• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106123 / تحميل: 4953
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

كفر قاتلوه و خاذلوه ، و لئن كان قاتلوه مهتدين و إنّهم لمهتدون لقد كفر من يتولاّه و ينصره و يعضده ، و لقد علمت أنّ أباك و طلحة و عليّا كانوا أشدّ النّاس عليه ، و كانوا في أمره من بين قاتل و خاذل ، و أنت تتولّي أباك و طلحة و عثمان ،

و كيف و لاية قاتل متعمّد و مقتول في دين واحد ؟ و لقد ملك عليّ بعده فنفى الشّبهات و أقام الحدود و أجرى الأحكام مجاريها و أعطى الأمور حقائقها في ما عليه و له ، فبايعه أبوك و طلحة ثمّ خلعاه ظالمين له ، و إنّ القول فيك و فيهما لكما قال ابن عبّاس : إن يكن عليّ في وقت معصيتكم و محاربتكم له كان مؤمنا لقد كفرتم بقتال المؤمنين و أئمّة العدل ، و لئن كان كافرا كما زعمتم و في الحكم جائرا لقد بؤتم بغضب من اللّه لفراركم من الزّحف . . . ١ .

فيقال لنافع : إنّ الجمع بين هذه الأضداد لازم تولّي صدّيقكم و فاروقكم و من فروعه ، فكيف تقول أنت بالملزوم و الأصل ، و لا تقول بالّلازم و الفرع ؟

و ممّا يشهد لاشتراط العصمة في الإمامة أنّه لو لم يشترط لزم تعطّل حدود اللّه لاشتراك الامام مع المأموم في الارتكاب ، و لمّا بعث الرّشيد هرثمة بن أعين واليا على خراسان ، على أن يأخذ عليّ بن عيسى الذي كان واليا قبله بما ظلم الناس وردّ حقوقهم إليهم ، قام رجل إلى هرثمة و قال له : إنّ هذا الفاجر أخذ منّي درقة ثمينة لم يملك أحد مثلها ، فاشتراها على كره منّي و لم أرد بيعها بثلاثة آلاف درهم ، و لم آخذ لها ثمنا إلى هذه الغاية ، فقذف أمّي ، فخذلي بحقّي من مالي و قذفه أمّي . فقال : لك بيّنة ؟ قال : نعم ، جماعة حضروا كلامه .

فأحضرهم فأشهدهم على دعواه ، فقال هرثمة ( لعليّ بن عيسى ) : وجب عليك الحدّ . قال : و لم ؟ قال : لقذفك أمّ هذا . قال : من هذا فقّهك ؟ قال : هذا دين المسلمين .

قال : فأشهد أنّ أمير المؤمنين ( أي الرشيد ) قد قذفك غير مرّة ، و أشهد أنّك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٧ : ٢٣٨ .

٥٦١

قذفت بنيك ما لا أحصي مرّة ، فمن يأخذ هؤلاء منك و من يأخذ لك من مولاك ؟

فالتفت هرثمة إلى صاحب الدّرقة . فقال : أرى لك أن تطالب هذا الشيطان بدرقتك أو ثمنها ، و تترك مطالبته بقذفه أمّك . ذكر ذلك في ( الطبري ) ١ .

و فيه أيضا : أنّ هارون كتب بخطّ يده إلى عليّ بن عيسى : هذا يابن الزّانية رفعت من قدرك . . . ٢ .

و لو لم تكن الإمامة من قبل اللّه تعالى كالنبوّة كما عليه الإمامية لزم أن تكون ملعبة بيد النّاس ، و تكون أئمّة النّاس مثل آلهة بني حنيفة الّذين كانوا يصنعون إلها من تمر و سمن ، و يأكلونها عام المجاعة .

و لمّا قطع الرّاشد العبّاسي الخطبة في بغداد لمسعود السلطان الغزنوي و أراد محاربته ، و سار مسعود إلى بغداد ، و انهزم الرّاشد و فرّ إلى الموصل ،

جمع مسعود القضاة و الفقهاء ، و تقدّم إليهم لعمل محضر في خلع الرّاشد ،

فعملوا محضرا ذكروا ما ارتكبه من أخذ الأموال و أشياء أخر ، فأفتوا أن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماما ، فخلعوه و بايعوا المقتفي .

فهل الرّاشد حسب لم يكن أمره برشيد ؟ فكلّهم كانوا كذلك ، لا سيّما ذو نوريهم حتّى اضطرّوا إلى قتله .

و ذكروا أنّ هشام بن عبد الملك قال لغيلان : أنت الذي تزعم أنّ اللّه لم يولّني و لم يرض ما أنا فيه ؟ فقال له غيلان : و هل رأيت أمينا يولّي الخائنين أمانته ، أم رأيت مصلحا يولّي المفسدين ، أم رأيت كريما يدعو إلى أمر ثمّ يصدّ عنه ، أم رأيت حكيما يقضي بما يعيب أم يعيب بما يقضي ، أم رأيت حكيما يكلّف فوق الطاقة ؟

قوله عليه السّلام « على الفروج و الدّماء » لما غدر خالد بن الوليد بمالك بن نويرة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥١٨ سنة ١٩١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٦ : ٥١٤ سنة ١٩١ .

٥٦٢

و قتله و زنى بامرأته ، قال عمر لأبي بكر : إنّ سيف خالد فيه رهق و أكثر عليه في ذلك فقال : يا عمر تأوّل فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد ، فإنّي لا أشيم سيفا سلّه اللّه على الكافرين . و ودّى مالكا و كتب إلى خالد أن يقدم عليه ، ففعل و دخل المسجد و عليه قباء و قد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر فنزعها و حطمها ، و قال له : قتلت امرأ مسلما ثمّ نزوت على امرأته ، و اللّه لأرجمنّك بأحجارك . و خالد لا يكلّمه ، يظنّ أنّ رأي أبي بكر مثله إلى أن قال : فخرج خالد و عمر جالس ، فقال : هلمّ إليّ يابن أمّ سلمة ، فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلّمه ، و كان خالد يعتذر في قتله لمالك : إنّ مالكا قال له : ما أخال صاحبكم إلاّ قال كذا و كذا . فقال له خالد : أو ما تعدّه لك صاحبا ؟ ثمّ ضرب عنقه . ذكر ذلك الجزري في ( كامله ) ١ .

