بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110293 / تحميل: 5676
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قال هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفترى عليه وهو مثل قوله( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) وروى ابن عيينة عن أبى نجيح عن إبراهيم بن أبى بكر عن مجاهد في قوله( لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) قال ذاك في الضيافة إذا جئت الرجل فلم يضفك فقد رخص أن تقول فيه* قال أبو بكر إن كان التأويل كما ذكر فقد يجوز أن يكون ذلك في وقت كانت الضيافة واجبة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة وجائز أن يكون فيمن لا يجد ما يأكل فيستضيف غيره فلا يضيفه فهذا مذموم يجوز أن يشكى وفي هذه الآية دلالة على وجوب الإنكار على من تكلم بسوء فيمن كان ظاهره الستر والصلاح لأن الله تعالى قد أخبر أنه لا يجب ذلك وما لا يحبه فهو الذي لا يريده فعلينا أن نكرهه وننكره وقال( إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) فما لم يظهر لنا ظلمه فعلينا إنكار سوء القول فيه* وقوله تعالى( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) قال قتادة عوقبوا على ظلمهم وبغيهم بتحريم أشياء عليهم وفي ذلك دليل على جواز تغليظ المحنة عليهم بالتحريم الشرعي عقوبة لهم على ظلمهم لأن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه حرم عليهم طيبات بظلمهم وصدهم عن سبيل الله والذي حرم عليهم ما بينه تعالى في قوله( وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ ) وقوله( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ) يدل على أن الكفار مخاطبون بالشرائع مكلفون بها مستحقون للعقاب على تركها لأن الله تعالى قد ذمهم على أكل الربا وأخبر أنه عاقبهم عليه* قوله تعالى( لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ) روى عن قتادة أن لكن هاهنا استثناء وقيل أن لا ولكن قد تتفقان في الإيجاب بعد النفي أو النفي بعد الإيجاب وتطلق إلا ويراد بها لكن كقوله تعالى( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) ومعناه لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة فأقيمت إلا في هذا الموضع مقام لكن وتنفصل لكن من إلا بأن إلا لإخراج بعض من كل ولكن قد تكون بعد الواحد نحو قولك ما جاءني زيد لكن عمرو وحقيقة لكن الاستدراك ولا للتخصيص قوله تعالى( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) روى عن الحسن أنه خطاب لليهود والنصارى لأن النصارى غلت

٢٨١

في المسيح فجاوزوا به منزلة الأنبياء حتى اتخذوه إلها واليهود غلت فيه فجعلوه لغير رشدة فغلا الفريقان جميعا في أمره والغلو في الدين هو مجاوزة حد الحق فيه وروى عن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله أن يناوله حصيات لرمي الجمار قال فناولته إياها مثل حصا الخذف(1) فجعل يقلبهن بيده ويقول بمثلهن بمثلهن إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من قبلكم بالغلو في دينهم ولذلك قيل دين الله بين المقصر والغالي * قوله تعالى( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) قيل في وصف المسيح بأنه كلمة الله ثلاثة أوجه أحدها ما روى عن الحسن وقتادة أنه كان عيسى بكلمة الله وهو قوله( كُنْ فَيَكُونُ ) لا على سبيل ما أجرى العادة به من حدوثه من الذكر والأنثى جميعا والثاني أنه يهتدى به كما يهتدى بكلمة الله والثالث ما تقدم من البشارة به في الكتب المتقدمة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه* وأما قوله تعالى( وَرُوحٌ مِنْهُ ) فلأنه كان بنفخة جبريل بإذن الله والنفخ يسمى روحا كقول ذي الرمة :

فقلت له أرفعها إليك وأحيها

بروحك واقتته لها قيتة قدرا

أى بنفختك وقيل إنما سماه روحا لأنه يحيى الناس به كما يحيون بالأرواح ولهذا المعنى سمى القرآن روحا في قوله( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) وقيل لأنه روح من الأرواح كسائر أرواح الناس وأضافه الله تعالى إليه تشريفا له كما يقال بيت الله وسماء الله* قوله( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) قيل فيه إنه بمعنى لئلا تضلوا فحذف لا كما تحذف مع القسم في قولك والله أبرح قاعدا أى لا أبرح قال الشاعر :

تالله يبقى على الأيام ذوحيد(2)

معناه لا يبقى وقيل يبين الله لكم كراهة أن تضلوا كقوله( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) يعنى أهل القرية.

سورة المائدة

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) روى عن ابن عباس ومجاهد ومطرف

__________________

(1) قوله الخذف بالخاء والذال المعجمتين هو أن تجعل حصاة أو نواة بين السبابتين وترمى بها كما ذكره في النهاية.

(2) قوله ذوحيد هو الثور الوحشي والحيد بكسر وفتح جمع حيد بفتح وسكون وهو ما النوى من القرن.

٢٨٢

والربيع والضحاك والسدى وابن جريج والثوري قالوا العقود في هذا الموضع أراد بها العهود وروى معمر عن قتادة قال هي عقود الجاهلية الحلف وروى جبير بن مطعم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا حلف في الإسلام وأما حلف الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة وروى ابن عيينة عن عاصم الأحول قال سمعت أنس بن مالك يقول حالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا فقيل له قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حلف في الإسلام وما كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فقال حالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا قال ابن عيينة إنما آخى بين المهاجرين والأنصار قال أبو بكر قال الله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) فلم يختلف المفسرون أنهم في أول الإسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف دون النسب وهو معنى قوله( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) إلى أن جعل الله ذوى الأرحام أولى من الحليف بقوله( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) فقد كان حلف الإسلام على التناصر والتوارث ثابتا صحيحا وأما قوله لا حلف في الإسلام فإنه جائز أن يريد به الحلف على الوجوه التي كان عليها الحلف في الجاهلية وكان هذا القول منه بعد نسخ التوارث بالحلف وقد كان حلف الجاهلية على وجوه منها الحلف في التناصر فيقول أحدهما لصاحبه إذا حالفه دمى دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك فيتعاقدان الحلف على أن ينصر كل واحد منهم صاحبه فيدفع عنه ويحميه بحق كان ذلك أو بباطل ومثله لا يجوز في الإسلام لأنه لا يجوز أن يتعاقدا الحلف على أن ينصره على الباطل ولا أن يزوى ميراثه عن ذي أرحامه ويجعله لحليفه فهذا أحد وجوه الحلف الذي لا يجوز مثله في الإسلام وقد كانوا يتعاقدون الحلف للحماية والدفع وكانوا يدفعون إلى ضرورة لأنهم كانوا نشرا لا سلطان عليهم ينصف المظلوم من الظالم ويمنع القوى عن الضعيف فكانت الضرورة تؤديهم إلى التحالف فيمتنع به بعضهم من بعض وكان ذلك معظم ما يراد الحلف من أجله ومن أجل ذلك كانوا يحتاجون إلى الجوار وهو أن يجير الرجل أو الجماعة أو العير على قبيلة ويؤمنهم فلا ينداه(1) مكروه منهم فجائز أن يكون أراد بقوله لا حلف في الإسلام هذا الضرب من الحلف وكانوا يحتاجون إلى الحلف في أول الإسلام

__________________

(1) قوله فلا ينداه مضارع ندب من باب تعب يقال ما ندينى من فلان مكروه أي ما أصابني.

٢٨٣

لكثرة أعدائهم من سائر المشركين ومن يهود المدينة ومن المنافقين فلما أعز الله الإسلام وكثر أهله وامتنعوا بأنفسهم وظهروا على أعدائهم أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم باستغنائهم عن التحالف لأنهم قد صاروا كلهم يدا واحدة على أعدائهم من الكفار بما أوجب الله عليهم من التناصر والموالاة بقوله تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المؤمنون يد على من سواهم وقال ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العمل لله والنصيحة لولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من وراءهم فزال التناصر بالحلف وزال الجوار ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعدي بن حاتم ولعلك أن تعيش حتى ترى المرأة تخرج من القادسية إلى اليمن بغير جوار ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا حلف في الإسلام وأما قوله وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فإنما يعنى به الوفاء بالعهد مما هو مجوز في العقول مستحسن فيها نحو الحلف الذي عقده الزبير بن عبد المطلب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أحب أن لي بحلف حضرته حمر النعم في دار ابن جدعان وإنى أغدر به هاشم وزهرة وتيم تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بل بحر صوفه ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وهو حلف الفضول وقيل إن الحلف كان على منع المظلوم وعلى التأسى في المعاش فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حضر هذا الحلف قبل النبوة وأنه لو دعى إلى مثله في الإسلام لأجاب لأن الله تعالى قد أمر المؤمنين بذلك وهو شيء مستحسن في العقول بل واجب فيها قبل ورود الشرع فعلمنا أن قوله لا حلف في الإسلام إنما أراد به الذي لا تجوزه العقول ولا تبيحه الشريعة وقد روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال حضرت حلف المطيبين وأنا غلام وما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم وقد كان حلف المطيبين بين قريش على أن يدفعوا عن الحرم من أراد انتهاك حرمته بالقتال فيه وأما قوله وما كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة فهو نحو حلف المطيبين وحلف الفضول وكل ما يلزم الوفاء به من المعاقدة دون ما كان منه معصية لا تجوزه الشريعة والعقد في اللغة هو الشد تقول عقدت الحبل إذا شددته واليمين على المستقبل تسمى عقدا قال الله تعالى( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) والحلف يسمى عقدا قال الله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) وقال أبو عبيدة في قوله( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) قال هي العهود والأيمان وروى عن

٢٨٤

جابر في قوله( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) قال هي عقدة النكاح والبيع والحلف والعهد وزاد زيد ابن أسلم من قبله وعقد الشركة وعقد اليمين وروى وكيع عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال العقود ستة عقد الأيمان وعقد النكاح وعقدة العهد وعقدة الشرى والبيع وعقدة الحلف قال أبو بكر العقد ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه لأن العقد إذا كان في أصل اللغة الشد ثم نقل إلى الأيمان والعقود عقود المبايعات ونحوها فإنما أريد به إلزام الوفاء بما ذكره وإيجابه عليه وهذا إنما يتناول منه ما كان منتظرا مراعى في المستقبل من الأوقات فيسمى البيع والنكاح والإجارة وسائر عقود المعاوضات عقودا لأن كل واحد منهما قد ألزم نفسه التمام عليه والوفاء به وسمى اليمين على المستقبل عقدا لأن الحالف قد ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من فعل أو ترك والشركة والمضاربة ونحوها تسمى أيضا عقودا لما وصفنا من اقتضائه الوفاء بما شرطه على كل واحد من الربح والعمل لصاحبه وألزمه نفسه وكذلك العهد والأمان لأن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها وكذلك كل شرط شرطه إنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد وكذلك النذور وإيجاب القرب وما جرى مجرى ذلك وما لا تعلق له بمعنى في المستقبل ينتظر وقوعه وإنما هو على شيء ماض قد وقع فإنه لا يسمى عقدا ألا ترى أن من طلق امرأته فإنه لا يسمى طلاقه عقدا ولو قال لها إذا دخلت الدار فأنت طالق كان ذلك عقدا ليمين ولو قال والله لقد دخلت الدار أمس لم يكن عاقدا لشيء ولو قال لأدخلنها غدا كان عاقدا ويدلك على ذلك أنه لا يصح إيجابه في الماضي ويصح في المستقبل لو قال على أن أدخل الدار أمس كان لغوا من الكلام مستحيلا ولو قال على أن أدخلها غدا كان إيجابا مفعولا فالعقد ما يلزم به حكم في المستقبل واليمين على المستقبل إنما كانت عقدا لأن الحالف قد أكد على نفسه أن يفعل ما حلف عليه بذلك وذلك معدوم في الماضي ألا ترى أن من قال والله لأكلمن زيدا فهو مؤكد على نفسه بذلك كلامه وكذلك لو قال والله لا كلمت زيدا كان مؤكدا به نفى كلامه ملزما نفسه به ما حلف عليه من نفى أو إثبات فسمى من أجل التأكيد الذي في اللفظ عقدا تشبيها بعقد الحبل الذي هو بيده والاستيثاق به ومن أجله كان النذر عقدا ويمينا لأن الناذر ملزم نفسه ما نذره ومؤكد على نفسه ما نذره ومؤكد على نفسه أن يفعله أو يتركه

