه في ذلك فقال : يا عمر تأوّل فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد ، فإنّي لا أشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين . و ودّى مالكا و كتب إلى خالد أن يقدم عليه ، ففعل و دخل المسجد و عليه قباء و قد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر فنزعها و حطمها ، و قال له : قتلت امرأ مسلما ثمّ نزوت على امرأته ، و اللّه لأرجمنّك بأحجارك . و خالد لا يكلّمه ، يظنّ أنّ رأي أبي بكر مثله إلى أن قال : فخرج خالد و عمر جالس ، فقال : هلمّ إليّ يابن أمّ سلمة ، فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلّمه ، و كان خالد يعتذر في قتله لمالك : إنّ مالكا قال له : ما أخال صاحبكم إلاّ قال كذا و كذا . فقال له خالد : أو ما تعدّه لك صاحبا ؟ ثمّ ضرب عنقه . ذكر ذلك الجزري في ( كامله ) ١ .

و في قول عمر لأبي بكر : « إنّ سيف خالد فيه رهق » تعريض و استهزاء من عمر لأبي بكر في حديث وضعه لخالد ، إنّه سيف اللّه ، لذبّه عن سلطنته .

و لعمري إنّه لمضحك ، كيف يقتل سيف اللّه عباد اللّه ظلما و قتل خالد رجلين آخرين مسلمين في وقعة مضيخ بني البرشاء ، قال الجزري أيضا : كان مع الهذيل عبد العزّى بن أبي رهم أخو أوس مناة ، و لبيد ابن جرير و كانا أسلما و معهما كتاب أبي بكر باسلامهما فقتلا في المعركة ،

فبلغ ذلك أبا بكر و قول عبد العزّي ( حين قتل ) :

أقول إذ طرق الصّباح بغارة

سبحانك اللهمّ ربّ محمّد

سبحان ربّي لا إله غيره

ربّ البلاد و ربّ من يتورّد

فوداهما و أوصى بأولادهما ، فكان عمر يعتدّ بقتلهما و قتل مالك بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٥٨ سنة ١١ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ .

٥٦٣

نويرة على خالد ، فيقول أبو بكر : كذلك يلقى من نازل أهل الشرك ١ .

و في ( تاريخ أعثم الكوفي ) في غزوة دبا أيّام أبي بكر : « إنّ عكرمة بن أبي جهل قتل أكثر أعيانهم ، و أسر بعضهم ، و اتّخذ نساءهم أرقّاء ، و بعث بأربعمائة رقيقا ، و ثلاثمائة إبلا إلى المدينة ، فسر الصّديق من هذا الفتح و أراد قتل الاسراء ، فشفع لهم الفاروق ، و قال له : إنّهم يتشهدون بالتّوحيد و الرّسالة و يصلّون ، فتركهم أولى . فأمر الصدّيق بحبسهم ، و بقوا أيّامه في الحبس ، فلما قام الفاروق بالأمر أمر بإطلاقهم ، فرجع بعضهم إلى أوطانهم ، و بعضهم سكن البصرة » ٢ .

قوله عليه السّلام : « و المغانم و الأحكام ، و إمامة المسلمين البخيل » قال حميد بن ثور في ابن الزبير أيّام قيامه :

قدني من نصر الخبيبين قدى

ليس الامام بالشّحيح الملحد

و قال آخر فيه :

رأيت أبا بكر أي ابن الزبير و ربّك غالب

على أمره يبغي الخلافة بالتّمر

و قال عمر للزّبير بعد أن ذكره في ستّة الشورى ، و لعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من الشعير ، و الإمام كالنّبي يجمعهما عنوان الولاية .

و في ( الطبري ) لمّا فرغ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب و اتّبعه النّاس يقولون : يا رسول اللّه أقسم علينا فيئنا الابل و الغنم ، حتّى ألجؤوه إلى شجرة ، فاختطفت الشجرة عنه رداءه ، فقال : ردّوا عليّ ردائي أيّها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٩٧ سنة ١٢ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٥٨١ سنة ١٢ .

( ٢ ) الفتوح لابن الأعثم ١ : ٧٤ ، و النقل بالمعنى .

٥٦٤

الناس ، فو اللّه لو كان لي عدد شجر تهامة نعما لقسمتها عليكم . ثمّ مالقيتموني بخيلا ، و لا جبانا ، و لا كذّابا ١ .

« فيكون في أموالهم نهمته » في ( الكامل ) أمر القاهر في سنة ( ٣٢١ ) بتحريم الغناء و ببيع الجواري المغنّيات على أنّهن سواذج لا يعرفن الغناء ، و كان مشتهرا بالسّماع ، و كان أمره ذلك وسيلة ليأخذ مغنّيات النّاس بأرخص الأثمان ، فوضع من يشتري له كلّ حاذقة في الغناء رخيصا ٢ .