و في قول عمر لأبي بكر : « إنّ سيف خالد فيه رهق » تعريض و استهزاء من عمر لأبي بكر في حديث وضعه لخالد ، إنّه سيف اللّه ، لذبّه عن سلطنته .

و لعمري إنّه لمضحك ، كيف يقتل سيف اللّه عباد اللّه ظلما و قتل خالد رجلين آخرين مسلمين في وقعة مضيخ بني البرشاء ، قال الجزري أيضا : كان مع الهذيل عبد العزّى بن أبي رهم أخو أوس مناة ، و لبيد ابن جرير و كانا أسلما و معهما كتاب أبي بكر باسلامهما فقتلا في المعركة ،

فبلغ ذلك أبا بكر و قول عبد العزّي ( حين قتل ) :

أقول إذ طرق الصّباح بغارة

سبحانك اللهمّ ربّ محمّد

سبحان ربّي لا إله غيره

ربّ البلاد و ربّ من يتورّد

فوداهما و أوصى بأولادهما ، فكان عمر يعتدّ بقتلهما و قتل مالك بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٥٨ سنة ١١ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٣ سنة ١١ .

٥٦٣

نويرة على خالد ، فيقول أبو بكر : كذلك يلقى من نازل أهل الشرك ١ .

و في ( تاريخ أعثم الكوفي ) في غزوة دبا أيّام أبي بكر : « إنّ عكرمة بن أبي جهل قتل أكثر أعيانهم ، و أسر بعضهم ، و اتّخذ نساءهم أرقّاء ، و بعث بأربعمائة رقيقا ، و ثلاثمائة إبلا إلى المدينة ، فسر الصّديق من هذا الفتح و أراد قتل الاسراء ، فشفع لهم الفاروق ، و قال له : إنّهم يتشهدون بالتّوحيد و الرّسالة و يصلّون ، فتركهم أولى . فأمر الصدّيق بحبسهم ، و بقوا أيّامه في الحبس ، فلما قام الفاروق بالأمر أمر بإطلاقهم ، فرجع بعضهم إلى أوطانهم ، و بعضهم سكن البصرة » ٢ .

قوله عليه السّلام : « و المغانم و الأحكام ، و إمامة المسلمين البخيل » قال حميد بن ثور في ابن الزبير أيّام قيامه :

قدني من نصر الخبيبين قدى

ليس الامام بالشّحيح الملحد

و قال آخر فيه :

رأيت أبا بكر أي ابن الزبير و ربّك غالب

على أمره يبغي الخلافة بالتّمر

و قال عمر للزّبير بعد أن ذكره في ستّة الشورى ، و لعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من الشعير ، و الإمام كالنّبي يجمعهما عنوان الولاية .

و في ( الطبري ) لمّا فرغ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب و اتّبعه النّاس يقولون : يا رسول اللّه أقسم علينا فيئنا الابل و الغنم ، حتّى ألجؤوه إلى شجرة ، فاختطفت الشجرة عنه رداءه ، فقال : ردّوا عليّ ردائي أيّها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٩٧ سنة ١٢ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٥٨١ سنة ١٢ .

( ٢ ) الفتوح لابن الأعثم ١ : ٧٤ ، و النقل بالمعنى .

٥٦٤

الناس ، فو اللّه لو كان لي عدد شجر تهامة نعما لقسمتها عليكم . ثمّ مالقيتموني بخيلا ، و لا جبانا ، و لا كذّابا ١ .

« فيكون في أموالهم نهمته » في ( الكامل ) أمر القاهر في سنة ( ٣٢١ ) بتحريم الغناء و ببيع الجواري المغنّيات على أنّهن سواذج لا يعرفن الغناء ، و كان مشتهرا بالسّماع ، و كان أمره ذلك وسيلة ليأخذ مغنّيات النّاس بأرخص الأثمان ، فوضع من يشتري له كلّ حاذقة في الغناء رخيصا ٢ .

و فيه : و أمر القاهر في تلك السّنة أيضا بقتل أبي السّرايا بن حمدان و إسحاق النوبختي ، مع كون إسحاق هو الذي أشار على الناس باستخلافه ،

و سبب قتلهما حقده عليهما ، لأنّه كان قبل خلافته أراد شراء مغنيتين فزادا في الثمن عليه ، فحقد فاستدعاهما للمنادمة فتزيّنا و تطيّبا ، فلمّا حضرا أمر بإلقائهما إلى بئر في الدّار ، فتضرّعا و بكيا ، فلم يلتفت إليهما ، و ألقاهما فيه و طمّها عليهما ٣ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : أعطى عثمان عمّه الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه مائة ألف درهم من بيت مال المسلمين ، و أقطع ( مهزورا ) موضع سوق المدينة الّذي تصدّق به النّبي صلى اللّه عليه و آله على المسلمين الحارث بن الحكم أخا مروان ، و أقطع مروان فدك التي هي صدقة النّبي صلى اللّه عليه و آله ، و افتتح إفريقية و وهب جميع خمسها لمروان أيضا ٤ .

« و لا الجاهل » قال عليّ بن ميثم لأبي الهذيل : ألست تعلم أنّ إبليس ينهى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٥٨ سنة ٨ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٢٧٣ سنة ٣٢١ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير ٨ : ٢٩٥ سنة ٣٢٢ ، و النقل بتصرف في اللفظ ، و قول الشارح « في تلك السنة » خلط بين سنة ٣٢١ و ٣٢٢ .