٢٨٥

ومتى صرف الخبر إلى الماضي لم يكن ذلك عقدا كما لا يكون ذلك إيجابا وإلزاما ونذرا وهذا يبين معنى ما ذكرنا من العقد على وجه التأكيد والإلزام. ومما يدل على أن العقد هو ما تعلق بمعنى مستقبل دون الماضي أن ضد العقد هو الحل ومعلوم أن ما قد وقع لا يتوهم له حل عما وقع عليه بل يستحيل ذلك فيه فلما لم يكن الحل ضدا لما وقع في الماضي علم أنه ليس بعقد لأنه لو كان عقدا لكان له ضد من الحل يوصف به كالعقد على المستقبل* فإن قيل قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت إذا جاء غد* هو عقد ولا يلحقه الانتقاض والفسخ* قيل له جائز أن لا يقع ذلك بموتها قبل وجود الشرط فهو مما يوصف بضده من الحل ولذلك قال أبو حنيفة فيمن قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز فعبدي حر وليس في الكوز ماء أن يمينه لا تنعقد ولم يكن ذلك عقدا لأنه ليس له نقيض من الحل ولو قال إن لم أصعد السماء فعبدي حر حنث بعد انعقاد يمينه لأن لهذا العقد نقيضا من الحل وإن كنا قد علمنا أنه لا يبر فيه لأنه عقد اليمين على معنى متوهم معقول إذ كان صعود السماء معنى متوهما معقولا وكذلك تركه معقول جائز وشرب ما ليس بموجود مستحيل توهمه فلم يكن ذلك عقدا* وقد اشتمل قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) على إلزام الوفاء بالعهود والذمم التي نعقدها لأهل الحرب وأهل الذمة والخوارج وغيرهم من سائر الناس وعلى إلزام الوفاء بالنذور والأيمان وهو نظير قوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) وقوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) وعهد الله تعالى أوامره ونواهيه وقد روى عن ابن عباس في قوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أى بعقود الله فيما حرم وحلل* وعن الحسن قال يعنى عقود الدين واقتضى أيضا الوفاء بعقود البياعات والإجارات والنكاحات وجميع ما يتناوله اسم العقود فمتى اختلفنا في جواز عقده أو فساده وفي صحة نذر ولزومه صح الاحتجاج بقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) لاقتضاء عمومه جواز جميعها من الكفالات والإجارات والبيوع وغيرها ويجوز الاحتجاج به في جواز الكفالة بالنفس وبالمال وجواز تعلقها على الأخطار لأن الآية لم تفرق بين شيء منها وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون عند شروطهم في معنى قول الله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وهو عموم في إيجاب الوفاء بجميع ما يشرط الإنسان على نفسه ما لم تقم دلالة

٢٨٦

تخصصه* فإن قيل هل يجب على كل من عقد على نفسه يمينا أو نذرا أو شرطا لغيره الوفاء بشرطه ويكون عقده لذلك على نفسه يلزمه ما شرطه وأوجبه قيل له أما النذور فهي عل ثلاثة أنحاء منها نذر قربة فيصير واجبا بنذره بعد أن كان فعله قربة غير واجب لقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقوله تعالى( أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) وقوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) وقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) وقوله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) فذمهم على ترك الوفاء بالمنذور نفسه وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر بن الخطاب أوف بنذرك حين نذر أن يعتكف يوما في الجاهلية وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من نذر نذرا سماه فعليه أن يفي به ومن نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين فهذا حكم ما كان قربة من المنذور في لزوم الوفاء بعينه وقسم آخر وهو ما كان مباحا غير قربة فمتى نذره لا يصير واجبا ولا يلزمه فعله فإذا أراد به يمينا فعليه كفارة يمين إذا لم يفعله مثل قوله لله على أن أكلم زيدا وأدخل هذه الدار وأمشى إلى السوق فهذه أمور مباحة لا تلزم بالنذر لأن ما ليس له أصل في القرب لا يصير قربة بالإيجاب كما أن ما ليس له أصل في الوجوب لا يصير واجبا بالنذر فإن أراد به اليمين كان يمينا وعليه الكفارة إذا حنث والقسم الثالث ما نذر المعصية نحو أن يقول لله على أن أقتل فلانا أو أشرب الخمر أو أغصب فلانا ماله فهذه أمور هي معاص لله تعالى لا يجوز له الإقدام عليها لأجل النذور وهي باقية على ما كانت عليه من الحظر وهذا يدل على ما ذكرناه في إيجاب ما ليس بقربة من المباحات أنها لا تصير واجبة بالنذور كما أن ما كان محظورا لا يصير مباحا ولا واجبا بالنذر وتجب فيه كفارة يمين إذا أراد يمينا وحنث لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين فالنذر ينقسم إلى هذه الأنحاء وأما الأيمان فإنها تعقد على هذه الأمور من قربة أو مباح أو معصية فإذا عقدها على قربة لم تصر واجبة باليمين ولكنه يؤمر بالوفاء به فإن لم يف به وحنث لزمته الكفارة وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر بلغني أنك قلت والله لأصومن الدهر فقال نعم قال فلا تفعل ولكن صم من كل شهر ثلاثة أيام فقال إنى أطيق أكثر من ذلك إلى أن ورده إلى أن يصوم يوما ويفطر

٢٨٧

يوما فلم يلزمه صوم الدهر باليمين فدل ذلك على أن اليمين لا يلزم بها المحلوف عليه ولذلك قال أصحابنا فيمن قال والله لأصومن غدا ثم لم يصمه فلا قضاء عليه وعليه كفارة يمين والقسم الآخر من الأيمان هو أن يحلف على مباح أن يفعله فلا يلزمه فعله كما لا يلزمه فعل القربة المحلوف عليها فإن شاء فعل المحلوف عليه وإن شاء ترك حنث لزمته الكفارة والقسم الثالث أن يحلف على معصية فلا يجوز له أن يفعلها بل عليه أن يحنث في يمينه ويكفر عنها لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وقال أنى لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني وقال الله تعالى( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) روى أنها نزلت في أبى بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن أثاثة لما كان منه من الخوض في أمر عائشة رضى الله عنها فأمره الله تعالى بالرجوع إلى الإنفاق عليه قوله تعالى( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) قيل في الأنعام أنها الإبل والبقر والغنم وقال بعضهم الإطلاق يتناول الإبل وإن كانت منفردة وتتناول البقر والغنم إذا كانت مع الإبل ولا تتناولهما منفردة عن الإبل وقد روى عن الحسن القول الأول وقيل إن الأنعام تقع على هذه الأصناف الثلاثة وعلى الظباء وبقر الوحش ولا يدخل فيها الحافر لأنه أخذ من نعومة الوطء ويدل على هذا القول استثناؤه الصيد منها بقوله في نسق التلاوة( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ويدل على أن الحافر غير داخل في الأنعام قوله تعالى( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) ثم عطف عليه قوله تعالى( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها ) فلما استأنف ذكرها وعطفها على الأنعام دل على أنها ليست منها وقد روى عن ابن عباس أنه قال في جنين البقرة أنها بهيمة الأنعام وهو كذلك لأن البقرة من الأنعام وإنما قال بهيمة الأنعام وإن كانت الأنعام كلها من البهائم لأنه بمنزلة قوله أحل لكم البهيمة التي هي الأنعام فأضاف البهيمة إلى الأنعام وإن كانت هي كما تقول نفس الإنسان* ومن الناس من يظن أن هذه الإباحة معقودة بشرط الوفاء بالعقود المذكورة في الآية وليس كذلك لأنه لم يجعل الوفاء بالعقود شرطا للإباحة ولا أخرجه مخرج المجازاة ولكنه وجه الخطاب إلينا بلفظ الأيمان في قوله

٢٨٨

تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ولا يوجب ذلك الاقتصار بالإباحة على المؤمنين دون غيرهم بل الإباحة عامة لجميع المكلفين كفارا كانوا أو مؤمنين كما قال تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) وهو حكم عام في المؤمنين والكفار مع ورود اللفظ خاصا بخطاب المؤمنين وكذلك كل ما أباحه الله تعالى للمؤمنين فهو مباح لسائر المكلفين كما أن كل ما أوجبه وفرضه فهو فرض على جميع المكلفين إلا أن يخص بعضهم دليل وكذلك قلنا إن الكفار مستحقون العقاب على ترك الشرائع كما يستحقون على ترك الإيمان* فإن قيل إذا كان ذبح البهائم محظورا إلا بعد ورود السمع به فمن لم يعتقد نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم واستباحته من طريق الشرع فحكمه في حظره عليه باق على الأصل وقائل هذا القول يقول إن ذبح البهائم محظور على الكفار أهل الكتاب منهم وغيرهم وهم عصاة في ذبحها وإن كان أكل ما ذبحه أهل الكتاب مباحا لنا وزعم هذا القول أن للملحد أن يأكل بعد الذبح وليس له أن يذبح وليس هذا عند سائر أهل العلم كذلك لأنه لو كان أهل الكتاب عصاة بذبحهم لأجل دياناتهم لوجب أن تكون ذبائحهم غير مذكاة مثل المجوسي لما كان ممنوعا من الذبح لأجل اعتقاده لم يكن ذبحه ذكاة وفي ذلك دليل على أن الكتابي غير عاص في ذبح البهائم وأنه مباح له كهو لنا وأما قوله إنه إذا لم يعتقد صحة نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم واستباحته من طريق الشرع فحكم حظر الذبح قائم عليه فليس كذلك لأن اليهود والنصارى قد قامت عليهم حجة السمع بكتب الأنبياء المتقدمين في إباحة ذبح البهائم وأيضا فإن ذلك لا يمنع صحة ذكاته لأن رجلا لو ترك التسمية على الذبيحة عامدا لكان عندنا عاصيا بذلك وكان لمن يعتقد جواز ترك التسمية عليها أن يأكلها ولم يكن كون الذابح عاصيا مانعا صحة ذكاته قوله عز وجل( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) روى عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدى( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يعنى قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) وسائر ما حرم في القرآن وقال آخرون إلا ما يتلى عليكم من أكل الصيد وأنتم حرم فكأنه قال على هذا التأويل إلا ما يتلى عليكم في نسق هذا الخطاب قال أبو بكر يحتمل قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) مما قد حصل تحريمه ما روى عن ابن عباس فإذا أريد به ذلك لم يكن اللفظ مجملا لأن ما قد حصل تحريمه قبل ذلك هو معلوم فيكون قوله( أُحِلَّتْ