و فيه : و أمر القاهر في تلك السّنة أيضا بقتل أبي السّرايا بن حمدان و إسحاق النوبختي ، مع كون إسحاق هو الذي أشار على الناس باستخلافه ،

و سبب قتلهما حقده عليهما ، لأنّه كان قبل خلافته أراد شراء مغنيتين فزادا في الثمن عليه ، فحقد فاستدعاهما للمنادمة فتزيّنا و تطيّبا ، فلمّا حضرا أمر بإلقائهما إلى بئر في الدّار ، فتضرّعا و بكيا ، فلم يلتفت إليهما ، و ألقاهما فيه و طمّها عليهما ٣ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : أعطى عثمان عمّه الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه مائة ألف درهم من بيت مال المسلمين ، و أقطع ( مهزورا ) موضع سوق المدينة الّذي تصدّق به النّبي صلى اللّه عليه و آله على المسلمين الحارث بن الحكم أخا مروان ، و أقطع مروان فدك التي هي صدقة النّبي صلى اللّه عليه و آله ، و افتتح إفريقية و وهب جميع خمسها لمروان أيضا ٤ .

« و لا الجاهل » قال عليّ بن ميثم لأبي الهذيل : ألست تعلم أنّ إبليس ينهى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٥٨ سنة ٨ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٢٧٣ سنة ٣٢١ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٢٩٥ سنة ٣٢٢ ، و النقل بتصرف في اللفظ ، و قول الشارح « في تلك السنة » خلط بين سنة ٣٢١ و ٣٢٢ .

( ٤ ) هذه الأمور روايات مشهورة جاء قريب منها في خلفاء ابن قتيبة ١ : ٣٢ ، لكن لم أظفر على هذا اللفظ فيه .

٥٦٥

عن الخير كلّه ، و يأمر بالشرّ كلّه ؟ فقال : نعم . فقال : أفيجوز أن يأمر بالشّرّ كلّه و هو لا يعرفه ، و ينهى عن الخير كلّه و هو لا يعرفه ؟ قال : لا . فقال له : قد ثبت أنّ إبليس يعلم الشّرّ كلّه و الخير كلّه . قال : أجل . قال : فأخبرني عن إمامك الذي تأتمّ به بعد الرّسول صلى اللّه عليه و آله هل يعلم الخير كلّه ، و الشرّ كلّه ؟ قال : لا . قال : فإبليس أعلم من إمامك إذن . فانقطع أبو الهذيل ١ .

و سئل أبو بكر عن قوله تعالى : و فاكهة و أبّا ٢ ، فقال : أي سماء تظلّني أم أي أرض تقلّني إن قلت في كتاب اللّه بما لا أعلم ، أمّا الفاكهة فنعرفها ،

و أمّا الأبّ فاللّه أعلم به . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : سبحان اللّه أما علم أنّ الأبّ هو الكلأ و المرعى ، و أنّ قوله تعالى : و فاكهة و أبّا اعتداد من اللّه تعالى بإنعامه على خلقه بما غذّاهم ، و خلقه لهم و لأنعامهم . . . ٣ .

أشار عليه السّلام إلى أنّ درجة جهله كانت بحيث لم يتفطّن لتفسير القرآن للأبّ في قوله تعالى بعد : متاعا لكم و لأنعامكم ٤ .

و كذلك سئل أبو بكر عن الكلالة فقال : أقول فيها برأيي ، فإن أصبت فمن اللّه ، و إن أخطأ فمن نفسي و من الشيطان . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : ما أغناه عن الرّأي في هذا المكان ، أما علم أنّ الكلالة هم الإخوة و الأخوات من قبل الأب و الامّ ، و من قبل الأب على انفراده ، و من قبل الامّ أيضا على حدّها ؟ قال تعالى : يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد و له اخت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المرتضى في الفصول المختارة : ٦ .

( ٢ ) عبس : ٣١ .

( ٣ ) حديث جهل أبي بكر معنى الأبّ و الكلالة مشهور ، لكن مع هذا الذيل عن علي عليه السّلام أخرجهما المفيد في الارشاد : ١٠٧ .

( ٤ ) عبس : ٣٢ .

٥٦٦

فلها نصف ما ترك . . . ١ ، و قال تعالى : . . . و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس . . . ٢ ، أشار عليه السّلام إلى أنّ درجة جهله كانت بحيث لا تفرّق بين المنصوص و غير المنصوص .

« فيضلّهم بجهله » فجر رجل بمجنونة فأمر عمر بلجدها ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أما علم أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق ؟ إنّها مغلوبة على عقلها و نفسها . فقال عمر : لقد كدت أن أهلك في جلدها ٣ .

و أمر عمر أيضا برجم حامل زنت ، فقال عليه السّلام له : هب إنّ لك سبيلا عليها ،

أيّ سبيل لك على ما في بطنها ، و اللّه تعالى يقول : و لا تزر وازرة وزر أخرى . . . ٤ فقال عمر : لا عشت لمعضلة لا تكون لها . فما أصنع بها ؟ قال :

احتط عليها حتّى تلد ، فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله ، أقم عليها الحدّ ٥ .

و أتى عمر أيضا بأمرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها ، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى قال : . . . و حمله و فصاله ثلاثون شهرا . . . ٦ و قال جلّ و علا : و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة . . . ٧ فإذا تمّمت المرأة الرّضاعة سنتين و كان حمله و فصاله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١٧٦ .