( ٤ ) هذه الأمور روايات مشهورة جاء قريب منها في خلفاء ابن قتيبة ١ : ٣٢ ، لكن لم أظفر على هذا اللفظ فيه .

٥٦٥

عن الخير كلّه ، و يأمر بالشرّ كلّه ؟ فقال : نعم . فقال : أفيجوز أن يأمر بالشّرّ كلّه و هو لا يعرفه ، و ينهى عن الخير كلّه و هو لا يعرفه ؟ قال : لا . فقال له : قد ثبت أنّ إبليس يعلم الشّرّ كلّه و الخير كلّه . قال : أجل . قال : فأخبرني عن إمامك الذي تأتمّ به بعد الرّسول صلى اللّه عليه و آله هل يعلم الخير كلّه ، و الشرّ كلّه ؟ قال : لا . قال : فإبليس أعلم من إمامك إذن . فانقطع أبو الهذيل ١ .

و سئل أبو بكر عن قوله تعالى : و فاكهة و أبّا ٢ ، فقال : أي سماء تظلّني أم أي أرض تقلّني إن قلت في كتاب اللّه بما لا أعلم ، أمّا الفاكهة فنعرفها ،

و أمّا الأبّ فاللّه أعلم به . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : سبحان اللّه أما علم أنّ الأبّ هو الكلأ و المرعى ، و أنّ قوله تعالى : و فاكهة و أبّا اعتداد من اللّه تعالى بإنعامه على خلقه بما غذّاهم ، و خلقه لهم و لأنعامهم . . . ٣ .

أشار عليه السّلام إلى أنّ درجة جهله كانت بحيث لم يتفطّن لتفسير القرآن للأبّ في قوله تعالى بعد : متاعا لكم و لأنعامكم ٤ .

و كذلك سئل أبو بكر عن الكلالة فقال : أقول فيها برأيي ، فإن أصبت فمن اللّه ، و إن أخطأ فمن نفسي و من الشيطان . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : ما أغناه عن الرّأي في هذا المكان ، أما علم أنّ الكلالة هم الإخوة و الأخوات من قبل الأب و الامّ ، و من قبل الأب على انفراده ، و من قبل الامّ أيضا على حدّها ؟ قال تعالى : يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد و له اخت

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المرتضى في الفصول المختارة : ٦ .

( ٢ ) عبس : ٣١ .

( ٣ ) حديث جهل أبي بكر معنى الأبّ و الكلالة مشهور ، لكن مع هذا الذيل عن علي عليه السّلام أخرجهما المفيد في الارشاد : ١٠٧ .

( ٤ ) عبس : ٣٢ .

٥٦٦

فلها نصف ما ترك . . . ١ ، و قال تعالى : . . . و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس . . . ٢ ، أشار عليه السّلام إلى أنّ درجة جهله كانت بحيث لا تفرّق بين المنصوص و غير المنصوص .

« فيضلّهم بجهله » فجر رجل بمجنونة فأمر عمر بلجدها ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أما علم أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق ؟ إنّها مغلوبة على عقلها و نفسها . فقال عمر : لقد كدت أن أهلك في جلدها ٣ .

و أمر عمر أيضا برجم حامل زنت ، فقال عليه السّلام له : هب إنّ لك سبيلا عليها ،

أيّ سبيل لك على ما في بطنها ، و اللّه تعالى يقول : و لا تزر وازرة وزر أخرى . . . ٤ فقال عمر : لا عشت لمعضلة لا تكون لها . فما أصنع بها ؟ قال :

احتط عليها حتّى تلد ، فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله ، أقم عليها الحدّ ٥ .

و أتى عمر أيضا بأمرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها ، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى قال : . . . و حمله و فصاله ثلاثون شهرا . . . ٦ و قال جلّ و علا : و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة . . . ٧ فإذا تمّمت المرأة الرّضاعة سنتين و كان حمله و فصاله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١٧٦ .

( ٢ ) النساء : ١٢ .

( ٣ ) رواه أبو داود بأربع طرق في سننه ٤ : ١٤٠ ، ١٤١ ح ٤٣٩٩ ٤٤٠٢ ، و أحمد بطريقين في مسنده ١ : ١٤٠ ، ١٥٤ ، و ابن شاذان في الايضاح : ١٠٠ ، و المفيد في الارشاد : ١٠٩ ، و الاختصاص : ١١١ ، و القاضي النعمان في الدعائم ٢ :

٤٥٦ ح ١٦٠٧ ، و أشار إليه البخاري في صحيحه ٤ : ١٧٦ و غيرهم .

( ٤ ) فاطر : ١٨ .

( ٥ ) مسند زيد : ٣٣٥ ، و الايضاح لابن شاذان : ٩٩ ، و الإرشاد للمفيد : ١٠٩ ، و الاختصاص : ١١١ ، و الذريعة للمرتضى ٢ :

٧٦٥ ، و الدعائم للقاضي النعمان ٢ : ٤٥٣ ح ١٥٨٤ و غيرها .

( ٦ ) الأحقاف : ١٥ .

( ٧ ) البقرة : ٢٣٣ .

٥٦٧

ثلاثين ، كان الحمل منها ستّة أشهر . فخلّى عمر سبيلها ١ .

و أمر عمر أيضا برجم امرأة شهد عليها جمع أنّ رجلا يطؤها في بعض المياه ، فقالت : « اللهمّ إنّك تعلم أنّي بريئة » . فغضب عمر و قال : و تجرّحين الشهود أيضا . فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و كان شاهدا ردّوها و اسألوها فلعلّ لها عذرا ، فردّت و سئلت عن حالها ، فقالت : كان لأهلي إبل ، فخرجت في إبل أهلي و حملت معي ماء و لم يكن في إبل أهلي لبن ، و خرج معي خليطنا و كان في إبله لبن ، فنفد مائي فاستسقيته فأبي أن يسقيني حتّى أمكّنه من نفسي فأبيت ،

فلمّا كادت نفسي أن تخرج أمكنته من نفسي كرها . فقال عليه السّلام : اللّه أكبر . . . فمن اضطرّ غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه . . . ٢ . فخلى عمر سبيلها ٣ .