«19 ـ أحكام لث»

٢٨٩

لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) عموما في إباحة جميعها إلا ما خصه الآي التي فيها تحريم ما حرم منها وجعل هذه الإباحة مرتبة على آي الحظر وهو قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) ويحتمل أن يريد بقوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) إلا ما يبين حرمته فيكون مؤذنا بتحريم بعضها علينا في وقت ثان فلا يسلب ذلك الآية حكم العموم أيضا ويحتمل أن يريد أن بعض بهيمة الأنعام محرم عليكم الآن تحريما يرد بيانه في الثاني فهذا يوجب إجمال قوله تعالى( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) لاستثنائه بعضها فهو مجهول المعنى عندنا فيكون اللفظ مشتملا على إباحة وحظر على وجه الإجمال ويكون حكمه موقوفا على البيان وأولى الأشياء بنا إذا كان في اللفظ احتمال لما وصفنا من الإجمال والعموم حمله على معنى العموم لإمكان استعماله فيكون المستثنى منه ما ذكر تحريمه في القرآن من الميتة ونحوها* فإن قيل قوله تعالى( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يقتضى تلاوة مستقبلة لا تلاوة ماضية وما قد حصل تحريمه قبل ذلك فقد تلا علينا فوجب حمله على تلاوة ترد في الثاني* قيل له يجوز أن يريد به ما قد تلى علينا ويتلى في الثاني لأن تلاوة القرآن غير مقصورة على حال ماضية دون مستقبلة بل علينا تلاوته في المستقبل كما تلوناه في الماضي فتلاوة ما قد نزل قبل ذلك من القرآن ممكنة في المستقبل وتكون حينئذ فائدة هذا الاستثناء إبانة عن بقاء حكم المحرمات قبل ذلك من بهيمة الأنعام وأنه غير منسوخ ولو أطلق اللفظ من غير استثناء مع تقدم نزول تحريم كثير من بهيمة الأنعام لأوجب ذلك نسخ التحريم وإباحة الجميع منها* قوله تعالى( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) قال أبو بكر فمن الناس من يحمله على معنى إلا ما يتلى عليكم من أكل الصيد وأنتم حرم فيكون المستثنى بقوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) هو الصيد الذي حرمه على المحرمين وهذا تأويل يؤدى إلى إسقاط حكم الاستثناء الثاني وهو قوله( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) ويجعله بمنزلة قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) وهو تحريم الصيد على المحرم وذلك تعسف في التأويل ويوجب ذلك أيضا أن يكون الاستثناء من إباحة بهيمة الأنعام مقصورا على الصيد وقد علمنا أن الميتة من بهيمة الأنعام مستثناة من الإباحة فهذا تأويل لا وجه له ثم لا يخلو من أن يكون قوله( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) مستثنى مما يليه من الاستثناء فيصير بمنزلة قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) إلا محلى الصيد وأنتم حرم ولو كان كذلك لوجب أن يكون موجبا لإباحة الصيد في الإحرام لأنه استثناء من

٢٩٠

المحظور إذ كان مثل قوله( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) سوى الصيد مما قد بين وسيبين تحريمه في الثاني أو أن يكون معناه أوفوا بالعقود غير محلى الصيد وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) روى عن السلف فيه وجوه فروى عن ابن عباس أن الشعائر مناسك الحج وقال مجاهد الصفا والمروة والهدى والبدن كل ذلك من الشعائر وقال عطاء فرائض الله التي حدها لعباده وقال الحسن دين الله كله لقوله تعالى( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) أى دين الله وقيل إنها أعلام الحرم نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إذا أرادوا دخول مكة وهذه الوجوه كلها في احتمال الآية والأصل في الشعائر أنها مأخوذة من الإشعار وهي الإعلام من جهة الإحساس ومنه مشاعر البدن وهي الحواس والمشاعر أيضا هي المواضع التي قد أشعرت بالعلامات وتقول قد شعرت به أى علمته وقال تعالى( لا يَشْعُرُونَ ) يعنى لا يعلمون ومنه الشاعر لأنه يشعر بفطنته لما لا يشعر به غيره وإذا كان الأصل على ما وصفنا فالشعائر العلامات واحدها شعيرة وهي العلامة التي يشعر بها الشيء ويعلم فقوله تعالى( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) قد انتظم جميع معالم دين الله وهو ما أعلمناه الله تعالى وحده من فرائض دينه وعلاماتها بأن لا يتجاوزوا حدوده ولا يقصروا دونها ولا يضيعوها فينتظم ذلك جميع المعاني التي رويت عن السلف من تأويلها فاقتضى ذلك حظر دخول الحرم إلا محرما وحظر استحلاله بالقتال فيه وحظر قتل من لجأ إليه ويدل أيضا على وجوب السعى بين الصفا والمروة لأنهما من شعائر الله على ما روى عن مجاهد لأن الطواف بهما كان من شريعة إبراهيم عليه السلام وقد طاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بهما فثبت أنهما من شعائر الله وقوله عز وجل( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) روى عن ابن عباس وقتادة أن إحلاله هو القتال فيه قال الله تعالى في سورة البقرة( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وقد بينا أنه منسوخ وذكرنا قول من روى عنه ذلك وأن قوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) نسخه وقال عطاء حكمه ثابت والقتال في الشهر الحرم محظور وقد اختلف في المراد بقوله( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) فقال قتادة معناه الأشهر الحرم وقال عكرمة هو ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وجائز أن يكون المراد بقوله( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) هذه الأشهر كلها وجائز أن يكون جميعها في حكم واحد منها وبقية الشهور معلوم حكمها من جهة دلالة اللفظ إذ

٢٩١

كان جميعها في حكم واحد منها فإذا بين حكم واحد منها فقد دل على حكم الجميع قوله تعالى( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) أما الهدى فإنه يقع على كل ما يتقرب به من الذبائح والصدقات قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المبتكر إلى الجمعة كالمهدى بدنة ثم الذي يليه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى شاة ثم الذي يليه كالمهدى دجاجة ثم الذي يليه كالمهدى بيضة فسمى الدجاجة والبيضة هديا وأراد به الصدقة وكذلك قال أصحابنا فيمن قال ثوبي هذا هدى أن عليه أن يتصدق به إلا أن الإطلاق إنما يتناول أحد هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم إلى الحرم وذبحه فيه قال الله تعالى( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ولا خلاف بين السلف والخلف من أهل العلم أن أدناه شاة وقال تعالى( مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) وقال( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) وأقله شاة عند جميع الفقهاء فاسم الهدى إذا أطلق يتناول ذبح أحد هذه الأصناف الثلاثة في الحرم وقوله( وَلَا الْهَدْيَ ) أراد به النهى عن إحلال الهدى الذي قد جعل للذبح في الحرم وإحلاله استباحة لغير ما سيق إليه من القربة وفيه دلالة على حظر الانتفاع بالهدى إذا ساقه صاحبه إلى البيت أو أوجبه هديا من جهة نذر أو غيره وفيه دلالة على حظر الأكل من الهدايا نذرا كان أو واجبا من إحصار أو أجزاء صيد وظاهره يمنع جواز الأكل من هدى المتعة والقران لشمول الاسم له إلا أن الدلالة قد قامت عندنا على جواز الأكل منه وأما قوله عز وجل( وَلَا الْقَلائِدَ ) فإن معناه لا تحلوا القلائد وقد روى في تأويل القلائد وجوه عن السلف فقال ابن عباس أراد الهدى المقلد قال أبو بكر هذا يدل على أن من الهدى ما يقلد ومنه ما لا يقلد والذي يقلد الإبل والبقر والذي لا يقلد الغنم فحظر تعالى إحلال الهدى مقلدا وغير مقلد وقال مجاهد كانوا إذا أحرموا يقلدون أنفسهم والبهائم من لحاء شجر الحرم فكان ذلك أمنا لهم فحظر الله تعالى استباحة ما هذا وصفه وذلك منسوخ في الناس وفي البهائم غير الهدايا وروى نحوه عن قتادة في تقليد الناس لحاء شجر الحرم وقال بعض أهل العلم أراد به قلائد الهدى بأن يتصدقوا بها ولا ينتفعوا بها وروى عن الحسن أنه قال يقلد الهدى بالنعال فإذا لم توجد فالجفاف(1) تقور ثم تجعل في أعناقها ثم يتصدق بها وقيل هو صوف يفتل فيجعل في أعناق الهدى قال أبو

__________________

(1) قوله فالجفاف جمع جف بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء الطلع ويقال للوطب الخلق جف أيضا.

٢٩٢

بكر قد دلت الآية على أن تقليد الهدى قربة وأنه يتعلق به حكم كونه هديا وذلك بأن يقلده ويريد أن يهديه فيصير هديا بذلك وإن لم يوجبه بالقول فمتى وجد على هذه الصفة فقد صار هديا لا تجوز استباحته والانتفاع به إلا بأن يذبحه ويتصدق به وقد دل أيضا على أن قلائد الهدى يجب أن يتصدق بها لاحتمال اللفظ لها وكذلك روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في البدن التي نحر بعضها بمكة وأمر عليا بنحر بعضها وقال له تصدق بحلالها وخطمها ولا تعط الجزار منها شيئا فإنا نعطيه من عندنا وذلك دليل على أنه لا يجوز ركوب الهدى ولا حلبه ولا الانتفاع بلبنه لأن قوله( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) قد تضمن ذلك كله وقد ذكر الله القلائد في غير هذا الموضع بما دل به على القربة فيها وتعلق الأحكام بها وهو قوله تعالى( جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ) فلو لا ما تعلق بالهدى والقلائد من الحرمات والحقوق التي هي لله تعالى كتعلقها بالشهر وبالكعبة لما ضمها إليهما عند الأخبار عما فيها من المنافع وصلاح الناس وقوامهم وروى الحكم عن مجاهد قال لم تنسخ من المائدة إلا هاتان الآيتان( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) نسختها( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ـ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ) الآية نسختها( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) قال أبو بكر يريد به نسخ تحريم القتال في الشهر الحرام ونسخ القلائد التي كانوا يقلدون به أنفسهم وبهائمهم من لحاء شجر الحرم ليأمنوا به ولا يجوز أن يريد نسخ قلائد الهدى لأن ذلك حكم ثابت بالنقل المتواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة والتابعين بعدهم وروى مالك بن مغول عن عطاء في قوله تعالى( وَلَا الْقَلائِدَ ) قال كانوا يقلدون لحاء شجر الحرم يأمنون به إذا خرجوا فنزلت( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) قال أبو بكر يجوز أن يكون حظر الله انتهاك حرمة من يفعل ذلك على ما كان عليه أهل الجاهلية لأن الناس كانوا مقرين بعد مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما كانوا عليه من الأمور التي لا يحظرها العقل إلى أن نسخ الله منها ما شاء فنهى الله عن استحلال حرمة من تقلد بلحاء شجر الحرم ثم نسخ ذلك من قبل أن الله قد أمن المسلمين حيث كانوا بالإسلام وأما المشركين فقد أمر الله بقتلهم حتى يسلموا بقوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) فصار حظر قتل المشرك الذي تقلد بلحاء شجر الحرم منسوخا والمسلمون قد استغنوا عن ذلك فلم يبق له حكم وبقي حكم قلائد الهدى ثابتا وقد حدثنا عبد الله بن