( ٢ ) النساء : ١٢ .

( ٣ ) رواه أبو داود بأربع طرق في سننه ٤ : ١٤٠ ، ١٤١ ح ٤٣٩٩ ٤٤٠٢ ، و أحمد بطريقين في مسنده ١ : ١٤٠ ، ١٥٤ ، و ابن شاذان في الايضاح : ١٠٠ ، و المفيد في الارشاد : ١٠٩ ، و الاختصاص : ١١١ ، و القاضي النعمان في الدعائم ٢ :

٤٥٦ ح ١٦٠٧ ، و أشار إليه البخاري في صحيحه ٤ : ١٧٦ و غيرهم .

( ٤ ) فاطر : ١٨ .

( ٥ ) مسند زيد : ٣٣٥ ، و الايضاح لابن شاذان : ٩٩ ، و الإرشاد للمفيد : ١٠٩ ، و الاختصاص : ١١١ ، و الذريعة للمرتضى ٢ :

٧٦٥ ، و الدعائم للقاضي النعمان ٢ : ٤٥٣ ح ١٥٨٤ و غيرها .

( ٦ ) الأحقاف : ١٥ .

( ٧ ) البقرة : ٢٣٣ .

٥٦٧

ثلاثين ، كان الحمل منها ستّة أشهر . فخلّى عمر سبيلها ١ .

و أمر عمر أيضا برجم امرأة شهد عليها جمع أنّ رجلا يطؤها في بعض المياه ، فقالت : « اللهمّ إنّك تعلم أنّي بريئة » . فغضب عمر و قال : و تجرّحين الشهود أيضا . فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و كان شاهدا ردّوها و اسألوها فلعلّ لها عذرا ، فردّت و سئلت عن حالها ، فقالت : كان لأهلي إبل ، فخرجت في إبل أهلي و حملت معي ماء و لم يكن في إبل أهلي لبن ، و خرج معي خليطنا و كان في إبله لبن ، فنفد مائي فاستسقيته فأبي أن يسقيني حتّى أمكّنه من نفسي فأبيت ،

فلمّا كادت نفسي أن تخرج أمكنته من نفسي كرها . فقال عليه السّلام : اللّه أكبر . . . فمن اضطرّ غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه . . . ٢ . فخلى عمر سبيلها ٣ .

و نكح شيخ كبير امرأة فحملت فأنكره ، و زعم أنّه لم يصل إليها ، فسألها عثمان هل افتضّك ؟ قالت : لا . فقال : أقيموا عليها الحدّ . فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و كان شاهدا : إنّ للمرأة سمين : سم للحيض ، و سمن اللبول . فلعلّ الشيخ سال ماؤه في سم المحيض فحملت . فسئل الشيخ ، فقال : قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض . فقال عليه السّلام : الحمل له و الولد ولده ، و أرى عقوبته على الإنكار . فصار عثمان إلى قضائه و تعجّب منه ٤ .

و روى الخطيب في الهياج بن بسطام مسندا عن أبي سعيد الخدري قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه ، و عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر عنهم الدر المنثور ١ : ٢٨٨ ، و ٦ :

٤٠ ، و ابن شاذان في الايضاح : ٩٨ ، و المفيد في الارشاد : ١١٠ ، و القاضي النعمان في الدعائم ١ : ٨٦ ، و غيرهم و روى نحو ذلك بين عليّ عليه السّلام و عثمان و بين ابن عباس و عمر و بينه و عثمان.

( ٢ ) البقرة : ١٧٣ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ٤ : ٢٥ ح ٤٠ ، و تفسير العياشي ١ : ٧٤ ح ١٥٥ و الإرشاد للمفيد : ١١٠ ، و التهذيب للطوسي ١٠ : ٤٩ ح ١٨٦ و غيرهم .

( ٤ ) الارشاد للمفيد : ١١٢ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٧٠ .

٥٦٨

خطبنا عمر فقال : إنّي لعليّ أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ، و آمركم بأشياء لا تصلح لكم ، و أنّ من آخر القرآن نزولا آية الربا ، و أنّه قد مات النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و لم يبيّنها لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . . . ١ .

قلت : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال في مرض موته : « ايتوني بدواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي أبدا » فقلت أنت أيّها الفاروق : « إنّ الرجل ليهجر ، يكفينا كتاب اللّه » ٢ فكيف تقول في خطبتك : مات النبيّ و لم يبيّن لنا آية الرّبا ؟ ٣ و على قولك بقي دينه ناقصا ، فكيف قال تعالى : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا . . . ٤ ، و إذا لا تعرف الصلاح من الفساد ،

كيف تأمر و تنهى ؟

و روى في عثمان بن سعيد عن ابن مسعود أنّ عمر خطب بالجابية فقال : إنّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء . فقال : قسّ من تلك القسوس : ما يقول أميركم هذا ؟ قالوا : يقول : إنّ اللّه يضلّ من يشاء ، و يهدي من يشاء . فقال القسّ : « برقشت ، اللّه أعدل أن يضلّ أحدا » . فبلغ ذلك عمر فبعث إليه فقال : بل اللّه أضلّك ، و لو لا عهدك لضربت عنقك ٥ .