و نكح شيخ كبير امرأة فحملت فأنكره ، و زعم أنّه لم يصل إليها ، فسألها عثمان هل افتضّك ؟ قالت : لا . فقال : أقيموا عليها الحدّ . فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و كان شاهدا : إنّ للمرأة سمين : سم للحيض ، و سمن اللبول . فلعلّ الشيخ سال ماؤه في سم المحيض فحملت . فسئل الشيخ ، فقال : قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض . فقال عليه السّلام : الحمل له و الولد ولده ، و أرى عقوبته على الإنكار . فصار عثمان إلى قضائه و تعجّب منه ٤ .

و روى الخطيب في الهياج بن بسطام مسندا عن أبي سعيد الخدري قال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه ، و عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر عنهم الدر المنثور ١ : ٢٨٨ ، و ٦ :

٤٠ ، و ابن شاذان في الايضاح : ٩٨ ، و المفيد في الارشاد : ١١٠ ، و القاضي النعمان في الدعائم ١ : ٨٦ ، و غيرهم و روى نحو ذلك بين عليّ عليه السّلام و عثمان و بين ابن عباس و عمر و بينه و عثمان.

( ٢ ) البقرة : ١٧٣ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ٤ : ٢٥ ح ٤٠ ، و تفسير العياشي ١ : ٧٤ ح ١٥٥ و الإرشاد للمفيد : ١١٠ ، و التهذيب للطوسي ١٠ : ٤٩ ح ١٨٦ و غيرهم .

( ٤ ) الارشاد للمفيد : ١١٢ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٧٠ .

٥٦٨

خطبنا عمر فقال : إنّي لعليّ أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ، و آمركم بأشياء لا تصلح لكم ، و أنّ من آخر القرآن نزولا آية الربا ، و أنّه قد مات النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و لم يبيّنها لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . . . ١ .

قلت : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال في مرض موته : « ايتوني بدواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي أبدا » فقلت أنت أيّها الفاروق : « إنّ الرجل ليهجر ، يكفينا كتاب اللّه » ٢ فكيف تقول في خطبتك : مات النبيّ و لم يبيّن لنا آية الرّبا ؟ ٣ و على قولك بقي دينه ناقصا ، فكيف قال تعالى : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا . . . ٤ ، و إذا لا تعرف الصلاح من الفساد ،

كيف تأمر و تنهى ؟

و روى في عثمان بن سعيد عن ابن مسعود أنّ عمر خطب بالجابية فقال : إنّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء . فقال : قسّ من تلك القسوس : ما يقول أميركم هذا ؟ قالوا : يقول : إنّ اللّه يضلّ من يشاء ، و يهدي من يشاء . فقال القسّ : « برقشت ، اللّه أعدل أن يضلّ أحدا » . فبلغ ذلك عمر فبعث إليه فقال : بل اللّه أضلّك ، و لو لا عهدك لضربت عنقك ٥ .

و رواه الأعثم في ( تاريخه ) ٦ : أفّ لكم و لما تعبدون من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب ١٤ : ٨٠ .

( ٢ ) أخرجه البخاري بطرق في صحيحه ١ : ٣٢ ، و ٤ : ٧ ، ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٢٢ ، و أحمد بطريقين في مسنده ١ : ٣٢٤ ، ٣٣٦ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٣٧ ، و الجوهري في السقيفة : ٧٣ ، و غيرهم عن ابن عبّاس ، و روي أيضا عن علي عليه السّلام و سلمان و أبي ذر و المقداد و جابر و عمر .

( ٣ ) رواه ابن ماجه في سننه ٢ : ٧٦٤ ح ٢٢٧٦ ، و أحمد في مسنده ١ : ٣٦ ، ٤٩ ، و ابن جرير بطريقين و ابن الضريس و ابن المنذر و ابن مردويه عنهم الدر المنثور ١ : ٣٦٥ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب ١١ : ٢٩٠ .

( ٦ ) الفتوح لابن الأعثم ١ : ٢٩٨ .

٥٦٩

دون اللّه . . . ١ ، اتّخذوا إماما عارا على الاسلام يطعن به النصارى فيه ،

و القرآن و إن تضمّن هذا اللفظ لكن لم يقتصر عليه ، بل بيّن المراد به . فقال بعده : و ما يضلّ به إلاّ الفاسقين . الّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه . . . ٢ .

« و لا الجافي فيقطعهم بجفائه » ذكروا أنّ عمر قال للزّبير بعد جعله أحد ستّة الشورى : أنت مؤمن الرّضا كافر الغضب ، يوما إنسانا و يوما شيطان ،

فليت شعري من يكون للنّاس إماما يوم تكون شيطانا ، و من يكون يوم تغضب اماما ، و ما كان اللّه ليجمع لك أمر هذه الأمّة و أنت على هذه الصفة .

قلت : يقال لهذا الرّجل : العيب الذي ذكرت للزبير مشترك بينه و بين صاحبك ، فقد قال صاحبك على المنبر حين ولّي الأمر : « إنّ لي شيطانا يعتريني » ٣ .

و كذلك هو مشترك بينه و بينك ، قال الجزري في ( كامله ) : ارتدّ أبو شجرة ابن عبد العزّى السلمي ، و هو ابن الخنساء في من ارتدّ من سليم ، و قال :

صحا القلب عن ميّ هواه و أقصرا

إلى أن قال :

فروّيت رمحي من كتيبة خالد

و إنّي لأرجو بعده أن أعمّرا

ثمّ إنّه أسلم ، فلمّا كان زمن عمر قدم المدينة فرأى عمر و هو يقسم في المساكين ، فقال : أعطني فإنّي ذو حاجة . فقال : و من أنت ؟ قال : أنا أبو شجرة .