٢٩٣

محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسين بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن بيان عن الشعبي قال لم تنسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسين بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) الآية قال منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد وإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت فنسختها قوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وروى يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة في قوله تعالى( جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ) حواجز جعلها الله بين الناس في الجاهلية وكان الرجل إذا لقى قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا لقى الهدى مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر تمنعه من الناس وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من لحاء شجر الحرام فمنعت الناس عنه وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد الله قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) قال كان المسلمون والمشركون يحجون البيت جميعا فنهى الله تعالى المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذا( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) وقال تعالى( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) وقد روى إسحاق بن يوسف عن ابن عون قال سألت الحسن هل نسخ من المائدة شيء فقال لا وهذا يدل على أن قوله تعالى( وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) إنما أريد به المؤمنون عند الحسن لأنه إن كان قد أريد به الكفار فذلك منسوخ بقوله( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) وقوله أيضا( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) حظر القتال فيه منسوخ بما قدمنا إلا أن يكون عند الحسن هذا الحكم ثابتا على نحو ما روى عن عطاء قوله تعالى

٢٩٤

( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً ) روى عن ابن عمر أنه قال أريد به الريح في التجارة وهو نحو قوله تعالى( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سئل عن التجارة في الحج فأنزل الله تعالى ذلك وقد ذكرناه فيما تقدم وقال مجاهد في قوله تعالى( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً ) الأجرة والتجارة قوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قال مجاهد وعطاء في آخرين هو تعليم إن شاء صاد وإن شاء لم يصد قال أبو بكر هو إطلاق من حظر بمنزلة قوله تعالى( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) لما حظر البيع بقوله( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) عقبه بالإطلاق بعد الصلاة بقوله( فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) وقوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد تضمن إحراما متقدما لأن الإحلال لا يكون إلا بعد الإحرام وهذا يدل على أن قوله( وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) قد اقتضى كون من فعل ذلك محرما فيدل على أن سوق الهدى وتقليده يوجب الإحرام ويبدل قوله( وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ) على أنه غير جائز لأحد دخول مكة إلا بالإحرام إذ كان قوله( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد يضمن أن يكون من أم البيت الحرام فعليه إحرام يحل منه ويحل له الاصطياد بعده وقوله( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) قد أراد به الإحلال من الإحرام والخروج من الحرم أيضا لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حظر الاصطياد في الحرم بقوله ولا ينفر صيدها ولا خلاف بين السلف والخلف فيه فعلمنا أنه قد أراد به الخروج من الحرم والإحرام جميعا وهو يدل على جواز الاصطياد لمن حل من إحرامه بالحلق وإن بقاء طواف الزيارة عليه لا يمنع لقوله تعالى( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) وهذا قد حل إذ كان هذا الحلق واقعا للإحلال وقوله تعالى( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا ) قال ابن عباس وقتادة لا يجر منكم لا يحملنكم وقال أهل اللغة يقال جرمنى زيد على بغضك أو حملني عليه وقال الفراء لا يكسبنكم يقال جرمت على أهلى أى كسبت لهم وفلان جريمة أهله أى كاسبهم قال الشاعر :

جريمة ناهض في رأس نيق

ترى لعظام ما جمعت صليبا(1)

__________________

(1) قوله جريمة إلى آخره البيت لأبى خراش الهذلي يصف عقابا تكسب لفرخها الناهض وتزقه ما تأكله من لحم طيرا كلته وتبقى العظاء يسيل منها الصليب وهو الودك كما في التهذيب للأزهرى.

٢٩٥

ويقال جرم يجرم جرما إذا قطع وقوله تعالى( شَنَآنُ قَوْمٍ ) قرئ بفتح النون وسكونها فمن فتح النون جعله مصدرا من قولك شنئته أشنأه شنآنا والشنآن البغض فكأنه قال ولا يجر منكم بغض قوم وكذلك روى عن ابن عباس وقتادة قالا عداوة قوم ومن قرأ بسكون النون فمعناه بغيض قوم فنهاهم الله بهذه الآية أن يتجاوزوا الحق إلى الظلم والتعدي لأجل تعدى الكفار بصدهم المسلمين عن المسجد الحرام ومثله قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك * وقوله تعالى( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) يقتضى ظاهره إيجاب التعاون على كل ما كان تعالى لأن البر هو طاعات الله وقوله تعالى( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) نهى عن معاونة غيرنا على معاصى الله تعالى قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) الآية الميتة ما فارقته الروح بغير تزكية مما شرط علينا الزكاة في إباحته وأما الدم فالمحرم منه هو المسفوح لقوله تعالى( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) وقد بينا ذلك في سورة البقرة* والدليل أيضا على أن المحرم منه هو المسفوح اتفاق المسلمين على إباحة الكبد والطحال وهما دمان وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلت لي ميتتان ودمان يعنى بالدمين الكبد والطحال فأباحهما وهما دمان إذ ليسا بمسفوح فدل على إباحة كل ما ليس بمسفوح من الدماء فإن قيل لما حصر المباح منه بعدد دل على حظر ما عداه قيل هذا غلط لأن الحصر بالعدد لا يدل على أن ما عداه حكمه بخلافه ومع ذلك فلا خلاف أن مما عداه من الدماء ما هو المباح وهو الدم الذي يبقى في حلل اللحم بعد الذبح وما يبقى منه في العروق فدل على أن حصره الدمين بالعدد وتخصيصهما بالذكر لم يقتض حظر جميع ما عداهما من الدماء وأيضا فإنه لما قال( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) ثم قال( وَالدَّمَ ) كانت الألف واللام للمعهود وهو الدم المخصوص بالصفة وهو أن يكون مسفوحا وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلت لي ميتتان ودمان إنما ورد مؤكدا لمقتضى قوله عز وجل( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) إذ ليسا بمسفوحين ولو لم يره لكانت دلالة الآية كافية في الاقتصار بالتحريم على المسفوح منه دون غيره وأن الكبد والطحال غير محرمين وقوله تعالى( وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ) فإنه قد تناول شجمه وعظمه وسائر أجزائه ألا ترى أن الشحم المخالط للحم قد اقتضاه اللفظ لأن اسم

٢٩٦

اللحم يتناوله ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك وإنما ذكر اللحم لأنه معظم منافعه وأيضا فإن تحريم الخنزير لما كان منهما اقتضى ذلك تحريم سائر أجزائه كالميتة والدم وقد ذكرنا حكم شعره وعظمه فيما تقدم وأما قوله( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) فإن ظاهره يقتضى تحريم ما سمى عليه غير الله لأن الإهلال هو إظهار الذكر والتسمية وأصله استهلال الصبى إذا صاح حين يولد ومنه إهلال المحرم فينتظم ذلك تحريم ما سمى عليه الأوثان على ما كانت العرب تفعله وينتظم أيضا تحريم ما سمى عليه اسم غير الله أى اسم كان فيوجب ذلك أنه لو قال عند الذبح باسم زيد أو عمرو أن يكون غير مذكى وهذا يوجب أن يكون ترك التسمية عليه موجبا تحريمها وذلك لأن أحدا لا يفرق بين تسمية زيد على الذبيحة ترك التسمية رأسا* قوله تعالى( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) فإنه روى عن الحسن وقتادة والسدى والضحاك أنها التي تختنق بحبل الصائد أو غيره حتى تموت ومن نحوه حديث عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذكوا بكل شيء إلا السن والظفر وهذا عندنا على السن والظفر غير المنزوعين لأنه يصير في معنى المخنوق وأما قوله تعالى( وَالْمَوْقُوذَةُ ) فإنه روى عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدى أنها المضروبة بالخشب ونحوه حتى تموت يقال فيه وقذه يقذه وقذا وهو وقيذ إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ويدخل في الموقوذة كل ما قتل منها على غير وجه الزكاة وقد روى أبو عامر العقدى عن زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وروى شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن المغفل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن الخذف وقال أنها لا تنكأ العدو ولا تصيد الصيد ولكنها تكسر السن وتفقأ العين ونظير ذلك ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدى بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرمى بالمعراض فأصيب أفآكل قال إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل وإن أصاب بعرضه فلا تأكل * حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا هشيم عن مجالد وزكريا وغيرهما عن الشعبي عن عدى بن حاتم قال سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن صيد المعراض فقال ما أصاب بحده فخرق فكل وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل فجعل ما أصاب بعرضه من غير جراحة موقوذة وإن لم يكن

٢٩٧

مقدورا على ذكاته وفي ذلك دليل على أن شرط ذكاة الصيد الجراحة وإسالة الدم وإن لم يكن مقدورا على ذبحه واستيفاء شروط الذكاة فيه وعموم قوله [والموقوذة] عام في المقدور على ذكاته وفي غيره مما لا يقدر على ذكاته وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا أحمد بن محمد بن النضر قال حدثنا معاوية بن عمر قال حدثنا زائدة قال حدثنا عاصم بن أبى النجود عن زر بن حبيش قال سمعت عمر بن الخطاب يقول يا أيها الناس هاجروا ولا تهجروا وإياكم والأرنب يحذفها أحدكم بالعصا أو الحجر يأكلها ولكن ليذك لكم الأسل الرماح والنبل وأما قوله تعالى [والمتردية] فإنه روى عن ابن عباس والحسن والضحاك وقتادة قالوا هي الساقطة من رأس جبل أو في بئر فتموت وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال إذا رميت صيدا من على جبل فمات فلا تأكله فإنى أخشى أن يكون التردي هو الذي قتله وإذا رميت طيرا فوقع في ماء فمات فلا تطعمه فإنى أخشى أن يكون الغرق قتله* قال أبو بكر لما وجد هناك سببا آخر وهو التردي وقد يحدث عنه الموت حظر أكله وكذلك الوقوع في الماء وقد روى نحو ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا ابن عرفة قال حدثنا ابن المبارك عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدى بن حاتم أنه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصيد فقال إذا رميت بسهمك وسميت فكل إن قتل إلا أن تصيبه في الماء فلا ترى أيهما قتله ونظيره ما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في صيد الكلب أنه قال إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فكل وإن خالطه كلب آخر فلا تأكل فحظرصلى‌الله‌عليه‌وسلم أكله إذا وجد مع الرمي سبب آخر يجوز حدوث الموت منه مما لا يكون ذكاة وهو الوقوع في الماء ومشاركة كلب آخر معه وكذلك قول عبد الله في الذي يرمى الصيد وهو على الجبل فيتردى أنه لا يؤكل لاجتماع سبب الحظر والإباحة في تلفه فجعل الحكم للحظر دون الإباحة وكذلك لو اشترك مجوسي ومسلم في قتل صيد أو ذبحه لم يؤكل وجميع ما ذكرنا أصل في أنه متى اجتمع سبب الحظر وسبب الإباحة كان الحكم للحظر دون الإباحة* وأما قوله تعالى( وَالنَّطِيحَةُ ) فإنه روى عن الحسن والضحاك وقتادة والسدى أنها المنطوحة حتى تموت وقال بعضهم هي الناطحة حتى تموت قال أبو بكر هو عليهما جميعا فلا فرق بين أن تموت من نطحها لغيرها وبين موتها من نطح غيرها لها* وأما قوله( وَما أَكَلَ السَّبُعُ ) فإن معناه