و رواه الأعثم في ( تاريخه ) ٦ : أفّ لكم و لما تعبدون من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٤ : ٨٠ .

( ٢ ) أخرجه البخاري بطرق في صحيحه ١ : ٣٢ ، و ٤ : ٧ ، ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٢٢ ، و أحمد بطريقين في مسنده ١ : ٣٢٤ ، ٣٣٦ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٣٧ ، و الجوهري في السقيفة : ٧٣ ، و غيرهم عن ابن عبّاس ، و روي أيضا عن علي عليه السّلام و سلمان و أبي ذر و المقداد و جابر و عمر .

( ٣ ) رواه ابن ماجه في سننه ٢ : ٧٦٤ ح ٢٢٧٦ ، و أحمد في مسنده ١ : ٣٦ ، ٤٩ ، و ابن جرير بطريقين و ابن الضريس و ابن المنذر و ابن مردويه عنهم الدر المنثور ١ : ٣٦٥ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب ١١ : ٢٩٠ .

( ٦ ) الفتوح لابن الأعثم ١ : ٢٩٨ .

٥٦٩

دون اللّه . . . ١ ، اتّخذوا إماما عارا على الاسلام يطعن به النصارى فيه ،

و القرآن و إن تضمّن هذا اللفظ لكن لم يقتصر عليه ، بل بيّن المراد به . فقال بعده : و ما يضلّ به إلاّ الفاسقين . الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه . . . ٢ .

« و لا الجافي فيقطعهم بجفائه » ذكروا أنّ عمر قال للزّبير بعد جعله أحد ستّة الشورى : أنت مؤمن الرّضا كافر الغضب ، يوما إنسانا و يوما شيطان ،

فليت شعري من يكون للنّاس إماما يوم تكون شيطانا ، و من يكون يوم تغضب اماما ، و ما كان اللّه ليجمع لك أمر هذه الأمّة و أنت على هذه الصفة .

قلت : يقال لهذا الرّجل : العيب الذي ذكرت للزبير مشترك بينه و بين صاحبك ، فقد قال صاحبك على المنبر حين ولّي الأمر : « إنّ لي شيطانا يعتريني » ٣ .

و كذلك هو مشترك بينه و بينك ، قال الجزري في ( كامله ) : ارتدّ أبو شجرة ابن عبد العزّى السلمي ، و هو ابن الخنساء في من ارتدّ من سليم ، و قال :

صحا القلب عن ميّ هواه و أقصرا

إلى أن قال :

فروّيت رمحي من كتيبة خالد

و إنّي لأرجو بعده أن أعمّرا

ثمّ إنّه أسلم ، فلمّا كان زمن عمر قدم المدينة فرأى عمر و هو يقسم في المساكين ، فقال : أعطني فإنّي ذو حاجة . فقال : و من أنت ؟ قال : أنا أبو شجرة .

قال : أي عدوّ اللّه لا و اللّه ، ألست الذي تقول : « فروّيت رمحي . . . » ؟ و جعل يعلوه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنبياء : ٦٧ .

( ٢ ) البقرة : ٢٦ ٢٧ .

( ٣ ) نقله الطبري في تاريخه ٢ : ٤٦٠ سنة ١١ ، و ابن راهويه في مسنده ، و أبوذر الهروي في الجامع عنهما منتخب كنز العمال ٢ : ١٦١ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٦ و غيرهم ضمن خطبة له بعد البيعة .

٥٧٠

بالدّرّة في رأسه ، فسبقه عدوا إلى ناقته ، و قال :

ضنّ علينا أبو حفص بنائله

و كلّ مختبط يوما له ورق

١ و قد أجاب الزبير نفسه عمر بأنّه ليس أعيب منه ، فقال له : ولّيتها أنت و لسنا دونك في قريش ، و لا في السّابقة ، و لا في القرابة .

« و لا الحائف للدّول فيتّخذ قوما دون قوم » روت العامّة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : خلا عمر لبعض شأنه ، و قال : امسك على الباب . فطلع الزّبير فكرهته حين رأيته ، فأراد أن يدخل ، قلت : هو على حاجة . فلم يلتفت إليّ و أهوى ليدخل ،

فوضعت يدي في صدره ، فضرب أنفي فأدماه . ثمّ رجع . فدخلت على عمر ،

فقال : ما بك ؟ قلت : الزبير . فأرسل إلى الزّبير ، فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ أدميتني للناس . فقال الزبير يحكيه و يمطّط في كلامه أدميتني ، أتحتجب عنّا يا بن الخطّاب ؟ فو اللّه ما احتجب منّي النّبي و لا أبو بكر . فقال عمر كالمعتذر : إنّي كنت في بعض شأني . قال أسلم فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقّي منه . و خرج الزبير ، فقال عمر : إنّه الزبير ، و آثاره ما تعلم ٢ .