قال : أي عدوّ اللّه لا و اللّه ، ألست الذي تقول : « فروّيت رمحي . . . » ؟ و جعل يعلوه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنبياء : ٦٧ .

( ٢ ) البقرة : ٢٦ ٢٧ .

( ٣ ) نقله الطبري في تاريخه ٢ : ٤٦٠ سنة ١١ ، و ابن راهويه في مسنده ، و أبوذر الهروي في الجامع عنهما منتخب كنز العمال ٢ : ١٦١ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٦ و غيرهم ضمن خطبة له بعد البيعة .

٥٧٠

بالدّرّة في رأسه ، فسبقه عدوا إلى ناقته ، و قال :

ضنّ علينا أبو حفص بنائله

و كلّ مختبط يوما له ورق

١ و قد أجاب الزبير نفسه عمر بأنّه ليس أعيب منه ، فقال له : ولّيتها أنت و لسنا دونك في قريش ، و لا في السّابقة ، و لا في القرابة .

« و لا الحائف للدّول فيتّخذ قوما دون قوم » روت العامّة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : خلا عمر لبعض شأنه ، و قال : امسك على الباب . فطلع الزّبير فكرهته حين رأيته ، فأراد أن يدخل ، قلت : هو على حاجة . فلم يلتفت إليّ و أهوى ليدخل ،

فوضعت يدي في صدره ، فضرب أنفي فأدماه . ثمّ رجع . فدخلت على عمر ،

فقال : ما بك ؟ قلت : الزبير . فأرسل إلى الزّبير ، فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ أدميتني للناس . فقال الزبير يحكيه و يمطّط في كلامه أدميتني ، أتحتجب عنّا يا بن الخطّاب ؟ فو اللّه ما احتجب منّي النّبي و لا أبو بكر . فقال عمر كالمعتذر : إنّي كنت في بعض شأني . قال أسلم فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقّي منه . و خرج الزبير ، فقال عمر : إنّه الزبير ، و آثاره ما تعلم ٢ .

و كان عمر منع طلحة و الزّبير من الخروج من المدينة لجهاد فارس و الروم ، و لئلاّ يحدث لهما خيال قيام ، مع كون استيلائه على الأمر بحيث أمر أن يضرب عنق أمير المؤمنين عليه السّلام بعده لو أبي عن قبول دستوره في شوراه ،

ليصل الأمر إلى عثمان ثمّ إلى معاوية و باقي بني أميّة ، لينتقموا من النّبيّ صلى اللّه عليه و آله باستيصال أهل بيته ، فقال يزيد في أبياته :

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لأبن الأثير ٢ : ٣٥١ سنة ١١ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٤٩٣ سنة ١١ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٥ شرح الخطبة ٢٢٦ .

٥٧١

بل كان تسلّطه و استيلاؤه قبل سلطنته و سلطنة صاحبه لتحالفه مع قريش أعداء النّبي صلى اللّه عليه و آله ، بحيث منع النّبي صلى اللّه عليه و آله من الوصيّة ، و لم يكترث هو كصاحبه بأمر النّبي صلى اللّه عليه و آله مرّة بعد مرّة بتجهيز جيش أسامة مع لعنه المتخلّف عنه ١ .

و أيّ شي‏ء كان يحدث من طلحة و الزبير وقت غاية اقتداره حتّى حظر عليهما هذه الفريضه العظيمة ، لولا رعاية السياسة الملوكيّة و الاهمال لجانب مقتضيات الشريعة ، و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمّا استأذنه الرجلان طلحة و الزبير للخروج إلى مكّة باسم العمرة مع قطعه بإرادتهما الغدرة خلاّهما مع شدّة اضطراب أمره ٢ ، لأنّهما أرادا أن يتّخذهما واليا بلا استحقاق ، و ما كان عليه السّلام متّخذ المضلّين عضدا ٣ ، و إن صار أمرهما سببا لأمر معاوية ، و أمر معاوية لأمر الخوارج ، و صيرورة الأمر إلى ما صار إليه .

« و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع » كان عمر يعطي عايشة و حفصة في كلّ سنة عشرة آلاف درهم ، و يمنع أهل بيت النّبي صلى اللّه عليه و آله خمسهم الذي عيّنه اللّه لهم في كتابه ، و بيّنه الرسول صلى اللّه عليه و آله في سنّته ،

و كان يفضّل الأشراف على غيرهم في العطاء تأليفا لهم على خلاف الكتاب و السّنّة .

« و لا المعطّل للسّنّة فتهلك الامّة » قد عطّل عمر حدّ اللّه تعالى في المغيرة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمر النّبي صلى اللّه عليه و آله بتجهيز جيش أسامة أخرجه ابن هشام في السيرة ٤ : ٢١٩ ، و الواقدي في المغازي ٢ : ١١١٩ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ١٣٧ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣١ سنة ١١ ، و لعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله من تخلف عن جيشه .

أخرجه الجوهري في السقيفة : ٧٥ مسندا ، و رواه الشهرستاني في الملل و النحل ١ : ٢٩ ، و الكوفي في الاستغاثة : ٢٥ ، و القاضي النعمان في الدعائم ١ : ٤١ مجردا .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٦٥ سنة ٣٦ ، و مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٧ ، و تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ .

( ٣ ) الكهف : ٥١ .