٢٩٨

ما أكل منه السبع حتى يموت فحذف والعرب تسمى ما قتله السبع وأكل منه أكيلة السبع ويسمون الباقي منه أيضا أكيلة السبع قال أبو عبيدة( ما أَكَلَ السَّبُعُ ) مما أكل السبع فيأكل منه ويبقى بعضه وإنما هو فريسته وجميع ما تقدم ذكره في الآية بالنهى عنه قد أريد به الموت من ذلك وقد كان أهل الجاهلية يأكلون جميع ذلك فحرمه الله تعالى ودل بذلك عل أن سائر الأسباب التي يحدث عنها الموت للأنعام محظورا أكلها بعد أن لا يكون من فعل أدمى على وجه التذكية* وأما قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) فإنه معلوم أن الاستثناء راجع إلى بعض المذكور دون جميعه لأن قوله( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) لا خلاف أن الاستثناء غير راجع إليه وإن ذلك لا يجوز أن تلحقه الزكاة وقد كان حكم الاستثناء أن يرجع إلى ما يليه وقد ثبت أنه لم يعد إلى ما قبل المنخنقة فكان حكم العموم فيه قائما وكان الاستثناء عائد إلى المذكور من عند قوله( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) لما روى ذلك عن على وابن عباس والحسن وقتادة وقالوا كلهم إن أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف أو ذنب يتحرك فأكله جائز وحكى عن بعضهم أنه قال الاستثناء عائدا إلى قوله( وَما أَكَلَ السَّبُعُ ) دون ما تقدم لأنه يليه وليس هذا بشيء لاتفاق السلف على خلافه ولأنه لا خلاف أن سبعا لو أخذ قطعة من لحم البهيمة فأكلها أو تردى شاة من جبل ولم يشف بها ذلك على الموت فذكاها صاحبها أن ذلك جائز مباح الأكل وكذلك النطيحة وما ذكر معها فثبت أن الاستثناء راجع إلى جميع المذكور من عند قوله( وَالْمُنْخَنِقَةُ ) وإنما قوله( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) فإنه استثناء منقطع بمنزلة قوله لكن ما ذكيتم كقوله( فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ) ومعناه لكن قوم يونس وقوله( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ) ومعناه لكن تذكرة لمن يخشى ونظائره في القرآن كثيرة* وقد اختلف الفقهاء في ذكاة الموقوذة ونحوها فذكر محمد في الأصل في المتردية إذا أدركت ذكاتها قبل أن تموت أكلت وكذلك الموقوذة والنطيحة وما أكل السبع وعن أبى يوسف في الإملاء أنه إذا بلغ به ذلك إلى حال لا يعيش في مثله لم يؤكل وإن ذكى قبل الموت وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إن كان يعيش منه اليوم ونحوه أو دونه فذكاها حلت وإن كان لا يبقى إلا كبقاء المذبوح لم يؤكل وإن ذبح واحتج بأن عمر كانت به جراحة متلفة وصحت عهوده

٢٩٩

وأوامره ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود وقال مالك إذا أدركت ذكاتها وهي حية تطرف أكلت وقال الحسن بن صالح إذا صارت بحال لا تعيش أبدا لم تؤكل وإن ذبحت وقال الأوزاعى إذا كان فيها حياة فذبحت أكلت والمصيودة إذا ذبحت لم تؤكل وقال الليث إذا كانت حية وقد أخرج السبع ما في جوفها أكلت إلا ما بان عنها وقال الشافعى في السبع إذا شق بطن الشاة ونستيقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها* قال أبو بكر قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) يقتضى ذكاتها مادامت حية فلا فرق في ذلك بين أن تعيش من مثله أولا تعيش وأن تبقى قصير المدة أو طويلها وكذلك روى عن على وابن عباس أنه إذا تحرك شيء منها صحت ذكاتها ولم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المتلفة التي تعيش معها مدة قصيرة أو طويلة إن ذكاتها بالذبح فكذلك المتردية ونحوها والله أعلم.

باب في شرط الذكاة قال أبو بكر قوله تعالى( إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ ) اسم شرعي يعتوره معان منها موضع الذكاة وما يقطع منه ومنها الآلة ومنها الدين ومنها التسمية في حال الذكر وذلك فيما كانت ذكاته بالذبح عند القدرة فأما السمك فإن ذكاته بحدوث الموت فيه عن سبب من خارج وما مات حتف أنفه فغير مذكى وقد بينا ذلك فيما تقدم من الكلام في الطافي في سورة البقرة* فأما موضع الذكاة في الحيوان المقدور على ذبحه فهو اللبة وما فوق ذلك إلى اللحيين وقال أبو حنيفة في الجامع الصغير لا بأس بالذبح في الحلق كله أسفل الحلق وأوسطه وأعلاه وأما ما يجب قطعه فهو الأوداج وهي أربعة الحلقوم والمريء والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء فإذا فرى المذكى ذلك أجمع فقد أكمل الذكاة على تمامها وسنتها فإن قصر عن ذلك ففرى من هذه الأربعة ثلاثة فإن بشر بن الوليد روى عن أبى يوسف أن أبا حنيفة قال إذا قطع أكثر الأوداج أكل وإذا قطع ثلاثة منها أكل من أى جانب كان وكذلك قال أبو يوسف ومحمد ثم قال أبو يوسف بعد ذلك لا تأكل حتى تقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين وقال مالك بن أنس والليث يحتاج أن يقطع الأوداج والحلقوم وإن ترك شيئا منها لم يجزه ولم يذكر المريء وقال الثوري لا بأس إذا قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم وقال الشافعى أقل ما يجزى من الذكاة قطع الحلقوم

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

و قالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين . فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدّم آيات مفصّلات فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين . و لمّا وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك و لنرسلنّ معك بني إسرائيل .

فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون . فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم بأنّهم كذّبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين . و أورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها و تمّت كلمة ربّك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا و دمّرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون ١ .

« و في دون » أي : أقلّ .

« ما استقبلتم من عتب » أي : العتاب .

« و ما استدبرتم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و استدبرتم ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« من خطب » أي : الامور العظيمة .

« معتبر » مبتدأ لقوله : « و في دون » . يقال لك : في هذا الأمر عبرة و معتبر .

و مراده عليه السّلام أنّ في الأقلّ ممّا استقبلهم هو عليه السّلام و زوجته سيّدة النساء صلوات اللّه عليها و باقي بني هاشم ، من العبّاس و الفضل بن عبّاس و غيرهما ، و شيعته من سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و نظرائهم من عتابهم في ما فعلوا ، من تقديم الثلاثة عليه عليه السّلام و تركهم لمن هو بمنزلة نفس الرّسول صلى اللّه عليه و آله في العصمة و الطهارة و العلم بالكتاب و السنّة كما هو حقّه و الإرشاد إلى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٢٧ ١٣٧ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

٥٤١

أحكام الشريعة كما شرعها النّبيّ صلى اللّه عليه و آله من اللّه تعالى ، و رفعهم للأجانب الّذين بالضدّ من ذلك ، و ممّا استدبرهم من مفاسد تقديم أولئك ، لا سيّما في أيّام ثالثهم ما يوجب عبرتهم و اعترافهم بخطئهم و رجوعهم عن عملهم .

« و ما كلّ ذي قلب بلبيب » صاحب لبّ يميّز بين القشر و اللبّ ، و لذا قال تعالى : . . . قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب ١ .

« و لا كلّ ذي سمع بسميع » يعمل بما سمع ، قال تعالى : و منهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصمّ و لو كانوا لا يعقلون ٢ ، أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا ٣ .

« و لا كلّ ناظر » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و لا كلّ ذي ناظر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ .

« ببصير » يفرّق بين الحقائق و غيرها ، قال تعالى : . . . فإنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصّدور ٥ . و مراده عليه السّلام أنّه و إن كان في دون ما استقبلوه و ما استدبروه ما يوجب اعتبارهم و فهمهم خطأهم ، في تركهم أهل بيت نبيّهم صلى اللّه عليه و آله إلاّ أنّه لمّا كان أكثر النّاس لا يعقلون و لا يميّزون بين الحقّ و الباطل كما قال تعالى : و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولنّ اللّه قال الحمد للّه بل أكثر هم لا يعلمون ٦ ، و قال عزّ و جلّ في موضع :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٩ .

( ٢ ) يونس : ٤٢ .

( ٣ ) الفرقان : ٤٤ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « لا كل ناظر » أيضا .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

( ٦ ) لقمان : ٢٥ .

٥٤٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لكنّ أكثرهم لا يعلمون ١ ، و في آخر : . . . و هم لا يشعرون ٢ بقي أكثرهم في تيههم و لم يهتدوا لسبيلهم ، و إنّما رجع إليه عليه السّلام جمع معدود .

قال الكشي : قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أبا الهيثم بن التيهان ، و أبا أيّوب ، و خزيمة بن ثابت ( أي : ذو الشهادتين ) و جابر بن عبد اللّه ، و زيد بن أرقم ، و أبا سعيد الخدري ، و سهل بن حنيف ، و البراء بن مالك ، و عثمان بن حنيف ، و عبادة بن الصامت . ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة ، و عدي بن حاتم ، و عمرو بن الحمق ، و عمران بن الحصين ، و بريدة الأسلمي ، و بشر كثير ٣ .

« فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون » قال الجوهري : قصّ أثره : أي تتبّعه ٤ .

قال تعالى : . . . فارتدّا على آثارهما قصصا ٥ . و كذلك : ( اقتص أثره ،

و تقصص أثره ) .

« أثر نبيّ و لا يقتدون بعمل وصيّ » بل يتّبعون أهواءهم و آراءهم ، روى الأصبغ عنه عليه السّلام قال : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و عدلوا عن وصيّة ، لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثمّ تلا هذه الاية : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار . . . ٦ . ثمّ قال عليه السّلام : نحن النّعمة التي أنعم اللّه بها على عباده ، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة ٧ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ٣٧ .

( ٢ ) الزخرف : ٦٦ .

( ٣ ) معرفة الرجال للكشي اختياره : ٣٨ ح ٧٨ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٠٥١ مادة ( قصّ ) .

( ٥ ) الكهف : ٦٤ .

( ٦ ) إبراهيم : ٢٨ .

( ٧ ) الكافي للكليني ١ : ٢١٧ ح ١ .

٥٤٣

و روى أبو هارون عن أبي عقيل قال : كنّا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال : لتفترقنّ هذه الأمّة على ثلاث و سبعين فرقة ، و الّذي نفسي بيده ، إنّ الفرق كلّها ضالّة إلاّ من اتّبعني و كان من شيعتي ١ .

و عن الصادق عليه السّلام قال لأحد أصحابه : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة ؟ قال : لا . قال : إنى عليّا عليه السّلام لم يكن يدين اللّه بدين إلاّ خالف عليه الأمّة إلى غيره إرادة لابطال أمره ، و كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السّلام عن الشي‏ء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّا من عند أنفسهم ليلبسوا على النّاس ٢ .