و كان عمر منع طلحة و الزّبير من الخروج من المدينة لجهاد فارس و الروم ، و لئلاّ يحدث لهما خيال قيام ، مع كون استيلائه على الأمر بحيث أمر أن يضرب عنق أمير المؤمنين عليه السّلام بعده لو أبي عن قبول دستوره في شوراه ،

ليصل الأمر إلى عثمان ثمّ إلى معاوية و باقي بني أميّة ، لينتقموا من النّبيّ صلى اللّه عليه و آله باستيصال أهل بيته ، فقال يزيد في أبياته :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لأبن الأثير ٢ : ٣٥١ سنة ١١ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٤٩٣ سنة ١١ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٥ شرح الخطبة ٢٢٦ .

٥٧١

بل كان تسلّطه و استيلاؤه قبل سلطنته و سلطنة صاحبه لتحالفه مع قريش أعداء النّبي صلى اللّه عليه و آله ، بحيث منع النّبي صلى اللّه عليه و آله من الوصيّة ، و لم يكترث هو كصاحبه بأمر النّبي صلى اللّه عليه و آله مرّة بعد مرّة بتجهيز جيش أسامة مع لعنه المتخلّف عنه ١ .

و أيّ شي‏ء كان يحدث من طلحة و الزبير وقت غاية اقتداره حتّى حظر عليهما هذه الفريضه العظيمة ، لولا رعاية السياسة الملوكيّة و الاهمال لجانب مقتضيات الشريعة ، و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمّا استأذنه الرجلان طلحة و الزبير للخروج إلى مكّة باسم العمرة مع قطعه بإرادتهما الغدرة خلاّهما مع شدّة اضطراب أمره ٢ ، لأنّهما أرادا أن يتّخذهما واليا بلا استحقاق ، و ما كان عليه السّلام متّخذ المضلّين عضدا ٣ ، و إن صار أمرهما سببا لأمر معاوية ، و أمر معاوية لأمر الخوارج ، و صيرورة الأمر إلى ما صار إليه .

« و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع » كان عمر يعطي عايشة و حفصة في كلّ سنة عشرة آلاف درهم ، و يمنع أهل بيت النّبي صلى اللّه عليه و آله خمسهم الذي عيّنه اللّه لهم في كتابه ، و بيّنه الرسول صلى اللّه عليه و آله في سنّته ،

و كان يفضّل الأشراف على غيرهم في العطاء تأليفا لهم على خلاف الكتاب و السّنّة .

« و لا المعطّل للسّنّة فتهلك الامّة » قد عطّل عمر حدّ اللّه تعالى في المغيرة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمر النّبي صلى اللّه عليه و آله بتجهيز جيش أسامة أخرجه ابن هشام في السيرة ٤ : ٢١٩ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١٩ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ١٣٧ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣١ سنة ١١ ، و لعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله من تخلف عن جيشه .

أخرجه الجوهري في السقيفة : ٧٥ مسندا ، و رواه الشهرستاني في الملل و النحل ١ : ٢٩ ، و الكوفي في الاستغاثة : ٢٥ ، و القاضي النعمان في الدعائم ١ : ٤١ مجردا .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٦٥ سنة ٣٦ ، و مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٧ ، و تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ .

( ٣ ) الكهف : ٥١ .

٥٧٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

شعبة المعلوم النفاق بالاتفاق لكونه من أعوانه ، و لقّن الشاهد الرابع الامتناع من أداء الشهادة عليه ، و قال : لذاك الشاهد بأنّه ينفس على مثله من المهاجرين الأوّلين ، مع أنّ إمامهم الثالث عثمان لمّا نقموا عليه توليته المنافقين كالوليد ابن عقبة الذي صلّى الصبح بالناس أربعا سكرانا اعتذر بأنّ عمر أيضا كان يولّي المغيرة ، و كان منافقا و أمين أمّتهم عبد الرحمن بن عوف ، قال للمغيرة لما بويع عثمان و قال له المغيرة : لو بويع غيرك ما بايعناه أنت منافق ، لو كان بويع غيره كنت تقول له أيضا ذلك . و صار إبقاء عمر للمغيرة سببا لهلاك الامّة بحمله معاوية على استخلاف ابنه يزيد ، مع أنّ مثل مروان و زياد كانا أيضا منكرين لتولية يزيد ، حمله المغيرة على ذلك لئلاّ يعزله عن حكومة الكوفة ، فانجرّ الأمر إلى أنّ الخليفة يرتكب ما فيه الحدّ و يجرون الحدّ على الناس ، فلمّا بلغ يزيد أنّ مسور بن مخرمة النوفلي كان يقول : يزيد يشرب الخمر . كتب إلى والي المدينة أن يجلده الحدّ ، فجلده الوالي فقال مسور :

أ يشربها صرفا بفكّ ختامها

أبو خالد و يجلد الحدّ مسور

و بالجملة أين الإمام الذي خليفة النّبي صلى اللّه عليه و آله الذي هو خليفة اللّه ، و أين أولئك الجفاة الأجلاف من أوّلهم إلى آخرهم ، أما قال تعالى : . . . لا ينال عهدي الظالمين ١ ؟

و من الأمثال : متى كان حكم اللّه في كرب النّخل ٢ . و إنّما تصدّوا للسلطنة ، و قد قال تعالى : قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء . . . ٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢٤ .

( ٢ ) المستقصى للزمخشري ٢ : ٣٤٠ .