٥٧٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

شعبة المعلوم النفاق بالاتفاق لكونه من أعوانه ، و لقّن الشاهد الرابع الامتناع من أداء الشهادة عليه ، و قال : لذاك الشاهد بأنّه ينفس على مثله من المهاجرين الأوّلين ، مع أنّ إمامهم الثالث عثمان لمّا نقموا عليه توليته المنافقين كالوليد ابن عقبة الذي صلّى الصبح بالناس أربعا سكرانا اعتذر بأنّ عمر أيضا كان يولّي المغيرة ، و كان منافقا و أمين أمّتهم عبد الرحمن بن عوف ، قال للمغيرة لما بويع عثمان و قال له المغيرة : لو بويع غيرك ما بايعناه أنت منافق ، لو كان بويع غيره كنت تقول له أيضا ذلك . و صار إبقاء عمر للمغيرة سببا لهلاك الامّة بحمله معاوية على استخلاف ابنه يزيد ، مع أنّ مثل مروان و زياد كانا أيضا منكرين لتولية يزيد ، حمله المغيرة على ذلك لئلاّ يعزله عن حكومة الكوفة ، فانجرّ الأمر إلى أنّ الخليفة يرتكب ما فيه الحدّ و يجرون الحدّ على الناس ، فلمّا بلغ يزيد أنّ مسور بن مخرمة النوفلي كان يقول : يزيد يشرب الخمر . كتب إلى والي المدينة أن يجلده الحدّ ، فجلده الوالي فقال مسور :

أ يشربها صرفا بفكّ ختامها

أبو خالد و يجلد الحدّ مسور

و بالجملة أين الإمام الذي خليفة النّبي صلى اللّه عليه و آله الذي هو خليفة اللّه ، و أين أولئك الجفاة الأجلاف من أوّلهم إلى آخرهم ، أما قال تعالى : . . . لا ينال عهدي الظالمين ١ ؟

و من الأمثال : متى كان حكم اللّه في كرب النّخل ٢ . و إنّما تصدّوا للسلطنة ، و قد قال تعالى : قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممّن تشاء . . . ٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢٤ .

( ٢ ) المستقصى للزمخشري ٢ : ٣٤٠ .

( ٣ ) آل عمران : ٢٦ .

٥٧٣

٤

من الخطبة ( ٢ ) و منها يعني آل النبيّ عليهم السّلام :

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَ لَجَأُ أَمْرِهِ وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ وَ جِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ اِنْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَذْهَبَ اِرْتِعَادَ فَرَائِصِهِ وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْمٍ آخَرِينَ اَلْمُنَافِقِينَ زَرَعُوا اَلْفُجُورَ وَ سَقَوْهُ اَلْغُرُورَ وَ حَصَدُوا اَلثُّبُورَ لاَ يُقَاسُ ؟ بِآلِ مُحَمَّدٍ ص ؟ مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لاَ يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ اَلدِّينِ وَ عِمَادُ اَلْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ اَلْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ اَلتَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ اَلْوِلاَيَةِ وَ فِيهِمُ اَلْوَصِيَّةُ وَ اَلْوِرَاثَةُ اَلْآنَ إِذْ رَجَعَ اَلْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ أقول : قال الجاحظ كما نقل عنه ( ينابيع مودّة الحنفي ) : إنّ الخصومات نقضت العقول السليمة ، و أفسدت الأخلاق الحسنة ، من المنازعة في فضل أهل البيت على غيرهم ، فالواجب علينا طلب الحق و اتّباعه ، و طلب مراد اللّه في كتابه و ترك التعصّب و الهوى ، و طرح تقليد السلف ، و الأساتيذ و الآباء . و اعلم أنّ اللّه لو أراد أن يسوّي بين بني هاشم و بين النّاس لما اختصّهم بسهم ذوي القربى ، و لما قال : و انذر عشيرتك الأقربين ١ ، و قال : و إنّه لذكر لك و لقومك و سوف تسألون ٢ . فإذن كان لقومه ما ليس لغيرهم ، فكلّ من كان أقرب منه صلى اللّه عليه و آله كان أرفع قدرا ، و لو سوّاهم اللّه بالنّاس لما حرّم عليهم الصدقة ،

و ما هذا التحريم إلاّ لكرامتهم على اللّه و طهارتهم ، و لهذا قال عليّ كرّم اللّه وجهه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) الزخرف : ٤٤ .

٥٧٤

على منبر الجماعة : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد . . . » ١ .

و قال محمّد بن جرير بن رستم الطبري في ( مسترشده ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له : « هلك من قارن حسدا ، و قال باطلا و والى على عداوتنا ، أو شكّ في فضلنا ، إنّه لا يقاس بنا آل محمّد من هذه الامّة أحد ، و لا سوّي بنا من جرت نعمتنا عليهم . نحن أطول الناس أغراسا ، و نحن أفضل الناس أنفاسا ، و نحن عماد الدين ، بنا يلحق التالي ، و إلينا يفي‏ء الغالي ، و لنا خصائص حقّ الولاية ، و فينا الوصيّة و الوراثة ، و حجّة اللّه عليكم ، في حجّة الوداع يوم غدير خم ، و بذي الحليفة ، و بعده المقام الثالث بأحجار الزّيت ، تلك فرائض ضيّعتموها ، و حرمات انتهكتموها ، و لو سلّمتم الأمر لأهله سلمتم ،

و لو أبصرتم باب الهدى رشدتم ، اللهمّ إنّي قد بصّرتهم الحكمة ، و دللتهم على طريق الرحمة ، و حرصت على توفيقهم بالتنبيه و التذكرة ، و دللتهم على طريق الجنّة بالتبصّر و العدل و التأنيب ، ليثبت راجع و يقبل ، و يتّعظ مذكّر فلم يطع لي قول : اللهمّ إنّي أعيد عليهم القول ليكون أثبت للحجّة عليهم . يا أيّها الناس اعرفوا فضل من فضّل اللّه ، و اختاروا حيث اختار اللّه ، و اعلموا أنّ اللّه قد فضّلنا أهل البيت بمنّه حيث يقول : . . . إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ . فقد طهّرنا اللّه من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، و من كلّ دنيّة و كلّ رجاسة ، فنحن على منهاج الحقّ ، و من خالفنا فعلى الباطل . و اللّه لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحق ٣ .