و عن الكاظم عليه السّلام قال : ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين عليهما السّلام إلاّ الصلاة بعد العصر و بعد الغلاة في طواف الفريضة ٣ .

و عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال ابن عبّاس : و ايم اللّه ، أن لو قدّم من قدّم اللّه ، و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة ٤ .

و عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي : كنت مع ابن أبي ليلى مزامله حتّى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله إذ دخل جعفر بن محمّد ،

فقلت لابن أبي ليلى : أما تقوم بنا إليه ؟ فقال : و ما نصنع عنده ؟ قلت : نسائله و نحدّثه . فقال : نعم . فقمنا إليه فسألني عن نفسي و أهلي ، ثمّ قال : من هذا معك ؟

فقلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين . فقال له : تأخذ مال هذا فتعطيه هذا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأمالي للمفيد : ٢١٢ ح ٣ المجلس ٢٤ ، و الغارات للثقفي ٢ : ٥٨٥ ، و يأتي تخريجه من طرق أخرى في العنوان ١٧ من هذا الفصل .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٣١ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٢٤ ح ٥ ، و التهذيب للطوسي ٥ : ١٤٢ ح ١٤٤ ، و الاستبصار ٢ : ٢٣٦ ح ٣ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٧ : ٧٩ ح ٣ ، و الفقيه للصدوق ٤ : ١٨٧ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٥٦٨ ح ٤ ، و التهذيب للطوسي ٩ : ٢٤٨ ح ٦ ، و الفرائض لأبي الشيخ ، و سنن البيهقي عنهما منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٧ ضمن حديث طويل .

٥٤٤

و تقتل ، و تفرّق بين المرء و زوجه ، لا تخاف في ذلك أحدا ؟ قال : نعم . قال : فبأيّ شي‏ء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و عن عليّ ، و عن أبي بكر و عمر .

قال : فبلغك عن النّبي صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّ أقضاكم عليّ ؟ قال : نعم . قال : فكيف تقضي بغير قضاء علي ، و قد بلغك هذا ؟ فما تقول إذا جي‏ء بأرض من فضة و سماء من فضّة ، ثمّ أخذ النّبي صلى اللّه عليه و آله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك فقال : يا رب إنّ هذا قضى بغير ما قضيت . قال : فاصفرّ وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد مثل الزّعفران ، ثمّ قال لي : التمس لنفسك زميلا ، و اللّه لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا ١ .

و ورد أنّ سفيان الثوري مع قرشي مكّي ذهبا إلى الصادق عليه السّلام فوجداه ركب دابّته ، فقال سفيان : يا أبا عبد اللّه حدّثنا بحديث خطبة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف . قال : دعني حتّى أذهب في حاجتي ، فإنّي قد ركبت ، فإذا جئت حدّثتك . فقال : أسألك بقرابتك من النّبي صلى اللّه عليه و آله لما حدّثتني . فنزل ، فقال سفيان :

مرلي بدواة و قرطاس حتى أثبته . فدعا به ، ثمّ قال : اكتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم .

خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في مسجد الخيف .

نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها ، و بلّغها من لم تبلغه . يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم : إخلاص العمل للّه ، و النصيحة لأئمّة المسلمين ، و اللزوم لجماعتهم ، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم المؤمنون إخوة تتكافا دماؤهم ، و هم يد على من سواهم ، و يسعى بذمّتهم أدناهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ٣٥٣ .

٥٤٥

فكتبه سفيان و عرضه على أبي عبد اللّه عليه السّلام . قال القرشي : فركب أبو عبد اللّه ، و جئت أنا و سفيان ، فلمّا كنّا في بعض الطريق قال لي سفيان : كما أنت حتّى أنظر في هذا الحديث ، فقلت له : قد و اللّه ألزم أبو عبد اللّه رقبتك شيئا لا يذهب أبدا . فقال : و أيّ شي‏ء ذلك ؟ فقلت له : ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرى‏ء مسلم . . . « إخلاص العمل للّه » قد عرفناه ، « و النصيحة لأئمّة المسلمين » من هؤلاء الأئمّة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان و يزيد بن معاوية و مروان بن الحكم ؟ و قوله « و اللزوم لجماعتهم » . فأي الجماعة ؟

مرجى‏ء يقول : من لم يصلّ ، و لم يصمّ ، و لم يغتسل من جنابة ، و هدم الكعبة و نكح أمّه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل ، أو قدريّ يقول : لا يكون ما شاء اللّه تعالى و يكون ما شاء إبليس ، أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب و يشهد عليه بالكفر ، أو جهمي يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده ليس الإيمان شي‏ء غيرها ؟ قال سفيان : و يحك ، فأيّ شي‏ء يقولون ؟ قلت : يقولون : إنّ عليّ ابن أبي طالب و اللّه الإمام الذي يجب علينا نصيحته ، و يقولون : « و لزوم جماعتهم » أهل بيته . قال : فأخذ سفيان الكتاب فخرقه . قال : لا تخبر به أحدا ١ .

و عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد ، و واصل بن عطاء ، و حفص ابن سالم مولى ابن هبيرة ، و ناس من رؤسائهم ، و ذلك حدثان قتل الوليد و اختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا و أكثروا و خبطوا فأطالوا ، فقال أبو عبد اللّه : قد أكثرتم عليّ فأسندوا أمركم إلى رجل منكم يتكلّم بحجّتكم و يوجز .

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد ، فتكلّم فأبلغ و أطال ، فكان في ما قال : إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٠٣ ح ٢ ، و أخرج الخطبة بلا ذكر قصّة الكليني في الكافي ١ : ٤٠٣ ح ١ ، و القمي في تفسيره ٢ : ٤٤٧ ، و الصدوق في الخصال : ١٤٩ ح ١٨٢ باب الثلاثة ، و المفيد في أماليه : ١٨٦ ح ١٣ المجلس ٢٣ .

٥٤٦

أهل الشام قتلوا خليفتهم ، و ضرب اللّه بعضهم ببعض ، و شتّت أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاله دين و عقل و مروّة و موضع و معدن للخلافة ، و هو محمّد بن عبد اللّه بن الحسن ، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثمّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا و كنّا معه ، و من اعتزلنا كففنا عنه ، و من نصب لنا جاهدناه ،

و نصبنا له على بغيه ، و ردّه إلى الحقّ و أهله ، و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا ، فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك و كثرة شيعتك .

قال : فلمّا فرغ عمرو قال أبو عبد اللّه لهم : أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟

قالوا : نعم . فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه ، و صلّي على النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي اللّه ، فأمّا إذا أطيع رضينا . أخبرني يا عمرو لو أنّ هذه الأمّة قلّدتك أمرها ، و ولّتكه بغير قتال و لا مؤونة ، و قيل لك : ولّها من شئت فمن كنت تولّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين . قال : بين كلّهم ؟ قال : نعم . قال :

بين فقهائهم و خيارهم ؟ قال : نعم . قال : قريش و غيرهم ؟ قال : نعم . قال :

و العرب و العجم ؟ قال : نعم . قال : اخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر و عمر أم تتبرأ منهما ؟ قال : أتولاّهما . قال : فقد خالفتهما ، فإن كنت تتبرّأ منهما فإنّه يجوز لك الخلاف عليهما ، و إن كنت تتولاّهما فقد خالفتهما ، قد عمد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور فيه أحدا ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة و أخرج منها جميع المهاجرين و الأنصار غير أولئك الستّة من قريش ، و أوصى فيهم شيئا لا أراك ترضى به أنت و لا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين . قال : و ما صنع ؟ قال : أمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ثلاثة أيّام ، و ان يشاور أولئك الستّة ليس معهم أحد إلاّ ابن عمر يشاورونه ، و ليس له من الأمر شي‏ء ، و أوصى من بحضرته من المهاجرين و الأنصار: إن مضت ثلاثة أيّام قبل أن يبايعوا رجلا منهم أن يضربوا أعناق أولئك الستّة جميعا ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام

٥٤٧

و خالف اثنان أن يضربوا أعناق الاثنين . أفترضون بهذا أنتم في ما تجعلون من الشورى في جماعة المسلمين ؟ قالوا : لا .

ثمّ قال : يا عمرو دع ذا . أرأيت لو بايعت صاحبك الّذي تدعوني إلى بيعته ، ثمّ اجتمعت لكم الامّة فلم يختلف عليكم رجلان ، فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون و لا يؤدّون الجزية ، أكان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في المشركين في حروبه ؟ قال :

نعم . قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الاسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية . قال : و إن كانوا مجوسا ليسوا بأهل كتاب ؟ قال : سواء . قال : و إن كانوا مشركي العرب و عبدة الأوثان ؟ قال : سواء .

قال : أخبرني عن القرآن هل تقرؤه ؟ قال : نعم . قال : اقرأ قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم اللّه و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ١ ، فاستثناء اللّه تعالى و اشتراطه من الذين أوتوا الكتاب ، فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم . قال : عمّن أخذت ذا . قال : سمعت النّاس يقولون .

قال : فدع ذا . فإنّ هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظفرت عليهم ، كيف تصنع بالغنيمة ؟ قال : أخرج الخمس ، و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه . قال :

فأخبرني عن الخمس من تعطيه ؟ فقرأ و اعلموا انّما غنمتم من شي‏ء فإنّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي و اليتامى و المساكين و ابن السبيل . . . ٢ . قال :

الّذي للرسول من تعطيه ؟ و من ذو القربى ؟ قال : قد اختلف فيه الفقهاء ، فقال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٢٩ .

( ٢ ) الأنفال : ٤١ .

٥٤٨

بعضهم : قرابة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته ، و قال بعضهم : الخليفة . و قال بعضهم :

قرابة الذين قاتلوا عليه من المسلمين . قال : فأيّ ذلك تقول أنت ؟ قال : لا أدري .

قال : فأراك لا تدري ، فدع ذا . أرأيت الأربعة الأخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ، بيني و بينك فقهاء المدينة و مشيختهم ، فسلهم فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم و لا يهاجروا على أن دهمه من عدوّهم أن يستفزّهم فيقاتل بهم ، و ليس لهم في الغنيمة نصيب ، و أنت تقول : بين جميعهم . فقد خالفت النّبي صلى اللّه عليه و آله في كلّ ما قلت في سيرته من المشركين .

و مع هذا ما تقول في الصدقات ؟ فقرأ : إنّما الصّدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها . . . ١ إلى آخر الآية . قال : فكيف تقسّمها ؟ قال :

أقسّمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا . قال : و إن كان صنف منهم عشرة آلاف ، و صنف رجلا أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف ؟ قال : نعم . قال : و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله في سيرته ،

فكان يقسّم صدقة أهل البوادي ، في أهل البوادي ، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، و لا يقسّمه بينهم بالسّوية ، و إنّما يقسّمه على قدر ما يحضره منهم .

فإن كان في نفسك شي‏ء فالق فقهاء المدينة فإنّهم لا يختلفون في أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله كان كذا يفعل.

ثمّ أقبل عليه السّلام على عمرو فقال له : اتّق اللّه يا عمرو ، و أنتم أيّها الرّهط فاتّقوا اللّه ، فإنّ أبي حدّثني و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : من ضرب النّاس بسيفه ، و دعاهم إلى نفسه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ٦٠ .