( ٣ ) آل عمران : ٢٦ .

٥٧٣

٤

من الخطبة ( ٢ ) و منها يعني آل النبيّ عليهم السّلام :

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ اِنْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ اِرْتِعَادَ فَرَائِصِهِ وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْمٍ آخَرِينَ اَلْمُنَافِقِينَ زَرَعُوا اَلْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ اَلْغُرُورَ وَ حَصَدُوا اَلثُّبُورَ لاَ يُقَاسُ ؟ بِآلِ مُحَمَّدٍ ص ؟ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لاَ يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ اَلدِّينِ وَ عِمَادُ اَلْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ اَلْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ اَلتَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ اَلْوِلاَيَةِ وَ فِيهِمُ اَلْوَصِيَّةُ وَ اَلْوِرَاثَةُ اَلْآنَ إِذْ رَجَعَ اَلْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ أقول : قال الجاحظ كما نقل عنه ( ينابيع مودّة الحنفي ) : إنّ الخصومات نقضت العقول السليمة ، و أفسدت الأخلاق الحسنة ، من المنازعة في فضل أهل البيت على غيرهم ، فالواجب علينا طلب الحق و اتّباعه ، و طلب مراد اللّه في كتابه و ترك التعصّب و الهوى ، و طرح تقليد السلف ، و الأساتيذ و الآباء . و اعلم أنّ اللّه لو أراد أن يسوّي بين بني هاشم و بين النّاس لما اختصّهم بسهم ذوي القربى ، و لما قال : و انذر عشيرتك الأقربين ١ ، و قال : و إنّه لذكر لك و لقومك و سوف تسألون ٢ . فإذن كان لقومه ما ليس لغيرهم ، فكلّ من كان أقرب منه صلى اللّه عليه و آله كان أرفع قدرا ، و لو سوّاهم اللّه بالنّاس لما حرّم عليهم الصدقة ،

و ما هذا التحريم إلاّ لكرامتهم على اللّه و طهارتهم ، و لهذا قال عليّ كرّم اللّه وجهه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) الزخرف : ٤٤ .

٥٧٤

على منبر الجماعة : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد . . . » ١ .

و قال محمّد بن جرير بن رستم الطبري في ( مسترشده ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له : « هلك من قارن حسدا ، و قال باطلا و والى على عداوتنا ، أو شكّ في فضلنا ، إنّه لا يقاس بنا آل محمّد من هذه الامّة أحد ، و لا سوّي بنا من جرت نعمتنا عليهم . نحن أطول الناس أغراسا ، و نحن أفضل الناس أنفاسا ، و نحن عماد الدين ، بنا يلحق التالي ، و إلينا يفي‏ء الغالي ، و لنا خصائص حقّ الولاية ، و فينا الوصيّة و الوراثة ، و حجّة اللّه عليكم ، في حجّة الوداع يوم غدير خم ، و بذي الحليفة ، و بعده المقام الثالث بأحجار الزّيت ، تلك فرائض ضيّعتموها ، و حرمات انتهكتموها ، و لو سلّمتم الأمر لأهله سلمتم ،

و لو أبصرتم باب الهدى رشدتم ، اللهمّ إنّي قد بصّرتهم الحكمة ، و دللتهم على طريق الرحمة ، و حرصت على توفيقهم بالتنبيه و التذكرة ، و دللتهم على طريق الجنّة بالتبصّر و العدل و التأنيب ، ليثبت راجع و يقبل ، و يتّعظ مذكّر فلم يطع لي قول : اللهمّ إنّي أعيد عليهم القول ليكون أثبت للحجّة عليهم . يا أيّها الناس اعرفوا فضل من فضّل اللّه ، و اختاروا حيث اختار اللّه ، و اعلموا أنّ اللّه قد فضّلنا أهل البيت بمنّه حيث يقول : . . . إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ . فقد طهّرنا اللّه من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، و من كلّ دنيّة و كلّ رجاسة ، فنحن على منهاج الحقّ ، و من خالفنا فعلى الباطل . و اللّه لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحق ٣ .

و قال عليه السّلام أيضا كما في تفسير علي بن إبراهيم القمي : و لقد علم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) ينابيع المودة للقندوزي : ١٥٢ عن فضائل بني هشام للجاحظ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) المسترشد : ٩٠ ٩١ .

٥٧٥

المستحفظون من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّي و أهل بيتي مطهّرون ، فلا تسبقوهم فتضلّوا ، و لا تتخلّفوا عنهم فتزلّوا ، و لا تخالفوهم فتجهلوا ، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، هم أعلم الناس كبارا ، و أحلم الناس صغارا ،

فاتبعوا الحقّ و أهله حيث كان ١ .

و روى الشيخان في ( أماليهما ) عن الأصبغ قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السّلام في نفر من الشيعة ، و كنت فيهم ، فقال عليه السّلام للحارث :

كيف تجدك ؟ قال : نال الدّهر منّي ، و زادني أو ارا اختصام أصحابك ببابك .