و قال عليه السّلام أيضا كما في تفسير علي بن إبراهيم القمي : و لقد علم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) ينابيع المودة للقندوزي : ١٥٢ عن فضائل بني هشام للجاحظ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) المسترشد : ٩٠ ٩١ .

٥٧٥

المستحفظون من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّي و أهل بيتي مطهّرون ، فلا تسبقوهم فتضلّوا ، و لا تتخلّفوا عنهم فتزلّوا ، و لا تخالفوهم فتجهلوا ، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، هم أعلم الناس كبارا ، و أحلم الناس صغارا ،

فاتبعوا الحقّ و أهله حيث كان ١ .

و روى الشيخان في ( أماليهما ) عن الأصبغ قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السّلام في نفر من الشيعة ، و كنت فيهم ، فقال عليه السّلام للحارث :

كيف تجدك ؟ قال : نال الدّهر منّي ، و زادني أو ارا اختصام أصحابك ببابك .

فقال عليه السّلام : و فيم خصومتهم ؟ قال : فيك و في الثلاثة من قبلك ، فمن مفرط غال ،

و مفرّط قال ، و من متردّد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم . فقال : حسبك يا أخا همدان ألا إنّ خير شيعتي النّمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، و بهم يلحق التالي . فقال له الحارث : لو كشفت الرّين عن قلوبنا ، و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا . فقال عليه السّلام : فإنّك امرء ملبوس عليك ، إنّ دين اللّه لا يعرف بالرّجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحقّ تعرف أهله . يا حارث إنّ الحقّ أحسن الحديث ، و الصادع به مجاهد ، و بالحقّ أخبرك ، فأعرني سمعك ، ثمّ خبّر به من كان له حصافة من أصحابك ، ألا إنّي عبد اللّه و أخو رسوله ، و صدّيقه الأكبر ،

صدّقته و آدم بين الرّوح و الجسد ، ثمّ إنّي صدّيقه الأوّل في أمّتكم حقّا ، فنحن الأوّلون ، و نحن الآخرون ، و نحن خاصّته و خالصته ، و إنا صنوه و وصيّه و وليّه و صاحب نجواه و سرّه ، أوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب و علم القرون و الأسباب ، و استودعت ألف مفتاح يفتح كلّ مفتاح ألف باب ، يفضي كلّ باب إلى ألف ألف عهد ، و أيّدت بليلة القدر نفلا ، و إنّ ذلك يجري لي و لمن استحفظ من ذرّيتي ما جرى الليل و النهار . و ابشرك يا حارث لتعرفني عند

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤ ، و الغيبة للنعماني : ٢٩ .

٥٧٦

الممات ، و عند الصراط ، و عند الحوض ، و عند المقاسمة . قال الحارث : و ما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النّار ، أقاسمها قسمة صحيحة ، أقول : هذا ولييّ فاتركيه ، و هذا عدوّي فخذيه .

ثمّ أخذ عليه السّلام بيده فقال : يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيدي ، فقال لي و قد شكوت إليه حسد قريش و المنافقين : إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل اللّه و حجزته ، و أخذت أنت بحجزتي ، و أخذ ذريتك بحجزتك ،

و أخذ شيعتكم بحجزتكم فماذا يصنع اللّه بنبيّه ، و ماذا يصنع نبيّه بوصيّه ؟

خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت و لك ما اكتسبت يقولها ثلاثا فقام الحارث يجرّ رداءه و هو يقول : ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني . قال جميل بن صالح راوي الخبر عن أبي خالد الكابلي عن الأصبغ بن نباتة ، و أنشدني أبو هاشم السيّد الحميري :

قول عليّ لحارث عجب

كم ثمّ اعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بنعته و اسمه و ما عملا

و أنت عند الصّراط تعرفني

فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنّار حين توقف للعرض

دعيه لا تقربي الرّجلا

دعيه لا تقربيه أنّ له

حبلا بحبل الوصيّ متّصلا

١ قول المصنّف : « و منها يعني آل النّبيّ » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( إبن ميثم و الخطية ) ٢ : « منها و يعني آل النّبيّ » و في ( ابن أبي الحديد ) ٣ :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الامالي للمفيد : ٣ ح ٣ المجلس ١ ، و أمالي الطوسي ٢ : ٢٣٨ المجلس ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) في شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ مثل المصرية أيضا .

٥٧٧

« و منها و يعني آل محمّد » فالواو ساقطة من ( المصرية ) قطعا .

« عليه الصّلاة و السّلام » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية ) ١ : « صلّى اللّه عليه و آله » و زاد الأخير و « سلّم » ٢ .

قوله عليه السّلام : « موضع سرّه » قال الصادق عليه السّلام لخيثمة : نحن شجرة النّبوّة ،

و بيت الرّحمة ، و مفاتيح الحكمة ، و معدن العلم ، و موضع الرسالة ، و مختلف الملائكة ، و موضع سرّ اللّه ٣ .

« و لجأ أمره » قال الصادق عليه السّلام : إنّ الناس في ليلة القدر في صلاة و دعاء و مسألة ، و صاحب هذا الأمر في شغل تنزّل الملائكة إليه بامور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها ٤ .

و قال الباقر عليه السّلام لأبي إسحاق النحوي : و نحن فيما بينكم و بين اللّه تعالى ، ما جعل اللّه تعالى لأحد خيرا في خلاف أمرنا ٥ .