٥٤٩

و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف ١ .

و روى الخطيب في ليث بن الفرج عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : ليضربنّ النّاس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة . . . ٢ و مراده صلى اللّه عليه و آله بعالم المدينة الأئمّة من أهل بيته ، و الدّليل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله : « عالم المدينة » دون علماء المدينة ، و في كلّ زمان لم يكن أكثر من إمام .

و شاهد عدم اقتفائهم أثر النبي كما ذكره عليه السّلام ما قالوه في أبي الغادية الجهني قاتل عمّار ، قال ابن عبد البرّ في ( استيعابه ) : سمع من النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قوله :

لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض . و كان محبّا في عثمان ،

و هو قاتل عمّار بن ياسر . و كان إذا استأذن على معاوية و غيره يقول : قاتل عمّار بالباب و كان يصف قتله له إذا سئل عنه لا يباليه ، و في قصّته عجب عند أهل العلم ، روى عن النّبي صلى اللّه عليه و آله ما ذكرنا أنّه سمعه منه ، ثمّ قتل عمّارا ٣ .

قلت : و أعجب من أمر أبي الغادية أمر جميع هؤلاء المدّعين للدّين ،

و العلم و اليقين ، يجمعون بين القول بجلالة عمّار ، و ولاية عثمان ، فالرّجل و إن اتّبع هواه إلاّ أنّه حمله محبّته لعثمان على ترك قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله سلما من الجمع من التّضاد و القول بالمحال .

و كذلك من قدّم منهم فعل عمر على قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فرأى رجل منهم معاوية على منبر النّبي صلى اللّه عليه و آله يخطب فسلّ سيفه و ذهب إليه ليقتله ، فقيل له : لم ؟

قال : لأنّي سمعت النّبي صلى اللّه عليه و آله يقول : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » ٤ .

فقالوا له : أتدري من ولاّه ؟ قال : لا . قالوا : عمر . قال : سمعا و طاعة لعمر .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٢٣ ح ١ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٢ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٣ : ١٦ .

( ٣ ) الاستيعاب ٤ : ١٥١ .

( ٤ ) حديث النّبي صلى اللّه عليه و آله أورده من عدّة طرق الفيروز آبادي في السبعة من السلف : ١٩٩ ٢٠١ .

٥٥٠

و إذا كانوا لا يتّبعون أثر نبيّهم ، فلا غرو أن لا يقتدوا بعمل وصيّه و كونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله و أوّل مؤمن باللّه أمر متواتر ، و حاجّ به ابنه الحسين عليه السّلام يوم الطّف ففي ( الطبري ) قال الحسين عليه السّلام لهم : ألست ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أوّل المؤمنين باللّه و المصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه ؟ ١ .

و مع تواتره أنكرته أمّهم ، روى مسلم و البخاري أنّه ذكر عند عايشة أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ ، قالت : و متى أوصى ، و من يقول ذلك ؟ قيل : إنّهم يقولون . قالت : من يقوله ؟ لقد دعا بطست ليبول ، و أنّه بين سحري و نحري فمات و ما شعرت ٢ .

فتراها تدّعي موت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله مكشوف العورة حين البول لتنكر جعله له وصيّا و يقال لها : و قولك : « متى أوصى أنّه مات بين سحري و نحري » هل يلزم أن تكون الوصاية حين خروج الرّوح حتّى يستلزم ما ادّعيت عدم وصايته ؟ مع أنّ قولها بموت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بين سحرها و نحرها من أكاذيبها و بهتانها ، فكون رأسه صلى اللّه عليه و آله حين موته في حجر أمير المؤمنين عليه السّلام متواتر ٣ ،

و لقد صرّح ابن عبّاس بافتراء عايشة في ادّعائها ذلك ٤ .

و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : لو استطاعوا أن ينكروا قرابتي من النّبي صلى اللّه عليه و آله لأنكروها إلاّ أنّهم لا يستطيعون ذلك ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٢ سنة ٦١ ضمن خطبة .

( ٢ ) صحيح البخاري بطريقين ٢ : ١٢٥ و ٣ : ٩٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ح ١٩ ، و سنن النسائي ٦ : ٢٤٠ ، و مسند أحمد ٦ : ٣٢ ، و طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٤٩ بطريقين .

( ٣ ) مسند أحمد ٦ : ٣٠٠ و خصائص النسائي : ١٣٠ بطريقين ، و أخرجه ابن عساكر بثلاث طرق في ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٨ ، ١٩ ح ١٠٣٨ ٤٠ ه ١ عن أمّ سلمة ، و روى أيضا عن عائشة و علي عليه السّلام و ابن عباس و غيرهم .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .

( ٥ ) أخرجه الكليني في الرسائل عنه كشف المحجّة : ١٨٠ ضمن كتاب طويل له عليه السّلام ، و النقل بتصرف .

٥٥١

و أقول : إنّهم و إن لم يستطيعوا أن ينكروا ذلك تصريحا إلاّ أنّهم عبّروا عنه عليه السّلام و عن عترته بما جعلوهم كالأجنبي عنه صلى اللّه عليه و آله ، فقال أبو حمزة الخارجي و الخوارج إحدى الفرق التاركة للوصيّ تبعا للأوّل و الثاني في ذمّ شيعته و شيعة عترته في خطبته : « قد قلّدوا أهل بيت من العرب و زعموا أنّ موالاتهم تغنيهم » .

« و لا يؤمنون بغيب » في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : . . . هدى للمتّقين . الّذين يؤمنون بالغيب . . . ١ أي : بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد ٢ .

و روى يحيى بن أبي القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : الغيب هو الحجّة الغائب ٣ .

و شاهد ذلك قوله تعالى : و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربّه فقل إنّما الغيب للّه فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين ٤ .

« و لا يعفّون عن عيب » قال ابن أبي الحديد : روي « يعفون » من العفو ،

و « يعفّون » من العفّة ٥ .

قلت : الصواب الثاني ، فإنّ عدم العفو ترك فضل ، و هو عليه السّلام في مقام بيان أنّ كلّ عملهم رذل ، فلا بدّ أن يراد أنّهم لا يكفّون عن الفحص عن العيوب .

و روى محمّد بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ أبا بكر و عمر أتيا أمّ سلمة فقالا لها : إنّك قد كنت عند رجل قبل النّبي ، فكيف هو من ذلك في

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢ ٣ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠ .

( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٣٤٠ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٤ ) يونس : ٢٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ .

٥٥٢

الخلوة ؟ فقالت : ما هو إلاّ كسائر الرّجال . ثمّ خرجا عنها ، فقامت إليه مبادرة فرقا أن ينزل أمر من السماء فأخبرته ، فغضب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حتّى تربّد وجهه و التوى عرق الغضب بين عينيه ، و خرج و هو يجرّ رداءه حتى صعد المنبر ،

و بادرت الأنصار بالسّلاح ، و أمر بخيلهم أن تحضر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتّبعون عيبي ؟ و اللّه لأكرمكم حسبا ، و أطهركم مولدا ، لا يسألني أحد منكم عن أبيه إلاّ أخبرته . فقال إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : فلان الراعي . . . ١ .

« يعملون في الشّبهات » كما قال تعالى : . . . فأمّا الّذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله . . . ٢ .

« و يسيرون في الشّهوات » روى ( الكافي ) أنّه عليه السّلام قال : إنّ الناس آلوا بعد النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة إلى أن قال : و جاهل مدّع للعلم لا علم له ، معجب بما عنده ، قد فتنته الدّنيا . . . ٣ .

و قال تعالى : . . . أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا ٤ .

« المعروف عندهم » و الصواب : ( فيهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٥ .

« ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا » عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال النّبي صلى اللّه عليه و آله :

كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، و فسق شبابكم ، و لم تأمروا بالمعروف ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٦٥ ح ٤١ .

( ٢ ) آل عمران : ٧ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٣ ح ١ .

( ٤ ) مريم : ٥٩ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ « عندهم » أيضا .

٥٥٣

و لم تنهوا عن المنكر ؟ فقيل له : و يكون ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف ؟ قيل : يا رسول اللّه و يكون ذلك ؟ قال : نعم ، و شرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا ؟ ١ .

« مفزعهم في المعضلات » أي : المشكلات .

« إلى أنفسهم ، و تعويلهم » أى : اعتمادهم .

« في المهمّات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( في المبهمات ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« إلى آرائهم » الباطلة ، و نظرياتهم الخاطئة ، و مع أنّهم رأوا فاروقهم يقول مرارا : « معضلة و لا أبا حسن لها » ٣ . حتّى صار كالمثل السائر ، و أقرّ عند وفاته بأنّه عليه السّلام لو ولّيها ليحملنّهم علي المحجّة البيضاء ٤ ، يعرضون عنه و يجعلون أنفسهم في قباله ، بل يسعون في اضمحلال أمره .

« كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه » كان عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام جماعة فيهم هشام بن الحكم و هو شاب ، فقال عليه السّلام : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته ؟ قال : جعلت فداك ، إنّي أجلّك و لا يعمل لساني بين يديك . فقال عليه السّلام : إذا أمرتكم بشي‏ء فافعلوه . قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة ، و عظم ذلك عليّ ، فخرجت إليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الحميري في قرب الاسناد : ٢٦ عن الصادق عن أبيه عن الباقر عليه السّلام عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و أخرجه رزين في الجمع عنه جامع الاصول ١٠ : ٤١٢ ح ٧٤٨٥ عن عليّ عليه السّلام عن النّبي صلى اللّه عليه و آله .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٣ و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٥ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) هذا حديث مشهور أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٥١ ، و مقتل الحسين ١ : ٤٥ ، و جمع آخر بفرق بين الألفاظ مرّ تخريجه في شرح فقرة « و الفضائل الجمّة » من خطبة الرضي .

( ٤ ) رواه ابن عساكر بطريقين في ترجمة عليّ عليه السّلام ٣ : ١٠٦ ح ١١٣٦ ، ١١٣٧ و غيره بفرق بين الألفاظ .

٥٥٤

و دخلت البصرة في يوم الجمعة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة ، و إذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متّزربها من صوف ، و شملة مرتديا بها ، و الناس يسألونه ،

فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثمّ قلت :

أيّها العالم أنا رجل غريب أتأذن لي أسألك عن مسألة ؟ فقال : نعم . قلت : ألك عين ؟ قال : أي شي‏ء هذا من السؤال ؟ فقلت : هكذا مسألتي . فقال : يا بني سل ،

و إن كانت مسألتك حمقاء . فقلت : أجبني فيها . فقال لي : سل . فقلت : ألك عين ؟

قال : نعم . قلت : فما ترى بها ؟ قال : الألوان و الأشخاص . فقلت : ألك أنف ؟ قال :

نعم . قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أشمّ بها الرائحة . قلت : ألك فم ؟ قال : نعم . قلت :

و ما تصنع به ؟ قال : أعرف به طعم الأشياء . قلت : ألك لسان ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أتكلّم به . قلت : ألك أذن ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال :

أسمع بها الأصوات . قلت : ألك يد ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع بها ؟ قال : أبطش بها . قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم . قلت : و ما تصنع به ؟ قال : أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح . قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ قال : لا . قلت : و كيف ذلك ، و هي صحيحة سليمة ؟ قال : يا بني إنّ الجوارح إذا شكّكت في شي‏ء شمّمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردّته إلى القلب فيصحّح اليقين ،

و يبطل الشك . فقلت : إنّما أقام اللّه القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم . قلت : فلا بدّ من القلب ، و إلاّ لم تستقم الجوارح ؟ قال : نعم . فقلت : يا أبا مروان إنّ اللّه تعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح الصحيح ، و ييقن ما شك فيه ،

و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم ؟ قال : فسكت و لم يقل شيئا . ثمّ التفت إليّ ، فقال :

أنت هشام ؟ قلت : لا . قال : أجالسته ؟ قلت : لا . قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من الكوفة .