فقال عليه السّلام : و فيم خصومتهم ؟ قال : فيك و في الثلاثة من قبلك ، فمن مفرط غال ،

و مفرّط قال ، و من متردّد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم . فقال : حسبك يا أخا همدان ألا إنّ خير شيعتي النّمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، و بهم يلحق التالي . فقال له الحارث : لو كشفت الرّين عن قلوبنا ، و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا . فقال عليه السّلام : فإنّك امرء ملبوس عليك ، إنّ دين اللّه لا يعرف بالرّجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحقّ تعرف أهله . يا حارث إنّ الحقّ أحسن الحديث ، و الصادع به مجاهد ، و بالحقّ أخبرك ، فأعرني سمعك ، ثمّ خبّر به من كان له حصافة من أصحابك ، ألا إنّي عبد اللّه و أخو رسوله ، و صدّيقه الأكبر ،

صدّقته و آدم بين الرّوح و الجسد ، ثمّ إنّي صدّيقه الأوّل في أمّتكم حقّا ، فنحن الأوّلون ، و نحن الآخرون ، و نحن خاصّته و خالصته ، و إنا صنوه و وصيّه و وليّه و صاحب نجواه و سرّه ، أوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب و علم القرون و الأسباب ، و استودعت ألف مفتاح يفتح كلّ مفتاح ألف باب ، يفضي كلّ باب إلى ألف ألف عهد ، و أيّدت بليلة القدر نفلا ، و إنّ ذلك يجري لي و لمن استحفظ من ذرّيتي ما جرى الليل و النهار . و ابشرك يا حارث لتعرفني عند

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤ ، و الغيبة للنعماني : ٢٩ .

٥٧٦

الممات ، و عند الصراط ، و عند الحوض ، و عند المقاسمة . قال الحارث : و ما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النّار ، أقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا ولييّ فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه .

ثمّ أخذ عليه السّلام بيده فقال : يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيدي ، فقال لي و قد شكوت إليه حسد قريش و المنافقين : إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل اللّه و حجزته ، و أخذت أنت بحجزتي ، و أخذ ذريتك بحجزتك ،

و أخذ شيعتكم بحجزتكم فماذا يصنع اللّه بنبيّه ، و ماذا يصنع نبيّه بوصيّه ؟

خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت و لك ما اكتسبت يقولها ثلاثا فقام الحارث يجرّ رداءه و هو يقول : ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني . قال جميل بن صالح راوي الخبر عن أبي خالد الكابلي عن الأصبغ بن نباتة ، و أنشدني أبو هاشم السيّد الحميري :

قول عليّ لحارث عجب

كم ثمّ اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصّراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنّار حين توقف للعرض

دعيه لا تقربي الرّجلا

دعيه لا تقربيه أنّ له

حبلا بحبل الوصيّ متّصلا

١ قول المصنّف : « و منها يعني آل النّبيّ » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( إبن ميثم و الخطية ) ٢ : « منها و يعني آل النّبيّ » و في ( ابن أبي الحديد ) ٣ :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الامالي للمفيد : ٣ ح ٣ المجلس ١ ، و أمالي الطوسي ٢ : ٢٣٨ المجلس ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) في شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ مثل المصرية أيضا .

٥٧٧

« و منها و يعني آل محمّد » فالواو ساقطة من ( المصرية ) قطعا .

« عليه الصّلاة و السّلام » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية ) ١ : « صلّى اللّه عليه و آله » و زاد الأخير و « سلّم » ٢ .

قوله عليه السّلام : « موضع سرّه » قال الصادق عليه السّلام لخيثمة : نحن شجرة النّبوّة ،

و بيت الرّحمة ، و مفاتيح الحكمة ، و معدن العلم ، و موضع الرسالة ، و مختلف الملائكة ، و موضع سرّ اللّه ٣ .

« و لجأ أمره » قال الصادق عليه السّلام : إنّ الناس في ليلة القدر في صلاة و دعاء و مسألة ، و صاحب هذا الأمر في شغل تنزّل الملائكة إليه بامور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها ٤ .

و قال الباقر عليه السّلام لأبي إسحاق النحوي : و نحن فيما بينكم و بين اللّه تعالى ، ما جعل اللّه تعالى لأحد خيرا في خلاف أمرنا ٥ .

« و عيبة علمه » أي : مخزنه ، قال الصادق عليه السّلام : نحن ولاة أمر اللّه ، و خزنة علمه ، و عيبة وحيه ، و نحن الرّاسخون في العلم ، و نحن نعلم تأويله ٦ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) أتى رجل الحسن عليه السّلام فسأله ، فقال : إنّ المسألة لا تصلح إلاّ في غرم فادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة . فقال الرّجل : ما جئت إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ مثل المصرية أيضا ، و لا يوجد فيهما زيادة .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ مثل المصرية أيضا ، و لا يوجد فيهما زيادة .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٢١ ح ٣ ، و البصائر للصفار : ٧٧ ح ٦ في صدر حديث عن الصادق عليه السّلام ، و : ٧٧ ح ٣ عن الباقر عليه السّلام .

( ٤ ) البصائر للصفار ٢٤٠ ضمن الحديث ٢ .