« و عيبة علمه » أي : مخزنه ، قال الصادق عليه السّلام : نحن ولاة أمر اللّه ، و خزنة علمه ، و عيبة وحيه ، و نحن الرّاسخون في العلم ، و نحن نعلم تأويله ٦ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) أتى رجل الحسن عليه السّلام فسأله ، فقال : إنّ المسألة لا تصلح إلاّ في غرم فادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة . فقال الرّجل : ما جئت إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ مثل المصرية أيضا ، و لا يوجد فيهما زيادة .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٥ مثل المصرية أيضا ، و لا يوجد فيهما زيادة .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٢٢١ ح ٣ ، و البصائر للصفار : ٧٧ ح ٦ في صدر حديث عن الصادق عليه السّلام ، و : ٧٧ ح ٣ عن الباقر عليه السّلام .

( ٤ ) البصائر للصفار ٢٤٠ ضمن الحديث ٢ .

( ٥ ) أخرجه الكليني بطريقين في الكافي ١ : ٢٦٥ ح ١ ، و الصفار بطريقين في البصائر : ٤٠٤ ح ٤ ، ٥ .

( ٦ ) هذا تأليف حديثين : الأوّل حديث الصادق عليه السّلام : « نحن ولاة أمر اللّه ، و خزنة علم اللّه ، و عيبة وحي اللّه » أخرجه في صدر حديث الصفار في البصائر : ١٢٥ ح ٨ ، و الكليني في الكافي ١ : ١٩٢ ح ١ . و الثاني حديث : « نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله » أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢١٣ ح ١ ، و الصفار في البصائر : ٢٢٣ ح ٥ عن الصادق عليه السّلام ، و : ٢٢٤ ح ٧ عن الباقر عليه السّلام .

٥٧٨

في إحداهنّ . فأمر له بمائة دينار ، ثمّ أتى الحسين عليه السّلام فسأله ، فقال له مثل مقالة أخيه ، فردّ عليه كما ردّ على الحسن عليه السّلام ، فقال له : كم أعطاك ؟ قال : مائة . فنقّص دينارا كره أن يساوي أخاه ، ثمّ أتى إلى ابن عمر فسأله ، فأعطاه سبعة دنانير ،

و لم يسأله عن شي‏ء ، فقال له : إنّي أتيت الحسن و الحسين عليهما السّلام و اقتصّ كلامهما و فعلهما به ، فقال له عبد اللّه : و يحك ، و أنّى تجعلني مثلهما ، إنّهما غذّيا العلم ١ .

و في ( عقد ابن عبد ربه ) كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ، و لأغزينك جنودا مائة ألف و مائة ألف . فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى عليّ بن الحسين ، و يتوعّده و يكتب إليه بما يقول ، ففعل . فقال عليه السّلام : إنّ اللّه عزّ و جل لوحا محفوظا يلحظه كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلاّ يحيي فيها و يميت و يعزّ و يذلّ ، و يفعل ما يشاء ، و إنّي لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة . فكتب به الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان ، و كتب به عبد الملك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلاّ من كلام النّبوّة ٢ .

« و موئل حكمه » قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : المعيب على أمير المؤمنين عليه السّلام في شي‏ء من أحكامه كالمعيب على اللّه تعالى و على رسوله ، و الرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك باللّه . كان أمير المؤمنين عليه السّلام باب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه ، و سبيله الذي من سلك بغيره هلك ، و بذلك جرت الأئمّة عليهم السّلام واحدا بعد واحد ، جعلهم اللّه أركان الأرض أن تميد بهم ، و الحجّة البالغة على من فوق الأرض و من تحت الثّرى ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ١٤٠ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢ : ٦١ ، و في بعض النسخ « عبد اللّه بن الحسن » بدل « علي بن الحسين » .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٩٦ ضمن الحديث ١ ، و النقل بتصرف .

٥٧٩

« و كهوف كتبه » قال بريّة النصراني الذي أسلم هو و امرأته على يد الكاظم عليه السّلام للصادق عليه السّلام لمّا ابتدأ يقرأ الإنجيل له : أنّى لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها و نقولها كما قالوا . إنّ اللّه تعالى لا يجعل حجّة في أرضه يسئل عن شي‏ء فيقول : لا أدري ١ .

و قال الباقر عليه السّلام : إيّانا عنى اللّه تعالى في قوله : . . . قل كفى باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب ٢ .

و بعث محمّد بن عبد اللّه بن الحسن إلى الصادق عليه السّلام يستدعيه إلى منزله فأبى عليه السّلام ، فضحك محمّد و قال : ما منعه من إتياني إلاّ أنّه ينظر في الصحف .

فقال عليه السّلام : صدق ، إنّي أنظر في الصّحف الاولى . صحف إبراهيم و موسى ٣ . و قال له : سل نفسك و أباك هل ذلك عندكما ؟ فسكت ٤ .

و لمّا قال أبو حنيفة : إنّ علمه في صدره من قياساته ، و أنّ جعفر بن محمّد رجل صحفي . قال عليه السّلام : نعم أنا صحفي عندي صحف إبراهيم و موسى ٥ .

« و جبال دينه » قال أبو بصير للباقر عليه السّلام : إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أنّ شهادة ولد الزّنا تجوز . فقال : اللهمّ لا تغفر ذنبه ، ما قال اللّه للحكم : إنّه لذكر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢٢٧ ح ١ بفرق يسير ، و الصفار في البصائر : ١٥٦ ح ٤ ، و : ٣٦ ح ٢ ، و الصدوق في التوحيد : ٢٧٥ .

( ٢ ) أخرجه الصفار في البصائر : ٢٣٤ ، ٢٣٦ ح ١٢ ، ٢٠ عن الباقر عليه السّلام ، و هو في المصدر : ٢٣٤ ح ٧ ، و رواه الطبرسي في مجمع البيان ٦ : ٣٠١ عن الصادق عليه السّلام ، و الآية ٤٣ من سورة الرعد .

( ٣ ) الاعلى : ١٨ ١٩ .

( ٤ ) البصائر للصفار : ١٥٨ ح ١٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٥ ) علل الشرائع للصدوق : ٨٩ ح ٥ ، و النقل بالمعنى .

٥٨٠