قال : فأنت إذن هو . ثمّ ضمّني إليه و أقعدني في مجلسه ، و ما نطق حتّى قمت .

فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال : من علّمك هذا ؟ فقال : شي‏ء جرى على لساني .

٥٥٥

فقال : هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى ١ .

و قال أبو الحسن الرّفا لابن رامين الفقيه : إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله لمّا خرج من المدينة ما استخلف عليها أحدا ؟ قال : بلى ، استخلف عليّا . قال : و كيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فإنّكم لا تجتمعون على الضلال ؟ قال : خاف عليهم الخلف و الفتنة . قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته ؟ قال : هذا أوثق .

قال : أفاستخلف أحدا بعد موته ؟ قال : لا . قال : فموته أعظم من سفره ، فكيف أمن على الأمّة بعد موته ما خافه في سفره و هو حيّ عليهم ؟ فقطعه ٢ .

و سأل بعض الإمامية يحيى بن أكثم عن قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله حيث أخذ بيد علي عليه السّلام و أقامه للنّاس ، فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٣ أبأمر من اللّه تعالى ذلك أم برأيه ؟ فسكت عنه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن قلت : برأيه نصبه للناس خالفت قوله تعالى : و ما ينطق عن الهوى ٤ و إن قلت : بأمر اللّه تعالى ثبتت إقامته . قال : فلم خالفوه و اتّخذوا وليّا غيره ٥ .

و قال أبو عليّ المحمودي لأبي الهذيل : أليس من دينك أنّ العصمة و التوفيق لا يكونان لك من اللّه إلاّ بعمل تستحقه به ؟ قال : نعم . قال : فقوله تعالى : . . . اليوم أكملت لكم دينكم . . . ٦ ؟ قال : قد أكمل لنا الدّين . فقال : ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب و السنّة ، و قول الصحابة ، و حيلة الفقهاء ؟

قال : هات . قال : خبّرني عن عشيرة كلّهم عنّين و قعوا في طهر واحد بامرأة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ١٦٩ ح ٣ و الاحتجاج للطبرسي : ٣٦٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٨ .

( ٣ ) هذا حديث الغدير ، يأتي تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل.

( ٤ ) النجم : ٣ .

( ٥ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٥٢ ، و السائل هو حمران بن أعين .

( ٦ ) المائدة : ٣ .

٥٥٦

و هم مختلفو العنّة ، فمنهم من وصل إلى بعض حاجته ، و منهم من قارب بحسب الإمكان منه ، أفي خلق اللّه اليوم من يعرف حدّ اللّه في كلّ رجل منهم و مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحدّ في الدّنيا و يطهّره منه في الآخرة ؟ فأفحم ١ .

« قد أخذ منها بعرى ثقات و أسباب محكمات » الأصل فيه قوله تعالى :

فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها . . . ٢ .

٣

من الخطبة ( ١٢٩ ) وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اَلْوَالِي عَلَى اَلْفُرُوجِ وَ اَلدِّمَاءِ وَ اَلْمَغَانِمِ وَ اَلْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لاَ اَلْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لاَ اَلْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لاَ اَلْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لاَ اَلْمُرْتَشِي فِي اَلْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ اَلْمَقَاطِعِ وَ لاَ اَلْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ اَلْأُمَّةَ أقول : رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) و سمّاه الخطبة المنبريّة ، نقله البحار و في آخره : « و لا المعطّل للسّنن فيؤدّي ذلك إلى الفجور ، و لا الباغي فيدحض الحقّ ، و لا الفاسق فيشين الشّرع » ٣ . و كلامه عليه السّلام هذا دالّ على اشتراط العصمة في الإمام كما عليه الإماميّة ، قال المسعودي : قال أهل الإمامة : نعت الإمام في نفسه أن يكون معصوما من الذنوب ، لأنّه إن لم يكن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٤٩ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٣ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٧ : ٢٩٤ ح ٣ .

٥٥٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

معصوما لم يؤمن أن يدخل في ما يدخل فيه غيره من الذّنوب ، فيحتاج إلى أن يقام عليه الحدّ كما يقيمه هو على غيره ، فيحتاج الإمام إلى إمام إلى غير نهاية ،

و لم يؤمن عليه أيضا أن يكون في الباطن فاسقا فاجرا كافرا . و أن يكون أعلم الخليفة ، لأنّه إن لم يكن عالما لم يؤمن عليه أن يقلب شرائع اللّه و أحكامه ،

فيقطع من يجب عليه الحدّ و يحدّ من يجب عليه القطع ، و يضع الأحكام في غير المواضع التي وضعها اللّه تعالى . و أن يكون أشجع الخلق ، لأنّهم يرجعون إليه في الحرب ، فإن جبن و هرب يكون قد باء بغضب من اللّه . و أن يكون أسخى الخلق ، لأنّه خازن المسلمين و أمينهم ، فان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم و شرهت إلى ما في أيديهم ، و في ذلك الوعيد الشديد بالنار . و ذكروا خصالا كثيرة ينال بها أعلى درجات الفضل لا يشاركه فيها أحد ، و أنّ ذلك كلّه وجد في عليّ بن أبي طالب و ولده ، في السّبق إلى الايمان و الهجرة و القرابة و الحكم بالعدل و الجهاد في سبيل اللّه و الورع و الزّهد ، و أنّ اللّه قد أخبر عن بواطنهم و موافقتها لظواهرهم بقوله عزّ و جلّ و وصفه لهم في ما صنعوه من الإطعام للمسكين و اليتيم و الأسير ، و إنّ ذلك لوجهه خالصا لا أنّهم أبدوه بألسنتهم فقط ، و أخبر عن أمرهم في المنقلب و حسن الموئل في المحشر ، ثمّ في إخباره عزّ و جلّ عمّا أذهب عنهم من الرّجس و فعل بهم من التطهير . . . ١ .

و قال هشام بن الحكم لمحمّد بن أبي عمير لمّا سأله عن وجه اشتراط عصمة الإمام : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص و الحسد و الغضب و الشهوة ، فهذه منفيّة عنه لا يجوز أن يكون حريصا على هذه الدّنيا و هي تحت خاتمه ، لأنّه خازن المسلمين ، فعلى ماذا يحرص ؟ و لا يجوز أن يكون حسودا ، لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه ، و ليس فوقه أحد ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودى ٣ : ٢٢٤ .

٥٥٨

فكيف يحسد من هو دونه ؟ و لا يجوز أن يغضب لشي‏ء من أمور الدّنيا إلاّ أن يكون غضبه للّه عزّ و جلّ ، فإنّ اللّه تعالى قد فرض عليه إقامة الحدود و أن لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، و لا رأفة في دينه حتّى يقيم حدود اللّه تعالى . و لا يجوز أن يتّبع الشهوات و يؤثر الدّنيا على الآخرة ، لأنّ اللّه عزّ و جلّ حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدّنيا ، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدّنيا ، فهل رأيت أحدا ترك وجها حسنا لوجه قبيح ، و طعاما طيّبا لطعام مرّ ، و ثوبا ليّنا لثوب خشن ،

و نعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية ؟ ١ « و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل » إنّما قال عليه السّلام : قد علمتم أنّه لا ينبغي ما ذكر مع كون أكثر أصحابه غير مستبصر ، و غير متعبّد بطريقته و طريقة أهل بيته ،

من كون الإمام كالنّبيّ ، إحالة لهم على الفطرة التي فطر الناس عليها ، فقد كانوا قد يقرّون بمقتضى الفطرة اضطرارا ، ففي ( الأغاني ) عن حبيب المهلّبي عن عمر بن شبّة عن خلاّد الأرقط قال : كان الشّراة و المسلمون يتوافقون و يتساءلون بينهم عن أمر الدين و غير ذلك على أمان و سكون ، فتواقف يوما عبيدة بن هلال اليشكري و أبو حزابة التّميمي و هما في الحرب ، فقال عبيدة : يا أبا حزابة إنّي سائلك عن أشياء ، أفتصدّقني في الجواب عنها ؟ قال : نعم ، إن تضمّنت لي مثل ذلك . قال : قد فعلت . قال : سل عمّا بدا لك . قال : ما تقول في أئمّتكم ؟ قال : يبيحون الدّم الحرام و الفرج الحرام . قال : فكيف فعلهم في المال ؟

قال : يجبونه من غير حلّه و ينفقونه في غير حقّه . قال : فكيف فعلهم في اليتيم ؟

قال : يظلمونه ماله و ينيكون أمّه . قال : و يلك يا أبا حزابة ، أفمثل هؤلاء تتّبع ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في الخصال : ٢١٥ ح ٣٦ باب الأربعة ، و معاني الأخبار : ١٣٣ ح ٣ ، و علل الشرائع : ٢٠٤ ح ٢ و الأمالي : ٥٠٥ ح ٥ المجلس ٩٢ .

٥٥٩

قال : قد أجبت ، فاسمع سؤالي و دع عنك عتابي على رأيي . قال : قل . قال : أيّ الخمر أطيب ، خمر السّهل أم الجبل ؟ قال : ويلك أ تسأل مثلي عن هذا ؟ قال :

أوجبت على نفسك أن تجيب . . . ١ .

و قال المبرّد في ( كامله ) بعد ذكر قتال المهلّب للخوارج من قبل ابن الزّبير و قتل عبد الملك لمصعب بن الزبير : ثمّ أتى الخوارج خبر قتله بمسكن ،

و لم يأتى المهلّب و أصحابه ، فتوافقوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا :

ضالّ مضلّ . فلمّا كان بعد يومين أتى المهلّب قتل مصعب ، و أنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلمّا توافقوا ناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم . قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا : يا أعداء اللّه ، بالأمس ضالّ مضلّ و اليوم مام هدى يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللّه . . . ٢ .

فيقال للخوارج : إنّ ما فعله أصحاب المهلّب و إن كان خلاف الفطرة التي فطر النّاس عليها إلاّ أنّه لازم تولّيكم صدّيقكم و فاروقكم ، فأنتم السفهاء حيث تجمعون بين ولايتهما و إنكار مثل ذلك .

و في ( كامل المبرّد ) كتب نافع إلى عبد اللّه بن الزّبير يدعوه إلى أمره : أمّا بعد ، فإنّي أحذّرك من اللّه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه . . . ٣ .

إلى أن قال : و قد حضرت عثمان يوم قتل ، فلعمري لئن كان قتل مظلوما فقد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

( ٢ ) الكامل للمبرد ٨ : ٥٢ .

( ٣ ) آل عمران : ٣٠ .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605