( ٥ ) أخرجه الكليني بطريقين في الكافي ١ : ٢٦٥ ح ١ ، و الصفار بطريقين في البصائر : ٤٠٤ ح ٤ ، ٥ .

( ٦ ) هذا تأليف حديثين : الأوّل حديث الصادق عليه السّلام : « نحن ولاة أمر اللّه ، و خزنة علم اللّه ، و عيبة وحي اللّه » أخرجه في صدر حديث الصفار في البصائر : ١٢٥ ح ٨ ، و الكليني في الكافي ١ : ١٩٢ ح ١ . و الثاني حديث : « نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله » أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢١٣ ح ١ ، و الصفار في البصائر : ٢٢٣ ح ٥ عن الصادق عليه السّلام ، و : ٢٢٤ ح ٧ عن الباقر عليه السّلام .

٥٧٨

في إحداهنّ . فأمر له بمائة دينار ، ثمّ أتى الحسين عليه السّلام فسأله ، فقال له مثل مقالة أخيه ، فردّ عليه كما ردّ على الحسن عليه السّلام ، فقال له : كم أعطاك ؟ قال : مائة . فنقّص دينارا كره أن يساوي أخاه ، ثمّ أتى إلى ابن عمر فسأله ، فأعطاه سبعة دنانير ،

و لم يسأله عن شي‏ء ، فقال له : إنّي أتيت الحسن و الحسين عليهما السّلام و اقتصّ كلامهما و فعلهما به ، فقال له عبد اللّه : و يحك ، و أنّى تجعلني مثلهما ، إنّهما غذّيا العلم ١ .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ، و لأغزينك جنودا مائة ألف و مائة ألف . فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى عليّ بن الحسين ، و يتوعّده و يكتب إليه بما يقول ، ففعل . فقال عليه السّلام : إنّ اللّه عزّ و جل لوحا محفوظا يلحظه كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلاّ يحيي فيها و يميت و يعزّ و يذلّ ، و يفعل ما يشاء ، و إنّي لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة . فكتب به الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان ، و كتب به عبد الملك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلاّ من كلام النّبوّة ٢ .

« و موئل حكمه » قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : المعيب على أمير المؤمنين عليه السّلام في شي‏ء من أحكامه كالمعيب على اللّه تعالى و على رسوله ، و الرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك باللّه . كان أمير المؤمنين عليه السّلام باب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه ، و سبيله الذي من سلك بغيره هلك ، و بذلك جرت الأئمّة عليهم السّلام واحدا بعد واحد ، جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بهم ، و الحجّة البالغة على من فوق الأرض و من تحت الثّرى ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ١٤٠ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ٦١ ، و في بعض النسخ « عبد اللّه بن الحسن » بدل « علي بن الحسين » .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٩٦ ضمن الحديث ١ ، و النقل بتصرف .

٥٧٩

« و كهوف كتبه » قال بريّة النصراني الذي أسلم هو و امرأته على يد الكاظم عليه السّلام للصادق عليه السّلام لمّا ابتدأ يقرأ الإنجيل له : أنّى لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها و نقولها كما قالوا . إنّ اللّه تعالى لا يجعل حجّة في أرضه يسئل عن شي‏ء فيقول : لا أدري ١ .

و قال الباقر عليه السّلام : إيّانا عنى اللّه تعالى في قوله : . . . قل كفى باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب ٢ .

و بعث محمّد بن عبد اللّه بن الحسن إلى الصادق عليه السّلام يستدعيه إلى منزله فأبى عليه السّلام ، فضحك محمّد و قال : ما منعه من إتياني إلاّ أنّه ينظر في الصحف .

فقال عليه السّلام : صدق ، إنّي أنظر في الصّحف الاولى . صحف إبراهيم و موسى ٣ . و قال له : سل نفسك و أباك هل ذلك عندكما ؟ فسكت ٤ .

و لمّا قال أبو حنيفة : إنّ علمه في صدره من قياساته ، و أنّ جعفر بن محمّد رجل صحفي . قال عليه السّلام : نعم أنا صحفي عندي صحف إبراهيم و موسى ٥ .

« و جبال دينه » قال أبو بصير للباقر عليه السّلام : إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّ شهادة ولد الزّنا تجوز . فقال : اللهمّ لا تغفر ذنبه ، ما قال اللّه للحكم : إنّه لذكر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢٢٧ ح ١ بفرق يسير ، و الصفار في البصائر : ١٥٦ ح ٤ ، و : ٣٦ ح ٢ ، و الصدوق في التوحيد : ٢٧٥ .

( ٢ ) أخرجه الصفار في البصائر : ٢٣٤ ، ٢٣٦ ح ١٢ ، ٢٠ عن الباقر عليه السّلام ، و هو في المصدر : ٢٣٤ ح ٧ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٦ : ٣٠١ عن الصادق عليه السّلام ، و الآية ٤٣ من سورة الرعد .

( ٣ ) الاعلى : ١٨ ١٩ .

( ٤ ) البصائر للصفار : ١٥٨ ح ١٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٥ ) علل الشرائع للصدوق : ٨٩ ح ٥ ، و النقل بالمعنى .

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605